موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي

كلمة قائد الثورة الإسلامية المعظم خلال إستقباله المشاركين في المسابقات الدولية للقرآن الكريم


بسم الله الرحمن الرحیم (1)

الحمد‌ لله ربّ العالمین، والصلاة والسلام علی سیدنا ونبینا أبي القاسم المصطفی محمد، وعلی آله الطیبین الطاهرین المعصومین.

أرحّب بجميع الحضور الكرام، ولاسيما الضيوف الأعزاء الوافدون من مختلف البلدان الإسلامية للمشاركة في هذا الحفل القرآني الكبير، وأخصّ منهم الأساتذة والحكّام والباحثين القرآنيين. كما وأتقدّم بالشكر للمسؤولين والمتصدّين الذين أقاموا هذه المراسيم البهيجة وأداروها بأتم وجه.

اعلموا أولاً أن ما بادرتم إليه يمثل حسنة كبرى، ففي جميع أقطار العالم الإسلامي أيما عملٍ يتم اليوم في سبيل القرآن ولأجل فهمه وإشاعته، يعد من أكبر الحسنات التي يمكن تصوّرها، ولقد كان عملكم هذا حسنة أيضاً. فأخلصوا النوايا لله بعيدة عن الهواجس النفسانية والدوافع المختلفة، ليتقبّل الباري عملكم بإذنه ومشيئته، وتنالون الأجر والثواب عند الله.

يجب أن تواصل الحركة القرآنية طريقها في بلادنا، ذلك أننا في بعد وغربة عن القرآن وجهل بمفاهيمه، وعلينا أن نسعى وأن نبذل قصارى جهدنا لكي تدخل المفاهيم القرآنية في عداد المفاهيم الرائجة والخطابات العامة للشعوب المسلمة في بلداننا. وسوف أتناول هذا الموضوع في فرصة لاحقة إن شاء الله.
والذي أقوله هنا هو أنّ المعارف والمفاهيم القرآنية المتوافرة لدينا، هي حقاً كفيلة ببناء حياة مقتدرة عزيزة للأمة الإسلامية وسببٌ في نجاة الأمة الإسلامية من البليات. وفي سبيل تطبيق هذه المفاهيم وتحقيقها، لابد أولاً من العمل على أن تكون هذا المفاهيم من بيّنات أفكار المجتمع الإسلامي ومن المفاهيم المؤكدة والواضحة لديه بحيث لا يتأتى لأي شيء صدّها والوقوف أمامها. نحن مازلنا نعاني من مشاكل في هذه المرحلة، وعلينا أن نسعى جاهدين لأن تتبدّل هذه المفاهيم في المجتمع الإسلامي إلى مسلّمات فكرية وإلى أكثر الأفكار المشتركة بين كافة الطبقات والشرائح رواجاً.. هذا ما يجب تحقيقه في مجال القرآن. وهذه الجلسات والاجتماعات والتلاوات وحالات الحفظ - وهي بأسرها ضرورية وحسنة - مقدمة لذلك الفهم والإدراك العام.

ومن هذه المفاهيم التي أودّ ذكرها على سبيل المثال قوله: ﴿فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَاانفِصَامَ لَهَا(2)؛ هذه هي واحدة من المعارف والأصول المتمثلة بالكفر بالطاغوت والإيمان بالله.  وهذا يعني أننا نقسّم عالم الوجود بأسره إلى قسمين:  قسم يختص بمنطقة نفوذ الطاغوت ويجب الكفر به، وآخر يتعلق بمنطقة نفوذ الله ويجب الإيمان والاعتقاد به.. هوية الإيمان في مقابل هوية الكفر. وهذا لا يعني الاشتباك المتواصل مع كل من يحمل هوية الكفر، ولا يعني القتال وقطع العلاقات وتبادل المعلومات، وإنما يعني استقلال هوية الإيمان وإيجاد حدود إيمانية فاصلة ليكون بمقدورها أن تصون نفسها وتحافظ عليها تجاه هوية الكفر والطاغوت وأن تتنامى وتتقدّم نحو الأمام.
ولكن ما هي المعاناة التي تعاني منها الأمة الإسلامية في المرحلة الراهنة؟ إنها تعاني من الهيمنة الغربية عليها في الجانبين الاقتصادي والسياسي.. هذه هي المعاناة. فالكثير من البلدان الإسلامية اليوم مجردة من الهوية الإسلامية؛ نعم، الناس تصلّي وتصوم ولربما تزكّي، ولكن المجتمع بمجموعه يفتقد الهوية الإسلامية؛ أي أنه لا يتسم بشخصية وحقيقة تقف أمام حقيقة الكفر والطاغوت. ولذلك تجد الغرب يتدخل في ثقافتهم وفي قناعاتهم وفي اقتصادهم وفي علاقاتهم الاجتماعية، وقد أحكم قبضته على سياستهم. وبما أن المجتمع الإسلامي والأمة الإسلامية لا ينطويان على هوية واحدة، ينتج من ذلك نشوب الصراع والتناحر والتنافر والاختلاف. إن عالم الكفر يسعى راهناً لإزالة هذه الهوية والقضاء عليها، أينما وجد منها بقية باقية في أيّ بقعة من بقاع الأرض.

هذا أصلٌ إسلامي: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن ْبِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَاانْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾، وهذه حقيقة، لو أدركناها بشكل صائب وتابعناها وأبدلناها إلى فهم عامّ في أوساط المجتمع الإسلامي والأمة الإسلامية، ماذا سيحدث من تحوّل؟! انظروا ما هو التحوّل الذي تُحقّقه في العالم الإسلامي هذه الحقيقة الواحدة؟! علماً بأن هناك مئات الحقائق القرآنية من هذا النمط. لو فهمنا هذه المسألة والمعرفة الواحدة بشكل صحيح وآمنّا بها وعملنا على نشرها، ماذا سيحدث؟!

لابد من فهم القرآن وإدراكه،فإننا في بعدٍ عن القرآن الكريم، والعدوّ بات يستغلّ بعدنا هذا. وهاهو يوماً بعد يوم يزرع فينا التجرّد من الإيمان، ويبثّ فينا بذرو الاستهتار والتبعية له. فانظروا إلى الدول والبلدان الإسلامية ولاحظوا ما هي الأوضاع الحاكمة عليهم في قبال أمريكا والصهانية والأعداء والناهبين! هذا هو من إفرازات الابتعاد عن القرآن. فلو تقرّبنا من القرآن، لملئت كل هذه الفجوات، وأغلقت كل هذه الثغرات، ولتجلّت هوية الإسلام في قبال هوية الكفر. وهذا هو ما نعنيه من قولنا: لو عملنا بالقرآن لصلحت شؤون الحياة.

ثمة معارفٌ قرآنيةٌ لابد وأن تتبدّل في أوساط الناس إلى خطابات عامة، وليتمّ تكرارها، والعمل فيما يخصها، وتدارسها، والتأليف فيها، وإنتاج الأعمال الفنية بواسطة الشعراء والأدباء والفنانين بشأنها لدرجة تدخل في عداد المعارف الواضحة والبيّنة في المجتمع الإسلامي، علماً بأنّ هذا ليس بالأمر المتعذّر والبعيد المنال، ولا يظنّنّ أحدٌ بأننا لو أردنا النهوض بهذه المهام، لطال الأمر مئة عام، كلا.. فلو شحذ أرباب القلوب ورجال الدين هممهم، لسرعان ما تحققت هذه الإنجازات، فلابد من متابعة الشؤون القرآنية بهذه الطريقة.

إنّ توفيقاتنا في التقرّب إلى القرآن على عهد الجمهورية الإسلامية لم تكن بالقليلة والحمد لله. ولقد كنا بعيدين كلّ البعد عن القرآن، وكان القرآن مهجوراً بالكامل إبّان حكم الطاغوت في هذا البلد، ولم يكن للقرآن أيّ أثرٌ في مدارسنا، بما فيها مدارس الأطفال والكبار والثانويات والجامعات، بل ولم يكن أثرٌ للقرآن في مجتمعنا أيضاً. وكانت الجلسات القرآنية رغم وجودها مهجورة، وهذا ما شاهدنا أمثلته عن كثب أو سمعنا بها في طهران ومشهد ومدنٍ أخرى، حيث كان يجتمع البعض وتُقرأ آيات من القرآن وينتهي الأمر. ولم يكن لحفظ القرآن والأنس به وتلاوته المستمرة ونشر معارفه وجود يومذاك إلا القليل جداً. والثورة الإسلامية هي التي قرّبتنا من القرآن وعرّفتنا عليه.

نحن نفتخر اليوم بأننا، وشبابنا، نحمل شوقاً وتوقاً للقرآن الكريم. ففي أي منطقة وأيّ مدينة في بلدنا إذا ماتم اليوم الإعلان عن جلسة قرآنية، هب ّالشباب للمشاركة فيها. ولكم أن تلاحظوا الجلسات القرآنية في جميع المدن وكل المحافل، حيث ينهالون عليها ويستمعون ويشاركون فيها، وهذا ماحدث ببركة الإسلام والثورة الإسلامية.

عليكم أنتم الراغبون في القرآن والقائمون على الشؤون القرآنية ألّا تتخلوا عن هذا الأمر وأن تتابعوه متابعة جادة، وألّا تقولوا حسبنا أننا بلغنا هذه المرحلة؛ كلا، فإن ّالعمل في سبيل القرآن لاينتهي أمده. وعلينا جميعاً أن نبذل بالغ جهدنا في هذا المضمار، وعلى عوائلنا وشبابنا وأبناء شعبنا أن يأنسوا بالقرآن.

 والذي يوطّد حالة الأنس بالقرآن هو حفظ الآيات القرآنية وإقامة هذه الجلسات المتكررة. فإن للأنس بالقرآن منافع جمة وفوائد كثير؛ منها أنه يسوقنا للإلمام بالمعارف القرآنية إن شاء الله.

سائلين الله سبحانه وتعالى أن يمنحكم الأجر والثواب، وأن يتغمّد الذين تجشموا العناء في هذا الطريق على مدى هذه الأعوام الطويلة بلطفه ورحمته، وأن يرفع درجات الماضين منهم ويحفظ الباقين لمجتمعنا، وأن يحشر إمامنا الخميني الجليل الفاتح لهذا الطريق مع أجداده الطاهرين ومع أهل القرآن في يوم القيامة، وأن يُدخلنا في زمرة أهل القرآن.

والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته

 

الهوامش:

  1. اقيمت هذه الجلسة في ختام الدورة الـ 34 للمسابقات الدولية للقرآن الكريم والتي إستمرت على مدى ثمانية أيام في العاصمة طهران.
  2. سورة البقرة، جزء من الآية 256.