موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي

كلمة قائد الثورة الإسلامية المعظم خلال إستقباله أساتذة الجامعات وأعضاء الهيئات العلمية والنخب الجامعية في اليوم السادس والعشرين من شهر رمضان المبارك

بسم الله الرحمن الرحیم(1)

والحمد لله ربّ العالمین، والصلاة والسلام علی سیدنا محمد، وآله الطاهرین، سیّما بقیة الله في الأرضین

قدمتم خير مقدم.. جلسةٌ كانت بالنسبة لي في غاية الحلاوة والفائدة، فقد قيلت فيها مسائل متنوعة في شتى مجالات العلم والتقنية. وقد استفدتُ مما أدلى به الإخوة والأخوات من كلمات. علماً بأن الكثير من هذه البحوث صالحة لأن تخضع للدراسة والبحث، أي لابد من مداولتها في بعض الأوساط، سواء المقترحات التي تُقدَّم، أو الإشكالات التي تُؤخَذ، بيد أن نفس هذه الحركة الذهنية والعلمية والروح النقّادة - والروح الهجومية بمعنى من المعاني - لدى أساتذة الجامعات في البلد بالنسبة لي أمرٌ مطلوب وجذاب للغاية. ومن الملفت أني وضعت التحلي بهذه الروح في جدول أبحاثي التي أعددتها هذا اليوم لأطالب بها الأساتذة.

والمسألة التي ذكرتها هذه السيدة في الأخير (إشارة إلى ما قالته السيدة خديجة ذوالقدر من المشاكل التي حصلت لطلاب المنح الدراسية)، والظلامة التي جرت (على الطلاب)، لابد وأن تخضع للمتابعة من قِبَل أعزائنا في المكتب، لأنها ظلامة يجب علينا من متابعتها، فليفتّشوا عن المشكلة. ولقد تناهى إلى مسامعي بالطبع ما يماثل هذه الموارد، وأنا بدوري نبّهتُ وزير العلوم المحترم(2) عليها، وعليه متابعتها بصورة جادّة.

أيها الإخوة والأخوات! تمرّ علينا الأيام الأخيرة من شهر رمضان. فاستفيدوا من هذه الرياضة التي استمرّت لمدة شهر ومن هذه اللطافة والرقة التي توافرت فيكم على أثر الصيام والدعاء والعبادة بصورة طبيعية استفادة قصوى. فإن تعزيز أواصر العلاقة بالله، لهو خير معين، وهو الحلّال للمشاكل. والمسائل التي ذُكرت هنا تنطوي على أجزاء صغيرة من مشاكلنا ومشاكل بلدنا ومشاكل ثورتنا ونظامنا. وهناك الكثير من المشاكل المتوفرة في القطاعات المختلفة التي تجب إزالتها بهمّتي وهمّتكم وجُهدي وجهدكم، وارتباطنا بالله يمنحنا القوة ويبثّ الأمل في نفوسنا ويُثلج صدورنا. أضف إلى ذلك أن جميع هذه الأبحاث الدنيوية مقدمة لتعالي الروح وللعروج، فاعرفوا قدر شهر رمضان. وهذا الدعاء «اَللّهُمَّ إِن لَم تَکُن رَضیتَ عَنّي في ما مَضیٰ مِن شَهرِ رَمَضان فَمِنَ الآنَ فَاَرضَ عَنّي»(3) دعاء مهم، فلو لم نتمكّن من نيل مرضاة الله حتى اليوم، فلنسأل الله أن يتغمّدنا بمرضاته أو مغفرته من هذه اللحظة.

وبالتالي فإن على عاتقكم تربية الشباب، وبوسعكم أن تتركوا أثراً في المجموعة الخاضعة لولايتكم العلمية والفكرية. فلو كنتم من أهل التوجه والتضرّع والارتباط القلبي بالله، سيتجه الشباب الخاضعون تحت مظلة تعليمكم وولايتكم العلمية نحو هذا الاتجاه بصورة طبيعية. وهذه هي واحدة من مشاكلنا في البيئة الجامعية. فلو أن أساتذتنا يحثّون الخطى نحو الأمام في الجوانب المطلوبة للبلد، سيتركون تأثيراً جلياً على المجموعة التابعة لهم وهي المجموعة الطلابية.

ثمة نقطة أخرى أطرحها في مستهلّ حديثي.. نحن على أعتاب يوم القدس، وهو يوم بالغ الأهمية، والسبب في ذلك لا يعود إلى مجرّد أننا ندافع عن شعبٍ مظلومٍ طُرد من وطنه ومن داره وحسب، وإنما نقوم في الحقيقة عبر عملنا هذا بمقارعة نظام سياسي استكباري جائر. فالدفاع عن فلسطين اليوم دفاعٌ عن الحقيقة.. حقيقة أوسع نطاقاً من القضية الفلسطينية بكثير، ومقارعة الكيان الصهيوني اليوم مقارعةٌ للاستكبار ولنظام الهيمنة. وكما تلاحظون فإن حديثكم ضدّ الكيان الصهيوني يثير عِداء ذلك المسؤول والسياسي الأمريكي وخصومته ضدّكم، شعوراً منه بأنكم قد وجّهتم إليه ضربة، وهذا هو واقع الأمر. ومن هنا فلابد من تعظيم يوم القدس، وإن مسيرة يوم القدس أيضاً تقع على جانب كبير من الأهمية.

إن كلامي الأساس في هذا اليوم - علماً بأنه ليس لدينا متّسع من الوقت، وسأتحدث بمقدار وسعي وما يسمح به الحال والمجال - يحوم حول الاهتمام بمسؤولية التعليم.. هذا هو حديثنا الرئيس. فالأستاذ بالتالي يلعب دوراً فريداً في البيئة الجامعية. ولا يتصوَّر بأن لكل واحد من هؤلاء الشباب قوله وفكره، فإنّ بوسعكم أن تتركوا أثراً بليغاً في نفوسهم وقلوبهم وأفكارهم وأن تحثّوهم على التفكير والحركة. ذلك أن لأستاذ الجامعة ومعلّم الطالب الشاب دورٌ لا نظير له ولا مثيل. فلو شعر الأستاذ بالمسؤولية، وكان ملتزماً، يحمل فكراً إيجابياً مفعماً بالأمل، وكان يتسم بالعزيمة والنية الحاسمة للمبادرة في البلد، سيترك أثره في نفوس الطلاب. ولو كان مؤمناً بعناصر وطنه وعناصر أرضه الأصيلة، ومعتقداً بأسس دينه ومباني ثورته، سيترك أثره في نفوس الطلاب. والعكس كذلك، فالأستاذ الذي عقد آماله على ما في خارج الحدود، والذي لا يؤمن مطلقاً بدائرة بلاده وبمفاهيم بلده الشائعة ومفاهيم هويته الوطنية المعتبرة ولا يعبأ بها، سيربّي الطالب على هذه الشاكلة بطبيعة الحال. وهذا ما شاهدناه في حقبة زمنية، ولا أروم الخوض في هذا البحث. ففي مرحلة بالغة المرارة في أوائل العهد البهلوي، شهد البلد أساتذة بهذا النمط، عملوا على تربية أيّ تلامذة، وتولّد أيّ جيلٌ. ولولا انتصار الثورة، لما كان يعلم إلا الله بأن هذا الجيل الذي كان في طريقه إلى الظهور، وكان مجرداً تماماً من جميع العناصر الدينية والوطنية والقومية الأصيلة ومن كل شيء، ما الذي كان سيصنعه في البلاد. فجاءت الثورة وأنقذت البلد حقاً، من حيث أن ذلك الجيل الناشئ الذي ترعرع في تلك المنظومة وفي تلك الجامعات وفي تلك البيئة، ما الذي كان سيفعله في هذا البلد لو أراد الإمساك بزمام الأمور. إذن هذا هو حديثنا في ما يتعلق بالأستاذ.

أيها الإخوة والأخوات الأعزاء! إن الجامعة على نمطها الغربي، وهي المتوافرة لدينا في الوقت الراهن - علماً بأننا لا نعلم الكثير عن ماضينا، ولا نعرف كيف كانت تلك الجامعات أو المدارس التي خرّجت أمثال الخواجة نصير الدين الطوسي وابن سينا والخوارزمي والخيام والميرداماد والشيخ البهائي، ولا نملك للأسف معلومات صحيحة بشأن أنظمتنا التعليمية والجامعية بمعنى من المعاني في القرون الغابرة، وهذه هي واحدة من حالات تقاعسنا في العمل - والتي تم إبداعها بواسطة الغرب وتم تصديرها إلى كافة البلدان في العالم وإلى بلدنا أيضاً.

تنطوي هذه الجامعة بهذا النمط على ثلاثة جوانب هامة: الأول أنها مركز للعلم، والثاني أنها معقل للإبداع وللنظرة الحديثة إلى المسائل، لأنها تحتوي على مجموعة شابة تتمتع بالنظرة الإبداعية والتجديدية للمسائل، والثالث تأثيرها على أجواء البلد وبيئة المجتمع. حيث تعتبر الجامعة واحدة من أكثر المراكز تأثيراً في جميع البلاد وكافة المجتمعات، ولا يختص الأمر ببلدنا. وللتأثير هذا أنواعه وأقسامه، سواء عن طريق الأعمال الثقافية والتأليف والإنتاج الثقافي، أو الأعمال السياسية، أو الأعمال الجهادية.. هذه هي الجوانب الثلاث التي تتسم بها الجامعات.

ومنذ أن تأسست الجامعة في بلدنا، قامت القوى المهيمنة - التي فرضت سيطرتها التامة على سياسات البلد، وكان لها إشرافها ونفوذها في جميع أبعاد البلاد وزواياها، وكانت تفعل ما يحلو لها - قامت فيما يخص الجانب الأول من الجوانب الجامعية الثلاث، بالعمل على الحيلولة دون وصولنا في الجانب العلمي إلى حركة طبيعية تتناسب والموهبة الإيرانية. وهذا كلام له وثائقه وشواهده، وسأشير إليها لاحقاً باختصار. وفيما يرتبط بالجانب الثاني وهو الإبداع، فقد قبضت عليه بالكامل وبسطت سيطرتها عليه تماماً. وفيما يتعلق بالجانب الثالث حاولت إدارة تأثير الجامعات على البيئة الخارجية، بشتى أنماط الإدارة، سواء عبر الأجهزة الثقافية التابعة لها، أو حتى عبر الأجهزة الأمنية. وهذا يعني في الحقيقة أنه كانت قد فُرضت على جامعاتنا سيطرة متواصلة مستمرة غير محسوسة - وأحياناً محسوسة - في كل هذه الجوانب الثلاث المذكورة.

فالجانب الأول وهو الجانب العلمي، حاولوا إضعافه، ومعنى ذلك أن المتاع العلمي الذي تم تقديمه لجامعاتنا، كان مستَهلكاً قديماً عاطلاً عن العمل. فالغربيون لم ينقلوا حالات التطوّر العلمية الهامة إطلاقاً، وهذا ما نحن على علمٍ به تجاه بلدنا، ومن المفترض أن تكون هذه هي الحالة السائدة في البلدان المماثلة لبلدنا والرازحة تحت نفوذهم وهيمنتهم أيضاً. فالعلوم الجديدة والمعارف الحديثة التي كانوا يكتسبونها عبر حالات التطور العلمية، والمسائل التي كانت تنبثق منها طراوة وحداثة، لم ينقلوها إلى جامعات بلدٍ كبلدنا أبداً. علماً بأن لهذا أسبابه، ولنقل العلوم أو التقنيات القديمة إلى بلدنا والبلدان المماثلة لنا أسبابه كذلك. ولكن حينما ظهر منافسٌ للاستعمار الغربي، تجلى أثر «ظهور المنافس» في البلدان التي كانت لها صلتها بأولئك المنافسين. فالحكم الشيوعي - على سبيل الفرض - الذي كان منافساً لنظام الهيمنة المستقر حتى ذلك اليوم - بما فيه بريطانيا وأمريكا وغيرهما - عندما أمسك بمقاليد الأمور، وفي سبيل توسيع دائرة نفوذه، جهّز بلداً كالهند وجامعاتها ببعض العلوم التي لم يكن الغربيون مستعدين لتقديمها لهم إلى الأخير أبداً، والأوضح من ذلك أنه جهّز بلداً كالصين بعلوم وتقنيات ما كان بمقدورهم اكتسابها عن طريق الغربيين، وذلك من أجل التنافس السياسي وتوسيع رقعة النفوذ. فأخذت الصين والهند الطاقة النووية من الروس ومن الاتحاد السوفيتي آنذاك.. هذه علوم لم يكن بالإمكان أن يضعها النظام الجامعي والعلمي الغربي بين يدي بلدانٍ كالصين أو الهند أو بلدنا من باب أولى. إذن، في الجانب العلمي لم يكن الأمر أبداً بحيث أنهم يسمحون أو يساعدون أو يهيئون الأرضية لأن تطوي جامعات بلدٍ كبلدنا الذي كان رازحاً تحت النفوذ والهيمنة بمعنى من المعاني، المسيرة التقدمية. بل كانوا يسدّدون ضرباتهم أيضاً، بمعنى أنهم إذا اكتشفوا موهبة بارزة جذبوها وأخذوها لتعمل في سبيل خدمتهم.. هذه أوضاع كانت سائدة لسنوات طوال إبان العهد البهلوي.

كما وأمسكوا بالكامل على الجانب الثاني وهو الإبداع، فتبدّلت الجامعات إلى مكانٍ لنقل القيم الغربية إلى المجتمع، وأصبحت في شتى المجالات مظهراً للقيم والمبادئ الغربية وآمنت بها.. هذا ما خطط له العدوّ، وأحكم قبضته في الجامعات على هذا الجانب بكل ما في الكلمة من معنى.

وحاولوا - كما ذكرنا - إدارة الجانب الثالث، باللسان في مواطن، وبتقديم الأموال والرشى في مواطن، وبمنح المناصب المختلفة في مواطن، وبالقوة في مواطن أخرى. فقد تجهّز السافاك الإيراني بواسطة القوات الأمريكية والإسرائيلية لصدّ الطالب الجامعي المعترض عن اعتراضه، وهذا ما كانوا يصنعونه بالفعل. إذن هذه هي الأوضاع التي كانت حاكمة على الجامعة، وعلى هذا النحو كانت تسير الجامعات في بلدنا.

ولكن رغم كل هذا، كانت الجامعة واحدة من أهم المراكز التي لبّت نداء النهضة الإسلامية ونهضة الإمام الخميني. فإنه ما من نظام جامعي مستقر كان يستدعي ويقتضي هذه التلبية والاستجابة. ولكن مع ذلك لاحظتم أن الجامعة نزلت إلى الساحة. علماً بأن غالبيتكم لم تدركوا تلك الفترة، وأهمية هذه التلبية التي أطلقتها الجامعات لنهضة الإمام الخميني ليست واضحة لأغلبكم أيها الإخوة والأخوات الشباب الحاضرون هنا. إلا أن أهميتها واضحة بيّنة بالنسبة لنا نحن الذين شهدنا تلك الحقبة عن كثب. وقد جاءت هذه التلبية في الوقت الذي كانت تُروّج فيه الأفكار اليسارية الماركسية في الجامعات.

وأقولها لكم: كان يتم الترويج للأفكار الماركسية في الجامعات. ولم تتحقق هذه الحالة بصورة طبيعية، بل كانوا يساعدونها ويمدّونها من أجل مواجهة الأفكار الإسلامية في الجامعات. ففي الوقت الذي كانوا لو وجدوا كراسة إسلامية تتألف من عدة صفحات في يد شخص ما لاحقوه وآخذوه وحاسبوه، كان يتم إنتاج وبيع الكتابات الماركسية في الجامعات بكل سهولة، وكانت في متناول أيدي الطلبة الجامعيين، ولم يكن الأمر ذا أهمية أبداً، فقد كان يأتي الأستاذ الجامعي اليساري ويعبّر عن رأيه. وهذا يعني أن الفكر الإسلامي كان يواجه في الجامعات منافساً أساسياً وهو الفكر اليساري الماركسي، وكان يتعرض للضغوط.

فقد كان الفكر اليساري من جانب، والإعلام المفسد للأخلاق من جانب آخر. أي الاتجاهات التي تبعث على فساد الشباب، والتي كانت هي الأخرى يُروّج لها في الجامعات بصورة متعمّدة لإبعاد الشباب عن طريق الكفاح والصمود والمقاومة ونهج الإسلام الذي كان يدعو له الإمام الخميني. ولكن مع ذلك وعلى الرغم من هذين العاملين الأساسيين المزاحمين المعارضين، فقد لبّت الجامعات نداء النهضة الإسلامية والتحقت بها وبذلت جهودها وعملت من أجلها، سواء خلال فترة النضال أو ما بعده. إذ لولا شبابنا الجامعيون فيما بعد فترة النضال لما تشكّل جهاد البناء، ولما تأسس الحرس الثوري. فإن غالبية الشباب الرئيسيين في الحرس الثوري كانوا من الطلبة الجامعيين. وأغلب العناصر الأصلية في جهاد البناء كانوا من شباب الجامعات، حيث نزلوا إلى ساحة العمل. وفي هذا دلالة على وجود أرضية مساعدة في جامعاتنا. علماً بأنّ هذا الموضوع صالح للدراسة والبحث من مختلف جوانب علم الاجتماع وما شابهه لمعرفة أسبابه. وهو يخضع للبحث والمناقشة على يد المتخصصين في هذه المجالات، ولنا أيضاً رأينا حيال ذلك ولا نروم الخوض في هذه الأمور. بيد أن هذا هو الواقع. فقد كانت هناك أرضية كبيرة للنزوع إلى الإسلام والانشداد للثورة في الجامعات ولدى الطلبة الجامعيين، وهذه فرصة بالغة الأهمية.

والثورة بدورها ساعدت الجامعة مساعدة كبيرة، وأنقذتها حقاً من تلك النزعات المتنوعة والمنحرفة، ودفعتها للحركة، وأوقفتها على أهمية العلم والإبداع والتجديد العلمي. ولكم أن تلاحظوا اليوم كم يختلف وضع طلابنا وأساتذتنا ومراكز أبحاثنا عن الماضي وعن فترة ما قبل الثورة الإسلامية. فالجامعة اليوم مركز ومحل للإبداع والتجديد العلمي. ولقد أثار الإخوة هنا بالطبع ملاحظات قلنا إنها جديرة بأن تخضع للدراسة والبحث والنقاش، لكن الحقيقة هي أن الجامعة اليوم تتجه باتجاه الإبداع العلمي، وحالات التقدم التي حققتها ملموسة. فإن نفس ما تقولونه من أننا تبوّأنا في الرتبة العلمية العالمية - حسب تقييم الموقع التوثيقي الفلاني مثلاً - المكانة الخامسة عشرة أو السابعة عشرة، أو إننا تقدمنا بهذا المقدار، يعني أن هذه المسيرة العلمية في جامعات البلد منحت الثقة بالذات.

وبالتالي فقد مارس الطلبة الجامعيون دورهم في تلك الفترة، وبعض الأساتذة كذلك، وهذا مما لا شك فيه، ولا يمكننا بالطبع قول جميع الأساتذة، بيد أن البعض منهم لعب دوراً في هداية الطلاب وتوجيههم. وقد تحول نفس أولئك الطلاب المناضلون الناشطون - أنتم وأمثالكم ممن في الجامعات - إلى أساتذة جامعات بمقدورهم أداء دورهم وبذل جهودهم في سبيل مستقبل الجامعة. وأود القول إن على أساتذتنا أن يضطلعوا بدورهم في تنامي الجامعات وتكاملها من جانب، وفي صيانة مبادئ الثورة والإسلام في الجامعة من جانب آخر. فعليكم أنتم الأساتذة المحترمون أن تمارسوا دوركم في الجامعات. وهناك بالطبع دوافع معارضة، ولكن لابد من أداء الدور.

هناك نوعان من ممارسة الدور: أحدهما تربية الطلاب والعلماء، أي أداء الدور فيما يتعلق بالطلبة الجامعيين. والآخر ممارسة الدور في خارج البيئة الجامعية.. هذان دوران نتوقع من أساتذة الجامعات النهوض بهما.

أما في خصوص تربية الطلاب، فإنه عملٌ في غاية الأهمية. ذلك أنكم تبتغون إعداد الطاقات الإنسانية لمرحلة مستقبلية زاخرة بالقضايا والأحداث. فالعقود التي تنتظرنا عقود ملأى بالمسائل المتنوعة. وأنتم تلاحظون العالم يشهد تطورات سريعة وحاسمة للغاية. وهذه التطورات المستقبلية إما أن تؤدي إلى تفرقع فقاعة التبعية وانهيار سور التبعية الذي فُرض على شعب إيران عبر التأريخ، ونخرج من هذه الفقاعة ومن هذا السور، ونكتشف مكانتنا وشأننا، ونرفع كلمتنا في العالم ونطرحها - فإنّ لدينا كلمتنا وللنظام الإسلامي الكثير الكلام الجديد - وتستطيع طاقاتنا الإنسانية في العقود القادمة، وهي الطاقات والمواهب التي تربّونها أنتم اليوم، بهمّتها وعزيمتها وعلمها والمعرفة التي تعلّمتها والمعنويات التي اكتسبتها، تحطيم سور التبعية والجمود وما إلى ذلك، وإطلاق حراك بكل ما في الكلمة من معنى، وبذلك تحتل إيران وأبناءها مكانتهم اللائقة الحقيقية.

إما أن يحدث هذا أو تشهد طاقاتنا الإنسانية لا قدّر الله فترة إذلال طويلة أخرى إن لم تتحل بهذه السمات. فلو فكّرت هذه الطاقات البشرية بالتبع، وتحركت بالتبع، ونزعت إلى التبعية، ولم تعرف قيمة الاستقلال، ولم تعرف قدر الإسلام والقيم الإسلامية، وفقدت ثقتها بنفسها، عندها سندخل دهليزاً مظلماً طويلاً آخر - كالفترة التي كنا فيها قابعين تحت هيمنة الغرب منذ ما قبل الحركة الدستورية بقليل إلى ما قبل الثورة الإسلامية، حيث استطعنا ببالغ الجهد والعناء إنقاذ أنفسنا بشكل من الأشكال - وسنعود أدراجنا إلى نفس تلك المرحلة المريرة الصعبة الماضية. وهذا منوط بأنكم كيف ستعملون على تربية الطالب الجامعي اليوم. وبناء على هذا، فتربية الطلاب باعتقادي قضية كبيرة الأهمية.

فلابد لكم من تربية الشاب وإعداده لذلك النمط الأول. بغية أن يتمكّن هذا الشاب الذي ربيتموه اليوم، حيال القضايا المستقبلية والأحداث والتطورات المهمة الماثلة أمام العالم - ولا يتقصر الأمر على بلادنا أو منطقة غرب آسيا، وبالطبع فإن للتطورات العالمية تأثيراتها هنا أو إن هذه المنطقة تعتبر من مراكزها المهمة، ولكن التطورات التي أقصدها تطورات عالمية، في المجالات العلمية والعملية والسياسية وتقسيم السلطة وما إلى ذلك، وهي تطورات مذهلة - أن يكون فيها عنصراً مقاوماً، ذا عزيمة وإرادة وإيمان وثقة بالذات، وماهراً عالماً واعياً عميقاً ثورياً ومتديناً، ليتسنى له في ذلك الحين أخذ البلاد إلى الطريق الذي يجدر بها.

إنّ واحدة من السمات التي يجب أن يتحلى بها الشاب الذي تربّونه وتؤثرون عليه هي أن يكون مؤمناً بهويته الوطنية ومتباهياً بها. ولقد تحدثت قبل أيام عن الهوية الوطنية أمام جمع من المسؤولين الذين حضروا هنا(4)، وقلتُ بأن المصالح الوطنية تكتسب معناها في إطار علاقتها بالهوية الوطنية. فإن ذلك الشيء الذي يعتبر في ظاهره مصلحة وفي باطنه لا ينسجم مع الهوية الوطنية أو يتعارض معها، لا يعد في الواقع مصلحة وطنية، بل هو ضرر وطني. فلابد لكم أن تعرّفوا الشاب على هذه الهوية الوطنية ليتباهى بها وبالاستقلال أيضاً. علماً بأن شبابنا المعاصرين غالباً ما لا يعرفون قدر الاستقلال. فلقد عاش الشاب الجامعي منذ بداية عمره في بلد لم تكن له أية تبعية سياسية بالقوى الأجنبية. ودوماً ما شاهد الجمهورية الإسلامية منذ البداية واقفة في وجه القوى الأجنبية التي لا يجرأ الآخرون على أن يقولوا لها: «فوق عينيك حاجب»، وهذا هو الاستقلال السياسي الذي شاهدوه منذ البداية ولذلك لا يعرفون قدره. إنهم لم يدركوا تلك الفترة التي كان يتحقق فيها كل ما كانت تبغيه أمريكا ومن قبلها بريطانيا في هذا البلد، ومن هنا لا يعرفون قدر الاستقلال، ويجب إيقافهم عليه.. هذا هو نمط من دور الأساتذة حيال طلاب الجامعات.

الدور الثاني هو دورهم في قضايا البلاد، وهو ما أشار إليه هنا عدد من الإخوان وأنا أؤيده بشكل كامل. فقد ذكر أحد الإخوة بإننا لم نضخّ مفاهيم القوة والتهديد والأمن وما إلى ذلك في المجتمع. علماً بأن أهمية هذه المفاهيم لا تكمن في ضخّها في المجتمع، بل تكمن في ضخّها في مراكز اتخاذ القرار، وبهذا تتحقق صناعة القرار. نعم، أنا أيضاً أوافق على هذا الرأي، فهذه أعمال لم يتم إنجازها ولابد من ذلك. أو تحدّث أخٌ آخر عن المشاريع المصادق عليها ونحوها، أو ذلك الأخ الذي أشار إلى النظام المغلوط للعمل الصناعي على مدى خمسين عاماً. وهذه كما ذكرت أفكار أساسية صالحة للدراسة والبحث، ولابد من تداولها وتنضيجها. بيد أنّ هذه آراء وأفكار ورؤى ينبغي طرحها على مراكز اتخاذ القرار. ولابد لهذه المراكز أن تطّلع عليها وتستفيد منها. فإن واحدة من أسباب إصراري على عقد هذه الجلسة في شهر رمضان سنوياً وحضور الأساتذة وحديثهم فيها - وكانت رغتبي بالطبع عقد هذه الجلسة اثنتي عشرة مرة في كل عام ولكن لا نستطيع ذلك للأسف - هو أن تطرح هذه الآراء لتصل إلى مسامع المسؤولين ومراكز اتخاذ القرار. إذ يجب أن تتركوا بصماتكم وتأثيراتكم.

فعلى سبيل المثال قد تحدثنا كثيراً في الشؤون الاقتصادية والكل يؤيد، وقد طرحنا الاقتصاد المقاوم، وأيّده الجميع من أولهم إلى آخرهم، وقد عقدوا الجلسات واللجان وما شابه لأجله، غير أن الأمور لا تجري ولا تتقدم إلى الأمام كما ينبغي. فأين تكمن المشكلة؟ هناك عقدة علمية، ولكن من الذي يجب أن يحل هذه العقدة العلمية؟ هذا واجب في أعناقكم أنتم الجامعيون.

أو قضية فرص العمل. فقد طرحنا هذه القضية في هذا العام وناقشناها، وقلنا: الإنتاج الوطني وفرص العمل. بيد أن فرص العمل أو الإنتاج الوطني ليست سوى فكرة، والجميع يريد إنجاز هذه القضية ويبذل بعض المساعي في هذا المضمار. ولقد ذكرتُ في كلمتي بداية السنة(5)، وقدّمتُ العملَ الذي أنجزته الحكومة على شكل تقرير للرأي العام، حيث أنفقوا سبعة عشر ألف مليار تومان على المعامل الصغيرة أو المتوسطة أو ما شاكل لمساعدتها عسى أن تتقدم إلى الأمام، ولكنّ هذا لم يثمر الأثر المنشود. فأين هي المشكلة؟ كما وقامت الحكومة السابقة والحكومة الثامنة أيضاً بما يشابه هذا العمل، ولكنه لم يصل إلى النتيجة المرجوة، لماذا؟ لابد أن تكون هناك مشكلة وعقدة علمية، فأين يجب حل هذه العقدة؟ في الجامعة. ولو صرفت هذه السيولة النقدية الهائلة المتاحة في أيدي الناس في خدمة توفير فرص العمل، فيا ترى ما الذي سيحصل في البلد. ولكن لـِمَ لم تُصرف هناك؟ كما وطرحوا مشكلة البنوك أيضاً، ولابد من الاهتمام بمشاكل النظام المصرفي هذه في مراكز اتخاذ القرار.

أو قضية المادة 44 - وفيها تقوية للقطاع الخاص وإشراكه وإشراك أرصدته في اقتصاد البلد - التي طرحناها قبل عدة سنوات ورحّب بها الجميع أكبر ترحيب وأنجزت بعض الأعمال، ولكننا لا نشاهد تحققها، وأنا لا أشعر بتطور العمل وتقدمه. لا أنهم لا يريدون، هم يريدون ويبذلون جهودهم لكن الأمر لا يتقدم إلى الأمام، فهناك مشكلة علمية. هذا هو ما أروم قوله. فالدور الذي بوسع الجامعة ممارسته هو أن تبحث عن العقد العلمية في هذه المجالات وتتعرف عليها وتحلها وتضع النتائج بين يدي أجهزة البلاد ومفاصلها.

أو قضية الآفات الاجتماعية، أو العدالة الاجتماعية، ولقد تحدثنا كثيراً في هذا الشأن، وهي من الأمور الواضحة المؤكدة، ولكن أين النتائج؟ هل تحققت العدالة الاجتماعية؟ لقد ازداد المعامل الجيني يوماً بعد يوم. لماذا؟ ما هو السبب؟ لماذا لا تتحقق هذه الفكرة الصحيحة وهذه المطالبة الصحيحة وهذا الهدف الصحيح في البلاد؟

لقد تحدث أحد الإخوة هنا عن الإدارة العامة للبلاد، وقد سجلت بعض الملاحظات في هذا الشأن. فإن من الأعمال التي يمكنكم القيام بها مساعدة الإدارة العامة للبلاد. ذلك أن واحدة من إشكالات الإدارة العامة عندنا هي تسرّب الفيروسات إلى برمجياتنا الإدارية، ومعنى ذلك أن يتمكن العدو من تسريب فيروس إلى أفكارنا الإدارية بغية إفساد كل إبداعاتنا وأعمالنا وقراراتنا، وتوجيهها بالاتجاه المعاكس والتقدم بها في ذلك الاتجاه. وبوسعنا بل ومن واجبنا الحؤول دون ذلك، وهذه هي واحدة من المهام الأساسية. أو توظيف الإمكانيات والطاقات المنسية في البلاد.

وهناك قضية التبيين التي تعتبر واحدة من مهام الأساتذة. وأنا أشكر السيد بارسانيا(6) الذي تحدث هنا عن وثيقة 2030، وهي قضية يجب تبيينها. ولقد تحدثنا بعض الشيء عن وثيقة 2030 للتربية والتعليم، وأحيطت بمختلف الأقوال. وبالتالي فإنها قضية بالغة الأهمية. وكما أشاروا فإن هناك وثيقة عليا للأمم المتحدة موسومة بوثيقة التنمية المستدامة، وتتفرع منها وثيقة 2030 المتعلقة بالتعليم والتربية. والحقيقة أن ما خططوا له في وثيقة التنمية المستدامة - ومنها وثيقة 2030 هذه - هو أنهم يهدفون إلى وضع منظومة فكرية وثقافية وعملية للعالم أجمع. ولكن من الذي يقوم بذلك؟ ثمة أيادٍ خفية وراء منظمة الأمم المتحدة، واليونسكو هنا مجرد وسيلة وواجهة. فهناك أيادٍ تعمل على إنتاج منظومة لكل شيء في بلدان العالم ولكافة الشعوب.. منظومة تنطوي على الفكر والثقافة والعمل، وعلى الشعوب أن تعمل على أساسها. ويتعلق جانب منها بالتربية والتعليم، وهو هذه الوثيقة الموسومة 2030. وهذا بالتالي خطأ وحركة معيبة. لماذا؟ من هم هؤلاء الذين يضعون وثيقة التنمية المستدامة؟ وبأيّ حق يُدلون بآرائهم حول البلدان والشعوب وتقاليدهم ومعتقداتهم بأنه ينبغي لكم أن تفعلوا كذا وكذا، وكلها (ينبغي).

إنه لمن السطحية أن يقولوا بأنها ليست ملزمة.. كلا، الحقيقة أن كل ما فيها هو ملزم، وكل واحد من هذه التعاليم إن لم تحقق، سوف تُسجل بعد ذلك كنقطة سلبية ويقال: "إنكم سوف تُدرجون في قعر الجدول الفلاني وتُسلب منكم الميزة الفلانية"! والواقع أن هذه كلها إلزامات حتى لو لم تكن في ظاهرها كذلك. وما الضرورة في ذلك؟ قبل سنوات طرحنا «النموذج الإيراني - الإسلامي للتقدم»، ولم أستخدم كلمة التنمية عن عمد، والسادة القائمون على هذا الأمر والذين كنا على اتصال بهم في ذلك الحين يعلمون بأني أتعمّد عدم استخدام كلمة التنمية، لأنها كلمة غربية ولها مفهومها الغربي. وإنما أستخدم كلمة التقدم.. نموذج التقدم الإيراني - الإسلامي، فلابد لنا أن نفتّش عن هذا النموذج. لماذا يجب أن تقدّم الأيادي الغربية نموذجاً لتقدمنا على نحو هذه الوثيقة الخاصة بالتنمية المستدامة أو وثيقة 2030 وما شاكلها؟ من الذي ينبغي أن يقوم بهذه المهمة؟ إنها مهمتكم، ومهمة الجامعات، ومهمة الأساتذة.

على كل حال فالكلام طويل والوقت قصير، وأظنّ أن الأذان قد رفع. سائلين الله أن يوفقكم وإيانا لنتمكن من النهوض بمهامنا وأعمالنا. وكما ذكرتم وأنا بدوري أؤيّده وأكرره، فنحن صامدون، وقد تقدمنا في هذا الطريق وفي هذه المهمة وفي هذه المسيرة الإسلامية والثورية بفضل الله وتوفيقه وسوف نتقدم بها أكثر إن شاء الله، ونحن من سيكون المنتصر قطعاً ويقيناً بفضل من الله(7).

 

 

الهوامش:

1 - في بداية هذا اللقاء الذي أقيم في اليوم السادس والعشرين من شهر رمضان المبارك، ألقى ثمانية من أساتذة الجامعات كلمات أوضحوا فيها تصوراتهم ووجهات نظرهم حول مختلف قضايا الجامعات والبلاد.

2 - الدكتور محمد فرهادي وزير العلوم والبحوث والتكنولوجيا (التعليم العالي) والحاضر في هذه الجلسة.

3 - إقبال الأعمال، ج 1 ، ص 199 . دعاء ليالي العشرة الأخيرة من شهر رمضان المبارك.

4 - كلمة سماحته في لقائه بمسؤولي البلاد ومدراء الدولة بتاريخ 2017/6/12.

5 - كلمة سماحته في الروضة الرضوية بمشهد المقدسة في بداية العام الإيراني، بتاريخ 2017/3/21.

6 - حجة الإسلام والمسلمين حميد بارسانيا أستاذ مساعد في جامعة طهران.

7 - تكبير الحضور.