موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي

نداء الإمام الخامنئي لحجاج بيت الله الحرام 1430 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

موسم الحج ربيع المعنوية و تألق التوحيد في آفاق العالم، و مراسم الحج ينبوع زلال بوسعه تطهير الحاج من أدران المعصية و الغفلة، و إعادة أنوار الفطرة الإلهية لروحه و فؤاده. ترك ثياب التفاخر و التمايز في ميقات الحج و الدخول في ثوب الإحرام العام ذي اللون الواحد مؤشرٌ و رمز لوحدة لون الأمة الإسلامية و أمرٌ رمزي لاتحاد المسلمين و تعاطفهم أينما كانوا من العالم. شعار الحج هو من جانب:‌ «فإلهكم إله واحد فله اسلموا و بشّر المخبتين»، و هو من جانب آخر: «و المسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه و الباد».. و هكذا فالكعبة فضلاً عن تمثيلها لكلمة التوحيد هي مظهر توحيد الكلمة و الأخوة و المساواة الإسلامية.
علی المسلمين المتجمّعين هنا من كافة أصقاع العالم شوقاً لطواف الكعبة و زيارة مرقد الرسول الأعظم (صلی الله عليه و آله) عليهم اغتنام هذه الفرصة لتوطيد أواصر الأخوة بينهم، و في ذلك علاج للكثير من الآلام الكبری التي تعاني منها الأمة الإسلامية. نلاحظ اليوم بوضوح أن يد المسيئين للعالم الإسلامي تعمل علی التفريق بين المسلمين أكثر من السابق، هذا في حين تحتاج الأمة الإسلامية اليوم إلی الانسجام و التعاطف أكثر من أي وقت مضی. القبضة الدامية للأعداء ترتكب اليوم الفجائع علناً في الكثير من المواطن الإسلامية. فلسطين تعاني الألم و المحن المتفاقمة تحت سيطرة خبث الصهاينة. و المسجد الأقصی عرضة لخطر حقيقي. أهالي غزة المظلومون لا يزالون بعد تلك المذبحة غير المسبوقة يعيشون أسوء الظروف. و أفغانستان تعاني كل يوم من مصيبة جديدة تحت أحذية المحتلين. انعدام الأمن في العراق يسلب الناس استقرارهم و راحتهم. و اقتتال الأخوة في اليمن يؤجّج حرقة جديدة في قلب الأمة الإسلامية.
ليفكّر المسلمون من شتی أنحاء العالم كيف و أين تمّ التدبير و التخطيط للفتن و الحروب و التفجيرات و الاغتيالات و المذابح العمياء التي وقعت خلال الأعوام الأخيرة في العراق و أفغانستان و باكستان؟ لماذا لم تكن الشعوب تشهد كل هذه المصائب و المحن قبل الدخول العسفي و الامتلاكي للجيوش الغربية بزعامة أمريكا إلی هذه المنطقة؟ المحتلون - من ناحية - يسمون حركات المقاومة الشعبية في فلسطين و لبنان و المناطق الأخری إرهابيين، و من ناحية أخری ينظمون و يقودون الإرهاب الطائفي و القومي الوحشي بين شعوب هذه المنطقة. لقد عانت منطقة الشرق الأوسط و شمال أفريقيا خلال فترة طويلة و لأكثر من قرن من الزمان الاستغلال و الاحتلال و الإذلال علی يد الدولتين الغربيتين بريطانيا و فرنسا و غيرهما و من ثم علی يد أمريكا، و جری نهب مصادرها الطبيعية و قمع روح التحرّر فيها، و صارت شعوبها رهينة طمع الأجانب المعتدين، و بعد أن صيّرت الصحوة الإسلامية و حركات المقاومة الشعبية مواصلة ذلك الوضع شيئاً متعذراً علی الجائرين، و حينما عادت روح الشهادة و العروج إلی الله و في سبيل الله للظهور تارة أخری كعامل فذ في ساحة الجهاد الإسلامي، لجأ المعتدون المنفعلون إلی أساليب التزوير و احلّوا الاستعمار الجديد محل الأسلوب السابق. إلا أن شيطان الاستعمار المتعدّد الوجوه أنزل إلی‌ الساحة اليوم كل قدراته من أجل تركيع الإسلام، من القوات العسكرية و القبضات الحديدية و الاحتلال العلني إلی سلاسل الدعاية الشيطانية و استخدام الآلاف من أنظمة بث الأكاذيب و الإشاعات، و من تنظيم مجاميع الإرهاب و القتل الوحشي إلی‌ نشر أدوات الفساد الأخلاقي و إنتاج و توزيع المخدرات و نسف عزيمة الشباب و روحهم و أخلاقهم، و من الهجمات السياسية الشاملة علی مراكز المقاومة إلی إثارة النخوات القومية و العصبيات الطائفية و خلق العداء بين الإخوان.
إذا حلّت المحبة و حسن الظن و التعاطف بين الشعوب المسلمة و بين الفرق و القوميات الإسلامية محل سوء الظن و النظرة السلبية التي يريدها الأعداء فسوف يُحبطُ ذلك الجانبَ الأكبر من مؤامرات المسيئين و تدابيرهم و سيجهضُ مخططاتهم المشؤومة الرامية إلی مزيد من السيطرة علی الأمة الإسلامية.
الحج من أفضل الفرص لتحقيق هذا الهدف السامي.
المسلمون و بفضل تعاونهم و اعتمادهم علی الأسس المشتركة التي ينطق بها القرآن و السنة سيكتسبون القدرة علی الوقوف أمام هذا الشيطان المتعدد الوجوه و الانتصار عليه بإرادتهم و إيمانهم. إيران الإسلامية باتباعها لدروس الإمام الخميني الكبير نموذج بارز لهذه المقاومة الناجحة. لقد هُزموا في إيران الإسلامية. ثلاثون عاماً من الحيل و المؤامرات و العداء ابتداء من تدبير الانقلابات و الحرب المفروضة طوال ثمانية أعوام و إلی الحظر الاقتصادي و مصادرة الأموال، و من الحرب النفسية و الدعائية و الاصطفافات الإعلامية إلی محاولات الحؤول دون النمو العلمي و التوفر علی العلوم الحديثة و منها العلوم النووية، بل و التحريض و التدخل السافر في قضية الانتخابات الأخيرة الرائعة و الزاخرة بالمعاني، تحولت كلها إلی مشاهد لهزيمة العدو و انفعاله و تيهه و تجسّدت الآية القرآنية «إن كيد الشيطان كان ضعيفاً» مرة أخری أمام أنظار الإيرانيين. و في أي موطن آخر أخذت فيه المقاومة النابعة من العزيمة و الإيمان بأيدي الشعب إلی مواجهة المستكبرين المتشدّقين كان النصر حليف المؤمنين و الهزيمة و الفضيحة مصير الظالمين المحتوم. الفتح المبين للأيام الثلاثة و الثلاثين في لبنان، و الجهاد الشامخ المنتصر لغزة في الأعوام الثلاثة الأخيرة شاهدٌ حيّ لهذه الحقيقة.
توصيتي الأكيدة لعموم الحجاج السعداء و خصوصاً لعلماء  البلدان الإسلامية و خطبائها الحاضرين في هذا الميعاد الإلهي، و لخطباء الجمعة في الحرمين الشريفين هي الفهم الصحيح للمسألة و معرفة الواجب الفوري اليوم، و أن يعرِّفوا مستمعيهم و بكل قدراتهم مؤامرة أعداء الإسلام، و يدعوا الناس إلی الألفة و الاتحاد، و يتجنبوا بجدّ كلَّ ما من شأنه إثارة سوء ظن المسلمين ببعضهم، و يصبّوا كل دوافعهم و هتافاتهم ضد المستكبرين و أعداء الأمة الإسلامية و رأس الفتن أي الصهيونية و أمريكا، و أن يبدوا البراءة من المشركين في أقوالهم و أفعالهم.
أسأل الله تعالی بتضرع هدايته و توفيقه و عونه و رحمته لي و لكم جميعاً.
و السلام عليكم
السيد علي الحسيني الخامنئي
الثالث من ذي الحجة 1430
 
700 /