موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي

كلمة قائد الثورة الاسلامية في المؤتمر الدولي لدعم الانتفاضة الفلسطينية

القى قائد الثورة الاسلامية سماحة اية الله العظمى السيد علي الخامنئي اليوم السبت كلمة قيمة في المؤتمر الدولي الخامس لدعم الانتفاضة الفلسطينية المقام حاليا في العاصمة الايرانية طهران بحضور رؤساء ووفود من مائة بلد استعرض فيها مشاكل العالم الاسلامي واسبابها والاليات الكفيلة بتسويتها .

وفيما يلي نص كلمة القائد :
بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليکم و رحمة الله

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و آله الطاهرين و صحبه المنتجبين، و على من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

قال الله الحکيم: «أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا و إن الله على نصرهم لقدير، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله و لو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدّمت صوامع و بيع و صلوات و مساجد يذکر فيها اسم الله کثيراً و لينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز».

أرحب بالضيوف الأعزاء و جميع الحضور المحترمين.

تتميز القضية الفلسطينية بخصوصية فريدة من بين کل الموضوعات التي يجدر بالنخبة الدينية و السياسية في کل العالم الإسلامي أن تتطرق لها. فلسطين هي القضية الأولى بين کل الموضوعات المشترکة للبلدان الإسلامية. و ثمة خصوصيات منقطعة النظير في هذه القضية : .

أولاً: أن يغتصب بلد مسلم من شعبه، و يعطى لأجانب جُمّعوا من بلدان شتى، و کوّنوا مجتمعاً مزيفا وغير متجانس .

ثانياً: أن هذا الحدث غير المسبوق في التاريخ جرى بواسطة المذابح و الجرائم و الظلم و الإهانات المستمرة.

ثالثاً: أن قبلة المسلمين الأولى و الکثير من المراکز الدينية المقدسة في هذا البلد مهدَّدة بالهدم و الامتهان و الزوال.

رابعاً: أن هذه الحکومة و المجتمع المزيّفين مارسا في أکثر مناطق العالم الإسلامي حساسية، منذ بداية ظهورهما و إلى الآن، دور القاعدة العسکرية و الأمنية و السياسية للحکومات الاستکبارية، و محور الغرب الاستعماري الذي هو - و لأسباب متعددة - عدو لاتحاد البلدان الإسلامية و رفعتها و تقدمها، قد استخدمه کالخنجر في خاصرةَ الأمة الإسلامية.

خامساً: أن الصهيونية التي تعدّ خطراً أخلاقياً و سياسياً و اقتصادياً کبيراً على المجتمع البشري استخدمت محطّ الأقدام هذا وسيلة و نقطة انطلاق لتوسيع نفوذها و هيمنتها في العالم.

و يمکن إضافة نقاط أخرى للنقاط السابقة منها التکاليف المالية و البشرية الباهظة التي تكبدتها البلدان الإسلامية لحد الآن، و الانشغال الذهني للحکومات و الشعوب المسلمة، و معاناة و محن ملايين المشردين الفلسطينيين الذين لا يزال البعض منهم يعيشون لحد الآن و بعد ستة عقود في المخيمات، و الانقطاع التاريخي لقطب حضاري مهم في العالم الإسلامي، و .... الخ.
 
و قد أضيفت اليوم نقطة أساسية أخرى إلى تلک النقاط، ألا و هي نهضة الصحوة الإسلامية التي عمّت کل المنطقة، و فتحت فصلاً جديداً حاسماً في تاريخ الأمة الإسلامية. هذه الحرکة العظيمة التي يمکنها بلا شک أن تؤدي إلى إيجاد منظومة إسلامية مقتدرة و متقدمة و منسجمة في هذه المنطقة الحساسة من العالم، و تضع بحول الله و قوته و بالعزيمة الراسخة لروادها نهاية لعصر التخلف و الضعف و الهوان الذي عاشته الشعوب المسلمة، استمدت جانباً مهماً من طاقتها و حماسها من قضية فلسطين.

الظلم و العسف المتصاعد الذي يمارسه الکيان الصهيوني و مواکبة بعض الحکام المستبدين الفاسدين المرتزقة لأمريکا لهذا العسف من جهة، و انبعاث المقاومة الفلسطينية و اللبنانية المستميتة و الانتصارات المعجزة للشباب المؤمن في حربي الـ 33 يوماً في لبنان و الـ 22 يوماً في غزة من جهة أخرى، هي من جملة العوامل المهمة التي هيجت المحيط الهادئ ظاهريا لدى شعوب مصر و تونس و ليبيا و باقي بلدان المنطقة.

إنها لحقيقة أن الکيان الصهيوني المدجج بالسلاح و الذي يدعي بانه لا يقهر تلقى في حرب غير متکافئة في لبنان هزيمة قاسية مذلة من القبضات المشدودة للمجاهدين المؤمنين الأبطال، و بعد ذلک اختبر سيفه الکليل مرة أخرى أمام المقاومة الفولاذية المظلومة لغزة و ذاق طعم الإخفاق .

هذه أمور يجب أخذها بعين الجد في تحليل الأوضاع الحالية للمنطقة، و قياس صحة أي قرار يتخذ على ضوئها.

إذن، إنه لرأي و حکم دقيق بأن قضية فلسطين اکتسبت اليوم أهمية و فورية مضاعفة، و من حق الشعب الفلسطيني أن يتوقع المزيد من البلدان المسلمة في الوضع الراهن للمنطقة.
لنلق نظرة على الماضي و الحاضر و نرسم خارطة طريق للمستقبل. و أنا أطرح هاهنا بعض رؤوس النقاط.

مضت على فاجعة اغتصاب فلسطين أکثر من ستة عقود. و جميع المسببين الرئيسيين لهذه الفاجعة الدامية معرفون، و على رأسهم الحکومة البريطانية المستعمرة، حيث استخدمت سياستها و قواها العسکرية و الأمنية و الاقتصادية و الثقافية، هي و سائر الحکومات الغربية و الشرقية المستکبرة من بعد ذلك، لخدمة هذا الظلم الکبير. و قد طرد الشعب الفلسطيني المشرد تحت وطأة قبضات المحتلين التي لا تعرف الرحمة، و قتل و أخرج من موطنه و دياره. و إلى اليوم لم يجر تصوير حتى واحد بالمائة من الفاجعة الإنسانية و المدنية التي وقعت على يد أدعياء التحضر و الأخلاق في ذلک الحين، و لم تحظ بنصيب من الفنون الإعلامية و المرئية، فهذا ما لم يشأه کبار أرباب الفنون التصويرية و السينمائية و التلفزيونية و المافيات الغربية لإنتاج الأفلام، و لم يسمحوا به. شعب کامل قتل و تشرد وسط صمت مطبق.

وظهرت حالات المقاومة في بداية الأمر، و قد قمعت بقسوة و شدة. و بذل رجال على الحدود الفلسطينية، و خصوصاً من مصر، جهوداً بمحفزات إسلامية، لکنها لم تحظ بالدعم اللازم و لم تستطع التأثير في الساحة.

وبعد ذلک جاء الدور للحروب الرسمية و الکلاسيکية بين عدة بلدان عربية و الجيش الصهيوني. جندت مصر و سورية و الأردن قواتها العسکرية في الساحة، لکن المساعدات العسکرية و الإمدادية و المالية السخية و الزاخرة و المتزايدة التي قدمتها أميرکا وبريطانيا و فرنسا للکيان الغاصب فرضت الإخفاق على الجيوش العربية. إنهم لم يعجزوا عن مساعدة الشعب الفلسطيني و حسب، بل و خسروا أجزاء مهمة من أراضيهم في هذه الحروب.

ومع اتضاح عجز الحکومات العربية الجارة لفلسطين تکوّنت تدريجياً خلايا المقاومة المنظمة في معظم الجماعات الفلطسينية المسلحة، و بعد فترة من اجتماعها تأسست منظمة التحرير الفلسطينية. و کان هذه بصيص أمل تألق تألقاً حسناً لکنه لم يستمر طويلاً حتى خبا. و يمکن ردّ هذا الإخفاق إلى العديد من الأسباب، بيد أن السبب الرئيسي هو ابتعادهم عن الجماهير و عن عقيدتهم و إيمانهم الإسلامي. الإيديولوجيا اليسارية أو مجرد المشاعر القومية لم تکن الشيء الذي تحتاجه قضية فلسطين المعقدة الصعبة. ما کان بوسعه إنزال شعب بکامله إلى ساحة المقاومة و خلق قوة عصية على الهزيمة من أبناء الشعب هو الإسلام و الجهاد و الشهادة. أولئک لم يدرکوا هذه الفکرة بصورة صحيحة. في الأشهر الأولى لانتصار الثورة الإسلامية الکبرى حيث کان زعماء منظمة التحرير الفلسطينية قد اکتسبوا معنويات جديدة و راحوا يترددون على طهران، سألت أحد شخصياتهم المهمة: لماذا لا ترفعون راية الإسلام في کفاحکم الحق. و کان جوابه إن بيننا بعض المسيحيين. و قد جرى اغتيال هذا الشخص بعد ذلك في أحد البلدان العربية على يد الصهاينة، و نتمني إن يکون الغفران الإلهي قد شمله إن شاء الله، لکن استدلاله هذا کان ناقصاً و غير ناهض. أعتقد أن المناضل المسيحي المؤمن يکتسب إلى جانب الجماعة المجاهدة المضحية التي تقاتل بإخلاص من منطلق الإيمان بالله و القيامة و الأمل بالمعونة الإلهية، و تتمتع بالدعم المادي و المعنوي لشعبها، يکتسب محفزات أکبر و أکثر للنضال مما لو کان إلى جانب جماعة عديمة الإيمان و معتمدة على مشاعر متزعزعة و بعيدةً عن الإسناد الشعبي الوفي.
عدم توفر الإيمان الديني الراسخ و الانقطاع عن الشعب جعلهم بمرور الوقت عاجزين و عديمي التأثير. طبعاً کان بينهم رجال شرفاء و متحفزون و غيورون، بيد أن الجماعة و التنظيم سار في طريق آخر. انحرافهم وجّه و لا يزال الضربات للقضية الفلسطينية. هم أيضاً تنکروا کبعض الحکومات العربية الخائنة لأهداف المقاومة التي کانت ولا تزال السبيل الوحيد لإنقاذ فلسطين، و قد وجّهوا الضربات لا لفلسطين وحسب بل لأنفسهم أيضاً. و على حد تعبير الشاعر المسيحي العربي:
لئن أضعتم فلسطيناً فعيشكم طول الحياة مضاضات و آلامٌ
وهکذا مضت إثنتان و ثلاثون سنة من عمر النکبة.. لکن يد القدرة الإلهية قلبت الصفحة فجأة. و قلب انتصار الثورة الإسلامية في إيران في سنة 1979 (1357 هجري شمسي) الأوضاع في هذه المنطقة رأساً على عقب، و فتح صفحة جديدة. و من بين التأثيرات العالمية المذهلة لهذه الثورة کانت الضربة التي وجّهتها للحکومة الصهيونية هي الأسرع و الأوضح من بين الضربات الشديدة و العميقة التي وجّهتها للسياسات الاستکبارية. و کانت تصريحات ساسة الکيان الصهيوني في تلك الأيام جديرة بالقراءة و تنمّ عن وضعهم الأسود الغارق في الاضطراب. في الأسابيع الأولى للانتصار أغلقت السفارة الإسرائيلية في طهران، و أخرج العاملون فيها، و جرى تسليم مکانها رسمياً لممثلي منظمة التحرير الفلسطينية، و هم موجودن هناك لحد الآن. أعلن إمامنا الجليل أن أحد أهداف هذه الثورة تحرير الأرض الفلسطينية و استئصال غدة إسرائيل السرطانية. الأمواج القوية لهذه الثورة التي عمّت العالم کله في ذلك الحين حملت معها إين ما ذهبت هذه الرسالة: «يجب تحرير فلسطين». المشاکل المتتابعة و الکبيرة التي فرضها أعداء الثورة على نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية و إحداها حرب الأعوام الثمانية التي شنها نظام صدام حسين بتحريض من أميرکا و بريطانيا ودعم الأنظمة العربية الرجعية، لم تستطع هي الأخرى سلب الجمهورية الإسلامية محفزات الدفاع عن فلسطين.

و هکذا تم ضخّ دماء جديدة في عروق فلسطين، و انبثقت الجماعات الفلسطينية المجاهدة الإسلامية، و فتحت المقاومة في لبنان جبهة قوية جديدة أمام العدو و حماته. و اعتمدت فلسطين بدل الاستناد إلى الحکومات العربية و من دون مدّ اليد للأوساط العالمية من قبيل منظمة الأمم المتحدة - و هي شريکة إجرام الحکومات الاستکبارية - اعتمدت على نفسها و على شبابها وعلى إيمانها الإسلامي العميق وعلى رجالها و نسائها المضحين.
هذا هو مفتاح کل الفتوحات و النجاحات.
لقد تقدم هذا السياق وتصاعد خلال العقود الثلاثة الأخيرة يوماً بعد يوم. و کانت الهزيمة الذليلة للکيان الصهيوني في لبنان عام 2006 (1385 هجري شمسي)، و الأخفاق الفاضح الذي مني به ذلک الجيش المتشدق في غزة سنة 2008 (1387 هجري شمسي)، و الفرار من جنوب لبنان والانسحاب من غزة، و تأسيس حکومة المقاومة في غزة، و بکلمة واحدة تحول الشعب الفلسطيني من مجموعة من الناس اليائسين العاجزين إلى شعب متفائل مقاوم له ثقته بنفسه، کانت هذه کلها من الخصائص البارزة للأعوام الثلاثين الأخيرة.
هذه الصورة الکلية الإجمالية سوف تکتمل حينما يُنظر بصورة صحيحة للتحرکات الاستسلامية والخيانية التي تهدف إلي إطفاء المقاومة و انتزاع الاعتراف الرسمي بشرعية إسرائيل من الجماعات الفلسطينية و الحکومات العربية.
هذه التحرکات التي بدأت على يد الخليفة الخائن و اللاخلف لجمال عبد الناصر في معاهدة کامب ديفيد المخزية أرادت دوماً ممارسة دور التثبيط حيال العزيمة الفولاذية للمقاومة. في معاهدة کامب ديفيد اعترفت حکومة عربية رسمياً و لأول مرة بصهيونية الأراضي الإسلامية في فلسطين، و ترکت توقيعها تحت سطور اعترفت بإسرائيل داراً قومياً لليهود.

و بعد ذلک وصولاً إلى معاهدة أوسلو في سنة 1993 (1372 هجري شمسي) و المشاريع التکميلية الأخرى التي أعقبتها و التي أدارتها أميرکا، و واکبتها البلدان الأوربية الاستعمارية، و فُرِضت عبأً على عاتق الجماعات الاستسلامية عديمة الهمّة من الفلسطينيين، انصبت کل مساعي العدو على صرف الشعب و الجماعات الفلسطينية عن خيار المقاومة بوعود مخادعة جوفاء و إشغالهم بألاعيب صبيانية في الساحات السياسية. و سرعان ما تجلي عدم اعتبار کل هذه المعاهدات، و أثبت الصهاينة و حماتهم مراراً أنهم ينظرون لما کتب على أنه مجرد قصاصات ورق لا قيمة لها. کان الهدف من هذه المشاريع بث الشکوک و الترديد في قلوب الفلسطينيين، و تطميع الأفراد عديمي الإيمان و طلاب الدنيا، و شلّ حرکة المقاومة الإسلامية ليس إلا.

وقد کان المضاد لهذا السمّ في کل هذه الألاعيب الخيانية لحد الآن هو روح المقاومة لدى الجماعات الإسلامية و الشعب الفلسطيني. لقد صمد هؤلاء أمام العدو بإذن الله، و کما وعد الله «و لينصرن الله من ينصره، إن الله لقوي عزيز» فقد حظوا بالمعونة و النصرة الإلهية. لقد کان صمود غزة على الرغم من المحاصرة المطلقة نصراً إلهياً. و سقوط النظام الخائن الفاسد لحسني مبارك نصراً إلهياً، و ظهور موجة الصحوة الإسلامية القوية في المنطقة نصراً إلهياً، و سقوط أستار النفاق و الزيف عن وجوه أميرکا و بريطانيا و فرنسا، و الکراهية المتصاعدة لشعوب المنطقة لهم کانت نصرة إلهية. والمشکلات المتتابعة والعصية علي الحصر للکيان الصهيوني ابتداء من المشکلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الداخلية إلى عزلته العالمية والکراهية العامة له حتى في الجامعات الأوربية، کلها من مظاهر النصرة الإلهية.

الکيان الصهيوني اليوم مکروه و ضعيف ومعزول أکثر من أي وقت آخر، و حاميته الرئيسية أميرکا مبتلاة متحيرة أکثر من أي وقت آخر.

الصفحة الکلية والإجمالية لفلسطين طوال نيّف وستين عاماً الماضية أمام أنظارنا حالياً. ينبغي تنظيم المستقبل بالنظر لهذا الماضي واستلهام الدروس منه.
ينبغي قبل کل شيء إيضاح نقطتين:
الأولى: إن دعوانا هي تحرير فلسطين و ليس تحرير جزء من فلسطين. أي مشروع يريد تقسيم فلسطين مرفوض بالمرة. مشروع الدولتين الذي البسوا عليه لباس الشرعية «الاعتراف بحکومة فلسطين کعضو في منظمة الأمم المتحدة» ليس سوى الاستسلام لإرادة الصهاينة، أي «الاعتراف للدولة الصهيونية بالأرض الفلسطينية». و هذا معناه سحق حقوق الشعب الفلسطيني و تجاهل الحق التاريخي للمشردين الفلسطينين، بل وتهديد حقوق الفلسطينيين الساکنين على أراضي 1948 . و هو يعني بقاء الغدة السرطانية و التهديد الدائم لجسد الأمة الإسلامية وخصوصاً شعوب المنطقة. و هو بمعني تکرار آلام ومحن عشرات الأعوام و سحق دماء الشهداء.

أي مشروع عملياتي يجب أن يکون على أساس مبدأ: «کل فلسطين لکل الشعب الفلسطيني». فلسطين هي فلسطين «من النهر إلى البحر»، و ليس أقل من ذلك حتى بمقدار شبر. طبعاً يجب عدم نسيان أن الشعب الفلسطيني کما فعل في غزة، سوف يتولي إدارة شؤونه بنفسه عن طريق حکومته المنتخبة في أي جزء من تراب فلسطين يستطيع أن يحرره، لکنه لن ينسي الهدف النهائي على الإطلاق.

النقطة الثانية: هي أنه من أجل الوصول إلى هذا الهدف السامي لا بد من العمل وليس الکلام، و لا بد من الجدّ و ليس الممارسات الاستعراضية، ولا بد من الصبر والتدبير لا السلوکيات المتلونة غير الصبورة. ينبغي النظر للآفاق البعيدة والتقدم للأمام خطوة خطوة بعزم وتوکل وأمل. يمکن لکل واحدة من الحکومات و الشعوب المسلمة والجماعات المقاومة في فلسطين و لبنان وباقي البلدان أن تعرف نصيبها و دورها من هذا الجهاد العام، و أن تملأ بإذن الله جدول المقاومة.

مشروع الجمهورية الإسلامية لحل قضية فلسطين و لمداواة هذا الجرح القديم مشروع واضح ومنطقي ومطابق للعرف السياسي المقبول لدي الرأي العام العالمي، وقد سبق أن عرض بالتفصيل. إننا لا نقترح الحرب الکلاسيکية لجيوش البلدان الإسلامية، و لا رمي اليهود المهاجرين في البحر، و لاطبعاً تحکيم منظمة الأمم المتحدة وسائر المنظمات الدولية. إننا نقترح إجراء استفتاء للشعب الفلسطيني. من حق الشعب الفلسطيني کأي شعب آخر أن يقرر مصيره ويختار النظام الذي يحکم بلاده. يشارك کل الفلسطينيين الأصليين من مسلمين و مسيحيين ويهود - و ليس المهاجرون الأجانب - أين ما کانوا، في داخل فلسطين أو في المخيمات أو في أي مکان آخر، في استفتاء عام و منضبط و يحددوا النظام المستقبلي لفلسطين.
وبعد أن يستقر ذلك النظام و الحکومة المنبثقة عنه سوف يقرر أمر المهاجرين غير الفلسطينيين الذين انتقلوا إلى هذا البلد خلال الأعوام الماضية. هذا مشروع عادل ومنطقي يستوعبه الرأي العام العالمي بصورة صحيحة، و يمکن أن يتمتع بدعم الشعوب والحکومات المستقلة. بالطبع، لا نتوقع أن يرضخ الصهاينة الغاصبون له بسهولة، و هنا يتکون دور الحکومات والشعوب و منظمات المقاومة و يکتسب معناه.
الرکن الأهم لدعم الشعب الفلسطيني هو قطع الدعم للعدو الغاصب، و هذا هو الواجب الکبير الذي يقع على عاتق الحکومات الإسلامية. الآن و بعد نزول الشعوب إلى الساحة و شعاراتهم المقتدرة ضد الکيان الصهيوني بأي منطق تواصل الحکومات المسلمة علاقاتها مع الکيان الغاصب؟ وثيقة صدق الحکومات المسلمة في مناصرتها للشعب الفلسطيني هو قطع علاقاتها السياسية والاقتصادية الجلية و الخفية مع ذلك الکيان. الحکومات التي تستضيف سفارات الصهاينة أومکاتبهم الاقتصادية لا تستطيع أن تدعي الدفاع عن فلسطين، و أي شعارمعاد للصهيونية لن يأخذ منهم علي مأخذ الجد و الحقيقة.

منظمات المقاومة الإسلامية التي تحملت في الأعوام الماضية أعباء الجهاد الثقيلة لا تزال اليوم أيضاً أمام هذا الواجب الکبير. مقاومتهم المنظمة هي الذراع الفاعل الذي بمقدوره أخذ الشعب الفلسطيني نحو هذا الهدف النهائي. المقاومة الشجاعة للجماهير التي احتلت ديارهم و بلادهم معترف بها رسمياً و ممدوحة ومشاد بها في کل المواثيق الدولية. تهمة الإرهاب التي تطلقها الشبکات السياسية والإعلامية التابعة للصهيونية کلام أجوف لا قيمة له. الإرهابي العلني هو الکيان الصهيوني وحماته الغربيون، و المقاومة الفلسطينية حرکة إنسانية مقدسة مناهضة للإرهابيين.

وفي هذا الخضم، من الجدير بالبلدان الغربية أيضاً أن تکون لها نظرتها الواقعية. الغرب اليوم على مفترق طرق. إما أن يتخلي عن منطق القوة الذي استخدمه زمناً طويلاً و يعترف بحقوق الشعب الفلسطيني، ولا يواصل أکثر من هذا اتباع المخططات الصهيونية التعسفية اللاإنسانية، و إما أن ينتظر ضربات أقسى في المستقبل غير البعيد. و هذه الضربات الشالة ليست مجرد السقوط المتتابع للحکومات المطيعة لهم في المنطقة الإسلامية، إنما يوم تدرك الشعوب في أوربا وأميرکا أن أغلب مشکلاتهم الاقتصادية و الاجتماعية و الأخلاقية نابعة من الهيمنة الأخطبوطية للصهيونية الدولية على حکوماتهم، و أن ساستهم يطيعون ويسلمون لتعسف أصحاب الشرکات الصهيونية المصاصة للدماء في أميرکا و أوروبا من أجل الحفاظ على مصالحهم الشخصية والحزبية، فسوف يخلقون لهم جحيماً لا يمکن تصور أي سبيل للخلاص منه.

يقول رئيس جمهورية أميرکا إن أمن إسرائيل هو خطنا الأحمر. من الذي رسم هذا الخط الأحمر؟ مصالح الشعب الأميرکي أم حاجة أوباما الشخصية للمال و دعم الشرکات الصهيونية للحصول على کرسي الرئاسة في الدورة الرئاسية الثانية؟ إلى متى ستستطيعون خداع شعبکم؟ ماذا سيفعل الشعب الأميرکي يوم يدرك عن حق أنکم رضيتم بالذلة و التبعية و التمرّغ في التراب أمام أرباب المال الصهاينة، و نحرتم مصالح شعب کبير أمام أقدامهم من أجل البقاء في السلطة أياماً أضافية؟

أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، إعلموا أن هذا الخط الأحمر لأوباما و أمثاله سوف يتحطم على يد الشعوب المسلمة الثائرة. ما يهدد الکيان الصهيوني ليس صواريخ إيران أو جماعات المقاومة حتى تنصبوا أمامه درعاً صاروخياً هنا وهناک. التهديد الحقيقي و الذي لا علاج له هو العزيمة الراسخة للرجال والنساء والشباب في البلدان الإسلامية الذين لم يعودوا يريدون أن تتحکم فيهم أميرکا وأوروبا وعملاؤهم، و يفرضون عليهم الهوان.

وبالطبع، فإن تلك الصواريخ سوف تؤدي واجباتها متى ما ظهر تهديد من قبل العدو.
«فاصبر إن وعد الله حق و لا يستخفنک الذين لا يوقنون».
و السلام عليكم و رحمة‌ الله.
700 /