موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي

كلمة قائد الثورة الإسلامية المعظم في لقائه جمعاً غفيراً من طلاب الجامعات وأعضاء الاتحادات الطلابية في جامعات البلاد.

 

بسم الله الرحمن الرحیم (1)

الحمد لله ربّ العالمین، والصلاة والسلام علی سیّدنا محمّد وآله الطاهرین، ولعنة الله علی أعدائهم أجمعین.

واحدة من اللقاءات الجميلة والمحبوبة بالنسبة لي، هي اللقاء بطلاب الجامعات الأعزاء في شهر رمضان من كل عام. ولقد كانت كلمات الأحباء جذابة وممتعة ومتنوعة حقاً. وما قيل من أن المجال لا يتّسع هنا لطرح جميع المسائل المنشودة لدى الطلاب، قد يكون صحيحاً إلى حدٍ ما، ولكنكم ولحسن الحظ شاهدتم أن الكلمات كانت مختلفة ومتنوعة وجيدة بأسرها. وهذا ما يُفرحني حقاً بأن أرى كل عام مستوى الفكر، ومستوى المطالبات الطلابية، وحتى مستوى الأدبيات المستخدمة لبيان هذه المطالبات في رقيّ وتكامل. فقد كانت أحاديثكم في هذا العام أفضل من العام الماضي. ذلك إنني أرصد تقدّم الفكر ورقيّه على مدى السنوات التي تُعقد فيها هذه الجلسات. ففي ذلك الوقت الذي بدأت فيه هذه الجلسة، لا أن البعض منكم لم يكن طالباً جامعياً وحسب، بل ولربما لم يدخل مرحلة الابتدائية أيضاً. واليوم أرى وبمضيّ الزمان، أنّ الدوافع والروح الثورية، والفكر الثوري المبين، والاستدلالات المتينة والمقنعة، في تزايد وتضاعف مستمر بين الفئة الطلابية يوماً بعد يوم. وهذا ما شاهدته اليوم أيضاً، وهو بالنسبة لي أمر ذو معنى عميق. والآن سأبيّن لكم كل ما أروم قوله، لو أتيحت لنا الفرصة ببيانها إلى ما قبل أذان المغرب إن شاء الله، فإن لنا في هذا الشأن حديث طويل، بيد أن البحث الذي اخترته ودوّنته لأطرحه عليكم، يتضمن ثلاثة أقسام: الأول يتعلق بقلوبنا ومعنوياتنا، وهو الأساس لعملنا وحركتنا بحسب ما أراه، والقسم الثاني يرتبط بشؤون الطلاب والجامعات، والثالث يختص بقضايا البلد العامة. وسأستعرض هذه الأقسام الثلاثة باختصار ما استطعت.

القسم الأول: غالباً ما تعقد الجلسة الطلابية في أوائل شهر رمضان، ولكنها انعقدت هذا العام في أواخره وفي اليوم السادس والعشرين منه. وهذا من جانب أفضل، لأنكم أنتم الشباب قد اكتسبتم بعد قضاء هذه الأيام اللاهبة والطويلة بالصيام مزيداً من اللطافة والنورانية، وحصلتم على مزيد من المعنوية بإذن الله وتوفيقه، وهذا أمرٌ في غاية الأهمية. ولربما يخطر في الأذهان بأن لنا أحاديثاً جمة وقضايا كثيرة اقتصادية واجتماعية وقضية الاتفاقيات النفطية والاتفاق النووي - والقضايا التي ترددت على ألسن السادة وهي هامة بأجمعها - وإذا بكم تطرحون حديث المسائل المعنوية والصيام ونورانية القلب! وأقول لكم بأن هذه المسألة أهم منها جميعاً. ذلك إنكم ولمعالجة المشاكل بحاجة إلى الجهاد والنضال - الذي سأتناول الحديث بشأنه إن اتسع الوقت إن شاء الله -، والنضال والجهاد هذا متوقف على وجود قوة ذاتية داخلية. ويصمد في ساحة الكفاح من كان يتمتع بتلك القوة الذاتية، ويمكنه أن يعرف ويميّز بشكل صحيح ويسير باتجاه فهمه وإدراكه إن كانت القوة الذاتية فيه فاعلة وقوية؛ وهذه القوة الداخلية هي الإيمان.

ولهذا تقرأون في سورة الأحزاب: ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾ (2). وقضية الأحزاب كانت بالغة الأهمية. ولو أردنا في مقام المقارنة تشبيه الجبهة المعادية للجمهورية الإسلامية حالياً بالصدر الأول من الإسلام، لأمكننا تشبيهها بمعركة الأحزاب. ذلك أنكم تشاهدون اليوم بأن كل عبيد الدنيا والمتسلطين والظالمين وأهل القوة والجور والطغيان في جميع أقطار العالم، وبمختلف مستويات القوى، قد اصطفوا مقابل الجمهورية الإسلامية وراحوا ومازالوا يهاجمونها من كل حدب وصوب، وهذا ما حدث بعينه في معركة الأحزاب أيضاً. فإن جميع سكان المدينة يومذاك، نساءاً ورجالاً وصغاراً وكباراً وأطفالاً، لربما لم يبلغوا عشرة آلاف نسمة. وقد قامت الأحزاب - وهم كفار ومشركوا مكة - باختيار عينة رجالهم المقاتلين من جميع الأقوام المتواجدة في تلك المنطقة، حتى بلغ عددهم عشرة آلاف مقاتل، وهجموا على المدينة، وهذه لم تكن بالقضية الهيّنة. حيث قالوا نقتحم المدينة، ونبيد أهلها عن بكرة أبيهم، بما فيهم ذلك الذي يدعي النبوة - أي النبي - وأصحابه، ونُنهي الأمر دفعة واحدة. ورغم أن النبي كان دأبه نقل الحروب إذا اندلعت، إلى خارج حدود المدينة وعدم البقاء فيها، غير أن هذه الحادثة كانت مهيبة ومرعبة وسريعة لدرجة، لم تسنح الفرصة للنبي أن ينظّم قواته ويعبّئهم خارج المدينة، واضطرّ إلى حفر خندق أطرافها، ما أدى إلى أن تُعرف المعركة بمعركة الخندق. وهذه دلالة على الأهمية الفائقة التي كانت تتسم بها هذه الحادثة. والمؤمنون بالتالي واجهوا هذا الحدث. فقد انقسم أولئك الذين كانوا يعيشون تحت لواء النبي إلى فريقين: فريقٌ نُقل عنهم، قبل عدة آيات من الآية التي تلوتها، في نفس سورة الأحزاب، قولهم: ﴿وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا﴾(3)، حيث وعدنا بالنصر، وهذا جيش العدوّ قد أقبل للقضاء علينا. فقد استولى عليهم اليأس والإحباط واستحقار الذات أمام العدو، وظهرت في نفوسهم ميول قلبية خفية تجاه العدو. بيد أنّ الفريق الآخر الذي كان يشكّل الأكثرية، قال كلا، ليس الأمر كما يزعمون، ﴿هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾، حيث أخبرونا بأنكم إذا نزلتم إلى الساحة، سيستنفر عوامل الكفر والاستكبار بأجمعهم لمعاداتكم: ﴿هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾، وتحقق ما وعداه من مجيء العدو وهجومه، وبدلاً من أن يثبّط هذا الأمر معنوياتهم: ﴿مَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾(4) لله، وعزماً وجزماً للمواجهة والمجابهة، وهذا هو من نتاج الإيمان. فلو قوي الإيمان في القلب وتجذّر، سوف لا تصعب مواجهة كل هذه المشاكل التي ذكرتموها - والتي أنا على اطلاع بها، بل على علم بالمزيد منها - وسيسهل التصدي لها، غاية الأمر أنّ للمواجهة طريقها وأسلوبها.

وهذا في مقابل تلك الآية القرآنية التي تلوتها لدى لقائي بمسؤولي النظام في أوائل شهر رمضان(5): ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا﴾(6). ففي معركة أحد لم يتمكن البعض من الصمود والاستقامة، وتركوا الساحة، وبدّلوا النصر إلى هزيمة. حيث كان المسلمون قد انتصروا في هذه الغزوة، ولكنّ غفلة عدد قليل منهم أو خيانتهم أو انشدادهم إلى الدنيا وقصر نظرتهم، أدى إلى أن يتبدّل ذلك الانتصار إلى هزيمة وانكسار. ويقول الله بأن أولئك الذين تسببوا في وقوع هذا الحدث، ﴿إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا﴾، وتعرضوا لهذا المزلق بسبب أعمال كانوا قد اقترفوها من قبل. أعزائي! هذه هي نتيجة اقتراف الذنوب، والغفلة عن الذات، وعدم مراعاة التقوى. ولو أردنا أن نتسم بالصمود والاستقامة أمام جبهة الاستكبار، وأن نصل إلى تلك العزة، وذلك الشرف والاقتدار الذي يليق بالجمهورية الإسلامية، والذي وعدتنا به الثورة الإسلامية، فإننا بحاجة إلى أن ندقق في سلوكياتنا الشخصية الدقة الكافية، وأن نحافظ على التقوى.. هذه هي حاجتنا.

يشير القرآن في موضعين إلى انحطاط الأمم التي آمنت أولاً، ثم مُنيت بالانحطاط في أجيالها اللاحقة. فيقول في سورة مريم: ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ﴾(7)، أي إن الأسلاف جاهدوا وآمنوا، ثم جاء من بعدهم خلْفٌ - و«الخلْف» بسكون اللام يقف على الضدّ في المعنى من «الخلَف» بفتحها، فالخلْف هو الجيل الفاسد، والخلَف هو الجيل الصالح، وهنا يقول: ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ﴾ - ﴿أَضَاعُوا الصَّلَاةَ﴾ أولاً، ﴿وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ﴾ الشخصية، ﴿فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾. فإن هذين العاملين - إضاعة الصلاة واتّباع الشهوات - يسوقان تلك القوات التي يجب عليها الصمود والثبات في مقام الجهاد والنضال، والذي من المؤكّد أن يؤدي صمودهم هذا إلى النصر، يسوقانهم إلى الضعف والوهن والخواء. وهذا هو السبب من كل تأكيدي على عدم إقامة الرحلات الطلابية المختلطة وتكراري لهذا الموضوع - وللأسف فقد سمعت مرة أخرى أنها تقام، وهذا ما أشار إليه أحد الإخوة هنا أيضاً، وكانت قد بلغتني التقارير في ذلك، وعلى مسؤولي الجامعات أن يجيبوا على هذا الأمر -. فإن الطالب الجامعي هو الطاقة المولّدة للأمل في البلد، وهو الذي يتأتى له الوقوف أمام المشاكل، وهو ذلك الشاب والعالم الذي يجب عليه أن يتولى إدارة البلد في المستقبل، وهو الذي ينبغي له أن يكون بصيراً واعياً، ليقوم بتعزيز خندق الصمود أمام الطامعين والانتهازيين وغيرهم، فلا بد أن يكون هذا الخندق منيعاً قويماً، ولو اتّبع الشهوات، لا يمكنه النهوض بذلك. أنا العبد لست إنساناً متزمّتاً حتى يخال البعض بأن كلامي هذا نابعٌ عن تزمّت.. كلا، وإنما القضية أن الاختلاط بين الجنسين ليس بالأمر المطلوب في الرؤية الإسلامية. نعم، لا إشكال في أن يجتمع الرجل والمرأة في الجلسات الرسمية للبحث والنقاش، كما في مجلس الشورى الإسلامي، وطاولة المفاوضات، والمجالس الاستشارية، وأما في الأجواء التي لا حد ولا قيد لحالات الاختلاط فيها، فهي تلحق الضرر، وتفسد القلوب.

وجاء في موضع آخر من القرآن في سورة الأعراف: ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَٰذَا الْأَدْنَىٰ﴾(8). فإن عبارة ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ﴾، قد تكررت في القرآن مرتين وفي موضعين، وهذا هو الموضع الثاني، حيث يقول: ﴿وَرِثُوا الْكِتَابَ﴾، أي إنهم وصلوا إلى الحقائق، ولكنهم راحوا يلهثون وراء طلب الدنيا، و﴿يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَٰذَا الْأَدْنَىٰ﴾.

هذه مشاكلٌ، يجب في الدرجة الأولى التصدي لمعالجتها، وهذا ما يمكنكم أنتم الشباب النهوض به. فإن وصيتي لكم أيها الشباب الأعزاء، وأيها الطلبة الجامعيون، هي الاهتمام بالتقوى والعفة الشخصية، والالتزام بها، وعدم نسيان تلاوة القرآن يومياً بكل تأكيد - ولو صفحة أو نصف صفحة -، فاقرؤوا ما تيسر من القرآن في كل يوم، وأوثقوا صلتكم به.  إضافة إلى أن الأدعية كذلك تنطوي على مضامين عالية رائعة، وتوطّد علاقتكم بالله سبحانه وتعالى، وهذا هو الأساس. وما رأيتم من إمامنا الخميني العظيم أنه وقف صامداً، رغم أنه كان في بادئ الأمر وحيداً، ثم التحق به أبناء الشعب خواصهم  وجماهيرهم، فقد وقف منذ أن كان وحيداً ثابت الجأش، وكان يقول حتى آخر لحظة لو أعرض الجميع عني، ما انثنيت عن مواصلة هذا الطريق. كما قال الله لنبيه: ﴿فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ﴾، وجاهد ولو بقيت وحيداً، نعم ﴿حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ﴾(9)، ولكن يجب عليك المتابعة حتى ولو بقيت فريداً، وهذا كله ناجم عن الإيمان، فلو قوي الإيمان في فردٍ، سيواصل طريقه حتى ولو بقي وحيداً. وحينئذٍ فإن هذه المشاكل التي قد تظهر هنا وهناك، من همزٍ ولمزٍ وقولٍ واعتراضٍ، لا تعدّ عائقاً يمنع من مواصلة الطريق.

فعليكم بتلاوة القرآن مؤكداً، وقراءة الأدعية، والاهتمام بالصحيفة السجادية، والدعاء الخامس فيها بالغ الأهمية. فإن أدعية الصحيحة السجادية رائعة بأسرها، ولكني لو أردت توصيكم، فسأوصيكم بالدعاء الخامس والدعاء العشرين المعروف بدعاء مكارم الأخلاق، وكذلك الدعاء الحادي والعشرين. ولحسن الحظ فقد تُرجمت أدعية الصحيفة السجادية برمتها ترجمة حسنة. وهي أدعية مترعة بالمضامين التي تقوّي أفئدتكم، وتثبّت أقدامكم، وتمكّنكم من المضيّ قُدماً. وها أنتم قد وُفّقتم لإدراك شهر رمضان أيضاً.

وما أريد قوله [في القسم الثاني]، هو أن الشعب الإيراني يتعرض لحركة مواجهة مصيرية مفصلية شاء أم أبى، والجموع الطلابية بالطبع من رواد هذه الحركة وطلائعها. وقد انطلقت هذه المواجهة من هذه النقطة، وهي أن الشعب الإيراني يروم أن يكون مستقلاً، عزيزاً، متقدماً، وأن يستثمر إمكانياته بنفسه. ولو تحقق ذلك، لأصبح قوة عالمية حديثة الظهور، تحمل أفكاراً وتوجهات خاصة. وهذا يتعارض ومطامع القوى العالمية المهيمنة، ولذا فهم لا يريدون لهذا الأمر أن يتحقق، ومن هنا تنطلق المواجهة. وما يوجّهه البعض من تهمة للنظام بأنه «يهوى الصراع مع هذا وذاك، ولا يَدَع البلد يتنفس الصعداء ويمارس عمله»، ليست سوى تهمة سطحية غير مدروسة وكلام خاطيء. فعلى سبيل الفرض قد تقتضي اليوم سياسات الإدارة الفلانية - كالإدارة الأمريكية - أن تفرز بين قيادات نظام الجمهورية الإسلامية وساسته، وتقسّمهم إلى صنف جيد وصنف سيء، ولكن إذا سنحت لهم الفرصة، سيتبدّل ذلك الجيد إلى سيء أيضاً، فليعلم الجميع ذلك. مادامت هناك قضية موجودة باسم الجمهورية الإسلامية، وهناك أفكار ومثل عليا  كمبادئ الجمهورية الإسلامية، فإن هذا لا ينسجم مع مزاج وذائقة القوى العالمية، ولذا يهاجمونها، ليجعلوها في قبضتهم، كما كان بلدنا في الماضي، وكانت ولا تزال بعض البلدان الأخرى في قبضتهم. فإن إيران بلد هام، يتمتع بإمكانيات اقتصادية ومالية وثقافية وتأريخية و.. مهمة، وكل هذه المنظومة كانت رازحة تحت الهيمنة البريطانية أولاً ثم الأمريكية. فإنهم هم الذين كانوا يعيّنون الحاكم، وهم - البريطانيون - الذين سلّموا رضاخان مقاليد الأمور، وهم الذين أجلسوا محمد رضا على كرسيّ الحكم، وهم الذين دبّروا انقلاب الثامن والعشرين من مرداد [19/8/1953]، وهم الذين كانوا يتدخلون في سياسة العلاقات والسياسات الاقتصادية وغيرها بشتى صنوف التدخلات، وهذا ما يصبون إليه، كما هي الحالة السائدة اليوم في بعض البلدان الأخرى.

هناك بلد إسلامي، كان قد أخرج مصر وطردها من جامعة الدول العربية ذات يوم بسبب معاهدة "كامب ديفيد"، يعلن اليوم بصراحة عن إيجاد العلاقات مع إسرائيل والكيان الصهيوني! فما السبب في ذلك؟ السبب هو الإرادة الأمريكية. وهذه هي رغبتهم تجاه الجمهورية الإسلامية وبلدنا العزيز أيضاً، بأن نعمل على وفق ما يريدونه، ونتجه بالاتجاه الذي يفرضونه، ونعقد الصفقة مع هذا، ونقطع العلاقات مع ذاك، ونبيع لهذا، ولا نبيع لذاك، وهذا هو منطلق الصراع. وقد صمد هذا الشعب بحكم حميته وغيرته وتأريخه وهويته وإسلامه! فالإسلام لا يسمح بذلك، وهذا هو الجهاد. إذن فهناك حركة مواجهة قد تواكبت مع نظام الجمهورية الإسلامية شئنا أم أبينا، وهي موجودة مادامت الجمهورية الإسلامية موجودة.

ولو أريد لهذا الصراع أن ينقضي، فلا يخرج عن إحدى حالتين: إما أن تتسم الجمهورية الإسلامية بتلك القوة وذلك الاقتدار الذي يمكّنها من فرض رأيها، ويجعل الطرف الآخر لا يجرؤ على التطاول عليها، ونحن نسعى وراء تحقيق هذا الهدف، وإما أن تفقد الجمهورية الإسلامية هويتها الرئيسية، وتبقى صورة بلا معنى، واسماً بلا مسمى، كبعض البلدان الأخرى التي تسمى جمهورية إسلامية ولكن لا يوجد فيها من الإسلام أيّ أثر. فلا بد من طيّ أحد هذين السبيلين ولا ثالث لهما. إذن فهناك ساحة مواجهة حتمية وصراع لا مناص منه.

وأول هدف لهجومهم في ساحة المواجهة هذه، هو أصل النظام الإسلامي، الذي تعرض لهجماتهم الرئيسية، وسائر الأمور ليست سوى مسائل ثانوية أو فرعية. فقد هاجموا ذلك الشيء الذي يشكل الهوية الأساسية للنظام الإسلامي. وبالطبع فقد تحدثت عن حفظ النظام مراراً وتكراراً، والبعض يتصوّر أن المراد من النظام الذي جاء في كلام الإمام الخميني بأن حفظه من أوجب الواجبات (10) أو أنه أوجب الواجبات، هو مجرد هذه الهيكلية السياسية الموجودة التي يجب الحفاظ عليها بالغاً ما بلغ.. كلا، فإن النظام لا يقتصر على هذه البنية السياسية وحسب، وإنما هو هيكلية سياسية تنطوي على منظومة من الأهداف والمبادئ. وحفظ النظام يعني صيانة جميع هذه القيم التي تعهد النظام الإسلامي  بالالتزام بها، كالعدالة، والتقدم، والمعنوية، والعلم، والأخلاق، والسيادة الشعبية، والعمل بالقانون، والنزعة المبدئية التي تعد من مقومات النظام الإسلامي، ولولاها لأصبح النظام شيئاً سطحياً وصورياً. وفي هذا الخضم، فإن الطالب الجامعي الذي يمثل زبدة وعصارة طاقات الشعب وإمكانياته، لأنه شاب، عالم، يتطلع إلى المستقبل، وسيتسلم مقاليد الأمور في المستقبل، لا يستطيع أن ينأى بنفسه عن هذا الصراع، بل ينبغي عليه أن يواجه ويكافح.

ولا شك في أن هناك مشاكل كبرى تعترض طريق هذه المواجهة، وهي مشاكل تجب معالجتها. وهي بالطبع أنواع وأقسام. والكثير منها قد ذُكر على لسان الإخوة والأخوات الذين تحدثوا هنا في هذا اليوم، فالبعض منها مشاكل عامة على صعيد البلد، والمواجهة فيها مواجهة خارجية، ومعالجتها تقع على عاتق السلطات العليا في البلاد.

علماً بأن الإشكالات التي تطرحونها، بعضها وارد ومقبول، وبعضها غير وارد. ولقد دوّنتُ هنا جملة من الموضوعات التي أشار إليها الأعزاء. وبالطبع فإن هذا التعبير عن الرأي وهذه المطالبة بحد ذاتها لها قيمتها البالغة، وتوصيتي - كما كتبتها لأطرحها عليكم - هي ألا تفقدوا هذه المطالبة، فهي أمرٌ محبذّ ومحمود للغاية. ومطالبتكم هذه هي السبيل لحلّ المشاكل، حيث البعض يستاءل قائلاً: ما هو سبيل الحل؟ السبيل هو هذه المطالبة، ولو سنحت لنا الفرصة، لأحطناها بمزيد من الإيضاح والشرح إن شاء الله.

قلنا بأن بعض الإشكالات غير واردة، فعلى سبيل المثال لم يتم حتى الآن إبرام أي شيء والبتّ بأي قرار حول الاتفاقيات النفطية الجديدة التي هي مدار البحث. ففي بداية الأمر حيث طُرحت هذه القضية، نبّهنا المسؤولين على بعض الأمور، وقلنا لهم لو أردتم الوقوف على إشكالات هذا النمط وهذا الأسلوب من عقد الاتفاق، عليكم أن تستشيروا الخبراء في الاقتصاد النفطي. فانطلقوا وناقشوا القضية، وعقدوا اجتماعاً مع علماء الاقتصاد، وطُرحت من قبلهم إشكالات هذه الاتفاقيات، وتقرر إصلاحها وتعديلها. ثم بعثوا لي بمدوّنة، وبعد البحث فيها ودراستها، تبيّن أنها التقويم السادس عشر، أي إن هذا النمط من الاتفاق وهذا التقرير قد خضع للتقويم والتعديل والتصحيح ستة عشر مرة. وبعد مراجعة مكتبنا، كان جواب المكتب لهم بأن هذه التعديلات غير كافية، لأن هناك تعديلات أخرى يجب إنجازها ولم تنجز حتى الآن. ومن هنا ما لم يتم إنجاز هذه التعديلات، وما لم يصبّ العمل في مصلحة البلد حقاً، لا يتحقق هذا الأمر ولا يُبرم هذا الاتفاق. ونحن قلنا أيضاً بأن هذه القضية ما لم يتم إنهاؤها، لا ينبغي إبرام أي اتفاقية. علماً بأن أحد الذين تحدثوا هنا في الجلسة مع أساتذة الجامعات (11)، هو نفس تلك الشخصية المحترمة التي كانت حاضرة في الاجتماع مع مسؤولي النظام، وقد عبّر بالتفصيل عن آرائه المتينة والرصينة بالكامل، حول الإشكالات على هذا النمط من الاتفاق، ثم أشار إلى حلّ موجود في تلك المدوّنة على هذه القضية. وهذا يعني أنه لا يتم السماح لهم بإبرام هذه الاتفاقيات كيفما شاؤوا. علماً بأن مطالبتكم جيدة وفي محلها، وعليكم بمطالبة المسؤولين، ولا إشكال في ذلك.

وهناك موارد أخرى، كالأمور المرتبطة بالاقتصاد المقاوم. وما قيل من أنهم يشترون الطائرات بدلاً من إنشاء الشوارع، قولٌ صائب، وهو إشكال طرحناه نحن أيضاً، ولكن عليكم الالتفات إلى هذه النقطة التي طالما أشرت إليها، وهي أن القائد لا يستطيع أن يتدخل باستمرار في القرارات الجزئية التي تتخذها الأجهزة الحكومية المختلفة قائلا: ينبغي أن يكون هذا ولا ينبغي أن يكون ذاك. وهذا ما لا يسمح به لا القانون ولا المنطق. فللأجهزة مسؤوليها، ولو أن مسؤولاً أخطأ في مسألة ما، يجب على المجلس استجوابه، وعلى الحكومة أن تدقق في الأمر، وعلى رئيس الجمهورية أن يحول دونها. فإن هناك عدد كبير من الأجهزة التنفيذية، ولكل منها قراره في شتى المسائل، فلا يتأتى للقائد أن ينظر فيها ليرى أيها صحيح وأيها خطأ، ثم يقول هذا صحيح وهذا خطأ. وهي قضية مخالفة للقانون ومتعذرة وغير منطقية كذلك. ولكن إذا شعر القائد أن هناك حركة تؤدي إلى انحراف النظام، فإن من واجبه النزول إلى الساحة والوقوف في وجهها بأي شكل ممكن والحيلولة دون وقوعها، حتى ولو كانت مسألة جزئية.

ففي الاجتماع الذي انعقد أوائل الشهر مع مسؤولي النظام (12)، أسهبت الكلام بشأن الاتفاق النووي، وأشرت بالتحديد إلى أمرين خاصّين، كقضية ألياف الكربون التي أولى الأمريكيون اهتمامهم بها، فخاطبت المسؤولين في منظمة الطاقة الذرية الذين كانوا حاضرين في ذلك الاجتماع، وطالبتهم بأن لا يرضخوا لهذا الموضوع. فإنها قضية جزئية، بيد أن الرضوخ لهذه القضية الجزئية في الاتفاق النووي، يعني الخضوع أمام الإرادة الأمريكية، وهذا هو الانحراف المشار إليه الذي نتدخل فيه حتى ولو كانت قضيته جزئية. ففي مثل هذه الأمور التي تحرف مسيرة النظام العامة وتعرقلها، يتعيّن على القائد أن ينزل إلى الميدان، وسنخوض الميدان بإذن الله ومعونته وتوفيقه. ولكن ليس الأمر أن يتدخل  الإنسان بشتى القضايا كطائرات الإيرباص! علماً بأني نبّهت وزير الطرق والمواصلات وكذلك رئيس الجمهورية على هذه القضية، ونوّهت إليها في مختلف الاجتماعات. بل وحتى خاطبت مقرّ ما يسمى الاقتصاد المقاوم وقلت لهم بأنكم مكلَّفون بأن تنظروا، أين هو محل شراء هذه الطائرات من الاقتصاد المقاوم؟ هذا ما قلناه لهم ونبّهناهم عليه. وأما أن نمنعهم عن هذا الأمر، فهو ليس من واجبنا ومسؤوليتنا.

على أي حال فهناك أعمال كثيرة يتم إنجازها في الاقتصاد المقاوم، ومكتبنا أيضاً يرصد الأمور التي ينجزونها باستمرار. نسأل الله أن يعينهم على أن يتمكنوا من المضي قدماً ومن انجاز الأعمال، وهذا ما يفرحنا. ولقد قلت للمسؤولين الحكوميين بأن نجاحكم في هذا المجال يفرحني، وإن نجاح الحكومة في إنجاز الاقتصاد المقاوم، يعتبر مفخرة للنظام وللقيادة وللشعب وللجميع. ونحن ندعو لكم ونساعدكم للنجاح في ذلك، وعليكم أن تعملوا ليحالفكم للنجاح.

وبالتالي فإن الذي كنت أريد قوله لكم هو أن مسيرة المواجهة تعترضها مشاكل، يرتبط البعض منها بقضايا البلاد العامة، وعلى المسؤولين أن يتابعوها ويعالجوها، سواء عبر الأسلوب الدبلوماسي، أو الأسلوب الثقافي، أو أسلوب الدبلوماسية العامة - والجمهورية الإسلامية مبسوطة اليد في هذا المجال لحسن الحظ - أو بالأساليب والأنشطة الداخلية كتقوية الاقتصاد، وتعزيز المعدات العسكرية، وأمثال ذلك.. هذه تحديات أساسية يجب على مسؤولي النظام إنجازها والتصدي لها. والبعض الآخر منها مشاكل داخلية، كالمشاكل الطلابية التي لا شك في وجودها، وهي التي ذُكرت آنفاً، ولكن لا بد من معالجتها في داخل المجموعات الطلابية، وعلى طلاب الجامعات أن يفتشوا عن السبيل لحلها بأنفسهم. علماً بأننا ننبّه المسؤولين في البلاد والمسؤولين على الجامعات على بعض الأمور. ولقد دوّنت اليوم بعض المسائل لطرحها، ولكن لا أدري هل ستسنح لنا الفرصة بذلك أم لا، والظاهر أنها لا تسنح، [هنا تعالى صوت الحضور قائلين «بعد الإفطار»] لا أعلم، لو حالفتني الصحة بعد الإفطار إن شاء الله، سأتحدث ثانية بعض الشيء، وإلا فلا. إذن فإن على الاتحادات والمنظمات الطلابية أن تعالجها، فهي مشاكل تحدث بالتالي، ولا بد من حلّها. وعلى المسؤولين أيضاً المواكبة والمساعدة.

علماً بأن نفس ذلك الإيمان والعامل الداخلي الذي أشرت إليه في مستهل حديثي، ينفع هنا أيضاً. فلو  يئستم ومللتم وتعبتم بسرعة لا تتقدم الأمور، ولذا ينبغي أن لا تيأسوا، بل يجب أن تحثّوا الخطى نحو الأمام. فانظروا إلى هذه الثورة التي انطلقت بالاستناد إلى صراع طويل. ذلك أن الأحداث التي وقعت في سنة 56 و57 ه.ش (1978 و79م)، والتي آلت إلى اندلاع حركة جماهيرية عارمة، لم تتحقق بين ليلة وضحاها، وإنما تحققت على خلفية جهاد وجهود بُذلت منذ أعوام ومنذ سنة 1341ه.ش (1962م). وأولئك الذين كانوا يبذلون هذه الجهود في تلك السنوات العسيرة عبر التبيين والشرح والتوضيح وتعزيز المباني الفكرية وبيان أرضيات الكفاح، لم يكن عملهم هيّناً، وإنما كانوا يواجهون العديد من المشاكل، كالاعتقال والزج في السجون. وما قاله أخونا العزيز هنا أنّ من يتكلم خلافاً لرأيكم، عليه أن يتردد في أروقة المحاكم! غير صحيح، فإن من يخالفني في الكلام لا يُؤاخَذ، ولا يعدّ عمله جرمٌ أساساً، وهذا ما ذكرته مراراً. بيد أن القضية تختلف في تلك الإيام، فإن من يخالف شرطياً يومذاك يرمى في السجون، ومن يخالف رئيس مخفر شرطة يواجه الكثير من المشاكل والصعاب، فما بالك أن يتصدى المرء لبيان مباني الإسلام في مواجهة النظام. فقد كانت نتيجة هذه الأعمال تحمل الصعاب والمشاق والسجون والشدائد والحرمان، ولكنهم صمدوا، وناضلوا، والناتج من هذا النضال أنّ شرارة صغيرة في سنة 56 و57 ه.ش (78 و79)، تسببت في نزول الشعب بأكمله إلى الساحة. فلو صمدتم، وصنعتم الخطاب - كما أشرت إليه سابقاً -، وأعددتم الأذهان، سينفعكم ذلك في الوقت اللازم. ومعنى ذلك أن بوسعكم تعبئة أذهان الناس نحو حقيقة ما ليطالبوا بها. فإن فعلوا ذلك سيضطر المسؤولون لإنجازها. إذن فالصمود أمرٌ ضروري. ونحن نشدّد بكل تأكيد في العمل الطلابي على ضرورة أن يتمتع أولئك الذين ينشطون في المجموعات الطلابية بالصمود والثبات. وهنالك توصيات أخرى، سأغض الطرف عنها الآن، إذ تقرر بعد الإفطار إن بقي لي ولكم حالٌ، أن نعاود الحديث.

إلهنا! نقسم عليك بمحمد وآل محمد أن تجعل ما نقوله وما نسمعه وما نعمله لوجهك وفي سبيلك.

 

 

القسم الثاني من خطاب قائد الثورة الإسلامية المعظم، بعد إقامة صلاة المغرب والعشاء وتناول طعام الإفطار مع الطلبة الجامعيين.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

أولاً: إن وجود الطلاب الجامعين كرصيد للبلاد يمثل ثروة عظيمة. فإن لدينا ما يقارب الخمسة ملايين طالب جامعي في البلد، وهذا بحد ذاته فرصة كبرى. فعلى جميع المسؤولين، في التخطيط والبرمجة والنظر إلى المستقبل، أن يأخذوا هذا الموضوع بعين الاعتبار.. خمسة ملايين طالب جامعي. وهم يتزايدون يوماً بعد يوم، ويتخرّج قسم منهم وينزلون إلى سوق العمل، وسواء وجدوا عملاً أم لا، فإنهم يتواجدون في المجتمع على كل حال، ويضاف إلى الجامعيين طلاب جدد بأستمرار، وهذه نقطة قوة بالغة الأهمية.

وينبغي الانتباه - كما حذّر هؤلاء الشباب الذين تحدّثوا اليوم - إلى أن نقاط قوتنا هي في معرض هجوم العدو وحملاته؛ أي أن أعداء نظام الجمهورية الإسلامية لديهم بالتأكيد خطة لجميع الطلاب الجامعيين، وهم حالياً يقومون بتنفيذها، وبناءً على هذا الأمر، ينبغي علينا النظر للمستقبل والتخطيط والقيام بالأعمال بانتباه وحذر. وهناك واجبات على عاتق الطلاب الجامعيين، وواجبات كذلك على عاتق المسؤولين، سأعرض منها الآن ما قد سجلته عندي.

أنتم أعضاء الاتحادات والمنظمات الطلابية، وأقول لكم بالطبع - وهذا ما قد قلته أيضاً لبعض المسؤولين المحترمين في وزارة العلوم - بأن الاتحادات الثورية والاتحادات اللامبالية بالمسائل الثورية بالنسبة لي لا يستويان، ويجب تقوية الاتحادات الثورية  ومساعدتها وتقديرها، فإن أعضاءها هم الذين يبنون مستقبل البلاد، وهم الذين يؤمّنون مستقبل الثورة، ولكن على هذه المنظمات والأتحادات واجبات ومسؤوليات. وهناك بُعدان لأعضاء الاتحادات الطلابية: البُعد الأول هو الاعتبار الطلابي، والبعد الآخر هو اعتبار الانتماء لهذا الاتحاد، وهما بعدان يختلفان عن بعضهما.

كمقدمة، أقول بأن جماعة الطلاب في بلدنا، قد سجّلت إنجازات وسوابق جيدة ومتألقة في زمن الثورة، ولقد كان الوضع على هذا المنوال منذ انطلاقة الثورة، وقبل الثورة أيضاً، كان للطلاب الجامعيين حضور ومساهمة فعّالة في النهضة والقيام، وكانت لهم مشاركات فعّالة، ولكن ما ظهر بوضوح وكان عاملاً قوياً في تقدّم الثورة، هو العمل الطلابي الذي ظهر بعد انتصار الثورة، وأذكر على سبيل المثال تأسيس جهاد البناء. فإن جهاد البناء كان عملاً عظيماً، حيث ظهرت فيه أولى براعم الاكتفاء الذاتي وإعادة البناء والإبداع الوطني والثقة بالنفس، وبالطبع فإن لي ذكريات كثيرة في هذا المجال. وقد أشرت إلى بعضها في هذه اللقاءات الطلابية خلال السنوات الماضية كما أعتقد. ولا أريد تكرارها اليوم، والوقت ضيق أيضاً. فلقد حققوا إنجازات كبرى. وكانت للجامعيين مساهماتهم في جهاد البناء وفي الجهاد الجامعي، وكذلك في تطهير الجامعات من العناصر المسلحة المعادية للثورة، حيث لعب طلابنا المؤمنون دوراً أساسياً في هذا المجال. فإن جامعة طهران هذه عندما تنظرون إليها، بما فيها من الأبنية والكليات المختلفة، كانت قد تحوّلت إلى غرف عمليات عسكرية للمجموعات المختلفة، التي كانت تحارب النظام الإسلامي تحت أسماء وعناوين متعددة، من المجموعات اليسارية الماركسية بأنواعها الثلاثة، ومجموعة المنافقين (مجاهدي خلق) ومجموعات عديدة، وكانوا مسلحين، حيث تمّ نهب الثكنات العسكرية، فحملوا السلاح استعداداً للانقلاب والإطاحة بالثورة، بيد أن الطلاب المسلمين، والجامعيين المؤميون الثوريين هبّوا لمواجهة هؤلاء وخلّصوا البلاد من شرّهم. وكان هذا العمل من الإنجازات الكبرى للطلاب الجامعيين.

وكذلك في الانتماء لحرس الثورة الإسلامية، فإن العديد من هذه الشخصيات البارزة والشهداء العظماء في الحرس الثوري، كانوا طلاباً جامعيين، وهكذا هو الوضع حالياً أيضاً، فأولئك "السابقون" في الحرس الثوري والموجودون حالياً، أكثرهم دخل من الجامعة في الحرس الثوري. كما وكان للجامعيين دور مؤثر في نهضة محو الأمية، وكذلك في الحركة الموفقة والتي جاءت في وقتها المناسب، بالسيطرة على وكر التجسس (السفارة الأمريكية) عام 1358 ه.ش (1979م)، فدور الجامعيين كان دوراً بارزاً وفعالاً منذ بداية الثورة، والحال أنه لا يمكن مقارنة طلاب تلك الأيام مع الجامعيين الحاليين بلحاظ الأعداد والنسب، حيث كان عدد طلابنا الجامعيين حينها مايزيد قليلاً عن المئتي ألف طالب، فيما يقترب العدد حالياً إلى الخمسة ملايين؛ أي أن عدد سكان إيران قد تزايد بنسبة الضعفين، لكن عدد الجامعيين تزايد حوالي 22 ضعفاً! وكذلك بلحاظ النوعية؛ فأولئك الطلاب لم يكونوا مثلكم! نعم، كانوا مفعمين بالحماس الثوري ويمتلكون الدافع والروح الثورية، إلا أن عمق ثوريتهم وعمق تفكيرهم الإسلامي لم يكن بمستوى طلاب اليوم؛ أي أن هذه الكلمات التي ألقاها الإخوة الطلاب اليوم هنا، ذات مستوى رفيع وأعلى من أن يطرحه طالب جامعي ثوري من نخب تلك الأيام.

كنّا قد عقدنا عدة جلسات ولقاءات متتابعة مع عدد من الطلاب الجامعيين في جامعة أمير كبير - والتي كان اسمها پلي تکنیك حينها - وكان البحث يدور حول نهج الإمام وهل أنه حقيقة موجودة أم لا؟ غير أنهم لم يكونوا يستطيعون إدراك المنظومة الفكرية للإمام ولا تحملّها. فإنني كنت من المدعويين وكذلك كان بني صدر وغيره من الشخصيات، وقد تحدّث ثلاثة أو أربعة طلاب ودار البحث: هل يوجد بالأصل منظومة فكرية حاكمة على كلام الإمام (الخميني) وأفكاره أم لا؟ أي أنهم لم يدركوا أمراً بهذا الوضوح، وهو من الواضحات بالنسبة إليكم اليوم. فإن نوعية الطالب الجامعي الثوري اليوم أعلى بكثير وأفضل من الطالب الجامعي في تلك الأيام.

وعلى الرغم من أنهم يختلفون كثيراً عن الوضع السائد في هذا اليوم كمياً ونوعياً، إلاّ أنهم أنجزوا أعمالاً عظيمة، والسبب هو المثابرة والعمل الدؤوب والإيمان الثوري والحماسي، فإنهم لم يعرفوا التعب وكانوا يصلون الليل بالنهار في حركتهم وعملهم، ولهذا فقد قام ذلك العدد القليل من طلاب تلك الأيام بكل هذه الإنجازات الكبرى. مع العلم بأن تجاربهم وخبراتهم كانت قليلة، ولم تكن لديهم تجاربكم، ومع هذا فقد حققوا العديد من الإنجازات.

فإن أردنا أن نجعل هذا معياراً للمقارنة، ينبغي أن نصل إلى هذه النتيجة: أنتم يمكنكم أن تقوموا بأعمال أكثر بعشرين أو ثلاثين ضعفاً من الأعمال التي قاموا بها، إذا ما حافظتم على تلك المثابرة والمتابعة وكذلك على الشعور بالدافع في أعماقكم وتقدمتم للأمام. أي أن الشريحة الطلابية تشكل ثروة لا نظير لها للبلاد. وأنا بالطبع أعرف بأنه من أصل خمسة ملايين طالب جامعي، فإن عدد أولئك الذين يتمتعون بهذه الروحية والدوافع ليس كبيراً جداً ولا يشكلون الأكثرية؛ بل هم في الغالب الطلاب المنتمون للاتحادات والمنظمات الطلابية أو بعض الطلاب خارج هذه المنظمات أيضاً، ولكن مع هذا، فإن عددهم أضعاف مضاعفة عمّا كان عدد الطلاب الثوريين في تلك الأيام الماضيةـ، وبإمكانهم إنجاز الكثير من الأعمال الكبرى. فهناك طلاب جامعيون يتسمون بالحيادية واللامبالاة، وهناك أيضاً طلاب يعارضون بالأصل هذا المنهج ولا يعتقدون بالعمل الثوري، سوى أن عدد الطلاب المعتقدين بالعمل والنهج الثوري وبالإيمان الثوري كبير جداً، ونوعيتهم جيدة كذلك. فإن بامكانكم النهوض بالكثير من الأعمال الهامة في البلد.

علماً بأن الكثير من أولئك الشباب الثوريين الذين كانوا يقومون بتلك الأعمال في بداية الثورة، هم اليوم من العلماء والباحثين والأساتذة البارزين في البلاد، وهم الآن من الأشخاص الذين حافظ أكثرهم بحمد الله على أصالته الإيمانية وعمّقوا تلك الروح في أنفسهم. وهذا يدل أيضاً على أن العمل الثوري لا يتنافى أبداً مع الشخصية العلمية والعلمائية والبحث والتحقيق العلمي، فليس الأمر أن تتصوروا بأنه إما نقوم بعمل ثوري وإما ننصرف للدرس والعلم.. كلاّ، وأقولها لكم الآن: إن الدرس هو من واجباتكم والعمل الثوري أيضاً من واجباتكم، وعليكم أن تقوموا بالأمرين معاً.

قلنا إن لديكم بعدين: أحدهما باعتباركم طلاباً جامعيين وهو شأن الطالب، والثاني باعتباركم أعضاء في مجموعة طلابية وهذا شأن آخر وهما يختلفان عن بعضهما. وشأن الطالب واضح، فالطالب الجيد هو الذي يدرس جيداً وينظر إلى محيطه وبيئته نظرة واعية منفتحة.

فإن من خصوصيات الطالب الجامعي أن ينظر إلى المحيط نظرة منفتحة.. إلى المحيط الجامعي ومحيط البلاد وكذلك المنطقة والعالم كلّه. ولقد ذكرت مراراً وتكراراً بأن الاستطلاع في الحروب العسكرية يُعتبر من أهم عناصر الحرب وأكثرها تأثيراً. ولو لم يكن لقوة ما أو لجيش ما، قدرة على الاستطلاع ولا يمتلكون عناصر رصد واطّلاع، ولم يكونوا يعرفون كيفية الاستطلاع، فإنهم سيواجهون مشاكل عجيبة وغريبة. فالاستطلاع يعني أن تتقدّموا بشكل سريّ لاكتشاف نقاط تموضع العدو: أين تستقر قواته، وما هو مستوى استعداده وتجهيزاته، وما هي إمكاناته؛ تتطلعون على هذا لتتمكنوا من استثمار الوضع وتهاجمونه ولا تتفاجأوا بهجومه. وإن أعرضتم عن عملية الاستطلاع ولم تعرفوا أين هي مواقع العدو، فمن الممكن أن تطلق مدافعكم النار ولكنها تصيب قواتكم بدل مواقع العدو. وإن لم تستطيعوا أنتم في الجامعة أو على مستوى البلاد، أن تقوموا بالرصد والاستطلاع بشكل صحيح، ولم تتعرفوا على المحيط، فمن المحتمل أحياناً أن تقصف مدافعكم فتصيب قذائفها مواقع صديقة! تلاحظون أحياناً كيف أن اثنين من الاتحادات الطلابية يتنازعان ويواجهان بعضهما، وهذا ناتج عن عدم معرفة المحيط والبيئة. أو في قضية عالمية على سبيل المثال كيف تحدث مثل هذه الاختلافات. على كل حال، واجب الطالب الجامعي ومسؤليته أن يعرف المحيط ويعرف العالم والمنطقة. وما تلاحظونه مثلاً من أن فلاناً المدعّي للثقافة والتنوير الفكري يطرح شبهات معينة حول حزب الله لبنان أو السيد حسن نصر الله أو حول ظواهر مشابهة، فهذا ناتج عن عدم معرفة الأجواء والبيئة، وهذه بالطبع هي النظرة المتفائلة، وهناك من قد يحمل تجاه أمثال هؤلاء نظرة متشائمة، بيد أننا إذا نظرنا إلى ذلك الشخص نظرة متفائلة نقول بأنه لا يعلم ماذا يحدث في المنطقة، ولا يعرف من هو السيد حسن نصر الله، ولا يدرك ما هو حزب الله، وما لعلاقته بإيران من تأثيرات على مصير البلاد والثورة؛ هذا ناتج عن الجهل وعدم الاطلاع. إذن، يجب امتلاك النظرة الواعية المنفتحة لمحيط الجامعة وبيئة البلاد وأوضاع العالم، وقد استخدمتُ منذ سنتين أو ثلاث سنوات تعبير "البصيرة" (13)، مما أثارت حفيظة البعض قائلاً: لـِمَ تستخدمون عنوان البصيرة؟ غير أن هذه هي البصيرة؛ أي النظر بعين واعية منفتحة.

ومن الواجبات والمسؤوليات الطلابية، هي المحافظة على الدين والتقوى.

أعزائي! اعلموا بأن المحافظة على الدين والتقوى أسهل عليكم من أمثالي. حين كنا شباباً، كان هناك عالم في مشهد وكان صديقاً مقربّا لوالدي، وكان شيخاً كبير السن - حيث كان يومذاك في مثل عمري الآن أو أكبر - ونحن كنا شباباً صغاراً، وهو كان يحبّنا كثيراً وينصحنا ويقول: اعرفوا قدر فترة الشباب، وحتى العبادة هي للشباب، وليست للشيوخ الكبار! وكان كلامه هذا يثير استغرابنا ودهشتنا، فما كنا نظنه أن العبادة للكبار في السن، لكنه كان يقول بأن العبادة أيضاً هي للشباب، ولقد بات الجميع يشعر حالياً بهذا الأمر. لاحظوا وتأملوا بأنّ قلوبكم سرعان ما ترّق، وتتألق نوراً، سرعان ما تنهمر دموعكم، وسرعان ما تتواصلون مع الله، وهذه فرصة كبيرة ومغتنمة.

فإن هذا التوجّه المعنوي الموجود لدى شباب البلاد، له قيمة بالغة. فإن مجالس الإحياء هذه، ومجالس التوسل والاعتكاف، ومراسم دعاء كميل، ودعاء أبي حمزة، بمشاركة كل هؤلاء الشباب، وكل هذه الدموع، وهذه الدوافع والمحفزات، أمور قيمة جداً، فحافظوا عليها. وإن قيمتها لا تعود بالنفع عليكم وحسب، بل هي مفيدة للبلد، كما قلت سابقاً، إذ حين يؤمن الإنسان ويُسلم قلبه، ﴿قَالُوا هَذَا ما وَعَدَنا الَلهُ وَرَسُولهُ وَصَدَق اللهُ وَرَسُولهُ وَمَا زَادَهم إلاَ إيماَناً وتَسليمَاً﴾ (14)، فهو ينطلق كالرصاصة الملتهبة في ميدان الحرب ويصيب هدفه بدقّة، وهذه نتيجة الإيمان والارتباط بالله.

وإن من الأمور الضرورية جداً، هي سوء الظن بالتيار الإعلامي المعادي. فإن من القطاعات المكلفة للغاية عند العدو حالياً هي وسائل الإعلام، فهم ينفقون المبالغ الطائلة، ويخصصون الموازنات، ويدفعون الأموال، ويستخدمون أهل التخصص والخبرة، وبالتالي فهو قطاع مكلف جداً. ولكنهم ضد من يستخدمونه؟ ضد الجمهورية الإسلامية. إن هذا التيار الإعلامي يضع كل جهوده وهمته بشكل أساسي على النقاط التي يمكنها إضعاف الجمهورية الإسلامية وتركيعها، كبثّ روح اليأس، وإيجاد النقاط السلبية وتضخيمها، وتجاهل النقاط الإيجابية وحذفها بشكل كليّ. لقد قرأت في الصحيفة اليوم - وليس لدي اطلاع عيني دقيق، ولكن ذُكر في صحيفة اليوم – وكالة الأنباء البريطانية [بي بي سي]  لم تنشر خبر تظاهرات الأمس في يوم القدس والتي هي ظاهرة بكل معنى الكلمة - وأساساً فإن تظاهرات يوم القدس في هذه السنوات بهذه الحرارة المرتفعة والنهارات الطويلة وفي حالة صيام المتظاهرين تمثل ظاهرة عجيبة في الحقيقة - ولم تُشر إلى هذه الحشود الغفيرة في طهران والمحافظات، وهذا ليس خبراً صغيراً. فإنهم ينشرون أصغر الأخبار، ولكنهم يتجاهلون هذه المسيرات العظيمة؛ إنها سياسة إعلامية. والعكس صحيح، فإن كان هناك خبر سلبي، يهوّلونه ويضخّمونه مئة ضعف. وإن من الأصول الأساسية الضرورية للجامعيين، هي النظر التشاؤمية للتيار الإعلامي المعادي، سواء في إذاعاته وتلفزيوناته أو أقماره الاصطناعية أو فضائه الافتراضي.

اعلموا أولاً بأنهم يكذبون! فإنني بالمقدار الذي أتابع به الأخبار الأجنبية وبالنسبة للمجالات التي أعرفها وأتابعها عن قرب، أجد كيف أن تسعين بالمئة من أخبارهم كذب؛ يزوّرون ويكذبون؛ أكاذيب كبيرة وأكاذيب صغيرة ولا يهتّمون لهذا أبداً. اعلموا بأني أعتقد بأن هذا من مسؤوليات الطالب الجامعي المثقف.

هذا ما يتعلق بشخصيتكم الطلابية، أي أن عليكم مراعاة هذه الأمور باعتباركم طلاباً جامعيين. وهناك مسؤوليات تقع على عاتقكم باعتباركم أعضاء اتحادات، وهي مسؤوليات أكبر. حيث أن الأجواء السياسية المعقدة وذات الأبعاد المتعددة حالياً شديدة الدقة والتركيب، وهي ليست كأجواء الستينيات (ثمانينيات القرن الماضي)، حيث كان الوضع واضحاً: فهناك حرب تُشنّ على البلاد في الجنوب والغرب، وهناك عدو يهاجم الأرض، وكان التكليف واضحاً محدداً، وكان معروفاً على سبيل المثال الدور المطلوب من كل مجموعة، حيث كانت أدوار متعددة بأشكال مختلفة. فإن قام أحد في طهران بما يخالف هذا الدور، سيقوم الناس لوحدهم ويواجهونه ويغلبونه ويحاسبونه قائلين بأنك في أوضاع الحرب تقوم بهذه الأعمال.. هكذا هي الحرب الصلبة. وهذه التجربة قد فهمها الأمريكيون وغيرهم، حيث لا يجرؤون اليوم  على شن حرب صلبة ضد الجمهورية الإسلامية، لأنهم يعلمون بأنه إذا وقعت حرب صلبة، فإن الكثير من خططهم الأمنية والثقافية في داخل البلد ستُفتضح وتبوء بالفشل. بيد أن الخطط والبرامج اليوم معقّدة ومركبة؛ فهي أمنية وثقافية واقتصادية وسياسية أيضاً. وهي برامج متداخلة ومتكاملة ذات طبقات متعددة. وفي هذه الظروف والأوضاع، تصبح المسؤوليات أثقل وأخطر. إنها أمور خطيرة، تحتاج مواجهتها إلى تدبير وتعقّل ودقّة عالية ومطالعة واسعة. أي أن الإنسان لا يمكنه ببساطة أن يُنكس رأسه للأسفل ويهجم! ولا يمكن القيام بأي عمل إن كانت العيون مغمضة. وعليه فإني أعتقد بأن واجبات هذه الاتحادات والمنظمات ثقيلة.

ومن جهة أخرى فهناك اتحادات طلابية لا تتوافق أفكارها مع الاتحادات الثورية والمتدينة؛ أجل، أنا على علم بذلك، وقد ذكر أخونا هنا بأن هذه الجلسة لا تعكس كل آراء الطلاب الجامعيين، وكلامه صحيح إلى حدّ ما. فإن هذه الجلسة للاتحادات الثورية. مع العلم بأن الكلام الذي طرحه أخونا نفسه يدّل على أن هذا الكلام ليس دقيقاً، فقد طُرحت آراء وأفكار مخالفة، وأنا بدوري شكرتهم وهذه عادتي في التعامل مع  المخالفين. ولكن، على أي حال، فإن التعامل مع هذه الظواهر حسّاس وذو أبعاد ودرجات ويحتاج إلى دقّة شديدة.

التوصية الأولى التي نطلبها من الاتحادات، هي أن يكون لديها حضور. وليس المقصود هو الحضور الجسدي فقط، بل الحضور الفكري وكذلك الحضور التبييني - وسأتعرض لاحقاً للتبيين - وأيضاً الحضور الجسدي المطلوب أحياناً في القضايا الكبرى للبلاد؛ أي أنه يجب أن يعرف أصدقاء الثورة، وكذلك أعداؤها، مواقفكم في قضايا البلاد الهامة. فعلى سبيل المثال افترضوا بأن المراسل الأوروبي أو الأمريكي الفلاني يأتي إلى ايران، وحين يعود لبلده يقدّم تقريراً لجون كيري،  والذي يصرّح - كما قال قبل عدة أيام – بأن أولئك الذين يعودون من ايران، يُخبرونني بأن الشباب الإيراني يجلس في المقاهي، ويتناول القهوة، ويتحدّث حول مستقبل بلاده، وبذلك يعبّر عن تفاؤله! كم هو عدد المقاهي التي زاروها؟ أنا لا أعلم، ولكن على فرض أنهم قصدوا عشرين، ثلاثين، خمسين "كوفي شوب" - وهي الترجمة الحرفية لكلمة مقهى ولكن البعض يتجنب كلمة مقهى ويُسميه "كوافي شوب"! - وشاهدوا بعض الشباب الجالسين هناك، وعلى سبيل الفرض، بأن أولئك الشباب تكلموا بسوء ضد النظام والقائد والإمام والثورة، وأفصحوا عن أمنيتهم بأن يأتي ذلك اليوم الذي يتغيّر فيه هذا النظام. ومجموع هؤلاء الذين قابلوهم في المقاهي، ثم أخبروا ذلك السيد وزير الخارجية، يبلغ عددهم  100 أو 150 شخصاً مثلاً. وإذا به يفرح ويتفاءل ويصرّح في مقابلة أو تقرير لمركز رسمي - قبل عدّة أيام ولا أذكر بدقة، لكنه صرّح في تقرير علني - وثم يتم نشر كلامه على صعيد العالم! وفي قبال ذلك، حين يقوم آلاف الجامعيين المسلمين المؤمنين بإعلان موقف حول المسألة الفلانية التي ينزعج منها ذلك السيد، فانظروا ماذا يفعلون.. نعم، لا يخبرونه ولا ينقلون له تلك المواقف، ولكنه يعلم ويفهم بنفسه. ولطالما كررت وقلت لأولئك الذين يعتبون قائلين "إن الأخبار الثورية لا يتم تغطيتها عبر وسائل الإعلام العالمية!" بأن الذين يجب أن يفهموا ويعرفوا، تصل إليهم الأخبار ويدركون ماذا يجري. فالأخبار تصل بالتأكيد للرئيس الأمريكي ولوزير خارجيته ولأعضاء مجلس العلاقات الخارجية وكذلك لأعضاء المركز الفلاني لصنّاع القرار، وهم على اطلاع بها. فإنكم حين تعبّرون مثلاً عن آرائكم ومواقفكم، كطلاب جامعيين، حول الاتفاق النووي، أو بشأن العلاقة مع أمريكا، أو تعلنون مواقفكم بالنسبة للاقتصاد المقاوم ومستقبل البلاد، وهي مواقف واعتقادات ثورية ومتينة ومستدلة بمنطق قوي، ستترك تأثيرها في نفوس العدو. ولقد ذكرتُ بأنكم ضباط الحرب الناعمة، وهذه هي الحرب الناعمة. فلا ينبغي أن يكون الإنسان دوماً في حالة دفاع إبان الحرب الناعمة، بل يجب عليه أن يهاجم ويبادر، وهذا هو الهجوم. ومن الواجبات أيضاً، الحضور الفكري؛ أي أن تكون مواقفكم واضحة. ولو كانت مواقفكم أحياناً مخالفة لسياسات الحكومات، وينقدح السؤالي في أذهانكم: ماذا نفعل كي لا نتصادم مع الحكومات؟ فإن هناك سبيل لحل هذا الأمر، وإن استع الوقت سأتعرض له. وبناءً على هذا فإن من الأمور الهامة هي اتخاذ المواقف الثورية.

غاية الأمر، أن يتم الانتباه إلى عدة مسائل في اتخاذ هذه المواقف؛ أولاً أن تكون مواقف مستدلة. لاحظوا كيف إنه اليوم في لقائنا جرى الحديث حول صفقات النفط وحول الاقتصاد المقاوم وحول التستر على الرواتب الفلانية في مجمع تشخيص مصلحة النظام؛ والكلام لم يكن دقيقاً، والمعلومات ليست دقيقة. نعم، إن عليكم أن تعترضوا، وأنا أؤيدكم في ذلك، لكن هذا الكلام لم يكن دقيقاً؛ أي أنكم غير مطلعين. كما تكلّم مثلاً أحد الأصدقاء حول المؤسسات الواقعة تحت إشراف القائد - وهذا التعبير فيه نوع من المسامحة، أي المؤسسات المرتبطة بجهاز القيادة - كمؤسسة المستضعفين واللجنة التنفيذية لقرار الإمام. جيد جداً، أنا أقترح عليكم بالأصل، أن تقوم مجموعة طلابية بجولة تفقدية تشمل كل هذه المؤسسات بغية أن يطلعوا على إنجازاتها، حيث قامت بأعمال جيدة وإنجازات لافتة للنظر ولو كنتم مكانهم لقمتم بهذه الأعمال التي يقومون بها حالياً. ولنفترض أن هناك عملاً لم ترتضوه أو لم تعرفوا ما هي أسبابه، ولا إشكال في ذلك. فهم يقومون بأعمال جيدة، وحريّ بكم أن تتعرفوا عليها. إذن، فليكن موقفكم دقيق ومتقن ومستدل لا يمكن التشكيك فيه.

ثانياً: أن يتم عملكم في الوقت المناسب. فقد يكون اتخاذ موقف ما حول مسألة أو موضوع، جيد في وقت ما، لكنه ليس جيداً في غدِ ذلك اليوم! أي أنه بلا فائدة أو حتى مُضر أحياناً. فلا بد لكم أن تنتبهوا وتركّزوا جيداً وأن تنجزوا هذا العمل في وقته المناسب.

وليطلّع الناس على تحليلاتكم، فانشروها وروّجوا لها. وهذه المطبوعات والمنشورات الطلابية هي عمل جيد بالتأكيد، ولكن بالشرط الذي طرحه هذا السيد العزيز رئيس الاتحاد، وهو أن تبقى وفيّة للأصول. فلتقم هذه المجلات والنشريات بعرض استدلالاتها الثورية ليقرأها الناس ويتعرّفوا عليها. وإنّ من الأعمال السهلة برأيي، أن يتم التنسيق مع خطباء صلاة الجمعة، بحيث تكون الخطبة التي تُلقى قبل خطبة الجمعة، مخصصة أحياناً لطلاب الجامعات، بحيث يقوم بعض الطلاب الجامعيين ممن لديه مهارة البيان والإلقاء، مدعوماً من جموع الطلاب، بإعداد نصٍ جيد، ويلقيه في مراسم صلاة الجمعة. فليتم مثلاً وضع برنامج خاص قبل خطبة الصلاة - حيث يتحدّث حالياً المسؤولون - للطلاب الجامعيين. فليتحدث أحد الطلاب في مراسيم صلاة الجمعة في مدن كطهران أو أصفهان أو مشهد أو تبريز، وهي ليست بمدن صغيرة، وليعبّر عن آرائه بشأن الكثير من القضايا. هذا أمرٌ بالغ الأهمية. فالعدو أيضاً سيتعرّف على تحليلكم؛ أي أنكم حين تحللون حادثة ما وتتخذون موقفاً وتعلنونه بوضوح، سيطّلع العدو عليه أيضاً، بل سيقف عليه حتى قبل بعض الأصدقاء. فليكن تحليلاً منطقياً ومستدلاً؛ هذا هو الحضور الفكري.

الحضور الجسدي ضروري أحياناً. فالاجتماعات ضرورية ولا إشكال فيها أبداً؛ على أن تكون قانونية بالطبع. وقد يحدث أحياناً أن القانون يصّعب القيام ببعض المسائل، ولا بأس في ذلك. فالأمور لا تجري دائماً كما يحب الإنسان ويتمّنى. فاجتماعاتكم جيدة، وليكن لديكم اجتماعات حول المسائل الهامة وبشكل صحيح. وأما أن يتجمع البعض مثلاً ضد الاتفاق النووي أمام مجلس الشورى الإسلامي، أنا لا أظن أن هناك منطقاً وراء هذا التجمع. فكم لدى هؤلاء النواب من وقت وفرصة؟ التجمع الصحيح هو أن تستأجروا مثلاً قاعة كبيرة أو تنسقوا لاستخدامها في نشاطكم، وليجتمع هناك 500 أو 1000 أو 2000 أو 10000 طالب جامعي، بحيث يقوم اثنان أو ثلاثة منهم وبعد إعداد ومطالعة، بإلقاء كلماتهم بشكل منطقي واستدلالي، وهذا هو الأمر المهم، وسيصل كلامهم هذا إلى أسماع نواب المجلس وكذلك إلى ممثلي الحكومة، وممثلي القيادة. فإن مثل هذه الاجتماعات بالغة الأهمية. أو حيال القضايا التي تهدف بعض المجموعات الطلابية إلى تجاوز الخطوط الحمراء، فلو أراد البعض مثلاً أن يتخطى خطوط النظام الحمراء، ويستعرض مواقفه بكل فخر واعتزاز، ويحاول تصنّع الشجاعة وادعاء الجرأة لعمله هذا، ففي تلك الحالة يكون الحضور الجسدي جيد جداً؛ ولا يعني هذا بالطبع أن تذهبوا وتخرّبوا مجلسهم وتفشلوه! ولقد قلت سابقاً وأقولها الآن أيضاً وأكرر قولي عشر مرات، بأنني أعارض إرباك التجمّع كائناً ما كان. فإن زعزعة الجلسات عمل لا طائل من ورائه وبل قد يكون مُضراً؛ فهو عملٌ غير مجدٍ بالحد الأدنى ومضر بالحد الأقصى. فما الداعي لهذا العمل؟ لو أقاموا تجمعاً وعقدوا لقاءاً وتكلّموا ضد المبنى الثوري الفلاني، بادروا أنتم إلى الإعلان أيضاً بأننا، يوم غد أو بعد غد، سنجتمع هنا أو في تلك القاعة نفسها، وسنطرح ذلك الموضوع نفسه للبحث. فادعوا الطلاب واجمعوهم، وتداولوا الأمر بالبحث والنقاش، وادحضوا كل ما طرحوه، وانهوا تلك المسألة؛ وهذا أمر جيد. وستخدون جمهوركم، لأن الطالب الجامعي يسعى لفهم الحقيقة. وبناءً على هذا، فإن الاجتماعات الجسدية أمر جيد جداً، ولا إشكال فيها، غاية الأمر أن تجري وفق القوانين والمقررات كما ذُكر سابقاً بتمهيد وتحضير سليم. وعلى مسؤولي الجامعة أن يساعدوا في هذا المجال. ولقد ذكرت للسيد الدكتور فرهادي وللسيد الدكتور هاشمي وكذلك لمعاون الدكتور فرهادي الذي حضر جلسة اليوم، وقلت لهم بأن واجب مسؤولي الجامعات أن يدعموا ويساعدوا المجموعات الثورية والمتدينة؛ أي الطلاب الذين يؤمنون بالثورة والمستعدون للتضحية والفداء في سبيلها، وهؤلاء بالمقارنة مع الطالب الذي لا يبالي بالثورة ويناهضها أحياناً ليسوا على حدّ سواء. فهل يمكنكم أن تنظروا أنتم - كوزير أو مسؤول أو ممثل للجمهورية الإسلامية - إلى الفريقين بعين المساواة؟ أجل، الجميع متساوون في الحقوق العامة. ولكن أن تقوموا  أنتم كمسؤولين بدعم الذين يهاجمون النظام الإسلامي أو الذين لا يكترثون بالثورة! كلا، هذا أمر لا يمكن القبول به. بل يجب على المسؤولين أن يدعموا المجموعات الثورية، وأن يسهلوا تواجدها في الجامعات. إذن، فمن الواجبات الطلابية، هي الحضور الفكري والحضور الجسدي. وقد شرحت هذين النوعين لكم.

والمسؤولية الأخرى هي التبيين، وهو أساس عملنا. فإننا نتعامل مع الأذهان، ومع القلوب. ولا بد أن تقتنع القلوب، ولولا ذلك لا تتحرك الأجسام ولا تنهض للعمل، وهذا هو الفرق بين الفكر الإسلامي واللاإسلامي. ذات يوم كنت جالساً في منزل أحد الأصدقاء في طهران - قبل انتصار الثورة بسنوات - نتحدّث مع بعض، وفجأة دخل إلى المنزل أحد الشباب الذين كنت أعرفهم وأعرف أباه أيضاً - فهم من مدينة مشهد - وكان من جماعة فدائيي خلق، ومن الذين لجأوا إلى غابات الشمال وأخذوا موقفاً معارضاً للنظام وحاربوه، ولم أكن أعلم بأنه سيأتي. فجاء وجلس معنا، وبحسب الظاهر فقد جاء يطلب من صاحب المنزل دعماً مالياً أو ما شابه. فسألته ماذا تفعلون؟ فحدّثني عن نشاطاتهم. قلت له: إن أردتم أن تنجحوا وتنتصروا في كفاحكم، فالوسيلة هي أن تتكلموا مع الناس وتبيّنوا لهم؛ كي يطلع الناس على حركتكم ويعرفوا لماذا تجمّعتم هناك في الشمال وسلكتم طريق الكفاح المسلح وقمتم مثلاً بالعملية الفلانية.. هذا ما ينبغي أن يعرفه الناس، فبيّنوا لهم الأمور. تكلّمت معه قليلاً حول مسألة التبيين. فنظر إليّ وهزّ رأسه "نظرة العاقل إلى السفيه" - وكان شاباً صغيراً أصغر مني حوالي عشر سنين – وقال: هذا فكركم الإسلامي، إلا أن فكرنا يختلف عن ذلك ولا يتطلب التبيين. هذا هو الفكر الدياليكتيكي البالي والمهتريء، والفكر الماركسي الذي ثبت فشله - وقد سمعت أن البعض حالياً في الجامعات عاد لتبنيه ومتابعته - حيث يقول أن المقدمة اللازمة الدياليكيكة والنتيجة الدياليكيكية، هي صراع وحرب بين العامل ورب العمل ولا حاجة فيها إلى تبيين! فكانوا يشرحون لهم الصراع بهذة الطريقة. ولقد أثبتت التجربة بطلان هذا التفكير بشكل كامل، وظهر فشله، والدولة نفسها التي تشكّلت على أساسه - وكان واضحاً بطلانه من الأساس - قد سقطت وانهارت بعد حوالي سبعين سنة. والآن - وكما يقول الأجانب - يقوم البعض بالرهان على الفرس الخاسر من جديد! حيث يراهنون ويشارطون على الماركسية ثانية! كلا، فكما قال ذلك الشاب الذي قُتل فيما بعد، إن الفكر الإسلامي هو التبيين. ﴿فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ﴾ (15)، حيث يقول الله لرسوله أن واجبك هو الإبلاغ. فلا بد لكم أن تقوموا بإيصال الكلام والأفكار، وأن تبيّنوا، وأن تفصحوا عن آرائكم في مسائل البلاد الهامة، وأن تبيّنوا قضية الاقتصاد المقاوم، ومسألة التقدم العلمي - هذه هي مسائل البلاد الهامة -، وقضية العلاقة مع أمريكا، فالكثير من الناس ليس لديهم فكرة واضحة. وبالنسبة لكم كمجموعات طلابية جامعية، إن كان هناك أمر غير واضح، عليكم إدراكه وفهمه ليصبح واضحاً لديكم، فإن صار واضحاً، قوموا بتبيينه للمجموعة الطلابية.

لماذا أصرّ كل هذا الإصرار على عدم إقامة علاقة مع أمريكا، حتى على عدم التفاوض إلا في مسائل محددة ومعينة لمصلحة خاصة؛ ماهو السبب؟ إن هناك سبب لهذا الإصرار والرفض، وهذا السبب قد أقرّ به حتى بعض السياسيين الموالين لأمريكا. سبق وأن ذكرت بأن أحد رؤساء الجمهورية في إحدى هذه الفترات الرئاسية المتعددة، قد تداول معي هذه المسألة مرات عديدة وفي عدة جلسات، ثم ذهب إلى مجلس الأمن القومي وقال بأن لدى فلان استدلالات وأنا لا أملك جواباً في مقابلها، وقد صدق فيما قال. فلقد طرحت عليه استدلالات وحجج لرفض العلاقة مع أمريكا ولم يكن لديه أي كلام يقوله في المقابل. وقد صرّح بهذا صادقاً. فهذه الاستدلالات قوية ومتينة ولا يمكن إبطالها بهذه البساطه. فإن توصّلتم أنتم إلى هذه الاستدلالات ويمكنكم أن تتوصلوا إليها، قوموا بتبينها. فإنكم طلاب، شباب، تحملون أفكاراً جيدة، والكلمات التي ألقيتموها اليوم، جعلتني أتفاءل بشكل كامل، لا لمضمون الكلمات وحسب - والمضمون بالطبع كان مطلوباً أيضاً ولكني أقصد شيئاً آخر – بل لأني شعرت أن الأذهان فعّالة بشكل كامل، وهذا أمر هام بالنسبة لي. فالأذهان وقادة، وتستخدم أدبيات جيدة، وهذا أمر قيّم للغاية. ومن هنا فليبادر هذا الذهن الوضاء، إلى البحث عن الاستدلالات المناسبة لهذه القضية، وليعمل على ترويجها. وهذه هي إحدى مواطن التبيين. كما أن قضية نمط الحياة الإسلامية الإيرانية التي طرحناها سابقاً، قضية جديرة بالبحث والدراسة، فقوموا بتبيينها في العمل والبيان.

ومن الأمور الهامة الأخرى، هي قضية الثقافة، التي يجب عليكم تبيينها أيضاً. وبناءاً على هذا، فالمسؤولية الثانية هي التبيين. والتبيين هذا ينبغي أن يتم في أجواء الجامعة وفي خارج الجامعة أيضاً، كفي صلاة الجمعة وأمثالها كما ذكرت، وهذا التبيين يصنع خطاباً، ويوجد فكراً ومطالبة لدى الرأي العام، وهذا ذو قيمة عالية، ويوجّه البلاد باتجاه محدد، وبالطبع فالأمر يتطلّب الاستمرار والمثابرة في العمل والاستقامة والكلام الصائب والتكرار، وقد يحتاج إلى مدّة زمنية طويلة.

العمل الثالث: ارفعوا من مستوى وعيكم السياسي والديني، ولا تقولوا بأننا نعرف كل شيء، وملمّين بكل شيء.. كلا، أحياناً يكون مستوى الوعي السياسي متدنياً وكذلك مستوى الوعي الديني. والإمكانيات متاحة حالياً لتقوية هذا الضعف؛ سواء في مجال السياسية أم في مجال الدين. وفي مجال الدين على سبيل المثال، فإن الحوزة العلمية في قم – وقد انبرى أحد الأعزة هنا لتوجيه عتاب شديد وانتقادات حادة نحو الحوزة العلمية في قم، وبالطبع فإن نصف إشكالاته مقبولة ونصفها الآخر لا يمكن قبولها، وبالتالي لا يمكن رفض كلامه أو قبوله بشكل كليّ - تتمتع بإمكانيات رائعة  يمكنها أن تمنحكم إياها لرفع مستوى الفكر الديني. قبل عدة ليالٍ، شاهدت على التلفاز، بالصدفة، أحد علماء حوزة قم الكبار، وهو يتحدث عن التعددية، وقد طرح بحثاً قوياً ومختصراً ببيان قرآني بسيط؛ حيث يحاول البعض أن ينسب التعددية للإسلام، لأن القرآن يقول: ﴿إنَّ الذِينَ آمنوا والذينَ هَادُوا والنصَارى والصابئينَ مَن آمن باللهِ واليومِ الآخر﴾(16)، فيستنتجون بأن الإسلام تعددي، ويمكن للناس أن يعملوا وفق أي دين شاؤوا، وهو كلام خاطئ، إلا أن أصحابه منذ عدة سنوات يطرحونه بتعابير متعددة وبإطناب وإسهاب وضجيج وادعاءات كبيرة، وقد وقع بعض المساكين أيضاً تحت تأثيرهم. وإذا بنا نرى عالماً بارزاً يردّ على هذا المنطق على التلفاز ببيانٍ بسيط ومقنع جداً - فلقد كان كلامه مقنع بشكل كامل - وهذه فرصة مغتنمة ومفيدة. أو عالم بارز آخر - شاهدته في أيام شهر رمضان بالصدفة، حيث صادف أن شاهدت التلفاز في ليلتين - كان يطرح بحثاً حول علم الإمام والأنبياء بشكل جميل ومقنع وواضح. فإن هذه المسائل ترفع من مستوى معارفنا الدينية، والأمر نفسه بالنسبة لمعلوماتنا السياسية. فقوموا بتنمية وعيكم ومعارفكم العلمية  والدينية والسياسية، عبر المطالعة وقراءة الكتب والاستماع إلى علماء الحوزة والجامعة البارزين.

]ومن القضايا الضرورية] الرحلات العلمية. فإنّ الكثير منكم ليس لديه اطلاع على الإنجازات وحالات التقدّم في البلاد؛ أي أن عمركم لم يسمح بذلك، فقد كنتم في الثانوية ودخلتم الآن إلى الجامعة ولم تسنح لكم الفرصة لهذا الأمر. فإننا دوماً ما تحدثنا عن تقنية النانو، وأنتم تعرفون بأن هناك شيء باسم النانو، وأن هناك أشخاص يعملون في هذا المجال، ولكنكم لم تذهبوا إلى مختبرات النانو لتشاهدوا وتطّلعوا، ولم تذهبوا إلى المختبرات العلمية، ولم تشاهدوا الإنجازات العلمية أو الخدمات التي تقدمها بعض المؤسسات والمراكز. فعليكم بتنظيم رحلات علمية، وعقد اجتمعات واتفاقيات، وليقم أربعون أو خمسون طالباً بجولاتٍ هنا وهناك ويطّلعوا على هذه المسائل. فإنكم تشاهدون المناطق الحرّة وتشعرون بالألم - والحق معكم - ولكن اذهبوا وشاهدوا تلك الإنجازات عن كثب، كي تتفاءلوا وتفرحوا، وتعلموا أن هناك مثل تلك الإنجازات في بلدكم أيضاً، وهذا ما يرفع من مستوى الوعي عالياً.

وكذلك إيجاد منابر الفكر الحر في المسائل والعلوم المختلفة، وبالطبع بمشاركة وإشراف وحضور الأساتذة البارزين. وأعتقد أن هذه مسؤولية أخرى وهى المسؤولية الثالثة.

ثمة مسؤولية أخرى للاتحادات والمنظمات الطلابية، وهي زيادة استقطابها وجذبها لجمهور أوسع على مستوى الطلاب. فزيدوا عدد مستمعينكم ومخاطبينكم. فإن نسبة جمهوركم، بين خمسة ملايين طالب، قليلة جداً. فقوموا بأعمال من شأنها أن ترفع هذه النسبة، لا أقول مئة بالمئة ولا ثمانين بالمئة، ولكن ارفعوا بالتالي هذه النسبة، وهذا له سبيله وآليات عمله، فابحثوا عن هذه الآليات. أنتم الطلاب، تتمتعون بهذا المستوى العالي من التفكير الخلاّق، وهذه الطاقة والذوق الرفيع، فابحثوا لتجدوا سبل مضاعفة عدد جمهوركم ومخاطبيكم. وهذا أيضاً له مستلزماته: فعلى الإنسان أن يتحلى بالأخلاق الحسنة، وأن يتمتع بالحلم والقدرة على الاستماع للرأي الآخر المخالف لرأيه، وهذه أمور ضرورية، وأن يكون ملماً بالمسألة مدركاً لها. فأحياناً ما يتطلب الأمر أن يتكلم الإنسان مع شخص واحد، لإقناعه بأمر ما، وقد حصل معي مراراً في تلك الأيام الصعبة والشاقة قبل انتصار الثورة، حيث كنت أجلس وأتحدّث مع شخص واحد لمدة ساعتين أو ثلاث حول قضية ما لإقناعه بها، أو مع شخصين أو خمسة أشخاص، وكنا أحياناً نعقد جلسات دورية مستمرة أو نعقد جلسة واحدة؛ هذه أمور تترك آثارها على المستمعين. ولهذا ضاعفوا عدد جمهوركم المستمع لكم.

والنقطة الخامسة – وهي ضرورية أيضاً برأيي – هي أنه لا تستخدموا التقية في دفاعكم عن النظام الإسلامي أبداً وتكلّموا بكل صراحة ووضوح، فإن النظام الإسلامي مبعث فخر واعتزاز. نعم، يوجد في العالم وكذلك داخل البلاد، من يسعى لإظهار النظام الإسلامي كنظام ضعيف لا قيمة له، ولكنهم مخطئون ويسيرون على غير صواب؛ بعضهم عن عمد وبعضهم الآخر عن جهل. فإن النظام الإسلامي مصدر شرف وافتخار. وإن عدوكم يرصد النواقص ويسعى دوماً لاستغلال هذه النواقص والإخفاقات والقصور كي يوجّه ضرباته المهلكة للثورة. ولكن في قبال تلك النواقص والآفات، توجد أضعاف مضاعفة من النجاحات والإنجازات وحالات التقدّم. والنجاح الأهم هو أنه منذ أكثر من 37 عاماً والجبهة العظمى للقوى المادية - شرقاً وغرباً وبأنواعها وأشكالها المختلفة - قد حاولت تركيع هذه الثورة وهذا الشعب وهذا النظام، وباءت محاولاتها بالخيبة والفشل؛ فهل هذه مزحة؟ هؤلاء الذين تكفي نظرة متجهمة منهم كي يرتجف الملك الفلاني المدّعي للقوة والأبهة، فيسرع نحوهم لاسترضائهم وجذب قلوبهم بالاتفاقيات والرشاوي! منذ 37 سنة وهم يعملون كل ما في وسعهم لمناهضة الثورة الإسلامية: فقد شنّوا حرباً عسكرية، وقاموا بأعمال أمنية وتجسسية، ونفّذوا برامج ثقافية، وألف عمل وعمل، غير أن الجمهورية الإسلامية تزداد قوة يوماً بعد يوم. أيها الأعزاء! إنكم يا أنصار الثورة، من الناحية الكمية والنوعية أكثر بأضعاف مضاعفة من أيام بدايات الثورة، وقد شرحت هذا سابقاً. فماذا يعني هذا الأمر؟ يعني أن الثورة هي موجود حيّ وهو ينمو ويكبر يوماً بعد يوم؛ أليس هذا مبعث فخر واعتزاز؟

علماً بأنني حين أقول لكم دافعوا عن النظام، قد اعتاد البعض على أخذ النظام بمعنى القائد؛ فحين يتكلم أحد مثلاً في قضية ما ضد النظام، يقولون أنه ضد القائد، أو أن فلاناً يدعم النظام، يعني أنه يؤيد القيادة. أنا لا أقصد بالدفاع عن النظام الدفاع عن القائد بأي وجهٍ من الوجوه، بل المقصود هو الدفاع عن مجموعة النظام، التي تنطوي على منظومة من القيم المتداخلة والمتكاملة، وقد بقي النظام صامداً بهذا الشكل والحمد لله. اعلموا أيها الشباب الأعزاء إن هذه الثورة ترتكز على ركائز قوية للغاية، وقدرة نموها واستعداد رشدها على درجة عالية جداً. وهي بحاجة إلى طاقة ودعم وقوة، وهذا ما هو متاح ومتوفر لها والحمد لله. وبالطبع فإن هناك مشاكل أيضاً؛ سواء مشاكل داخلية أو خارجية. ولا يمكن أن نفترضها دون مشاكل وتحديات، فإن كل الحركات الإصلاحية في العالم قد واجهت مشاكل، الجمهورية الإسلامية والثورة الإسلامية أيضاً تعاني من المشاكل.

والنقطة السادسة: ضاعفوا الرحلات الجهادية، واستمرّوا بها وطوّروها. ولقد سررت بأن هذا الشاب قد جاء اليوم وتحدّث عن الرحلة الجهادية وشرحها بشكل منفصل. نعم، وأنا أؤيد كل ما قاله، فإن هذه الرحلات الجهادية هي تمرين وخدمة للناس كذلك، وبناء للذات أيضاً، وتعرّف على أجواء المجتمع، ولها قيمة عالية جداً. فعليكم بتوسيع دائرة هذه الرحلات يوماً بعد يوم ما استطعتم، وهى جهاد أيضاً، والحق أنها تدخل في عداد الجهاد والعمل والسعي والخدمة للمحرومين. علماً بأن الكلام الذي قاله حول القرى هو الكلام الذي كررناه على الحكومات المختلفة. والآن، كما ذكرت قبل الصلاة، فإن القيادة لا يمكن أن تتدخل في الأمور الإجرائية إلا في موارد خاصة، ومن نماذج الحالات الخاصة هذه هي مسألة القرى والأرياف. فلقد أوصيت الحكومات المختلفة - هذه الحكومة والحكومات السابقة والأسبق ومن قبلها - بشكل متكرر. والسبيل لهذا واضح، وقد ذكر هذا الشاب بعض الأفكار والاقتراحات؛ أحدها إقامة صناعات متناسبة مع القرية. وكذلك الصناعات الصغيرة المنسجمة مع وضع القرية، وعلى سبيل المثال: هناك بساتين تفاح في مدينة أرومية، وثمار التفاح فيها على الأرض وتصبح سماداً - وأنا قد شاهدت هذا بنفسي - وقيمة هذا التفاح رخيصة، لدرجة لا تستحق معها أن يدفع صاحب البستان مالاً لأحد كي يقوم بجمعها ويأخذها! أي أنها لا قيمة لها؛ والحال أنه إذا تم بناء مصنع عصير أو مربّى أو ما شابه هناك، فهذه الفاكهة ستتحول إلى ثروة حيّة. وهكذا هناك العديد من هذه الطرق والأفكار، ولا يوجد تعقيدات وتكاليف كبيرة، والسبل سهلة وميسرة جداً، وتحتاج إلى رؤوس أموال صغيرة فقط، وأحياناً يقولون لنا: إن أردنا تأسيس عمل ما، نحتاج على الأقل إلى مئة مليون تومان. إلا أن هذه الأعمال التي نذكرها تحتاج إلى أقل من عشرة أو خمسة عشر مليون فقط. فإن سبل الحل واضحة، ويجب أن يشمروا عن سواعد الهمة ويعملوا. وعليه، فأنا أعتقد أن الرحلات الجهادية جيدة جداً، وكذلك خدمة القرى والمناطق النائية مهمة أيضاً.

والسابعة: تابعوا قضية نمط الحياة الإسلامية الإيرانية على مستوى الفكر والعمل، وهي قضية هامة. فاجلسوا وفكروا وابحثوا حولها، وحددوا مصاديقها، ثم طبقوها أنتم عملياً وانشروها وروّجوها كتوصيات عملية. وافترضوا مثلاً، أن يتم نشر كراس صغير حول نمط الحياة الإسلامية وتوزيعه على الطرقات. وقد ضربت مثالاً حول هذه المسائل قبل سنتين أو ثلاث، وذكرت مسألة احترام إشارات السير والتوقف عند الضوء الأحمر، وهذه المواضيع يمكن توسيعها وزيادتها وترويجها، والتبيين في شأنها. وهذه هي مهمتكم أنتم أيها الشباب، لأنكم أنتم من تتحلون بالمثابرة والطاقة والتفكير والقدرة، فبادروا إلى إنجاز هذه الأعمال.

والثامنة: خطاب العدالة، والاقتصاد المرتكز على المعرفة، ونموذج التقدم الإسلامي الإيراني، وتسارع الإنجازات العلمية؛ هذا خطابنا الأساسي وهذه تفريعاته، ولا بد من تقوية هذا الخطاب. فالاقتصاد المقاوم خطاب بالغ الأهمية. نعم، من الممكن إجراء شيء باسم الاقتصاد المقاوم ولا يكون اقتصاداً مقاوماً في الواقع، ولكن في المقابل يمكن إجراء شيء باسم الاقتصاد المقاوم ويكون اقتصاداً مقاوماً بشكل كامل وواقعي؛ أو يكون جزءً منه بالحد الأدنى. وحالياً وبحسب الظاهر، يتم القيام بأعمال جيدة، وقد وصلتني تقارير عنها، ليست تقارير من الشخص المسؤول، بل تقارير من خارج إطار مسؤوليات المسؤولين والمدراء، وكانت تقارير مرضية نسبياً. ويحتمل أن تكون هناك أعمال جيدة ولكن بشرط الاستمرار والمتابعة. ولطالما كنت أقول بأن سلسلة مراتب العمل هذه، من الأعلى إلى الأسفل هي سلسلة مراتب إنسانية، وكل إنسان لديه ذهن ولديه قلب وإرادة وعزم. وفي سلسلة المراتب المتشكلة من خمس أو ست وسائط، إذا رفضت إحدى الحلقات القيام بعمل ما، فإن العمل لا ينجز. وليست مثل السلك الكهربائي الذي، وبمجرد أن تضغط على المفتاح، يصل التيار ويضئ مئة مصباح.. كلا، فإن هذه الأسلاك تحتوي في وسطها على حلقات من الإرادة والعزم، وهؤلاء بشر، ويحتاج الأمر إلى مراقبة وإشراف وضبط ومتابعة ورصد، وإلى مطالبة مستمرة، وأنتم يمكنكم لعب دور مؤثر في هذا المجال. هذا فيما يخص الاقتصاد المقاوم، وهكذا الأمر بالنسبة لقضية العدالة، ونموذج التقدم الإيراني الإسلامي. أنا لا أعتقد بهذه التنمية الغربية بأي وجه من الوجوه، فإن قواعدها وأسسها ومبانيها باطلة، والكثير من فروعها خاطئة، ولكني أعتقد - ولا أريد استخدام كلمة التنمية المأخوذة من التعبير الغربي والإنجليزي، وأتعمد استخدام كلمة التقدم - إن التقدم الإسلامي الإيراني هذا، يمكن أن يُطرح كخطاب ومطلب للرأي العام. وكذلك الأمر بالنسبة لتسارع الإنجازات العلمية.

ومن المسائل الأخرى [ التاسعة]، والتي أعتقد أنكم قادرون على القيام بها، هي تشكيل جبهة واحدة ضد أمريكا والصهيونية على مستوى الطلاب الجامعيين في العالم الإسلامي، فقوموا بإنجاز هذا العمل. واجلسوا وفكروا وابحثوا، ثم شكلوا جبهة متحدة ضد الصهيونية وضد أمريكا. واليوم وسائل الاتصال والتواصل سهلة، فلا حاجة للمراسلات الورقية والبريد والتلغراف وما شابه. تواصلوا عبر الفضاء الافتراضي، وقد حصلت تحركات مشابهة في بعض القضايا. فأطلقوا حملة عامة مناهضة للهيمنة الأمريكية في العالم الإسلامي، ومناوءة للسياسات الأمريكية والصهيونية، وسينتمي ملايين الأعضاء إلى هذه المجموعة، ويلتحقون بهذا التيار الفكري، فقوموا بتهيئة الغذاء والوقود المحرك لهم، وهم سيبادلونكم الأمر نفسه ويقدّمون لكم أصنافاً أخرى، لأن العالم الإسلامي يحتوي على الكثير من الأفكار الطلابية الجامعية الجيدة. فأوجدوا جماعة طلابية جبارة في العالم الإسلامي.

والنقطة العاشرة؛ لكم يا أعزاء الأتحادات والمنظمات هي أن لا تتهموا أحداً بأنه غير ثوري لمجرد أنه لا يتوافق مع أفكاركم بشكل كامل. فمن الممكن أن يكون هناك من لا تتطابق رؤيته معكم مئة بالمئة، ويختلف معكم ببعض المسائل، وقد يتوافق معكم بنسبة خمسين بالمئة ولكنه ثوري، وفي نهاية الأمر، هناك معايير للثورة، ومن الممكن أن توجد عنده هذه المعايير. فينبغي عدم التسرع في اتهام أحد بأنه معادٍ للثورة أو غير ثوري. وكما بيّنت في مراسم ذكرى رحيل الإمام الخميني (رضوان الله عليه)، فإن الثورية هي كالإيمان، ذات مراتب، أولى وثانية وثالثة؛ نعم هناك مراتب ودرجات أعلى وأفضل من غيرها، وهناك المراتب أدنى، ولكن الجميع مؤمنون، وحساب المؤمن وتقييمه يختلف عن غير المؤمن، ويختلف عن المنافق، وإن كانت درجات الإيمان متعددة.

والنقطة الحادية عشرة: فلتتظافر جهود الاتحادات والمنظمات مع بعضها، إذ يحصل أحياناً أنكم تختلفون مع بعضكم، وقد تختلف الاتحادات الثورية حول موضوع ما، ولا بأس بالاختلاف، ولكن في الوقت نفسه، فليكن بينكم تلاحم وانسجام وتعاون، وتمسّكوا بالقواسم المشتركة، ولا تدعو الاختلافات تنجّر إلى الاشتباك والصراع وما شابه. وأعتقد أن عليكم أن تختلقوا هذه الحالة في أجواء الجامعات، وهي الحِلم والتّحمل.. تحمّل المخالف لكم وهذا هو مصداقه الكامل.

والنقطة الأخيرة: فلتكن نظرتكم إلى الثورة نظرة استراتيجية، وعليكم التفكير لما بعد عشرين وثلاثين عاماً، كما يفكر العدو تماماً. عزيزي! إنك الآن في الثانية والعشرين، أو في الثالثة والعشرين، أو في الرابعة والعشرين من عمرك، وبعد عشرين عاماً ستكون رجلاً في الأربعين أو الخامسة والأربعين من العمر، ومن المحتمل أن تكون مصدراً لخدمات كبرى وصاحب إنجازات عظمى في هذا البلد. ولا أقول هنا، أنك بالضرورة ستشغل عملاً رسمياً أو منصباً حكومياً. وقد قالت الآن أختنا وابنتنا العزيزة وكررت بأن يتم التفكير في تأمين وظيفة ومهنة لكل من يتخرج من الجامعة، ولكن كيف يمكن التفكير بمهن ووظائف لخمسة ملايين طالب جامعي؟ وهل هذا أمرٌ ممكن؟ وهل ينبغي على كل خريج جامعي أن يصبح موظفاً في الدولة؟ كلا، فلينطلقوا في الأعمال الحرة، وليبحثوا عن عمل لأنفسهم، وعلى الدولة بالطبع أن تساعدهم، وهذا مما لا شك فيه، ولكن ينبغي أن لا يصبح الوضع بأن يتوظف كل من يتخرج من الجامعة، في وظيفة رسمية عادية أو منصب رفيع. ولكن في نهاية الأمر، فإن رؤساء الجمهورية في المستقبل، ووزراء المستقبل، ونواب ومسؤولي ومدراء المستقبل، سيكونون منكم، أنتم يا طلاب اليوم، فانظروا بشكل ترون فيه ذلك اليوم الآتي، وارسموا عالماً يضمّ ذلك الدور الذي تريدون القيام به في ذلك اليوم، وترضون به وتنشدون إليه، واخلقوا هذه الصورة، وتابعوا هذا التصور المثالي حتى تصلوا إليه.

وهناك أمر آخر، وهو موضوع هذه الهيئات والمواكب الطلابية، وهي لجان مفعمة بالبركة، وأنا العبد أؤيد هذه الهيئات بشكل كامل، فهي تتمتع بجمهور واسع من جهة، وكذلك تعمل على الأبعاد المعنوية والروحية من جهة أخرى.

كنت قد دوّنت عدة مواضيع أخرى حول مسائل البلد ولكن أعتقد أن الوقت قد أدركنا [هنا تكررت الطلبات لمواصلة الحديث]. نعم، أنتم يمكنكم الجلوس حتى الصباح لأنكم شباب، وأنا أيضاً حين كنت في أعماركم، كنت أجلس مثلاً مع الرفاق، نتبادل الحديث حتى الصباح في الليالي الشتوية الطويلة، ولكن الوضع قد تغيّر حالياً.

وأما حول قضايا البلاد، فإن من الأمور المهمة جداً، والتي لا يمكن التغاضي عنها، ولا بد من الإشارة إليها، هي أنه قد شاع في الوقت الراهن أن يتكلم البعض عن الإمام الخميني والنظام والثورة ويتغنّى بهذا، ولكنه في الوقت نفسه يتعاون أو يدعم أولئك الذين يقولون "الانتخابات ذريعة، والهدف هو أساس النظام"؛ هذا خطأ وغير مقبول. فإن موقفي في هذا المجال صريح وواضح جداً، ولقد قلت مراراً بأن هذه التقسيمات التي تُذكر كالأصوليين والإصلاحيين والإصلاحيين المحافظين والمتجددين وهكذا عناوين لا قيمة واقعية لها بالنسبة لي، وبالأصل فأنا لا أهتم بهذه الأسماء ولا ألتفت إليها، وما يهمني هو المضمون والمحتوى، ولكنني حساس فيما يتعلق بالفتنة (الأحداث التي جرت بعد الانتخابات الرئاسية عام 2009) وبالطبع فإن أغلب الأشخاص الذين شاركوا في تلك التظاهرات كانوا أناساً عاديين، وليس عليهم تقصير، ولكن البعض كان يقودهم ويوجههم، والبعض كان يستغلهم، وقد طُرح شعار "الانتخابات ذريعة، والهدف هو أساس النظام"، فهل هناك كلام أكثر صراحة من هذا؟ وهل تم إطلاق هذا الشعار أو لا؟ لو كان كذلك، فقد كان من الواجب عليهم التبرؤ منه في ذلك الوقت، ولكنهم لم يفعلوا هذا ولم يتبرؤا منه. ثم يقوم البعض بدعم هؤلاء والدفاع عنهم، وهو يتشدّق بالكلام عن الإمام والانتماء لخط الإمام ونصرة النظام والثورة أيضاً! هذا غير مقبول. وهذه ظاهرة سيئة وقبيحة جداً، ونحن لا نقبل بهذه الظاهرة أبداً.

لقد دوّنت عندي هنا بعض المواضيع، إحداها مسألة العقلانية. حيث يُطرح اليوم كلام كثير حول العقل والعقلانية والعقلاء وعقلاء القوم وما شابه. وأن يجلس عقلاء الجناحين مثلاً ويتكلموا ويبحثوا القضايا.. النزعة العقلية. نحن نؤيد النزعة العقلية بقوة. والقرآن كذلك قد تكلم كثيراً حول العقل، ولقد أوصى الإسلام كثيراً بالعقل والتعقّل، وإمامنا الخميني العظيم كان من أكبر عقلاء العالم، وكان من أهل العقل والتعقّل، والثورة أيضاً كانت ثورة عقلانية وذات مباني عقلية متينة، وعليه نحن نؤيد النزعة العقلية. غاية الأمر أنه يجب أن نرى ماذا يقتضي العقل. فإن أولئك الذين يؤيدون التوجه نحو الغرب حالياً، أعتقد أنهم قد فقدوا عقولهم، ولا يتعقلون. وأولئك الذين يقولون: يجب علينا في سبيل تقدّم البلاد، أن نعتمد على الغرب ونلجأ إليه ونقوّي صداقتنا به، برأيي لا ينبع كلامهم عن عقل. فلقد كان لنا مع الغرب تجارب عديدة. وأول عمل يقوم به العقل أن يستفيد من التجارب. فالغربيون هم الذين سلّطوا علينا رضا خان (الشاه الأب)، لمدة عشرين سنة من الاستبداد والديكتاتورية العجيبة والغريبة والتي لا مثيل لها، ثم عاد الغربيون وفرضوا حكم محمد رضا (الشاه الابن) على هذا البلد، والناس لم يكن لديهم أي دور وتأثير، والغربيون هم الذين جلسوا وقالوا يجب أن يحكم الابن مكان أبيه، ثم ساعدوه على الإطاحة بالحكومة الوطنية، وقام الغربيون بشكل مباشر وبأنفسهم في الثاني والعشرين من شهر مرداد بالإطاحة بحكومة مصدّق - والتي كانت حكومة وطنية، ولا شأن لنا هنا بعقائد مصدّق، إلا أن حكومته كانت حكومة وطنية - والغربيون أيضاً هم الذين أسسوا السافاك (جهاز المخابرات) في هذا البلد ليكون أداة وحشية همجية لقمع كل فكر معارض! لقد قلت في إحدى المرات (17) بأنه كان معي أحد الأشخاص في سجن "قزل قلعه" وكانت جريمته بأنه كتب بيتاً من الشعر الهابط - وكان شعراً رديئاً على المستوى الشعري والأدبي - على ورقة التقويم، وهذا هو شعره:

قولوا شيباً وشباناً           لعنة الله على رضا شاه الكبير!

ولهذا حكموا عليه بستة أشهر! لأجل هذا الشعر الهابط، والأمثلة المشابهة كثيرة إلى ما شاء الله. وأساساً لم يكن هناك إمكانية لتصور إصدار بيان يخالف إرادة تلك الأجهزة الحاكمة. ففي ذلك الزمان جاء أحد الأصدقاء من باكستان إلى مشهد، وكان يقول: جلسنا في تلك الحديقة العامة نقرأ البيان الفلاني. فاستغربت كثيراً وقلت له: في الحديقة العامة! أيمكن لإنسان أن يجلس ويقرأ بياناً؟ لم نكن نتصور هكذا مسألة، فالقمع كان سائداً إلى هذه الدرجة. والغربيون هم الذين أوجدوا كل هذه الأوضاع، وكل هذه الإعدامات، والمجازر، وحالات التعذيب، والإجراءات التعسفية، والنفي والإبعاد والسجن.. إنهم قاموا بكل هذا حتى انتصرت الثورة. ومن بعدها شاهدتم ماذا فعلوا، فأعمالهم واضحة ومعروفة، فإن الغربيون، بما فيهم أوروبا وأمريكا، هم أول من قام بفرض العقوبات، ودعم المجموعات المعادية، والخيانات، والتجسس والاختراقات الأمنية، والحملات الإعلامية المعادية ضد الثورة الإسلامية، ثم تابعوا هذا النهج نفسه قبل الحرب المفروضة، حيث ساعدوا ودعموا المجموعات اليسارية! فإنها مجموعات يسارية ولكنها تتلقى الدعم من أمريكا اليمينية! وفي الحرب المفروضة، دعموا صدّام، وزوّدوه بالصواريخ وبالإمكانيات البيولوجية - القنابل الكيميائية كما يسمونها - واستمرّوا بدعم صدّام، وزوّدوه بالخرائط العسكرية وبكل أنواع الدعم، كي تطول الحرب ثمانية سنوات! ثمانية سنوات ليست بالمزحة. وبعد الحرب تابعوا عدوانهم فأسقطوا الطائرة المدنية، وقتلوا حوالي 300 راكب مدني في تلك الطائرة، وذلك الرجل عديم الحياء الذي كان رئيس جمهورية أمريكا، قال أنا لا أعتذر من إيران، فليذهب إلى جهنم! لم يعتذروا عن جريمتهم، فأي بشر هؤلاء؟ وماذا تعطينا التجارب معهم؟ ثم تابعوا عِداءهم هكذا في المسائل المختلفة حتى اليوم؛ وصولاً إلى قضية الاتفاق النووي.

أليست هذه فرنسا نفسها التي قام وزير خارجيتها وبكل وقاحة ليلعب دور الشرطي السيء [في المفاوضات النووية]؛ كل يوم كانوا يخترعون ضغوطاً وذرائع وصعوبات جديدة، والأمريكيون كانوا يعملون بشكل آخر.

وأنا قد تكلمت حول الاتفاق النووي أكثر من مرة، في ذلك اللقاء [مع مسؤولي النظام](18)، وكذلك في اللقاء مع أعضاء الحكومة(19)، ولا أرى من المصلحة الآن أن أتكلم أكثر مما قلت في هذا المجال، وذلك لأسباب عديدة، ولكن هناك شيء تم إثباته بوضوح في خضم الاتفاق النووي، وهو أن الأمريكين يمارسون عدوانهم ضدّنا، لا في الكونغرس الأمريكي وحسب، والذي يلعب ما يسمى بدور "الشمر"، بل حتى أولئك الذين لا يريدون لعب دور "الشمر" - أي الحكومة الأمريكية -  كذلك يعتدون ويلحقون الأذى، غاية الأمر أن عدوانهم له شكل آخر، ولكنهم يعتدون، وقد أضحى هذا واضحاً جلياً. فلنضع كل هذه التجارب أمامنا، والعقلانية تقتضي أن يواجه الإنسان هكذا عدو، بكل حكمة وتدبّر وحذر وعدم الوقوع في خداعه، ويواجهه بعدم الاقتراب إلى ساحات مؤامراته وإلى الميادين التي يقوم هو برسمها والتخطيط لها. نعم، إن الأعداء يرغبون، ومن أعماق قلبهم، بأن يجتمعوا مع إيران وينسقوا معها حول قضايا منطقة غرب آسيا - كسوريا ولبنان وما شابه - وقد طلبوا واقترحوا، لكننا رفضنا ولا نريد ذلك. فإن مشكلتهم الأساسية هي تواجد إيران، ويريدون التفاوض للحيلولة دون التواجد الإيراني في تلك المنطقة، فعلى أي شيء نفاوضهم نحن؟! إنهم يقولون على إيران أن لا تكون موجودة هناك ولا تؤثر في المنطقة.. هذه هي مشكلتهم، ويريدون حلّ هذه المشكلة، فلماذا نساعدهم على حل مشكلتهم؟ وبالمقابل نحن لا نريد حضور أمريكا هناك أيضاً. وعليه فهذه هي العقلانية.

أظن أننا تكلمنا كثيراً. وفي نهاية المطاف، يا أعزائي! نحن صامدون.. أنا العبد الحقير لدي واجب ديني، وواجب شرعي، وواجب أخلاقي، وطالما بقيت روحي في جسدي، سأبقى صامداً ثابتاً في مواجهة أعداء الثورة، وأنا أثق بهذا الشعب. وبين نخب البلاد ومنهم الجامعيين والطلاب، يوجد الكثير الكثير من العناصر المؤمنة وأنصار الصمود في هذا الطريق، ما يجعل أي إنسان أصيب بالإحباط، إنساناً متحمساً مندفعاً، فكيف والحال إن كان مثلي أنا المندفع المتحمس أساساً. فهناك صمود واستقامة والنتيجة هي الانتصار.

والسلام عليكم ورحمة الله

 

الهوامش:

1- في بداية اللقاء تحدّث عدد من الطلبة الجامعيين وممثلي التنظيمات الطلابية عن شؤونهم وأهم مشاكلهم ومقترحاتهم.

2- سورة الأحزاب، الآية 24.

3- سورة الأحزاب، جزء من الآية 12.

4- سورة الأحزاب، جزء من الآية 22.

5- 14/05/2016.

5- سورة آل عمران، جزء من الآية 155.

6- سورة مريم، الآية 59.

7- سورة الأعراف، جزء من الآية 169.

8- سورة الأنفال، جزء من الآية 65.

9- من كتاب صحيفة الإمام الخميني (رض)، ج19، ص153. نداء للشعب الإيراني بمناسبة ذكرى إنتصار الثورة بتاريخ 11/02/1985.

10- 18/05/2016.

10- خطاب سماحته لدى لقائه حشداً من الطلبة بتاريخ 28/07/2013.

11- سورة الأحزاب، جزء من الآية 22.

12- سورة الرعد، جزء من الآية 40.

13- سورة البقرة، جزء من الآية 62.

14- خطاب سماحته لدى لقائه طلبة وأساتذة جامعات محافظة كرمان، بتاريخ 09/05/2005.

15- خطاب سماحته لدى لقائه مسؤولي وكوادر النظام الإسلامي، بتاريخ 14/06/2016.

16- 22/05/2016.