موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي

كلمة قائد الثورة الإسلامية المعظم خلال إستقباله جمعاً غفيراً من أهالي محافظة آذربيجان الشرقية بمناسبة الذكرى السنوية لإنتفاضتهم ضد النظام الشاهنشاهي في 1978/2/18.

 

بسم الله الرحمن الرحیم (1)

الحمد لله ربّ العالمین، والصلاة والسلام علی سیّدنا ونبیّنا أبي القاسم المصطفی محمّد، وعلی آله الأطیبین الأطهرین المنتجبین، سیّما بقیّة الله في الأرضین، ولعنة الله علی أعدائهم أجمعین.

قدمتم خير مقدم أيها الإخوة والأخوات الأعزاء!

إن يوم التاسع والعشرين من بهمن (ذكرى انتفاضة أهالي محافظة أذربيجان الشرقية ضد النظام الشاهنشاهي بتأريخ (1978/2/18) من كل عام، يعتبر، بسبب حضوركم، واحداً من أيامنا الزاخرة بالمجد والملحمة في هذه الحسينية. ويشكّل بالنسبة لي، أنا التائق لزيارة أهالي تبريز وأذربيجان الأعزاء، فرصة مآتية توفّر لنا، إن لم نتمكّن من زيارة هؤلاء الأحبة بأجمعهم، إمكانية اللقاء بعدد من الشباب والمسؤولين والعلماء الأعلام ومختلف الشرائح في هذه الحسينية. فأهلاً وسهلاً بكم! وأبلغوا سلامنا لبقية الأهالي الأعزاء الساكنين في مدنية تبريز وفي المدن الأخرى من محافظة أذربيجان.

إن يوم التاسع والعشرين من بهمن لا يعدّ تأريخاً صرفاً، وإنما هو درسٌ وعنوان. وهذا ما أقوله لكم أيها الشباب: إنّ أهالي محافظة أذربيجان ومدينة تبريز، لا في قضية الثورة والتاسع والعشرين من بهمن وحسب - اليوم الذي يعدّ الماكنة المولّدة والمحرّكة لانتصار الثورة في العام المقبل، والممهّد لهذه الأرضية - بل منذ زهاء 120 إلى 130 عاماً، يشكّلون أحد أهم المحاور الجهادية الرئيسية في كافة القضايا الاجتماعية والسياسية الهامة التي آلت إلى تغييرٍ في البلد. فليعلم شبابنا الأعزاء ذلك.. هذه هي هوية أذربيجان. سواء في قضية التنباك والمرحوم الحاج الميرزا جواد مجتهد التبريزي، أو في الحركة الدستورية التي اشتهرت هذه المحافظة بدورها فيها، أو فيما يخص الحركة الوطنية وفصل النفط عن بريطانيا، حيث لعبت أذربيجان دوراً مؤثراً في هذا المضمار، أو في غضون الثورة الإسلامية، أو في فترة الدفاع المقدس، أو في الأحداث التي سبقت الحرب في نفس مدينة تبريز ومحافظة أذربيجان، حيث كان لأهالي هذه المحافظة دور فيها.

فقد أطلق (الأعداء) في بداية الثورة حركة مناهضة للثورة، تهدف إلى دقّ إسفين الخلاف وشقّ عصا القوات الثورية في داخل إيران، ووجدوا تبريز - على حدّ مزاعمهم - مكاناً مناسباً للنهوض بهذه المهمة، وهذه هي واحدة من السياسات القديمة التي دأب عليها الإنجليز والعناصر المعادية لإيران، فأثاروا البلبلة في تلك المنطقة. وكنتُ حينذاك أحد أعضاء مجلس الثورة، وقد أضحت هذه القضية مثاراً للنقاش في طهران، وكان البعض يساوره القلق حيال ذلك، فقال الإمام الخميني: لا يقلقنّ منكم أحد، فإن أهالي تبريز بأنفسهم سيتصدّون لهم، وهذا ما حصل بالفعل، ولم تكن هنالك حاجة لتدخّل أي شخص آخر.. هذه هي حقيقة أهالي محافظة أذربيجان. وفي فترة الحرب أيضاً، كانت فرقة عاشوراء واحدة من الفرق التي تشقّ الصفوف الأمامية، ولم ينحصر الأمر على تلك الفرقة، بل كان علماء أذربيجان، وشرائحها المختلفة، وأجهزتها الداعمة والمساندة، كلها متواجدة في الساحة.. هذا هو تأريخ أذربيجان. فقد وقفت هذه المحافظة بمفردها دوماً أمام أطماع أولئك الذين عقدوا آمالهم على إثارة النعرات القومية في البلاد، ومازالوا يتابعون هذه الأفعال.

فإن بلدنا يتألّف من مختلف اللغات وشتى القوميات، بما فيهم الأتراك والفُرس والعرب والبلوش واللرّ والأكراد، وهذا تنوّع بحد ذاته وهو يشكّل فرصة متاحة، بيد أنّ العدو قد شخص ببصره لأن يجعل من هذه الظاهرة وسيلة لإيجاد الثغرات. فهبّت القوميات الإيرانية الكبرى بنفسها، وفي طليعتهم أهالي أذربيجان، ولسبوا الدروع على صدورهم، ووقفوا في وجه هذه السياسات العدوانية الخبيثة. وهذا ما يجب أن يلتفت إليه شبابنا الأعزاء، وهو أنّ العدوّ قد علّق آماله، وراح يسعى جاهداً لاستثمار كل صدع، يزعم أنه يستطيع من خلاله إيجاد زلزال، لهدم أساس استقلال البلد، والقضاء على أساس الثورة، ويروم توظيف كل إمكانياته، باحثاً - بحسب تصوّره - عن الصدوع والفوالق الزلزالية، والحال أنه لا وجود لأي صدع، والناس في تلاحم وتعاضد.

وبالتالي فإنكم أنتم من أهالي تبريز وأذربيجان، وأنتم على بيّنة من أمركم فيما يراودكم من أحاسيس وعواطف، ونحن على اطلاع بمضمون هذا الشعر الذي قرأتموه هنا: «قسماً بالقرآن أننا ببيعتنا أوفياء»، وهذا أمرٌ لا ريب فيه. فقد أثبت أهالي أذربيجان، لا في اللسان وحسب، بل في العمل، أنهم واقفون في وجه العدوّ الرامي إلى الإغراء والتفرقة.

أعزائي! إنّ بقية الأقوام الإيرانية أيضاً على هذه الشاكلة والحمد لله، بما فيهم الخراسانيون على اختلاف مذاهبهم في شرق خراسان، وكذلك الأكراد والبلوش. فقد نهض من البلوش علماءٌ، واجهوا أعداء الثورة في مستهلّ انطلاقتها. وقد عاشرتُهم مدة مديدة، وتعرّفتُ على علماء تلك الديار. ودعوني أذكر أسماءهم ليتعرّف الناس عليهم: المرحوم مولوي عبد العزيز ساداتي، من أهالي سراوان، وكان شيخاً طاعناً في السن، فتصدى للمناهضين والمعارضين للثورة والمتحجّجين عليها، مدافعاً عن الثورة الإسلامية، وكان من البلوش ومن أبناء السنة. والمرحوم شيخ الإسلام من محافظة كردستان ومدينة سنندج، حيث كانت له خطابات قوية نارية، وكان من أهل السنة أيضاً؛ ذلك أن الأكراد ينتمون إلى المذهب الشافعي، ولكنهم دافعوا عن الثورة، لما شاهدوه من أنّ الثورة رفعت راية الإسلام. وأخيراً نال شيخ الإسلام الشهادة على يد العناصر المعادية للثورة بسبب تلك الخطابات والمواقف. وفي خوزستان أيضاً تصدى الشباب العرب لعدوان النظام الصدامي، وكان الذين يواجهونهم من العرب أيضاً، ولكن رغم ذلك فقد صمد هؤلاء وثبتوا. واسم الشهيد علي الهاشمي - أحد القادة الخوزستانيين الشباب العرب، من أهالي الأهواز - وأسماء هؤلاء لا يقلع عن الأذهان لصمودهم واستقامتهم. فكان ذلك يتحدث بالعربية، وهذا أيضاً يتكلم بالعربية، إلا أنّ هذا أدرك الحقيقة وعرف مؤامرة العدو، فصمد وثبت، وكذلك الحال بالنسبة إلى سائر الأقوام الإيرانية. والأسبق والأفضل هم أهالي أذربيجان. فليستمرّوا على مؤامراتهم، واجتماعاتهم، وأقاويلهم، وبذلهم للأموال، واستخراج الدولارات النفطية من كيس القارونيين، وإنفاقها في سبيل تمزيق البلد وتفريقه، فإنهم لا يقدرون على ذلك، لأن أبناء الشعب متوحّدون متماسكون.

إني سأتناول الحديث اليوم عن هذا الموضوع، وعن الثاني والعشرين من بهمن (ذكرى انتصار الثورة الإسلامية)، وعن المسؤولين ومسؤولياتهم، فلابد من مشاهدة هذه الأمور برمتها جنباً إلى جنب.

إنّ الشعب الإيراني صامد متعاضد. وإذا بالبعض في الحال الحاضر تعلّم تكرار الحديث عن «المصالحة الوطنية»، وهو برأيي كلام لا معنى له، لأن الشعب متلاحم متوحّد، وإذا ما تطلّب الأمر الدفاع عن الإسلام، والدفاع عن إيران، والدفاع عن الاستقلال، والوقوف في وجه العدو، سيقف الشعب صامداً بكل كيانه. وقد يختلف اثنان بشأن القضية السياسية الفلانية، وهذا ما لا يضرّ بالأمر. فلِمَ تتحدثون عن المصالحة؟ أفهل يوجد خصام فيما بينهم حتى يتصالحون؟ هذه عبارات باتت الصحف تهوّلها وتضخّمها، غير ملتفتة إلى ما تُحدِثه من إشكال. فإن المصالحة التي تتحدثون عنها، تعني أن هناك شحناء وضغينة، والحال أنه لا وجود لها. نعم، إن الناس يحملون الضغائن ضدّ أولئك الذين أساؤوا إلى عاشوراء (عام 2009)، وضدّ أولئك الذين عمدوا في يوم العاشر، وبكل قساوة وسخرية ووقاحة، إلى تعرية شابّ تعبويّ وانهالوا عليه بالضرب في وسط الشارع. بل ولا نتصالح معهم، ولا مع أولئك الذين يعادون أصل الثورة، ويهتفون بأن المستهدف هو أساس النظام، وليست الانتخابات سوى ذريعة، علماً بأنهم لا يمثّلون إلا عدة قليلة ضئيلة، ولا يشكّلون إلا قطرة في قبال بحر الشعب الإيراني العظيم الهادر، ولا يعدّون بالشيء الذي يُذكر. فإنّ البحر هذا متماسك متلاحم، والاتحاد هذا موجود، ولابد أن يكون له وجوده وتعزيزه يوماً بعد آخر.

هذه نقاط دوماً ما نجد النخب في أذربيجان متنبّهين لها والحمد لله. فإنّ شباب أذربيجان الغيارى وأهاليها من مختلف طبقاتها وشرائحها، دوماً ما كانوا ملتفتين إلى هذه القضية، حيث وقفوا أمام مؤامرات العدو ووساوسه وأفعاله، ودافعوا عن الوحدة الوطنية، وحملوا أرواحهم على أكفّهم في هذا السبيل. فلتعرفوا أنتم في الدرجة الأولى، ولنعرف نحن والمسؤولون كافة وأبناء الشعب قاطبة، قدر أذربيجان، لأنها تمثل نقطة قوة للثورة وللنظام الإسلامي.. هذه هي النقطة الأولى.

وأما فيما يخص الثاني والعشرين من بهمن (ذكرى انتصار الثورة الإسلامية). أولاً عليَّ أن أشكر الشعب الإيراني بأجمعه من أعماق قلبي. فقد منحت (مسيرات) الثاني والعشرين من بهمن في هذا العام سمعة طيبة للثورة وللنظام الإسلامي ولإيران الإسلامية. ذلك أنّ تقدير المسؤولين في الداخل والأشخاص الذين يخمّنون عادةً عدد الجمهور في الشارع، هو أنّ نسبة الجماهير في المدن الكبيرة وفي سبعين بالمئة من مدن البلد، تزيد عمّا كانت عليه في السنوات الماضية في البعض المناطق، وتزيد كثيراً في مناطق أخرى، وتصل إلى ضعفين في مناطق ثالثة. هذا ما قاله أولئك الذين يعمدون إلى تقدير الأعداد في الداخل، ولم ينحصر الأمر عليهم، بل ذكره الأجانب وأعداء الثورة أيضاً. فإنّ نفس أولئك الذين كانوا يستصغرون مسيرات الثاني والعشرين من بهمن في كل عام، ويقدّرون الأعداد الذين نزلوا إلى الشوارع بعدة آلاف، استخدموا في هذا العام التعابير المليونية، وهو الصحيح، فقد نزل إلى الشوارع ملايين الناس في جميع أرجاء البلد. وإن لساني لقاصرٌ عن أداء الشكر، ومن أنا حتى أشكر، بل لابد من أداء الشكرِ والحمدِ لله الذي وجّه القلوب بهذا الاتجاه.

النقطة الهامة هي أنّ هناك على مدار العام مئات الوسائل الإعلامية التي تتحدث ضدّ الثورة بأموال المخابرات الأمريكية والإسرائيلية والأجهزة الاستخباراتية والتجسسية البريطانية والدولارات النفطية للقارونيين. وهاهم يعملون طيلة العام ليل نهار، ويجمعون عشرات السياسيين المفلسين الفارّين من إيران، ويستأجروهم لأن يكتبوا تحليلاً، ويدوّنوا خبراً، وينظّموا خطاباً ضدّ الثورة وضد النظام، ويسيؤوا إلى الإمام الخميني وإلى الشعب الإيراني وإلى ما تقوم به الثورة من أنشطة مختلفة - وهذا ما سأشير إليه لاحقاً -، ويتّهمون الثورة والنظام، ويعملون على تضعيفهما، ويبذلون مجهودهم طيلة العام، وحين يحلّ يوم الثاني والعشرين من بهمن، تهطل الرحمة الإلهية، وينزل هذا التواجد الجماهيري الهائل كالمطر، وينقّي الأجواء الملوثّة والملبّدة، ويسير في الشوارع كالفيض المبارك، فيصفّي أذهان الناس، ويطهّرها عن الأدران.. هذا هو يوم الثاني والعشرين من بهمن.

ثم إنّ لدينا يوم الثاني والعشرين من بهمن، ولدينا يوم القدس، ولكلٍّ معناه ومفهومه وهدفه، وهذا ما أدركه الناس جيّداً، وهاهم ينزلون إلى الساحة من منطلق هذا الإدراك. ولكن من الذي يتواجد في الميدان؟ هذه نقطة بالغة الأهمية. ولكم أن تنظروا إلى هذه الحشود الهائلة التي انطلقت في مدينة تبريز وفي المدن الأخرى وهنا في طهران، فإنّ غالبيّتهم لا تتجاوز أعمارهم سبعة وثلاثين أو ثمانية وثلاثين عاماً، وهو عمر الثورة. وهذا يعني أنهم لم يشهدوا بداية الثورة، ولم يشهدوا الإمام الخميني، ولم يشهدوا زمن الدفاع المقدس، ولم يشهدوا فترة القمع المريرة والسوداء في عهد الطاغوت، ومع هذا يشاركون، وبنفس الحماس والشعور والمعرفة واليقظة والرؤية ينزلون إلى الشوارع، ويهتفون بقضبات مشدودة ويصرخون، فما معنى ذلك؟ معناه أن الثورة حية متقدمة نامية، وهؤلاء يمثلون حالات النماء الجديدة للثورة، فإن هذا هو الجيل الثالث والرابع للثورة الذي يشارك ويقف في وجه العدو ويعبّر عن موقفه بحزم، وهو أمرٌ فائق الأهمية.

إنّ العدوّ يحاول إظهار عدم كفاءة الثورة، وهو يحرث في البحر طبعاً. علماً بأننا نعاني من بعض المشاكل، ولكن أيّ بقعة من بقاع العالم وأيّ بلدة، تعالجت قضاياها بأسرها وهي تسير على ما يرام؟ فالمشاكل موجودة في كل مكان وفي بلدنا أيضاً - وسأشير إليها - ولا نتغاضى عنها، وهذا مما لا شك فيه، بيد أن العدو يسعى، في قبال هذه المشاكل، أن يغض الطرف عما حققته الثورة من تقدم. فقد أنجزت الثورة والنظام الإسلامي على مدى هذه الأعوام الثمانية والثلاثين تقريباً إنجازاً كبيراً. وإنّ لديّ قائمة من رئوس البرامج التي حققتها الثورة على مرّ هذه السنوات الثمان والثلاثين والجهود التي بذلتها لهذا البلد؛ تلك الجهود التي لا تبذلها الحكومات المقتدرة والفاعلة في غضون مئة عام أيضاً.

فلنقارن ما نحن فيه بما كنّا عليه قبل الثورة، في مجال البنى التحتية - الذي يعدّ كبير الأهمية لمستقبل البلد وتقدّمه - حيث حققنا التقدم في بعض المواطن بعد انتصار الثورة بنسبة ألف بالمئة، أي ما يعادل عشرة أضعاف، وفي مواطن أخرى بنسبة ألفين إلى ستة آلاف بالمئة، أي ما يعادل ستين ضعفاً. ولنقارن عدد طلاب الجامعات، والتقدم العلمي، والإنجازات التأسيسية، والمسائل الثقافية الجبارة، والسمعة الحسنة، والعزة الوطنية، بما قبل الثورة وعهد الطاغوت وزمن الهيمنة الأمريكية والفترة التي كانت فيها طهران محلاً لاستجمام العناصر الصهيونية، حيث كانوا كلما تعبوا، شدّوا رحالهم إلى هذا البلد، ليقضوا في مزرعة شيان، وهي مكان استراحتهم، سبعة أو ثمانية أو عشرة أيام للمتعة والنزهة، ثم يعودون إلى أوطانهم؛ لنقارن هذا بذاك. فقد تقدم البلد وانطلق وحقق طفرة. حيث كان يومذاك يُدار عبر حكومة مغلوبة على أمرها، وهي حكومة الطاغوت التي كانت رازحة تحت وطأة أمريكا وبريطانيا والقوى الكبرى، والتي كانت قد أذلّت الشعب وامتهنته، وعطّلت طاقات البلد وخيراته بالكامل، وأوكلت البعض منها إلى العدوّ، فانبثقت الثورة وعملت على تنشيط الكثير من هذه الطاقات والخيرات وتفعيلها، وأصبح البلد اليوم عزيزاً. فعلى الصعيد الإقليمي، وفي جميع قضايا المنطقة تقريباً، لا تسير الأمور إلا إذا أرادت إيران ونزلت إلى الساحة.

لقد أثبت الشعب الإيراني أنه شعبٌ مقاوم، وهذا ما بات يعترف به أعداؤنا أيضاً في تحليلاتهم، قائلين: لا يمكن مواجهة الشعب الإيراني ومجابهته، لأنه شعبٌ مقاوم صامد، لا يستسلم أمام العدو، وهذه هي العزة. ولكم أن تقارنوا هذه العزة بفترة الذل التي فرضها هؤلاء على هذا الشعب وعلى هذا البلد. فمن الطبيعي أن تكون هذه العزة مدعاة لسرور الشباب وابتهاجهم، مما يتسبب في نزولهم إلى الساحة. هذا هو يوم الثاني والعشرين من بهمن.. إنه يمثل نعمة وفرصة إلهية توفّر للشعب إمكانية إثبات نفسه والتعبير عن إرادته بصوتٍ مرتفع. فما هو كامن في قلوب أبناء هذا الشعب، يتجلى عبر شعاراتهم في يوم الثاني والعشرين من بهمن وفي جميع أرجاء البلد.

نحن نسعى وراء التقدّم، ووراء الإسلام، ووراء النظام الإسلامي الناهض من الناس، والذي يكون بمقدوره معالجة مشاكلهم؛ هذا هو شعار الثاني والعشرين من بهمن في كل عام. علماً بأنّ الشعب واقف بقوة ورباطة جأش، وكل مسؤولٍ يريد التخلي عن الانخراط في صفوف الشعب وعن الثبات والصمود، سيرفضه الشعب لا محالة.. هذا فيما يخص قضية الثاني والعشرين من بهمن.

وأما النقطة التالية التي أروم التعرض لها، هي خطابٌ للمسؤولين المحترمين في البلد. حيث أقول لهم: لا تعتبروا الحضور الجماهيري هذا في يوم الثاني والعشرين من بهمن مؤشراً على عدم شكواهم من أدائنا نحن المسؤولين. فإنّ للناس شكاواهم، وهم يعانون من الكثير مما يجري في البلد. إذ يرفضون التمييز، ويشعرون بالأذى والاستياء أينما شاهدوا هذه الظاهرة، وهذا هو حالهم إذا ما رأوا التقاعس عن العمل، وعدم الاكتراث بالمشاكل، وعدم تسيير الأمور أيضاً، فللناس شكواهم وعتابهم، وإن للثاني والعشرين من بهمن حسابه الخاص به. فإن وقوف الناس في وجه العدوّ المتربّص لابتلاع إيران قضية، وهي التي تجلت في يوم الثاني والعشرين من بهمن، وتوقّعاتهم منّا نحن المسؤولين قضية أخرى.

لقد أطلقنا على هذا العام عنوان «الاقتصاد المقاوم، مبادرة وعمل»، وهاهو قد شارف على الانتهاء، ونحن نقضي الأيام الأخيرة من الشهر الحادي عشر، فلابد من إظهار المبادرة والعمل. وأنا بدوري خاطبتُ المسؤولين في البلد بداية هذا العام - سواء المسؤولين في السلطة التنفيذية والحكومة، أو المسؤولين في السلطة القضائية، أو المسؤولين في المجلس، ولا فرق بينهم - وقلت: عليهم أن يثبتوا ما الذي أنجزوه طيلة هذا العام من مبادرات وأعمال، فلا يقولوا: لابد من إنجاز هذه الأمور، بل يجب أن يقولوا: تم إنجاز هذه الأعمال؛ هذا ما ينبغي لهم تحديده.

نحن اليوم نعاني من بعض المشاكل، فلا ينبغي التغاضي عن مشاكل الناس وشكاواهم، بل لابد أن يحملها المسؤولون على محمل الجد. فالبطالة مهمة، والركود مهم، والتضخم مهم، وهذه قضايا لها وجودها. علماً بأن المسؤولين يبذلون جهودهم، وهذا ما نحن نشهده، بيد أنّ الطاقات والقدرات تفوق ذلك. وسوف أشير في الوقت المناسب إن شاء الله إلى أنه لا يوجد أمامنا طريق موصد، ولم تُغلق الأبواب في وجهنا بشأن القضايا الاقتصادية. فإنّ المشاكل محدقة بنا من عدة أطراف، ولكنّ المخرج من هذه المشاكل محدّد أيضاً، ومعلوم كيف يمكن الخروج والتخلّص منها، فعلى المسؤولين أن يبذلوا جهودهم ومساعيهم.

قبل أربع أو خمس أو ستّ سنوات أشرت في كلمتي التي ألقيتها بداية العام إلى أنّ أعداء الشعب الإيراني قد شخصوا بأبصارهم في الوقت الراهن إلى الشأن الاقتصادي(2)، ويحاولون فرض الضغوط وتضييق الخناق على اقتصاد البلد بالدرجة التي توقع الناس في المشاكل، فيستولي عليهم إثر ذلك اليأس والإحباط؛ هذا ما يصبو إليه العدو، حيث يريد أن تخيب آمال الناس ويملّوا من ثورتهم ونظامهم وحكومتهم وبلدهم، ولذلك باتوا ومازالوا يضيّقون الخناق في الجانب الاقتصادي. فليتنبّه المسؤولون إلى هذه النقطة.

وهذا لا يعني أن قضيتنا الوحيدة تتلخص في القضية الاقتصادية، فالجميع يعلم بأنني أولي اهتماماً كبيراً بالجانب الثقافي وبالشأن العلمي أيضاً، ولكننا إذا ما نظرنا إلى الأولويات في الأوقات المضيّقة، نجد أن القضية الاقتصادية في البلد تحتل الأولوية الأولى، لأن العدو قد أولى اهتمامه بها، وليلتفت الجميع إلى أنه يمارس اليوم نفس ما كان يمارسه من قبل. فإنّ واحدة من دسائس العدو، سواء في الحكومة الأمريكية السابقة أو الحكومة الحالية، هي التهديد المتواصل بالحرب، وأنّ الخيار العسكري على الطاولة. كما يقول أحد المسؤولين الأوروبيين لمسؤولينا: لولا الاتفاق النووي، لكانت الحرب على إيران حتماً مقضياً، وهذا كذب محض! لماذا يتحدثون عن الحرب؟ لتنصرف أذهاننا إلى الحرب، والحال أنّ الحرب الحقيقية شيء آخر.. الحرب الحقيقة هي الحرب الاقتصادية.. الحرب الحقيقية هي الحظر.. الحرب الحقيقية هي الاستحواذ على ميادين العمل والنشاط والتقنية في داخل البلد، بيد أنهم يُلفتون أنظارنا إلى الحرب العسكرية من أجل أن نغفل عن هذه المسائل.. الحرب الحقيقية هي الحرب الثقافية. فإن كلّ هذه الشبكات التلفزيونية المتنوعة والمواقع الإلكترونية المختلفة عبر الإنترنت، تمارس عملها للتغلغل في قلوب شبابنا وأذهانهم وإقصائها عن الدين والمقدسات والعفة والحياء ونحو ذلك، وهاهم يعملون عملاً دؤوباً وينفقون الأموال في هذا السبيل! هذه هي الحرب الحقيقية. وعلى المسؤولين الالتفات إلى ذلك.

إني طالبتُ رئيس الجمهورية المحترم أن ينبّه مدراءه على ضرورة اقتران الإدارة بالشفافية والإشراف. فعلى المدير أن يكون مشرفاً ومتابعاً للأمور، وإلّا فمجرّد قولنا: يجب إنجاز هذا العمل، وقول الطرف الآخر: سمعاً وطاعة، لا يحقق أيّ شيء. وإنما يجب التبيّن من تحقق العمل وإنجازه في الميدان وعلى أرض الواقع.. هذا هو الذي نحتاج إليه وهو الذي يتطلّب الاهتمام.

وأقول بأن المراد من القوة المشار إليها في الآية الشريفة: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾(3) على الأقوى، لا ينحصر في القوة العسكرية، علماً بأنها مشمولة في المعنى أيضاً ولكن لا يقتصر الأمر عليها. ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾، تعني: عزّزوا قدراتكم الذاتية ما استطعتم. وهذا هو المقصود من إرساء دعائم البنية التحتية للبلد الذي تحدثت عنه مراراً. فاعملوا على تعزيز أنفسكم وتقويتها من الناحية العلمية، ومن الجانب التَقَني، ومن حيث الإنتاج المحلي، ومن جهة النفوذ في الأسواق الأجنبية، ومن حيث اكتشاف الطاقات الجبارة في هذا البلد التي لم يتم استثمارها بعد، وقوموا بتوظيف هذه الطاقات وتجنيدها.

لقد أعلنّا في السياسات ضرورة أن يحقق البلد نمواً بنسبة ثمانية بالمئة، فقال البعض: لا يمكن ذلك! ثم جاء المختصصون والخبراء ليقولوا: لو نظرنا إلى الطاقات والقدرات، لأمكن حتى الوصول إلى نموٍّ بنسبةٍ تفوق الثمانية بالمئة في داخل البلد! والنموّ هذا لا يعني بيع المزيد من النفط - وهو مفيد بالطبع ولكن ليس هو ذلك الشيء الذي يحقق مطلوبنا - بل يعني النموّ في الإنتاج المحلي وفي تعزيز الجانب الاقتصادي للبلد؛ أي الاقتصاد المقاوم الذي طالما ذكرناه وشدّدنا عليه. وإذا بالبعض يضعون أصابعهم على النقائص، ويبالغون فيها ويهوّلونها، ولا يشيرون إلى حالات التقدم، ولا يذكرون سُبُل الحلّ أيضاً! والملفت أن هؤلاء هم الذين أشاروا إلى العدو أن يفرض الحظر على إيران، وهم الذين يركّزون أكثر من غيرهم - في الداخل أقل وفي الخارج أكثر - على نقاط الضعف.

أيها الإخوة الأعزاء! أيتها الأخوات العزيزات! يا شبّان أذربيجان! يا شجعان الميادين الصعبة! يا من خرجتم من الامتحان برفعة رأس! أقول لكم: اعلموا بأننا لو انتهجنا في حركتنا نفس هذا النهج، ومضينا قُدماً إلى الأمام بنفس هذا الـمِقوَد - وفق التعبير الشائع -، سيكون النصر حليفاً للشعب الإيراني لا محالة. فعلى الجميع أن يفكروا، وأن يبذلوا مجهودهم، وأن يشحذوا همتهم، وأن يتطلّعوا إلى المستقبل، وأن يجعلوا الـمُثُل نُصب أعينهم ويتجهوا باتجاهها، وأن يحافظوا على حرارة هذا الأمل المقدس في قلوبهم.

نحن نشكر الله على أن أشعل جذوة الأمل في قلوبنا، فلم نيأس تجاه مستقبل البلد لحظة واحدة، وبلغنا أفضل وأكثر مما أمّلنا والحمد لله، بيد أن هذا لم يحقق كافة آمالنا وجميع رغباتنا، ولم يؤمّن كلّ ما يطلبه الله منا أيضاً. فقد قطعنا خطوة قصيرة، وعلينا أن نقطع خطوات أعلى، وأن ننطلق إلى الأمام، لنصل إلى ما وعده النظام الإسلامي، وهو إقامة مجتمعٍ إسلاميٍّ عادلٍ مقدامٍ مقتدرٍ عزيزٍ قويٍّ إن شاء الله، وسنحقق هذا الهدف قطعاً بإذن الله ومشيئته.

حفظكم الله إن شاء الله..

والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته

 

الهوامش:

1- في بداية اللقاء تحدّث سماحة آية الله مجتهد شبستري ممثل ولي الفقيه في محافظة آذربيجان الشرقية وإمام الجمعة في مدينة تبريز.

2- من كلمة سماحته في الحرم الرضوي الشريف في مشهد المقدسة (2011/3/21).

3- سورة الأنفال، جزء من الآية رقم 60.