موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي

كلمة قائد الثورة الإسلامية المعظم خلال لقائه آلاف الأساتذة والمعلمين من أرجاء البلاد لمناسبة بمناسبة أسبوع تكريم منزلة المعلّم

بسم الله الرحمن الرحیم (1)

والحمد لله ربّ العالمین، والصلاة والسلام علی سیدنا محمد وآله الطاهرین.

أرحّب بجميع الإخوة والأخوات الأعزاء. والحق يقال إنّ مجتمع المعلّمين يعدّ مجتمعاً عزيزاً وحبيباً لدى كلّ من يُكنّ قيمةً للتعليم والتربية.

هذا هو شهر شعبان.. شهر التوسّل والدعاء والتوجه، والممهّد لشهر رمضان المبارك.. شهرٌ أنيرت لنا في أدعيته المأثورة سُبل السعادة. «إِلَهي هَب لي قَلباً یُدنیهِ مِنكَ شَوقُهُ، وَلِساناً یُرفَعُ إِلَیكَ صِدقُهُ، وَنَظَراً یُقَرِّبُهُ مِنكَ حَقُّه... إِلَهي هَب لي کَمالَ الاِنقِطاعِ إِلَیك»(2). هذه هي آمال أولياء الله العليا، ليوجّهوا أذهاننا ويهدوها نحو ما ينبغي طلبه، وصوب الطريق الذي يتعيّن سلوكه، وإلى نمط العلاقة التي يجب أن تكون مع الله.

أعزائي.. أبنائي.. أيها المعلمون الأحباء! اغتنموا هذه الفرصة، وانتهلوا من شهر شعبان. (وها نحن مقبلون على) النصف من شعبان، ذكرى الولادة المباركة لبقية الله الأعظم (أرواحنا فداه)، وقد تباركت ليلة هذه الذكرى ويومها حقاً ببركة هذا المولود المقدس. ناهيك عن أنّ ليلة النصف من شعبان بحد ذاتها ليلة في غاية العظمة، حتى نَعَتها البعض بأنها ليلة القدر. فلا تغفلوا عن هذه الليلة وعطّروا أرواحكم بطراوة الدعاء والتوسل وذكر الله فيها، وتحدّثوا إلى الله واسألوه حاجاتكم.

في مناسبة يوم المعلم، نحيي ذكرى شهيدنا العزيز الجليل المرحوم آية الله مطهري (رضوان الله تعالى عليه)، فلقد كان معلماً حقاً، وأستاذاً بكل ما تنطوي عليه الكلمة من معنى، في القول والعمل ونمط الحياة وأسلوب التعامل مع الزمان وأهله، ولكننا افتقدناه، وسلبه منا أعداء البشرية والبلد والإسلام، بيد أن آثاره باقية والحمد لله. إني أوصيكم بكل تأكيد - وهذا ما أشار إليه الوزير وقد أصاب بالكامل - أن تستضيئوا بآراء ذلك الرجل العظيم ما استطعتم، سواء في قضايا التعليم والتربية أو في المجالات الأخرى، فإن مؤلفاته تهدي الأذهان صوب المعارف الإسلامية الصائبة والقويمة، وتربيّها على ذلك، وتفعّلها في هذا الإطار.

أودّ أن أتناول ثلاثة موضوعات يشتمل كلٌّ منها على بضع كلمات: الأول حول المعلم، والثاني في التعليم والتربية، والأخير يخص الانتخابات التي تعتبر قضيتنا في هذا اليوم بإيجاز إن شاء الله.

إنّ أهمية المعلم تكمن في أنّ الطبقة الدارسة في البلاد بأسرها مدينة لشريحة المعلمين، وهذا يأتي على جانب عظيم من الأهمية. إنك لا تستطيع أن تجد إنساناً حكيماً واعياً عالماً خريجاً دارساً إلا وهو مدين للمعلم.. هذه هي مكانة المعلمين. ذلك أنّ الجميع يعترف بأنّ اقتدار أيّ بلد وقوته وقيمته وسمعته منوطة بطاقاته الإنسانية أكثر من أي شيء آخر.. صحيح؟ هذا ما نقبل به جميعاً. ولكن من ذا الذي يصنع الطاقات الإنسانية؟ ومن الذي يعدّها ويجهّزها؟ ومن الذي يوصلها إلى الفعلية؟ إنه المعلم.. هذه هي الـمُثُل والمؤشرات الدالة على قيمة المعلم.

لماذا نقول هذا؟ أولاً لأن يعرف مجتمع المعلمين قدر هذه المكانة والمهنة ومنزلتها، وهذا أمرٌ بالغ الأهمية. ولقد أشار السيد الوزير إلى مسألة جيّدة جداً، والحق أنني استمعتُ بها وهي أنّ مهنة التعليم ليست مجرد توظيف في دائرة، وإنما هي شأن ومكانة ومنزلة، وهذا ما على المعلّم أن يثمّنها في الدرجة الأولى، وثانياً أن يعرف المجتمع قدر المعلّم ويكنّ له الاحترام والتقدير، وأن يدرك المسؤولون من بعده أهمية هذا الأمر. ولطالما ذكرت بأن ما تنفقه وزارة التعليم والتربية للمعلّم من أموال، إنما هو استثمار! فليفعلوا ذلك، وهذه هي إحدى واجباتنا نحن المسؤولين في البلد ورجال الحكومة.

النقطة الأخرى التي تندرج ضمن تكريم المعلم وتبجيله، هي أن يعمد المعلمون إلى إعداد أنفسهم للنهوض بهذه المسؤولية الكبرى. ولكن بأيّ وسيلة يقوم المعلم بذلك؟ بالوسائل التي يضعها البلد بين يديه. ولهذا أشدّد هنا على أن يأخذ المسؤولون جامعة العلوم التربوية - التي تعنى بإعداد المعلمين - على محمل الجد، وأن يستثمروها ما استطاعوا إليه سبيلاً. فإن هذه الجامعة، بإحدى الاعتبارات، تفوق كل الجامعات الأخرى أهمية.

كلّ معلّم يكون مربياً كذلك. فإنه معلّم الرياضيات والفيزياء والأحياء، وفي الوقت ذاته معلّم الأخلاق أيضاً. وعلى سبيل الفرض، أحياناً ما تجري على لسان المعلم في وسط الصف، وخلال درس الهندسة أو الكيمياء (مثلاً)، كلمة في المسائل المعنوية أو في معرفة الله، ما قد تترك تأثيراً يفوق تأثير الكتاب في ذهن التلميذ. فالمعلّم المتخلّق سيربي في نفوس التلاميذ الأخلاق (الحميدة) بخلقه وسيرته. والمعلّم المتصف بعلوّ الهمة والصبر والتديّن والرزانة، سينقل هذه السجايا والخصال بسلوكه إلى التلاميذ، حتى وإن لم يتفوّه بكلمة واحدة في هذه المجالات.. هذا هو دور المعلم، ولذا فهو يقف على جانب كبير من الأهمية. ومن هنا فإني، ومنذ سنوات، دوماً ما كنتُ أوجّه اعتراضي لأولئك الذين يبتغون استغلال شريحة المعلمين كأداة لأغراض سياسية، وهذا جفاء (في حقهم). علماً بأنّ القضية هذه لا ترتبط بزماننا هذا، وإنما تعود إلى عِقد الثمانينات، حيث كان البعض يقوم بذلك. هذا هو شأن المعلم، فلا ينبغي التلاعب بهذه الجوهرة الثمينة. ذلك أنّ للمعلم منزلته ومكانته، وهذه هي المكانة التي يتبوّأها.

علماً بأني أُخبرتُ في هذا المضمار بأنّ هناك، في المستقبل غير البعيد، عدد كبير جداً من المعلمين - ولا أودّ أن أذكر العدد - سيحالون على التقاعد وستتولّد حاجة إلى وجود المعلم، وهذه هي من المتطلبات القريبة في مستقبل التعليم والتربية. ولكن ماذا نفعل؟ لنفترض أن سعة جامعة العلوم التربوية وجامعة الشهيد رجائي لا تلبّي هذه الحاجة، فماذا نصنع؟ هل نفتح الأبواب على مصراعيها ليلتحق الأشخاص بالتعليم والتربية اعتباطاً؟ كلا.. بل لابد من التفكير في ذلك. ففي الدرجة الأولى يتعيّن العمل على توسيع رقعة جامعات إعداد المعلمين ما أمكن، وهذا مقدّم على كلّ شيء. وإن لم ترتفع الحاجة بهذا العمل أيضاً، فلابد للمراكز الرئيسية أن تضع جملة من الضوابط لاستقطاب المعلمين.. هذا ما يخص المعلم.

وأما فيما يتعلق بمنظمة التعليم والتربية، فإنها تعتبر البنية التحية الرئيسية للعلم والبحث العلمي في البلد. ذلك أن البنى التحتية للبلاد كبيرة الأهمية، بما فيها البنى التحتية الهندسية والعلمية والأدبية والثقافية، وهي في غاية الأهمية. فإن توافرت البنى التحتية في بلدٍ على صعيد من الأصعدة، سيسهل الإنتاج في ذلك الصعيد. والبنية التحتية في العلم والبحث العلمي هي التعليم والتربية. فلو تابعت هذه المنظمة حركة صائبة بسياساتها وسلوكياتها وبرمجتها، ستتجه البنية التحتية يوماً بعد آخر صوب الأمثل والأقدر، وسيستغني البلد على المدى البعيد والمتوسط والقريب في مجال العلم والبحث العلمي الذَين يشكّلان الحاجة الرئيسية والأساسية.. هذه هي أهمية التعليم والتربية. فلو تركنا هذه المنظمة لحالها ولم نتوخّ الدقة اللازمة فيها وواجهت مشاكل، سيلحق الضرر بهذه البنية التحتية، والضرر عند ذاك لا يمكن تقديره.

في فترة من الفترات، وفي زمن التحاقنا بالسلك الحوزوي بقم، كان هناك خياط عالم واعٍ في هذه المدينة، وكان يخيط لنا الصاية والثوب الطلابي. وقد خاط صاية لأحد العلماء المشهورين آنذاك في قم، فأشكل العالم على خياطة الصاية فيما يبدو، فقال له الخياط: «يا سيدنا! إذا فسد الخياط فسدت الصاية، أما إذا فسد العالِم فسد العالَم». فإن لم أُنجز مهمتي بالشكل الصحيح، سيحصل إشكال صغير في الصاية، ولكنك إذا فسدت لا قدّر الله، سيفسد العالم. فانظروا ماذا سيحدث في البلد إذا فسدت منظمة التعليم والتربية.

إنّ واجب التعليم والتربية هو تربية نسلٍ. وإذا ما نظرنا بنظرة متوسطة المدى، لوجدنا أنها تريد أن تربي جيلاً للمرحلة المقبلة. ولكن كيف ستربي وماذا ستربي؟ عليها أن تربي جيلاً مؤمناً وهو الأساس. فالشابّ اللامبالي والمذبذب الذي لا يتقيّد بأي قيد، لا ينفع في مستقبل البلاد، لا نفسه ولا بلده ولا مجتمعه، ولذا فالإيمان هو الذي يأتي في الدرجة الأولى.. جيلٌ يتسم بالإيمان والوفاء وتحمّل المسؤولية والثقة بالذات والإبداع والصدق والشجاعة والحياء والفكر.. جيلٌ يوظّف عقله، ويعشق البلد والنظام والناس، ويحب بلاده، ويقدّم مصالحها على مصالحه الشخصية، ويدافع عنهم؛ هذا هو الجيل الذي لابد وأن ينشأ ويترعرع.. جيلٌ مقتدر قويّ عازم جازم مبدع مقدام نشيط، وهذه هي مهمة التعليم والتربية. فانظروا إلى مدى أهمية هذا العمل! وأقول بأنها مهمة التعليم والتربية، ولا أقول أنها مهمة المعلّم، رغم أن المعلّم هو الوسيلة، بيد أنه لا يعتبر العامل الوحيد لإنشاء مثل هذا الجيل، بل التعليم والتربية هي التي تمهّد الأرضية للمعلّم وللتلميذ وللآباء والأمهات وللمصمّمين ولكتّاب الكتب الدراسية، وهؤلاء كلّهم مؤثرون في هذا المجال. فالتعليم والتربية هي التي تنهض بهذه المهام.

التفتوا! ثمة تقارير بلغتني تفيد بأنّ هناك تيار - وأنا أشعر بأنه تيار - يسعى جاهداً للحطّ من قدر التعليم والتربية في البلد وسلب الثقة منها لأغراض يحملها، وهو يُسيَّر من الخارج. علماً بأن هناك من يستاء بمجرّد حديثنا عن الأيادي الأجنبية قائلاً: ما لكم تهاجمون الأجانب باستمرار؟! كلا.. نحن على علمٍ بنقاط ضعفنا، ولو قوينا لا يتسطيع الأجنبي أن يرتكب أية حماقة. ولكنه يستغل نفس نقاط ضعفنا هذه، للتخطيط والبرمجة والنفوذ وحرف الطرق المستقيمة.

واحدة من إشكالات التعليم والتربية لدينا، هي مرض النزوع إلى الجامعات. ففي بيئة تلاميذنا نجد النزعة الجامعية متوافرة؛ بمعنى أنّ من يمارس الدراسة ولا يدخل الجامعة كأنه لم يدرس أساساً وهذا خطأ ولا داعي له. فهناك كمّ هائلٌ من الاحتياجات الفورية والضرورية والهامة التي لا تحتاج إلى دراسات جامعية في بلدنا ولا تتطلب شهادة الدكتوراه والماجستير وما شاكل. وهذا هو السبب من تأكيدي المتكرر على المعاهد التقنية والمهنية خلال سنوات طويلة. فلابد من تقوية المعاهد المعنية بالجانب التقني والمهني وتوسيعها. فهناك الكثير ممن زاولوا دراساتهم في هذه المعاهد، وتقدّموا في المسائل التقنية والمهنية، وتعلّموا وتخصصوا في هذا المجال، ثم خاضوا ميدان العمل، فأمّنوا حياتهم المادية، واتسموا بنشاط وحيوية روحية، وراحوا يخدمون مجتمعهم كذلك.. هذا أفضل أم ذلك الذي بذل مجهوده وحاز على شهادة الدكتوراه ولكنه عاطل لا يستطيع العثور على عمل، أو أنه إذا عثر على عملٍ ما فهو عملٌ سطحي قليل الأهمية في الجهاز الفلاني أو الدائرة الفلانية كالجلوس بصفته مستشاراً على سبيل المثال! فما قيمة كلّ هذه الدراسة وكل هذا العناء والجهد المبذول؟ إذن فالنزعة الجامعية أمرٌ خاطئ.

نعم، نحن بحاجة إلى العلم وإلى البحث العلمي، وكلما تقدمنا في هذا المجال فهو ليس بكثير، وهذا ما أنا أنادي به منذ سنوات، ولقد حقّقنا تقدّماً والحمد لله، ولكن لا يعني هذا أنّ على كل من يطأ أرض المدرسة أو الثانوية، أن يعتبر الجامعة هدفاً له؛ كلا، فهناك الآلاف من الحِرَف التي لا تحتاج إلى الجامعة وإلى تلك التكاليف الباهظة وإلى ذلك الاندفاع والاستعداد (الجامعي). فلا ينبغي لنا أن نرمي هؤلاء في بقعة النسيان لأنهم ثروتنا. فإنّ هذا الشابّ الذي يستطيع العمل في الجانب التقني والمهني ويبلغ منشوده - في أيّ مجال كان، سواء في الفنّ أو الصناعة أو التقنية أو غيرها - يشكّل ثروة وطنية، وهو ملكٌ لهذا البلد، فلابد من استثماره.

والقضية الهامة الأخرى ترتبط بوثيقة التحوّل. فقد اجتمع السادة الأعزاء والخبراء والمخضرمون من المسؤولين وبذلوا جهودهم وأعدّوا هذه الوثيقة، وتم إبلاغها أيضاً، وبالتالي شقّت طريقها نحو التنفيذ، ولكن قد مضى عليها خمسة أو ستة أعوام ولم يتم تنفيذها؛ لماذا؟ إلى متى يجب الترقّب حتى يتحقق ما يقال من ضرورة إعداد الأنظمة الداخلية المندرجة ضمن وثيقة التحوّل؟ هذا ما ينبغي إنجازه بسرعة. ومن هنا يتبيّن فقدان الاندفاع الكافي والمحفّز اللازم. إني أطالب الوزير المحترم والمسؤولين الكرام بكل تأكيد أن يحملوا وثيقة التحول على محمل الجدّ. فإن منظمة التعليم والتربية بحاجة إلى تحوّل وتغيير. وفي وثيقة التحوّل هذه دلالة على حاجتنا إلى ذلك. والتحوّل لا يقتصر على مجرّد تغيير الظواهر، وإنما يستوجب التعمّق في القضية. وعلى حدّ تعبير الخبراء والمتخصصين في هذا الشأن - لأني لست خبيراً في ذلك - تستطيع وثيقة التحوّل هذه أن تكون هي الكفيل والكافي للنهوض بهذا الأمر، ولذا لابد من متابعتها.

ثمة نقطة أخرى أود طرحها هنا: إن وثيقة 2030 الصادرة عن الأمم المتحدة ومنظمة اليونسكو(3)، ليست من الأمور التي تستطيع الجمهورية الإسلامية الرضوخ والاستسلام لها. فما هي المناسبة في أن تمتلك ما تسمى بمنظمة دولية - رازحة بالتأكيد تحت نفوذ القوى العالمية الكبرى - الحق في تقرير مصير شتى البلدان ومختلف الشعوب بحضاراتها المتعددة وسوابقها التأريخية والثقافية المتنوعة وفرض رأيها عليهم؟ إنّ أساس العمل خاطئ، ولو لم يكن بوسعكم معارضة هذا العمل من أساسه، فقِفوا على أقل تقدير وقولوا بأن للجمهورية الإسلامية منحاها ومنهجها، وإن لدينا وثائق عليا، ونحن على بيّنة من أمرنا في مجال التعليم والتربية والأخلاق ونمط الحياة، ولا حاجة لنا بهذه الوثيقة. وأما أن نوقّع على الوثيقة ثم نشرع بتنفيذها مشياً على أطراف أصابعنا، فهو مما لا يجوز على الإطلاق، وهذا ما أعلنّاه للأجهزة المعنيّة. كما وأوجّه عتابي للمجلس الأعلى للثورة الثقافية أيضاً، إذ كان عليهم أن يحذروا ويراقبوا ويحولوا دون أن ينتهي المطاف إلى أن نضطر بأنفسنا لمواجهة هذا الأمر والنزول إلى هذا الميدان.. هنا جمهورية إسلامية، والأساس فيها هو الإسلام والقرآن، وهي ليست بالمكان الذي يستطيع نمط الحياة الغربي المعيب الهدّام الفاسد أن يتغلغل فيه بهذه الطريقة. علماً بأنهم وللأسف يبسطون نفوذهم ويتسللون عبر طرقٍ مختلفة، وأما أن يقدّموا لنا وثيقة بصورة رسمية قائلين لنا: "عليكم أن تنتهجوا هذا النهج إلى ما بعد خمسة عشر عاماً آخر"، ونحن نقبل بها، فهذا ما لا معنى له.

لقد طال الحديث، ولنا معكم أنتم الأعزاء في التعليم والتربية كلام كثير يفوق ما طرحته عليكم عدة أضعاف. فالكلاح متاح ولكن المجال لا يتّسع لاستعراضه بأسره، ولقد طال الأمر قليلاً، ولكن أودّ التطرق للانتخابات في بضع كلمات.

أوجّه خطابي لكم أيها الإخوة والأخوات الأعزاء ولشعب إيران الذين سيستمعون إلى هذا الحديث قاطبة! اعلموا أنّ الانتخابات قضية حيوية، لا هذه بالخصوص، بل جميع الانتخابات في البلد، ولاسيما الرئاسية منها والتي تفوق جميعها أهمية، تعتبر حقاً، وفي جميع الدورات، حيوية للبلد. فالانتخابات مهمة بذاتها، وهذه مقولة هامة؛ ذلك أننا جمهورية إسلامية، والجمهورية تعني أن مناصبنا ومهامنا منبثقة من جمهور الناس ومن الشعب، وهذا ما يجب علينا صيانته ببالغ الدقة، فإن له قيمة كبيرة. ولولا وجود الانتخابات في نظام الجمهورية الإسلامية، لما بقي اليوم أثر من هذا النظام الذي أقيم عبر انبثاق الثورة (الإسلامية)، وهذا أمرٌ فائق الأهمية. فالجمهورية مستقاة من قلب الإسلام، لا أننا أخذناها وألحقناها به، بل الإسلام بذاته هو الذي يعلّمنا انتهاج هذا المنهج.. هذه مقولة. وإلى جانبها، فإن الأمر الفوري الذي لا مناص منه في إدارة البلد وصيانته وحفظ مصالح الشعب، هو حضور الناس وتواجدهم في الساحة! فإنه هو الذي يزيل العقبات ويحلّ المشاكل، وهو الذي يُخيف الأعداء من هيبة الجمهورية الإسلامية.. هذه حقائق عليكم أن تعرفوها.

إنّ للجمهورية الإسلامية هيبتها في أعين الأعداء، ولكن من أين انبثقت هذه الهيبة؟ هل هي نابعة من أمثالي أنا الحقير؟ أبداً، إنما هي ناجمة من الناس ومن الحضور الجماهيري الهائل، ومنبثقة من العواطف والأحاسيس التي تتجلى في جميع ميادين وساحات الحضور. أقول هذا بصراحة، ولكن لا يأتي البعض ليؤوّل كلامي قائلاً: "فلانٌ يقصد بأنّ التواجد الشعبي هذا - علي سبيل الفرض - هو الذي أعطى مقاليد الأمور لحكومة تسببت في (إيجاد تلك الهيبة)"؛ كلا، فالحكومات لا تأثير لها. هل نسيتم ما حدث في عِقد التسعينات، حيث قامت إحدى الدول الأوروبيّة باتّهام رئيس جمهوريّتنا واستدعائه إلى المحكمة؟(4) رئيس جمهورية إيران! والملفت أنه كانت بين رئيس الجمهورية ذاك وبين تلك الدولة علاقات حميمة، حيث كانوا يتبادلون الرسائل والمكاتبات فيما بينهم، ويبعثون المندوبين، ولربما كانوا يتواصلون هاتفياً في بعض الأحيان - ولا أذكر الاتصال الهاتفي بالضبط ولكن كانت الرسائل تتبادل بينهم باستمرار - وإذا بنفس تلك الدولة التي كانت تبدي مودتها ومحبتها، تستدعي رئيس جمهوريتنا في محاكم بلدها على أنه هو المتهم! ولكننا ألقمناها حجراً فتراجعت، ولولا ذلك لكانت قد تقدّمت إلى الأمام.

العدوّ عدوٌ ولا فرق لديه بين هذه الحكومة وتلك، وهو يكنّ العِداء ويدسّ السمّ لو استطاع، دون أن يراعي في ذلك أيّ أحد، ولا ينظر إلى المواربة والتلاعب بالألفاظ والمواقف السياسية وأمثالها مطلقاً، فإنه عدوٌ بالتالي. ولكنّ الذي يحول دون أن يمارس العدوّ عِداءه هو الخوف من حضور الناس وتواجدهم في الساحة. وتشاهدون أنه إذا ما مارس عِداءه تكون النتيجة عكسية، وذلك لأن الذي يقف أمامه بلدٌ بثمانين مليون نسمة؛ أفهل هذه مزحة؟ يبلغ عدد سكاننا ثمانين مليون نسمة، في بلدٍ كبير، وبأناسٍ يتسمون بالوعي والفطنة، وبطاقات إنسانية مقتدرة، وبكمٍّ هائلٍ من الشباب.. هذا هو الذي يصنع الهيبة والعظمة لنظام الجمهورية الإسلامية في مقابل أعين الأعداء. فالتفتوا إلى هذه الحقيقة.

لو ابتغيتم الحفاظ على هذا الشعور وهذه العظمة والحصانة، عليكم أن تشاركوا في الانتخابات. ولو أردتم لنظام الجمهورية الإسلامية أن يحافظ على قوته واقتداره أمام أعين الأعداء والأصدقاء في العالم، عليكم أن تشاركوا في الانتخابات، فإن الحضور عند صناديق الاقتراع هو الكفيل بحفظ اقتدار البلد ومهابته وحصانته. ولو ظهر هناك تقصير في شأن الانتخابات، وعمدت بعض الأيادي إلى تثبيط عزيمة الناس وإحباطهم، سيلحق الضرر بالبلد، وأيما أحدٍ كان مساهماً في إلحاق هذا الضرر، سيكون مسؤولاً أمام الله تبارك وتعالى.

فعلى الجميع أن يشاركوا في الانتخابات. علماً بأن التوجهات مختلفة والآراء متفاوتة والمذاقات السياسية متنوعة.. أنت تميل إلى زيد وذاك إلى عمرو، وأنت تدلي بصوتك لصالح زيد وذاك لصالح عمرو، ولا ضير في ذلك بل ولا يعتبر أمراً هاماً. إنما المهم أن ينزل الجميع إلى هذه الساحة، ويُثبتوا أنّهم على أهبة الاستعداد لمناصرة الإسلام والنظام الإسلامي والجمهورية الإسلامية، والدفاع عنها وصيانة بلدهم. واعلموا أنه لو استمرت هذه الهمّة والإرادة - بحول الله وقوته - لدى أبناء شعبنا وبنفس هذه الشدة والعظمة، سيكون العدوّ عاجزاً عن ارتكاب أيّة حماقة بحق هذا البلد.

إلهنا! اجعل ما قلناه وسمعناه لوجهك وفي سبيلك.

ربنا! تغمّد أرواح الشهداء الزاكية وروح الإمام الخميني العظيم وأرواح أعلام الإسلام الطيبة بلطفك ورحمتك.

والسلام علیکم ورحمة الله

 

الهوامش:

1- في بداية اللقاء، تحدّث السيد فخرالدّین أحمدي دانش‌آشتیاني وزير التربية والتعليم رافعاٌ تقریراٌ عن أهم برامج وإجراءات وزارته.

2- إقبال الأعمال، ج ۲، ص 687 (المناجات الشعبانیّة).

3- تم تقديم وثيقة 2030 لمنظمة اليونسكو عام 2015 في الأمم المتحدة للتأثير على جميع المجالات التعليمية في البلدان، وكانت الجمهورية الإسلامية قد شاركت في هذا الاجتماع وتعهّدت بتطبيق هذه الوثيقة.

4- على أثر إعلان محكمة ميكونوس في برلين رأيها النهائي في مارس 1997، قامت هذه المحكمة الألمانية بتوجيه التهمة لعدة أشخاص ومنهم الرئيس الإيراني آنذاك.