موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي

كلمة قائد الثورة الإسلامية المعظم خلال إستقباله حشداً من قادة وقوات التعبئة في أنحاء البلاد

 

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله‌ ربّ العالمین، والصلاة والسلام علی سیدنا محمد، وعلی آله الأطیبین الأطهرین المنتجبین، سیما بقیة الله في الأرضين.

قدمتم خير مقدم، تعتبر جلسة اليوم حقاً من الجلسات النافعة والملهمة للدروس جداً، وقد أثبتت بأن التعبئة، التي تمثّل ظاهرة يقلّ نظيرها في الثورة الإسلامية وهي من إبداعات الإمام الخميني الجليل، لها من السعة ما يمكّنها من الحضور الفاعل في جميع القطاعات التي يحتاج البلد إليها، ومن حلّ العُقَد المستعصية.

وإنّ الذين تحدثوا في هذا اليوم قد غطّوا أغلب المفاصل المطلوبة في البلد، وقدّموا مقترحات مفيدة والكثير منها صالح للتطبيق. علماً بأنّ علينا، إن شاء الله، تعيين مجموعة لمطالعة آراء هؤلاء الأحباء ومقترحاتهم ودراسة جوانبها وتقريبها من العمل والتنفيذ. وإني أتقدم لكل هؤلاء الإخوة الكرام والأخت الكريمة الذين تحدثوا وأبدوا آراءهم بالشكر الجزيل.

كما ذكرنا فإن قضية التعبئة تعتبر قضية عميقة بالغة الأهمية.. التعبئة تعني تحشيد الطاقات وتعبئة الإمكانيات للوصول إلى الهدف في أمرٍ معنيّ.. هذا هو معنى التعبئة. ولو كانت الثورة الإسلامية تملك كل ما نملكه اليوم دون التعبئة الشعبية العامة لواجهت مشكلة كبيرة في مهامّها لا محالة.

إن منظمة المقاومة التعبوية، التي تعدّ اليوم مجموعة كفوءة والحمد لله، تمثّل رمزاً للتعبئة الشعبية العامة وجزءاً منتظماً منها. ولقد أخذت منظمة التعبئة هذه على عاتقها واجبات هامة، وهذه الواجبات الكبيرة والحساسة والهامة متناثرة في جميع القطاعات. والمخاطَب في هذه الحركة وهذه المبادرة لا يقتصر على الشباب والرجال، بل الشاب والمراهق والكبير والشيخ العجوز والرجل والمرأة والجميع مخاطب في هذا التنظيم والتمحور الحساس لمنظمة المقاومة التعبوية.

إنّ الطاقة الإنسانية في كل نظام وفي كل بلد تمثّل ذلك العنصر الذي يحسم الأمر. والبلدان المتطورة في العالم مادياً، إنما وصلت إلى الذروة في الجانب المادي، بقدرات طاقاتها الإنسانية الكادحة والنشيطة التي لم تخلد إلى الراحة والدعة، وتابعت أنشطتها، ولو في طلب الدنيا والمال، وهذا هو الوعد الإلهي القائل: لو قامت جماعة أو مجتمع بطلب الدنيا وبذلت سعيها ستصل إليها، ولو طلبت القيم المعنوية والتعالي الحقيقي وبذلت سعيها ستصل إليها أيضاً " کُلًّا نُمِدُّ هٰؤُلآءِ وَهٰؤُلآءِ مِن عَطآءِ رَبِّكَ ". فإن الله تعالى يمدّ طلّاب الدنيا ويمدّ طلّاب القيم والعلياء كذلك، غير أنّ أولئك الذين اقتصرت همّتهم على منتوجات الحياة المادية، سيصلون إليها دون أن يبلغوا مفهوم الحياة الحقيقية ويتذوّقوا طعم المعنوية، وهذا ما لا شك فيه.

لقد كانت الثورة الإسلامية تمثل مقترحاً جديداً وكلمة حديثة لحياة الناس. فالعالم المكبّل بالقيود السلطوية وألاعيب هيمنة القوى التي كانت تسوق الناس نحو المهالك الأخلاقية والفكرية المختلفة حفاظاً على سلطتها، كان بحاجة إلى كلمة جديدة، فعمدت الثورة الإسلامية إلى إنتاج هذه الكلمة الجديدة وإيجادها وتقديمها، وهي أنّ البشرية بوسعها بلوغ التقدم المادي والتقدم العلمي والتقدم المتناسب والقيم الإنسانية، إلى جانب اكتساب مرضاة الله والحفاظ على القيم الإلهية، وإنقاذ الدنيا من النيران التي أجّجها طواغيت العالم ورجال السياسة البعيدون عن المعنوية، وبناء جنة للبشر في هذه النشأة، وهي جنة الطمأنينة وجنة السكينة وجنة الشعور بالمسؤولية وجنة الارتباط بالله تبارك وتعالى.. هذه هي رسالة الثورة الإسلامية.

وفي مقام تحقّق هذه الرسالة بالطبع ثمة واجبات ومحظورات. فلو أريد لمثل هذا العالم أن يُقام، لابد وأن يكون مجرّداً من الظلم والاستبداد والفوارق والثغرات الطبقية والانغماس في الشهوات والفساد العلمي والفكري.. هذه محظوراتٌ وهي من مستلزمات إقامة مثل هذا المجتمع. وثمة واجبات أيضاً وهي ضرورة الإخلاص والشعور بالمسؤولية والسعي والجهاد والعمل وأن يكون الهدف هو نيل رضا الله سبحانه وتعالى.. هذه هي الواجبات.

وإنّ القالب الذي استطاع أن يكتنف هذه الطائفة من الواجبات والمحظورات والقيم والآمال والأهداف هو كلمة «الجمهورية الإسلامية»، ولهذا قال الإمام الخميني: «الجمهورية الإسلامية، لا كلمة أقل ولا كلمة أكثر».. «الجمهورية» تعني الاتّكاء على قوة الناس وقدرتهم وإرادتهم وإيمانهم وإبداعهم، وهو ما يسمى بالطاقة الإنسانية التي تشكّل أهمّ عاملٍ للتقدم، و«الإسلامية» تعني لله وفي سبيل الله واكتساباً لمرضاة الله وفي إطار القيم الإلهية والإسلامية.. هذا هو معنى الجمهورية الإسلامية، وهذا ما كان يمثّل كلمة جديدة في العالم. فقد كان ولايزال الكثير في العالم من يتحدث باسم الإسلام وبأشكال مختلفة، ولكن هنالك فرق بين ذلك الإسلام الذي يتحقق ضمن إطار نظام سياسي في بلد من البلدان، وبين ذلك الإسلام الذي تجده في المقالات والكتب والمحاضرات والحوارات المختلفة، وفي إطار نظام جاهلي طاغوتي، يتم نشره والحديث عنه وتكراره، بينما تجد الحياة الحقيقية حياة طاغوتية؛ هنالك فارق كبير بينهما. فقد عمدت الجمهورية الإسلامية إلى تحقيق الإسلام الذي يطمح إليه المسلمون في قالب نظام سياسي ضمن مجموعة ودائرة جغرافية متمثلة بإيران. وهذا ما تم تحقيقه وإرساؤه وتكريس لبنته الأولى بعون الله وهدايته وبصيرة الإمام الخميني العظيم ويقظته وجهاد الشعب وتضحيتهم.

علماً بأن ما بيننا وبين الوصول إلى ذلك المقصد الأساسي والرئيسي مسافات شاسعة، ولا إشكال في ذلك، فالواجب عليها هو أن نطوي هذه المسافات. كما هو الحال في أصل ظهور الإسلام أيضاً، ففي ذلك اليوم الذي أقام فيه النبي الأكرم حكومة إسلامية في المدينة، لم تكن قد تحققت في ذلك الزمان والأوان جميع الأهداف الإسلامية، وإنما كان من المفروض أن تتحقق، وكانت تتحقق بالتدريج إلى آخر عمر النبي الشريف، وهذا منوط بحضور أو عدم حضور تلك الطاقة الإنسانية الرئيسية ذات الإرادة والعزيمة. والتعبئة تعني ذلك الشيء الذي يسدّ هذا النقص..

التعبئة تعني أن تشعر الطاقة الإنسانية بكل أفرادها، بالمسوؤلية تجاه تحقق الأهداف العليا. فإن جميع الذين يزاولون أنشطتهم في مختلف القطاعات، بما فيها القطاعات العسكرية وغير العسكرية، والجيش، والحرس الثوري، والقوى الأمنية، ومفاصل البلاد المختلفة، والجهود المتنوعة، والباذلين مساعيهم بشتى أصنافهم في مختلف الميادين، لو شعروا بالمسؤولية، ووضعوا هذه الحركة وهذا الهدف وهذا الأسلوب نصب أعينهم، سيدخلون في عداد التعبويين. ولقد ذكرت بالطبع إن لمنظمة التعبئة بحث آخر، فهي تمثّل رمزاً وتحتل جزءاً فاعلاً معيّناً، وأما كلمة التعبئة وعنوانها، فهي الاتكاء على كافة الجماهير الفاعلة والنشيطة.

وأما منظمة المقاومة التعبوية التي تمثل أحد أركان حرس الثورة الإسلامية، فهي تعتبر منظومة مهمة مؤثرة وضرورية جداً. وكلّ واحد منكم أنتم الحاضرون في هذا المكان، تشكّلون منظومة من الفكر والإرادة والطلب والإيمان وروح الإبداع. ومئات ولربما آلاف الأضعاف منكم أنتم الحاضرون هنا، هم أبناء الشعب، وغالبيتهم من الشباب، الذين يتسمون بنفس هذه الخصائص، أي إنّ كل واحد منهم يمثل فكراً وعزماً وإيماناً وإرادة وقوة إنتاج وقوة حركة. والمهم أن تتعاون كل هذه الطاقات وكل هذه العزائم والإرادات فيما بينها وأن تتظافر جهودها. ومنظمة المقاومة التعبوية في الحرس الثوري تحمل على كاهلها هذا الواجب، وهو التنسيق ووضع هذه القدرات والطاقات والعزائم في شبكات التحرّك الفاعلة.. هذا واجب في أعناقكم.

ولقد لاحظتم في مجال الصناعة والزراعة والفن والإعلام وفي كافة المجالات المختلفة، بأن لنا كلمتنا التي بيّن هؤلاء الأعزاء هنا جوانب منها، ولنا حاجتنا أيضاً، حيث نحتاج إلى الحركة وإلى الفكر وإلى القرار وإلى العزيمة الراسخة، كي نتمكّن من إيصال أنفسنا وبلدنا إلى تلك الأهداف الحقيقية العليا التي تهدف إليها الجمهورية الإسلامية. وهذا كله يحتاج إلى حركة، وهي تتحقق عبر تنظيم قوات المقاومة التعبوية وشموليتها في الرؤية. وإذا بكم تشاهدون على حين غرة انطلاق حركة جبارة في البلد من الإعمار والإنتاج والتقدم في مختلف القطاعات، مصحوبة بالإيمان والبصيرة والإخلاص على يد جماهير مليونية، وهذا أمرٌ في غاية الأهمية والبركة! هذه هي قوات المقاومة التعبوية وهذه مهمة كبرى لابد من النهوض بها.

أعزائي! عِداء أعداء الحق وأعداء الله ليس له نفاد وإنما هو قائم. بيد أن ممارسة العِداء من قِبَلهم منوطة بأن يشاهدوا كم هي قدرتهم على ممارسة العِداء والخصومة وتنفيذها، فإن وجدوا في الطرف المقابل ضعفاً، ورأوا بأنهم قادرون على ممارسة العِداء، مارسوا عِداءهم دون أيّ مجاملة. وأولئك الذين يمتعضون من ذكر اسم العدوّ قائلين: «لماذا تكرّرون كلمة العدوّ كل هذا التكرار»! غافلون عن هذه القضية.. غافلون عن أنّ العدوّ لو فُسح له المجال في تسديد ضربة لما توانى لحظة واحدة. فلا ينبغي أن يُفسح للعدوّ هذا المجال، ولا ينبغي أن يُشاهد فينا أمام العدو عمل أو كلمة أو حالة تشجّعه على توجيه الضربة وممارسة الِعداء والخصومة.. هذا أصلٌ عقلائي مستمر.

لقد جاء في هذه الآيات الكريمة التي تُليَت في بداية هذه الجلسة " رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ".. أولئك المجاهدون والشجعان والأبطال الذين وقفوا في ساحة المقاومة إلى جانب الأنبياء، وطلبوا العون من الله سبحانه وتعالى وانطلقوا، أثابهم الله على ثباتهم " فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ ". وهذا يعني أنكم لو جاهدتم في سبيل الله، لا يقتصر أجركم على الجنة التي يمنحها الله لكم وعلى الثواب الأخروي، وإنما هنالك ثواب دنيوي أيضاً، فما هو هذا الثواب الدنيوي؟ إنه العزة والاقتدار والتقدم وشموخ شعبٍ وبلدٍ.. هذا هو ثواب الدنيا. والجمهورية الإسلامية على مدى هذه الأعوام الثمانية والثلاثين واجهت مؤامرت العدوّ في كل يوم، حيث واجهنا منذ اليوم الأول بعد انتصار الثورة وإلى يومنا هذا حالات عِداء مستمرة ومختلفة من قِبَل أعدائنا وهم الاستكبار العالمي والصهيونية والرجعيين، ولكننا في الوقت ذاته تقدّمنا اليوم إلى الأمام واكتسبنا قوة واقتداراً بمقدار مئات بل لربما آلاف المرات وفي أبعاد مختلفة بالمقارنة إلى بداية الثورة.

فليتم تحليل قضايا البلد بشكل صائب! بيد أن البعض يقوم تحليلهم على أساس خاطئ، إذ ينظرون - على سبيل الفرض - فيجدون لدى البعض في قطاع ما حالة من فقدان العقيدة والإيمان والمسؤولية، فيعتبرونه مستمسكاً على ضعف الثورة ونظام الجمهورية الإسلامية في البلد.. ليس الأمر كذلك، فقد كان هنالك أعداء ومعارضون منذ انبثاق الثورة، واليوم بات العدوّ يعزز هجومه ويشدّده من كل حدب وصوب، ولكن لكم أن تنظروا رغم ذلك إلى حركة الشباب المؤمن في بلدنا، كم هي حركة مباركة بديعة جميلة. فأن يهبّ، بعد ٣٨ عاماً، شبابٌ لم يدركوا الإمام الخميني ولم يشهدوا فترة الدفاع المقدس ولا مرحلة الثورة، للنزول إلى الساحة وخوض الميدان بهذا الشكل، وأن يتركوا تأثيرهم على المنطقة، فهذا لهو حقاً من معاجز الثورة الإسلامية.

لقد تمكّنت الجمهورية الإسلامية في المنطقة، أي تمكّنتم أنتم الشباب من إخضاع أمريكا المستكبرة وإلحاق الهزيمة بها. فإنّ كل الجهود التي بذلوها وكل المؤامرات التي حاكوها كانت تصبّ في إبعاد المنطقة عن الفكر الثوري والإسلامي، وفي الحقيقة فالهدف من كل ذلك هو القضاء على فكر الثورة وفكر المقاومة الذي انتشر في أرجاء المنطقة ودفنه، ولكن الذي حدث هو عكس ذلك.

إن ما حدث في سوريا والعراق، هو إزالة الغدة السرطانية التي زرعها الأعداء ليتمكنوا في هذه المنطقة من إيجاد حادثة تقف في وجه المقاومة وتيار المقاومة، ولكنكم استطعتم إزالة هذه الغدة واجتثاثها، واستطاع الشباب المؤمن ذلك. وفي الواقع فإن أولئك الذين خاضوا غمار هذه الساحة الجهادية بشوق وتوق شديدين وأركعوا العدو، كانوا يتسمون بنفس ذلك الشعور التعبوي والقوة التعبوية.

والحال ذاته يجري في جميع المجالات. فإن لنا في مجال العلم والتقنية والصناعة والزراعة والخدمات والإعمار والمسائل المعنوية والثقافية والفنية، ساحة عمل واسعة جداً لابد من النزول إليها بواسطتكم أنتم الإخوة والأخوات التعبويون بصفتكم رادة هذا الميدان. وهناك الملايين من الناس في البلد لا ينتمون إلى منظمة التعبئة ولكنهم تعبويون بالقوة، وقادرون على النزول إلى هذه الساحات، رغم أنهم لا يدخلون في عداد منظمة التعبئة. وهذه طاقة جبارة قد أتيحت اليوم في البلد. ونحن نشكر الله على أن منحنا هذه الطاقة وهذا الرصيد العظيم.

حافظوا على التعبئة، وحافظوا على الخصائص المطلوبة والقيّمة والموجودة في التعبئة والحمد لله، ومنها: البصيرة، ومعرفة العدو، وسبل مواجهة العدو، والوقوف على أساليب العدو. فعلى شابّنا المؤمن أن يعلم بأن واحدة من أساليب العدو هي دفعه باتجاه عدم العبء والاكتراث بالقيم الإسلامية العملية وبمسائل الحياة الشخصية وبالشؤون الأسرية وبالقضايا المختلفة.

ومن أساليب العدو بثّ اليأس في نفوس الشباب، بأننا غير قادرين، ولا يمكننا الوقوف أمامهم، ومما يؤسف له أن البعض، كما تشاهدون، أصبح مذياعاً للعدو وراح ينشر في أجواء المجتمع نفس هذه الأقاويل بأنه لا يمكن الوقوف في وجه هؤلاء! لماذا لا يمكن؟ لقد وقفت الجمهورية الإسلامية أمام جَشَع الأعداء وطَمَعهم وتغلّبت عليهم في جميع الساحات! فكيف تقولون لا يمكن ذلك؟ كما استطاع الشعب الإيراني اقتلاع النظام الملكي الذي يمثل شجرة خبيثة متجذرة ورميه جانباً، على الرغم من دعم أمريكا وأوروبا والرجعيين في المنطقة له. واستطاع، في عالم يموج بالكفر والإلحاد واللادينية والإباحية، أن يؤسس دولة تقوم على أساس المبادئ والقيم، وأن يحافظ عليها، وأن يحرس نظام الجمهورية الإسلامية بكل أبعاده في هذا البلد ويصونه، وأن يعمل على تنميته يوم بعد يوم، وأن ينشر فيه عوامل القوة وعناصر الاقتدار. ومن عناصر الاقتدار العلم، ومنها القدرات العسكرية، ومنها قوة النفوذ في أفكار ورؤى الشعوب الأخرى.. هذه أمور استطاع الشعب إيجادها لنفسه، فكيف يسعكم القول بأنه لا يستطيع؟ وبعد اليوم أيضاً سوف تتمكن الثورة الإسلامية، بتوفيق الله، من بلوغ جميع الأهداف العليا التي رسمتها، على يدكم أنتم الشباب، وعلى يد الجيل المؤمن المنتشر والحاضر اليوم في البلد والحمد لله.

نحن قادرون.. نحن جرّبنا بأننا قادرون. والقدرة هذه لا تستند إلى مجرّد عقيدة وإيمان بالغيب، وإنما شاهدنا بأمّ أعيننا أننا قادرون، وإذا بالبعض يردّد على لسانه عبارات اليأس قائلاً بضرورة مراعاة القوى ومحاباتها.. كلا، فلقد شاهدتم أن هذه المؤامرات المتتالية التي حاكتها أمريكا والصهاينة والرجعيين العرب وغيرهم في هذه المنطقة كيف تبدّدت وتلاشت كلّها باقتدار الجمهورية الإسلامية، ومنها تنظيم داعش التكفيري اللاإنساني الذي قضي عليه وانتهى بهمة الشباب والرجال المؤمنين وبهمة الذين يؤمنون بقوة المقاومة. وهذا ليس بالعمل الهيّن، وإنما هو إنجاز عظيم! حتى أنّ بعض البلدان المجاورة لنا أيضاً لم تكن أحياناً تصدّق بإمكانية النهوض بهذه المهمة والقيام بهذه المبادرة، ولكنهم بالتالي اضطروا إلى ذلك ونزلوا إلى الساحة ونجحوا وصدّقوا.. هكذا يصل نداء الجمهورية الإسلامية ونداء الثورة إلى مسامع الشعوب في الساحة العملية!

والأمر يحتاج إلى بصيرة، وهي من الشروط اللازمة، ويحتاج إلى جهاد وإلى ثبات.. أعزائي! الثبات في هذا الطريق والاستقامة في هذا المسير تعدّ واحدة من أوجب عوامل التقدّم وأهمّها. فاسعوا جاهدين لأن تكون البيئة المحيطة بكم والعناصر المرتبطة بكم، وقبل كل شيء سرائركم وقلوبكم وفيّة وثابتة تجاه هذه المبادئ وهذا الطريق وهذه الأهداف العليا، وعندها ستتغلّبون لا محالة، وسيكون النصر حليفكم بكل تأكيد. وإني، بإذن الله وتوفيقه، أرى ذلك اليوم الذي ستقولون فيه أنتم الشباب الأعزاء حيال هذه الأمور التي نتحدث عنها اليوم قائلين بضرورة أن تحدث وسوف تحدث: لقد أُنجزت هذه الأعمال وتحقّقت.

ثمة أعمال كثيرة يجب علينا اليوم إنجازها في الشأن الاقتصادي، وفي مجال الإنتاج وتوفير فرص العمل وهذه الأمور التي تعدّ من نقاط ضعفنا، وفي الجانب الثقافي. وهذه الأعمال اليوم لم تعدُ مرحلة التخطيط والمبادرة والبدء والتقدّم وطيّ المراحل، ولكن سيأتي ذلك اليوم الذي تُنجز فيه كل هذه الأعمال على أتمّ وجه إن شاء الله.. ذلك اليوم - وهو ليس ببعيد إن شاء الله - الذي سوف تتمكّن الطاقات الشابة والمؤمنة من معالجة المشاكل الاقتصادية في البلد، ومضاعفة حالات التقدم العلمية، ونشر هيمنة المحتويات الثقافية والبارزة للثورة والمفاهيم القرآنية والمعارف الإسلامية في كافة أرجاء البلد وفي جميع زواياه، وهذا ما سيتحقق إن شاء الله رغم أنف الأعداء.

علماً بأنّ الأعداء سوف يحوكون في كل يوم مآمرة جديدة وحيلة جديدة ودسيسة جديدة، فعلى قواتنا المبدعة والمؤمنة والمتأهبة، قبل أن ينوي العدو تنفيذ مؤامرة وإنزال دسيسة جديدة إلى الساحة، أن تعدّ نفسها للردّ وللتوقّي مما قد يقوم به العدوّ.

نسأل الله تعالى أن يحفظكم، وأن يُريَكم الانتصارات الكبرى، وأن يحشر الأرواح الطيبة لشهدائنا الأعزاء، سواء الذين استشهدوا في ساحات الحرب في سوريا أو العراق - من أهالي نفس تلك البلدان أو البلدان الأخرى من الشباب الذين خاضوا هذا الميدان بإيمان - أو الذين جاهدوا واستشهدوا في داخل بلدنا، مع أوليائهم، وأن يزيد في عزة الشعب الإيراني ونجاحه وعلوّه وشموخه ومجده يوماً بعد يوم، وأن يرفع درجات إمامنا الخميني العظيم الذي فتح أمامنا هذا الطريق في الدار الآخرة ويجعلها في أعلى عليين، وأن يمنّ علينا أيضاً بالتوفيق للقرب من قافلة الشهداء السعيدة.

والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته