موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي

نــداء ولـى أمر الـمسلمين آية الله العظمي السيد على الـخامنئـى إلـي حجاج بيت الله الحرام

بسم الله الرّحمن الرّحيم
قال الله تعالى: (فَإذَا قَضَيْتُم مَّناسِكَكُم فَاذْكُروا اللهَ كَذِكْركُم آباءَكُم اَواَشَدَّ ذِكْرا)  البقرة – 200

الإخوة المسلمون والأخوات المسلمات:

ان أيام الحج هي أيام الأمل والبشرى، حيث يبعث جلال التضامن بين قاصدي بيت التوحيد الأمل في القلوب من جهة، ويبشر انتعاش النفوس ببركة ذكر الله بانفتاح ابواب الرحمة من جهة أخرى.

وبعد أن يؤدّي الحجّاج مناسكهم المليء بالرموز والاسرار والمترعة فى نفسها بالذكر والخشوع، يدعون مرة أخرى إلى ذكر الله. وهذا التأكيد انما يتم على أساس أن ذكر الله ينير القلوب الكئيبة ويبعث فيها نورالايمان والأمل، وعندما يكون القلب آملاً مؤمناً فإنه يمكّن الإنسان من الطيىّ السليم للمنعطفات الحياتيّة الخطيرة الوعرة والوصول إلى قمم الكمال الماديّ والمعنويّ.

 ‌إنّ معنويّة الحجّ تكمن في ذكرالله الذي يسري روحاً في كل عمل من مناسك الحجّ، ويجب أن يبقى هذا النبع المبارك بعد انقضاء الحجّ متدفّقاً باستمرار وهذه الحصيلة حيّة على الدوام. إن الإنسان يقع في ميادين حياته المتنوعة فريسة غفلته. وحيثما تكون الغفلة يكون الانهيار الاخلاقيّ والإنحراف الفكريّ والهزيمة الروحيّة.

وهذه التداعيات قد تؤدي بدورها بالاضافة لاضمحلال الشخصية الفردية للانسان إلى هزيمة الشعوب وانهيار الحضارات.

 إنّ الحجّ يشكل إحدى الخطط التي وضعها الإسلام لمحو الغفلة، وكأنّ بَعده العالمي يعلن حقيقة أن الامة الإسلامية مكلفة في شخصيتها العامة – بالاضافة إلى الواجب الفردي لكلّ مسلم – بالعمل على محو الغفلة من وجودها.

 إنّ عباداتِ الحجّ ِ ومناسكَه تمنحنا فرصة الخلاص ولو مؤقتاً من الاسر والتبعيّة الرّعناء للّذة والهوى والبطر، ويملأ الإحرام والطواف والصلاة والسعي والوقوف وجودنا بذكر الله والقرب إلى ساحته، وغمر النفوس بلذّة الانس بالله.

 ويعّرفنا جلال هذا التجمع الفريد وعظمته على واقع الامة الإسلامية العظيمة التي تتعالى على فوارق الشعوب والقوميات والالوان واللغات.

 فهذا الحشد المتراصّ المتناغم، وهذه الالسن كلُّها تترنّم بحديث واحد، وهذه الابدان والقلوب التى تتجّه إلى قبلة واحدة، وهؤلاء الافراد الذين يمثّلون عشرات الاقطار والشعوب، هؤلاء جميعاً يرتبطون بكيان واحد ومجموعة عظيمة هى الامة الإسلامية.

والواقع أن الامة الإسلامية مرّت بفترة طويلة وهي في غفلة عن ذاتها.

فكانت الحصيلة المرّة لتلك الغفلة ما نلحظه اليوم من التخلف العلمي والعملي والخواء في ميادين السياسة والصناعة والاقتصاد. والإن - وازاء ما نشهده من تطّور باهر حدث أويحدث في العالم - فإنّ على الامّة الإسلاميّة أن تبادر إلى التعويض عن أنماط غفلتها الماضية، وهذا ما نشهد- لحسن الحظ - بعض بوادره في عصرنا الحاضر ممايبشر بانطلاق حركة التعويض هذه.
وي‍جب أن لانشكّ مطلقاً في أنّ عالم الاستكبار يرى في الصحوة الإسلاميّة واتّحاد المسلمين وتقدّم شعوبهم في ميادين العلم والسياسة والابداع أكبر عقبة بوجه سلطته وهمينته على العالم، ولذا فهو يعمل على مكافحته وإيقافه بكل مالديه من قوّة.
وها هي تجربة عصري الاستعمار والاستعمار الحداثيّ ماثلة امام الشعوب الإسلاميّة وهي تواجه اليوم استعمار ما بعد الحداثة فيجب ان تستفيد من تلك التجربة فتمنع العدو من تكرار تسلطة الممتدّ - من جديد – على مقدّراتها ومصيرها.

لقد استخدمت القوى الغربية المهيمنة فى تلك العصور الكالحة المرّة كلّ الوسائل الثقافيّة والاقتصاديّة والسياسيّة والعسكريّة لاضعاف الاقطار والشعوب الإسلامية وفارضة عليها التفرقة والفقر والجهل، وقد ساهم في تحقّق ذلك الضعف النفسى وغفلة الكثير من رجالات السياسة وعدم تحمّل الكثير من النخب الفكريّة لمسؤوليّاتهم، ممّا أدّى إلى نهب ثرواتنا والاستخفاف بنا، بل وإنكار هويتّنا والقضاء على استقلالنا، وعدنا نحن الشعوب الإسلامية نضعف يوماً بعد يوم، وراح الغزاة الناهبون الطّامعون المتسلطّون يزدادون قوّة بإطّراد.

واليوم - وببركة تضحيات المناضلين وشجاعة القادة في بعض المناطق من العالم الإسلامي وإخلاصهم، حيث اتسعت أمواج الصّحوة الإسلامية فدفعت بالشبّاب والنّخب وأفراد الشعب في كثير من الاقطار الإسلاميّة إلى الساحة، وافتضحت الصورة الغادرة للمتسلّطين لدى كثير من السياسيين والقادة المسلمين - راح أساطين الاستكبار – من جديد – يستخدمون أساليب ماكرة جديدة لاستدامة سيطرتهم على العالم الإسلامي وتقويتها.

وشعار نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان هو احد هذه الاساليب الخدّاعة، فهاهو الشيطان الاكبر - وهوالذي يجسّد الشر والعنف ضد البشريّة- يرفع لواء الدفاع عن حقوق الإنسان، ويدعوشعوب الشرق الأوسط إلى الديمقراطيّة.

اِلا أنّ الديمقراطيّة التى تسعى أمريكا لتحقيقها في هذه الاقطار تعني أن تفرز الانتخابات - الشعبية في ظاهرها والامريكية في الواقع، بمعونة التأمر والرشوة والدعاية الانتخابية المغرية الخادعة - عملاء طيّعين مطيعين لامريكا يحققون لها اهدافها الاستكبارية، وفي طليعتها إيقاف المد الإسلامي وإقصاء القيم الإسلامية عن الساحة تارة أخرى.

إن كل الوسائل الاعلامية والسياسية لامريكا وغيرها من المتسلطين قد عبّئت اليوم لكى تعرقل نهضة الصحوة الإسلامية أوتقمعها إن استطاعت. فعلى الشعوب الإسلامية أن تعي الموقف اليوم وتراقبه بحذر، كما أنّ على العلماءِ والمرجعياتِ الدينية والمثقفين والجامعيين والكّتاب والشعراء والفنّانين والشّباب والنخّب، عليهم أن يتخذوا بكلّ وعيِ المبادرة المناسبة ليحولوا دون أن تبدأ امريكا الجشعة مرحلة جديدة من هيمنتها الاستعمارية على العالم الإسلامي.

ان رفع شعار الديمقراطية من قبل الطامعين الّذين دعموا لسنين طوال الانظمة الدكتاتوريّة في آسيا وأفريقيا والقارة الامريكية أمر مرفوض بلاريب، كما أنّ ادعاء مكافحة العنف والارهاب من قبل من يدعمون الارهاب الصهيونى ويرتكبون أكثر أنواع العنف دمويّة في العراق وأفغانستان،انّما هو ادعاءٌ يثير السخرية ولذلّك فإنّ طرح شعار الدفاع عن الحقوق المدنية من قبل الشياطين الذين شجعّوا باستمرار جرائم إرهابي دموي كشارون بحق الشعب الفلسطيني المظلوم إنّما هو أسلوب ماكر يستوجب اللعن والنفور.

اِنّ اولئك الذين ارتكبوا جرائم غوانتانامو وابوغريب والمعتقلات السرّية فى اوربا، والذين احتقروا الشعبين العراقي والفلسطيني، وشكّلوا المجموعات التى تستبيح دم المسلمين باسم الإسلام في العراق وافغانستان، اولئك لايحقّ لهم أن يتحدثوا عن حقوق الإنسان.

اِنّ الادارتين الامريكية والبريطانية اللتين تبيحان تعذيب المتهمين بل وسفك دمائهم في الشوارع، والتنصت على المكالمات الهاتفيّة للمواطنين دون اذن من القضاء ليس لهما الحقّ في ادعاء الدفاع عن الحقوق المدنيّة، وإنّ الحكومات التي سودّت وجه التاريخ المعاصر من خلال إنتاجها واستخدامها للسلاح الذري والكيمياوي ليس لها الحقّ أن تفرض قيمومتها على مسألة منع انتشار التقنيّة النوويّة.


الإخوة المسلمون والأخوات المسلمات:

يمرّ العالم وخاصة العالم الإسلاميّ اليوم بفترة حساسة، فمن جهة يشمل مدّ الصحوة الإسلامية كلّ العالم الإسلامي، ومن جهة أخرى تبدو بوضوح الصورة الماكرة لامريكا وباقي المستكبرين من خلف ستار التزوير والرياء، ومن جهة ثالثة يبدأ التحرك باتجاه استعادة الهويّة والقوّة في اجزاء من العالم الإسلامى، حيث نجد في بلد له عظمته كايران المسلمة تتفتح براعم العلم والتقنية الذاتيّة المستقلّة، وتترك الثقة بالنفس أثرها على ترشيد الأجواء السياسية والإجتماعية فتمتدّ آثارها إلى ميادين العلم والاعمار. ومن جهة أخرى يسري الضعف والانحطاط في الهياكل السياسية والعسكرية للأعداء.

إنّ العراق اليوم من جانب، وفلسطين ولبنان من جانب آخر يجسّدان ضعف القوّة الامريكية والصهيونية وعجزها، رغم ادّعاءاتها الكبرى، وإن السياسة الامريكية فى الشرق الاوسط واجهت في خطواتها الأولى عقبات كأداء واخفاقات تحوّلت إلى سلاح مضاد بيد المعارضين لها. إنّ الوضع الحالي يشكل فرصة للشعوب والحكومات المسلمة كي تمسك بزمام المبادرة وتقوم بعمل عظيم.

إنّ مساعدة الشعب الفلسطيني المظلوم، ودعم الشعب العراقي الواعي، وصيانة استقلال لبنان وسوريا وسائر دول المنطقة واستقرارها، يشكّل كلُّ ذلك واجباً اسلاميّاً عامّاً في حين تفوق مسؤولّية النخب السياسيّة والدينيّة والثقافيّة والشخصيات الوطنية والشباب والجامعيين مسؤوليّة الآخرين.

وإنّ وحدة اتباع المذاهب الإسلامية وتآلف قلوبهم ونبذ الخلافات الطائفيّة والقوميّة، يجب إن يشكّل أبرز شعارات هذه النخب، كما أن التحرّك العلميّ والسياسي والجهد الثقافيّ وتعبئة كل الطاقات في هذه الطلائع لابّد أن يكون من اولويات خطابها المعلن.
إنّ العالم الإسلامي لكي يحقق حاكمية الشعب وحقوق الإنسان لايحتاج وصفة خاطئة نقضها الغرب بنفسه باستمرار.

فحاكمية الشعب إنّما تستمد بكلّ وضوح من التعاليم الإسلامية كما إنّ حقوق الإنسان هي من أوضح الامور التي أكّد عليها الإسلام.

نعم، يجب أن نستمدّ العلم ممّن يملكه أينما وأيّا كان إلاّ أنَّ على العالم الإسلامي أن يسعى للتخلص من حالة التتلمذ الدائم لدى الإخرين وأن يعتمد على طاقاته الذاتية متجهاً نحوالابداع والتحديث والانتاج العلمي.

ثمّ إنّ القيم الغربيّة التي جرّت الغرب إلى الانحطاط الاخلاقي وأشاعت التحلل والعنف واستباحت الشذوذ الجنسي والرذائل الأخرى من هذا القبيل لاتصلح للتقليد، في حين يشكّل الإسلام بقيمه السامية أروع مصدر للفلاح الإنساني، فعلى النخب في كلّ الشعوب مسؤوليّة مؤكّدة لوعي هذه القيم ونشرها.

إنّ الارهاب الوحشي الاعمى الذى يتخذ منه المحتلّون ذريعة للهجوم على الإسلام والمسلمين واستمرار غزوهم العسكريّ أمر ترفضه التعاليم الإسلامية وتدينه، وإنّ اوّل المتهمين في هذه الحوادث الاجرامية هم العسكريون الامريكيون وأجهزة المخابرات الامريكية والصهيونية التي يشكل سعيها للتأثير على عملية تشكيل الحكومة في العراق أقرب أهدافها.


الإخوة المسلمون والأخوات المسلمات:

إنّ التوكل على الله تعالى، والإتكال على الوعود القرآنيّة الحتميّة، وتوثيق عرى الوحدة الإسلاميّة، وأداء فريضة الحج بكلّ ما فيها من عطاء وغني مستمدّ من ذكر الله، واجتماع المسلمين القوىّ المتراصّ في المناسك، كلّ ذلك يمكنه أن يشكّل ضماناً لتحقيق كلّ الاهداف السامية للاّمة الإسلاميّة، ونقطة بدء وانطلاق لهذه النهضة الشاملة، لتكون البراءة قولاً وعملاً من قادة الكفر والإستكبار في هذه الفريضة نموذجاً عملياً، وخطوة أولى على هذا الطريق.

وختاماً اسأل الله تعالى للحجاج الكرام التوفيق وللمسلمين شمولهم في دعوات الإمام المهدي روحي له الفداء.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

علي الحسيني الخامنئي

8 ذي الحجة 1426

700 /