موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي

ولي أمر المسلمين: إنّ العصر الحاضر هو عصر الصحوة الإسلامية

ألقى ولي أمر المسلمين سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي مساء اليوم الجمعة كلمة في المؤتمر الدولي الثالث للقدس ودعم حقوق الشعب الفلسطيني، فيما يلي نصها:

قبل البدء أرجو من الإخوة والأخوات الحضور قراءة سورة الفاتحة على أرواح الشهداء الذين سقطوا في الأيام القليلة الماضية على أرض «فلسطين» المقدسة. ...

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الرسول الأعظم الأمين وعلى آله الطاهرين وصحبه المنتجبين.
أرحب بضيوفنا الأعزّة السادة العلماء والمفكرين والساسة والمجاهدين والمرابطين على الحدود العقائدية والجهادية للإسلام.
لقد جاء اجتماعكم هذا لتبادل الأفكار ووضع الحلول المناسبة لأبشع الكوارث التي تواجهها الأمة الإسلامية في التاريخ المعاصر إثر مؤامرات الاستعمار وأعني بذلك احتلال فلسطين والقدس الشريف.
إن تزامن انعقاد هذا المؤتمر مع الذكرى السنوية لميلاد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلّم) في السنة التي شرفها الشعب الإيراني بإسمه المبارك يجب أن يشكل لنا جميعاً منبعاً ملهماً للجهاد والاتحاد والعزم الراسخ والوثوق بالوعد الإلهي وموفراً لأرضية نزول الرحمة والنصر الإلهيين إن شاء الله تعالى.
إن العصر الحاضر هو عصر الصحوة الإسلامية وفلسطين تحتل قلب هذه الصحوة.
يمضي الآن ما يقرب من ستين عاماً على احتلال فلسطين، حيث مرّ الشعب الفلسطيني المضطهد بفترات ملأى بالمحن والابتلائات المتنوعة بدءً بأنماط المقاومة المظلومة اليائسة والتهجير والغربة ورؤية دمار الأهل والديار والقتل الجماعي للأعزة والأقارب وانتهاءً باللجوء إلى المحافل الدولية ومواجهة التعامل السياسي العقيم والمقامرة الخاسرة والمفاوضات مع المحتل وتوسيط القوى التي كانت هي  في الواقع  المجرم الأصلي في نشوء واستدامة هذه المحن. إن نتاج هذه التجارب التاريخية أوصل الجيل الجديد الصاعد لذلك الشعب الباسل الرشيد إلى ذروة الوعي والتحرر وفجر بركان الانتفاضة.
أما على الطرف الآخر فقد امتدت مسيرة أخرى ذات مراحل مختلفة: وحشية مطلقة العنان لا تعرف الرحمة وإبادة للأجيال ودمار حاقد واعتدائات عسكرية على الدول المجاورة ورفع شعار «من النيل إلى الفرات» إلى الاعتداء السياسي والاقتصادي على المنطقة مستغلاً ضعف بعض الساسة في العالم الإسلامي وخيانتهم. وفجأةً راح يواجه صحوة الأسد الفلسطيني الغافي والانتفاضة الصاخبة لشعب متبرم ثائر. وكان حاصل هذه المسيرة المتلاطمة التي اعتمدت باستمرار على ثروة دولتي أمريكا وإنجلترا وقدرتيهما ودعمهما المخزي للصهاينة المجرمين، أن استولى اليأس والتردد والخور على قادة النظام الغاصب اليوم حيث واجهوا المد الصاخب والمتصاعد للصحوة الإسلامية.
صحيح إن فلسطين اليوم تشكل مسرحاً لأقسى الجرائم البشرية على يد الصهاينة الغرباء الغاصبين بحق أصحابها المضطهدين وتجري على تلك الأرض وبشكل استثنائي أبشع أنماط الظلم وبصورة سافرة يتباهى بها النظام الصهيوني إلا ان نظرة فاحصة إلى مجمل هذه المسيرة ذات الستين عاماً يكشف عن حقيقة مروعة لها عبرتها وليست هي إلى تغيّر المشهد وتبادل مواقع القدرة على الجبهتين، على صعيد فلسطين نفسها وعلى مستوى الشرق الأوسط والعالم الإسلامى الذي خطط ونفذ الساسة الغربيون من خلال اغتصاب فلسطين في الأساس للهيمنة والسيطرة البعيدة الأمد والمضمونة عليه.
لنتصور فلسطين في العقد الرابع من القرن العشرين وهي أرض تقع في قلب العالم العربي، بلد فقير وحكومة ضعيفة وشعب غافل وجيران عملاء للاستعمار وقد عملت دولة غربية هي الأغنى والأكثر سلاحاً والأشد شراً بتحريض من الصهاينة على سلبها من أيدي المسلمين وتسليمها لحزب عنصري عدواني إرهابي تدعمه كل الدول الغربية وكلا العملاقين السياسيين المتنازعين في العالم.
وكانت الدول العميلة في المنطقة من قبيل إيران البهلوية وبعض الدول الأخرى قد أعرضت عن إسلامها وعروبتها وانخرطت في خدمة ذلك النظام، في حين وضع الجميع المال والسلاح والعلم والصناعة تحت تصرفه وكانت أمريكا تمثل القيّم والمحامي الداعم أمّا الإتحاد السوفيتي فكانت هذه المسألة الوحيدة التي لم يختلف فيها مع أمريكا. وقرارات الأمم المتحدة رغم ضعفها وكونها قرارات متحفظة لم تكن لتلقى أي اهتمام بها من قبل الدولة الصهيونية المختلقة المتمردة. فهي بذلك وبدعم أمريكي وأوربي تعتدي عسكرياً على مصر وسورية والأردن ولبنان وتحتل مساحات من أراضيها بنيّة احتلالها الدائم وتتحدث وتهدد بالاغتيال والقتل والنهب دون أن تأبه لأحد ويتوالى على القياده فيها إرهابيون معروفون الواحد تلو الآخر وكان آخرهم جزار «صبرا وشاتيلا» المعروف. وهكذا تستمر على مسرح فلسطين لعشرات السنين دولة غاصبة بمظهرها الخشن المتصلب المتطلب دائماً للمزيد والعاصي على كل هزيمة.
وعلى الجبهة الأخرى، وبعد ذلك الضعف والهزيمة الأولى وفشل المساعي القاصرة للسنين الأولى حيث التجارب تتوالى وتفشل معها الذرائع الفكرية والعملية من الادعائات القومية والوطنية إلى اليساريّة الماركسية وأمثالها على مستوى الواقع العملي، يرسم الإيمان الديني، الذي كان الشعب ملتزماً به بقوة وبهمة المجاهدين الصابرين المقاومين وبالتدريج، نقاطاً مضيئة في الأفق المعتم المحزن ويخلق الآمال. وفي هذه الأثناء تبزغ فجأة شمس الثورة الإسلامية من الشرق ليرتسم على راية هذه الثورة الإلهية الخفاقة إلى جانب سم الله والشريعة الإسلامية سم فلسطين.
ومن هذا المنعطف تتغير مسيرة الحوادث وتبدأ في المنطقة مسيرة زوال الدولة الغاصبة وفناء السيطرة الأمريكية المطلقة التي كانت على مدى السنوات الممتدة شريكاً لإجرام الدولة الغاصبة. وتنطلق مسيره المجاميع الجهادية المؤمنة بالإسلام في فلسطين ولبنان وينشأ جيل مناضل صلب وصادق ويحيا من جديد منطق الجهاد والشهاده وتحتل القدرة الحقيقية ـ وأعني بها قدرة الشعب الذي يترسخ فيه عزم المقاومة والتضحية ـ موقعها في معادلات فلسطين والمنطقة من جديد. ويعمل الدم الطاهر للشباب الاستشهادي والحضور الميداني للمناضلين المضحين على قلب كل حسابات هواة السلطة وعبّاد المادة وعشاق اللذة ليفتح ميداناً جديداً ينتصر فيه الدم على السيف.
واليوم وبعد مرور ستين عاماً على تلك البداية الحافلة بالمحن تنطلق على أرض فلسطين يوماً بعد يوم بقوة متناهية وبنَفَس جديد وعزم قوي جبهة الحق بآمال حية وبدافع إيماني يستقطب الأجيال الجديدة الواحدة تلو الأخرى فتفرض على العدو الهزائم العسكرية والسياسية المتتابعة في لبنان وفلسطين وتتقدم بجهادها الحماسي نحو الفتح المبين وكان الخطاب الإلهي الصادق يتوجة إليها عبر قوله تعالى: «وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً. وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً» (الفتح، 21-20).
وعلى الطرف الآخر نلاحظ ان جبهة الباطل بعد التقهقر المتوالي وفقدان الآمال الكاذبة الأولى تقع فريسة التمزق والشك والضياع في حين تواجه أمريكا ـ وهي الداعمة الأساسية ـ في الشرق الأوسط مشكلات لا حلول لها ونفوراً متزايداً من شعوب هذه المنطقة بل من كل العالم تجاهها وتنازل شعار من «النيل إلى الفرات» إلى شعار «الأمن» وأيّ أمن ؟ أمن يكمن خلف جدار يبنيه النظام حوله، ولا يملك في مجال مواجهة فلسطين المنتفضة سبيلاً غير الدبابة والقنبلة والاغتيال والسجن والجرّافة وهي نفسها الوسائل التي أدى استخدامها عبر عشرات السنين الماضية إلى ما نراه اليوم من الموقف الحديدي المتصلب للشعب الفلسطيني ولذلك لن تترك أثراً بعد هذا سوى مقاومته المتصاعدة.
إخوتي وأخواتي،
إن شعب فلسطين اليوم يتحرّك في ميدان جهاد صعب وممتد، ولا يقتصر هذا على جهاد فلسطين فحسب وإنما هو جزء بارز من الجبهة الواسعة لجهاد العالم الإسلامي ضد المستكبرين والمعتدين والسفاحين والغزاة.
لقد وعى العالم الإسلامي وعاد شعار الحاكمية الإسلامية في جميع الأقطار الإسلامية يحتل المرتبة الأولى بين الشباب والجامعيين والمثقفين في هذه الأقطار وعادت إيران الإسلامية وهي التي تطرح وتنفذ فكرة «سيادة الشعب في الإطار الديني» تقوى وتتقدم يوماً بعد يوم، كما عاد الإسلام الأصيل، الذي اعتبره الإمام الخميني (قدّس سرّه) منزّهاً عن التهجين والانحراف والجمود والتحجّر، يمتد في الساحات السياسية لكثير من الأقطار ويعمق جذوره في شرق العالم الإسلامي وغربه.
إن المذاق المرّ والمسموم لليبرالية الديمقراطية الغربية ـ التي عمل الإعلام الأمريكي بكل خبث على تقديمها علاجاً شافياً ـ قد بثّ الوهن في روح الأمة الإسلامية وجسدها وأحرق قلبها. وإن ما يجري في العراق وأفغانستان ولبنان وغوانتانامو وأبو غريب والزنزانات المخفية الأخرى وقبل ذلك كلّه ما يحصل في مدن غزة والضفة الغربية قد ترجم حقيقة المصطلح الغربي للحرّية وحقوق الإنسان الذي روج له بكل وقاحة وصلافة النظام الأمريكي.
لقد أصبحت الليبرالية الديمقراطية الغربية اليوم في العالم الإسلامي مفضوحة ومقززة كما كانت عليه الإشتراكية والشيوعية في الشرق بالأمس. إن الشعوب المسلمة تواقة لنيل الحرية والكرامة والتقدم والعزة وفي ظل الإسلام. ولقد سئمت من تحكم الأجانب والمستعمرين لمائتي عام في شؤونها وتعبت من الفقر والذلة والتخلف المفروض عليها.
إن من حقنا ـ ونستطيع ـ أن نعيد حالات المهانة والتكبر للقوى الجشعة إلى نحورها، هذا هو الشعور الصادق لشعوبنا وجيلنا والجيل الحاضر للعالم الإسلامي من شرق آسيا حتى قلب أفريقيا وهذا هو ميداننا الجهادي المعقد والمتنوع والصعب والممتد. وإذا اعتبرنا فلسطين راية هذا الجهاد فلن يكون اعتبارنا هذا جزافاً.
إن على جميع العالم الإسلامي اليوم ان يجعل قضية فلسطين قضيته. إنه المفتاح السحري الذي يفتح أبواب الخلاص أمام الأمة الإسلامية. ويجب ان تعود فلسطين للشعب الفلسطيني وان تدير كلّ القطر الفلسطيني دولة فلسطينية واحدة ينتخبها كل الفلسطينيين.
لقد بائت المحاولات التي دامت خمسين عاماً لإنجلترا وأمريكا والصهاينة لمحو اسم فلسطين من خارطة العالم وتذويب الشعب الفلسطيني في الشعوب الأخرى بالفشل وأدى الضغط والظلم والاضطهاد إلى نتيجة عكسية. إن الشعب الفلسطيني اليوم أكثر حيوية وبسالة ونشاطاً من أسلافه قبل ستين عاماً ويجب أن تستمرّ هذه المسيرة التي ولدت في ظل الإيمان والجهاد والانتفاضة المفعمة بالفخر ويتحقق الوعد الإلهي حيث قال تعالى:«وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِى الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِى ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِى لَا يُشْرِكُونَ بِى شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ» (النور، 55).
إذا نظرنا إلى الدائرة الأوسع أي العالم الإسلامي نجد أيضاً أن نيل هذا الهدف السامي وهو التحرّر من تسلط المستعمرين وغطرستهم وتدخلهم والحياة في ظلّ الإسلام أمر ممكن وقابل للتحقق وهو يبتني بشكل طبيعي على جهاد من نوع آخر إنه الجهاد العلمي والسياسي والأخلاقي. ولقد جرّب الشعب الإيراني في ال27 عاماً الماضية ذلك وقطف ثماره الحلوة. ويقوم هذا الجهاد المقدس على النزعة الإيمانية والاتجاه الشعبي والتوجة العلمي وتتمثل هذه الميزة بأن كل خطوة ثابتة في هذا الطريق تجعل الخطوة التالية أكثر ثباتاً وأن طي كل مرحلة منه تجعل المرحلة التالية أكثر إمكاناً.
إن الشرط الأصلي لنجاح الجهاد في فلسطين والجهاد في العالم الإسلامي هو الثبات على المبادئ والأصول. إن العدو يستهدف باستمرار خطف هذه الأصول ويؤكّد عبر الخداع والوعود والتهديد على غض الطرف عنها، ومع حذف هذه الأصول أو تضاؤل تأثيرها فإن العالم الإسلامي سوف يضيّع المعالم الهادية ويعيش في ظلّ قواعد يركزها العدو وحينئذٍ فالعاقبة واضحة.
إننا نجد البعض منا ومن شعوبنا، وبإيحاء وتبعية للعدو، يوصوننا بترك أصولنا ويعتبرون ذلك نوعاً من التكتيك والتدبير. ومهما كانت دوافعهم فإنهم يشكلون مصاديق لقوله تعالى: «فَتَرَى الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ» (المائدة، 52)
إنهم لن يحصلوا من خلال تعاونهم مع العدو على أي نفع، فقد أثبتت أمريكا والغرب معها أنها لن ترحم حتى المستسلمين، فإذا استنفدت الغرض منهم رمتهم إلى صندوق النفايات.
ويحاول البعض أن يطرح قدرة العدو ويخيف طلاب الحق بها، ولكن هذا الكلام يتضمن مغالطة خطرة وذلك:
أولاً: لأن العدو الذي يخشى الإنسان العاقل من التعرض له ليس هو العدو الذي يستهدف منافعه الحياتية وأصل وجوده. إن المقاومة ضد مثل هذا العدو هي مما يحكم به العقل الإنساني بشكل قاطع، ذلك لأنه من البديهي أن الخسارة الحقيقية التي تنشأ من الاستسلام له تساوي الخسارة المحتملة الناجمة من الاصطدام به، فضلاً عما يستتبعه الاستسلام من ذلّ وهوان.
إن الاستكبار العالمي اليوم ـ الذي يعتبر الرئيس الأمريكي الحالي ناطقاً باسمه ـ يهدّد العالم الإسلامي بكل صراحة متحدثاً عن الحرب الصليبية. وإن الشبكة الاستكبارية للصهيونية والمنظمات التجسسية الأمريكية والإنجليزية تزرع بذور الفتنة في كل العالم الإسلامي، عبر دعمها المادي وتشجيعها، فتتم الإساءة للمقدسات الإسلامية، وحتى الشخصية الملكوتية للنبي الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لا تسلم من هذا التطاول السخيف، ويتمّ إنتاج الآلاف من الأفلام السينمائية والألعاب الحاسوبية وأمثالها لتشويه صورة الإسلام والمسلمين، ويدفع بها إلى السوق، كل هذا بالإضافة إلى جرائمهم في الإعتداء على الأقطار الإسلامية، ومذابحهم في فلسطين والعراق وأفغانستان، وتدخلهم الجشع في الأقطار الإسلامية لضمان مصالحهم السياسية والاقتصادية اللامشروعة. إن الاستسلام لهذا العدو أمر يرفضه حكم العقل مطلقاً ولا يوصي العقل والشرع في هذا المورد إلا بالمقاومة.
ثانياً: إن التهويل والمبالغة في قدرة العدو هو نفسه أحد الأساليب الماكرة له. إن المال والقدرة السياسية والعسكرية والمعدات الحربية المتطورة والمتراكمة إنما تخيف الحكومات المحرومة من دعم شعوبها، وإن الانتصار العسكري على نظام مثل نظام صدام ـ الذي لا يحظى بدعم من شعبه ولا يملك جيشه أي دافع إيماني وجهادي ـ لا يعتبر دليلاً على القوة، وها هي امريكا تقف عاجزة عن الانتصار على الشعب العراقي.
إن العراق كما استطاع أن يوضح ويفضح هشاشة الإدعاء الأمريكي لنشر الديمقراطية، استطاع أيضاً أن يتحدى ادعائها للقدرة المطلقة التي لا تقهر ويسخر منها. إن الشعوب والحكومات المعتمدة على شعوبها إن تمتعت برصيد من الإيمان بالله والإيمان بذاتها واتخذت المقاومة سبيلاً، لن تنهزم وسوف يمنحها صبرها على مصاعب الجهاد النصر، ويبطل الأسطورة الكاذبة لقدرة العدو المعتدي التي لا تقهر، وهذا ما أثبتته الأحداث الحاضرة والماضية غير البعيدة، وسوف تثبته بعد هذا إن شاء الله.
إن الحلقات المترابطة للتآمر الأمريكي ضد إيران والعراق وسوريا ولبنان لتحقيق السيطرة على شرق أوسط يقوده النظام الصهيوني لن تصل إلى نتيجة سوى الخسارة المدمرة لقادة أمريكا. ولو احتكمت أمريكا صدفة لعقلها ووجدانها، كان عليها أن ترفع يدها عن تعنتها تجاه الشعب العراقي وتمكنه من تحكيم إرادته في اختيار حكومتة المفضلة، وأن تحترم الحكومة المنتخبة من قبل الشعب الفلسطيني وتوقف حليفها المتمرّد الشرير ـ أي النظام الصهيوني الغاصب ـ عند حدّه، وتطلق سراح السجناء المظلومين في غوانتانامو وأبو غريب وباقي سجونها السرّية فوراً، وتوقف تآمرها ضد سوريا ولبنان والجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولا تلهب بجهلها منطقة الشرق الأوسط والخليج الفارسي الحساسة.
في الختام، أقولها لشعب فلسطين الباسل المقاوم:
لقد رفعتم رأس العالم الإسلامي عالياً بجهادكم وصبركم ومقاومتكم الرائعة، وعدتم أمة نموذجية. إن العبء الثقيل لهذه المحنة العظمى لم تحن ظهوركم وإن الدم الطاهر لشهدائكم زاد من عزيمتكم وثباتكم. إن عدوكم عبر القسوة واستباحة الدماء والقتل والدمار والخطف والأعمال الوحشية لم يستطع أن يرغمكم على التراجع. إنكم اليوم أقوى من أي وقت مضى، وإن دماء الشهداء العظام مثل الشيخ أحمد ياسين وفتحي الشقاقي والرنتيسي والشباب الاستشهادي وباقي شهدائكم المظلومين انتصرت لحد الآن على سيف العدو وستنتصر بعد هذا بحول الله وقوته.
إننا في الجمهورية الإسلامية الإيرانية ـ ومعنا حتماً الكثرة الكاثرة من المسلمين والأحرار في جميع أنحاء العالم ـ نعتبر أنفسنا شركاء في محنتكم، شهداؤكم شهداؤنا، ألمكم وحزنكم ألمنا وحزننا، وانتصاركم انتصارنا. إن الأمة الإسلامية الكبرى لا تستطيع ـ كما هو الغرب بأساليبه المزورة ـ أن تبقى ساكتة غير مبالية تجاه الظلم الذي يطالكم، وتمدّ يد المودّة لعدوكم، وكل من يقف هذا الموقف معكم، فهو يتخذ سبيل العداء لكم، ولاريب أن الشعوب المسلمة مبرّأة من هذه الخطيئة الكبرى.
إن على الأمة الإسلامية أن تدعمكم بكل ما تستطيع من دعم، وتعينكم على استدامة هذا السبيل المبارك. ثقوا بالوعد الإلهي، واحتسبوا عند الله كل الآلام المقرحة، والدماء المسفوكة دون حق، والمصاعب التي تصبّ عليكم يومياً، ورددوا ما قاله سيد شهداء العالم الحسين بن علي (عليهما السلام) في تلك اللحظة التي استشهد فيها طفله الرضيع وهو يضمّه إلى صدره بسهم مسموم: «إنما يهَوّن الخطب عليّ أنه بعين الله» واعلموا أن الله ضمّن للمؤمنين والمجاهدين الصابرين النصر النهائي، وتمّت كلمة ربك صدقاً وعدلاً، لا مبدّل لكلماته.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


 

700 /