موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي

كلمة قائد الثورة الإسلامية في حشود أهالي مدينة قم بمناسبة ذكرى انتفاضة التاسع عشر من دي.

 
07/01/2015
بسم الله الرحمن الرحيم
أرحب بجميع الإخوة والأخوات والعلماء المحترمين والشباب الأعزاء، وأبارك الولادة السعيدة لنبيّ الإسلام المعظم المكرم (صلى الله عليه وآله) والإمام الصادق (عليه الصلاة والسلام) لكم جميعاً ولكل شعب إيران ولكل الأمة الإسلامية.
ما أرى ذكره ضرورياً بالدرجة الأولى بمناسبة التاسع عشر من شهر دي، وهو يوم تاريخي وكبير ومصيري، هو تقديم الشكر لأهالي قم الأعزاء لأنهم لم يسمحوا ولن يسمحوا لهذه الحادثة بأن تُنسى، فهناك نوايا ترمي إلى إنساء هذه الأيام والأحداث الكبرى وتنحيتها إلى مطاوي النسيان؛ إنهم يعملون ويسعون من أجل إنساء السوابق الحاسمة والباعثة على الفخر للثورة وفترة الدفاع المقدس وما إلى ذلك. ويريدون للتاسع من دي أيضاً أن يُنسى. حادثة عاشوراء الحسين (ع) أيضاً أراد الجائرون والظلمة لها أن لا تبقى، لكن زينب الكبرى (سلام الله عليها) لم تسمح بذلك. لقد قامت عمتنا زينب الكبرى (عليها السلام) بشيئين: الشيء الأول مسيرة الأسر نحو الكوفة والشام وذلك التنوير وتلك الخطب التي كشفت الحقائق، والشيء الثاني هو القدوم إلى كربلاء للزيارة في الأربعين؛ سواء كان الأربعين الأول أو الثاني أو أي شيء. هذه الخطوة بمعنى أنه يجب عدم السماح للنوايا الخبيثة التي تروم إنساء الفترات العزيزة والمؤثرة والمهمة من الأذهان بأن تنجح، وطبعاً سوف لن تنجح. ما دامت الشعوب حية، وطالما كانت هناك ألسنة تنطق بالحق، وما دامت هناك قلوب مؤمنة متحفزة، فسوف لن يستطيعوا دفع هذه المناسبات إلى مطاوي النسيان، كما لم يستطيعوا ذلك في الماضي. لقد كانت هذه النوايا والدوافع المعارضة المعاندة منذ الصدر الأول إلى فترات طويلة، فالمتوكل العباسي حاول بعد نحو 170 أو 180 سنة من واقعة عاشوراء أن يهدم القبر الطاهر للإمام الحسين بن علي (عليه السلام). وهذا يعني أن شعب إيران يجب أن لا يتوقع توقف أعمال الأعداء وفتنهم وخبثهم الرامي إلى القضاء على جماليات الثورة. العدو لن يقلع عن ممارساته إلى أن يحرّفوا الثورة أو ينسونها، ويفعلوا ما من شأنه أن ينسى الشعب تحركاته وسوابقه وأعماله الكبرى التي قام بها، ويصاب بالنسيان والغفلة. الشخص الذي لا يعرف ماضيه المجيد لا يستطيع صناعة أحداث مجيدة في المستقبل أيضاً. هذا ما يسعى الأعداء لفعله.
أنتم الذين أحييتم التاسع عشر من دي، والتاسع والعشرين من بهمن، والثاني والعشرين من بهمن. وقد كانت حادثة التاسع من دي حادثة شبيهة وقد عملتم على إحيائها. هذا تحرك جهادي مقابل الأعداء. إنهم يريدون تحريف حقائق الثورة ودفعها إلى مطاوي النسيان. ينفقون الأموال ويعملون. من هم على علم واطلاع على عالم الكتب والصحافة والمقالات يجدون ما الذي يفعله الأعداء. إنهم يحاولون اليوم تجميل وجه العائلة البهلوية الخبيثة المشؤومة - ذلك النظام الفاسد العميل الخبيث الظالم الذي فرض التأخّر سنين طوالاً على بلدنا وعرّض شعبنا لتلك المشكلات الجسيمة - وتلطيفه، هذا ما تحاول الجبهة المقابلة للنظام الإسلامي القيام به. والذين يدعمونهم هم أنفسهم الذين يعارضون أساس الثورة، ويعارضون الشعب الذي قام بالثورة، ويعارضون وفاء هذا الشعب للثورة أشدّ المعارضة. لم ينجحوا لحد الآن، وقد كانوا عقدوا الآمال على أن يستطيعوا فرض الإعراض على جيل الثورة الثاني والثالث، لكنهم لم يستطيعوا. لم يستطيعوا جعل الجيل الثالث للثورة يعرض عنها. فنفس هؤلاء الشباب ونفس هذا الجيل الثالث للثورة هو الذي أطلق حادثة التاسع من شهر دي؛ هو الذي أوجد هذا الحدث العظيم، ووجّه تلك الصفعة القوية لوجه الذين حاولوا تحريف مسار التحرك الإسلامي بخلقهم الفتنة. من الذي قام بهذا الفعل؟ الشباب هم الذين قاموا به، الجيل الثالث للثورة هو الذي قام به. وقد عقدوا الآمال اليوم على الأجيال اللاحقة والشباب اللاحق لأنهم يعلمون أن الشعب هو الرصيد. هذه نوايا ومحفزات موجودة فيهم. طالما كنتم أنتم الشباب الصالحين والشعب المؤمن في الساحة وما دمتم متحفزين وعلى بصيرة وواعين بما تفعلونه، فسوف لن ينجحوا طبعاً.
طيّب، ماذا كان يوم التاسع عشر من دي؟ الكل يعلم أن التاسع عشر من دي كان بداية تحرك عام بين الشعب الإيراني. لقد كانت هذه نار تحت الرماد، وقد اتسعت يوماً بعد يوم، لكن بروز هذه الشعلة وظهورها وتأجّجها بدأ منذ التاسع عشر من دي وعلى يد أهالي مدينة قم، وقد أفضى الأمر إلى تحركات مختلفة متنوّعة، ونزل الشعب الإيراني برمّته إلى الساحة، ولبّى نداء الإمام الخميني العزيز الشجاع الإلهي المعنوي، واصطدموا بالنظام الفاسد. ماذا كان هذا النظام الذي اصطدم به الشعب؟ ومن كان؟ هذا شيء على جانب كبير من الأهمية. أذكر بعض الخصوصيات لأنني ذكرتُ أنه توجد اليوم دوافع ونوايا للتحريف، بمعنى أنهم يحاولون بشكل من الأشكال تجميل وجه أخبث وأقبح وأبشع العناصر من الحكام الذين حكموا هذا الشعب خلال الفترات التاريخية المتأخّرة، حتى لا تتضح الحقيقة للشعب ولا يدرك ما الذي فعلوه بهذه الثورة.
من خصوصيات ذلك النظام الفاسد الدكتاتورية السوداء والقمع العجيب للناس بأقسى الأساليب، والذي قد يوجد في بلدان أخرى أيضاً. هنا شاهدنا نحن عن كثب ما الذي كانوا يفعلونه وما هو سلوكهم مع أبناء الشعب، سواء في عهد رضا خان حيث شاهد الماضون منا ومن هم أكبر منا سناً ونقلوا لنا مشاهداتهم، أو في الفترات الأخيرة حيث كنا نحن وكل أبناء الشعب في الساحة. والشباب الآن طبعاً لم يشهدوا تلك الفترة. ثمة كلام كثير وموثوق عن ما فعلوه ضد الناس وضد المجاهدين وضد الذين كانوا ينتقدون، حتى لو كانت انتقاداتهم بسيطة قليلة؛ السلوكيات التي كانت لهم وتلك الأساليب من التعذيب وتلك الضغوط الجسمية والروحية العجيبة الغريبة، وتلك السجون المرعبة، والتي توجد اليوم بعض علاماتها وآثارها ويذهب الأفراد لزيارتها فيتعجبون. كان هذا جانباً من ممارساتهم، كانوا يواصلون حكمهم بقوة العسف والاستبداد والضغط على الناس. ونفس هؤلاء الذين يتشدقون اليوم بحقوق الإنسان ويكررون هذه الدعاوى المفضوحة مراراً وتكراراً كانوا يناصرون أولئك الجناة بكل ما أوتوا من قوة. لا يمكن القول إنهم لم يكونوا يعلمون، بلى، جهاز السافاك الجهنمي أوجده الصهاينة والأمريكان أنفسهم والـ سي آي أي الأمريكي، وعلموهم الأساليب، فكيف يمكن أن لا يكونوا على علم بذلك. وقد تبيّن في الفترة الأخيرة أنهم هم أنفسهم واقعون في مثل تلك المشكلات العظيمة، فهذه الفضائح الأخيرة التي حصلت في خصوص الأجهزة التجسسية الأمريكية مع معارضيهم ومعانديهم، أين هذه الأساليب من الكلام عن حرية التعبير عن الرأي والليبرالية والديمقراطية والاهتمام لآراء الناس؟! (1) إنه عالم عجيب حقاً! في بلادنا كانت إحدى خصوصيات ذلك النظام الخبيث هي الشدة في التعامل ومنتهى القسوة تجاه كل من يكون له أدنى اعتراض عليهم ويعلموا به.
الخصوصية الثانية هي التبعية الذليلة التي كانت لهم تجاه القوى الخارجية. وفي الكتب التي تكتب لتبرئة النظام البهلوي الخبيث وتطهيره ينكرون هذه الأشياء، وهي طبعاً لا تقبل الإنكار. لقد وصل رضا خان إلى الحكم بأمر من البريطانيين، وأزيل عن الحكم بأمر من البريطانيين. بمجرد أن بعث البريطانيون رسالة بأنه يجب أن يُزاح عن السلطة اضطر لتركها بعد سبعة عشر عاماً من الحكم. أي إنه لم يكن له سند آخر، فهم الذين كانوا قد جاءوا به ووجدوا الآن أنه يجب أن يُزاح، فترك السلطة. جاء بأمر من البريطانيين وذهب بأمر من البريطانيين. وبعد ذلك عندما جاء البريطانيون بمحمد رضا بهلوي إلى الحكم وحتى نهاية عقد العشرينيات [أربعينيات القرن الماضي]، منذ بدايات عقد الثلاثينيات [خمسينيات القرن الماضي] دخل الأمريكان ساحة السياسة الإيرانية وسيطروا على كلّ الأمور فيها، وكانت السياسات سياسات أمريكا، وكان ما يحصل هو ما تقتضيه مصالح أمريكا، سواء على صعيد السلوك الداخلي، أو السلوك الإقليمي، أو السلوك الدولي، كان يحصل بالضبط ما يرونه لازماً، أي إهانة كبرى للشعب الإيراني. كانت هذه إحدى خصوصيات ذلك النظام الخبيث. عندما ترون الأمريكان يتعاملون بدرجة شديدة من اللجاجة والعداء والضغينة ضد شعب إيران والثورة الإسلامية والنظام الإسلامي، فهذا هو السبب. لقد مروا بمثل تلك الحقبة، وخسروا مثل هذا البلد والنظام، لذلك فإن عداءهم للثورة لا ينتهي.
و الخصوصية الثالثة لذلك النظام الخبيث هو الفساد. أنواع المفاسد، من المفاسد الجنسية إلى غيرها كان جميع رجال البلاط تقريباً والمحيطون بهم واقعين فيها، وقصص هذه الأمور مخجلة. والكثير من أبناء الشعب في ذلك الحين كانوا يعلمون بذلك مع أنهم لا يتجرأون على التفوّه بها. وأحياناً كان الأمر يفلت من أقلام الأجانب فيذكرون أشياء عن الفساد الجنسي والفساد المالي، لا فقط على المستوى المتوسط الذي يمكن أن يحدث في أيّ حين من الأحيان، كلا، بل على أعلى مستويات البلد. حصلت من قبل شخص محمد رضا بهلوي والمحيطين به أسوء حالات الفساد المالي وأضخم الرشاوي وأسوء التطاولات وأخبث الضغوط على المصادر المالية للشعب. جمعوا الثروات لأنفسهم، والثمن هو إفقار الشعب وإبقائه في تعاسة وبؤس. الفاسد الجنسي والمالي والإدمان وإشاعة الإدمان ونشر المخدرات الصناعية بواسطة عناصر أصلية في نظام الحكم في إيران آنذاك، أمور كانت تحصل وتحدث. قبضت الشرطة السويسرية على إحدى أخوات محمد رضا بهلوي في مطار سويسرا مع حقيبة مليئة بالهيروئين! وانتشر الخبر في كل العالم، لكنهم سرعان ما عتّموا عليه، فقد كان الأمر يمسّهم وطوقوا القضية وحلوا العقدة. هكذا كان الوضع.
و هناك عدم الاكتراث للناس. من الخصوصيات المهمة للنظام الطاغوتي عدم الاهتمام للناس. لم يكن يحسب للناس أيّ حساب. إننا خلال فترة أعمارنا وفي عهد شبابنا في زمن النظام السابق، لم نشارك ولا مرة في انتخابات، ولم نسمع من الناس العاديين في الأسواق والشوارع أنهم شاركوا، فلم تكن هناك انتخابات. كانت هناك تدخلاتهم في بعض الأحيان بصراحة كبيرة وفي أحيان أخرى بصراحة أقل. كانوا يأخذون حفنة من المرتزقة ويجلسونهم هناك في مجلس الشورى ومجلس الشيوخ ويمررون بواسطتهم ما يريدون. الناس لم تكن تعلم أصلاً من هو على رأس الأمور، بل إن الصلة بين جماهير الشعب ونظام الحكم كانت مقطوعة. وعي الناس واطلاعهم على قضايا البلاد والشؤون السياسية الذي ترونه اليوم كان في ذلك العهد على العكس تماماً. كان النظام الخبيث منقطعاً تماماً عن أبناء الشعب.
و كان هناك عدم الاهتمام للتقدم العلمي، وإشاعة عقدة الدونية الوطنية، وتضخيم الغرب. الأعمال العلمية لم تكن تتقدم والتحرك العلمي بالمعنى الحقيقي للكلمة لم يكن موجوداً أصلاً. في وسائل الإعلام كانوا قد عودوا الناس على الواردات، وهي عادة بقيت إلى الآن مع الأسف. العادات المزمنة حينما تتكون لدى الناس لا تزول بسهولة. بدل أن يأخذوا البلاد نحو إحياء الإنتاج الداخلي والمصادر الحقيقية للشعب، عودوا الشعب بأموال النفط على الواردات، وغيروا ذوق الناس، وقضوا على الزراعة في البلاد، ودمروا الصناعات الحقيقية والوطنية للبلاد، وجعلوا البلاد كلها تابعة للخارج ولأعداء الشعب. أهانوا الشعب واستهانوا بقدراته، وضخموا الثقافة الغربية. كان نظاماً محتالاً خبيثاً جامعاً لكل المساوئ. وكان الناس يشعرون بذلك، فالشعب الإيراني شعب ذكيّ فطن ويدرك الحقائق ويشعر، ولكن كان لا بدّ من يد ولا بدّ من صوت قوي بليغ، ولا بدّ من قلب مؤمن يأخذ الآخرين إلى ساحة النضال والكفاح. كانت هناك حالات نضال هنا وهناك، أما أن ينزل الشعب إلى الساحة فقد كان هذا من فعل رجل إلهي منّ الله تعالى به على الشعب. كان إمامنا الخميني الجليل ذلك الهتاف المدوي الذي جمع كل ما يريده الشعب، وقد استجاب الشعب وضحّى بالأرواح ونزل إلى الساحة واصطدم بمثل ذلك النظام وانتصر.
و هذا هو سبب معاداة الأعداء للنظام الإسلامي بالدرجة الأولى، ففي نقطة حساسة وفي بلد ثري وذي موقع استراتيجي مهم جداً - وقد كانوا استطاعوا وضع نظام عميل فاسد مرتبط بهم في هذا المكان وتقويته وإحيائه - في مثل هذا المكان جاء الإسلام والشعب ومبادئ الشعب وحلت محل ذلك الوضع. النظام الإسلامي اليوم لا يأبه لإرادات الأعداء، ويسير في الاتجاه المعاكس تماماً لمسيرة ذلك النظام السابق. أكبر خدمة قدمها التحرك الإسلامي والثورة الإسلامية هي أنها أنقذت الشعب من شرور ذلك النظام. كل ما حصل بعد ذلك وإلى اليوم من عزة وطنية، وهذا التحرك العظيم للشعب، وهذا الوعي والبصيرة العامة، وهذا التقدم العلمي، وهذه المكانة الممتازة لإيران في العالم والمنطقة، هذا كله بسبب رفع تلك العقبة الكبيرة عن درب الشعب. وهذا ما قام به الشعب نفسه، ودين الشعب، ومعتقدات الشعب.
في الوقت الحاضر تسعى جبهة الاستكبار لمعارضة هذا النظام. لا يتصور أحد أن العدو سيغضّ الطرف عن عدائه، لا، يوم تكونوا أقوياء وجاهزين وتعرفون العدو وحيله وأساليبه، سوف يضطر العدو للإقلاع عن عدائه. وحين تعيشون حالة الغفلة وتثقون بالعدو فسيجد العدو فرصة لمتابعة مقاصده وأهدافه داخل البلاد. الضغوط التي يمارسها الاستكبار اليوم على شعب إيران ناجمة عن ذلك العداء الهائل اللامتناهي، العداء اللامتناهي. لقد وقف الشعب الإيراني بوجه هذا العداء وقاوم وصان نظام الجمهورية الإسلامية، وواصل دربه نحو المبادئ. على الرغم من الكلام الخاطئ وغير المدروس بشأن عدم نجاح الشعب الإيراني في هذا الدرب مما يجري بعض الأحيان على الألسن، فقد أحرز شعب إيران نجاحات كبيرة جداً لحد الآن. لقد سار شعب إيران في الدرب على نحو جيد واستطاع المقاومة أمام ضغوط العدو وصيانة نفسه وتنمية ذاته والاقتراب من المبادئ.
إننا نقول دوماً وقد قلناها مراراً بأننا لم نستطع تحقيق إرادة الإسلام بشكل كامل. هذا شيء أكيد، لكننا قطعنا أشواطاً طويلة على هذا الدرب. لم نستطع تحقيق العدالة الاجتماعية بشكل كامل في هذا البلد، لكننا تقدمنا في هذا الطريق كثيراً. يجب عدم تجاهل هذا الشيء. ذات يوم كانت كل ثروات البلاد تنفق على عدد قليل من العوائل الارستقراطية وقد يصل بعض المدن الكبرى شيء من الفتات، واليوم تتمتع أقصى مناطق البلاد بخيرات هذا البلد، وهذا تحرك هائل نحو العدالة الاجتماعية وصوب الأخلاق الإسلامية. ونسمع أحياناً من يتحدثون عن الأخلاق وينتقدون، نعم، نحن على بعد مسافة من تلك الأخلاق الإسلامية المنشودة، هذا مما لا شك فيه، لكننا تقدمنا كثيراً، لقد قطع الشعب الإيراني أشواطاً طويلة، فلا يتجاهلوا هذا. البعض ينكرون التقدم العلمي بخفة عقل، لماذا تنكرون؟ لقد حقق هذا الشعب تقدماً علمياً، وهذا ليس ادعاؤنا فهو ما يقوله أعداؤنا وما تشهد به المراكز العلمية العالمية، وإذا بجماعة تنكر ذلك وتهين الشعب. هذا خطأ، وعدم مشاهدة هذا التحرك العظيم والتقدم الكبير الذي حققه النظام الإسلامي المقدس لهذا البلد عدم إنصاف وخطأ.
نعم، أمامنا بالطبع طريق طويل، فنحن لم نصل بعد إلى مبادئنا، فالمبادئ الإسلامية أرقى من هذا بكثير. في صدر الإسلام أيضاً كان هذا التحرك، وحينها أيضاً كانوا في وسط الطريق. لا تتصوروا أنه في صدر الإسلام وفي زمن الرسول الأكرم (ص) وخلفائه كان الناس قد وصلوا إلى غاية المبادئ والمثل، لا، المهم هو أن يتحرك البلد. شعبنا في حال حركة. فلا يخربوا هذا التحرك بكلامهم غير الدقيق وغير المدروس وتصريحاتهم الخاطئة غير الناضجة. لا يفعلوا ما من شأنه بث الشكوك في الشعب إزاء هذه المسيرة العظيمة التي بدأها ويسير فيها بأمل. لقد تقدم الشعب وتحققت أعمال كبيرة، وهذا ما يشاهده العالم. الذين يأتون من بلدان أخرى يشهدون بذلك ولسنا وحدنا الذين تنطلق ألسنتنا بمدح الشعب الإيراني، بل حتى أعداؤنا يتحدثون بذلك. الشعب الإيراني يمتدح بسبب اقتداره وصموده ومواهبه ونجاحاته الكبرى التي حققها في هذا السبيل. إنهم يثنون على شعب إيران.
الشيء الضروري لشعبنا اليوم هو الاتحاد والوفاق الوطني. تجزئة الشعب وتفرقته ورفع الشعارات الباعثة على التفرقة بين الناس - مهما كانت المبررات - ممارسة خاطئة. هذا على الضد من مصالح شعب إيران ومثله ومبادئه. الاتحاد والوفاق. على الشعب أن يساعد المسؤولين والحكومة.
و ليعلم رجال الحكومة أن ما يمكنه منحهم القدرة على أداء واجبهم هو الاعتماد على الطاقات الداخلية. الاعتماد على الشعب. لقد قلتُ هذا مراراً في الاجتماعات العامة وكذلك في الاجتماعات والجلسات الخاصة مع المسؤولين الحكوميين، لا تتسمّر أعينهم على أيدي الأجانب. نعم، لقد خلق الأعداء بالحظر مشكلة لشعب إيران. طيب، الآن إذا جعلوا شرط رفع الحظر شيئاً لا تقبل غيرتكم القيام به، فماذا تفعلون؟ يشترطون أن تتخلوا عن الإسلام، وأن تتخلوا عن الاستقلال، وأن تتخلوا عن السعي نحو العلم، وأن تتخلوا عن الظاهرة الفلانية التي هي مبعث فخر لكم، حتى يرفعوا الحظر، فماذا تفعلون؟ لا تقبلون بذلك قطعاً. من المتيقن منه أنه ما من مسؤول في البلد يقبل أن يكون شرط رفع الحظر القضية الأساسية الفلانية أو القضية المبدئية الفلانية.
طبعاً العدو لا يعارض المبادئ في الوقت الحاضر بصراحة. نعم، إذا تراجعنا فسيصل إلى مرحلة الصراحة، أما في الوقت الحاضر فالأمر ليس بحيث يصرح العدو بمعارضته للمبادئ ويجعل التخلي عنها شرطاً، ولكن يجب الحذر والوعي وإدراك الهدف من هذا الاقتراح وهذا الكلام وهذه الخطوة التي يقوم بها العدو. واضح أنه ما من مسؤول يرضى ويوافق بالتنازل أمام العدو وأن يتخلى مثلاً عن المبادئ من أجل أن يرفع الحظر أو تقل مستوياته. طيب، طالما كان الأمر كذلك إذن تعالوا وافعلوا ما من شأنه صيانة البلد حيال الحظر. هذا هو معنى الاقتصاد المقاوم. افترضوا أن العدو سيقصر رفع الحظر على شيء لستم مستعدين لقبوله - افترضوا القضية على هذا النحو - فافعلوا ما من شأنه أن لا يعود للحظر من تأثير. لقد قلنا مراراً افعلوا ما من شأنه أن تقل تبعية البلاد المالية للنفط أكثر فأكثر فأكثر، وقد لاحظتم أنهم خفضوا سعر النفط خلال فترة قصيرة إلى النصف. عندما نكون تابعين للنفط سنواجه مشكلات. يجب التفكير في هذا. من أكبر مسؤوليات المسؤولين في البلاد هي أن يفعلوا ما لو أراد العدو أن لا يرفع الحظر فلن يوجّه ذلك أضراراً لرونق البلد وتقدمه ورفاه الشعب. ما هو السبيل إلى ذلك؟ السبيل إلى ذلك هو العودة إلى داخل البلد وإلى داخل الشعب وأن نستفيد من الطاقات الداخلية للبلد، وهناك طرائق لذلك. الأشخاص الخبراء وذوو الاختصاص والإخلاص يشهدون بوجود طرق يعتمد فيها الإنسان على نفسه. هذا واجب مسؤولي البلاد ومسؤولي الحكومة فلا يسمّروا أعينهم على أيدي الأجانب، فالأجانب قد يرغبون أحياناً بأن يمارسوا الضغوط، وكلما تراجعتم يتقدمون إلى الأمام. كلما تراجعتم خطوة إلى الوراء يتقدمون هم خطوة إلى الأمام. أجهزة الاستكبار ليست أجهزة رحمة وإنصاف وإنسانية وملاحظة، كلما تراجعتم إلى الوراء تقدموا إلى الأمام. فكروا تفكيراً جذرياً.
التفكير الأساسي هو أن تفعلوا ما من شأنه أن لا يتضرر البلد من غضب العدو، ولا يتضرر من حظر العدو، وهناك طرق وهناك أعمال يمكن القيام بها. وقد قاموا ببعض الأعمال وكانت موفقة ناجحة وآتت الثمار المرجوّة. يمكن القيام ببعض الأعمال، ويمكن سلب العدو سلاحه هذا، وإلا إذا تسمّرت أعيننا على أيدي العدو الذي يريد إبقاء الحظر إنْ لم نفعل كذا وكذا، فلا فائدة من الأمر. والأمريكان يقولون الآن بكل وقاحة إنه حتى لو تنازلت إيران في الملف النووي فإن الحظر لن يرفع كله دفعة واحدة. هذا ما يقولونه بصراحة. وهذا يدل على أنه لا يمكن الوثوق والاطمئنان بهذا العدو. إنني لا أعارض المفاوضات، فليتفاوضوا إلى أيّ حين يشاؤون! إنني أعتقد أنه يجب عقد الآمال على مواطن الأمل الحقيقية، وليس على مواطن الخيالية، لا على المواطن الخيالية. هذا هو اللازم. طيب، مسؤولو البلاد والحمد لله يعملون ويسعون، واعتقد أن على الجميع مساعدة الأجهزة المسؤولة، الجميع ينبغي أن يساعدوا الحكومة، لأن العمل صعب وعسير. وعلى المسؤولين الحكوميين بدورهم أن يحذروا من أن يخلقوا استقطابات وتفرقة بين الناس، أو أن يخلقوا قضايا جانبية، أو أن يُطرح بعض الكلام غير اللازم. يجب الاستفادة بصورة صحيحة من تلاحم شعبنا وهممه العالية وإيمانه، وسوف ينفتح الطريق أمام هذا البلد إن شاء الله.
أقولها لكم، مثلما أننا اليوم نختلف عن بداية الثورة كما بين السماء والأرض - فقد تقدمنا كثيراً، ونحن نختلف حتى عمّا كنا عليه قبل عشرين سنة، ونختلف عمّا كنا عليه قبل عشر سنين، فقد تقدمنا إلى الأمام - فلا شك في أن شعب إيران سيتقدم في طريق الفخر والمجد هذا أكثر فأكثر يوماً بعد يوم، وسيرى الشعب الإيراني وأنتم أيها الشباب، بتوفيق من الله وفضله، اليوم الذي يضطر فيه الأعداء المستكبرون العتاة الظلمة الوقحون إلى الخضوع والخشوع أمامكم.
رحمة الله على إمامنا الخميني الجليل الذي فتح لنا درب الصمود والتوكل على الله والبصيرة، ورحمة الله على شهدائنا الأعزاء الذين ساروا في هذا الدرب، ورحمة الله عليكم أيها الأعزاء والشباب والأفراد المتحفزين الذين واصلتم هذا الدرب إلى هذا اليوم.
و السّلام ‌عليكم ‌ ورحمة الله وبركاته.‌

الهوامش:
1 - اعتراف الرئيس الأميرکي السابق ونائبه بتعذيب السجناء في جهاز الـ سي آي أي.