موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي

خطاب قائد الثورة الإسلامية في لقائه المسؤولين والعاملين في شؤون البيئة والمصادر الطبيعية والمساحات الخضراء


    06/03/2015
بسم الله الرحمن الرحيم
أرحّب بالسادة المحترمين والسيدات المحترمات، وإن الإنسان ليسرّ من ناحية لمشاهدة هذه الجماعة الكبيرة - والحمد لله - من ذوي العلاقة بشؤون البيئة، ويقلق من ناحية أخرى. السرور من حيث وجود هذا العدد من الطاقات الإنسانية المتوثبة والمتحمسة والراغبة والمتخصصة في العمل، العاكفة على هذه المسؤولية الكبيرة المهمة، ولكن ثمة أيضاً قلق مردّه إلى أنه هل هذه الجماعة التي هي أنتم من مؤسسات وأجهزة مختلفة تعمل حول محور واحد، تتمتع بالتنسيق اللازم أم لا؟ أهمية قضية البيئة تقتضي أن تعمل كل الأجهزة ذات الصلة - بشكل من الأشكال - بقضية بيئة حياة الإنسان في البلاد بتعاون صميمي بعضها مع بعض. على كل حال نسأل الله تعالى هدايته وعونه لكم.
أما مناسبة اجتماعنا اليوم فهي أننا كنا في أسبوع غرس الأشجار والأيام المتعلقة بالبيئة وما إلى ذلك من كل سنة نقوم بعمل رمزي هو غرس شجرة أو شجرتين في الأرض هنا. كان هذا على كل حال من باب الشعور بالواجب في خصوص توجيه الجماهير واسترعاء انتباههم نحو قضية غرس الأشجار، ولم يكن ذلك الفعل عديم التأثير. لقد جرى الاهتمام بغرس الأشجار - خصوصاً في بعض مناطق البلاد ومنها طهران - خلال هذه الأعوام. كما تمت بمقدار قليل وتدريجي معالجة بعض النواقص والمشكلات التي كانت في السابق، بيد أن هذه ليست القضية كلها. وقد بدا لنا هذا العام، وبسبب أهمية القضايا التي نكابدها في الوقت الحاضر، أن من المناسب إقامة هذا اللقاء لنذكر بعض النقاط. وبعد ذلك يجب عدم إهمال الأمور، وعلى المسؤولين أن يقوموا بخطوات أساسية وجادة لحلّ القضايا المتعلقة بالبيئة إن شاء الله. طبعاً زوّدوني بتقرير بالكلام الذي قلناه طوال هذه الأعوام الأخيرة - منذ سنة 77 [1998 م] وإلى اليوم، أي طوال خمسة عشر عاماً - حول هذه القضية. قيل الكثير، وطرحت الكثير من التوصيات، بيد أن التوصيات لوحدها لا تعالج المشكلات الكبيرة. ينبغي أن يكون هناك حراك عملي جاد. طبعاً أنجزت في غضون هذه الأعوام أعمال جيدة لا يمكن غضّ الطرف عنها.
أذكر جملة من النقاط. أولاً لا بدّ من الإشارة إلى رؤية الإسلام في خصوص الأرض والكرة الأرضية وهذه المنظومة التي تمثل مهد حياة الإنسان ومحل ولادته ونشأته ومن ثم عودته؛ رؤية الإسلام حول الأرض وما في الأرض. يقول القرآن الكريم في موضع من المواضع: «وَ الاَرضَ وَضَعَها لِلاَنام» (1). بمعنى أن الله خلق الكرة الأرضية للإنسان، وهي ملك الجميع، وليست ملكاً لبعض البشر، وليس للبعض فيها حق أكثر من الآخرين، ولا هي لجيل دون جيل غيره. إنها اليوم لكم، وهي غداً لأبنائكم ولأحفادكم ولنسلكم إلى النهاية. هكذا هو الحال في كل مكان من سطح الكرة الأرضية. خلقت الأرض للبشر وهي ملكهم. يقول تعالى في آية أخرى: «خَلَقَ لَكم ما فِي الاَرضِ جَميعًا» (2). خلق كلّ ما في الأرض لكم أيها البشر، وعليه لأن كل ما فيها هو لكم ولصالحكم فيجب أن لا تخرّبوه. وكل شيء في الأرض له قيمته. ثمة أشياء قد تبدو بالنسبة للإنسان السطحي ذات قيمة، وقد تبدو بعض الأشياء في نظره عديمة القيمة، لكنها كلها ذات قيمة. وقد كان في بلادنا ذات يوم أناس يقولون ما فائدة هذه المادة المتعفنة، ويقصدون بها النفط. وثمة أشخاص قد يستلذون بالخضار في مناطق البلاد الشمالية بينما لا يرتاحون للصحاري، ولكن لكم أن تذهبوا عند الدكتور السيد كردواني (3) وتسمعوا منه ما يقوله عن الصحاري. كل هذه الأشياء شبيهة ببعضها، وكلها نعم الله ومواهبه وكلها ملك للإنسان وليس من حق الإنسان تخريبها. ليس من حقه تخريب البساتين ولا الحدائق ولا الغابات ولا المراتع والسهوب ولا الصحاري. كل هذه الأنواع من الطبيعة تعود للإنسان وهي ملكه، وينبغي أن ينتفع منها.
ويقول تعالى في آية أخرى: «وَ استَعمَرَكم فيها» (4). الله تعالى خالق هذه الأرض وخالقكم أمركم بإعمار هذه الأرض، بمعنى تفعيل الإمكانيات الكامنة في هذه الكرة الأرضية. ثمة الكثير من الإمكانيات لا تزال مجهولة، ثم يتعرف عليها الإنسان لاحقاً، ثم يدرك أهميتها وقيمتها. هذه المهمة تقع على عواتقكم، ويجب عليكم أنتم أن تنهضوا بها. واليوم حيث نتصور أننا نستثمر كل إمكانيات الأرض، لكن واقع الأمر ليس بهذا، فقد يمكن الاستفادة من الماء والتربة والهواء والمواد الجوفية والمواد التي على الأرض أكثر مما تستثمر الآن بملايين المرات، وبطرائق لا علم لنا بها في الوقت الحاضر. على البشر أن يجدوا دوماً إمكانيات وخيارات جديدة وينتفعوا منها لصالح الحياة البشرية.
ثمة آية أخرى حول ألدّ الخصام، وهم أخبث الأعداء وأكثرهم لجاجة وتعنتاً، حيث يذكر الله تعالى لهم بعض الصفات. من هذه الصفات: «اِذا تَوَلّى‌ سَعى‌ فِي الاَرضِ لِيفسِدَ فيها ويهلِك الحَرثَ والنَّسل» (5). إنهم يهلكون الحرث والنسل ويفسدونهما. يدمرون الزراعة والخيرات والنباتات والأجيال البشرية.
لو نظرتم اليوم في سياسات العلم لوجدتم أناساً يقومون بهذا الشيء بالفعل مع كل الشعوب أو مع الكثير من الشعوب؛ إهلاك الحرث والنسل. هذا شيء يعتبره الله فساداً، ثم يقول: «وَ اللهُ لا يحِبُّ الفَساد» (6). كانت هذه عدة آيات قرآنية قرأتها، وهناك العشرات من الروايات والأحاديث في نصوصنا الدينية في الإسلام ذات مضامين راقية حول الأرض والبيئة. هذه الآيات التي قاموا هنا بتلاوتها (7) من جملة الآيات التي تشير للمنتجات على الأرض وكلها للبشرية ولكم. قضية البيئة قضية على جانب كبير من الأهمية. خلاصة أهمية هذه القضية عبارة عن مسؤولية الإنسان حيال الطبيعة، حيث يجب عليه أن يشعر بالمسؤولية تجاه الطبيعة والبيئة. كما نشعر بالمسؤولية حيال البشر والناس، ينبغي كذلك أن نشعر بالمسؤولية تجاه الطبيعة. لقد أراد الإسلام والأديان الإلهية أن تحافظ على التوازن بين الإنسان والطبيعة. هذا هو الهدف الأساس والرئيسي. عدم الحفاظ على هذا التوازن ناجم عن عوامل أهمها أنانيات الإنسان وتعطشه للتسلط والهيمنة والتعسف والغطرسة التي لدينا نحن البشر. عندما يحدث هذا - أي عندما لا يجري الحفاظ على هذا التوازن - تحصل أزمة البيئة، وعندها سوف تطال تبعات وأضرار أزمة البيئة كل البشر وجميع الأجيال.
هذه الأزمة اليوم لا تختص بنا - بالطبع إذا كان تعبير الأزمة صحيحاً، ويمكن التعبير عنها بالتحدي الكبير - هذا التحدي الكبير لا يختص بنا في الوقت الحاضر. إنه تحد قائم في الحال الراهن في كل العالم، وناجم عن عدم الشعور بالمسؤولية الذي ألمحنا إليه. لقد لاحظتم في قضية «معاهدة كيوتو» (8) أن أمريكا وقفت كحكومة متغطرسة - وقد ذكرتُ هذا المعنى قبل سنوات في صلاة الجمعة وتحدثت عن هذه القضية - (9) وتعاملت بطريقة تعسفية متجبرة مع معاهدة لا تتعلق ببلد واحد أو بلدين أو هذا الجانب من العالم أو ذاك، بل تتعلق بالعالم كله. قضية الاحتباس الحراري ليست بالشيء الذي تلحق أضراره بلداً أو فئة معينة من الناس، لا، إنما هي قضية البشرية برمّتها. غير أن المشكلة الأساسية في خصوص قضايا البيئة هي أن الآثار التخريبية لا تظهر بسرعة وبسهولة، وحينما تظهر فإن معالجة تلك الآثار والمشكلات قد تستغرق مدداً طويلة أحياناً وقد لا تكون ممكنة العلاج في بعض الأحيان. لنفترض مثلاً ذوبان الثلوج القطبية - والذي يفضي إلى ارتفاع مستوى سطح مياه البحار والكثير من المشكلات البيئية - هذا ليس شيئاً يمكن للإنسان معالجته. هذه ليست أموراً يمكن تعويضها في غضون عشرة أعوام أو عشرين عاماً أو مائة عام، إنما لها آثار باقية على الإنسانية. بمعنى أنه عندما يظهر بشر لا يشعرون بالمسؤولية ويريدون تبديل الثروات العامة في العالم إلى ثروات شخصية فسوف يستخدمون كل الإمكانيات والأدوات لتلبية جشعهم، وستكون هذه هي النتيجة. القرارات التعسفية والتجبّر الذي تنتهجه القوى البشرية وقوى المال والعسف في العالم وعلى مستوى العالم له مثل هذه النتائج والآثار.
هكذا هي القضية على المستوى العالمي، وكذلك الحال على مستوى البلاد. على مستوى البلاد أيضاً، ونحن الآن نتحدث عن قضايا بلادنا، تبرز هذه القضية على هذا النحو. بمعنى أن القضية على هذا المستوى أيضاً ليست بالشكل الذي يمكن تلافي أضرارها بسهولة. لنأخذ مثلاً تعري التربة في البلاد نتيجة حالات التهاون وسوء التصرف والجهل. تعري التربة ليس بالشيء الذي يمكن تعويضه لاحقاً بسهولة. قضية التربة أهم حتى من قضية المياه. لدينا أيضاً مشكلة مياه وهي مشكلة كبيرة ولكن ثمة سبل كثيرة لتوفير المياه، ومثل هذه السبل غير متاحة لتوفير التربة الخصبة وإعدادها. أي إن عدم العناية بأسس الحفاظ على البيئة يخلق أحياناً مثل هذه المشكلات. الأضرار التي يلحقها ليست بالأضرار التي يمكن تعويضها ومعالجتها. طيب، يمكن الوقاية ويمكن المعالجة. يمكن الوقاية من الكثير من هذه الأشياء - والعملية في معظمها من نوع الوقاية - وبعض الأشياء ممكنة العلاج ويجب علاجها.
لنفترض مثلاً تلوث الهواء. إنها من القضايا البيئية المهمة في بلادنا اليوم في المدن الكبيرة، في طهران والمدن الإيرانية الكبيرة. إنها قضية مهمة ويمكن الوقاية منها ويمكن كذلك علاجها. إذا كنا متعاطفين وعلى كلمة واحدة حقاً وكانت نوايانا واحدة وتعاضدت طاقاتنا وقوانا - كل الأطراف المعنية بهذه القضية - فسيمكن حل هذه القضية. البلد الفلاني مساحته خمس مساحة بلادنا ويعيش فيه ضعفا عدد سكان بلادنا، وقد عالج مشكلة تلوث الهواء. إذن يمكن معالجة هذه القضية. إذن، هذه العملية ممكنة، وبوسعنا نحن أيضاً معالجتها. وهناك قضية الغبار التي يمكن حلها هي الأخرى. هذه أمور ممكنة الحل، ويحتاج ذلك بالطبع إلى الصبر والطاقة والتدبير والمتابعة وما إلى ذلك. قضية البيئة ليست قضية هذه الحكومة وتلك الحكومة، بل هي قضية طويلة الأمد. وهي ليست قضية زيد وعمرو، ولا قضية هذا التيار أو ذاك، إنما هي قضية البلاد كلها، وعلى الجميع أن يتعاضدوا ويتعاونوا ويعالجوا هذه المشكلة.
هناك ثلاثة عناصر أساسية في البيئة ينبغي الاهتمام بها: الهواء والماء والتربة. ينبغي تكريس كل الهمم والطاقات على هذه العناصر الثلاثة. طبقاً للإحصائيات التي زوّدوني بها فإن سبعين بالمائة من مشكلة تلوث الهواء في طهران تتعلق بالنقل والمواصلات، وثلاثين بالمائة منها تعود للصناعة - وهذه هي الإحصائيات التي زوّدوني بها وقد تزيد أو تنقص قليلاً، وبينكم متخصصون قد تكون معلوماتهم أدق - طيب، إذن عامل التلوث معلوم، وحينما نعرف العامل نكون قد اقتربنا خطوة من حل المشكلة، وينبغي التحرك صوب القضية بكل جد. هذه الأمور ليست أموراً للإعلام والدعاية. إنها ليست من الأمور التي يجب في البداية تعليق لوحاتها ولافتاتها، بل يجب أولاً القيام بالعمل. عندما يجري القيام بالعمل فسيشعر كل الناس بالنتائج والآثار من دون لوحات ولافتات.
ويجب معالجة مشكلة أو ظاهرة الغبار التي كانت بالأمس في خوزستان، وتوجد اليوم في كرمان، وقد تظهر غداً في أية منطقة من البلاد وتكدّر حياة الناس. مشكلة الغبار لا تهدّد تنفس الناس فقط، فقد رفعوا لي تقريراً بأن غابات غرب البلاد - غابات البلوط - معرضة لأخطار الدمار بسبب ظاهرة الغبار هذه، بحيث لو حصلت هذه الظاهرة لا سمح الله فإن أضرارها ستكون أكثر بمرات من التنفس في طهران أو أي مكان آخر في الهواء الملوث بالغبار. يجب متابعة الأمر بكل جدّ وتشخيص الأسباب والعلل ومعرفتها ومعالجة الأمر على نحو جاد.
وهناك أيضاً قضية المياه واستهلاك الماء. قبل سنتين أو ثلاث سنوات أتخطر أنني تحدثت في الأول من فروردين [الحادي والعشرون من آذار بداية السنة الإيرانية] وأشرت إلى أن تسعين بالمائة من مياه البلاد تستهلك للزراعة (10). وكل الاستهلاكات الأخرى - استهلاكات الشرب والمدن والصناعة وغيرها - لا تحتل أكثر من عشرة بالمائة. إذا استطعنا عن طريق تدابير معينة الاقتصاد بمقدار عشرة بالمائة من تلك التسعين بالمائة الخاصة بالزراعة سيكون معنى ذلك أننا نوفر ضعف ما نستهلكه الآن من مياه الشرب والمدن والقرى والصناعة وغير ذلك، فهل هذا بالشيء القليل؟ هذا الشيء العظيم ألا يستحق أن يعكف كل المسؤولين على تنفيذه ويتابعوه؟ بالريّ المقطر وشبكات الري الصحيحة والجيدة يمكن الاقتصاد في استهلاك المياه. لو جمعنا المياه خلف السدود ولكن من دون أن تكون لنا شبكة ري جيدة - وهذا هو الحال في الكثير من الأحيان للأسف - نكون قد عملنا في الواقع على إهدار هذه المياه فهي سوف تتبخّر وتذهب، هذا فضلاً عن وجود مشكلات للمياه خلف السدود. هناك الكثير من الأمور والأعمال يجب القيام بها، وهي من الأمور المهمة جداً.
قضية التربة؛ وقد ذكرنا أن تعرية التربة تمثل على المدى الطويل خطراً أكبر من شحّة المياه. قبل سنين من الآن طرحت قضايا السيطرة على المياه وتوظيفها وما إلى ذلك وأنجزت بعض الأعمال، وينبغي متابعة هذه الأمور بكل جدّ بحيث لا تتوقف.
من مشكلاتنا الرئيسية في البلاد - وأقول هذا لكم أيها الإخوة والأخوات الأعزاء عن تجربة - عدم متابعة الأمور. نبدأ العمل بصورة جيدة بيد أن المتابعة اللازمة غير متوفرة دائماً. المتابعة موجودة في بعض الأحيان، ومتى ما تابعنا الأمور وصلنا إلى نتائج جيدة، وفي الكثير من الأحيان توقفت الأعمال وهي في منتصف الطريق بسبب عدم المتابعة. هذه من المشكلات الأساسية. لكل واحد منكم واجباته الإدارية في قطاعات مختلفة، وعلى مدراء البلاد أن يتنبهوا لهذه القضية، وهي الأهمية البالغة لمتابعة الأمور والأعمال.
من القضايا الأخرى قضية الغابات والمراتع. غاباتنا ومراتعنا هذه رئات لتنفس المدن وبيئات الحياة وهي أيضاً حرس التربة، فهي التي تحفظ التربة التي تحدثنا عن أهميتها ما تحدثنا. يجب المحافظة على هذه الغابات. للأسف، في الكثير من مناطق البلاد تتعرّض هذه الغابات الكثيفة في شمال البلاد للنهب والتطاول، وفي أحيان أخرى تنسى في مطاوي الإهمال والنسيان. وأريد أن أؤكد هنا بأن لا تسمحوا بالتطاول على هذه الغابات، القطاعات المختلفة التي تتولى مسؤوليات في هذا المجال، ابتداء من منظمة المصادر الطبيعية إلى منظمة البيئة وحتى الأجهزة والمؤسسات الأخرى ذات الصلة بهذه الأمور يجب أن لا تسمح بتخريب غاباتنا وتدميرها بذرائع شتى من قبيل إنشاء حديقة ألعاب واستقطاب السياح والفندقة وما إلى ذلك وصولاً إلى إنشاء مدارس وحوزات علمية، وكل هذه ذرائع طرحت وتطرح لتخريب الغابات. لا تسمحوا بالتطاول على الغابات، وقد جرى التطاول عليها لحد الآن. امنعوا ذلك بكل قوة واقتدار.
وقضية أخرى هي نهب الأراضي والاستيلاء عليها بالباطل. طبعاً ظاهرة نهب الأراضي ليست بالظاهرة الجديدة، بل هي قديمة، وكنا نسمع مراراً منذ أن كنا أحداثاً وشباباً عبارة «ناهبي الأراضي»! طيب، كان المتوقع في النظام الإسلامي ونظام الجمهورية الإسلامية أن تتوقف هذه الظاهرة، ولا نسمح لأحد بالتطاول على الأراضي المتنوعة في ضواحي المدن والمناطق الجيدة وتبديل الثروات العامة إلى ثروات شخصية. هذا المتنزه العظيم الذي يقع في المنطقة الفلانية من المدينة على سبيل المثال هو ثروة عامة، وأن يأتي البعض بشطارتهم وبتزييف القوانين، وفي بعض الأحيان بشراء ذمم شخص أو شخصين من ذوي المعدن الردئ في الجهاز الفلاني، ويبدلوا هذه الثروة العامة إلى ثروة شخصية لهم، فهذا شيء مؤلم جداً!
وقضية نهب الأراضي راحت تتحول شيئاً فشيئاً إلى نهب الجبال! إنني في بعض الأحيان حينما أذهب إلى مرتفعات شمال طهران وأنظر، يشعر المرء بالأسف حقاً. وقد ذكرتُ هذا مراراً في لقاءاتي بالمسؤولين عن المدن والمسؤولين الحكوميين. وقد بذلوا مساعيهم، ولكن يجب التصدي والتعامل بحزم. على المسؤولين أن يبدوا عن أنفسهم حزماً في مقابل حالات الاستغلال هذه، يجب أن يبدوا عن أنفسهم غيرة وحمية ولياقة، ولا تسمحوا لفلان وفلان من الاستغلاليين بأن يمارسوا استغلالهم بأساليب معروفة. حينما ينظر المرء من فوق يفهم ويرى ما الذي يفعلونه. في البداية يحصلون على ترخيص لإنشاء تأسيسات معينة في نهاية أرض ما، وعندما تصبح نهاية الأرض لهم سيكون كل سطح الأرض ممكن النقل والبيع والشراء بشكل طبيعي؛ يفعلون أشياء من هذا القبيل. شمال طهران وغرب طهران هما في الحقيقة المجاري التنفسية لمدينة طهران. يستولون على مرتفعات شمال طهران بشكل، وعلى الأراضي في غرب طهران بشكل. في مشهد - مدينتنا - ذهبتُ وشاهدتُ في مرتفعات جنوب المدينة وهي في الحقيقة قطب تنفس المدينة، وجدت أن البعض يبنون بيوتاً وفنادق وبنايات من عدة طوابق في تلك المرتفعات، هذه أمور سيئة وخاطئة، فعليكم أن تعتبروها جرائم ومخالفات. من الأعمال الأساسية التي يجب القيام بها هو أن تعتبر هذه الأعمال جرائم بحسب القانون. يجب أن تعتبر هذه الممارسات جريمة في القانون وينبغي ملاحقة الذين يقومون بهذه الأعمال قضائياً. لا يكفي مجرد أن يذهبوا ويشيدوا قعلة (11)، وحتى هذا يقصرون ولا يفعلونه في بعض الأحيان للأسف.
يجب عدم السماح بالتطاول على مصادر مياه الشرب في طهران، وعلى مصادر الهواء والتنفس في طهران، وعلى مصادر الحياة في طهران - عاصمة البلاد ومركز الدولة الإسلامية - من قبل جماعة من الناس. يجب أن تتصدوا لهؤلاء. إذا كان هناك في داخل الأجهزة المسؤولة لا سمح الله أشخاص يقصرون فتعاملوا معهم بشدة أكبر. هذه من الأعمال اللازمة والضرورية. منظمات المصادر الطبيعية والبلدية والبيئة والمنظمات المشرفة يجب عليها كلها أن تواجه هذا الوضع المؤسف. الحفاظ على البيئة ورعايتها هو بالتالي واجب سيادي، وللناس دورهم أيضاً بطبيعة الحال؛ بوسع الناس أن يمارسوا دوراً جيداً ويتعاونوا، وشرط ذلك أن تتابع الأجهزة الحكومية والسيادية الأمر بشكل جاد. إذا أبدوا جداً فإن الناس سيهبون لمساعدتهم.
إذن، أولاً إعداد ميثاق وطني لقضايا البيئة، ومن ثم تعاون الأجهزة، وقد أشرتُ في البداية إلى أن كل الأجهزة والمؤسسات يجب أن تتعاون في ما بينها بجد، وبعد ذلك ملحق بيئي لكل المشاريع التنموية والعمرانية. كل الخطط العمرانية المدينية والصحراوية والصناعية وسائر المشاريع لا بدّ أن يكون لها ملحق بيئي. إذا أرادوا مدّ طريق يجب أن تتضح آثار هذا الطريق على البيئة، وإذا أرادوا إنشاء مصنع ينبغي أيضاً أن يكون واضحاً ما هي تأثيرات هذا المصنع على البيئة، وبعض الأمور التجارية وبعض حالات النقل والتغييرات والأعمال التجارية، هذه يجب أن يكون لها ملاحق بيئية.
تجريم عمليات تخريب البيئة؛ على الجهاز القضائي والأجهزة المسؤولة وقبل ذلك قوانين مجلس الشورى الإسلامي أن تشدد على هذا الجانب. طبعاً لدينا قوانين والقوانين الآن جيدة، ولكن لا بد من إعادة النظر وتجريم عمليات تخريب البيئة. يجب ملاحقة هذه العمليات باعتبارها جرائم. ينبغي تمحيص القوانين الموجودة وإعادة النظر فيها وتعزيز عمليات الإشراف بدون تسامح أو تغاضي - يجب ممارسة الإشراف وينبغي عدم التهاون والتسامح أبداً في هذا الإشراف وعلى رؤساء الأجهزة والمؤسسات ممارسة الإشراف شخصياً - وربما كان الأهم من كل ذلك صناعة الثقافة؛ صناعة الثقافة؛ ينبغي أن يعلم الناس مدى أهمية الحفاظ على البيئة. يجب البدء بعمليات صناعة الثقافة منذ المرحلة الإبتدائية في المدارس وفي الكتب الدراسية. يجب أن يدرك أطفالنا أهمية المراتع والغابات والهواء والماء والتربة والبحر وما إلى ذلك منذ مرحلة الطفولة ويكونوا حساسين تجاه هذه الأمور. الحفاظ على حرمة البيئة يجب أن يصبح جزءاً من الثقافة العامة. وبالطبع ينبغي عدم الغفلة عن دور مؤسسة الإذاعة والتلفزيون. يتحتم أن تمارس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون دورها، ولكن بوسع الناس أيضاً أن يعملوا في هذا الإطار.
لقد شاهدتُ بنفسي حالة من الحالات في إحدى مصايف مشهد - جاغرق - وقد كانت لأحد أصدقائنا ولا تزال أرض صغيرة. وكان هناك قليل من الماء المنحدر بمقدار - مثلاً - نصف ما ينزل من أبريق شاي. جمّعوا هذا الماء ووجّهوه وحفظوه وتكونت عدة أحواض من هذا الماء في تلك الأرض فتمّ إحياء الأرض؛ تم إحياء الأرض من ذلك الماء القليل الذي كان يمكن أن يذهب هدراً من دون أن يفهم أحد أو يرى.
و يروي أحد أصدقائنا في يزد فيقول - ويزد كما هو معروف من مناطق البلاد الشحيحة المياه - إن شخصاً دعانا إلى حديقة أو بستان - كان له مكان فيه أشجار وزرع وكل شيء - وقال صاحب البستان هل تريدون أن تشاهدوا مصدر الماء هنا؟ فقلنا نعم. يقول أخذنا صاحب البستان إلى مسافة بعيدة - ربما عدة كيلومترات، ولا أتذكر التفاصيل الآن بدقة - وذهبنا معه وشاهدنا أن هناك ماء بمقدار ما ينزل من أبريق؛ أي إنه كان ماء قليلاً جداً، لكن ذلك الرجل أبدى همّة وحافظ على هذا الماء ووجهه وجاء به وانتفع منه انتفاعاً مثالياً. بمعنى أن مياه البلاد يمكن أن تستخدم في بيئات الحياة استخداماً أمثل. زراعة الأشجار من جملة الأعمال الجيدة. طبعاً سمعتُ أنهم يغرسون الأشجار لكنهم لا يرعونها بعد ذلك كما ينبغي. لقد شاع غرس الأشجار، ولكن بعد أن غرستم الأشجار يجب الحفاظ على هذه الأشجار، إما أن يرعوا هم الأشجار أو تفعل ذلك مؤسسات البلدية. على كل حال ينبغي لهذه العملية أن تحصل.
هناك أماكن في أطراف طهران - وأقولها هنا الآن - في شرق طهران متنزه كبير ومنطقة واسعة جداً بين شارع بابائي إلى مرتفعات قوچك، هناك أرض تابعة للجيش. وأنا أتمشى في بعض الأحيان صباحاً في تلك الطرقات، نذهب من هناك في بعض الأيام نحو المرتفعات ونتمشى، وكلما ذهبت إلى هناك يرتجف قلبي لأنني أعلم أن عشرات الأعين تطمع في تلك الأراضي. وقد بدأوا بعض الأعمال والنشاطات لكننا منعناها، وعنفنا، وتشاجرنا، وأعلم أنهم أقلعوا عن ذلك موقتاً، لكنهم ينتظرون غفلة، أو أن لا أكون موجوداً، أو تحصل غفلة ليذهبوا إلى هناك ويستولوا على الأراضي؛ إن الإنسان ليرتعد قلبه حقاً. متنزه كبير ربما بلغت مساحته مئات الهكتارات - لا أدري كم هي مساحته - وهو راجع في الأساس كما يبدو للجيش لكن الجيش الآن لا يستفيد منه، وصار موضع خلاف بين الجيش ووزارة المعلومات. أعتقد أن ذلك المكان هو ملك للناس، ويجب تحويله إلى متنزه عام للناس. وقد كرّرت هذا مراراً على مختلف المسؤولين وقلتُ إن على البلدية أن تذهب إلى هناك وتتولى الأمر والمكان، وتضعه تحت تصرف الناس. مكان واسع جداً وجيد وطيب الأجواء والهواء في شرق طهران وملئ بالأشجار. وقد شاهدتُ هناك ذات مرة مجموعة من الغزلان أو الوعول من بعيد. إنه مكان من هذا القبيل. ليوضع هذا المكان تحت تصرف الناس ويفتح أمامهم لينتفعوا منه كمتنزه عام. إذا جرى التقصير فسيتحوّل ذلك المكان أيضاً إلى ما آلت إليه بعض الأماكن الأخرى التي جرى التقصير في شأنها للأسف، وشاهدنا أن البنايات ارتفعت فيها وصار لها أدعياء وأصحاب. وبعض المؤسسات والأجهزة أعطت للأسف وعن غفلة - وليست عن عمد وسوء نية - بعض الأراضي لموظفيها وباعها الموظفون لآخرين، هذه الممارسات وحالات عدم الانضباط التي تحدث للأسف بخصوص الأراضي وهذه المناطق التنفسية للمدن الكبيرة وما إلى ذلك وقعت في السابق أيضاً.
على كل حال القضية على جانب كبير من الأهمية، والعمل عمل مهم. وقد تحدثنا في هذا الخصوص دوماً في كل سنة. وقد قلتُ هذا الآن ليطلع الناس ويحكموا ويمنحوا على هذا الأساس علامات ودرجات للأجهزة والمؤسسات والمنظمات المعنية. لتكن معايير التقييم متوفرة للناس فيمنحوا المنظمات والأجهزة علامات، ويصدروا أحكامهم عليها، ويقيموها أيها استطاع النهوض بهذه الخطوات في خصوص صيانة البيئة وحقق هذه النجاحات، وأيها لم يستطع. نتمنى أن يجعلكم الله جميعاً من الذين تستطيعون العمل في هذا المضمار.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الهوامش:
1 - سورة الرحمن، الآية 10 .
2 - سورة البقرة، شطر من الآية 29 .
3 - الدكتور پرويز كردواني.
4 - سورة هود، شطر من الآية 61 .
5 - سورة البقرة، شطر من الآية 105 .
6 - م س.
7 - سورة النحل، الآيات 9 - 13 .
8 - معاهدة دولية بين البلدان الصناعية بهدف خفض الاحتباس الحراري، وهو السبب الرئيس في ازدياد درجة حرارة الكرة الأرضية.
9 - خطبتا صلاة الجمعة بطهران في تاريخ 05/04/2002 م.
10 - من أمثلة ذلك كلمته في حشود زوار المرقد الرضوي الشريف وسكان مدينة مشهد المقدسة بتاريخ 21/03/2011 م.
11 - المراد بها مخافر الشرطة.