موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي

خطبة صلاة عيد الفطر بإمامة قائد الثورة الإسلامية المعظم سماحة آیة الله الخامنئي (دام ظله الشريف) في الأول من شوّال 1436 هجریة (18/07/2015م).

       
الخطبة الأولى:

بسم الله الرحمن الرحيم‌
السلام عليكم و رحمة الله؛ الحمد لله ربّ العالمين، الحمد لله الذي خلق السماوات و الأرض و جعل الظلمات و النور ثمّ الذين کفروا بربّهم يعدلون. نحمده و نسبّحه و نتوب إليه و نصلّي و نسلّم علی حبيبه و نجيبه و خيرته في خلقه سيّدنا و نبيّنا أبي القاسم المصطفی محمد و علی آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديّين المعصومين لا سيّما بقيّة الله في الأرضين.
أبارك حلول هذا العيد السعيد لكم جميعاً أيها الإخوة و الأخوات و للشعب الإيراني العزيز و لجميع المسلمين في أنحاء العالم. و أوصيكم أيها المصلون و نفسي برعاية التقوى الإلهية و الورع و مراقبة النفس و الابتعاد عن الذنب.
لقد كان شهر رمضان في هذا العام، شهراً مباركاً بالمعنى الحقيقي للكلمة؛ حيث هطلت البركات الإلهية على هذا الشعب، و ظهرت علاماتها في صيام أيام الصيف الطويلة و الحارة، و في جلسات القرآن المنتشرة في جميع أرجاء البلد، و في مجالس الدعاء و التوسل العظيمة - حيث كان آلاف الناس شيباً و شباناً و رجالاً و نساءً يرفعون يد التضرّع و الدعاء، و يبتهلون إلى الله بإخلاص و خشوع -، و في حالات الإنفاق، و في موائد الإفطار العامة الواسعة الانتشار و التي شاعت و لحسن الحظ في السنوات الأخيرة في المساجد و الشوارع و الأزقة، و أخيراً في مظاهرات يوم القدس العظيمة. هذه هي علامات الرحمة الإلهية؛ الجماهير الصائمة التي أحيت الليلة التي تسبقها و هي ليلة الثالث و العشرون من شهر رمضان المبارك و ليلة القدر حتى الصباح، شاركت في هذه المظاهرات الحاشدة تحت لهيب الشمس الحارقة و في حال الصيام؛ هذا هو السبيل الصحيح لمعرفة شعب إيران، و هذا هو الشعب الإيراني.
هذا هو الشعب الإيراني الذي ظهر و تجلى في شهر رمضان و في محراب العبادة بتلك الصورة، و في ساحة مواجهة الاستكبار بهذه الصورة. فلا ينبغي معرفة أبناء شعبنا من خلال الألسن المغرضة للأجانب، و إنما يجب التعرف إليهم من خلالهم أنفسهم و من خلال شعاراتهم و حركتهم و من خلال هذه المشاهد العظيمة. هذا هو الشعب الإيراني. و ما يحاول العدوّ إظهاره عن هذا الشعب عبر الإعلام المضلّل و يردّده بعض منحرفي الفهم و للأسف، ليس سوى تحريف للحقائق و خطأ فادح. إن الشعب الإيراني هو ذلك الشعب الذي ظهر بأبعاده و جوانبه المختلفة في هذا الشهر الفضيل.
وسوف تتسلّمون في هذا اليوم جميعاً شهادة النجاح إن شاء الله، و سوف يتسلّم الشعب الإيراني بمناسبة العيد شهادة قبول عباداته من المنبع الفياض للرحمة الإلهية إن شاء الله، و سيحصل البعض منكم إن شاء الله بالإضافة إلى شهادة النجاح على درجة تفوق و مكافأة تميّز على الدرجات الرفيعة، و على التكامل الروحي و المعنوي أيضاً.
لقد دلّت شعارات الشعب الإيراني على توجّهات هذا الشعب و آرائه، حيث هزّ شعار الموت لإسرائيل و الموت لأمريكا أرجاء البلاد، و لم يقتصر الأمر على طهران و المدن الكبرى، بل سارت كل أنحاء البلاد تحت مظلة هذه الحركة العظيمة.
اللهم، تقبّل من الشعب الإيراني بلطفك و رحمتك. اللهم، أنزل توفيقاتك و رحماتك و ألطافك التي لا تنتهي على هذا الشعب.
اللهم، تغمّد شهداءنا الأبرار، و إمامنا العظيم، و كل من أعان هذا الشعب و ساعده في هذا السبيل برحمتك و مغفرتك.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿وَالعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسانَ لَفي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذينَ ءامَنوا و عَمِلُوا الصّالِحاتِ و تَواصَوا بِالحَقِّ و تَواصَوا بِالصَّبر﴾1

 
الخطبة الثانية:
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ربّ العالمين، و الصلاة و السلام علی سيّدنا و نبيّنا أبي القاسم المصطفی محمّد، و صلِّ علی أئمّة المسلمين و حماة المستضعفين؛ أمير المؤمنين، و سيّدة نساء العالمين، و الحسن و الحسين سبطي الرّحمة و إمامي الهدی، و عليّ بن الحسين زين العابدين، و محمد بن عليٍّ، و جعفر بن محمدٍ، و موسی بن جعفرٍ، و عليّ بن موسی، و محمد بن عليٍّ، و عليّ بن محمدٍ، و الحسن بن عليٍّ، و الخلف الهادي المهديّ، حججك علی عبادك و أمنائك في بلادك.
أول الكلام في الخطبة الثانية هو تقديم السلام و التحية و التبريك لجميع المصلين من الإخوة و الأخوات إلى جانب الوصية بالتقوى.
إن الأحداث التي جرت في منطقتنا في شهر رمضان هذا و قبله، كانت و قائع أليمة و لا تزال مستمرة. ممّا يؤسف له أن هناك أياديَ غير مباركة قد جرّعت الكثير من شعوب المنطقة طعم المرارة و العذاب في هذا الشهر المبارك. إن الكثير من الشعوب المسلمة و المؤمنة في اليمن و البحرين و فلسطين و سورية بات يقضي أياماً مريرة و عصيبة بسبب أعمال الأعداء الإجرامية، و كل هذه القضايا تهمّ أبناء شعبنا.
هناك قضية داخلية أيضًا و هي قضية المفاوضات النووية. و أرى من الواجب أن أطرح عليكم عدة نقاط في هذا المجال:
النقطة الأولى هي تقديم الشكر للقائمين على هذه المفاوضات الطويلة و المضنية، رئيس الجمهورية المحترم، و أخصّ بالذكر الفريق المفاوض الذي بذل جهودًا و مساعيَ كبيرة حقاً، و سينال الأجر و الثواب سواء تمت المصادقة على النص المعدّ في السياق القانوني المحدد له أم لا، و هذا ما ذكرناه للإخوة أنفسهم عن قرب. علماً بأنّ هناك مسارًا قانونيًّا مقرّرًا لا بد من اجتيازه للمصادقة على هذا النص، و سيتم اجتيازه إن شاء الله. و الذي نتوقعه هو أن يتوخى المسؤولون المعنيون الدقة في تأمين مصالح البلاد و المصالح الوطنية، و أن يتمكّنوا من تقديم ما سيضعونه بين يدي الشعب أمام الله عزّ و جل بهامات منتصبة و رؤوسٍ مرفوعة.
والنقطة التالية هي أنه سواء تم التصويت على هذا النص و إقراره أم لا، فإنه و بحول الله و قوته، لن يُسمح لأحد، بأية حالة من حالات الاستغلال، بالمساس بأصول الثورة الأساسية، و بفضل الله سوف تُصان القدرات الدفاعية و السيادة الأمنية للبلاد، رغم علمنا بأن الأعداء يركّزون على هذه النقطة كثيراً. لكن الجمهورية الإسلامية، في مجال صيانة قدراتها الدفاعية و الأمنية، و في ظل أجواء التهديد التي أثارها الأعداء، لن تستسلم أمام أطماع العدو على الإطلاق.
النقطة التالية هي أنه سواء تم التوقيع على هذا النص و إقراره أم لا، فإننا لن نتخلى عن دعم أصدقائنا في المنطقة، و سنواصل دعمنا المستمر للشعب الفلسطيني المظلوم، و الشعب اليمني المظلوم، و الشعب و الحكومة السورية، و الشعب و الحكومة العراقية، و الشعب البحريني المظلوم، و المجاهدين المقاومين الصادقين في لبنان و فلسطين؛ هؤلاء سيبقون دومًا مورد حمايتنا و دفاعنا عنهم.
النقطة التالية هي أنه، و مع هذه المفاوضات و النص الذي تم إعداده، فإن سياستنا تجاه الإدارة الأمريكية المستكبرة لن تتغير مطلقاً. و لطالما ذكرنا و كررنا أننا لا نتفاوض مع أمريكا في القضايا العالمية و الإقليمية المختلفة، و لا نتفاوض معها في القضايا الثنائية، و إنما تفاوضنا معها في حالات استثنائية و لاقتضاء المصلحة كما في الملف النووي، و لا يختص الأمر في هذا المجال، و إنما كانت في السابق مجالات أخرى أشرتُ إليها في الكلمات السابقة العامة.
إن سياسات أمريكا في المنطقة تتعارض مع سياسات الجمهورية الإسلامية مائة و ثمانون درجة؛ الأمريكيون يتهمون حزب الله و المقاومة اللبنانية – أبناء هذه المقاومة هم أكثر القوى الوطنية تضحية و فداءً في أي بلد من البلدان - بالإرهاب، فهل يوجد أكثر من هذا الافتراء و عدم الإنصاف؟ و في المقابل تجدهم يدعمون الحكومة الإرهابية الصهيونية القاتلة للأطفال، فكيف يمكن التعامل و التفاوض و الاتفاق مع مثل هذه السياسة؟ و هناك بالطبع أمور أخرى أحيل التفصيل فيها إلى مجال آخر.
النقطة التالية حول تبجّحات أمريكا و تهديداتها خلال الأيام الأخيرة. فإنّ "حضرات" المسؤولين الأمريكيين - رجال السياسة و نساء السياسة عندهم – كرّروا التهديد و الوعيد و إطلاق الاستعراضات في هذه الأيام القلائل التي مرّت بعد انتهاء المفاوضات، كلٌّ بلغته الخاصة. إنّنا لا نستغرب عملهم هذا، فإنّ المشاكل الداخلية التي يعانون منها هي التي أجبرتهم على اللجوء إلى التبجح و التهديد، و زعمهم "بأنّنا نحن من فرض على إيران الجلوس على طاولة الحوار، و أرغمها على الاستسلام، و حال دون تصنيعها للسلاح النووي، و أجبرها على الرضوخ لبعض التنازلات و أمثال ذلك!" إلا أنّ الحقيقة هي شيء آخر.
يقولون إننا منعنا إيران من إنتاج الأسلحة النووية، غير أن السلاح النووي الإيراني لا علاقة له بالحوار مع أمريكا و غير أمريكا، و هذا ما هم يعلمونه بأنفسهم، و أحياناً يردّدون على ألسنتهم أهمية فتوى حرمة السلاح الذري. فإننا نحرّم إنتاج الأسلحة الذرية و صيانتها و استخدامها و نتجنّب المبادرة إلى ذلك بالاستناد إلى حكم القرآن و الشريعة الإسلامية، و هذا لا يمتّ لهم و للمفاوضات بأي صلة. و هم يعلمون هذه الحقيقة، و يعرفون أن الذي يحول دون تصنيع الجمهورية الإسلامية للسلاح النووي، ليس تهديدهم و إرعابهم، و إنما هو الرادع الشرعي، و يدركون أهمية هذه الفتوى، و لكنهم رغم ذلك يكررون أننا نحن من منعهم من ذلك. فإنهم لا يتكلمون مع أبناء شعبهم بصدق و لا يكشفون لهم الحقيقة، و يتبجحون في شتى القضايا بأننا نحن من فعل في الصناعة النووية هذه الأمور، و فرض الاستسلام على إيران، و لكنهم لن يروا استسلام إيران إلا في أضغاث الأحلام! إنّ خمسة رؤساء سابقين لأمريكا منذ انتصار الثورة و حتى يومنا هذا، إما أنهم لاقوا حتفهم و هم يتمنّون استسلام الجمهورية الإسلامية أو ضاعوا و نسيهم التاريخ، و أنتم أيضاً كنظرائكم السابقين لن تحققوا هذا الحلم و هو فرض الاستسلام على إيران الإسلامية أبداً.
والنقطة الأخرى التي تخللت تصريحات الرئيس الأمريكي خلال الأيام الماضية هي الاعتراف بأخطاء أمريكا السابقة، علماً بأنه لم يذكر إلا قطرة في بحر، حيث اعترف بخطأ الأمريكيين في انقلاب الثامن و العشرين من مرداد [19/8/1953]، و بخطئهم في دعم صدام، و أشار إلى ذلك في موردين أو ثلاثة، و أعرض عن ذكر عشرات الموارد الأخرى، إذ لم يذكر الحكومة البهلوية الثانية الظالمة و الجائرة التي طال حكمها خمسة و عشرین عاماً، و لم يذكر حالات التعذيب و النهب و القتل و المجازر و الجرائم و القضاء على كرامة الشعب الإيراني و سحق مصالحه الداخلية و الخارجية بواسطة أمريكا، و لم يذكر هيمنة الصهاينة، و لم يذكر قتل المسافرين من خلال إسقاط طائرة الركاب الإيرانية عبر إطلاق صاروخ من البحر، و الكثير من القضايا الأخرى، و لكنه بات يكرر بعض الأخطاء. و هنا أودّ أن أقدّم نصيحة لهؤلاء السادة و أقول لهم: "أخذتم اليوم تعترفون بالخطأ بعد مضيّ أعوام طوال من حادثة الثامن و العشرين من مرداد أو حرب الثمانية أعوام و دفاع الجمهورية الإسلامية"، و أقول لكم "إنكم ترتكبون الأخطاء في الوقت الراهن أيضاً تجاه مختلف بلدان المنطقة و بالخصوص تجاه الجمهورية الإسلامية و الشعب الإيراني. و سيأتي بعد أعوام من سيعترف بأخطائكم هذه و يقرّ بها، كما تعترفون اليوم بأخطاء أسلافكم. أنتم ترتكبون الأخطاء، استيقظوا من غفلتكم و كفّوا عن ارتكاب الأخطاء و افهموا الحقيقة"! إذ إنهم اليوم يرتكبون في المنطقة أخطاءً فادحة.
وأودّ أن أقول للشعب الإيراني إنّ الجمهورية الإسلامية بتوفيق الله و حوله و قوته مقتدرة قوية، و قد ازدادت قوة و اقتداراً يوماً بعد آخر. فإنه منذ عشرة أو اثني عشر عاماً و الدول الست العالمية الكبرى - و التي تعتبر من بلدان العالم المقتدرة من حيث الثروة الاقتصادية و غيرها – تجلس في مقابل إيران، و بغيتها الحؤول دون أن تتابع إيران صناعتها النووية. و هذا أمرٌ قالوه بصراحة، حيث ذكروا لمسؤولينا قبل عدة سنوات بكل صراحة أن هدفهم الأساس هو تفكيك الصناعة النووية و حلّها بالكامل، و هذه هي أمنيتهم في الوقت الحاضر أيضاً. و حصيلة النزاع الذي دار مع الجمهورية الإسلامية منذ نحو اثني عشر عاماً هي أن القوى الست أُرغمت اليوم على تحمل عمل عدة آلاف من أجهزة الطرد المركزي في البلد، و أُرغمت على تحمل مواصلة هذه الصناعة في البلد، و أُجبرت على تحمّل متابعة البحث العلمي و التنمية لهذه الصناعة. فإنّ البحث و التنمية في هذا القطاع، و الصناعة النووية ستواصل عملها، و هو أمرٌ بذلوا الجهود منذ أعوام للحيلولة دونه، و ها هم اليوم دوّنوا موافقتهم على ذلك على الورق و يريدون التوقيع عليه. و هل لهذا من معنى سوى اقتدار الشعب الإيراني و قوته؟ هذه هي نتائج صمود الشعب و استقامته و بسالة علمائنا الأعزاء و إبداعهم. فرحمة الله على أمثال شهرياري و رضائي نجاد و أحمدي روشن و علي محمدي، و رحمة الله على الشهداء النوويين، و رحمة الله على عوائلهم، و رحمة الله على الشعب الذي ثبت على كلمته الحقة و على إحقاق حقه.
النقطة الأخرى و الأخيرة هي قول ذلك الرجل (الرئيس الأمريكي) إنّه قادر على إبادة الجيش الإيراني و القضاء عليه. قدماؤنا يُطلقون على مثل هذه التصريحات مصطلح "تبجح المسافر في الغربة!"2 (حيث يكذب المسافر و يتفاخر ببطولات و همية أمام من لا يعرفه). أنا لا أريد أن أتكلم في هذا الموضوع، و لكن لو أراد أولئك الذين سوف يسمعون هذا القول أن يفهموا القضية و يستفيدوا من تجاربهم بشكل صحيح فليعلموا - و نحن بالطبع لا نرحّب بأي حرب و لا نبدأ و لا نبادر إلى أيّ حرب - لكن إذا اشتعلت نيران الحرب، فإن الذي سيخرج منها منكسراً و مهزوماً هو أمريكا المعتدية و المجرمة !.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ و الفَتْحُ * و رَأَيْتَ النّاسَ يَدخُلونَ في دِينِ اللهِ أَفْواجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ و اسْتَغفِرهُ إِنَّهُ کانَ تَوّابً﴾3
 و السلام عليكم و رحمة الله و برکاته.

الهوامش:
1-  سورة العصر، الآیة 1 إلی 3.
2- ضحكات المصلين.
3-  سورة النصر، الآیة 1 إلی الآیة 3.