موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي

كلمة قائد الثورة الإسلامية المعظم خلال لقائه جمع غفير من مختلف شرائح الشعب.


2015/09/09
بسم الله الرحمن الرحیم
والحمد لله ربّ العالمین، والصلاة والسلام علی سیّدنا أبي القاسم المصطفی محمّد، وعلی آله الأطیبین الأطهرین المنتجبین، سیّما بقیّة الله في الأرضین.
أرحب بكم جميعاً أيها الإخوة والأخوات الأعزاء الذين تجشمتم عناء السفر من مدنٍ مختلفة وبذلتم مجهودكم وتفضلتم بالمجيء إلى هنا ونشرتم البركة في أرجاء حسينيتنا بحضوركم وأحاسيسكم. وأخص بالذكر الإخوة والأخوات الذين قدموا من مدنٍ نائية، راجياً الله أن يسبغ رحمته وفضله عليكم أيها الإخوة والأخوات فرداً فرداً.
لقد صادف اقتران هذه الأيام بأيام شهر ذي القعدة المباركة، وأيام شهر شهريور [23 أغسطس إلى 22 سبتمبر] الطافحة بالذكريات. فإن بركات شهر ذي القعدة بركات جمة، وذكريات شهر شهروير زاخرة بالمغزى والمضمون.
شهر ذي القعدة هو أول الأشهر الحُرُم، واليوم الحادي عشر من هذا الشهر ذكرى الولادة العطرة للإمام ثامن الحجج (عليه آلاف التحية والثناء) وعشرة الكرامة، واليوم الثالث والعشرون منه هو يوم زيارة الإمام الرضا (عليه الصلاة والسلام) الخاصة، واليوم الخامس والعشرون منه يوم دحو الأرض وهو يوم مبارك، وليلة النصف من ذي القعدة تعتبر من الليالي المباركة خلال السنة وفيها أعمال، وأيام الأحد من ذي القعدة أمام توبة وإنابة، وقد ورد فيها عملٌ نقله المرحوم العارف الكبير الحاج الميرزا جواد الملكي التبريزي في كتاب المراقبات عن النبي الأكرم (ص) حيث قال لأصحابه: «من كان منكم يريد التوبة؟» [قال الراوي]: قلنا كلنا نريد التوبة. - وعلى ما يبدو لي أنه ورد في شهر ذي القعدة - فوصف لهم النبي بحسب هذا النقل وهذا الحديث صلاة خاصة - منقولة في كتاب المراقبات - وطلب منهم أداءها. والحاصل أن أيام هذا الشهر الذي هو أول الأشهر الحرم، وكذلك أيام سائر الأشهر الحرم أيام مباركة ومفعمة بالخير والبركة، ويجب علينا استثمارها.
وشهر شهريور بدوره من الأشهر الحافلة بالذكريات. ففي السابع عشر من شهريور عام 1357 [1978/09/08]، وفي ساحة الشهداء بطهران، أطلق أزلام النظام الطاغوتي النار على الناس العزّل، وقتلوا منهم الكثير - وما زلنا لا نعلم عدد القتلى بدقة، إلا أنه عدد كبير -. وفي هذا الشهر تم اغتيال رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، المرحوم الشهيد رجائي والمرحوم الشهيد باهنر بصورة بشعة. وفي هذا الشهر نُفّذت عملية اغتيال آية الله الشهيد قدوسي، المدعي العام للثورة. وفي هذا الشهر استُشهد إمام جمعة تبريز ]آية الله الشهيد مدني[. وفي اليوم الأخير من هذا الشهر شنّ النظام البعثي الصدامي هجومه العسكري على البلد. هذه ذكريات مذهلة عميقة المعاني. والإدارة الأمريكية قد وقفت وراء كل هذه الأحداث، فإن الأيادي الأمريكية هي التي دعمت بشكل مباشر، أو حرضّت، أو أطبقت على أقل تقدير عينيها على هذه الجرائم.
ولا ينبغي لشبابنا نسيان هذه الذكريات، فإن واحدة من الهواجس التي تراودني هي أن تقلع هذه الأحداث الهامة وهذه الدروس والعبر الكبيرة في الفترة المعاصرة تدريجياً عن ذاكرة هذا الجيل الصاعد الواعي البصير المندفع المتأهب المتواجد في الساحة والثوري ولله الحمد، وهذا بالطبع ينبئ عن قصورنا وقصور الأجهزة المسؤولة، فلا ينبغي أن تبلى هذه الأحداث، وأن تضعف ذاكرة الشعب التاريخية. فلو جهل شبابنا في جميع أرجاء البلاد هذه الأحداث، ولم يعمدوا إلى تحليلها، وتحرّي جذورها، سيُخطئون في معرفة بلدهم والتطلع إلى المستقبل. وعلى الشباب أن يدركوا هذه الوقائع بشكل صحيح، ويعلموا ماذا حدث؟ وما الذي جرى؟ ومن الذي قام بهذه الممارسات؟ هذا ما يجب على الشباب معرفته.
ثمة مجزرة أخرى كمجزرة السابع عشر من شهريور، حدثت في الثامن من شهر بهمن [28 کانون الثاني/ینایر] لم تُسلَّط الأضواء عليها، حيث تعرض الناس لهجوم أزلام النظام. يقول الجنرال الأمريكي ]روبرت هايزر[ الذي دخل طهران في الأيام الأخيرة من عمر النظام البائد لإنقاذه، في مذكراته - بحسب ما نقل -: جمعتُ قادة الشاه العسكريين وقلت لهم وجّهوا سبطانات البنادق إلى الأسفل، وهذا يعني أن الذين يحملون السلاح في النظام الشاهنشاهي لمواجهة الناس، كانوا في كثير من الأوقات يطلقون النار في الهواء لإرعابهم، وإذا بهذا الرجل يوصي القادة العسكريين أن يوجهوا سبطانات البنادق إلى الأسفل ويضربوا الناس؛ فعملوا حينها في ساحة الثورة بهذا الأمر، ووجهوا سبطانات بنادقهم إلى الأسفل، واستهدفوا الناس، وقتلوا عدداً كبيراً منهم، ولكن دون جدوى، لأن الناس لم يتراجعوا وواصلوا مسيرتهم. وبعدها توجه أحد قادة الجيش الشاهنشاهي المدعوّ «العقيد قرة باغي» نحو هايزر وقال له: إن أمرك هذا لم يُجدِ نفعاً ولم يفرض التراجع على الناس. فكتب هايزر في مذكراته بأن هؤلاء كم يحملون من تحليلات طفولية! ماذا يعني كلامه؟ هل يتوقع قرةباغي أن القضية ستنتهي بإطلاق النار على الناس مرة واحدة؟ لا بد من الاستمرار في هذا العمل، ويجب إبادة الناس أينما ثقفوهم! هذه هي أمريكا، فقد كان لها السيادة المطلقة على هذا البلد لمدة خمسة وعشرين عاماً، وكانت تأمر قادة النظام الشاهنشاهي بهذه الطريقة، وكان لها في إيران كلمة الفصل في المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية والسياسة الخارجية؛ هذه هي السيادة المطلقة التي كانت تتمتع بها أمريكا في عهد النظام الطاغوتي. فقد كان يحكم البلد مثل هذا النظام الذي تجد ضابطه تابعاً لأمريكا، ووزير ماليته تابعاً لها، ووزير دفاعه تابعاً لها، ورئيس وزرائه تابعاً لها، والملك نفسه تابع لها أيضاً اتباعاً لا يقبل الجدل؛ هذا هو النظام الذي كان حاكماً على البلد.
وكانت أمريكا تتفرعن في بلدنا، وتتعامل مع الناس كفرعون الذي كان ﴿یَستَضعِفُ طآئِفَةً مِنهُم یُذَبِّحُ أَبنآءَهُم وَیَستَحیِي نِسآءَهُم﴾، فجاء موسى زمانه، وقلب عرش فرعون وأذنابه رأساً على عقب وزلزله، وهكذا اندلعت الثورة. وبعد سنة وشهرين من حادثة شهريور - أي في شهر آبان من سنة 1358 [تشرین أول/ أكتوبر 1979] - هبّ شباب إمامنا الخميني العظيم والسائرون على نهجه لتحرير وكر التجسس الأمريكي، وأسروا الأمريكيين وأيديهم مغلولة وأعينهم مشدوده، فهزم موسى فرعون في هذه المرة بهذه الطريقة. وإذا بالبعض يتساءلون قائلين: لماذا تعادي أمريكا إيران؟ فإن هذا هو السبب، حيث كانت إيران رازحة تحت وطأة أمريكا بالكامل، وكانت في قبضتهم، وكانت تسير جميع مفاصل البلد الرئيسية وفق الإدارة الأمريكية، فجاء الإمام وطرد أمريكا بواسطة الشعب، وهذا ما يستوجب أن يكونوا أعداءنا وأن يعادوننا، وهم الآن أيضاً يمارسون هذا العداء.
يقول الإمام الخميني العظيم: «أمريكا هي الشيطان الأكبر»، وهي كلمة عميقة في مغزاها. فإن زعيم شياطين العالم بأجمعهم هو إبليس، إلا أن العمل الوحيد الذي يستطيع أن يمارسه إبليس كما يصرح القرآن بذلك هو إغواء الناس ومخادعتهم والوسوسة لهم لا أكثر، وأما أمريكا فتُغوي، وترتكب المجازر، وتفرض الحظر، وتُخادع، وتُرائي، وهي ترفع لواء حقوق الإنسان وتدعي بمناصرته، ولكن بين الحين والآخر، يقع في شوارع المدن الأمريكية شخص بريء أعزل مضرّجاً بدمائه على يد الشرطة الأمريكية؛ إلى غير ذلك من الجرائم والفجائع التي يرتكبونها، وإلى سلوكهم تجاه إيران في عهد النظام الطاغوتي، وإثارتهم للحروب، وتأجيجيهم لنيران الحرب، وإطلاقهم التيارات المثيرة للحرب كالتي تمارس التهديم والدمار في العراق وسورية وسائر البقاع؛ هذه كلها أعمال أمريكا. وإذا بالبعض يحاول بإصرار تزويق هذا الشيطان الأكبر المتسم بهذه السمات والأسوأ من إبليس، والإيحاء بأنه ملاك. لماذا؟ فلنَدَع الدين والنزعة الثورية، ولكن أين هو الوفاء لمصالح البلاد؟ وأين هو العقل؟ أي عقل وأي ضمير يسمح للإنسان أن يتخذ قوة كأمريكا صديقة له، وأن يثق بها، وأن ينظر إليها نظرة ملاك مُنقذ؟ هذه هي حقيقتهم؛ فإن الأمريكيين يظهرون بمظهر الأناقة والثياب المكوية وربطة العنق والتعطر، وبمظاهر تبهر العيون، ليفتنون بها أعين البسطاء والسُذّج، هذه هي حقيقة أمريكا، وهم يتعاملون مع سائر البلدان كما يتعاملون معنا. وقد طرد الشعب الإيراني الكبير هذا الشيطان الأكبر من بلده، فلا ينبغي أن نَذَره يعود ثانية ويدخل من النافذة بعد أن خرج من الباب، ولا ينبغي أن نسمح له بالنفوذ والتوغّل، فإن عداءه لا ينقضي أمده.
وبعد الاتفاق النووي الذي لا يُعلم مصيره لا في إيران ولا في أمريكا، نجدهم حالياً يحوكون المؤامرات في الكونغرس الأمريكي ضد إيران، وقد بلغتنا بعض الأنباء التي تُفيد بأن عدداً من النواب في الكونغرس الأمريكي يعملون في الوقت الحاضر على إعداد قرار لإلحاق الأذى وخلق العراقيل وإثارة المشاكل ضد الجمهورية الإسلامية؛ هذا هو عدائهم الذي لا تبدو له غاية ولا نهاية.
وهذا العداء سيستمر، ولكن حتى متى؟ حتى تتسمون بالقوة والاقتدار، وحتى يقوى الشعب الإيراني لدرجة يفرض اليأس على العدو من أن يهاجمه سياسياً أو أمنياً أو عسكرياً أو اقتصادياً أو أن يفرض عليه العقوبات وما إلى ذلك. ولذا يجب علينا أن نقوى وأن نعزّز اقتدارنا في الداخل. ولطالما ذكرت سبل اكتساب القوة التي يحتاج البلد إليها، فالسبيل الأول هو الاقتصاد القوي، وهو بعينه الاقتصاد المقاوم الذي تم إبلاغ سياساته، والذي يجب متابعته على أرض الواقع بصورة عملية تطبيقية تنفيذية بكل قوة وبدون تريث، ولقد بات السادة الأعزاء في الحكومة يبذلون مجهودهم في هذا المجال والحمد لله. إذن فالسبيل الأول هو أن يتم تمتين اقتصاد البلد، وأن لا يبقى الشابّ عاطلاً عن العمل، وأن لا تبقى إبداعات الشباب معطلة؛ هذه هي إحدى السبل.
والسبيل الآخر التنمية العلمية، فلا ينبغي أن تتباطأ الوتيرة المتسارعة لقافلة العلم، ويجب أن نتقدم في هذا المجال، فإن الأمور برمتها منوطة بالعلم، وهذه بدورها هي إحدى سبل التعزيز والتقوية.
ومن السبل الآخرى للتعزيز الداخلي، هي الحفاظ على الروح الثورية في أوساط الناس، ولاسيما الشباب. فالعدوّ يحاول أن يصنع من شبابنا شباباً لا يبالون ولا يعبأون بمصير الثورة، وأن يقتل فيهم الروح الملحمية والثورية ويقضي عليها، ولا بد من الحيلولة دون ذلك. فعلى الشابّ أن يحافظ على روحه الثورية، وعلى المسؤولين أن يثمّنوا الشباب الثوري، ولا يعمد المتكلمون والكتّاب إلى كل هذا القمع للشباب الولائي الثوري بذريعة التطرّف وأمثاله، بل تجب الإشادة بالشابّ الثوري، ويجب حثه على التحلي بالروح الثورية، فإن هذه الروح هي التي تصون البلد وتدافع عنه وتتكفل بإنقاذه عند مهبّ الأخطار.
ومن هذا المنطلق، فإن الاقتدار الوطني يتشكل من عوامل أساسية ثلاثة: الاقتصاد القويّ المقاوم، والعلم المتقدم المتزايد، والحفاظ على الروح الثورية لدى الجميع ولاسيما لدى الشباب؛ فإن هذه العوامل هي التي تستطيع أن تحافظ على البلد، وأن تفرض اليأس على العدوّ.
إن أمريكا لا تُخفي عداءها. وتقوم طبعاً بتقسيم المهام؛ فواحدهم تعلوه الابتسامة، والآخر يصوّت على قرار ضد الجمهورية الإسلامية ويتابعه، وهذا هو ضرب من ضروب تقسيم المهام. فهي تهدف وراء شيء اسمه التفاوض مع إيران، وتتمسك بالتفاوض كذريعة ووسيلة لبسط نفوذها وفرض إرادتها. ولقد وافقنا على أن يتفاوضوا في الملف النووي فقط وذلك لأسباب محددة أعلنّاها كراراً، وبالتالي عمدوا إلى هذه المفاوضات. وقد أثبت الفريق المفاوض والحمد لله جدارته في هذه الساحة، ولكن لم نسمح للتفاوض مع أمريكا ولم نتفاوض معها في الساحات الأخرى، فإننا نتفاوض مع العالم برمته دون أمريكا، ونحن من أهل التفاوض والتفاهم على مستوى الحكومات، وعلى مستوى الأقوام، وعلى مستوى الأديان، ودأبنا هو التفاوض مع الجميع سوى أمريكا، وإلى جانبها بالطبع الكيان الصهيوني الذي يُعدّ من الأساس كياناً لقيطاً مفتعلاً.
ولنتطرق في جملة واحدة إلى الكيان الصهيوني. بعد انتهاء المفاوضات النووية، سمعت الصهاينة في فلسطين المحتلة يقولون بأنه لا يراودنا حالياً عبر هذه المفاوضات قلق وهاجس تجاه إيران إلى 25 عاماً، وسنفكر فيما سيؤول الأمر إليه بعد ذلك. وأقول في جوابهم: أولاً إنكم لن تشهدوا السنوات الخمس والعشرين المقبلة، وبإذن الله وتوفيقه وفضله سوف لن يكون بعد 25 عاماً شيء اسمه «الكيان الصهيوني» في المنطقة، وثانياً خلال هذه المدة أيضاً لن تَدَع الروح الإسلامية المناضلة والملحمية والجهادية أن يذوق الصهاينة لحظة واحدة طعم الراحة والهناء، وهذا ما لا بد أن يعلموه. فقد استيقظت الشعوب، وعرفت من هو العدو. ومحاولات الحكومات والأبواق الإعلامية وأمثالها في تبديل العدو مكان الصديق لا تُؤتي نتائجها، فإن الشعوب الإسلامية ولاسيما شعوب المنطقة واعية تدرك حقائق الأمور.
ولنتعرض قليلاً إلى قضية الانتخابات [الانتخابات النيابية التي ستُجرى في شهر اسفند من سنة 1394؛ شباط/فبراير سنة 2016] علماً بأن البعض وللأسف أخذوا قبل سنة ونصف، وقبل سنتين من إجراء الانتخابات يطرحون المسائل التي لها صلتها بهذا الموضوع، وأعتقد أن هذا لا يصبّ في صالحنا، فلا ينبغي لنا أن نشحن البلاد بأجواء الانتخابات قبل أوانها، حيث بدأ البعض قبل سنة ونصف - أي قبل نحو سنتين من الانتخابات التي ستقام في نهاية السنة الجارية - بالحديث عن الانتخابات ومداولة القضية في الصحف والمحاضرات، وإن سادت في البلاد أجواء الانتخابات، ستتسبب في تهميش الكثير من قضايا المجتمع الرئيسية ونسيانها، لأن أجواء الانتخابات أجواء تنافس وتعارض، فلماذا نجرّ هذه الأجواء التنافسية والتعارضية إلى ما قبل سنة أو سنتين؟ إن طرح هذه المسائل قبل أوانها لا يصب باعتقادي في مصلحتنا. ولكن في الوقت الحاضر حيث بقي إلى الانتخابات ثلاثة أو أربعة أشهر مثلاً، فمن المناسب أن نتحدث بشأن هذا الموضوع. وسأطرح اليوم بعض النقاط، وفي المستقبل أيضاً سوف يكون لي حديث في هذا المجال إن بقيت على قيد الحياة.
تقع قضية الانتخابات للبلد على جانب كبير من الأهمية، فإنها تمثل المظهر التام لمشاركة الشعب وانتخابه؛ ذلك أن الشعب بحضورهم في ميدان الانتخابات - سواء الانتخابات الرئاسية أو الانتخابات النيابية أو انتخابات مجلس الخبراء - يجسّدون الديمقراطينة الدينية الحقيقية في البلد، وهذا أمرٌ بالغ الأهمية. فإننا على مدى الأعواء الـ36 أو الـ37 التي مضت من بداية الثورة، لم نسمح بإلغاء الانتخابات أو تأخيرها، بينما نجد في البلدان المختلفة إذا ما اندلعت حرب أو حدث حادث أجّلوا الانتخابات، ولكن لم تتأجل الانتخابات في إيران عن موعدها المقرر حتى يوماً واحداً في أي فترة من الفترات. ففي الأيام التي كانت تُقصف فيها طهران ومدن خوزستان وإيلام وكرمان وبقية المناطق، كانت الانتخابات تُجرى في موعدها المحدد. وكذلك الحال في أقصى نقاط البلد، وفي القرى والأرياف، وفي المناطق التي يصعب الوصول إليها. رغم أن البعض من المتلاعبين بالسياسة أو المتسيّسين كانوا يبتغون في بعض المراحل إلغاء الانتخابات أو تأجيلها، ولكن تم بتوفيق من الله صدّهم وأُجريت الانتخابات في موعدها المقرر. هذه هي أهمية الانتخابات، ومن هنا أصبحت انتخاباتنا تجسيداً للديمقراطية والحمد لله.
فإن نظام الجمهورية الإسلامية يعتبر نظاماً ديمقراطياً بالمعنى الحقيقي. والعدوّ يتشدق بالقول طبعاً، فالأمريكان وأياديهم الإعلامية دوماً ما يتكلمون ضد انتخاباتنا وبأشكال مختلفة. بيد أن نفس أمريكا على مدى 25 عاماً من تواجدها في إيران إبان عهد النظام الطاغوتي، لم توجّه لمجالس الشورى الشكلية والهزلية في ذلك اليوم حتى انتقاداً واحداً. ولو راجعتم التاريخ وطالعتم أحداث الانتخابات في عهد محمدرضا، وقبله وأسوء منه في عهد رضاشاه، حيث الهيمنة البريطانية على إيران في بادئ الأمر ومن بعدها الهيمنة الأمريكية، لوجدتم أنهم لم يعترضوا ولو لمرة واحدة على هذه الانتخابات الشكلية والصورية والهزلية، كما ولم يوجّهوا اليوم أيضاً كلمة اعتراض على الأنظمة المستبدة والدكتاتورية والوراثية في المنطقة، ولكن تراهم تجاه إيران التي تعاقبت فيها الانتخابات، ويتم فيها بواسطة الناس انتخاب كافة أركان النظام - من القائد إلى رئيس الجمهورية وأعضاء مجلس الشورى وأعضاء مجلس الخبراء وأعضاء مجالس البلدية - يوجّهون عليها اعتراضهم وانتقادهم باستمرار، ويتهمونها بتهم كاذبة.
بيد أن انتخاباتنا خلال هذه المدة كانت نزيهة والحمد الله. والنقطة التي أودّ الإشارة إليها هي أنّ انتخاباتنا وفق المعايير الدولية الشائعة، تعتبر من أفضل الانتخابات وأكثرها نزاهة وبنسبة مشاركة جماهيرية عالية. ومما يؤسف له أن من العادات السيئة التي دأب البعض عليها هي أنهم وفي كل مرحلة يطعنون دوماً بنزاهة الانتخابات. ويكررون الحديث منذ ما قبل الانتخابات عن التلاعب فيها وعن الهاجس الذي يراودهم في ذلك وعن كذا وكذا، ولكنه عملٌ خاطئ. فقد شارك الناس في ميدان الانتخابات مشاركة ملحمية على مدى 37 عاماً لثقتهم بالنظام في مختلف الأدوار وشتى الحكومات، فلماذا يعمل البعض على المساس بهذه الثقة؟ إن أبناء الشعب يثقون بهذا النظام، وحيثما يحين وقت الانتخابات ينزلون إلى الساحة ويدلون بأصواتهم، فلماذا يطعن المرء بهذه الظاهرة من خلال هواجس خاوية وكاذبة.
فإن من البديهي أن لا يُسمَح ]لأحد القيام بمثل هذه الأعمال، وأن تكون هناك مراقبة شديدة. وإن من أكبر بركات مجلس صيانة الدستور هي أنهم يراقبون الأخطاء والاشتباهات، ولا يسمحون بحصول أيّ تخلّف، وكذلك الحال بالنسبة لسائر الأجهزة أيضاً. وبالطبع قد وصلتنا خلال هذه الأعوام أحياناً وفي بعض المراحل تقارير تدل على طروء إشكال في الانتخابات، فكنا نأمر بدراسة القضية، وبعد التحري يتبيّن أن الأمر لم يكن على هذا النحو. وأحياناً قد تُرتكب هنا وهناك بعض المخالفات التي لا تترك أي أثر على نتائج الانتخابات وليست بالأمر المهم، إلا أن الانتخابات في جميع الأدوار كانت سليمة نزيهة.
كما وتعتبر أصوات الشعب من حقوق الناس بكل ما للكلمة من معنى. فعندما يشارك الأخ الإيراني أو الأخت الإيرانية في الانتخابات ويدلي بصوته في صنادق الاقتراع، يعتبر مراعاة حقه هذا من الواجبات الشرعية والإسلامية، ولا يجوز خيانة هذه الأمانة، فإنها من حقوق الناس حقاً. كما ويجب الالتزام بنتائج الآراء مهما كانت، وهذا بدوره يعتبر من حقوق الناس أيضاً. وإن السبب من صمودنا ومقاومتنا حيال إصرار البعض على إلغاء نتائج الانتخابات لسنة 1388 [2009] هو الدفاع عن حقوق الناس، حيث شارك في تلك السنة 40 مليون شخص للإدلاء بأصواتهم، وسجّلوا أعلى مستويات المشاركة، وأفرزت أصواتهم بالتالي نتيجة معينة، ولكن كل من كان يفوز في هذه الانتخابات، سنتخذ حياله نفس هذا الموقف، وسندافع ]عن أصوات الشعب[. فإنني قد دافعت عن حقوق الناس وحقوق الشعب. وبعد هذا أيضاً كلما هبّ الناس للانتخاب وصوّتوا لكل من يرغبون فيه ويقبلونه، فإني سأدافع عن أصوات الناس، وسأقف ظهيراً ومسانداً لهم، ذلك أن أصوات الشعب تعتبر حقاً من حقوق الناس. فلا نطعن عبثاً بهذه الثقة التي يحملها الناس تجاه النظام من خلال الكلمات الفارغة عن العقل والمنطق. إذ نجدهم تارة يوّجهون إشكالاتهم على وزارة الداخلية وأخرى على مجلس صيانة الدستور.
في حين يعتبر مجلس صيانة الدستور عين النظام الباصرة في الانتخابات، وهذا ما هو موجود في جميع بلدان العالم - وله هناك بالطبع اسم آخر، واسمه هنا مجلس صيانة الدستور -، حيث يتصدى لرقابة من يخوض ساحة الانتخابات ويرشح لها، ويقوم بإحراز أهليته، ليرى هل هو مؤهل أم لا، فإن شاهد تقصيراً في هذا الجانب، ودخول من ليس مؤهلاً إلى ساحة الانتخابات، يبادر إلى منعه وصده عن ذلك، وهذه هي من حقوق المجلس القانونية والعقلية والمنطقية، وإشكالات البعض عبثية لا معنى لها. فإن حق الرأي الذي يحمله مجلس صيانة الدستور، وحق الإشراف الاستصوابي المؤثر له، يعدّ جانباً من جوانب حقوق الناس، وهذا ما يجب مراعاته وصيانته. هذا هو حديثي في الحال الحاضر عن الانتخابات التي تتمتع بالأهمية. علماً بأني أؤمن بمشاركة الناس الملحمية، وأعتقد أن هذا هو الذي يتكفل بصيانة البلد. ولو بقيت على قيد الحياة سأتحدث في هذا المجال أكثر.
وأقول لكم أيها الإخوة والأخوات مؤكداً: اعلموا أن جمهورية إيران الإسلامية بهذا الشعب، وبهذا المنطق، وبهذا الدستور سوف تتغلّب على كل أعدائها، شريطة أن نتوكل على الله، وأن نعزّز دعائم تعاضدنا وتكاتفنا، وأن لا نعمل على شقّ صفوفنا في البلد، ولا نعمد إلى تضعيف بعضنا الآخر، فلو التزمنا بهذه الأمور، سيشملنا الله أيضاً بعنايته ورعايته. ومن ينصر الإسلام، ينصره الله.
إلهنا! احشر الروح الطاهرة لإمامنا العظيم وأرواح شهدائنا الأبرار مع أوليائك. إلهنا! أسبغ بركاتك وألطافك المتزايدة على هذا الشعب المؤمن الصالح.
والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته‌.