موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي

كلمة قائد الثورة الإسلامية المعظم خلال إستقباله جمعاً غفيراً من طلاب المدارس والجامعات على أعتاب اليوم الوطني لمقارعة الاستكبار العالمي.




بسم الله الرحمن الرحیم
والحمد لله ربّ العالمین، والصلاة والسلام علی سیدنا ونبینا أبي القاسم المصطفی محمد وعلی آله الطیبین الطاهرین المعصومین.
السلام علی الحسین، وعلی علي بن الحسین، وعلی أولاد الحسین، وعلی أصحاب الحسین.

إن الاجتماع مع الشباب الأعزاء، بما فيهم طلاب الجامعات وطلاب المدارس في الأيام الموسومة بمواجهة ومقارعة الاستكبار، يشكل فرصة مغتنمة للغاية. وأنتم الحاضرون في هذا الاجتماع تمثلون نموذجاً من مجموع الشباب الواعين من أبناء شعبنا، وليس الشباب فحسب، بل كل من يتحلى بالوعي وقوة التحليل والبصيرة، فإنهم بأسرهم يتخذون نفس هذه المواقف التي أعلنتموها اليوم في هذا المكان بهتافاتكم وبياناتكم.
تتعلق هذه الأيام بالحسين بن علي "عليه السلام"، وهي أيام الملحمة والحماسة التأريخية للأمة الإسلامية، ولا تختص بالشيعة، بل يعتبر غير الشيعة أيضاً نهضة الحسين بن علي "سلام الله عليه" نهضة كبيرة، عظيمة، مُلهمة للدروس، وقدوة للشعوب، وأقصد بهم أولئك العارفين بالإمام، وإلا فالجاهلون وغير ذوي الاطلاع لهم حساب آخر. وإن من مفاخر أبناء شعبنا أنهم عارفون بسيد الشهداء، وبكربلاء، وبالقضايا الهامة المتصلة بواقعة عاشوراء أو التي حدثت في ضمنها.
كما أن هذه الأيام، هي أيام زينب الكبرى "سلام الله عليها"؛ تلك الشخصية التي خلّدت قضية عاشوراء، وحالت دون إمحاء هذه الواقعة ونسيانها أو ضياعها في غياهب التأريخ عبر الدسائس السياسية للجهاز الحاكم يومذاك، ومن هنا فإنها أيام تتسم بالأهمية.
إضافة إلى أن الحقبة التأريخية التي نعيش فيها حقبة هامة، فإن الشعب الإيراني في طور تثبيت عزته ورسم خارطة عامة للمضيّ قُدماً نحو المبادئ والـمُثُل. ولذا فإن وعي الشباب وبصيرتهم تجاه الأوضاع الراهنة أمرٌ هام، وهذا الاجتماع يشكل فرصة سانحة للتحدث قليلاً في هذه المجالات.
أولاً، أذّكركم بهذه النقطة أن الموضوع هذا يعتبر الأساس للكثير من أبحاثنا، فإن مقارعة الاستكبار في الثورة الإسلامية وفي أوساط شعبنا تعدّ حركة معقولة منطقية ترتكز على ركيزة علمية عقلية، خلافاً لما يريد البعض إيحاءه بأن هذه الحركة شعارية وعاطفية، ولا تعتمد على أساسٍ منطقيٍّ عقلاني، فهي على العكس من ذلك حركة مستندة إلى العقلانية. وحالياً نغض الطرف عن الاستناد إلى الدين والآيات القرآنية والإرشادات الدينية، ونَدَع في الوقت الحاضر جانباً قوله: " أَشِدّآءُ عَلَی الکُفّار "، و "رُحَمآءُ بَینَهُم "(1)، و "قاتِلوا أَئِمَّةَ الکُفر "(2)، لأن البعض لا يعتقد بهذه المسائل ولا يؤمن بها، وإنما نتكئ على تجربة الشعب الإيراني.
لقد وقعت في بلدنا حادثة في الثامن والعشرين من مرداد عام 1332 شمسیة "1953/08/19"، وهي من الأحداث التي تزخر بالتجارب للشعب الإيراني، وتحول دون وقوعه في الخطأ والاشتباه. حيث اكتسب الشعب الإيراني في هذه الحادثة تجربة كبيرة، لا ينبغي نسيانها أبداً. ورغم أنه قد مضى عليها نحو ستين عاماً، ولكن أولاً تخلّلت هذه الأعوام الستين أحداثاً شبيهة بها، وثانياً لو كانت الحادثة التأريخية تحمل الدروس في طياتها، لا يؤثر مضيّ الزمان عليها، ويجب استلهام الدروس منها.
وأما تلك الحادثة فهي أن حكومة مصدّق - رئيس وزراء إيران في ذلك الحين- التي كانت قد استطاعت إخراج النفط الذي يمثل ثروة وطنية للبلد من قبضة البريطانيين بمساعدة بعض الأشخاص من أمثال المرحوم آية الله السيد الكاشاني وغيره، ارتكبت خطأً تأريخياً وهو الاعتماد على أمريكا. حيث فكّرت بضرورة أن يكون لها حيال عِداء البريطانيين داعماً ومسانداً في الساحة الدولية، وكانت أمريكا هي ذلك المساند بحسب رأيها، فاستندت إليها، وعقدت آمالها عليها، فاستغل الأمريكيون هذه النظرة المتفائلة السطحية ودبّروا انقلاب الثامن والعشرين من مرداد. حيث جاء مسؤولٌ أمريكي معروف لدينا بالكامل، وقد سُجّل اسمه في التاريخ، ودخل أراضي إيران، واستقر في السفارة البريطانية أو سفارة إحدى الدول الغربية أو لربما السفارة الكندية، ووظّف بعض الأشخاص من العناصر والعوامل الداخلية الخائنة، وقسّم الأموال التي كان قد جلبها معه عليهم، ودبّر انقلاب الثامن والعشرين من مرداد، وأهدر كل الجهود التي بذلها الشعب الإيراني خلال هذه السنتين أو الثلاث في تأميم النفط. واعتقلوا مصدّق، وزجّوه في السجن، وأعادوا محمد رضا بهلوي الذي كان قد فرّ من إيران، وأجلسوه على سدّة الحكم، وأصبح هذا الشعب خلال هذه الأعوام الخمس والعشرين، من سنة 1953 وإلى 1979، تحت وطأة الحكومة البهلوية المفروضة والعميلة عرضة لألوان الامتهان والضغوط والشدائد، وهذا ما قام به الأمريكيون. فقد احتل المستشارون العسكريون الأمريكيون جيشنا، وعمدت أياديهم الاقتصادية إلى تسيير عجلة سياساتهم الاقتصادية، وبالإضافة إلى هذه الممارسات الظاهرية والمشهودة، قاموا بأعمال غير مشهودة، مازال محلّلونا وللأسف لم يتمكنوا من دراسة الخطوات غير المشهودة التي قطعها الأمريكيون في إيران خلال هذه الأعوام الخمس والعشرين للقضاء على ثروات الشعب الإيراني المعنوية والإنسانية. وهذه مسائل جديرة بالبحث والمتابعة.
خمسٌ وعشرون عاماً من الكبت، والضغط على الشعب الإيراني، وإهدار المصادر الإنسانية لهذا البلد، ونهب موارده الطبيعية، وتشويه سمعة الشعب الإيراني بين الشعوب المسلمة في المنطقة؛ أعمالٌ قام بها الأمريكيون خلال هذه المدة. فكم مِن الناس مَن قُتل، وكم منهم من زُجّ في السجون، وكم منهم مَن تعرض للتعذيب، وكم من السياسات الخائنة قد اتُخذت في داخل البلد ضد الشعب الإيراني؛ كل ذلك قد تحقق في ظل التواجد الأمريكي، وحضور حكومة عميلة لأمريكا، وبسبب ثقة ذلك الشخص يومذاك بأمريكا النابعة من نظرته السطحية.
وإن الشعوب في مواجهة الأحداث على نمطين: البعض منهم يتلمسون الحادثة ويعيشون الشدة والتعذيب، ولكن ليس بمقدورهم أن يضعوا تحليلاً واستنتاجاً صائباً يدفعهم نحو القيام بحركة مضادة؛ هذا هو حال بعض الشعوب. وأما الشعوب التي تتمتع بقيادات جديرة صالحة، فهي تتحمل الصعاب والشدائد، ولكنها وإلى جانب ذلك، تسعى وراء اكتساب الوعي والبصيرة والتوصل إلى الحلّ وتعزيز المعتقدات الصحيحة والمنطقية، والشعب الإيراني يدخل في زمرة هذه الشعوب. فقد تفضلّ الله سبحانه وتعالى على هذا الشعب، ومنحه موهبة كبرى تتمثل بقيادة الإمام الخميني العظيم، فعمد الإمام إلى توعية الشعب، ومنحه البصيرة، وتحمّل الشدائد بنفسه، فدخل السجن ونُفي ولكنه لم يتخل عن نهضته، فعمّ بالتدريج هذا الوعي وهذه البصيرة، حتى تحولت هذه النهضة في سنة 1978 و79 إلى حركة عامة في أوساط الشعب الإيراني. ولم تكن تستهدف هذه النهضة الجهاز الحاكم فحسب، وإنما كانت تستهدف أمريكا أيضاً. لأن الشعب كان قد عرف وأدرك أن أمريكا هي التي تقف وراء الجرائم التي تُرتَكب بحقه وبحق البلد في الداخل. فقد قال إمامنا الخميني الجليل في بداية اندلاع النهضة الإسلامية عام 1963: الرئيس الأمريكي اليوم هو أكثر الأشخاص كراهية في إيران (3). حيث طرح هذا المفهوم على الرأي العام، وبيّن للناس أن أمريكا تقف وراء كل الشرور والمؤامرات. وبالتالي آتى هذا الجهاد ثماره.
فإنه أينما تحركت الشعوب وصمدت وصبرت واستقامت، سيكون النصر حليفها لا محالة؛ وهذا هو جارٍ في كل مكان. وأما إشكال العمل الجهادي الذي يؤول إلى الهزيمة، فهو أن الشعوب إما أن تفقد تحملها وصبرها وتتخلى عن ثباتها وصمودها، وإما أن لا تتمتع بقيادات تتمكن من إدارتها بشكل صحيح. وهذا ما شاهدناه في زماننا خلال السنوات الأخيرة، حيث تحركت الشعوب وأظهرت عزيمتها وإرادتها وحققت بعض النتائج، ولكنها كانت تفتقر الی القيادات التي تتمكن بشكل صحيح من إدارتها، وتشخيص الهدف لها، ورسم الطريق أمامها، ولهذا لحقت بهم الهزيمة، وهذا ما شاهدتموه جميعاً في السنوات الأخيرة، ولا أريد أن أذكر اسم بلد ومكان معيّن.
هذا وقد سلك الشعب الإيراني الطريق بشكل صحيح، وتحرك بشكل صائب، وأدى وجود قائد مقتدر بصير قاطع يتكل على الله ويثق بوعده القائل: " إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ یَنْصُرْکُمْ "(4)، أدى إلى أن يستطيع الشعب بلوغ الفتح والظفر، وإسقاط الحكومة المفروضة العميلة للسلالة البهلوية والحكومة الملكية المشؤومة والمخزية - فإن الحكومة الملكية مدعاة للخزي والعار في المنطق الإنساني الصحيح لكل بلد - وانتهى الأمر، وأمسك الناس بزمام الأمور.
وهنا تكمن النقطة الهامة، فإن أول حكومة ودولة بدأت بمناهضة هذه الحركة الشعبية، هي الإدارة الأمريكية. وكانت هناك بالطبع دول أخرى، ولربما كانوا في استياء مما حصل في إيران، ولكن لم تظهر منهم ردود فعلٍ كبيرة، ولعل بعض البلدان كانت مستبشرة بذلك، بيد أن الإدارة الأمريكية لم تكتفِ بالاستياء القلبي، بل أصدر مجلس الشيوخ الأمريكي في الأشهر الأولى من انتصار الثورة قراراً شديد اللهجة ضد الجمهورية الإسلامية في إيران، وشرعوا بالعداء والخصام بصورة عملية، هذا في الوقت الذي كانت السفارة الأمريكية لا تزال مفتوحة في إيران! فأولئك الذين يزعمون أن توطيد العلاقات مع أمريكا يؤدي إلى أن يكون المرء مصاناً من الأضرار الأمريكية، عليهم أن يراجعوا هذه التجربة التأريخية؛ فقد كانت السفارة الأمريكية لا تزال مفتوحة في إيران، وكان الأمريكيون يترددون في داخل البلد بكل سهولة، ولم تكن الثورة قد تسببت في إخراج الأمريكيين من إيران، وكانت لهم كسائر الدول سفارتهم ورجالهم يعيشون في هذا البلد، وإذا بالإدارة الأمريكية منذ ذلك الحين بدأت تُظهر عداءها مع الثورة. وبالإضافة إلى ذلك فقد استضافت العدو اللدود للشعب الإيراني، محمد رضا بهلوي، وأسكنته في بلدها، وفي الحقيقة فقد آوت عدو الشعب الإيراني. وبالتالي آلت هذه الممارسات إلى ردة فعل الطلبة الجامعيين، حيث اقتحموا السفارة الأمريكية، فتبيّن أن هذا المكان هو وكرٌ للتجسس، واتضح أن هذه السفارة على مدى الأشهر التي تلت انتصار الثورة الإسلامية كانت مركزاً للتآمر ضدّ الثورة، وهذا ما دلّت عليه وأثبتته الوثائق التي انتشرت بعد ذلك من داخل السفارة الأمريكية.
أيها الشباب الأعزاء! اقرؤوا وثائق وكر التجسس الـمُلهمة للدورس. فإن طلاب الجامعات الذين احتلوا السفارة وعرفوا أنها وكراً للتجسس، حصلوا على تلك الوثائق ونشروها بمشقة كبيرة، حيث قاموا بإلصاق الأوراق التي حاول أولئك أن يفرموها بالفرّامة، وقد نُشرت ضمن سبعين أو ثمانين مجلداً. وهي تدل على أن الأمريكيين كانوا باستمرار يحوكون المؤامرات ضد الجمهورية الإسلامية، سواء في ذروة النهضة، أو في فترة انتصار الثورة وتشكيل الجمهورية الإسلامية.. هذه هي حقيقة أمريكا. وهذه قضايا تتعلق بما بعد الثورة.
وأما قبل الثورة وإبان النهضة الشعبية العارمة، فبالإضافة إلى أحداث السابع عشر من شهريور (1978/09/08) وإبادة الناس، وأمثال هذه الأحداث التي تحققت على يد الحكومة العميلة لأمريكا، اجتمع الناس في الثامن من شهر بهمن ( 28 کانون الثاني / ینایر1979)؛ أي قبل بضعة أيام من دخول الإمام الخميني إلى البلاد، في أحد شوارع طهران، وهو شارع انقلاب (الثورة). يكتب الجنرال هايزر الذي بُعث من قِبَل أمريكا إلى إيران علّه يستطيع إنقاذ النظام من قبضة الثورة والحفاظ عليه، في مذكراته - وهذه وثائق تأريخية - ويقول: قلت للجنرال قرة باغي وجّهوا سبطانات البنادق إلى الأسفل لمواجهة الناس؛ أي اقتلوا الناس، ولا تُطلقوا النار في الهواء عبثاً، بل أبيدوا الناس عن بكرة أبيهم. فعملوا بهذا الأمر، ووجهوا سبطانات بنادقهم إلى الأسفل، وقتلوا عدداً من الشباب والناشئين، ولكن لم يتراجع الناس. يقول هايزر: جاءني بعد ذلك قرة باغي وقال لي: تدبيرك هذا لم يُجدِ نفعاً ولم يفرض التراجع على الناس. فقال هايزر بأن قادة الشاه العسكريين كم يحملون من أفكار طفولية! أي لا بد لهم من الاستمرار في هذا العمل، وإبادة الناس بشكل متواصل. فانظروا إلى هذا النظام العميل، حيث يصدّر الجنرال الأمريكي أمراً للعقيد الإيراني بإبادة مواطنيه، والعقيد بدوره يأتمر بهذا الأمر ويلبي هذا الطلب، وعندما يشاهد عمله لم يثمر، يقصده ويقول له: لا جدوى من هذا العمل. فيصف الجنرال الأمريكي هؤلاء بالأطفال قائلاً: إنهم يحملون أفكاراً طفولية. هذه هي خلاصة الحكومة البهلوية في إيران.
هكذا بدأ الأمريكيون بممارساتهم ضدنا وضد الثورة الإسلامية، وواصلوا تآمرهم علينا طيلة هذه الفترة ما استطاعوا، ودعموا كل جماعة كان بإمكانها معاداة الثورة. ومن الأمثلة على ذلك تدبير الانقلاب المعروف بانقلاب مقر الشهيد نوجة في همدان (قاعدة جویة رئیسیة)، ومنها دعم الجماعات التي تعمل ضدّ الثورة في شتى أنحاء البلاد على أساس النزعة القومية، ومنها تحريض صدام حسين للهجوم على إيران ودعمه طيلة الأعوام الثمانية من الحرب.. ثمانية أعوام! حيث أخذت تتزايد المساعدات الأمريكية وتزويد الطرف الآخر بالمعدات والتجهيزات على مدى سنوات الحرب ولاسيما بعد السنة الثانية والثالثة منها، وسايرهم في ذلك حلفاؤهم الأوروبيون وللأسف.
هكذا تعامل الأمريكيون مع ثورتنا، فقد عقدوا همتهم على استئصال شأفة هذا النظام. ولكنهم أخطؤوا في التحليل وفي فهم القضية، حيث زعموا أن بإمكانهم إسقاط هذه الثورة بالانقلاب كما هو حال البلد الفلاني الأفريقي أو الآسيوي، ولم يكونوا يعلمون أولاً أن هذه الثورة تعتمد على الناس وهي ثورة شعبية، وثانياً تستند إلى المعتقدات الدينية. هذا ما لم يفهمه الأمريكيون، ولهذا نجدهم على مدى هذه الأعوام الست والثلاثين أو السبع والثلاثين قد لحقت بهم الهزيمة في كل مبادرة معادية للثورة، وستلحق الهزيمة بهم في المستقبل أيضاً إن شاء الله. والهدف من هذا الكلام هو أن نتعرف على أمريكا بصفتنا شعب إيران وشعب يحب بلده ويرسم لنفسه مستقبلاً بغية الوصول إليه.. هذا هو الهدف.
إن مما يقوم به الأمريكيون في السنوات الأخيرة هو تحريض البعض على تزويق الوجه الأمريكي وتجميله. والهدف من ذلك إيحاء هذه الفكرة أن الأمريكيين لو كان لهم عداؤهم بالأمس، فإنهم اليوم قد أقلعوا عن العداء والخصام، وكذا إخفاء وجه العدو أمام الشعب الإيراني، ليتم التغافل عن معاداته، ويتأتى له ممارسة عدائه وغرز خنجره من الخلف.. هذا هو الهدف. وأخذ البعض عن سوء نية والبعض الآخر عن سذاجة يقوم بهذه العملية. والحقيقة أن أهداف أمريكا تجاه الجمهورية الإسلامية لم تتغير على الإطلاق. ولو كان بوسعهم اليوم القضاء على الجمهورية الإسلامية لما توانَوا لحظة واحدة، ولكنهم لا يستطيعون ذلك، وبمشيئة الله وفي ظل هممكم أنتم الشباب وتقدمكم وانتشار صفة البصيرة وتعزيزها في أبناء الشعب الإيراني، لا يستطيعون التصدي لهذا العمل في المستقبل أيضاً.
ونجدهم يذرفون الدموع أيضاً! فقد شوهد في هذه المفاوضات النووية أن المندوب الأمريكي راح يتحدث عن معارضته للحرب منذ عهد شبابه وأخذ يذرف الدموع (5). وقد تثير هذه الظاهرة استغراب البعض عن بساطة وسذاجة، قائلين بأنهم حقاً توسّموا بالخير والصلاح، و- ياللبشرى فقد أصبحت القطة من العُبّاد - (6). بيد أن نفس هذا الشخص الذي يكره الحرب إلى هذا المستوى بحيث تتحادر دموعه أمام عدسة الكاميرا عند استذكاره للحرب، لا یعبس وجهه حتى حينما يشاهد مئات الأطفال في غزة يقطّعون أوصالهم إرباً إرباً، ويرى الصهاينة وبكل قسوة وشدة يتعاملون مع النساء والأطفال والصغار والكبار والشيوخ والشباب دون رحم! فلو كنتَ تكره الحرب إلى هذا المستوى، فاعترض على هذا العنصر الجلاد القصاب الخبيث الذي يبيد الناس والأطفال بهذه الطريقة، بكلمة واحدة واعبس في وجهه، ولكنهم لا يعبسون، بل ويشجّعون! ففي ذلك الوقت الذي كانوا يشنّون على غزة تلك الهجمات، واليوم أيضاً يُبيدون الناس في الضفة الغربية وفي غزة بطريقة أخرى، أعلن كبار القيادات الأمريكية مرات ومرات بأن إسرائيل يحق لها الدفاع عن نفسها، وهذا يعني أن الشعب الفلسطيني لا يملك حق الدفاع عن نفسه، فإن أبادوا مزرعته، وقتلوا شبابه، وأحرقوا داره، وأضرموا طفله الرضيع مع أبويه بالنار، لا يحق له أن يُبدي أي ردة فعل. واليوم أيضاً يحرضون الكيان الصهيوني ويدعمونه ويقدمون له المساعدات. إضافة إلى أن الشعب اليمني منذ أشهر وهو قابع تحت القصف المكثّف، تُهدَم مستشفياته وبيوته، وتُدمَّر بناه التحتية، ويُباد أهله عبر الطائرات المعتدية، والأمريكيون لا يتفوّهون بكلمة واحدة، ولا يقطّبون حاجبهم، بل ويدعمونهم! هذه هي حقيقة أمريكا.. فهل بالإمكان اعتبار البكاء أمام عدسة الكاميرا عملاً صادقاً؟ وهل يصدّق ذلك أحداً؟
لقد شخّص الشعب الإيراني طريقة، فهو لا يعتدي على الشعوب والحكومات التي لا شأن لها به ولا تعتدي عليه، وهذا ما تشاهدونه. فإن هناك دول - ولا أتحدث عن الشعوب - ليس لها علاقات حميمة مع الجمهورية الإسلامية، وهذا ما نعرفه ومشهود لدينا بالكامل، غير أنها لا تعتدي علينا، ونحن أيضاً لا شأن لنا بها، بل لنا معها علاقاتنا وتجارتنا ومفاوضاتنا، وأما الدولة التي تعتدي علينا، وتتمسك بكل ذريعة لإبادة الشعب الإيراني ودحر الجمهورية الإسلامية وسحق المبادئ الإسلامية، لا يستطيع الشعب الإيراني أن يغض الطرف عنها، ولا يحق له من الناحية العقلية والشرعية والوجدانية والإنسانية أن يقف أمام هذا العدو مكتوف الأيدي، وأن ينظر إليه نظرة صديق ويمد إليه يد الصداقة، فإن هذا أمرٌ غير ممكن. وهذا هو حال الأمريكيون، فإنهم يسعون بكل ما أوتوا من قوة وطاقة لردع الجمهورية الإسلامية عن النهج الذي تنتهجه، ويستخدمون في ذلك شتى الأساليب والوسائل الإعلامية، وهم في الوقت الحاضر ناشطون بالكامل.
ذكرت بأن خطأهم الأول في أوائل الثورة هو أنهم لم يفهموا ما هو السبب من كل تلك التضحيات التي يقدمها الناس في الساحة، وباتوا اليوم يتفهّمون ذلك بالتدريج، فعرفوا أنه ناجم من قناعات الناس والشباب ومعتقداتهم ومما استلهموه من التعاليم الدينية والقرآنية، ولهذا جعلوهم عرضة لهجومهم، وقد انهالوا اليوم على المعتقدات والقناعات بشتى الأساليب والوسائل الجديدة التي لم تكن متوفرة لديهم آنذاك، وهذا ما يجب على الشباب التنبّه له. وعلى الشباب أولاً أن يزيدوا من مطالعاتهم ومعلوماتهم في تأريخ نضال الشعب الإيراني، وعلى أهل الخطابة والكلام أن يبيّنوا لشبابنا المعاصرين ماذا جرى على الشعب الإيراني في فترة النضال والكفاح؟ ومن الذي وقف في مواجهة شعب إيران؟ ومن الذي أسس السافاك وعلّمه أساليب التعذيب؟ ومن الذي كان يُشرف على تعذيب العناصر المؤمنة والموالية في داخل البلد؟ هذه مسائل يجب على الشباب الوقوف والاطلاع عليها.
ولحسن الحظ فقد صحا الشعب الإيراني، ونحمد الله على أن الشعب في يقظة، والجامعة في يقظة، والطالب الجامعي في يقظة. وثمة جهود حثيثة لإعادة الأوضاع إلى مسارها السابق ولكنها لا ولن تُثمر. فإن الطالب الجامعي يتحلى باليقظة، والطالب المدرسي كذلك. ولا يتسنى لهذه المسائل الـمُلهية وهذه المظاهر أن تغيّر أساس معتقدات الشعب الإيراني، فإنه يعلم ماذا يفعل وإلى أين يتجه.
لقد كانت الجامعات ذات يوم بمنزلة قنطرة للعبور إلى الغرب، حيث يدخل الشاب إليها أملاً بالانخراط بعدها في أحضان الغرب، أو ينجذب إلى الغربيين ويعمل لهم من كان ذا موهبة وكان وجوده مثمراً، ويصبح البعض هنا وسيطاً أو غارقاً في ملذات الحياة. والجامعات اليوم لا تسير بهذا الاتجاه، وإنما هي سلّم للرقي إلى الـمُثُل العليا، ويحاول البعض تحطيم هذا السلّم، ووضع تلك القنطرة المؤدية إلى الغرب، وإعادة جامعاتنا إلى حالتها الأولى. فعلى شبابنا التحلي بالوعي واليقظة وهم يَقِظون والحمد لله.
إن الجمهورية الإسلامية وببركة التمسك بالإسلام والاتكال على الشعب، وبفضل ما يتسم به أبناء شعبنا من وعي وبصيرة، ليست مستقرة وصامدة فحسب، بل تطورت وتقدمت إلى الأمام. فإن تقدّم الشعب الإيراني هو الذي أرغم القوى المتشدقة في المفاوضات النووية أن تضع يداً بيد وتقف أمام شعب إيران وتمارس تدابيرها العدائية، علّها تتمكن من إركاع الشعب الإيراني، وهذا هو الاقتدار الذي يتمتع به هذا الشعب.
إن تأكيدنا على عداء العدو الخارجي لا يعني إطباق العين على حالات ضعفنا الداخلية. وأقولها لكم أيها الشباب الأعزاء بأننا نعاني من ضعف في رسم السياسات وفي التنفيذ وفي بذل الجهود، وأحياناً نُبتلى بالتقاعس والتكاسل في حركتنا، ونعاني كذلك من ضعف في تحديد أولويات البلد، وفي بعض الأوقات تدخل مجموعات داخلية في سجالات على مسائل جزئية وقضايا غير ضرورية، وبذلك نغفل عن العدو.. هذه هي نقاط ضعفنا التي يجب علينا إزالتها. غير أن وجود العدو الواعي الذي يصرف الأموال والذي لا يرتدع عن ارتكاب أي جريمة ما استطاع، ليس بالأمر الذي يجوز التغافل عنه. فإن البعض وبذريعة هذه المسائل الجزئية الداخلية يغفلون عن العدو الخارجي وينسون أمريكا. وإن السبب الذي أدى بالإمام الخميني "رضوان الله عليه" أن يكرر قائلاً: صبّوا كل هتافاتكم ضد أمريكا، هو أن تقلّلوا من هتافاتكم وصراخاتكم ضد بعض. ولا أقول لكم اتركوا الانتقاد؛ كلا، فإن المجتمع مجتمع حرّ، ويحمل أفكار حرة، ويحق له الانتقاد، وهو مدعاة للتقدم، ولكن لا ينبغي أن نخلط بين العدوّ الرئيسي وبين العدو من الدرجة الثانية والصديق الذي ليس بعدو وإنما نختلف معه في وجهات النظر، فإن العدو الرئيسي يقبع في مكان آخر، وهو ذلك العدو الذي يحاول أن ينتزع من الشعب الإيراني إنجازه العظيم المتمثل في تواجد الشعب، والسيادة الوطنية، ونفوذ الأفكار القرآنية والإسلامية بين الناس، هذا هو ذلك الإنجاز العظيم الذي يحقق لنا التقدم، وقد قطعنا حتى يومنا هذا أشواط كبيرة في المسيرة التقدمية، وهو الكفيل بعد ذلك لبلوغ أهدافنا. هذا ما يريدون انتزاعه من أيدي الناس، ويسعون إلى إحلال حكومة جائرة، عميلة، مفتونة بالغرب ومستسلمة له ومنبهرة به، هذا هو هدفهم. وعلينا أن لا نتغافل عن هذا الأمر وأن نراقب هذا العدو.
توصيتي إلى الشباب هي أولاً أن يتابع طلاب الجامعات وطلاب المدارس دراساتهم جيداً. فإن العلم باعث على الاقتدار، وإن من أهم مقوّمات الاقتدار الوطني هو العلم والمعرفة، فعليهم أن يواصلوا دراساتهم العلمية، وأن يرجّحوا الأهداف العامة على الرغبات الشخصية، وأن يزيدوا من بصيرتهم يوماً بعد آخر تجاه الأوضاع الراهنة والماضي التاريخي القريب، وأن يتمكنوا من مشاهدة المشهد الذي يجري في العالم المعاصر.
فإن المشهد الكبير الذي يجري في العالم المعاصر، هو وقوف القوى المستكبرة في جانب، بقدراتها المادية، وبالإرعاب الذي تمارسه، وبالهيبة التي تُظهرها، وتقهر الآخرين بها؛ هذا في جانب، وهناك بعض البلدان الضعيفة التي لا تملك الجرأة على البروز والظهور، ويوجد في وسط هذه البلدان بلد يدين بصوت بليغ هذا الوضع، وهو الجمهورية الإسلامية. فإنها اليوم وبصوت بليغ ومن دون خوف من العدو ومن تهديده، تصرخ بوجه الظلم ونظام الهيمنة والاستثمار والاستعمار، وهذا ما باتت تسمعه الشعوب وتتأثر به. وأقولها لكم بأن الشعوب قد تأثرت بحركة الشعب الإيراني، وهذا ما هو مشهود في العالم، ولاسيما في العالم الإسلامي، فإنهم يكنّون للشعب الإيراني ولأعلام الثورة ولإمامنا الخميني الجليل من الاحترام والتكريم ما لا يكنونه لأي شخص آخر، والسبب في ذلك يعود إلى أن هذا الصوت البليغ يصل إلى مسامعهم، فلا تفقدوا هذا الصوت البليغ. -هنا تعالى هتاف الموت لأمريكا-(7) واعلموا أن شعاركم هذا «الموت لأمريكا»، والهتاف الذي يطلقه الشعب الإيراني، يرتكز على ركيزة ودعامة منطقية وعقلانية رصينة، ومن الواضح أنه ليس المراد من «الموت لأمريكا» هو الموت للشعب الأمريكي، فإن الشعب الأمريكي حاله حال سائر الشعوب، وإنما يعني الموت للسياسات الأمريكية، والموت للاستكبار، هذا هو معناه. وهو يستند إلى رصيد عقلاني، وينطق به دستورنا وتنطق به أفكارنا الأساسية والمنطقية والعميقة، وينشدّ إليه ويتقبله كل شعب نوضّح له هذا المعنى.
نحمد الله على أن الجمهورية الإسلامية قد شقّت طريقها إلى الأمام وباتت تمضي قُدماً. ولا يساورني أي تردد بأنكم أنتم الشباب الأعزاء سوف تشهدون الأيام التي قد تحققت فيها الكثير من هذه الأهداف السامية التي رسمتها الجمهورية الإسلامية في هذا البلد، ولا أشك أن المستقبل سوف يسير في هذا الاتجاه، وسوف تتمكنون إن شاء الله من بناء بلدكم، وسوف تستطيعون أن تكونوا ملهمين لسائر الشعوب، وسوف يتسنى لكم بتوفيق من الله الإطاحة بالجبابرة الذين يثيرون الرعب في نفوس الشعوب، وتحرير الشعوب من نير الخوف والرعب منهم إن شاء الله؛ هذا مستقبل سوف تشهدونه أنتم الشباب بتوفيق من الله بالتأكيد، شريطة أن تواصلوا طريقكم، وأن تتحركوا بإيمان وأمل، وأن لا تفقدوا بصيرتكم، وأن تأخذوا في كافة قضايا البلد المختلفة - وهي قضايا كثيرة سنتناول الحديث عنها في المستقبل - الموازين والمعايير الرئيسية بنظر الاعتبار، فإن هذا هو الذي سيؤدي إلى أن تقطعوا خطواتكم في هذا المسير بشكل صحيح.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يحشر شهداءنا الأعزاء مع النبي، وأن يحشر إمامنا الخميني العظيم مع أوليائه، وأن يمنّ على شبابنا الأعزاء يوماً بعد يوم بمزيد من التوفيق والنجاح للسير نحو الأهداف العليا.
والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته‌


الهامش:
1- سورة الفتح، جزء من الآية رقم 29.
2- سورة التوبة، جزء من الآية رقم 12.
3- صحيفة وصايا الإمام الخميني (رض)، ج1، ص42؛ خطابه أمام عامة الشعب ( 1964/10/26).
4- سورة محمد، جزء من الآية رقم 7.
5- وزير خارجية أميركا.
6- ضحك الحاضرين من بيت شعر قصيدة (الفأر والقط) للشاعر عبيد زاكاني ( ياللبشرى فقد أصبحت القطة من العبّاد.. عابدةً زاهدة ومن المسلمينا).
7- تعالي شعار " الموت لأمريكا " من قبل الحاضرين.