موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي

كلمة قائد الثورة الإسلامية المعظم في لقائه مسؤولي النظام وسفراء البلدان الإسلامية وجمعاً من عوائل الشهداء بمناسبة المبعث النبوي الشريف.

بسم الله الرحمن الرحیم (1)

الحمد لله ربّ العالمین، والصلاة والسلام علی سیّدنا ونبیّنا أبي القاسم المصطفی‌ محمّد وعلی آله الأطیبین الأطهرین المنتجبین، سیّما بقیّة الله في الأرضین.

 

أقدم التهاني والتبريكات بمناسبة يوم المبعث لكم أيها الحضور الكرام، وللإخوة والأخوات الأعزاء، وللمسؤولين المحترمين في البلد، ولسفراء البلدان الإسلامية الحاضرين في هذه الجلسة، ولكل أبناء الشعب الإيراني، وللأمة الإسلامية كافة، وللبشرية جمعاء. فإن البشرية في الوقت الراهن حقاً أحوج إلى إدراك مفهوم البعثة وحقيقتها من أي وقت آخر.

لقد وجّه القرآن الكريم خطابه في هذه الآية الشريفة: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ﴾، إلى البشرية برمتها، ثم يقول في آخرها: ﴿بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ (2). بيد أن آلام البشر، والشدائد الـمُلمّة بحياة الناس وبالمجتمعات البشرية، إنما هي عبءٌ ثقيلٌ على نفس النبي الأعظم (ص)، فإنه ﴿حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ﴾، ومتشوّق لهدايتهم وسعادتهم. فالبعثة جاءت لجميع الناس. والـمُلفت مواساة القرآن للنبي الأكرم في تتمة نفس هذه الآية: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ (3)؛ توجّه بخطابك إلى البشرية، واقطع الخطى في سبيل صلاحهم وإصلاحهم، وتوكّل على الله الواحد الأحد، فالأمور برمتها في قبضته، والسنن الإلهية مسخَّرة لخدمة هذه الحركة. إذن فنحن اليوم بحاجة إلى معنى البعثة ومفهومه، والبشرية بحاجة إليه كذلك، ولاسيما الأمة الإسلامية.

إن عيد المبعث هو عيد النهوض والانبعاث لإزالة الآلام والمحن العالقة على البشر، ولذا فهو يمثل عيداً حقيقياً. وغالبية الشدائد التي تعاني منها البشرية على امتداد التأريخ، والتي مازالت مستمرة إلى يومنا هذا بأشكال مختلفة، هي: عبودية غير الله، واستشراء الظلم والإجحاف، والاختلاف الطبقي، وشدائد الضعفاء، وغطرسة المتغطرسين والأقوياء، هذه هي الآلام التي تعاني منها البشرية باستمرار، وقد فرضها عليهم الجبابرة العتاة بدوافع فاسدة ومُفسدة على الدوام، والبعثة جاءت لإزالة هذه الآلام وتبديدها. وفي الحقيقة يوم المبعث يمثل يوم الرجوع إلى الفطرة الإلهية، لأن كل هذه الشدائد والآلام والمحن والاضطرابات مرفوضة في الفطرة الإلهية التي أودعت في سريرة البشر. وقد فَطَر الله الناس في فطرته على مناصرة الحق والعدل والجهاد في سبيل المظلومين.. هذه هي الفطرة الإنسانية.

إن لأمير المؤمنين (ع) في الغاية من بعثة الأنبياء عبارة وردت في كتاب نهج البلاغة الشريف، لا بد من التدبّر فيها كثيراً، وهي قوله: «لِیَستَأدُوهُم میثاقَ فِطرَتِه»، أي أن الأنبياء يدفعون الناس للعمل بميثاق الفطرة التي أودع في باطن البشر، والإقرار به، فإن الله سبحانه وتعالى يريد من البشر أن يكونوا أحراراً، وأن يعيشوا على جادّة العدل والصلاح، وأن لا يعبدوا غيره. «لِیَستَأدُوهُم میثاقَ فِطرَتِهِ وَیُذَکِّروهُم مَنسِيَّ نِعمَتِه». ذلك أننا نغفل عن نعمة الوجود، ونعمة الصحة، ونعمة العقل، ونعمة الأخلاق الحسنة الذي أودعها الله في سريرة الإنسان، والبشر ينسى هذه النعم، والأنبياء بدورهم يُذكرون الناس بها. «وَیُذَکِّروهُم مَنسِيَّ نِعمَتِه وَیَحتَجّوا عَلَیهِم بِالتَّبلیغ»، أي أنهم يتموّن الحجة على الناس، ويوصلون إلى مسامعهم كلمة الحق، ويكشفون لهم الحقائق؛ ذلك أن التبيين والبيان هو الواجب الأهم الملقى على عاتق الأنبياء. وأعداء الأنبياء يستغلون حالات الجهل وكتمان الحقائق، ويتستّرون خلف ستار النفاق، والأنبياء يشقّون ستار الجهل والنفاق. «وَیُثیرُوا لَهُم دَفائِنَ العُقول»، فقد جاء الأنبياء ليدفعوا الناس إلى التعقّل والتفكّر والتدبّر، فانظروا يا لها من أهداف كبرى تنشدها البعثة، وكم هي البشرية بحاجة إليها في هذا اليوم! وبعد إثارة دفائن عقول الناس، «وَیُرُوهُم آیاتِ الـمَقدِرَة»(4)، أي أنهم يهدون عقول البشر إلى التوحيد وإلى آيات الله، ويضعون أمام أنظارهم آيات قدرته. فإن العقل الذي لم يبلغ الهداية، لا يستطيع من دون هداية الأنبياء إدراك الحقيقة كما هي. والأنبياء هم الذين يقودون العقل الإنساني ويرشدونه، ويقوم العقل بما وهبه الله من قوة وطاقة، بطيّ طريق الحياة العصيب، وكشف الحقائق للإنسان. فإن قوة العقل والتفكّر لا تتسم بالأهمية إلا إذا اقترنت بهداية الله ومدده.. هذه هي البعثة.

والجبهة التي تواجه البعثة، هي جبهة الجاهلية. ولا ينبغي اعتبار الجاهلية أمرٌ يختص بحقبة تأريخية محددة ومعينة ليتسنى لنا القول بأن النبي آنذاك قد تصدى للجاهلية ومضى ذلك اليوم، فإن الجاهلية لا تتلخص في ذلك اليوم، بل مستمرة، كما هي البعثة كذلك. ]يقول الشاعر:[

 

المياه العذبة والمالحة متصلة مع بعض

تجري في الخلائق إلى النفخ في الصور (5)

إن لهاتين الجبهتين تواجدهما في أوساط البشر. وإنّ هذه الجاهلية التي تقف في وجه بعثة الأنبياء، لا تعني فقدان العلم، والجهل هذا لا يقابل العلم، بل قد يصبّ العلم في خدمة الجاهلية، كما هو الحال في هذا اليوم. حيث تقدّم العلم البشري في العالم المعاصر، ولكنه مسخَّرٌ لخدمة نفس تلك الجاهلية التي بُعث الأنبياء من أجل القضاء عليها. وإنما تقابل هذه الجاهلية العقل الذي تمت هدايته بواسطة الأنبياء والباري تعالى. فإن ساد العقل على حياة البشر؛ العقل المستظل بظلّ هداية الأنبياء، ستكون الحياة محفوفة بالسعادة، وهذا ما يجب تتبّعه. وأما إذا لم يكن العقل البشري هو السائد، وكانت الشهوة والغضب والأنانيات هي الحاكمة، يومذاك ستحترق البشرية في موقدٍ متّقدٍ من التعاسة والشقاء؛ الأمر الذي شاهدناه على مدى التأريخ، ونشاهده اليوم أيضاً.

حينما تهيمن الشهوة والغضب على سلوك الناس، عندذاك سترون كيف أنه في غضون حربين عالميتين، يتضرّج الملايين من الناس بدمائهم، وتقفد النفس الإنسانية قيمتها، وتُنتهك حرمة الإنسان. ثم إن هذه الهيمنة، سواء هيمنة الشهوة والغضب، أو في قبالها هيمنة العقل المهديّ على يد الأنبياء، متوافرة في جميع المتسويات الفردية والاجتماعية والدولية. فعلى الصعيد الدولي، لو كان الحاكم على سلوك الأقوياء الدوليين، هو العقل الإلهي المهديّ، لظهرت الدنيا بنمط، ولو كانت الأنانيات والنزوع إلى السلطة وإثارة الفتن هي الحاكمة، لظهرت الدنيا بنمط آخر. هذه هي الـمُلمّات التي ألـمّت بالبشر. وقد يكون للبعثة التي تتصدى لهذا التيار الجاهلي، تواجدها في كل عصر وزمان، وللناس جميعاً مسؤوليتهم حيال ذلك.

إن حصيلة هيمنة تلك الجاهلية وسيطرتها هو الاستعمار، وإذلال الشعوب، ونهب ثرواتها المالية، وإفساد مصادرها الإنسانية. وستشهدون في حال سيطرة الجاهلية، سحق الكثير من شعوب العالم تحت وطأة الاستعمار، ونهب ثرواتهم، وإذلالهم، وتخلّفهم لسنوات مديدة. فقد تخلّفت بعض الشعوب المستعمَرة لعشرات السنين، والبعض الآخر لقرون.

يقول جواهر لال نهرو(6) في مذكراته؛ قبل أن ترزح الهند تحت هيمنة الإنجليز، كانت حينها تتمتع بحضارة متقدمة، وصناعة متطورة، ومنتوجات متقدمة، فدخل الإنجليز، وأمسكوا بزمام حكم ذلك البلد الكبير الواسع، وفرضوا عليه التخلّف، من أجل نموّهم أنفسهم. فإن دولة الإنجليز الصغيرة والنائية أصبحت مقتدرة بسبب ما نهبته من ثروات بلدٍ كبير، بحيث ساقت ذلك البلد إلى حيث البؤس والتعاسة. هذا هو الاستعمار، وهذه هي هيمنة الشهوة والغضب.

وبعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، اندلعت - كما قيل وكُتب - عشرات الحروب الداخلية، كلها على يد العتاة والجبابرة. ولكم أن تنظروا اليوم، ما الذي يجري في منطقة غرب آسيا؟ وما الذي يحدث في شمال أفريقيا؟ ومن الذي أشعل نيران هذه الحروب؟ ومن الذي زوّد الأشرار والفاسدين بالسلاح والمعدات، وحرّضهم على إثارة الفتن في عددٍ من البلدان، وعلى هدم بناهم التحتية وتدميرها؟ هذا هو الشيطان. ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا﴾(7). هكذا هم الشياطين، حيث يضعون يداً بيد، ويؤسسون الأنظمة، وحين يتغلّبون على التيارات الحاكمة في العالم، تصل أوضاع البشرية إلى ما تشاهدونها في الوقت الراهن.

وإنّ عِداء المؤمنين الصادقين، وعِداء الجمهورية الإسلامية مع الصهيونية، ناجم من هذه الحقائق. إذ لا يوجد صراع شخصيّ لنا مع أحد، ولكن حين يبسط الكيان الصهيوني، إلى جانب شبكة الرأسماليين الصهانية الوسيعة، سيطرته على الدول، ويهيمن على دولة كالولايات المتحدة الأمريكية - بحيث لا يتقدم فيها أي أحدٍ، ولا يتسلم زمام السلطة أي حزبٍ أو شخص إلا بدعمهم ومساندتهم - يصل العالم إلى ما تشاهدونه في هذا اليوم. وهذه هي العوامل التي آلت إلى اندلاع الحركة العظيمة للأمة الإسلامية والشعب الإيراني وإلى انطلاق الصحوة الإسلامية في العالم. والأعداء بدورهم يرون أن سبيل الحلّ يكمن في تشويه سمعة الإسلام وسمعة إيران وسمعة الشيعة.

فإن السياسة الحتمية للإدارة الأمريكية وأتباعها في الظرف الراهن هي مقارعة الإسلام ومناهضة إيران ومحاربة الشيعة؛ هذا هو نهجهم، وهذه هي سياستهم المؤكدة. فإن غفلت الشعوب، تقدّموا، وإن صحت الشعوب وتيقّظت، ظهر أمامهم سدٌّ منيعٌ، يؤدي إلى أن تثور ثائرتهم وتتعالى صرخاتهم بأنكم لماذا تتواجدون في منطقة غرب آسيا؟ ولماذا تحولون دون تحقيق مآربنا؟

قبل يومٍ أو يومين، أعلن المتحدثون باسم أمريكا أن معارضة إيران للسياسات الأمريكية في منطقة غرب آسيا - وعلى حدّ تعبيرهم الشرق الأوسط - هي التي تؤول إلى أن نفرض العقوبات عليهم ونتصدى لمواجهتهم. ولكن ماذا يعني ذلك؟ يعني: أيها الشعب الإيراني! يا من تتسمون بالوعي والبصيرة والوقوف على مجريات الأحداث في المنطقة، تراجعوا واسمحوا لنا بأن نعمد إلى تمرير مشاريعنا، وأن نقوم بما يحلو لنا، وهذا يعني مواصلة الممارسات الشيطانية.. هذه هي أوضاع الجاهلية التي لها وجودها في هذا اليوم أيضاً.

فإن سيطرت الجاهلية، وتغلّبت القوى الشيطانية، ظهر الطغيان؛ وهذا هو المراد بالطاغوت. ﴿الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ﴾(8)، هذا هو المعيار. فإنّ الشخص إذا ما قطع أيّ خطوة في سبيل الطاغوت، سيدخل في معسكر الطاغوت. والطاغوت عمله: الإفساد والفساد. ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ﴾(9). فإن الله يريد صلاح البشر، والطاغوت يريد فسادهم.

إنهم يقتلون مئات الآلاف ويبيدونهم في مدينة أو مدينتين بقنبلة واحدة، وبعد مضي سنوات طويلة، يرفضون تقديم أيّ عذر، حيث طالبوهم بأن يعتذروا بسبب حادثة هيروشيما، ولكنم رفضوا الاعتذار. ويدمّرون البنى التحتية لبلدٍ كأفغانستان والعراق وسائر بلدان المنطقة، إما بأيديهم مباشرة أو بأيدي عملائهم، دون أن تأخذ منهم مأخذاً، بل ويواصلون الطريق، وهذا هو قوله: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ﴾. هذا التيار وهذا المعسكر هو معسكر الجاهلية. والجاهلية المعاصرة في الروح والمعنى، هي الجاهلية بعينها في عهد النبي (ص)، ولكن بآليات وهيكلية وتدابير جديدة. وهذه الأوضاع تحمّل المسلمين كافة والأمة الإسلامية جمعاء وظيفة حتمية، ألا وهي وظيفة المواجهة والتصدي.

إن الجمهورية الإسلامية ومنذ انطلاقها، لم تبدأ بأيّ حربٍ ولم تمارس أية حركة سياسية ضدّ أي بلد، ولكنها أعلنت كلمتها وشعارها بصوتٍ مرتفع. وإمامنا الخميني العظيم قد وضع الإسلام الأمريكي إلى جانب الإسلام المتحجر. وإنهما معاً يقفان في وجه الإسلام الأصيل، ويخافان منه.

وإن هذه الجماعات الفاسدة والمفسدة التي تعيث الفساد في البلدان الإسلامية، وتشوّه الإسلام، وتخرج كبد الإنسان من صدره باسم الإسلام وتقطّعه بأسنانها أمام الأنظار والكاميرات، وتقوم باسم الإسلام بإحراق الناس وهم أحياء أمام الكاميرة وأمام أنظار الملايين، تحظى بدعم واهتمام وتأييد ومساندة القوى الغربية المرموزة. فإنهم يشكّلون تحالفاً ضد داعش بحسب الظاهر، بيد أنّ الأنباء والمعلومات الصحيحة تفيد بأن هذا التحالف ليس تحالفاً حقيقياً، وهذا الصراع ليس صراعاً حقيقياً، وإنما هو عملٌ صوري. وحين يريدون التحدث في إعلامهم ضدّ هذه الجماعات المفسدة والفاسدة، يعبّرون عنها بالدولة الإسلامية، وهذا يعني أن أولئك الذين يتعاملون مع الناس بتلك الطريقة، ويبيدون الأطفال بتلك الطريقة، ويخدعون الصغار بتلك الطريقة للنزول إلى ساحة العمليات الانتحارية، هل يمثّلون دولة إسلامية؟! هذه هي مقارعة الإسلام.

وإن الواجب الملقى اليوم على عاتقنا نحن المسلمين، هو التعرّف على حقيقة البعثة وإيقاف العالم عليها. فالبعثة تعني النهوض من أجل إنقاذ الإنسان وإنقاذ البشر، والبعثة تعني إقامة نظام الصلاح والسداد في أوساط المجتمع البشري.. هذا هو معنى البعثة. البعثة تعني النصح وطلب الخير لجميع البشرية. فإننا نطلب الخير لكافة أبناء البشر، بل وندعو حتى لأولئك الرؤساء الفاسدين المفسدين في الأنظمة الطاغوتية بأن يقوم الله سبحانه وتعالى إما بهدايتهم وإمالتهم عن طريق الباطل، أو إماتتهم لئلا يتوغلّون في الفساد أكثر، ولا يوجبون غضب الله أكثر، وهذا حقاً دعاء بالخير. فإن الإسلام والنبي يريدان الخير للبشرية جمعاء.

وإن هذه الحركة التي انطلقت بها الإمة الإسلامية، وهذه النهضة التي اندلعت في العالم بعد تشكيل نظام الجمهورية الإسلامية، والتي لم يتمكّنوا من وأدها رغم كل جهودهم، بل وأخذت تزداد قوة وعُمقاً يوماً بعد آخر، ستكون مُكلَّلة بالنصر لا محالة، وعِداء الأعداء لا يستطيع القضاء على هذه الحركة العظيمة.

وهنا يجب علينا العمل بالتوصية والأمر الوارد في هذه الآية القرآنية الشريفة التي تلوتها: ﴿فَقُلْ حَسْبِيَ الله﴾.. إن رأيتَ أنهم يعارضونك، ورأيتَ أنهم يُعرضون عنك، ورأيتَ أنهم يُحيطون بك من كل جانب وبشتى الأدوات، ﴿فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾. وهذا هو توكّل إمامنا الخميني العظيم الذي دلّنا على الطريق، وأوصلنا إلى هذه المكانة، وسوف يواصل الشعب الإيراني الطريق بنفس هذا التوكّل إن شاء الله، وسوف تجّسد الأمة الإسلامية، ومن خلال الصحوة الإسلامية، هذه الحقائق أكثر فأكثر.

وإن نصرة الإسلام ونصرة المسلمين في نهاية المطاف أمرٌ محتوم، سوى أن هناك واجبٌ في أعناقنا، وهذا الواجب يقع على عاتق الأفراد، وعلى عاتق الجماعات، وعلى عاتق النخب السياسية، وعلى عاتق رؤساء الدول الإسلامية، فمن يعمل بواجبه، يقع أجره على الله تعالى، ومن لم يعمل بواجبه ﴿فَسَوفَ یَأتِي اللهُ بِقَومٍ یُحِبُّهُم وَیُحِبُّونَه﴾(10)، ]ولنعلم[ بأن الأمانة الإلهية لا تبقى مطروحة على الأرض، وأن هذا الطريق سوف يستمر. سائلين الله أن يجعلنا من أولئك الذين لا يطرحون هذه الأمانة أرضاً على الإطلاق.

والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته‌

 

الهوامش:

1- في بداية هذا اللقاء تحدّث حجة الإسلام والمسلمين حسن روحاني رئيس الجمهورية.

2- سورة التوبة، الآية 128.

3- سورة التوبة، الآية 129.

4- نهج البلاغة، الخطبة رقم 1.

5- ديوان المثنوي المعنوي، الدفتر الأول، لجلال الدين الرومي "مولوي".

6- جواهر لال نهرو، أول رئيس وزراء بعد إستقلال الهند من الإستعمار البريطاني.

7- سورة الأنعام، جزء من الآية 112.

8- سورة النساء، جزء من الآية 76.

9- سورة البقرة، الآية 205.

10- سورة المائدة، جزء من الآية 54.