موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي

كلمة قائد الثورة الإسلامية المعظم خلال لقائه رئيس ونواب مجلس الشورى الإسلامي بمناسبة بدء أعمال الدورة العاشرة لمجلس الشوری الإسلامي

 

بسم الله الرحمن الرحیم (1)

والحمد لله ربّ العالمین، والصلاة والسلام علی سیّدنا ونبیّنا أبي القاسم المصطفی محمّد وعلی آله الأطیبین الأطهرین المنتجبین، سیّما بقیّة الله في الأرضین.

أرحّب بكم خير ترحيب أيها الإخوة والأخوات الأعزاء الذين ستمارسون دوراً مفصلياً في مسيرة تقدّم البلاد إن شاء الله، وتشكّلون الأجزاء المقوّمة لأحد أكبر أركان البلد والثورة. وأبارك لكم جميعاً إحرازكم هذا النجاح، فقد منّ الله تعالی عليكم بهذا التوفيق، وبوّأكم هذه المكانة السامية والحمد لله.

بادئ ذي بدء أقول بأنه تمر علينا الأيام الأخيرة من شهر شعبان، ونحن علی أبواب شهر رمضان. فلنتوجّه بقلوبنا إلی كسب مرضاة الله والنهوض بالمسؤولية الإلهية. وأقول لكم أيها الإخوة والأخوات الأعزاء! اعرفوا قدر هذه الفرصة، واعلموا أنها سرعان ما تنقضي، وأن السنوات الأربع تمرّ كلمح البصر. حالها حال أعمارنا، فإن المرء إذا ما أجال ببصره إلی ما ورائه، رأی أن هذه الفترة قد انقضت كالبرق الخاطف، وانتهی كل ما فيها من أفراح وأتراح وشدائد ومرارات وحلاوات وملذات ومحن. ولو تسنی للإنسان أن يجعل في هذا الطومار الطويل - البالغ بشأن أمثالي أنا الحقير سبعين إلی ثمانين عاماً علی سبيل الفرض - نقطة يستطيع أن يحتسبها عند الله سبحانه وتعالی وأن يترجّی منها خيراً، فنعمّا ذلك، وأما إذا افتقدنا في هذا الطومار الطويل إلی عملٍ يكون بوسعنا الدفاع عنه أمام الله سبحانه وتعالی - فإن الإنسان معرَّضٌ للحساب - ستتّسم الحياة بالخسران، كما في قوله: ﴿إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ (2).. الإيمان والعمل الصالح، فإن اشتملت الفترة التي انقضت من أعمارنا علی الإيمان والعمل الصالح، ليس ثمة خسارة، وإنما هو ربح بنفس ذلك المقدار، وأما إن لم تشتمل عليهما لا قدّر الله، أو أن الإنسان إذا ما حاسب نفسه، ووجد أنّه بالإمكان الخدش والنقاش فيها، عندذاك سيصعب أمره كثيراً.

الإمام السجاد (ع) يخاطب ربه في دعاء أبي حمزة الثمالي قائلاً: «اَللّهُمَّ ارْحَمْنِي إِذا انْقَطَعَتْ حُجَّتِي، وَكَلَّ عَنْ جَوابِكَ لِسانِي، وَطاشَ عِنْدَ سُؤْالِكَ إِيّايَ لُبِّي» (3). ارحمني في ذلك الوقت الذي تسألني فيه ولا يوجد لديّ جواب أقدّمه بين يديك - وذلك حين يبدأ حساب الأعمال، ويتعيّن علی المرء الجواب - «كَلَّ عَنْ جَوابِكَ لِسانِي»، و«انْقَطَعَتْ حُجَّتِي» ونفدت براهيني واستدلالاتي - فإن لكل إنسان أدلة يحملها: "قمت بهذا العمل لهذا الدليل ولذاك السبب"، ولكن بعد أن تُردُّ كل واحدة منها، يبقی صفر اليدين - «وَطاشَ عِنْدَ سُؤْالِكَ إِيّايَ لُبِّي»، وبقي عقلي وقلبي وروحي أمام هذه الأسئلة المتتالية في تيه وحيرة. وهذا ما جرّبته بنفسي، وما كنتُ عازماً من قبل علی ذكر هذه التجربة، ولكنها انقدحت الآن في ذهني، وجرت علی لساني، وسأطرحها عليكم.

عندما تعرّضتُ لحادثة الاغتيال عام 1981 في مسجد أبي ذر، أصابتني حالة الإغماء. وخلال الفترة التي كانوا قد حملوني فيها من المسجد إلی السيارة، استفقتُ مرتين أو ثلاثة، ورجعت إلی حالة الإغماء، حتی دخلتُ أخيراً في غيبوبة كاملة. وفي إحدی هذه الإفاقات، شعرت بأن هذه هي اللحظة الأخيرة، وأحسست بالكامل أن الأجل قد حان وقته. وفجأة تجسّدت كل حياتي أمام عيني. وتساءلتُ في نفسي: ماذا أملكه الآن لتقديمه؟ ومهما فكّرت، وجدت أن أعمالي كلها بالإمكان أن تخضع للبحث والنقاش. فقد جاهدنا، ودخلنا السجون، وتعرّضنا للتعذيب، ومارسنا التدريس، وبذلنا الجهود - وهذه بالتالي هي الأمور التي تنقدح في ذهن الإنسان - ولكني رأيتُ في تلك اللحظة أنّ بالإمكان أن يناقشوني في كل واحدة منها، قائلين بأنك في القضية الفلانية من الممكن أن تكون قد خلطت نيّتك بنية غير إلهية، وبهذا يتبدّد العمل! وفجأة أحسستُ بأني معلَّقٌ بين السماء والأرض، كالإنسان الذي لا يجد لنفسه أي ملجأ ولا مأوی. فقلت يا إلهي! إنك تری حالي، وأنا لا أملك شيئاً علی الظاهر، وحين أحاسبُ نفسي، أجد أنني صفر اليدين، إلا أن تكون أنت الذي ترحمني. وهذه حالة تتحقق للإنسان. فلنحاول اغتنام هذه الفرص.

لقد توافرت لكم فرصة جيّدة، وهي أربعة أعوام في مجلس الشوری الإسلامي؛ المكان الذي يُعنی بإدارة البلاد وعملية التشريع وسنّ القوانين، وهي عملية في غاية الأهمية، تقوم في الحقيقة - كما ذكرنا مراراً - بوضع السكك وتعبيد الطريق. فإنكم تقومون أولاً بتعبيد الطريق لمسيرة الحكومة، ثم يتأتی لكم من خلال الصلاحيات التي منحها الدستور لكم - ومنها التحقيق والتحري المصرّح بهما في الدستور - أن تضمنوا إنجاز هذه المسيرة، لا عن طريق التوصية وحسب، بل بمقدروكم وفق الصلاحيات القانونية متابعة الأمر وتقصّيه والتحقيق فيه، وهذا لا ينافي التعاون مع الحكومة مطلقاً. فإني كنت أحمل هذه العقيدة في جميع الحكومات ولا أزال أعتقد بضرورة أن يتعاون المجلس مع الحكومة، بيد أن هذا التعاون لا يعني تنازل المجلس عن حقوقه، فلا بد لكم من استيفاء حقوقكم، ومن القيام بالتحقيق والتتبع والمؤاخذة متسائلين: لماذا لم يتحقق؟ ولماذا تحقق قليلاً منه؟ ولماذا تحقق بصورة أخری؟ وهذه فرصة بالغة الأهمية، فاعرفوا قدرها.

في بداية الثورة، حينما بدأ يدور الحديث عن الانتخابات الرئاسية، وراحت تُطرح أسماء مختلف المرشحين، تحرّكتُ بمعيّة أحد أصدقائي، متّجهين من طهران إلی قم للتشرف بخدمة الإمام الخميني - حيث كان حينها يسكن مدينة قم -، وكان ذلك في وقتٍ ضيّقٍ عصيبٍ، والإمام في داخل بيته، وأخيراً بعد اللتيا والتي تشرّفنا بخدمته. والسبب أن الإمام كان قد منع المعممين من الترشيح لرئاسة الجمهورية، فذهبنا إلی سماحته لنُباحثه ونُحاججه في أن يرفع هذا المنع، وذلك من أجل أن نطرح السيد الشهيد بهشتي (رضوان الله تعالی عليه)، حيث كنا نری أنه أفضل من الجميع. والسبب من ذهابنا هو التباحث مع سماحته حول هذه القضية، فتبادلنا الحديث فيما بيننا، وقلنا وسمعنا، وأخيراً قال لنا اذهبوا وحافظوا علی المجلس لأهميته، ولم تكن حينذاك قد أُجريت الانتخابات النيابية. فكانت هذه هي وصيته لي ولصاحبي، ومعناها عدم الإصرار من قِبَلنا علی قضية الحكومة، والمجلس باعتقاده أهم من الحكومة والسلطة التشريعية.

والآن ينبغي لكم أن تسألوا الله وتستعينوا به حقاً! وها هو شهر رمضان علی الأبواب، والصيام فيه فرصة، والدعاء فرصة، وإحياء الليل فرصة، وصلاة الليل التي غالباً ما يُوفَّق المؤمنون لأدائها في هذه الليالي أكثر من غيرها فرصة. فادعوا الله وتضرّعوا إليه واسألوه أن يوفّقكم للنهوض بهذه المهمة الكبری.

وفيما يلي أود أن أستعرض لكم بضعة نقاط: نقطة حول أساس وظيفة المجلس، وأخری حول قضية القانون، وثالثة حول الموضوع الاقتصادي، ورابعة حول الشأن الثقافي، وخامسة حول السياسات العامة وقضايا السياسة الخارجية، وما إلی ذلك.. هذه هي مواضيع عدة سأطرحها عليكم إن شاء الله.

 لقد أنيطت إليكم في الدستور مهمة الدفاع عن مكاسب الثورة وأسس الإسلام، وهذا ما جاء في يمينكم. ولقد ذكرت في ندائي لكم (4) أن اليمين هذا يمين حقيقي؛ بمعنی أن نقض اليمين يستوجب الكفارة. فقد أقسمتم أن تحافظوا علی أسس الإسلام ومكاسب الثورة، وهذا أمرٌ هام. ولكن متی يتسنی ذلك؟ حين يقف المجلس علی رأس الأمور حقاً، وهذا أمرٌ موكول إليكم. ولا نُجامل في قولنا «المجلس علی رأس الأمور»، بل يجب أن يكون المجلس حقاً علی رأس الأمور، وهذا يعني أن يتخذ القرارات، وأن تصل قراراته إلی حيّز التنفيذ.

وأقولها لكم بأنه في مختلف الحكومات - سواء الحكومة الحالية، أو الحكومة السابقة، أو الحكومات التي سبقتها بعد رحيل الإمام، أو حكومتي في زمن الإمام - أحياناً ما يتفق أن تمرّ علينا وعلی الحكومات أزمات تسوقهم إلی الاستفادة من صلاحيات الولي الفقيه، وكنتُ في هذه الموارد مراقباً لئلا تؤدي هذه العملية إلی المساس بما تم التصويت عليه في المجلس ما أمكن. ذات مرة جاءت إحدی الحكومات السابقة وطالبت بشيء يقف علی النقيض تماماً من قانون الموازنة لذلك العام - القانون الذي كان متداولاً آنذاك بدلاً من الخطة التنموية في الوقت الراهن - ولكني رغم إصرارهم لم ألبِّ سُؤلهم، مع أنهم كانوا يعانون من بعض المشاكل، وقلت لهم بأن أعضاء المجلس قد اجتمعوا واتخذوا القرار وصوتوا علی قانون الموازنة بكل مشقة، ولا يمكن أن نعمد إلی قلب القانون بأسره رأساً علی عقب بكلمة واحدة. فلا بد أن يوضع المجلس علی رأس الأمور، وأن تُحفظ حرمته ووقاره وهيبته.

ذات يوم قلت علی ما يبدو للسيد لاريجاني أو أحد رؤساء المجلس، بأن المجلس كان يسير علی هذا المنوال حتی تربّع رضاخان علی كرسيّ الحكم، وبعد أن تسّلم رضاخان مقاليد الأمور، تبدّد المجلس والقانون والعملية والتشريعية وكل ما يدور في هذا الفلك. ولكن قبل مجيء رضاخان - حيث كانت قضية التشريع قائمة ومجلس الشوری دائراً، وكانت الحركة الدستورية قد انطلقت لتوها، وبالتالي قبل أن يتسلم رضاخان زمام السلطة - تزعّم رئاسة المجلس في دورته الثانية أو الثالثة مؤتمن الملك، وكان رجلاً حسن السمعة في عهد القاجار، وأخوه مشير الدولة كان رئيساً للوزراء، وهو الآخر أيضاً ذو سمعة طيبة؛ أي أن هذين الأخوين كانا يتسمان نسبياً بسمعة حسنة في نهاية عهد القاجار وبداية عهد البهلوي. إذن فالأخ الأكبر وهو مشير الدولة كان رئيساً للوزراء، والأخ الأصغر وهو مؤتمن الدولة كان رئيساً للمجلس. ذات يومٍ طلب رئيس الوزراء من المجلس وقتاً لتقديم تقرير وإلقاء خطاب في الساعة الثامنة صباحاً علی سبيل المثال. أخذت الساعة تشير إلی الثامنة صباحاً، ومشير الدولة لم يصل بعد، فنظر مؤتمن الملك إلی ساعته، ووجد أنها تشير إلی خمس دقائق بعد الثامنة، فقال لا تسمحوا له بالدخول. وبعد خمس دقائق وصل مشير الدولة إلی المجلس، فمنعوه من الدخول! فقد تأخّر رئيس الوزراء عن الموعد المقرر خمس دقائق، وإذا برئيس المجلس، وهو أخوه الأصغر، يمنعه من الدخول، وهذا هو المراد من اقتدار المجلس وهيبته، وهو الذي يجب عليكم الاحتفاظ به، وهو واجب يقع علی عاتقكم، وأنتم من يتأتی لكم القيام بذلك.

وإن من الأمور التي بوسعها أن توفّر ذلك وتضمنه للمجلس حقاً، هي إشراف المجلس علی نفسه. وهذا ما ذكرته لأعضاء المجلس الثامن(5). فعلی المجلس أن يتولی مهمة الإشراف علی نفسه. لأنه بالتالي يتكوّن من مجموعة من الناس، ونحن أبناء البشر كلنا معرَّضون للخطأ، وهذا ما لا يقبل المزاح، ولا يعرف صغيراً أو كبيراً، ولا شيخاً أو شاباً، فجميعنا معرَّضون للخطأ والزلة. ولكن من الذي يجب عليه الوقوف أمام هذه الزلة؟ المجلس بنفسه. وهناك أنواع الزلات وأقسامها، فلو قام المجلس بالإشراف، وحال دون زلّة النائب، واستطاع النائب أن يحافظ على نزاهته وسلامة نفسه علی مدی هذه السنوات، عندذلك سينطلق لسانه، وسيتمكن من بيان ما يشهده من نقاط ضعف في أيّ مكان، فعلی المجلس أن يراعي ذلك. وأنا أطلب منكم ألّا تستهينوا بقضية إشراف المجلس علی ذاته، وأن تحافظوا عليها.

وأما قضية القانون، فإن تشريع القوانين يمثل مهمتكم الرئيسية، ولكن يمكن سنّ القوانين على نمطين: حسن وسيء، فبالإمكان وضع القوانين بصورة حسنة، وبالإمكان وضعها بصورة سيئة. ولا يقتصر الحُسن والسوء على أن يكون القانون حسناً أو سيئاً، بل قد تضعون قانوناً حسناً، ولكن الوضع بنفسه يتم بصورة سيئة، لماذا؟ لأنه لم تُراعَ الدقة في كيفية وضع هذا القانون، وفي انسجامه مع سائر القوانين، وفي وضوحه وشفافيته. فلا بد أولاً أن يكون القانون نوعياً، وكمية القوانين وكثرتها ليست بالأمر المطلوب كثيراً، بل يجب أن يتسم القانون بالنوعية. وما ذكره الدكتور لاريجاني هنا من وجود تخصصات مختلفة، أفرحني حقاً، والحمد لله! فإن لوجود المتخصصين والعلماء والمطّلعين والعقلاء في المجلس قيمة بالغة، ومن هنا فعليكم التدقيق أولاً في أن يكون القانون متقناً؛ أي أن تكون دلائل سنّ هذا القانون بالطريقة التي إذا ما نظر المرء إليها، وجد بأن هذا القانون يتسم بالإتقان. وأن يحمل نظرة شمولية، فالنظرة الجزئية وعدم الاهتمام بالجوانب المختلفة، يُخرج القانون من حيّز الانتفاع. وأن يكون واضحاً بحيث لا يحتاج إلى تعديلات متكررة، وإلى استعلامات متواصلة تصل إلى المجلس، فإن لم يكن القانون واضحاً وشاملاً، تتعاقب الاستعلامات عليه مستفسرين: هل مرادكم منه هذا أم ذاك؟ وأحياناً تكون نتيجة الاستعلام الصادرة عن المجلس مناقضة لمضمون القانون، فإن هذا القانون ليس بالقانون الجيد؛ بمعنى أن مضمونه قد يكون جيّداً، إلا أن طريقه وضع هذا القانون ليست جيدة، وإنما تمت بصورة سيئة. ولذا يجب أن يتسم القانون بالنوعية.

وكذلك تعارض القوانين، فإن واحدة من الأمور التي نعاني منها، هي قضية تراكم القوانين وكثرتها في شتى المسائل. وقد أشار الآن السيد الدكتور لاريجاني إلى قضية التخطيط الإقليمي، وهي قضية طُرحت، منذ أن كنتُ رئيساً للجمهورية، في مجلس الوزراء آنذاك، وقد مضى على ذلك الوقت ثلاثون عاماً ونيّف - وتداولنا حينها البحث حول كلمة «آمايش» (التخطيط) بأنها هل هي كلمة فارسية أم لا، وما هي جذورها وأصولها - وتقرر أن يتابعوها في ذلك الحين، والحكومات بأسرها تابعت هذه القضية، ولكنها لم تتحقق بعد. وقد وضعنا القوانين لتحقيقها، فهل من الصحيح أن تعمدوا الآن إلى إضافة قوانين أخرى عليها! بل لا بد من اختيار الطرق السريعة والمختصرة. وعلى سبيل الفرض، تريدون الآن وببركة التخطيط الإقليمي، والتعرّف على المواهب والطاقات المتاحة في المحافظات أو المناطق، أن تستثمروا الإمكانيات الكامنة في كل محافظة أو منطقة، وهذا جيّد جداً، ولكن إن لم يتم إنجاز هذا العمل عن هذا الطريق، فهناك طريق آخر. وعلى سبيل المثال، صحيح أن التخطيط العلمي لم يتحقق في محافظة خراسان، بيد أن المحافظ والمسؤولين المحليين فيها يعرفون عن إمكانيات تلك المحافظة ما لا يعرفه الساكن في العاصمة، وهذه فرصة بحد ذاتها، ويجب الاستفادة من هذه الطرق. ومن هنا أريد القول بأن تراكم القوانين وازديادها كمياً لا يعدّ حُسناً، والأساس هو أن يتصف القانون بالنوعية والشمولية.

كما ويجب الحؤول دون سنّ القوانين الممهّدة للفساد، ولا بد لكم من مراقبة هذه القضية بدقة. فإن من الأمور التي لا تختص بمجلسنا - علماً بأنها حدثت أحياناً في مجلسنا أيضاً لعدة مرات على ما في ذهني خلال هذه السنوات - ولكنها شائعة في مجالس العالم، هي وضع قانون ونسخه بعد عشرة أيام، وخلال هذه الأيام العشرة، يحوز البعض على المليارات! وهذا قانون يبعث على الفساد. وعلى سبيل المثال يمنعون في هذا القانون بيع سِلعة أو استيرادها أو تصديرها، ويستغل هذا القانون من عليه أن يستغله، وبعد عشرة أيام حين يُرفع هذا المنع، يحصل هذا الشخص على المليارات في ليلة وضحاها، وهذا قانون باعث على الفساد، وله وجوده بالفعل. فراقبوا بأن يكون القانون الذي تضعونه مضاداً للفساد.

والنقطة الأخرى المرتبطة بالقانون هي ترجيح المصالح الوطنية على القضايا المحلية. وبالطبع فإن للناس توقّعاتهم منكم أنتم الوافدون من مختلف مناطق البلد، بيد أن هذه التوقعات غير مقبولة بالكامل، وإنما هي مقبولة إلى حدّ ما. فأن يتصوّروا بأن دخولكم إلى المجلس من منطقتهم، سيؤدي إلى معالجة الطرق والماء والكهرباء والميزانية الحكومية وكل شيء يعود إليهم، فهذا أمرٌ متعذّر. ولا مراء في أنكم تشعرون بالمسؤولية حيال بعض متطلبات أهالي منطقتكم وتوقّعاتهم، وهذا ما لا إشكال فيه إلى حدّ ما، ولكن ما لم يتعارض مع المصالح الوطنية، وفي بعض الأحيان يتعارض معها، فعلى سبيل الفرض، لو كان هناك إصرارٌ على بناء مطارٍ في المحافظة الفلانية - والمطار من الأمور والبنى التحتية الباهظة الكلفة - وعلى أنه من الأمور الضرورية لمحافظتهم. وأنتَ تنظر في هذه القضية وترى أن المطار في الحقيقة ليس أمراً ضرورياً لتلك المنطقة، رغم أنه يعدّ امتيازاً لها، ولكن يوجد مطارٌ في جوارها من هذا الجانب أو ذاك، وهذا ذكرته على سبيل المثال، أفهل نصرف الأموال والإمكانيات والفرص التابعة لهذا البلد في أمرٍ لا يتسم بالأولوية! في مثل هذه المواطن تقوم بترجيح المصلحة الوطنية على تلك المصلحة المحلية. ومن هنا فإني لا أطالبكم بالإعراض كلياً عن المطاليب المحلية، وهذا أمرٌ غير ممكن، ولكن لو تعارضت مع المصالح الوطنية، يتعيّن عليكم مراعاة المصلحة الوطنية في سنّ القوانين بالتأكيد.

والنقطة الأخرى التي أود أن أطرحها عليكم في باب القانون، هي الاستفادة من الخبرات. وإن من الأجهزة الهامة التي يمكنكم أن تستفيدوا من الخبرة فيها، هي الجهاز الحكومي؛ ذلك أن للحكومة في مختلف القطاعات خبراء جيّدين. فاستفيدوا بالتأكيد من خبراء الحكومة، سواء في منظمة التخطيط والبرمجة أو في شتى القطاعات الأخرى، ولكن لا يختص الأمر بهم، ففي خارج الحكومة أيضاً إذا ما أجلتم بأبصاركم، لوجدتم خبراء في القضايا الاقتصادية - التي سأتطرق إليها باختصار - لا ينتمون إلى الحكومة، وإنما هم علماء في الاقتصاد يدرّسون في الجامعات أو في أماكن أخرى. فتجب الاستفادة من طبقة الخبراء لاتخاذ القرارات بالتأكيد.

وحاولوا أن يتطابق القانون مع الوثائق العليا والسياسات الـمُعلنة. وعلى سبيل المثال فإن الخطة التنموية السادسة في جدول أعمالكم، وهي بالغة الأهمية. وأقولها لكم بأن هذه الخطة في غاية الأهمية، ولا يجوز في خصوصها التقصير والتغاضي والتساهل مطلقاً، وهذا يعني ضرورة إتمام هذه الخطة بصورة كاملة جيدة دقيقة. إذ تمرّ علينا وعلى البلد في الوقت الراهن أوضاعٌ خاصة، سواء من الناحية الاقتصادية أو السياسية، ولذا فإن الخطة التي ترسمونها لمدة خمسة أعوام، يجب أن تكون كاملة بكل ما في الكلمة من معنى. وبالتالي حين يتم رسم هذه الخطة، ستدخل في عداد الوثائق العليا، والقانون الذي تضعونه، لا بد وأن يتطابق مع هذه الخطة أو الخطط الأخرى كالسياسات العامة للمادة 44 وأمثالها.. هذا ما يرتبط بقضية التقنين والتشريع، وهي قضية ستولون اهتمامكم بها إن شاء الله.

علماً بأني أرى بعض الأصدقاء يكتبون في الصحف وأمثالها، بأن عدداً كبيراً من الأعضاء الذين دخلوا هذا المجلس، هم من الأعضاء الجُدد، وليس لهم معرفة به. بيد أن هذه باعتقادي فرصة وليست تهديداً، وأساساً فإن الانتخابات وحالات التبدّل والتنقّل، تمثل فرصة بحدّ ذاتها. فأن تنزل إلى الساحة مجموعة جديدة لم تكن قد تعوّدت على المجلس، إلى جانب عددٍ من ذوي السوابق الذين ينقلون تجاربهم إليهم؛ أي التركيب بين القديم والجديد في المجالس، يعتبر أمراً مطلوباً وفرصة مغتنمة، فانتهزوا هذه الفرصة ما استطعتم، بكل رغبة وحيوية ونشاط، وباستثمار تجارب الآخرين.. هذا ما يتعلق بالقضايا القانونية التي تفوق أهمية على كل شيء باعتقادي.

وأما في الشأن الاقتصادي.. انظروا أيها الإخوة الأعزاء، والأخوات العزيزات! القضية الاقتصادية تعتبر هي القضية الرئيسية حقاً في بلدنا، لا في الوقت الحاضر، وإنما منذ خمسة أو ستة أعوام وأنا أؤكّد عليها. كما وقلت قبل خمس أو ست سنوات في حديثي بداية السنة [الفارسية الجديدة]، بأننا نتعرّض للتهديد من جانبين؛ أحدهما - ولعله هو الأهم - الجانب الاقتصادي(6)، وهذه هي الحقيقة.. هذا في الوقت الذي مازالت العقوبات لم تُفرَض علينا. فإنّ العدوّ بات يستخدم الاقتصاد كسلاح ضدّنا، ولعلنا تصرّفنا قليلاً تصرّفاً في غير محله، وأظهرنا خوفنا واستياءنا الكبير من هذا السلاح، وبذلك نكون قد حرّضناه على استخدامه بشكل أقوى. على أي حال، فالقضية الاقتصادية قضية فائقة الأهمية، ويجب علينا معالجتها. علماً بأن التنفيذ بيد الحكومة، وهي التي يجب عليها أن تخوض الميدان وتعمل في وسط الساحة، ولكن بمقدوركم أن تساعدوا كثيراً في هذا المجال. ولا بد من التأكيد في الدرجة الأولى على قضية الركود الاقتصادي، ومسألة الإنتاج المحلي التي تقع على جانب كبير من الأهمية. ولقد ذكرت في إحدى الخطابات قبل عدة أيام (7) بأن على الحكومة، في أية حركة اقتصادية تتصدى لها، أن تبيّن لنا أين محل هذه الحركة من الاقتصاد المقاوم. فإن الاقتصاد المقاوم جدولٌ متألّفٌ من خانات متعددة، وأي مبادرة نقوم بها، لا بد أن تتبيّن أنها تملأ أي واحدة من هذه الخانات. ففي إحدى الصفقات التي أرادت الحكومة إبرامها، تم الاتصال من قِبَل مكتبنا، مع المسؤول المعني، وسألوه أين تقع هذه الصفقة من الاقتصاد المقاوم؟ وعليهم أن يشرحوا ويوضحوا موضعها من الاقتصاد المقاوم، وأن لا تكون معارضة للاقتصاد المقاوم، وليس هذا وحسب، بل لا تكون محايدة أيضاً. إذن فإن من الأمور التي تتسم بأهمية بالغة، هي معالجة الإنتاج المحلي والركود الاقتصادي.

وقضية فرص العمل، هي الأخرى من القضايا الفائقة الأهمية، التي لها صلتها بالإنتاج المحلي وأمثاله. ولقد بتنا نكرّر ونقول جميعاً، فرجل الحكومة يقول، والنائب في المجلس يقول، وعالم الاقتصاد في الصحيفة يقول، بأن كذا بالمئة من المعامل معطّلة، أو أنها تشتغل بأقل من نصف طاقتها. ولكن ثمّ ماذا؟ بالتالي يجب أن تعمل وتشتغل هذه المعامل، وبذلك سوف تتوفّر فرص العمل. واعلموا أن الخجل الذي يستشعره النظام بسبب بطالة شابٍّ، يفوق خجل الشابّ نفسه في داخل بيته. وأنا شخصياً حين أفكر بهذا الشابّ العاطل عن العمل أشعر بالخجل. فإن نسبة البطالة في بعض المدن عالية. علماً بأننا نعيّن نسبة البطالة إلى حدّ ما، وهو ما يقال من اثني عشر بالمئة أو عشرة بالمئة، بيد أن هذا يدل على متوسط النسبة. وحين يشهد المرء ذلك يأخذه الخجل. وإن شعوري أنا العبد الحقير بالخجل، من مشاهدة هذه الأرقام ومطالعة هذه الحقائق، لا يقلّ عن ذلك الشاب العاطل عن العمل، الذي يعود إلى منزله صفر اليدين، بل يفوقه، وهذا ما يجب معالجته.

وقضية التهريب التي أشاروا إليها، ولطالما أشرتُ إليها أنا أيضاً، قضية في غاية الأهمية والجدّ، وهي في الحقيقة كالخنجر الذي يطعن النظام من الخلف. فإن هناك من يقوم بسحق مصالح البلاد عبر التهريب تحقيقاً لمطامعه الشخصية، وهذا ما يجب مكافحته والتصدي له. ومن البديهي بالطبع أن هذه المواجهة ليست بالعملية الهيّنة، لأن أولئك الذين يحصلون على أرباح مليارية من التهريب، لا يكفون عن عملهم بهذه السهولة. فلا بد من مكافحة هذه الظاهرة، وهي مهمة تقع بالطبع على عاتق الحكومة، بيد أن المجلس هو الظهير والمساند لهذا التصدي الحكومي. فإن من واجبكم أنتم أن تعتزموا، وتقرروا، وتخططوا.. هذا بدوره ما يتعلق بالشؤون الاقتصادية.

والقضية التالية هي القضية الثقافية. واعلموا أن الثقافة على المدى البعيد أهم من الاقتصاد بكثير، فإن الاقتصاد يمثل قضيتنا الفورية وأولويتنا الحالية، بيد أن الثقافة مسألة مستمرة بالغة الأهمية، وتتجلى أهميتها حتى في الشؤون الاقتصادية أيضاً. أيها الإخوة الأعزاء، وأيتها الأخوات العزيزات! إنني أشعر بنوعٍ من التسيّب في الشأن الثقافي، وقد سادت الأجهزة الثقافية - الحكومية منها وغير الحكومية - حالة من التسيّب والإهمال في الجانب الثقافي، سواء في إنتاج الإصدارات الثقافية النافعة، أو في الحؤول دون المنتوجات الثقافية الضارة، ونحن مقصرون في كلا هذين الجانبين. فإن أهمية النتاجات الثقافية لا تقلّ عن البضائع الاستهلاكية الجسدية، بل هي أهم منها. وعلى سبيل المثال، يكرّون التحذير من أكل البفك لضرره، ولكن كم هو ضرره، وها هو هذا الضرر، وما هي نسبته، وكم بالمئة من الناس يتضررون به؟ هذا ما يكرّرونه دوماً، ولكن لا يجرأ أي أحد على التحذير من ضرر الفلم الفلاني، أو الكتاب الفلاني، أو اللعبة الكمبيوترية الفلانية، وأمثال ذلك، لئلا يُتهم بالوقوف أمام حرية المعلومات وحرية تداولها.. صدّقوا أن أولئك الذين يُعتبرون هم الأساس في هذه الأمور، يتشّددون أكثر منا على هذه القضايا. فإن أكثر مناطق العالم حرية في تداول المعلومات، هي الدول الغربية ومنها أمريكا، ومع هذا فإن الأخبار الدقيقة والواضحة التي تصل من أمريكا في السيطرة على معلومات الأشخاص وتوجيه الأصابع على الأمور التي يتحسس منها الجهاز، تثير استغراب الإنسان حقاً، ونحن لم ولا نمارس هذه السيطرة في المعلومات بمقدار عشر ما هم يمارسونه. ورغم هذا، بمجرّد أن يُمنع بث فلمٍ هنا أو يتم تحديد أو إغلاق إحدى الشبكات الكمبيوترية، يعلو ضجيجهم وصخبهم، ونحن أيضاً نصدّق بأننا حقاً قد أخطأنا.. كلا، لا بد من مراقبة هذه الأمور! فإن واجبنا هو إنتاج الإصدارات الثقافية النافعة، والحؤول دون المنتوجات الثقافية الضارة. وإني أشعر بنوع من التسيّب والتساهل في هذا الشأن، وهذا ما يجب عليكم أنتم أن تأخذوه بنظر الاعتبار، وأن تولوه أهمية.

وفيما يخص السياسات العامة، فإنكم أعضاء مجلس ثوري؛ ذلك أن مجلس الشورى الإسلامي، مركز ثوريّ ومنبثق من الثورة، ولذا يجب عليكم أن تتسموا بالنزعة الثورية وأن تثبتوا عليها وأن يكون عملكم ثورياً كذلك. علماً بأن للنزعة الثورية صورٌ وأشكال، وقد تحدثتُ قبل يومين في مرقد الإمام الخميني (8) قليلاً في هذا المجال، إن كنتم حاضرين أو سمعتم الخطاب. وبالتالي فإن للثورة قواعد وأسس. وعلى أي حال يجب عليكم أن تتصفوا بالثورية في تشريع القوانين وفي اتخاذ المواقف. واتخاذ المواقف أيضاً على نمطين: الأول اتخاذ المواقف الفردية التي تتجلى في خطاباتكم، والآخر اتخاذ المواقف العامة. والحق يقال أن المجلس التاسع قد ترك سجلاً مشرقاً في هذا المضمار. فلا بد من اتخاذ المواقف لمواجهة التيارات السياسية المعارضة للثورة والمعتدية عليها.

ولكم أن تنظروا على سبيل المثال إلی الكونغرس الأمريكي، فإنه لا شك في أن سلوك الحكومة الأمريكية معنا سلوكاً عِدائياً بالكامل، وهذا ما أقوله لا عن عصبية أو عن حدس وظن، وإنما أقوله عن معلومات واضحة دقيقة، فإن الحكومة الأمريكية تتعامل مع الجمهورية الإسلامية تعاملاً عدائناً شديداً، ومع هذا فإن الكونغرس الأمريكي، يعترض على الحكومة قائلاً: لماذا تتعامون مع إيران على سبيل المداراة! ويصدّرون القرارات باستمرار، ويتحدثون، ويفعلون ما يفعلون. ولكن من الذي يجب عليه أن يردّهم؟ ومن الذي يتعيّن عليه أن ينزل إلى الساحة؟ ومن الذي يتحتّم عليه أن يلقمهم حجراً؟ فإن العدوّ في الساحة السياسية يحسب لردود الأفعال حسابها. فلو أنه قال شيئاً ولزمتم الصمت، سيحسب بطريقة، ولو لزمتم الصمت وطأطأتم برؤوسكم، سيحسب بطريقة، ولو لزمتم الصمت وطأطأتم برؤوسكم وهززتموها للدلاة على الاعتراض، سيحسب بطريقة، ولو رفعتم رأسكم ورددتموه، سيحسب بطريقة أخرى. ولو شعر العدوّ أنكم من أهل الانفعال والتنازل، فإنه لا يتراجع. وفي عالم السياسة أساساً لا وجود للتراجع والتنازل، وإنما يتقدم دوماً ويواصل جَشَعه، وهذا ما تشاهدونه في شتى القضايا، ومنها في المفاوضات النووية الأخيرة، حيث باتوا دوماً ما يطالبون، ويستزيدون، ويهدّدون، وأخذوا يكرّرون اليوم نفس ما كانوا يقولونه ويؤكدون عليه باستمرار آنذاك بشأن الحركة النووية وتخصيب اليورانيوم بنسبة عشرين بالمئة وما إلى ذلك من أن خيار الحرب على الطاولة، وهذا ما نجده يتردد على لسان رجال حكومتهم، ونواب مجلسهم، ومرشحيهم لرئاسة الجمهورية، فإن هؤلاء المرشَّحَين أو الثلاثة الذي بقوا في الساحة الانتخابية، يكررون أيضاً بأننا لو تسلمنا مقاليد الأمور، سنفعل كذا وكذا!

وهناك نقطة ينبغي للأعزاء أن يلتفتوا إليها جيداً، وهي أن لدينا في داخل البلد صدوع (فوالق زلزالية) قومية، وصدوع عقائدية - كالسنة والشيعة علی سبيل المثال -، وصدوع فئوية - كالفئات والتيارات الموجودة التي تشهدونها -، وهذه الصدوع ما لم يتم تفعيلها، لا يحدث زلزال، ولا إشكال في ذلك. فإن وجود الاختلافات لا ضير فيه. ولكن إذا تم تفعيل هذه الصدوع، فإنه سيؤدي إلی اندلاع الزلازل، ومحاولات العدو ترمي إلی تفعيلها، فكونوا علی حذر. حيث نجدهم دوماً ما يعملون علی إذكاء نيران الاختلاف لتأجيجها أكثر فأكثر، وحاولوا أن تحولوا دون ذلك. فلتكن لكل واحد منكم عقيدته، وانتماؤه إلی التيار «ألف» أو التيار «ب» أو التيار الفلاني الآخر، ولا بأس في ذلك. ولكن لا ينبغي أن يؤول هذا إلی الاشتباك والمهاترة باللسان، لأنها أحياناً ما تؤدي إلی الصراع باليد، «فإن الحرب أولها اللسان». فكونوا علی حذر لئلا يعمد العدوّ إلی تفعيل هذه الصدوع. وهذه هي إحدی النقاط الهامة.

ولا إشكال مطلقاً في أن تُدلي أنتَ برأيك في المجلس بشأن القضية السياسية الفلانية وفق رؤيتك السياسية، والآخر بحسب سياسته، ولكن لا تجرّوا ذلك إلی إثارة الصراع والنزاع، وهذا بعينه ما أطالب به بين الحكومة وغيرها، كالحكومة والمجلس، والحكومة والشعب. إذ من الممكن أن يرفض الناس بعض سياسات حكومةٍ أو غالبيتها أو كلها، ولا بأس في ذلك. من ذا الذي لا يوجد لديه مخالف ومعارض ومنتقد؟ فإن لدينا بأجمعنا مخالفين ومعارضين ومنتقدين، ولا إشكال في ذلك. وإنما الإشكال في أن تُفضي هذه المعارضة إلی الاشتباك، واحذروا من أن لا يحدث هذا في المجلس، ولو حدث التوتر في المجلس - كما حدث في بعض الدورات السابقة - لانسحب هذا إلی أبناء المجتمع، ولساد التوتر فيهم، ولو من الناحية النفسية. وأما لو كان الهدوء والاستقرار هو الحاكم في المجلس، فإنه سينعكس علی الناس أيضاً، وهذا أمرٌ بالغ الأهمية. ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ﴾(9).. هذه هي خاصية السكينة، التي تعني الهدوء واستقرار الروح وعدم الانفعال، حيث تؤدي إلی أنه ﴿لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ﴾، وتوفّر للمرء فرصة ازدياد إيمانه، وهذا أمرٌ في غاية الأهمية.

إن العدوّ علی صعيد الرأي العالمي العام يحاول توجيه التهم لإيران الإسلامية، وعلی الصعيد الداخلي يسعی لتفعيل الصدوع، وعلی الصعيد الإقليمي في منطقة غرب آسيا يرمي إلی تمرير مشاريعه الخطيرة والهامة في هذه المنطقة الحساسة، وإزالة المانع الذي يعترضه، وهو عبارة عن إيران الإسلامية التي تقف حائلاً دون تحقيق مخططاته.. هذا ما يهدف إليه العدو. فإن له مخططاته المحددة في العراق وفي سوريا وفي فلسطين وفي لبنان. وقد ظهر ذات يوم في فلتات لسانهم اسم الشرق الأوسط الجديد والشرق الأوسط الحديث، وهذا ما ذكرته تلك السيدة التي كانت علی رأس سياستهم الخارجية قبل أعوام. وقد أخطأووا في إفحاصهم عن هذا الأمر. وهذا «الشرق الأوسط» علی حدّ تعبيرهم - وهو تعبير مغلوط ونابع بالكامل عن الفكر والرأي والذهن الغربيّ المتكبر، بمعنی أن كل ما هو قريب من الغرب وأوروبا، يسمی الشرق الأدنی، وكل ما هو بعيد عنهم، يسمی الشرق الأقصی، وكل ما هو بين هذا وذاك، يسمی الشرق الأوسط، أي أن المعيار أوروبا، وآسيا بهذه العظمة ليست معياراً - حيث عبّروا عنه بـ«الشرق الأوسط الكبير» و«الشرق الأوسط الجديد»، يدل علی أن لهم مخططاتهم في هذه المنطقة، والسبب في ذلك يعود إلی أن هذه المنطقة حساسة للغاية من جهات مختلفة، كتواجد الدين الإسلامي والمسلمين، ووجود الكيان الصهيوني، وتوفّر المصادر النفطية الهائلة، والممرات المائية الدولية الهامة - من قبيل مضيق هرمز، ومضيق باب المندب، ومضايق أخری بالغة الأهمية في العالم، من حيث الجغرافيا السياسية، ومن الناحية الاستراتيجية - ولذا فإن لهم حساسيتهم تجاه هذه المنطقة، ولهم مشاريعهم ومخططاتهم، ويبتغون تمريرها دون أي عرقلة ومانع. والجمهورية الإسلامية قد نزلت إلی الساحة وحالت دون تحقيقها، فإنهم كانوا يهدفون إلی ابتلاع العراق، والجمهورية الإسلامية صدّتهم عن ذلك، وهذا ما أثار استياءهم، وبدّد مشاريعهم. هل تعلمون أن العراق بلدٌ ثريٌّ جداً؟ إنه بلدٌ غنيّ للغاية، وكانت بغيتهم ابتلاعه والسيطرة عليه، ليتمكنوا من خلال ذلك تهديد إيران باستمرار. كما أنهم من جهة الشرق، كانوا يريدون ممارسة التهديد بطريقة أخری. بيد أن سياسات الجمهورية الإسلامية وقفت حائلاً ومانعاً أمامهم، وها هم بصدد إزالة هذا المانع. وشبيه هذا ما حصل في الشأن السوري والفلسطيني أيضاً.. هذه هي سياساتهم، والواجب عليكم أن تقفوا في وجه هذه السياسات، وأن تميطوا اللثام عن وجه الاستكبار، وأن تكشفوا عن الحقائق المتوافرة أو التي تتوافر لديكم بشأن الاستكبار ونظام الهيمنة، وأن تتحدثوا وتصنعوا الأجواء في خطاباتكم وفي مواقفكم العامة.

وكونوا علی حذر لئلا يصبّ قولكم وفعلكم في خدمة الأهداف الأمريكية. وهذا ما حدث أحياناً في الماضي، حيث تكلم نائبٌ في المجلس بكلمة، كانت تصب مئة بالمئة في خدمة أهداف الكيان الصهيوني.. مئة بالمئة لا تسعين بالمئة! وكأنه قد أُمليت له كلماتهم، وقام هنا بقراءتها.. هذا ما حصل بالفعل ولكن بشكل نادر، فاحذروا لئلا تحدث مثل هذه الأمور.

لقد طال بنا المقام، وليست من عادتي أن أتحدث كثيراً في هذه الجلسة. نسأل الله أن يوفقكم ويعينكم. وأنا بدوري أدعو لكم، كما طالب بذلك السيد الدكتور لاريجاني، فإني حقاً أدعو لكم أنتم السادة، من الإخوة والأخوات. وأسألكم أن لا تنسوني أنتم أيضاً من الدعاء، ليتسنی لي النهوض بهذا المسؤولية التي علی عاتقي، وهي مسؤولية ثقيلة وليست بالهيّنة.

إلهنا! نسألك بحق محمد وآل محمد أن تهيء لنا موجبات رضاك، وأن توفّقنا لكسب مرضاتك، وأن تجعل قلب ولي العصر (أرواحنا فداه) عنا راضياً، وأن تحشر شهداءنا الأعزاء مع النبي.

والسلام علیکم ورحمة الله‌

 

الهوامش:

1- في بداية اللقاء الذي أقيم بمناسبة بدء أعمال الدورة العاشرة لمجلس الشوری الإسلامي، تحدث الدكتور علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى الإسلامي.

2- سورة العصر، الآية 2 وجزء من الآية 3.

3- مصباح المتهجّد، ج 2، ص 592.

4- رسالة قائد الثورة الإسلامية المعظم بمناسبة بدء أعمال الدورة العاشرة لمجلس الشوری الإسلامي (24/05/2016).

5- خطاب قائد الثورة الإسلامية المعظم خلال لقائه رئيس ونواب مجلس الشورى الإسلامي (29/05/2011).

6- خطاب قائد الثورة الإسلامية المعظم في بداية العام الإيراني 1386 هجری شمسی (آذار/مارس 2008).

7- خطاب قائد الثورة الإسلامية المعظم في مراسم الذكرى 27 لرحيل الإمام الخميني(رض)، (03/06/2016).

8- خطاب قائد الثورة الإسلامية المعظم في مراسم الذكرى 27 لرحيل الإمام الخميني(رض)، (03/06/2016).

9- سورة الفتح، جزء من الآية 4.