موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي

كلمة قائد الثورة الإسلامية المعظم لدى لقائه كوكبة من الشعراء والأدباء في ليلة النصف من شهر رمضان المبارك بمناسبة ميلاد الإمام الحسن المجتبى (ع)

بسم الله الرحمن الرحیم (1)

الحمد لله ربّ العالمین، والصلاة والسلام علی سیّدنا محمّد وآله الطاهرین، سیّما بقیّة الله في الأرضین.

 

كانت هذه الجلسة بالنسبة لي، جلسة في غاية الحسن والحلاوة، كما هو حال كل الجلسات التي تُعقَد في منتصف شهر رمضان على مدى الأعوام المنصرمة، فهي جلسة أنس وأدب وصفاء ومشاهدة لحالات التقدم. وحين أقارن شعر الشباب في هذا اليوم مع ما كان عليه قبل عشرة أعوام أو خمسة عشر عاماً، تنتابني حالة من الشوق والبهجة لمشاهدة هذا التقدم. فقد تحسّن وضع شبابنا بشكل جيد والحمد لله، وقطعوا خطىً كبيرة، وكثُر الشعراء، وارتقى الشعر نوعياً، والحركة الشعرية في البلاد ولله الحمد في مسيرة تقدمية. علماً بأن أمنياتنا تفوق ذلك، وثمة نقائص تعاني منها أوضاعنا الشعرية، ولدينا كلام كثير نودّ أن نبوح به أمام مثل هذا الجمع الذي هو من أهل الفكر واللبّ والذوق والفنّ، ونرغب في أن نطرح عليكم مسائل كثيرة، ولكن لا يتسع لنا الوقت، ولا يسعفنا الحال، ولربما ساعتان أو أكثر [وأنتم تستمعون إلى الأشعار] ، وليس من الصلاح كثيراً أن أكون أنا أيضاً عبئاً على هذه المجموعة، بيد أن هناك الكثير من الكلام الذي ينبغي الإفصاح به [وعلى حدّ قول الشاعر]:

الکلمات التي لم أنطق بها قابعة في القلب     وكأني كالغزل الذي لم يتم إنشاده

[وفي البدء] أرى من الضروري أن أحيّي ذكرى صديقنا العزيز وشاعرنا البارع، المرحوم السيد حميد السبزواري، الذي كان من الروّاد الملازمين لهذا المحفل على مرّ هذه السنوات الطويلة، وكنا نستفيد من وجوده في جميع هذه الجلسات تقريباً. وحين نذكر المرحوم حميد السبزواري، فإننا لا نذكر مجرّد صديق وشاعر، وإنما يتلقى المرء بعض التعاليم والمفاهيم إثر استذكار هذا الشاعر وشخصيته وحصيلة حياته الشعرية. فهؤلاء الأعزاء ماداموا على قيد الحياة، لا تُستَخلص حصيلة حياتهم - ومن أراد التسريع في هذا الأمر، فهذا هو الطريق - ولا تتوافر الفرصة للقيام بذلك، ولكن ما إن رحلوا، يبدأ الإنسان بالفكر والنظر في أمرهم. وفيما يتعلق بالمرحوم حميد، فإنه أولاً كان ذا قريحة جياشة، وكان شاعراً حقاً، وشاعراً بالذات، ولم يكن متصنّعاً. وثانياً كان ملمّاً بصنوف الشعر، ومسيطراً على دائرة وسيعة من المفردات؛ بمعنى أنه كان حمّالاً لمفردات واسعة، إضافة إلى أنه كان عصرياً، وهذه صفة هامة، وجدته فيها منذ أن تعرّفت عليه. فقد كانت معرفتنا به منذ بدايات الثورة - أي منذ الأشهر الأولى من الثورة - وكانت لنا معه مراودة أدبية شعرية، وفي خضم تلك الأيام العصيبة وتلك المشاغل العجيبة والغربية آنذاك، كان نافذة تفوح منه أجواء الحرية، وكنا ننتهل منها. فكان هذا الرجل يعاصر الأحداث منذ تلك الأيام وإلى يومنا هذا، وكان شعره شعراً معاصراً.

وباعتقادي فإن من السمات الفريدة التي كان المرحوم حميد السبزواري يتسم بها، هي أناشيده من الناحية الكمية ومن الناحية النوعية والمضمون أيضاً. ونحن اليوم نعيش هذا الفراغ، ونحتاج إلى الأنشودة، وهي تعد من متطلبات حياتنا. علماً بأني دوّنتُ نقطة حول الأناشيد لأطرحها في آخر حديثي، ولكن لا بأس أن أتناولها الآن بمناسبة إشارتي لهذا الموضوع. الأنشودة باعتقادي نمط من الشعر الذي يترك تأثيراً بليغاً جداً. وتأثيره يفوق الكثير من أنواع الشعر، إن لم نقل كل أنواعه؛ أي إن سعة تأثيره وسرعته تفوق غيره. وعلى سبيل الفرض لو كانت لنا أنشودة تتناسب والأوضاع المعاصرة، بحيث يترنّم بها الشباب معاً في المخيمات، أو في تسلّق الجبال مثلاً، أو في التجمّعات الموجودة كمسيرات الثاني والعشرين من بهمن، فإنها ظاهرة بالغة الأهمية، وهي تمثل تكراراً ونشراً للمعارف التي نحتاج إلى نشرها، وسرعان ما تترك أثرها، وتصنع الثقافة أيضا؛ فإن واحدة من خصائص الأنشودة هي أنها تصنع الثقافة في المجتمع دون أن تنظر إلى مستوى خاص، وسرعان ما تغطي الجميع، من المستويات المعرفية والعلمية العليا وإلى مستوى عامة الناس، وهذا ما شاهدناه في أناشيد المرحوم حميد.

رحم الله الشهيد مجيد حداد عادل - أخو سيدنا الدكتور حداد عادل - الذي نقل لي هذه القضية في أوائل سنة 1981، حيث قال: حين تحررت مدينة سنندج من العناصر المعادية للثورية عام 1980 - حيث كانت آنذاك بيد هذه العناصر، وكانوا هم المسيطرين عليها، وتواجد قواتنا كان محدوداً بداخل المقر - فرح الناس ونزلوا إلى الشوارع، إذ كانت شوارع هذه المدينة قبل تحريرها، محاصرة ومهدَّدة، وكانت تُسمَع فيها أصوات صفير القذائف باستمرار، وبعد أن تم إخراج العناصر المناهضة للثورة منها، عادت الحياة الطبيعية إلى مجاريها. ومن شاهد هذه المدينة يعرف أنها مدينة جميلة خلابة. يقول بأني رأيت أحد باعة العصائر، كان قد فرش بساطه إلى جانب الشارع، والشباب أيضاً قد اصطفوا لشراء العصير، وكان هذا الرجل، يضع الجزر في العصارة، ويضغط عتلتها وهو يترنّم ويقول: «هذا صوت الحرية قد تعالى من ديار الشرق»، وهو بيت من أنشودة كان حميد قد أنشدها لتوّه؛ أي قبل نحو شهر أو شهرين مثلاً، وإذا برجلٍ بائع لعصير الجزر في سنندج، يتغنى بهذه الأنشودة بصورة طبيعية دون أن يطلب أحد منه ذلك. فانظروا إلى أن الأنشودة تتغلغل كالهواء الطلق الربيعي، من دون حاجة إلى حثّ البعض على ترويجها وتقريظها؛ ذلك أن الأنشودة إن تم إنشادها بشكل جيد تترك أثرها. وهي قليلة في وقتنا الحاضر، وتعتبر برأيي من احتياجاتنا، وكان المرحوم حميد السبزواري (رضوان الله عليه) هو الأمثل في هذا المجال. ولا أعلم الآن بالضبط، ولكن على ما يبدو لي بحسب الأرقام التي بلغتني أنه أنشد زهاء أربعمئة أنشودة أو أكثر، وهذه لها قيمة بالغة، ولا ينبغي التغاضي عنها.

ولقد أشرت إلى الشعر الذي أنشده السيد سيّار والسيد عرفان بور سوية (2)، وقلتُ بأني قد سمعته من قبل، والظاهر أنه هو الشعر الذي تعرّض لهجمات الشبكات الأجنبية المناوئة للثورة بسبب تحسسهم منه، ويبدو لي بحسب التقارير أن شبكة فاكس نيوز وأمثالها هي التي مارست الهجوم ضده. فإنهم أدركوا على الفور أهمية هذا العمل، وإن الذي أثار ثائرتهم وتسبب في استيائهم، هو النغمة الجميلة التي وُضعت على الشعر، ومضمونه الجيد، ولكننا نحن لا نعلم به، ومعنى ذلك أننا لا نقوم بترويج الأناشيد الجيدة. فإن من الأمور المطلوبة جداً باعتقادي هي إنشاد الأناشيد، ووضع النغمات الجميلة عليها، ولديّ بالطبع بعض الوصايا بشأن الألفاظ والتركيبات وما شاكل، سأتناولها لاحقاً. رحم الله حميدنا العزيز، وتغمده برحمته، وجعل ما ذكرناه، وهو يمثل جانباً من خدماته، ذُخراً لآخرته.

أعزائي! يمثل الشاعر رصيداً للبلد، بل ويعتبر من أثمن وأعز أرصدة البلاد، علماً بأن هذا هو حال الطبقة الفنانة برمتها، بيد أن للشاعر خصائصه، وللشعر ميزته التي تميّزه عن سائر أقسام الفن، وهذه الخصائص والمزايا هي التي ترفع من قيمة الشاعر في المجتمع، وتؤدي إلى أن يكون رصيداً وذُخراً. ولا بد من استثمار هذا الرصيد لصالح البلد في المواقع الحساسة، وهذه نتيجة جليّة وطبيعية جداً. ففي مواطن حاجات البلد - سواء في القضايا الثقافية أو السياسية أو الاتصالات الشعبية والوشائج الاجتماعية أو مواجهة الأعداء الأجانب - لا بد أن يكون الشاعر كالرصيد الذي ندّخره في صندوق التوسعة الوطنية من عائدات النفط، لاستثماره في المكان والزمان الذي يصب في مصلحة البلد. فلو كانت أشعارنا، لا تتخذ أي موقف تجاه قضايا البلاد الجارية، فإنها لا تلبي حاجة البلد، والمفترض أن تكون لها مواقفها المسؤولية.

وأنتم تعلمون بالطبع، وهذا ما ذكرته في هذه الجلسة مراراً، بأني لست من المؤيدين لأن تكون كل أبيات شعركم ذات مواقف، أو سياسية، أو متعهدة، وأمثال ذلك.. كلا، فإن نظم أشعار الغزل والحب لا إشكال فيه بتاتاً، وهذه هي بالتالي من طِباع الشاعر، ولا بأس في ذلك، ولكن لا بد أن تقوم نفس أشعار الغزل والحب هذه على أسس الهداية، لا على أسس الفساد والانحراف، وهذا محفوظ في محله، ولكني أقصد أنه ليس من المتوقّع أن يكون الشعر الذي تنظمونه في الغزل، ناظراً من أوله وإلى آخره إلى المسائل السياسية.. كلا، فقد تضمّنون ثلاثة أو أربعة أبيات من الغزل بمفاهيم عاطفية وغرامية ونحو ذلك، وفجأة تضعون فيها بيتين متمايزة، وهذا ما كان يفعله شعراؤنا البارعون على الدوام، حيث كانوا ينظمون غزلاً، وفجأة تشاهدون فيه بيتين، تشير إلى قضية حساسة، لطرحها وإحيائها. وبالتالي فلا بد أن يكون شعر الشاعر حياً.

وهناك نقطة تتعلق بالأشعار التي نُظمت في قضايا البلاد الجارية، ولحسن الحظ فإن الشعراء الذين نسمع منهم أشعاراً حية ذات مواقف مسؤولة في فترتنا الراهنة ليسوا بالقلائل، ولهم تواجدهم والحمد لله، وقد تقدمنا اليوم في هذا المجال عما كنا عليه قبل عشرة أعوام أو خمسة عشر عاماً، ولكن لا يتم ترويجها. فقد نُظمت على سبيل المثال أشعار عدة بشأن الشهداء الغوّاصين أو الشهداء المدافعين عن الحرم، وقرأ أحد السادة (3) في هذه الليلة أيضاً شعراً في هذا الموضوع، وهي أشعارٌ بديعة وبارزة، فلماذا لا يتم ترويجها؟ هذا هو سؤالي، وما هو طريق ترويجها؟ أو ما نُظم مثلاً في حق الشيخ الزكزاكي (4)، وهو إنسانٌ مظلوم شجاع عاقد عزمه في طريقه، وقد تعرض للهجوم والانتقام. فلو تمت ترجمة هذه الأشعار، وإرسالها إلى الأماكن التي يُذاع صيته فيها، كم ستترك من الآثار، وكم سترفع من المعنويات! ولكننا لا نفعل ذلك، ونحن مقصرون حقاً في هذه المجالات. أو الأشعار التي تنظم في قضية فلسطين، أو اليمن، أو البحرين، وأمثال ذلك، أو التي يتم نظمها فيما يخص الخيانات الأمريكية. ففي الاتفاق النووي لم نشهد خيانات قليلة من الجانب الأمريكي، وهذا ما يجب الإفصاح عنه، وهو أمرٌ لا يقتصر على السياسيين، بل الأفضل منهم هم الفنانون الذين عليهم أن يكشفوا هذه الحقائق. وإن الذي هو أقرب إلى متناول الأيدي، وأكثر سلاسة، وأشد ازدهاراً، وأسرع انتشاراً، بين كافة صنوف الفن، هو الشعر. فلا بد من بيان هذه المسائل ونقلها إلى الرأي العام. وكذلك الحال في قضية الدفاع المقدس. علماً بأني أتقدم بالشكر من أعماق قلبي لهؤلاء الإخوة الذي قرأوا في هذه الليلة أشعارهم في هذه المجالات، فقد نظموا أشعاراً جيدة، ولكن لا بد من متابعتها وتنميتها وترويجها.

وفي بعض الأحيان أرى نقيض ما هو المطلوب، حيث يتم تكريم الفنّان الفلاني المتحلّل الذي لا يحمل عقيدة ولم يظهر عليه أدنى ميول تجاه الإسلام ومفاهيم الثورية الإسلامية على مدى هذه الأعوام الثمانية والثلاثين، وفي المقابل لا يتم تكريم الفنان الذي أمضى كل عمره في هذا الطريق، ولا تراعى له أي حرمة، ولا يُعبأ به، وهذا أسلوب خاطئ للغاية، وعلى المسؤولين أن يولوا اهتمامهم بهذه القضايا. إذن فالذي نطالب به هو أن نجعل أشعارنا حية نابضة ذات مواقف مسؤولة، وأن نقوم نحن وغيرنا، كالإذاعة والتلفزيون والأجهزة الحكومية وغيرها، بنشرها وترويجها.

ولحسن الحظ فإن هذه المجموعة القائمة على العمل، تقدّم إنجازات جيدة حقاً. بيد أن دائرة ممارساتهم وإمكانياتهم محدودة، ولا بد من تزويدهم بالمزيد من الإمكانيات، لتتسنى لهم ممارسة أعمالهم. سواء في هذا المجال الذي ذكرته، أو في تربية الشعراء وتنمية الشباب منهم، وها هم يمارسون أعمالهم في هذا المجال والحمد لله.

والنقطة الأخرى هي الأشعار التي لها استعمالها الكثير بين الناس، ومنها أشعار الرثاء التي لها أثر بليغ، وبإمكانها أن تترك تأثيرها إن كانت تنطوي على مضمون جيد. ولكم أن تنظروا في أيام عاشوراء وأيام العزاء الأخرى في البلاد، كيف أن الملايين من الناس، وغالبيتهم من الشباب، يستمعون إلى مدّاح يقرأ عليهم المراثي، ويولّد شعره ونغمته في نفوسهم حالة من الهياج، فيلطمون ويبكون، وتزداد عقائدهم وأحاسيسهم وعواطفهم تجاه المفاهيم الدينية، وهذه فرصة مهمة جداً، يجب علينا اغتنامها؛ أي يجب على البلد والإسلام ونظام الجمهورية الإسلامية اغتنامها، وهذا ما نبّهتُ به الشريحة المادحة، وأنبّهكم أنتم أرباب الشعر أيضاً.

أتذكر في أيام محرم خلال فترة الكفاح، جاؤوني بشريط يحتوي على لطمية في مدينة جهرم - وكنا حينها في مشهد – وكان لها تأثير بليغ، حيث كانت أولاً جميلة من حيث الشعر واللفظ والمضمون، وكانت ثانية بديعة من حيث التلحين، وثالثاً كانت مهيّجة ومحركة ومرشدة، وكان لها قيمة بالغة. وجاؤوني بعد ذلك بشريط من مدينة يزد أيضاً، حيث أتذكر هاتين المدينتين، ولم أسمع هذا من مكان آخر، إذ كانوا ينقلون المفاهيم السياسية التي كانت مطروحة يومذاك في فترة النضال في قالب القصائد واللطميات. ونظير هذا تلك القصائد التي كان يقرأها السيد آهنكران في فترة الدفاع المقدس، والأشعار التي كان ينظمها له السيد معلمي، ذلك الشاعر المحترم في مدينة الأهواز، الذي ذهب إلى رحمة الله. وهذه هي الأخرى كانت أشعار وقصائد ملهمة للدروس. وعلينا متابعة هذا الأمر بصورة جادة. علماً بأن أشعار الرثاء تمتاز بمزايا، وينبغي من حيث اللفظ والتركيب والبناء الشعري أن تتسم بسمات لتترك تأثيرها، وليتسنى للراثي قراءتها. وأنا أرجوا من الذين يقرؤون المراثي أن يولوا اهتمامهم بهذه الأشعار ويطلبوها ويتقبلوها ويأخذوها ويستثمروها، وعليكم أنتم الشعراء الأعزاء أن تتابعوا هذه القضية ما استطعتم إليه سبيلاً.

قرأ أحد السادة (5) في الأسفل شعراً، مضمونه بأنك لو سللت السيف، فإن هناك الكثير من الذين سيصنعون من أنفسهم دروعاً واقية أمام هجوم الأعداء، فقلتُ له ولكني سللتُ السيف، وها أنا أضربهم به يميناً وشمالاً، سوى أن نوع السيف ونوع الساحة في هذا اليوم تختلف عن الساحة التي كانت في السنيّ الأولى من الثورة؛ ذلك أننا نخوض اليوم حرباً ناعمة، وحرباً سياسية، وحرباً ثقافية، وحرباً أمنية ونفوذية، وباتت الأفكار والإرادات تتقاتل مع بعض. ونحن بأمس الحاجة في الظروف الراهنة إلى أدوات مؤثرة، وإن من الأدوات الأساسية باعتقادي هو الشعر الذي لا بد أن تأخذونه بنظر الاعتبار.

وإني أعتقد أن هناك أعمال كثيرة لم يتم إنجازها في مجال الشعر كما ذكرنا. ومنها الترجمة، علماً بأن [السيد علي رضا قزوة] ذكر لي هذه الليلة بأننا ترجمنا بعض الأشعار إلى اللغة الأردية، وهو عملٌ جيّد جداً، بل من الأعمال الضرورية. فلا بد من ترجمة الشعر الفارسي في شتى المجالات، كالأشعار المرتبطة بفلسطين وبالدفاع المقدس وبالنساء، وما يتعلق منها بأوضاع المنطقة من قبيل اليمن، فليتم تدوينها، وترجمتها إلى العربية والأردية والإنجليزية واللغات الأخرى، ترجمةً مطلوبة، ونشرها وبثّها. ونذكر من باب المثال «فلسطين في الشعر الفارسي»، فهو موضوع بحد ذاته. أو ما جرى في الحرب التي طالت ثمانية أعوام بين إيران والعراق، فهي أمورٌ مجهولة لديهم.

نقل لي أحد الأصدقاء قولاً عن سيدة دكتورة عراقية بأنني وخلال رحلتي الأولى والثانية إلى إيران بعد سقوط صدام، كنتُ كلما شاهدت رجلاً إيرانياً، تصوّرت أنه هو الذي قتل أخواي في الحرب.. كنتُ أنظر إليهم بهذه النظرة.. نظرة حقد وكراهية. ثم تتابع القول: حتى رأيت [اللواء قاسم] سليماني، ودخوله إلى العراق، وتضحياته، فانقلب الأمر. وقصدي من هذا النقل، هو الشقّ الأول من كلاها لا الشقّ الثاني؛ أي إنّ الشاب العراقي، والمرأة العراقية، والأم العراقية لا يعلمون ماذا حدث وماذا جرى. فإننا كنّا جالسين في بيوتنا، وإذا بالطائرات جاءت وقصفتنا، فماذا علينا أن نفعل؟ هل نبقى مكتوفي الأيدي؟ وقواتهم دخلت الحدود واستولت على آلاف الكيلومترات من الأراضي الحدودية، فماذا كان علينا فعله؟ هل نجلس ليتقدموا إلى الأمام، أن نبادر للدفاع عن أنفسنا؟ هذا ما فعلناه. وهذه هي الحقيقة. فلماذا لا يتم إيضاح هذه الحقيقة للشاب العراقي والأم العراقية واليتيم العراقي والأخت العراقية؟ ولِـمَ لا يتم تبيان هذه الحقائق للآخرين؟ هذا ما يمكن أن يتحقق في لغة الشعر.

والنقطة الأخرى هي أن شعراءنا الأعزاء حقاً قد ترقّوا وتقدموا كثيراً. ومعنى ذلك أننا حينما نلقي اليوم نظرة بين الشريحة الشبابية، والطبقة المتوسطة أيضاً، نجد أنّ الشعر حقاً قد تقدمّ خطوة إلى الأمام بالمقارنة مع ما كان عليه، ولكن لا يعني هذا أننا بلغنا ذلك المنزل المنشود الذي لا حاجة فيه إلى المضيّ قدماً. وهذا ما ذكرته مراراً وتكراراً، وأعيده ثانية: إنني أرجوكم أن لا تكفّوا عن صقل أشعاركم وترقية ما ستنظمونه لاحقاً. فإن أشعاركم اليوم جيدة، ونحن أيضاً نستحسها حين تقرأونها، ونلتذّ بها، ونُبدي إعجابنا بها أيضاً، ولكنّ هذا لا يعني أنها قد وصلت إلى الذرى.. كلا، فإنها أشعارٌ جيّدة، ولكننا نروم أن تقف أشعاركم في القمة.. هذا ما نصبو إليه. وإن من أدوات هذا الرقيّ، هي الألفاظ الجميلة والفاخرة والرصينة. فأحياناً ما يشهد المرء جودة الأشعار، ولكنها في الوقت ذاته قد تضمّنت ألفاظاً غير ناضجة أو ليست في محلها، وهذا يعدّ نقصاً. فالشعر المطلوب هو الذي يتضمن ألفاظاً جيدة.

فلا بد من ترقية الأشعار، وتشخيص هذا الأمر يعود إلى الخبراء في هذا المجال. ولقد سمعتُ بأن البعض ينشرون الشعر في الفضاء الافتراضي الذي شاع كثيراً، فيحصل هذا الشعر مثلاً على آلاف الإعجابات، بيد أن هذا الإعجاب لا قيمة له، إنما الذي يمنح القيمة للشاعر والشعر، هو رأي الخبير المتخصص، الذي يعتبر من رادة الشعر، ويعرف مفهوم الشعر، ويميّز بين الشعر الجيّد والشعر الرديء، فإن تلك الأمور لا تعدّ ميزاناً لجودة الشعر. وعلى أي حال فلا بد من السعي لترقية الأشعار.

ولقد أقيمت دورات قصيرة المدى لتربية الشعراء - والسيد الوزير المحترم [علي جنتي وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي] حاضر هنا - ولكن باعتقادي لا يمكن تربية الشاعر خلال يوم أو خمسة أيام أو أسبوعين، وهذه مهمةٌ تقع على عاتق نفس هذه المجموعات الفنية الشعبية وأمثالها. ولو أرادت الأجهزة الحكومية أن تقدم شيئاً في هذا المضمار، فلتقم بمساعدتهم وتقويتهم وتجهيزهم، ليتأتى لهم إنجاز أعمالهم.

وهناك نقطة أخرى، وهي أن المرحوم السيد بهجتي (رضوان الله عليه) - صديقنا القديم العزيز الذي كان كالسيد [زكريا أخلاقي] من أهل يزد، سوى أنه كان من أهالي مدينة أردكان، وهذا من أهالي مدينة ميبد، وثمة بين هاتين المدينتين في الأغلب صراع وخلاف حول مختلف القضايا، وبالتالي كان شاعراً جيداً - كان قد نظم دعاء أبي حمزة الثمالي شعراً، ولكن لا أدري بالضبط كم استطاع أن ينظم من فقراته. وبنفسه ذكر لي فقرة، وقال بأنها صعبة بالنسبة له ولا يمكنه إتمامها. فإن واحدة من [مهامّ الشاعر] هي أن يتمكن حقاً من نظم مضامين هذه النصوص الدينية الفاخرة والبارزة، وهي تعد واحدة من فنون وفروع العمل، وعلى حدّ تعبير السينمائيين من الأنواع الأدبية الشعرية، ولا نروم بالطبع حصر كل أنماط الشعر بهذا النمط، وإنما هو أحد صنوفه. لأن هذه الأدعية، علاوة على مضامينها العالية، تتضمن ألفاظاً راقية أيضاً. بما في ذلك دعاء عرفة، ودعاء أبي حمزة الثمالي، والمناجاة الشعبانية، وأدعية الصحيفة السجادية، المشحونة بالمفاهيم السامية والمعارف الإسلامية العالية، التي تعرضها بأفضل المفردات وأجملها، فحريّ بكم أن تعكسوا هذه المفاهيم [في قالب الشعر].

لقد قرأتُ هنا في العام الماضي شعراً لأخوان (6)، علماً بأنه أنشده لغاية أخرى: «أنت السند والملجأ.. لأجمل اللحظات.. الزاخرة بالمجد والعظمة.. في وحدتي وخلوتي.. ألا يا منهلي المتسم بالعذوبة والمنعة» (7)، فانظروا كم هو جميل هذا الشعر. وقلتُ بأني أخاطب الدعاء بهذا الشعر حين أقرأه. وهذا هو الدعاء: «أنت السند والملجأ.. لأجمل اللحظات.. الزاخرة بالمجد والعظمة.. في وحدتي وخلوتي.. ألا يا منهلي المتسم بالعذوبة والمنعة». والشاعر بالطبع قد سيّر شعره في مسير آخر. وكم هو مطلوب باعتقادي لو استطعتم إنشاد الأشعار المتعلقة بالأدعية بهذه الصياغة الأدبية، وبهذه الجمالية والبداعة في اللفظ وفي المضمون وفي موسيقية الشعر - والموسوقية باب بحد ذاتها، فإن سلاسة الشعر وروعته وموسيقيته، تُخرجه من حالة التلكّؤ والتعثّر - وتمكّنم من النظم بهذه الأسس والأساليب.

والنقطة الأخيرة تختص بالأشعار الدينية. فإن البعض من شعرائنا - ويوجد لحسن الحظ عدد من هؤلاء الشعراء الأعزاء في هذا المحفل - ينظمون حقاً أشعاراً جيدة ذات مضامين حسنة بشأن الأئمة (عليهم السلام) - سواء في مراثيهم أو مدائحهم أو مناقبهم - ويضمّنونها مفاهيم مطلوبة، والبعض الآخر كلا. فلنعمل على أن تكون الأشعار الدينية منظومة من معارف أهل البيت (عليهم السلام)، ومعنى ذلك أنكم لو وضعتم هذه الأشعار بين يدي المداح، وقرأها في مجلس، سيكون لها من الأثر ما يعادل عدة منابر، وهو كذلك. فلو كانت الأشعار حقاً ذات مضامين سامية - كالأشعار التي يقرأها السيد علي إنساني في مجلس مثلاً - وكانت من حيث الصياغة الشعرية جيدة، سيفوق أثرها عدة منابر، لأنها تُعرض بأسلوب فني، على خلاف ما لو كان الشعر يحتوي على الأقوال الدارجة والطبيعية والأمور التي لا قيمة كبيرة لها سوى الإبكاء، علماً بأن الإبكاء ميزة أيضاً، لكنه لا يكفي لوحده. فلننظر إلى الأشعار التي نظمها أمثال الكميت ودعبل بحق الأئمة (عليهم السلام)، لنرى كيف كانوا ينظمون، وماذا كانوا يقولون، وما هي المضامين التي كانوا يدرجونها في قصائدهم السامية. ولو أراد الإنسان أن ينظم شعراً جيّداً، فلينظم مثل هذه الأشعار. علماً بأن هذه المهام لو أنيطت إلى المجموعة القائمة على هذه الجلسات، لكان عملاً قيّماً للغاية.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظكم جميعاً، وأن يوفقكم لإنجاز العمل الجيد الذي يؤدى في الوقت المناسب، والذي يلبي متطلبات بلدكم ومجتمعكم ونظامكم.

 

الهوامش:

1-قبيل كلمة قائد الثورة الإسلامية المعظم، قرأ عدد من الشعراء قصائدهم الشعرية.

2- قصيدة "فندق كويرك" المشتركة للشاعرين محمد مهدي سيّار وميلاد عرفان بور.

3- حجة الإسلام السيد محمد مهدي شفيعي.

4- زعيم الشيعة في نيجيريا.

5- السيد أمير عاملي.

6- كلمة سماحته خلال لقائه حشداً من الشعراء بمناسبة ولادة الإمام الحسن (ع) بتاريخ: (2015/06/30).

7- الشاعر مهدي أخوان ثالث، نهاية الشاهنامه، الغزل 3.