موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي

كلمة قائد الثورة الاسلامية المعظم خلال لقائه رئيس الجمهورية الإسلامية وهيئة الوزراء بمناسبة أسبوع الحكومة

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم (1)

و الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و آله الطاهرين.

أبارك أسبوع الحكومة لأعضاء هيئة الحكومة المحترمين، لرئيس الجمهورية المحترم، و معاونيه، و الوزراء المحترمين و لكل أفراد السلطة التنفيذية على مستوى البلاد. الواقع أنه كما أشار السيد رئيس الجمهورية فإن أسبوع الحكومة في كل أرجاء البلاد هو لكل السلطة التنفيذية. شكر الله تعالى جهودكم جميعاً، و منّ بآثار البركة و الخير على هذه الأعمال و الجهود إن شاء الله.

نكرّم و نحيّي ذكرى شهيدينا العزيزين رجائي و باهنر الذين كانا - كما أشاروا - شخصين نموذجيين حقاً من نواح مختلفة، من حيث الإخلاص و المثابرة. طبعاً لم تتوفر لهما الفرصة لمواصلة عملهما عدة سنين، لكن صلاحهما تبيّن حتى من بداية عملهما التي لم تعقبها تتمة. نوع العمل الذي كانا يقومان به - و خصوصاً المرحوم رجائي الذي عمل لمدة أطول - يدل على أن العمل كان سيستمر على نفس الوتيرة. الإخلاص و الرغبة و النزعة الشعبية و الجهد الدؤوب و ما شابه. لعنة الله على الأيدي المنافقة المجرمة التي ضرّجت هذين العزيزين بدمائهما. للأسف، تحاول بعض السياسات الغربية اليوم تبرئة أولئك السود الوجوه و تعميدهم، و عرض المنافقين و كأنهم مظلومون، و خلق أجواء مظلومية لهم. طبعاً لن يستطيعوا ذلك. الذين قتلوا آلاف الأشخاص في داخل البلاد، من إمام الجماعة و إمام الجمعة إلى التاجر في السوق، إلى الطالب الجامعي الشاب، إلى أعضاء الحرس و اللجان، إلى العوائل الجالسة على موائد الإفطار - و آخرين و آخرين و آخرين، آلاف الأشخاص، و لا علم لي الآن بالعدد الدقيق - إلى رؤساء البلاد مثل الشهيد بهشتي و تلك الشخصيات البارزة التي استشهدت في ذلك اليوم، و إلى هذين الإنسانين الجليلين. و إذا بالأيدي السياسية الخبيثة المغرضة - سواء في خارج البلاد أو أذنابهم أو محبوهم في داخل البلاد - يريدون الآن تطهيرهم و تجميل وجههم و طرحهم على أنهم مظلومون، و في المقابل تشويه الوجه النوراني المبارك للإمام الخميني. وجه الإمام الخميني لا يقبل التشويه. و لا شك في أنهم أخفقوا و سوف يخفقون.

يجب عليّ بهذه المناسبة أن أشكر جهود الحكومة حقاً. كانت تقارير السادة اليوم تقارير جيدة جداً، سواء تقرير السيد رئيس الجمهورية أو تقرير نائبه الأول المحترم، و تقارير الوزراء و معاوني رئيس الجمهورية. كانت في هذه التقارير نقاط إيجابية و حسنة كثيرة، و من الجيد أن تنشر هذه المعلومات بالمعنى الكامل للكلمة و تصل إلى أسماع الناس. كما أشاروا فإن الشعب هو سندنا و رصيدنا الأصلي. ثقة الشعب و أمله هو عون كل الحكومات. إننا نحتاج إلى هذا و يجب أن يتم هذا العمل [نشر التقارير] في وسيلة الإعلام الوطنية الإذاعة و التلفزيون، و ينبغي أن يذكرها الآخرون ليسمعها الناس. إنني أقدر جهود السادة.

إدارة البلاد عمل صعب. أن تكون هناك أعمال إيجابية فهذا لا يعني أنه لا توجد نواقص و مشكلات و نقاط ضعف عملية في القطاعات المختلفة. بلى، توجد نقاط ضعف، لكن إدارة البلد ليس بالعملية السهلة. أتذكر أن البعض كانوا يأتون عند الإمام الخميني و يشتكون من النواقص في قطاعات مختلفة و ما شاكل. و كان الإمام الخميني يقول عبارة واحدة هي إن إدارة البلاد عملية صعبة. كان يكتفي بقول هذه الجملة الواحدة. و هذا هو الواقع. لقد كنتُ رئيساً للجمهورية و أعلم، و الآن أيضاً أنا على علم بالأمور و الأعمال في فترات الحكومات المختلفة، العملية صعبة حقاً. هذا التنوع و هذه المديات و هذه التوقعات التي في محلها و في بعض الأحيان قد تكون في غير محلها في كل أرجاء البلاد، و الخراب و الأمور الباقية المتراكمة عن عهد الطاغوت على طول الزمن، هذه طبعاً تزيد صعوبة العمل. هناك نقاط ضعف - و سوف أشير إلى ما يبدو لي أنه عمل ينبغي المبادرة إليه، و سوف أطرح نقاطاً ضمن عدة عناوين - لكن الأعمال التي تجري أعمال مهمة.

و الأيام تمضي بسرعة. لقاؤنا هذه السنة هو لقاؤنا الرابع معكم على ما يبدو. و قد كان لقاؤنا الأول كما لو أنه أقيم بالأمس. هكذا هو انقضاء الأيام، و هكذا هو انقضاء العمر، إنه ينقضي بسرعة، و ينبغي الاستفادة من هذه الساعات و من هذه الأيام إلى أقصى حدّ. قلتُ هذه النقطة في السنة الأولى من عمر كل الحكومات - و منها حكومة سماحة السيد روحاني - و هي أنكم بمجرد أن تطرف أعينكم حتى تنتهي هذه المدة، لكن أربعة أعوام في الوقت نفسه ليست بالفترة القصيرة. افترضوا مثلاً أن لدينا في التاريخ شخص اسمه أمير كبير بتلك الشخصية المتألقة و الذي تولى السلطة قرابة ثلاثة أعوام. إذن، السنوات الثلاث و ما شابه تعتبر زمناً بحد ذاتها، و أربع سنوات ليست بالزمن القليل. و هذه السنة المتبقة على نفس الشاكلة. هذه السنة المتبقية من عمر هذه الحكومة هي سنة واحدة و يمكن العمل و التفكير لكل يوم من أيامها. الذي أرجوه هو الاستفادة من هذه الفرص، و أن يعمل السادة حتى اليوم الأخير من الحكومة، و لا تفكّروا بأن هذه الحكومة تنتهي، و هل سأكون غداً مسؤولاً في هذا الموقع أم لا، لا تفكروا بهذه الطريقة أبداً، إنما ينبغي العمل و السعي و الجد إلى اللحظة الأخيرة و إلى الساعة الأخيرة و حتى اليوم الأخير.

و لا تخوضوا في الأمور الجانبية الهامشية، فالشهور التي أمامنا شهور تسكنها تدريجياً تحديات انتخابية، و تتصاعد فيها الدعايات الانتخابية و الكلام الانتخابي و الشؤون السياسية. المخالفون يقولون شيئاً، و الموافقون يقولون شيئاً، ينبغي أن لا تشغلكم هذه الأمور، و لا تهتموا لهذه المسائل أبداً، بل أنجزوا أعمالكم. خير دعاية و إعلام للحكومة التي تتولى زمام الأمور هو عملها. إذا قلتم في الإعلام ألف كلمة و قدمتم عملاً صالحاً واحداً فإن هذا العمل الصالح يؤثر في الناس أكثر من آلاف الكلمات. إذا شاهد الناس العمل و شعروا به و لمسوه فهذا خير إعلام للحكومة، فلا تفكروا بأن تنشغلوا بالهوامش من الأمور.

طيب، نفس أسبوع الحكومة هذا فرصة مغتنمة، سواء للنخبة الذين هم خارج الحكومة أو للأشخاص الذين هم داخل الحكومة، من أجل أن يقيّموا عملهم و يزنوه «بَلِ الاِنسانُ عَلى نَفسِهِ بَصيرَة» (2). كل رؤساء الأجهزة و المؤسسات يستطيعون أفضل من غيرهم تقييم أعمالهم. أحيناً ندّعي شيئاً حول ما قمنا به على مستوى الكلام و البيان - فهو بيان على كل حال - لكننا نراجع فنجد أننا نحن أنفسنا غير مقتنعين به تمام الاقتناع. أي إن هذه التقييم مهم جداً برأيي. و كذا الحال بالنسبة للنخبة في الخارج، النخبة خارج الحكومة أيضاً ينظرون لأعمال الحكومة، و لا ضرر و لا إشكال في توجيه النقود، و لكن يجب أن يكون النقد منصفاً. النقد بمعنى الإشارة إلى مواطن الإشكال و طرح الحلول لتلك المواطن و حل العقد. هذا هو النقد الصحيح الذي لو وجد فإنه حسن جداً برأيي.

إنني أؤكّد وأعيد القول ثانية، بأن تبيّنوا للناس وللنخب ما تم إنجازه من أعمال دونما مبالغة، ومعنى ذلك أن توضّحوا لهم نفس ذلك الشيء الذي اقتنعتم به حقاً، فإن هذا الأسلوب الصادق والمنبثق من النظرة الواقعية، سيترك الأثر في نفوس الناس، وهذا ما لا شك فيه.

لقد دوّنتُ عدة فصولٍ رئيسية لأطرحها عليكم، علماً بأن كلمات السادة قد تخلّلتها جملة من هذه الموضوعات أيضاً.

الفصل الأول كما أشاروا يتعلق بالشؤون الاقتصادية. فإن القضية الأولى في البلد باعتقادي هي قضية الاقتصاد والمسائل والمشاكل والعُقَد الاقتصادية التي لا بد من معالجتها. ولقد قدّم السيد الدكتور جهانغيري تقريراً جيّداً عن مقرّ قيادة الاقتصاد المقاوم، ولكنه قال في نفس الوقت: «لم تزدد صلاحياتي»، وهذا ليس بالخبر المطلوب بالنسبة لي، حيث كان توقعّنا أن يقود سماحته هذا الأمر بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فإنه موطن ثقة السيد رئيس الجمهورية بالكامل، وموضع تأييدنا أيضاً، ولذا فمن المناسب أن تتوافر له إمكانية قيادة هذا الأمر بكل معنى الكلمة، لأن في غضون نفس هذه الأعمال التي تم إنجازها، ثمة نقاط سأتناولها. فلقد شاهدت هذا التقرير، وكان تقريراً جيّداً، ومن الأمور الهامة التي جاءت فيه: إعداد نحو مئتي مشروع ورزمة وبرنامج لدعم الإنتاج، وإحالة 250 مشروعاً شبه جاهز إلى القطاع الخاص.. هذه إنجازات يمكن عرضها، ولكن هناك بضعة نقاط [في هذا المضمار]:

الأولى؛ متابعة هذه المشاريع حتى تنفيذها قطعاً، وذلك لأننا نتخذ القرارات، ونقوم بإبلاغها، ونشدّد عليها، ولكننا إن لم نتابع المسألة حتى المرحلة الأخيرة، ولم نوصل الماء الذي جرى من الينبوع إلى المزرعة، سيبقى العمل ناقصاً، ولا يتم إلا إذا وصلت كل واحدة من هذه المهام والمشاريع التي قام بإنجازها سماحته وكل معاونيه على صعيد الحكومة في مقر قيادة الاقتصاد المقاوم، إلى النتيجة المرجوّة. وهذا يعني أن يعقّبوا المسألة ويتابعوها خطوة تلو خطوة.. هذه هي النقطة الأولى الفائقة الأهمية باعتقادي والتي يجب تطبيقها بإذن الله.

الثانية؛ أن هناك أنشطة وسيعة جداً في الساحة الاقتصادية على صعيد البلد، سواء بواسطة القطاع الخاص أو الحكومي. فالبلد زاخر بالنشاطات والفعاليات الاقتصادية الهائلة. وعلى المسؤولين أن يبذلوا قصارى جهدهم ليجعلوا هذه الأنشطة مواكبة لسياسات الاقتصاد المقاوم، وأن يحولوا دون الفعاليات التي لا تساير هذه السياسات إن كانت موجودة. وهذه هي حقاً واحدة من المهام الأساسية. فإن هناك الكثير من الأعمال التي يتم إنجازها في ساحة الاقتصاد الحقيقي، بيد أن البعض منها ينسجم مع سياسات الاقتصاد المقاوم، والبعض الآخر لا ينسجم، فليتم الترويج لما ينسجم منها، والحيلولة دون ما لا ينسجم منها أو عدم دعمه على أقل التقادير. وفي خصوص موردٍ أو موردين من هذه الأعمال، أبغلتُ رسالة بواسطة سماحة السيد حجازي، وطالبته أن يسألهم بأن هذا العمل بخصوصه، أين تقع مكانته في منظومة سياسات الاقتصاد المقاوم؟ وهذا ما يجب أن يكون قابلاً للبيان والتوضيح، ومعنى ذلك أن أيّاً من هذه الأعمال التي يتم إنجازها، لا بد وأن تتبوّأ مكانتها في منظومة السياسات التي أعدّها سماحته وسائر أركان الحكومة.

النقطة الثالثة؛ هي تجنيد كل طاقات البلاد في هذا المجال. ولقد أشاروا إلى ذلك لحسن الحظ، وأما الوزيرين الذَين لم نستمع اليوم إلى أحاديثهما، فقد كان لنا مؤخراً لقاء مع السيد حجتي ]وزير الجهاد الزراعي[، كما ونطالع كلمات السيد نعمت زاده ]وزير الصناعة والمناجم والتجارة[ التي تُنشر في الصحف وأمثالها. فهناك أعمال كثيرة لا بد من توظيفها سيما في الحقلين الصناعي والزراعي، وهذا يعني أنّ الطاقات والإمكانيات هائلة. علماً بأنّ لديّ في القطاع الزراعيّ وبشأن الغابات كلام، سأطرحه على السيد حجتي لاحقاً خلال لقاء خاص إن شاء الله.

النقطة الرابعة؛ صناعة الخطاب. انظروا إلى كلمة السيد الدكتور ستاري، كيف شدّد وأكّد فيها على قضية العلم والاقتصاد المبني على المعرفة والشركات القائمة على المعرفة وما إلى ذلك، وهذا ما أشار إليه بعض الأعزة الآخرين أيضاً، فإنه ناجم عن خطاب تمتدّ جذوره إلى عشرة أعوام أو اثني عشر عاماً. ومعنى ذلك أنه حين يُطرح موضوع شقِّ الصفوف العلمية المتقدمة والنهضة البرمجية وإنتاج العلم، ويُتابع، ويُذكر في الجامعات، ويتبدّل إلى خطاب، يكون الناتج من ذلك أنني في بعض الأوقات حين أستقبل في هذا المكان على سبيل المثال الطبقات الجامعية - سواء الطلبة الجامعيين أم أساتذة الجامعات -، أجد أنهم يكرّرون نفس الكلمات التي ذكرناها من باب المطالبة.. هذا هو الخطاب الذي لو حصل، لتحقق هذا التقدم العلمي، وهو أمرٌ مطلوب. فلقد حققنا اليوم نجاحات باهرة هامة في قضايا الفضاء، والطاقة النووية، وتكنولوجيا النانو، والتقانة الحيوية، وموارد متعددة أخرى، وهذه النجاحات نابعة عن صناعة الخطاب. لأن صناعة الخطاب يؤدي إلى أن يتم غرسه في أذهان الجميع، وأن يتولّد فيهم دافع ومحفز، وكأنه يتم إنشاء جادة وسيعة وخطّ سريع، يتسبّب في أن يرغب الجميع بالسير في هذا الطريق، ومن هنا فصناعة الخطاب مسألة بالغة الأهمية. علماً بأن صناعة الخطاب لا تتحقق عبر تكرار كلمة «الاقتصاد المقاوم»، فلا ينبغي تكرار هذه الكلمة بالمستوى الذي يؤول إلى استهجانها واستقباحها، بل يجب تبيينها من خلال الشرح والتوضيح وما شابه ذلك.

والنقطة التالية - وأخصّ بها السيد جهانغيري -  هي أن المتوقّع في الاقتصاد المقاوم هو الطفرة في العمل. فإن للجهاز الحكومي سلسلة من الأعمال المتداولة والشائعة في المجالات الاقتصادية - التي تتم في كافة الأقسام المختلفة للوزارات الاقتصادية المتعددة - وهي أعمالٌ لا بد من إنجازها. إلا أنّ من الأمور المنشودة في الاقتصاد المقاوم، هو العمل الفائق، والطفرة في العمل. وأذكر من باب المثال - وهذا ما دوّنته هنا - قول السيد رئيس الجمهورية: «تأسيس سبعة آلاف وحدة صناعية»، وهو عملٌ جيّد، ويدخل في هذا النمط، وعليكم متابعته. فإنّ قوله سوف نأسس سبعة آلاف وحدة صناعية، أمر مطلوب، وهو يعني أنه يفوق الأعمال المتداولة والمتعارف عليها في أجهزتنا. فعليكم بمتابعة مثل هذه المسائل التي تنطوي على حالات من القفز، وتفوق حالات التقدم الطبيعية، فهي مطلوبة للغاية.. هذه هي النقطة التالية، وهي أن لا تقنعوا بالأعمال اليومية المتداولة في الأجهزة الاقتصادية، ولا تطالبوها بها.

ثمة نقطة أخرى في الشؤون الاقتصادية، وهي الأعمال الأساسية والجذرية التي يمكن إنجازها، والتي لا تعدّ من الأعمال الصعبة:

وعلى سبيل المثال: «توزيع اتخاذ القرارات على المحافظات» - وهذا ما أشاروا إليه وباتوا يفكرون فيه لحسن الحظ - فهو عملٌ مطلوب، ومعناه أن عليكم إخراج اتخاذ القرارات من الحالة المركزية وتوزيعها على المحافظات. أو «توجيه التسهيلات المصرفية نحو الإنتاج». قبل فترة قلتُ للسيد وزير الاقتصاد المحترم [السيد علي طيب نيا] ، والسيد سيف [ رئيس البنك المركزي] بأن كل ما اكتسبتموه من علم وكل ما مارستموه من دراسة، وظّفوها اليوم لتوجيه هذا الحجم الهائل من السيولة النقدية نحو الإنتاج؛ أي أن تكون هذه هي مهمتكم، فهي قضية هامة فيما لو تحققت - وأعتقد أنه يمكن تحقيقها بالنسبة إلى السادة الممسكين بزمام الأمور -. وكذا «محفّزات التصدير»، فإن لنا محفّزات ومشجّعات في بعض الأحيان، إلا أنها غير مستقرة، وهي في زيادة ونقصان وتغيير، وهذا ما يدعو إلى عدم التفاؤل والاطمئنان لمن يعمل في مجال التصدير، فإن قضية التصدير قضية جادة وهامة للغاية، ولا بد أن تكون لها محفزاتها ومشجعاتها. ومنها مسألة «تسديد ثمن المحاصيل الزراعية»، وهي الأخرى تتسم بالأهمية.

وكذلك مكافحة التهريب بصورة جادة [وإحراق البضائع المهرّبة] ، فهي قضية بالغة الأهمية. ولقد قال لي بالطبع بعض المعنيين بالأمر إن جملة من هذه البضائع يمكن إعادة إنتاجها، وهذا جيّد، ولا مانع لديّ من ذلك؛ أي أنني أعلن الآن هذا الأمر. وأما قولنا بضرورة إحراق البضائع المهرّبة، فهو لا يشمل حالات التهريب الجزئية ولا يشمل أولئك الذين يحملون جرابهم على ظهورهم وما شاكل، وإنما يشمل عصابات التهريب والحمولات الضخمة التي تُلقي بظلالها على سوق البلد.

والبيروقراطية الإدارية وهي موضوع قديم لا أريد الآن أن أخوضه ثانية. ولكن أحياناً ما تشتدّ البيروقراطية الإدارية لدرجة ترى الموفّرين لفرص العمل والمستثمرين يطفح بهم الكيل ويُعرضوا عن العمل.

والمسألة الأخرى هي الدعم الجاد للاقتصاد القائم على المعرفة. ولله الحمد فقد ذكر السيد ستاري هنا وأقرّ في الحقيقة بنحوٍ من الأنحاء أن الجميع يدعمونه، وهو بحاجةٍ إلى الدعم حقاً. فعلى الجميع أن يمدّوا يد العون للمعاونية العلمية، وعلى كافة الأجهزة أن تساعدها. ولو كان الأمر كذلك حقاً، والجميع يدعمونكم، فالحمد لله. إن علينا أن نحمل قضية الاقتصاد القائم على المعرفة وكذلك الشركات المبنية على المعرفة على محمل الجدّ. ولربما أمكن القول بأن هناك ملايين الشباب المستعدّين للعمل، من الذين لو تم دعمهم، لاستطاعوا أن يتقدموا في هذه الأقسام وأن يفعّلوا مختلف القطاعات.

ولقد سمعتُ في بعض الحالات وبعض القطاعات الحكومية - وحريّ بالسيد رئيس الجمهورية أن يتابع الأمر - أنها تمنح بعض المشاريع إلى الأجانب، وتزّودهم بالإمكانيات، ولكن لا تمنحها للشركات الداخلية القائمة على المعرفة التي بمقدورها تنفيذ المشروع! هذا ما بلغنا من التقارير على أمل أن تكون مخالفة للواقع، بيد أنها تقارير موجودة، ومن المهم باعتقادي ضرورة تعقيبها ومتابعتها.. هذا فيما يخص الاقتصاد المبني على المعرفة. وهناك قضية القرى والأرياف أيضاً، والكلام كثير في هذه المجالات، إلا أنّ الوقت سيُدركنا.

والفصل الآخر الذي أودّ أن أتناوله هو قضية السياسية الخارجية، وهي منذ البداية كانت تمثّل إحدى أولويات حكومة السيد الدكتور روحاني، سواء في الدعايات الانتخابية، أم في الإجراءات الحكومية، وهي أمرٌ يتسم بالأهمية. وأنا أيضاً أؤيّد ذلك، وكنت منذ السابق أؤمن بالنشاط والعمل الدبلوماسي، وأعتقد بضرورة بذل الجهود في هذا المضمار.

ولكن هناك عدة نقاط في هذا المجال: الأولى أن نقوم بتوزيع قدراتنا الدبلوماسية على صعيد العالم بشكل صحيح، ومعنى ذلك أن تأخذ آسيا حصتها بما يناسب سِعتها وإمكانياتها، وكذلك الحال بالنسبة لأفريقيا وأمريكا اللاتينية. إذن ينبغي أن نقوم بتوزيع طاقاتنا الدبلوماسية بشكل جيّد ومناسب.

والنقطة الأخرى في العمل الدبلوماسي هي ضرورة أن نتخذ موقفاً فعالاً في كل مكان. ففي خصوص بعض القضايا كقضايا المنطقة - وهي في الوقت الراهن قضايا معقدة للغاية، بما فيها قضايا سوريا والعراق ولبنان وشمال أفريقيا، من هذه الجهة، ومن جهة الشرق أفغانستان وباكستان وما شابه، فهي قضايا معقدة جداً، والسياسات في هذه المنقطة في غاية التشابك والتخاصم والتأثير على البعض الآخر - من الضروريّ جداً أن يخوض المرء هذه الساحة بدقة ووعي وقدرة عملٍ وفعالية وتأثير، ولقد خضنا في بعض المواطن بهذا الشكل والحمد لله.

والنقطة الثالثة في الشأن الدبلوماسي، هي استثمار الطاقات الدبلوماسية في مجال الاقتصاد. فعلى الأجهزة الاقتصادية أن يكون لها تعاملها المستمر مع وزارة الخارجية في الشؤون الاقتصادية. ألم نستند في أقوالنا على سبيل الفرض إلى نقل التنقية المتطورة الفلانية من البلد الفلاني أو التصدير [إلى البلد الفلاني] - ونشدّد على قضية التصدير -؟ إذن يجب أن تكون وزارة الخارجية هي المحور للعمل في هذه المجالات. فلقد سمعنا ورأينا في بعض الحالات أنّ وزارة من الوزارات، راحت تتفاوض مع بلد ما في المجال الاقتصادي، دون أن تعلم وزارة الخارجية بذلك! وهذا ضرر وخسارة صرفة.  علماً بأنّ هذا واجبٌ ثنائي، حيث يجب على الأجهزة إسداء التعاون والتواكب مع وزارة الخارجية في هذا المجال، ويجب كذلك على وزارة الخارجية أن تخطط لهذا الأمر في حقل خاص - والظاهر أن هناك حقلٌ في وزارة الخارجية يعنى بالمسائل الاقتصادية؛ أي أنه كان موجوداً في السابق - فعليهم أن يفعّلوا هذا الحقل وأن يخططوا لهذا الأمر.. هذه نقطة. فإن الذي يمكن الوثوق به في العملية الدبلوماسية، هو العمل الثابت المؤكد الذي تم التوقيع عليه والذي يمكن الاحتجاج به، وهذه قضية هامة في علاقاتنا مع البلدان الأجنبية، ويجب التدقيق فيها.

علماً بأنّ قضية الاتفاق النووي أيضاً تدخل في عداد السياسة الخارجية، ولكني تحدّثتُ كثيراً في هذا المضمار، ولا أريد أن أتطرق لهذا الموضوع من جديد. فقد كان ومازال لنا حديث مستمر تقريباً في هذا الشأن مع السيد الدكتور روحاني، رئيس الجمهورية المحترم.

على أيّ حال فإن النقطة التي أروم ذكرها في خصوص الاتفاق النووي، هي أولاً أن نحسب لسوء أداء الطرف الغربي ولاسيما أمريكا حسابه، ولا ينبغي لنا مطلقاً أن نعمد إلى تبرير سوء أداء الطرف الآخر ومراوغته وخيانته بنحو من الأنحاء، فقد اتضح حالياً أن الأمريكيين يسيئون الأداء وينقضون العهود، وعلينا أن نحسب لهذا حسابه وأن نولي اهتمامنا به.

و[ثانياً] أن نكتسب التجربة من ذلك، فإن ما تقطعه - على سبيل الفرض - هذه الحكومة أو حكومة أخرى في أمريكا أو في البلد الفلاني من وعود وما تتعهّد به، لا يمكن الوثوق به على الإطلاق. فإن واعدوكم بشيء، عِدوهم أنتم أيضاً بشيء. يُنقل أن شخصاً بعث برسالة إلى الخليفة أني أنشدتُ فيك شعراً، فحضر عند الخليفة وقرأ الشعر، فكتب الخليفة على ورقة بأن يُمنح مئة ألف دينار من الذهب مثلاً، وسلّمها للشاعر وقال له: اذهب واستلم الأموال، فأخذ بها إلى رئيس الخزانة، وسلّمه الورقة وقال: أعطني مئة ألف دينار، قال: ولأي سبب؟ أجابه: لأني أنشدتُ شعراً. فقال: أنشدتَ شعراً أُعجب به، وكتب لك ورقة أُعجبت بها.. هذا بذاك، فقم وانصرف! هكذا هو الأمر. إنه يتفوّه بكلمة ويقطع وعداً يُعجبنا، ونحن بدورنا نَعِده بشيء يُعجبه، ولكن لا ينبغي أن نُعطيه شيئاً حالّاً، حتى نتساءل بعد ذلك حائرين بأنه هل سيفي بتعهداته أم لا.

على أيّ حالٍ نحن نثمّن جهود الذين تجشموا العناء حقاً وبذلوا المساعي ليل نهارٍ في قضية الاتفاق النووي. فإنّ لديّ انتقادات وإشكالات على الاتفاق النووي، وهذا ما ذكرته لكم وفي الملأ العام أيضاً، بيد أن إشكالاتي تعود إلى الطرف المقابل، ولا تمتّ لأفرادنا وعناصرنا بصلة، فإنهم قد عملوا ما بوسعهم وبذلوا قصارى جهدهم، غير أن الطرف الآخر خبيث غدّار.

والفصل الثالث يرتبط بالعلم والتكنولوجيا. فإننا ولتقدم البلاد بحاجة حقاً إلى أن يتبدل موضوع العلم والتقنية إلى قضية البلاد الأساسية، ومعنى ذلك أن واحدة من النقاط والركائز الرئيسية الثلاث التي يرتكز عليها البلد - ولربما أعمقها - هي قضية العلم والتكنولوجيا، ولقد حققنا في ذلك والحمد لله نجاحات جيدة، حيث بذلت جهودٌ، وأُنجزت أعمالٌ، وتوبع الأمر، ولكن تباطأت سرعة نموّ تقدمنا. ولقد رفع إليّ السيد الدكتور فرهادي [ وزير العلوم والدراسات والتكنولوجيا] تقريراً، على أثر ما قلته في إحدى خطاباتي بأن سرعة النموّ قد تباطأت، قائلاً: كلا، إن نموّنا يشهد حالة جيدة. ولكني لم أُشكل على هذا الكلام، وأنا على علم به، وإنّ ما قاله ليس بالشيء الجديد، بيد أنّ الذي قلتُه ولم يُلتَفت إليه، هو قضية سرعة النمو. ذلك أنّ بيننا وبين من يواجهنا وينافسنا بونٌ شاسع، ولو أردنا الوصول إلى مستواه، ولكن قطعنا الخطى بنفس السرعة التي يقطعها، ستبقى هذه المسافة على الدوام. ولذا علينا أن نتقدم بسرعة تفوق سرعته بأضعاف المرات حتى يمكننا بلوغ مرحلته أو التقدم عليه أحياناً.. هذا هو كلامي، وكنّا نسير على هذه الوتيرة من السرعة لسنوات عدة. والمطلوب لدينا هي ازدياد هذه السرعة، ولكنها تباطأت.. هذا ما أريد قوله، وهذا ما ينبغي على السيد الدكتور فرهادي الالتفات إليه. على أيّ حال، هذه هي القضية التي استرعت اهتمامي، فعليكم أن تزيدوا من سرعة النمو، وإلا فإني على اطلاع بوجود النموّ، وأعلم بطبيعة الحال أننا في نموّ وتقدّم، بيد أن النموّ الطبيعي لا يكفي. فإن ما كنّا عليه من النموّ المتسارع هو الذي ذاع صيته في العالم، وانتشر، فشعر البعض بالحسد، وشعر البعض الآخر بالقلق! حيث توجّس البعض في العالم من تقدّمنا العلمي. كل ذلك كان بسبب سرعتنا المطلوبة. ولقد أشرتُ إلى مسألة الشركات المبنية على المعرفة أيضاً.

هذا وإنّ المعاونية العلمية راضية والحمد لله، فقد دوّنتُ هنا أنها لا تُدعم بواسطة الأجهزة الأخرى، ولكنه يقول الآن بأننا مدعومون، وهذا جيّد، فلو كنتَ راضياً، ماذا عساني أن أقول؟ إنّ قضيتي هي قضيتكم.

كما وتجب الاستمرارية في خطاب التقدّم العلمي، ولا بد من الحؤول دون توقف هذا الأمر. فإنكم أيها الأحبة جميعاً من الجامعيين، وتوصيتي الأولى للأعزاء المسؤولين أن لا يقطعوا صلتهم بالجامعة، وأن يترددوا عليها. وفي كل مكان، وبأي طريقة، ومع أيّ مجموعة جامعية، أكّدوا على قضية خطاب إنتاج العلم والتقدم العلمي والنهضة البرمجية وسرعة النمو، واعملوا ما من شأنه أن يشعر كل أستاذ وكل طالب جامعة وكل باحث أنّ واجبه هو النهوض بذلك.. هذه بدورها نقطة تتعلق بهذا الموضوع.

وهناك نقطة ترتبط بقضية الميزانية المخصصة للأبحاث، فإن هذه الميزانية قليلة أولاً، وثانياً هذا القليل أيضاً لا يُدفع كله. ولقد أخذنا الوعود من إحدى الحكومات - ولا أدري أيّ واحدة منها - بأن يوصلوا ميزانية الأبحاث إلى واحد ونصف أو اثنين أو ثلاثة بالمئة على أعلى التقادير، إلا أنهم بالتالي واعدونا بتخصيص واحد ونصف بالمئة [كحد أدنى]. ولكن حين اجتمع الجامعيون هنا وتحدثوا، قالوا ليس هذا هو الكلام، وإنما الكلام في تخصيص ستة أعشار وخمسة أعشار بالمئة ونحو ذلك، وهذا المقدار أيضاً لا يُدفَع بكامله! فلا بد من العمل على دفع ميزانية الأبحاث بالكامل.

والنقطة الأخرى هي التعاون بين الجامعة والصناعة التي أكّدتُ وشدّدتُ عليها كثيراً منذ سنوات. رحم الله والد هذه السيدة، المرحوم الدكتور ابتكار [المستشار العلمي والتقني لرئيس الجمهورية في حينها]، حيث زارني في هذا المكان، فقلتُ له بأني طالبتُ رئيس الجمهورية بهذا الأمر. فقال: «يا للعجب! هذه هي النقطة الرئيسية التي تعالج قضيتنا»، وتابع قوله بأن هذا هو الأساس، إلا أنّ الأجل حال بينه وبين النهوض بذلك.. رحمة الله على المرحوم ابتكار. على أيّ حال، هذه قضية هامة، ولا بد من وضع المحفزات لكلا الطرفين، سواء للقطاع الصناعي الذي يريد الإنفاق في مجال الأبحاث - فإن الصناعة بالتالي لا بد أن تخصص مالاً إذا ما أرادت الاستفادة من قسم الأبحاث في الجامعات، فاحسبوا لها هذه الكلفة، إما عبر الإعفاء من الضرائب أو عن طرق مماثلة أخرى - أو لقسم الأبحاث والدراسات والجامعات، فلا بد أن يتم تشجيع كلا الطرفين للتقارب فيما بينهما.

والفصل الآخر الذي أتطرق له هو الأمن. فإن بلدنا اليوم ولله الحمد محاط بدرعٍ أمنيٍّ حصين. ولكم أن تنظروا ماذا يجري في البلدان المحيطة بنا؟ ففي شرقنا أفغانستان وأحداثها وباكستان كذلك، وفي غربنا البلدان العربية الجارة من العراق وسوريا واليمن وما يجري في منطقة غرب آسيا من أحداث، إلى غيرها من الحوادث الجارية في أطرافنا كما في ليبيا ومصر وسائر البقاع. فإذا ما نظر المرء إلى ذلك، أدرك أن هذا الأمن المتوافر اليوم في بلدنا والحمد لله كم يعدّ نعمة كبرى. فقد أحيط بالبلد ولحسن الحظ درعٌ أمنيّ يصونه من هذه المخاطر الأمنية. والناس يعيشون حياة مستقرة من الناحية الأمنية. وإنّ من الأمور التي يجدر بالمسؤولين المحترمين أن ينقلوها إلى الناس في خطاباتهم ويذكّروهم بها، هو الأمن لأنه أمرٌ مجهول كما في الحديث: «نعمتان مجهولتان الصحة والأمان». ومادام الأمن مستتبّاً، لا يلتفت إليه أحدٌ. على خلاف ما لو انعدم الأمن فيما لو أردتَ الخروج من البيت إلى محل العمل، أو إلى المدرسة، أو إلى الجامعة، أو التنقل من مدينة إلى أخرى. نحمد الله اليوم على استقرار الأمن في بلدنا، وهذا يعود إلى جهود قواتنا العسكرية والأمنية. فيجب حقاً شكرهم وتعزيز قدراتهم.

وهناك باعتقادي ثلاثة عناصر في هذا المضمار؛ الأول السدّ الدفاعي القومي الذي هو أساس العمل، والمتمثل في الروح الثورية والدينية لدى الشعب، فهو يشكل أحد تلك العناصر الرئيسية الثلاث المعنيّة بصيانة أمن البلاد. ذلك أن الروح الثورية والدينية لدى الناس هي التي تقوم حقاً بحثّ قواتنا وتحريضهم على النهوض بمهامّهم بالشكل الصحيح.. هذه هي إحدى العناصر التي يجب الحفاظ عليها.

والعنصر الآخر هو القطاع التنظيمي المتمثل في تشكيلاتنا العسكرية والأمنية، وهذا هو الآخر الذي يجب تشجيعه وتثمين مساعيه ودعمه، فإنه يبذل الجهود حقاً.

والعنصر الثالث هو تجهيزاتنا وآلياتنا الفنية، وهي نفس هذه المعدّات التي يتم تصنيعها، ونفس هذا الصاروخ الذي أزال الستار عنه السيد الدكتور روحاني قبل بضعة أيام، فهي في غاية الأهمية، ولها تأثير كبير على صيانة أمن البلاد. فأن يتمكّن البلد من الدفاع عن نفسه وأن يعلم الآخرون بأنه يتمتع بهذه القوة الدفاعية، أمرٌ بالغ الأهمية. فانظروا إلى الضجيج والصخب الذي أثاروه في قضية منظومة أس-300  التي أردنا شراءها، وإلى التحركات التي مارسوها من وراء هذا الصخب. فكم سافروا إلى روسيا ليحولوا دون ذلك، والحال أن منظومة أس-300 لا تريد أن تقصف مدينة، وإنما المقرر أن تضرب المهاجم، بيد أن العدوّ لا يستطيع تحمّل أنّ البلد وأنكم تتمتعون بقوة دفاعية.

ومن هنا فإن من أساسيات الأعمال هي تعزيز آلياتنا الدفاعية، وأيّ واحد من هذه العناصر الثلاث - وهي روحية الشعب ومعنوياته، وصيانة وإتقان تشكيلات الأجهزة العاملة على استتباب الأمن، والتجهيزات والآليات - يتم تضعيفه، فهو ينتهي بضررنا، وأيّ واحد يقوم بتضعيفه، فقد عمل على ما يؤدي إلى إلحاق الضرر بالبلد حقاً.

والفصل الخامس هو الشأن الثقافي الذي يمثل أولوية البلاد الهامة للغاية. والثقافة تشمل الأدب والفنّ ونمط الحياة والثقافة العامة والأخلاق والسلوك الاجتماعي، فإن لنا واجباتنا ومسؤولياتنا في هذه المجالات، وتتحمّل الأجهزة الثقافية مسؤوليتها في هذا المضمار حقاً. وعلى سبيل الفرض لو لم تكن هناك رقابة على الفيلم والمسرحية والسينما [ماذا سيحدث؟ ] إنني لستُ من دعاة التشدّد والضغط والكبت في هذه المجالات، وهذا ما أنتم على علم به، وإنما أعتقد اعتقاداً راسخاً بحرية التفكير، بيد أن حرية التفكير لا تعني التفسّخ والتحلّل، ولا تعني السماح للعدو بتسديد ضربةٍ للبلد  من خلال حرية التفكير والعمل.

إن غالبية الأعمال الجيدة في البلد يتم إنجازها اليوم على يد الشريحة الشبابية المؤمنة والثورية، فإن هذه الشركات المبنية على المعرفة وغيرها من الإنجازات والأنشطة تتم في الأعم الأغلب على يد الشباب المؤمن وأمثالهم. أفهل من المطلوب أن يتم إنتاج مسرحية أو فيلم يستهدف أسس إيمان هؤلاء الشباب؟ ألا يعدّ هذا بالشيء الذي لا بد وأن يشعر الإنسان حياله بالخطر؟

ثمة مقولتان هما: الهجوم والدفاع، وأداؤنا في الشأن الثقافي ضيف في كلا مجالي الهجوم والدفاع، وباعتقادي لا بد من بذل الجهود في هذه المجالات. فإن أساس عملنا الذي يتحتم علينا ممارسته هو الاهتمام بالثقافة تحت مظلة الدين والثورة، وبالمنتوجات الثقافية بما فيها الكتاب والسينما والمسرح والشعر والصحف وكذا الشخصيات الثقافية. فلنفترض أن هناك شخصية ثقافية نذرت كل عمرها في سبيل الثورة، وشخصية ثقافية أخرى ما فتئت تنال من الثورة متى ما استطاعت، أفهل يكون سلوككم مع هاتين الشخصيتين على حدّ سواء؟ أنتَ المسؤول الحكومي، أو المسؤول الثقافي، أو المسؤول في وزارة الإرشاد مثلاً، أو وزارة العلوم، أو منظمة الإعلام الإسلامي - ولا يختص هذا بالمهام الحكومية، بل يشمل الآخرين أيضاً - أو الإذاعة والتلفزيون، كيف سيكون تصرفكم وتعاملكم مع هذين الشخصين؟ هذا أمرٌ فائق الأهمية. فإن ذلك الشخص الذي صرف عمره في خدمة الثورة والدين، هل سترجّحونه في التكريم على ذلك الشخص الذي لم يقطع حتى خطوة واحدة في سبيل الدين والثورة، بل سدّد ضربة لهما ونال منها أحياناً؟ إنها نقاط هامة يجب التنبّه لها. وأما لو لم نلتفت إليها ونتنبّه لها، وأولينا اهتمامنا - متأثرين بالأجواء - بالشخص الفلاني الذي يناهض الثورة الإسلامية والحكومة الإسلامية والنظام الإسلامي بكل ما أوتي من قوة، فإن هذا يعارض الحركة الثقافية المنبثقة من العقل والمنطق. ومن هنا فإني أؤمن ببثّ روح حرية التفكير، وضرورة التخطيط العادل أيضاً. لا الفوضوية والعشوائية والتحلل الثقافي من جانب، ولا التشدّد والتحجّر والاستبداد الثقافي من جانب آخر، فإني لا أؤمن بأيٍّ من هذين الجانبين. والسبيل الصحيح هو التخطيط والتوجيه ودعم حالات النماء الإيجابية، والحيلولة دون الضربات والهجمات ونحو ذلك؛ أي الهجوم والدفاع.

والفصل السادس - وهو الفصل الأخير على الظاهر أو المقارب للأخير - هو الخطة التنموية السادسة التي مُنيت بالتأخير، وهي خطة هامة حقاً. وأهميتها واضحة لكم، وأنتم على علمٍ بنسبة هذه الأهمية، فإن الخطة تقود إلى التنسيق، وتضافر الجهود، وبلوغ أهداف ميثاق الأفق [العشريني] من خلال سلسلة البرامج المتتالية؛ ومعنى ذلك أنه لو قُطعت سلسلة البرامج هذه من الوسط، لما أمكننا بلوغ النتيجة المرجوة، وهذا واضح، إذن فهي في غاية الأهمية. ثم إن الخطة لها مسارها المحدد في الدستور، حيث يتم إبلاغ وإعلان السياسات، ومن بعد ذلك تقوم الحكومة بإعداد خطة على أساس هذه السياسات، ثم تتبدّل هذه الخطة إلى قانون يُلزم الجميع باتّباع تفاصيله، ومن هنا فالمجلس كذلك سيكون على علم بمجريات أمور هذه الخطة في هذا المسار. ولذا يجب عليكم الإسراع في هذا الأمر والتقدم به ما استطعتم إليه سبيلاً، وعدم السماح بتوقّفه أكثر من هذا. ولا بد أن يكون أساس العمل في هذه الخطة: في الحقل الاقتصادي هو الاقتصاد المقاوم، وفي الشأن الثقافي هو الثقافة بالسمات التي ذكرناها، وفي مجال العلم والتكنولوجيا أيضاً - وهذه الحقول الثلاثة بالغة الأهمية - بالخصائص التي أشير إليها آنفاً، وكذا الاهتمام بالبحث العلمي والتنمية العلمية.

والفصل الآخر يرتبط بمسألة الفضاء الافتراضي الذي أودّ أن أطالب السيد رئيس الجمهورية بمتابعته، لأنه بحقٍ يعدّ عالماً متنامياً لا يقف عند حدّ ولا تبدو له نهاية، وكلما أجال المرء ببصره، يجد أن هذا الفضاء هو ذلك الشيء الأول بلا آخر، وكلما غاص الإنسان فيه، يرى أنه بحرٌ لا ينزف. وهو يمنح لكل بلد فرصاً كبرى، وينطوي على تهديدات في الوقت ذاته. والواجب الملقى على كاهلنا هو استثمار هذه الفرص بأعلى المستويات، وإبعاد أنفسنا عن هذه التهديدات ما استطعنا، وهذا هو الهدف المتوخى من تشكيل المجلس الأعلى للفضاء الافتراضي. وأذكر على سبيل المثال أن السيد الدكتور جهانغيري لم يتطرق إلى هذا الحقل تقريباً على الإطلاق، وإنما أشار إليه في سطر واحد بأننا قمنا بهذا العمل في هذا الحقل، ووفرّنا المسألة الفلانية التي لها تأثيرها على شبكة المعلومات الوطنية، في حين تعرّض لقضية المتصفّحات، لأن تصميم هذه المتصفحات وإنتاجها بدأ قبل عدة أعوام، وقد عمد الشباب حالياً ومن كل حدب وصوب إلى تصميم وإعداد وإنتاج لربما عشرات أنظمة المتصفحات، وهذا يعني أنه ليس بالشيء الجديد، ومع ذلك فقد أكّد عليه. ولكننا مازلنا متأخرين في مسألة شبكة المعلومات الوطنية والداخلية التي تتسم بأهمية بالغة، ولم نحقق تقدماً في هذا المضمار على الرغم من إيمان السيد واعظي [وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات] وسائر الأعزاء جميعاً بها. فعلينا بمتابعة هذه القضية لئلا نقوم بتسديد ضربات لا يمكن تفاديها.

والنقطة الأخيرة هي قضية الرواتب الباهظة التي اتفق وأن كانت هي المسألة الأخيرة في كلمة السيد الدكتور روحاني أيضاً. إني أطالبكم أن لا تمرّوا على هذه القضية مرور الكرام. نعم، إثارة هذا الموضوع بالمعنى الذي أشار إليه سماحته، وهو الحديث عنه باستمرار، وإعطاء الأرقام بأن فلاناً يستلم هذا المقدار من المال وفلاناً يستلم كذا، قد لا يكون عملاً إيجابياً، ولكن من الجانب الآخر، فإن إجراءاتكم في مواجهة هذا الأمر، كبيرة الأهمية؛ أي قولوا للناس ماذا فعلتم. فقد مسّ هذا الموضوع ثقة الناس. لأنهم لا يدركون هذه الأرقام الباهظة كثيراً، ولكنهم يدكون الرواتب التي تبلغ ستين وخمسين وأربعين مليون توماناً بشكل جيد، فإن الشخص الذي يبلغ مرتّبه في الشهر مليون أو مليون ومئتين أو مليون وخمسمائة، يفهم جيداً ماذا تعني الخمسين مليون. وليس بالقليل أولئك الذين يستلمون هذا المقدار من الراتب في البلد. فلا ينبغي تضييع ثقة الناس - وصحيح ما قاله السيد روحاني بأن رصيدنا الأساس هو ثقة الناس وأملهم - بهذه الأعمال. فإنكم تبذلون كل هذه الجهود والمساعي، وإذا بشخص ومن خلال هذه الرواتب غير العادلة [يبدّدها بأسرها]. ألا يعتبر الفارق بين خمسين مليون وبين مليون واحد أمراً بعيداً عن العدالة؟ ألا يوجد اليوم في أجهزتكم الحكومية من يستلم منكم راتباً بمقدار مليون أو مليون ومئتين أو مليون وخمسمائة أو مليونين؟ كثير هم هؤلاء. وإذا بشخصٍ يستلم ثلاثين مليون أو أربعين مليون! أليس هذا مجانباً للعدالة؟ واسوا الناس ليشعروا أنكم تعانون من نفس الألم الذي يعانون منه، وبيّنوا لهم أن فيكم عزيمة راسخة لمواجهة هذه القضية وصدّها وعدم السماح بتحققها.. بيّنوا للناس ذلك. على أي حال هذه نقطة هامة. وباعتقادي لا ينبغي أن نبحث عن الأعذار للشخص المخالف مطلقاً، ولا بد أن يكون التصدي حاسماً، ولا يختص الأمر بالسلطة التنفيذية، بل إن هذا المعنى سارٍ وجارٍ في كل السلطات والمنظمات، وعلى الجميع أن يلتزموا بذلك. بيد أن السلطة التنفيذية أمام الأنظار، وهي أوسع نطاقاً من غيرها. ومكافحة هذه الظاهرة أيضاً لا تقتصر على السلطة التنفيذية، بل يجب على السلطة القضائية أيضاً التصدي لها في المواطن التي يحق لها التدخل.

والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته

 

الهوامش:

1- في بداية هذا اللقاء الذي أقيم بمناسبة أسبوع الحكومة تحدث حجة الإسلام و المسلمين الشيخ حسن روحاني رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، و السادة إسحاق جهانغيري النائب الأول لرئيس الجمهوري، و سورنا ستاري المعاون العلمي و التقني لرئيس الجمهورية، و بيجن نامدار زنكنه وزير النفط، و على ربيعي وزير التعاون و العمل و الرفاه الاجتماعي، و عباس آخوندي وزير الطرق و البناء، و محمد باقر نوبخت معاون رئيس الجمهورية و رئيس منظمة التخطيط و الميزانية، رافعين تقارير عملهم.

2 - سورة القيامة، الآية 14 .