موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي

كلمة قائد الثورة الإسلامية المعظم خلال لقائه طلاب المدارس والجامعات بمناسبة اليوم الوطني لمقارعة الاستكبار العالمي.

 

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله ربّ العالمین، والصلاة والسلام علی سیّدنا ونبیّنا أبي القاسم المصطفی محمد، وآله الأطیبین الأطهرین المنتجبین، سیّما بقیّة الله في الأرضین.

لقد كانت الجلسة غايةً في النور والإشراق، وقد استضاءت الأجواء واستنارت بحضوركم أنتم الشباب والناشئون، لما تنطوي عليه قلوبكم النيّرة والنقية من انعكاسٍ للأنوار الإلهية، مما أدى إلى أن ينتهل من أمثالي أنا الحقير من صفاء نفوسكم وتلألؤ الأنوار الإلهية في قلوبكم الطاهرة.

قدمتم خير مقدم، وشرعتم الجلسة بصورة جيّدة جداً، بما فيها التلاوة الرائعة والماهرة والعذبة لهذا الأخ العزيز والآيات التي تم اختيارها، ومن ثم الأنشودة الجماعية الجميلة التي تتسم بالمضمون الرائع واللحن الجيد، وهذا هو عَبَق إبداعاتكم الشبابية الذي فاح في هذه الجلسة والحمد لله.

لقد أقيم هذا الاجتماع بمناسبة الثالث عشر من شهر آبان (الخامس من نوفمبر)؛ أي يوم غد. وهو على الرغم من أنه يومٌ تتلاقى فيه عدة أحداث، بما فيها حادثة نفي الإمام الخميني الجليل، وحادثة مجزرة طلاب المدارس وسفك دمائهم في شوارع طهران، بيد أنّ الذي صنع من هذا اليوم يوماً بارزاً، هو حادثة اقتحام السفارة الأمريكية، أو وكر التجسس الأمريكي بالمعنى الصحيح، والاستيلاء عليه. ومن هنا فإن يوم الثالث عشر من آبان الذي أطلقوا عليه في بلدنا يوم مقارعة الاستكبار، باعتقادي - رغم صحة هذا الاسم - هو يوم الشابّ؛ الشابّ المؤمن الثوري الشجاع الباسل المبدع الذي يحول بعمله دون مبادرة العدو وحركته.. إنه يوم الشابّ بهذا المعنى.

لقد مضت سنوات على ذلك اليوم، إلا أن مفهومه مازال قائماً. وما سمعتم من أنّ الإمام الخميني أطلق على هذه الحركة ثورة ثانية، لم يكن عبثاً واعتباطاً، فإنّ العدوّ منذ الساعات الأولى من انتصار الثورة وحتى قبل ذلك تصدى لحياكة المؤامرات. فقبل بضعة أيام من انتصار الثورة أرسل الأمريكيون رجلاً إلى هذا البلد علّهم يتمكّنون من تدبير انقلابٍ وإجهاض الحركة الشعبية، ولكنهم بالطبع فشلوا في ذلك. وبعد انتصار الثورة أيضاً، مارسوا أنواع المساعي والجهود، سواءٌ الجهود السياسية الرسمية، حيث اتخذ مجلس الشيوخ الأمريكي منذ الأيام الأولى موقفه من الجمهورية الإسلامية وأعلن خصومته وفرض العقوبات ضدّها، - هذه هي الطرق الرسمية المعلنة - أو الطرق غير المعلنة، حيث بدأوا يتصلون بعملائهم ومرتزقتهم في داخل البلد عسى أن يتمكّنوا من استغلال وجود القوميات المختلفة لإثارة الخلافات وشقّ صفوف الشعب، ولكنهم أُلقموا حجراً. فإن نفس قومياتنا - من العرب والأتراك والأكراد واللور والتركمان الذين تعرضوا بأسرهم لهذه المؤامرة - وقفوا في وجه أمريكا، وكذلك الشباب المؤمن الذي لم يُطلق عليه بعد اسم الحرس الثوري أو التعبئة، ولكنه كان حارساً للثورة وتعبوياً في مسيرة الثورة بكل ما للكلمة من معنى، انطلق وأحبط المؤامرة الأمريكية. ومن هنا فإن الأمريكيين منذ الساعات الأولى مارسوا أعمالهم، وهذه كلها غير الممارسات التي كانت تُنجز في داخل السفارة الأمريكية بطهران.

وبعد أن انبرى شبابنا واستولى على هذا المركز، واستطاع بمشقة كبيرة أن يجمع الأوراق والوثائق التي كانت قد فُرمت بالفرّامة، وأن يلصق بعضها ببعض، وينشرها في كتاب، تبيّن حينذاك ما هي المؤامرات التي كانت تحاك طيلة هذه المدة في داخل السفارة الأمريكية. أفهل قرأتم هذه الكتب التي تتألف من نحو سبعين مجلّداً؟ لماذا لا يوجد أيّ أثر من المضامين المستخلصة من هذه الكتب في منظومة مدارسنا وثانوياتنا وجامعاتنا؟ لماذا؟ هذه هي واحدة من انتقاداتي، ووزير التعليم والتربية المحترم الجديد(1) حاضرٌ في هذه الجلسة؛ لماذا لا تُدرجون هذه الموضوعات في داخل الكتب الدراسية؟ لماذا لا تسمحون لجيلنا الشابّ الجديد أن يعرف ويعلم ما الذي فعلته أمريكا تجاه إيران، وما هي المؤامرات التي كانت تدور في ذهنها؟

إن حركة طلاب الجامعات لاقتحام السفارة الأمريكية لم تكن سوى ردة فعلٍ على كل هذه الممارسات الخبيثة، وقد انتهت هذه الحركة بالنجاح والظفر، أي أنها وقفت سدّاً أمام تحرك أمريكا في داخل البلد، وهي القوة العظمى التي تتسم بالوقاحة والجشع؛ هذه هي الثورة. فإن تلك القوة الكبرى التي تعوّدت منذ 25 إلى 30 سنة، أن تملي على إيران كل ما تريده، لأنها كانت في قبضتها وتحت تصرفها، فإنّ دولتها وحكومتها ومَلِكها ونفطها وذخائرها ومناجمها ومستقبلها، وكل شيء فيها كان ملكاً لها، واليوم قد انتُزع من يدها، وراحت تخطط للهجوم، رأت أنّ الشباب قد صّدوا هجومها واستمروا على ذلك ثابتين، ووقف الشعب الإيراني صامداً، وكان زعيم هذه الحركة الجبارة وقائدها هو شخص الإمام الخميني العظيم.

ولقد كنتُ مطّلعاً على تفاصيل الأحداث آنذاك، وكنتُ أتردّد على وكر التجسّس، وأجتمع، وأتحدث مع الشباب الذين كانوا فيها، ومع غيرهم في مجلس الثورة - حيث كنتُ حينها أحد أعضاء هذا المجلس - وأعلم بالتحركات التي تجري هنا وهناك لإحباط هذه الحركة، بيد أنّ الإمام وقف أمامها. أعزائي! هذه هي أمريكا.

إنني أروم تصحيح خطأَين في هذا اليوم. فهناك خطآن يتم تزريقهما في الرأي العام لأبناء شعبنا. والمباشر لهذا التزريق في الدرجة الأولى هو الجهاز الاستكباري ذاته وأمريكا نفسها، وفي الدرجة الثانية بعض من في الداخل؛ منهم - ولا أتهم الجميع - من هو عميلٌ لأجهزة التجسس أو الجهات السياسية أو المراكز الخاصة الأمريكية، ومنهم من ليس عميلاً، ولكنه في عداد الـمُنهَكين والنادمين والمتذوّقين لحلاوة ملذات الدنيا. فالعدوّ يحيل هاتين الفِكرتين وهذين الخطأين إلى هؤلاء الأفراد، وهؤلاء بدورهم يعملون على إشاعتها وبثّها في شتى المنابر ومختلف المواقع؛ في داخل الجامعات وخارجها، وفي الصحف وغيرها. وأنا اليوم أريد تصحيح هذين الخطأَين.

الخطأ الأول هو ما يروّجون له من أنّ ما قاله الإمام الخميني: «صُبّوا كل هتافاتكم ضدّ أمريكا» (2) - والأمر ذاته يجري في هذا اليوم أيضاً - نابع عن العصبية والغرور، ولا يستند إلى منطق؛ هذا ما يريدون ترويجه، ويبتغون القول بأن شبابنا وعناصرنا الثورية وأبناء شعبنا ومسؤولينا الذين يصنعون من صدورهم دروعاً ويقفون في وجه أمريكا ويميطون اللثام عن مؤامراتها، ليسوا سوى أناساً متعصبين، وعملهم هذا نابع عن حمية الجاهلية والعصبية؛ هذا ما يريدون بيانه. والحال أن القضية بالضبط على العكس من ذلك بنسبة 180 درجة. فإن ما قاله: «صبّوا كل هتافاتكم ضدّ أمريكا» يستند إلى منطق قويّ قويم، وهو أن السياسة الأمريكية قائمة على أساس التوسّع والتطاول، وهذا ما يُثبته تأريخ أمريكا على مدى 250 سنة من عمرها - علماً بأن هذه السياسة كانت في أوائل عمرها ضعيفة جداً، ولكنها تصاعدت بشكل كبير منذ ما يقرب من مئة عام أو أقلّ بقليل - فإن سياسة أمريكا العامة مبنيّة على التطاول والتعدي على بلدان العالم وبسط نفوذها على مناطق كثيرة، تحقيقاً لأمنها في الداخل؛ هذه هي سياستهم وطريقتهم في العمل. وقد طبّقوا هذه السياسة في منطقة غرب آسيا، وفي إيران إبّان العهد الطاغوتي، وفي البلدان الجارة لنا. وكانوا في صراع محتدم مع الاتحاد السوفيتي السابق على هذا الأمر - حيث كان كلٌّ منهما يجرّ النار إلى قرصه - وإيران كانت رازحة تحت الهيمنة الأمريكية. وأدنى غفلة بعد انتصار الثورة كانت تتسبب في أن يعود العدوّ من النافذة بعد أن طردناه من الباب، بيد أن الإمام حال دون تحقق ذلك.

إنّ ما قاله: «قفوا في وجه أمريكا، وصبّوا كلّ هتافاتكم ضدّ أمريكا»، يعني الدفاع عن القيم، لا ما يختص منها بالمسلمين، بل الدفاع عن القيم الإنسانية. فها هم الأمريكيون اليوم قد اعترفوا بأنفسهم أن ما بين الإدارة الأمريكية والنظام الأمريكي وبين القيم الإنسانية بون شاسع. أفهل شاهدتم المناظرات التي دارت بين المرشَّحَين الأمريكيَّين (3)؟ وهل رأيتم وسمعتم الحقائق التي ردّدوها على ألسنتهم؟ حيث أماطوا اللثام عن حقيقة أمريكا. فقد أفصح هؤلاء عن أضعاف ما كنّا نقوله في هذا الشأن، والبعض لم يكن يصدّق بها، أو ما كان يريد تصديقها. والملفت أنّ من تحدّث بصراحة أكثر، حظي من قبل الناس باهتمام أكبر. فإن ذلك الرجل الذي تكلّم بمزيد من الشفافية والصراحة، لاقى مزيداً من اهتمام الشعب الأمريكي. وقال الطرف الآخر بأنه يعمل على أساس النزعة الشعبية والغوغائية، لماذا؟ لأن الناس كانوا يستمعون إلى كلامه، ويرون أنه كلام صائبٌ يجري في واقع حياتهم. فإن القيم الإنسانية في ذلك البلد مدحورة مسحوقة، وقد ساد فيه التمييز العنصري.

قبل بضعة أيام وقف ذلك الرجل في دعايته الانتخابية قائلاً: لو كنتَ من الملوّنين أو من السود أو الحمر، فإنك حين تمشي في شوارع نيويورك وشيكاغو وواشنطن وكاليفورنيا وغيرها، لا يمكنك الاطمئنان بأنك ستبقى على قيد الحياة بعد دقائق. انظروا! هذا كلامٌ يتفوّه به رجلٌ يتوقّع أن يدخل بعد أيام إلى البيت الأبيض، ويدير دفة الحكم في أمريكا.. هذا هو المقصود من التمييز العنصري في أمريكا.

كما وأشار إلى فقر الأمريكيين قائلاً: 44 مليون شخصٍ في أمريكا يعانون من الجوع. وقال هو وغيره أيضاً بأن تسعين بالمئة من الثروة الأمريكية يمتلكها أقل من واحد بالمئة من الشعب الأمريكي. فالقيم الإنسانية مدحوضة في ذلك البلد، وقد ساد فيه التمييز والاختلاف والعنصرية وسحق حقوق الإنسان. فإنّ صرختكم «الموت لأمريكا»، وإن قول: «صبّوا كل هتافاتكم ضدّ أمريكا»، يعني الموت لهذه الأمور. وهذا هو السبب الذي أدى بالإمام إلى أن يقول: «صبوا كل هتافاتكم ضدّ أمريكا».

كلّ هذا من جانب، والجانب الآخر والعامل المهم الآخر في هذه القضية هي أنهم، وفي تلك الأيام الأولى، مهّدوا السبيل لتسديد ضربة كبيرة ضدّ الشعب الإيراني، حيث آوَوا محمدرضا في أمريكا، للحفاظ عليه، وتهيئة الأرضية، وتعزيز أياديه في الداخل إلى جانبه، وبالتالي القيام بنفس ما قاموا به في 28 مرداد 1332 ه.ش (19/8/1953) - أي قبل 25 سنة من ذلك التأريخ -. ففي 28 مرداد أيضاً فرّ محمدرضا من إيران، وتعاضد البريطانيون والأمريكيون، ودخلوا إلى البلد خفية، ووظّفوا السفارات المختلفة، ولجأوا فيها، وجهّزوا وأعدّوا أياديهم وعملاءهم، واستغلّوا غفلة الشعب يومذاك، وأعادوا محمدرضا ثانية إلى الحكم، وهذه العودة هي التي آلت، ولمدة 25 عاماً، إلى أن يثقل كاهل الشعب ويضيّق عليه الخناق ويجرّعه العلقم. وكانت بغيتهم إنجاز هذا العمل ثانية، غير أن الإمام حال دون ذلك، وصدّهم عن هذا الأمر، وأيقظ الشعب الإيراني، فاستيقظ أبناء الشعب. ومن هنا فإن الشعار المناهض لأمريكا وإعلاء الصرخة في وجهها، لم ينبثق من العصبية والجهالة والعناد، وإنما هو نابع من منطق، ومستند إلى دعامة فكرية منطقية. فليعلم وليلتفت شبابنا الأعزاء والكتّاب والمتحدثون وأصحاب المنابر - بما في ذلك منبر الصحافة ومنبر الجامعة ومنبر الدرس وشتى المنابر الأخرى - بأن الشعب الإيراني لو كان على مدى هذه الأعوام الثلاثين والنيّف ومازال اليوم يهتف بشعارٍ مناهضٍ لأمريكا، فإنه يستند في ذلك إلى منطق راسخ.

نحن خلال هذه الأعوام خضنا حرباً طالت ثمانية أعوام مع صدام، ووقفت أمريكا ظهيرة ومساندة له بكل قوة، وساعدته ما استطاعت إليه سبيلا. فإنها أخذت تعادينا بعد الحرب بطريقة، وقبل الحرب بطريقة، وفي الحرب بطريقة، وحتى اليوم بطريقة، وفي قضية الاتفاق النووي بطريقة، وما بعد الاتفاق بطريقة أخرى. فإنّ ذلك المفاوض الأمريكي (4) وقف قبل أيام معلناً بكل صراحة - وقد بُثّ كلامه في قنواتنا التلفازية أيضاً - بأننا فرضنا العقوبات على إيران حتى بعد الاتفاق النووي أيضاً.. هذه هي أمريكا. وثبات الشعب الإيراني أمام أمريكا ثبات يستند إلى منطق. إذن فالخطأ الأول هو أنهم يريدون الإيحاء بأن الناس وقفوا في وجه أمريكا عن لجاجة وعناد. وحقيقة الأمر على العكس من ذلك، فإنهم وقفوا في وجه أمريكا عن منطق.. هذا هو تصحيح الخطأ الأول.

والخطأ الثاني والفكرة المغلوطة التي يتم تزريقها هي الأخرى أيضاً بواسطة الأمريكيين بنحو من الأنحاء، ويقوم بترويجها أفراد في الداخل كذلك، والتي تعتبر أخطر من الخطأ الأول، هي أننا لو تساومنا مع أمريكا لتعالجت مشاكل بلدنا.

وهذه هي من الأخطاء الغريبة والخطيرة للغاية، حيث يقال بأن التساوم مع أمريكا يؤدي إلى معالجة مشاكل البلد. ولكن بالإمكان إحصاء عشرة أدلة لإثبات أن هذا القول خطأ وكذب وخداع. فإن مداهنة أمريكا لا تحلّ مشاكل البلد على الإطلاق؛ لا المشاكل الاقتصادية، ولا المشاكل السياسية، ولا المشاكل الأمنية، ولا المشاكل الأخلاقية، بل تزيدها سوءاً. فهناك عشرة أو خمسة عشر دليلاً يمكن عدّها وسردها على هذا الأمر، وآخرها قضية الاتفاق النووي. فكم قد ذكرتُ طيلة مدة المفاوضات بأنهم ينقضون العهود ويكذبون ولا يثبتون على كلمتهم، وهذا ما تشاهدونه حالياً. واليوم لست أنا الذي أقول بأن هؤلاء ينكثون العهود، بل أخذ يقول به المسؤولون المحترمون في البلد، ونفس فريقنا المفاوض الذي بذل كل تلك الجهود، وتفاوض لمدة سنة ونيف، واجتمع معهم في اجتماعات طالت عشرة أيام وخمسة عشر يوماً وعشرين يوماً في خارج البلاد، وخلف طاولة المفاوضات، وبذل المساعي، وتجشّم العناء.

وفي اجتماع وزراء الخارجية الذي عُقد قبل شهرٍ تقريباً في نيويورك (5)، والذي شارك فيه كلّ من وزير خارجيتنا المحترم، ووزراء خارجية الأطراف المقابلة، طرح وزير خارجية بلادنا في ذلك الاجتماع لائحة اتهام طويلة ضدّهم، قائلاً فيها: لقد قمتم بهذا العمل الذي كان عليكم تركه، وتركتم هذ العمل الذي كان عليكم فعله، ولم يكن لديهم جواب على ذلك؛ هذه هي حقيقتهم. وإذا نُطالَب بالتساوم على قضية سوريا وحزب الله وأفغانستان وباكستان والعراق والقضايا الداخلية، مع من؟ مع ذلك الذي لم يتوانَ لحظة واحدة عن عِدائه وخِصامه، والذي يهدف إلى الحيلولة دون تنامي هذا الشعب، ودون معالجة المشاكل الاقتصادية في هذا البلد؛ أفهل ينطلق هذا لمساعدتنا في حلّ المشاكل؟

أولاً إنه كاذب مخادع ناكثٌ للعهود يطعن من الخلف، وفي الوقت الذي يتصافح مع الطرف الآخر، يحمل - على حدّ تعبيرهم - قبضة من الأحجار ليضرب بها رأسه؛ هذه هي حقيقته. وثانياً أفهل تروم أمريكا حلّ مشاكل الشعب الإيراني؟ والحال أنها غارقة في الأزمات، فلِمَ لا يذكرون ذلك؟ وهذا ما باتت تعترف به كل الأجهزة الهامة المراقبة لمثل هذه القضايا في العالم، وبل حتى أخذ يقرّ به الأمريكيون أنفسهم. فإن أمريكا تعاني من أزمة اقتصادية وأزمة دولية وأزمة سياسية وأزمة أخلاقية. وقد اقتربت ديون الحكومة الأمريكية في الوقت الراهن من إجمالي إنتاجها القومي، وفي ذلك - على حدّ قول الاقتصاديين - دلالة على الأزمة، حيث يقولون بأنه كلما اقتربت ديون دولة من إجمالي الناتج القومي لها، فهي في أزمة، واقتصادها هذا اقتصادٌ متأزّم، واليوم قد مُنيت أمريكا بذلك، حيث بلغت ديونها إلى ما يقرب من ستين ونيّف بالمئة من إجمالي إنتاجها القومي، أفهل تريد هذه أن تمدّ يد العون لغيرها؟ وهل ستقوم بمساعدة اقتصاد بلدٍ آخر؟ إنها تريد أن تمتصّ وتقتلع [من غيرها] لترميم نفسها.. هذا في الجانب الاقتصادي.

وفي الجانب السياسي أيضاً قد وقعت في أزمة. ففي أيّ بقعة من بقاع العالم - وهذا ما أقوله بكل حسم - لو أراد اليوم أيّ شعب دونما استثناء أن يثور وينطلق ضد مستبدٍّ أو دولة أو حكومة فإن شعاره هو «الموت لأمريكا». فقد كان هذا الشعار في يومٍ مختصاً ببلدنا، واليوم في منطقة غرب آسيا، وفي منطقة شرق آسيا، وفي نفس أوروبا، وفي منطقة أمريكا اللاتينية، وفي منطقة أفريقيا، فإن الشعار الأول للشعوب الثائرة هو شعارٌ مناهضٌ لأمريكا؛ هذه هي الأوضاع السياسية السائدة في هذا البلد، أفهل توجد هنالك أزمة أكبر من ذلك؟

لقد كان لأمريكا مخططها في منطقة غرب آسيا، وأنتم لا تذكرون ذلك، علماً بأنه لا يعود إلى زمن بعيد، بل يرتبط بما قبل عشرة أعوام أو اثني عشر عاماً، ولكنكم أنتم الشباب لا تتذكرون ذلك اليوم أيضاً. حيث قالت وزيرة خارجية أمريكا يومذاك: «نحن نبغي بناء شرق أوسط كبير»، وهذا ما ذكرته في قضية لبنان وإبان حرب تموز التي طالت 33 يوماً. ولكن ما هو الشرق الأوسط الكبير؟ فإنهم يسمّون منطقة غرب آسيا بالشرق الأوسط. الشرق الأوسط الكبير منطقة تمتدّ من حدود باكستان إلى البحر الأبيض المتوسط، بمعنى أن جميع بلدان هذه المنطقة تدخل في إطار الشرق الأوسط، وكانت أمريكا قد رسمت لهذه المنطقة برمتها خارطة عامة لتجعلها قاطبة في قبضتها وبمحورية إسرائيل؛ هذا هو المقصود من الشرق الأوسط الكبير. واليوم قد آل المطاف بهذا الشرق الأوسط الكبير الذي تحدثت عنه وزيرة الخارجية آنذاك - وهي امرأة بائسة - بحيث نجدهم قد أعيتهم السبل في قضية سوريا والعراق ولبنان وشمال أفريقيا وليبيا واليمن أيضاً؛ هذه هي الأوضاع السياسية الدولية الحاكمة على أمريكا. أفهل توجد بعد هذه أزمة أعلى؟ وهل بوسع هذه الحكومة أن تساعدكم؟ وهل تريد هذه أن تعالج مشاكل البلد؟

ونحن نقف في النقطة الأمامية، ونشكر الله على ذلك، فإن هذا من فِعل الله ومن ألطافه على هذا الشعب حيث منحهم الشجاعة والبصيرة والاستقامة، فتحمّل الشدائد والصعاب، واستطاع برجاله ونسائه المؤمنين أن ينتهج نهجاً ويعمل بطريقة آلت اليوم إلى أن يعلو شامخاً في الشرق الأوسط، فأصبحت إيران وجهاً لامعاً مشرقاً في العراق وسوريا ولبنان واليمن ومنطقة الخليج الفارسي وفي كل مكان تنظرون إليه.

أما العدوّ فهو يعيش في أزمة من الناحية الاقتصادية والسياسية والدولية والأخلاقية أيضاً، وفي الجانب الأخلاقي تشمل أزمته القضايا المرتبطة بالأخلاق الجنسية والمتعلقة بالمفاسد المالية. وهذا بالاستناد إلى الأقوال التي هم يقولونها، وينشرونها في صفحهم، - علماً بأنّ الذي يتحدثون عنه أقل بكثير من الحقيقة - وإلى ما يقوله هذان المرشّحان لرئاسة الجمهورية اللذان سيدخل أحدهما بالتالي بعد عدة أيام إلى البيت الأبيض ويتربّع على كرسيّ رئاسة الجمهورية هناك، إذ من المفترض أن لا يتكلّما اعتباطاً. فإنهما سيّئان، ولكنهما تعاضدا وتآزرا معاً لكشف القناع عن وجه أمريكا وسحق سمعتها، وقد نجحوا في ذلك. فكيف يتسنى لهذا البلد أن يهبّ لمساعدة إيران؟ لماذا تزرعون في الأذهان هذه الفكرة الخاطئة «بأننا لو أصلحنا فيما بيننا وبين أمريكا وتصالحنا معها، لتعالجت مشاكل البلد»؟ كلا، فإنّ الصلح مع أمريكا لا يحلّ مشاكلنا، بل سيضاعفها. ولو كنّا نعاني من مشاكل سياسية ومشاكل اقتصادية، يجب علينا أن نعالجها بأنفسنا، وهذا واجبٌ في أعناقكم أنتم الشباب.

دعوني أطرح عليكم أنتم الشباب هنا بضع كلمات، فإنكم أعزّ الناس إلينا، وأنتم تمثلون أبناءنا وأولادنا وشبابنا وآمالنا، وبيدكم مستقبلنا ومستقبل البلاد، ولو رحلنا فإنكم أنتم الباقون وأنتم من يجب عليكم إدارة هذا البلد. وهنا أودّ أن أطرح عليكم بضع كلمات. أعزائي! جهزّوا أنفسكم للمستقبل، وأعدّوها لإدارة هذا البلد. فإن معالجة مشاكل البلاد - سواء المشاكل الموجودة في هذا اليوم، أو المشاكل التي ستظهر لنا في المستقبل، وبصورة عامة؛ المشاكل التي يعاني منها كل بلد وكل شعب، إذ لا يوجد بلد عارٍ من أيّ مشكلة - وحلّها رهنٌ بتدفّق الإرادة والاستقامة والعزيمة الراسخة والصمود والثبات من صميم الشعب، وبالتحلي بالبصيرة والمعنويات القوية عبر التوكل على الله والثقة بالذات. فلو اتّكلنا على الله ووثقنا بأنفسنا، ستقوى معنوياتنا للخوض في المجالات العلمية والإدارية أيضاً.

وإنّ الذي أوكّد عليه هو الروح الثورية التي يجب الحفاظ عليها. ولكن ماذا تعني الروح الثورية؟ إنها تعني أن يكون الإنسان الثوري من أهل الشجاعة والمبادرة والعمل والإبداع، وأن يفتح الطرق المسدودة، ويحلّ العُقد، ولا يهاب شيئاً، ويأمل بالمستقبل، ويتوكل على الله في انطلاقته نحو مستقبل مشرق؛ هذا هو الإنسان الثوري، وهذه هي الروح الثورية التي يجب صيانتها.

والبعض يسيرون بالاتجاه المعاكس في عملهم وقولهم وإدارتهم، ويسلبون من الشابّ الأمل بالمستقبل، والثقة بالثورة، ويُبعدونه عن أنفاس الإمام الخميني الدافئة، وهذا ما سيؤول بالتالي إلى فساده، وفي الوقت ذاته يتضجّرون من الدهر! ولكن من الذي يصنع الدهر؟ على حدّ قول صائب [الشاعر]: «ذنب صانع الدهر يفوق ذنب الدهر»، من الذي يصنع الدهر؟ أنا وأنتم، ومن هنا لابد أن ننظر إلى أنفسنا فيما لو ساء الدهر، لأننا نحن بُناته وصُنّاعه. فلو لم نقطع خطانا بقوة، وتجاهلنا توصيات الإمام الخميني - فإن تلك العين الثاقبة وذلك القلب الزاخر بالحكمة، كان يرى جيداً، ويُدرك جيداً، ويشخّص بشكل صحيح، وقد أنار لنا الطريق، وهذه وصيّته بين أيدينا، فلينظر فيها من أُصيب بالشك والتردّد، وليرى ماذا قال الإمام - وأبعدنا الناس والشباب عنها، وسُقنا الشابّ الذي يميل إلى العفة نحو الإباحية واللامبالاة تجاه ما يتعلق بالعفاف، سيؤدي ذلك بطبيعة الحال إلى سوء النتيجة، وفساد الدهر. علماً بأنهم ولحسن الحظ لم يتمكّنوا حتى اليوم من تحقيق ذلك ولن يتمكّنوا بعد اليوم أيضاً، لأن شبابنا يتسمون بالصلاح.

ولو عملنا على زرع الإباحية باسم الحرية، وتزريق التساوم والاستسلام أمام العدو باسم العقل والنظرة العقلائية، لفسد الدهر، فلابد من مواصلة هذا الطريق بقوة وصلابة. يقول أمير المؤمنين (ع) في نهج البلاغة: «فَتَزیغُ قُلوبٌ بَعدَ استِقامَةٍ وَتَضِلُّ رِجالٌ بَعدَ سَلامَة»(6)، فهناك بعض القلوب التي كانت يوماً ما مستقيمة، تسير في الطريق القويم، وتنطلق بشكل صحيح، ولكنها انحرفت وانقلبت بعد ذلك. فالزيغ هو الانحراف والانقلاب، وقوله تعالى: ﴿رَبَّنا لا تُزِغ قُلوبَنا﴾(7)، يعني لا تحرف قلوبنا ولا تقلبها، ولا تسلب منا المعرفة الصائبة بعد أن كنا ندرك الأمور بصحة. يقول أمير المؤمنين بأن البعض من الناس كان في يوم يتحرك بشكل صحيح، ولكن انحرفت قلوبهم، لماذا؟ فإن الله لا يظلم أحداً، ولكننا نحن من نتلوّث بالدنيا، وبحالات الحب التي لا طائل منها، وبطلب الجاه والسمعة، وبصديق السوء، وبالفئويات والتحزّبات، فتنحرف قلوبنا وتزيع عن ذلك الطريق الصائب وتلك الاستقامة الأولى. «وَتَضِلُّ رِجالٌ بَعدَ سَلامَة»، حيث كانوا سالمين في يوم، ثم ضلّوا بعد ذلك. هذه هي الآفات التي يجب صدّها واللجوء إلى الله منها.

إنّ توصيتي إلى الشباب هي أن ينظروا بأعين مفتوحة وببصيرة، وأن لا يتقبّلوا أيّ كلمة من أيّ قائل. فإن مبدأ الحركة والثورة هو الإمام الخميني العظيم، فاعتبروا كلامه حجة، وانظروا ماذا كان يقول. ولا يقال بأن الإمام لو كان في هذا اليوم حاضراً لسلك هذا المسلك؛ كلا، هذا خطأ، فإننا عاشرنا الإمام لسنوات طوال، ونعرفه أكثر منهم. فلو كان الإمام حاضراً في هذا اليوم، لرفع نفس ذلك النداء الإبراهيمي المحطّم للأصنام الذي أيقظ الشعب وآل إلى انتصار الثورة. [هنا انطلقت هتافات: الموت لأمريكا] أنتم ترفعون شعار: الموت لأمريكا، ونحن أيضاً لا نعارضه ولا نرى بأساً فيه.

والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته

 

الهوامش:

1- فخر الدين أحمدي دانش آشتياني.

2- صحيفة الإمام، ج 11،ص 121.

3- دونالد ترامب وهيلاري كلنتون.

4- جون كيري (وزير الخارجية الأميركي).

5- الإجتماع الأول لوزراء مجموعة دول 5+1 بعد تنفيذ الإتفاق النووي.

6- نهج البلاغة، الخطبة 151.

7- سورة آل عمران، الآية 8.