موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي

كلمة قائد الثورة الإسلامية المعظم خلال إستقباله كبار مسؤولي النظام وضيوف مؤتمر "الوحدة الإسلامية" الدولي وسفراء البلدان الإسلامية بمناسبة الذكرى العطرة للمولد النبوي الشريف وولادة الإمام جعفر الصادق صلوات الله عليهما

بسم الله الرحمن الرحیم (1)

والحمد لله ربّ العالمین، والصلاة والسلام علی سیدنا محمد، وآله الطاهرین، وعلی صحبه المنتجبین، وعلی من تابعهم بإحسان إلی یوم الدین.

أباركم لكم ذكرى المولد السعيد للنبي الأعظم، سيد الكائنات وصفوة المخلوقات في عالم الوجود، محمد بن عبد الله، وكذلك الولادة العطرة للإمام أبي عبد الله الصادق، ابن النبي وحجة الله في أرضه إبان إمامته. سائلين الله أن يوفّقنا جميعاً، والمسلمين كافة وأولي البصائر في العالم قاطبة، لأن نثمّن هذه النِعَم، ونعرف قدر هذه المواهب العظيمة، وندركها، ونسعى جاهدين لأن نسير في نفس ذلك الصراط المستقيم الذي دلّه علينا هؤلاء الذين يمثلون أساطين عالم الوجود وأركانه.

لقد بلغت أهمية الوجود الأقدس للنبي الأعظم درجة، بحيث أنّ الله سبحانه وتعالى منّ على البشرية بمنحهم هذه النعمة؛ ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ (2). ويقول الإمام السجاد (عليه الصلاة والسلام) في الصحيفة السجادية مخاطباً الباري تعالى اسمه: «الحَمدُ لِلّهِ الَّذي مَنَّ عَلَینا بِمُحَمَّدٍ نَبیِّه دونَ الأُمَمِ الماضیَة وَالقُرونِ السّالِفَة.» (3) فقد صرّحت الآيات القرآنية والأحاديث الواردة عن الأئمة المعصومين بالمنة الإلهية لهذه العطية الكبرى إلى البشرية، وهذا أمرٌ في غاية العظمة. وقد نَعَت الله تعالى نبيّه قائلا: ﴿رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ (4)، ولم يقل: «لفرقة من البشر» أو «لجمع من العالمين»، بل قال: ﴿رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾. فإنه يُهدي للبشرية تلك الرسالة التي جاء بها من عند الله سبحانه وتعالى، ويضع هذه البصيرة وهذا النهج بين يدي أبناء البشر كافة.

وهناك بالطبع مِن أصحاب القدرة والقوة والثروة مَن لا يرغب في أن يقتات الناس على هذه المائدة الممتدة للرحمة الإلهية، ويعارض اقتدارهم، ولذلك يقف أمام هذه الحركة الإلهية، فيقول الله سبحانه وتعالى حينئذٍ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ﴾ (5) ولا تقتفِ آثارهم واحذرهم، ويقول في موضع آخر: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾ (6)، وقد أمره هنا قائلاً: «جاهد»، ولم يقل: «قاتل الكفار والمنافقين»، لأن القتال ليس ضرورياً بصورة مستمرة، ولكن الجهاد ضروريّ على الدوام.

والجهاد تارة جهاد سياسي، وتارة جهاد ثقافي، وتارة جهاد ناعم، وتارة جهاد صلب، وتارة جهاد بالسلاح، وتارة أخرى جهاد بالعلم، فإنّ هذه كلها تدخل في عداد الجهاد، ولكن ينبغي الالتفات في جميع هذه الأقسام إلى أنّ الجهاد هذا إنما هو جهاد في مواجهة العدو، ومناهضة أعداء البشرية، ومناوءة الأعداء الذين يفرضون أعباء وجودهم الثقيلة ومطامعهم على البشرية بالاتكاء على قدرتهم وقوتهم وثروتهم، ولا معنى للتساوم معهم؛ ﴿اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ﴾.

إن الآيات الكريمة التي وردت بشأن النبي، والتعاليم التي نزلت عليه لتعلّمه طريقة بناء مجتمع إسلامي حديث خطوة بخطوة وكلمة بكلمة، كثيرة جداً. وتوصيتنا إلى أنفسنا، وإلى شبابنا، وإلى المبلغين للشؤون الدينية، وإلى من بيده مقاليد أفكار الناس، هي الرجوع إلى هذه الآيات بأسرها، ومشاهدة هذه المفاهيم القرآنية برمتها، فإنها منظومة متكاملة. ومشكلتنا تكمن في أننا نغفل عن التعاليم التي يخاطب الله بها نبيّه، والصفات التي يصفه بها بمجموعها الكامل. ولو وضعنا هذه المنظومة المتكاملة نصب أعيننا، عندذاك سيتجلى أمامنا ذلك السلوك الصائب، وذلك الصراط المستقيم الذي كان النبي يسلكه. [حيث قال:] ﴿إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ (7)، والواجب علينا البحث عن هذا الصراط المستقيم.

بما أنّ الحاضرين في هذا المجلس هم من إخواننا وأخواتنا الأعزاء الوافدين من بلدنا، ومن البلدان الأخرى، وكذلك الضيوف الأعزاء لمؤتمر الوحدة، وسفراء البلدان الإسلامية الكرام، من مختلف المذاهب الإسلامية - شيعة وسنة - ومن أنواع النِحَل والمدارس الفكرية، وهذه الكلمات سوف تصل إلى مسامع الآخرين فيما بعد، أرى من الضروريّ والمناسب أن أقول في هذا المجلس: أيها الإخوة الأعزاء! أيتها الأخوات العزيزات! إن العالم الإسلامي يعاني في الوقت الراهن من محن كبری، والسبیل لعلاجها هو الاتحاد الإسلامي، وتوحيد الصفوف، وتظافر الجهود، والتعاون، وتخطي الاختلافات المذهبية والفكرية. فإنّ ما يصبو إليه الجهاز الاستكباري والاستعماري اليوم تجاه العالم الإسلامي، هو السعي لإبعاده عن الوحدة أكثر فأكثر. لأن هذا يشكّل مصدر تهديد لهم: حيث تواجد مليار ونصف مليار مسلم، وبلدان إسلامية كثيرة بمصادر كبيرة، وطاقات بشرية جبّارة، فلو توحّدت فيما بينها، وانطلقت متماسكة باتجاه الأهداف الإسلامية، لما كان بوسع الجبابرة أن يقرعوا في العالم طبول غطرستهم، ولما كان بمقدور أمريكا أن تفرض إرادتها على البلدان والدول والشعوب، ولما كان بمستطاع الشبكة الصهيونية الخبيثة أن تطأ الحكومات والقوى المختلفة بمخالب اقتدارها، وأن تسيّرهم بالطريق الذي تريده، وتدفعهم إلى العمل الذي تبتغيه؛ هذه هي نتيجة وحدة المسلمين.

ولو رصّ المسلمون صفوفهم، لما بلغ الحال بفلسطين ما بلغه اليوم، حيث تشهد فلسطين في الظرف الراهن أوضاعاً مريرة؛ غزة بطريقة، والضفة الغربية بطريقة أخرى. والشعب الفلسطيني يتحمّل اليوم ضغوطاً يومية قاسية. والأعداء يهدفون إلى إبعاد القضية الفلسطينية عن الإذهان، ورميها في بقعة النسيان. ويريدون لمنطقة غرب آسيا - التي تتضمن بلداننا - وهي منطقة حساسة واستراتيجية للغاية، سواء من الناحية الجغرافية، أو من حيث المصادر الطبيعية، أو من جهة المعابر المائية، إشغالها ببعض، حيث اصطفاف المسلم أمام المسلم، والعربي في وجه العربي، للتناحر والتقاتل فيما بينهم، بغية تضعيف جيوش الدول الإسلامية، ولاسيما الجيوش الجارة للكيان الصهيوني يوماً بعد يوم.. هذه هي غايتهم.

تتصارع اليوم في المنطقة إرادتان: إرادة الوحدة وإرادة الفُرقة. إرادة الوحدة تختص بالمؤمنين، ونداء اتحاد المسلمين واجتماعهم يعلو من الحناجر المخلصة التي تدعو المسلمين إلى الاهتمام بقواسمهم المشتركة، فلو حدث هذا وتحققت الوحدة لما بقيت أوضاع المسلمين الراهنة علی ما هي اليوم عليه، ولاكتسب المسلمون العزة. ولكم أن تلاحظوا المسلمين اليوم من أقصى شرق آسيا في ميانمار إلى غرب أفريقيا في نيجيريا وأمثالها، بل وفي كل مكان، يُذبَحون؛ في بعض الأماكن على يد البوذيين، وفي أماكن أخرى على يد بوكوحرام وداعش ومن شاكلهم. وهناك من يصبّ الزيت على هذه النيران. فالتشيّع البريطاني والتسنّن الأمريكي متماثلان، وهما شفرتان لمقصّ واحد، حيث يسعيان في تناحر المسلمين. هذه هي رسالة إرادة الفُرقة التي تمثّل إرادة شيطانية، بيد أن نداء الوحدة يدعو إلى اجتياز هذه الاختلافات، والاصطفاف إلى جانب بعض، والتعاون مع بعض.

ولو نظرتم إلى التصريحات الصادرة عن المستكبرين والقابضين على أجواء الشعوب الحيوية، لوجدتم أنها تدعو إلى التفرقة. ولقد قيل عن السياسة البريطانية منذ سالف الزمن بأنها سياسة «فَرِّق تَسُد»، حيث كانت هذه سياستهم في الوقت الذي كانوا يتسمون بالقوة، وأصحبت اليوم سياسة المتغطرسين في العالم المادي؛ سواء أمريكا، أو بريطانيا من جديد في الآونة الأخيرة. فالبريطانيون دوماً ما كانوا مصدراً للشرور والبلايا علی الشعوب في منطقتنا، والويلات التي أنزلوها بحياة الشعوب في هذه المنطقة، قلما أنزلتها قوة في بقعة من بقاع العالم. ففي شبه القارة الهندية - التي تتضمن اليوم الهند وبنغلاديش وباكستان - سدّدوا تلك الضربات، وفرضوا على شعوبها تلك الضغوط، وكذلك الحال في أفغانستان وإيران والعراق، كلٌّ بطريقة خاصة، وأخيراً في فلسطين أيضاً حيث بادروا إلى تلك الحركة المشؤومة الخبيثة، وشرّدوا المسلمين بل شعباً في الحقيقة وطردوه عن دياره، وبالتالي تم القضاء على بلدٍ تأريخي سُجِّل باسم فلسطين منذ آلاف السنين، عبر السياسة البريطانية. وفي هذه المنطقة منذ ما يربو على قرنين - قرنين ونيف؛ أي منذ نحو 1800 م فنازلاً - لم يبدر من الإنجليز سوى الشرّ والفساد والتهديد، وإذا بمسؤولٍ إنجليزي يأتي إلى هذه المنطقة ليصرّح قائلاً: إيران مصدرٌ لتهديد المنطقة! أفهل تعبتر إيران مصدراً لتهديد المنطقة؟ هذه هي منتهى الوقاحة أن يعمد أولئك الذين كانوا على مدى الزمان مصدراً للتهديد والخطر والبلاء على هذه المنطقة، إلى رمي بلدنا المظلوم العزيز بهذه التهمة؛ هذه هي حقيقتهم.

منذ أن انبثقت مؤشرات الصحوة الإسلامية في هذه المنطقة، تصاعدت وتيرة النشاطات لإثارة الفرقة؛ ذلك أنهم ينظرون إلى التفرقة كوسيلة للهيمنة على الشعوب. ومنذ أن شعروا في هذه المنطقة بانطلاق آراء جديدة، وأفكار إسلامية حديثة، وتجلي استقامة الشعوب وحيويتها وثباتها، تسارعت حركة الأعداء التمزيقية. وبعد أن أقيم النظام الإسلامي في إيران، وحمل راية الإسلام، ورفع لواء القرآن، وقال بكل فخر واعتزاز إننا نعمل وفق الشريعة الإسلامية، وكان يتمتع بالقوة والسياسة والإمكانات والجيش والقوات المسلحة وبكل شيء، وراح يستثمرها، ويعززها يوماً بعد آخر، أخذت هذه الحركة التمزيقية تسير بوتيرة أسرع، وباتوا يشدّدون هذه الحركة لمواجهة هذه النهضة وهذه العزة الإسلامية. وقد أصبح الإسلام يهدّدهم منذ أن منح الصحوة للأمة الإسلامية، وأما ذلك الإسلام الذي لا يمتلك حكومة ولا جيشاً ولا جهازاً سياسياً ولا مالاً ولا شعباً كبيراً مجاهداً، فهو يختلف عن الإسلام الذي يتمتع بكل هذه الأمور. والجمهورية الإسلامية تتميّز بأرض وسيعة، وشعب مجاهد، وشباب متحفز مؤمن، ومناجم كثيرة، ومواهب تفوق المتوسط العالمي، وحركة باتجاه العلم والتقدم. فإن مثل هذا البلد بطبيعة الحال يعتبر مصدراً لتهديدهم، لأنه سيكون مثالاً تحتذي به الشعوب المسلمة، ولذا باتوا يعادونه. ولو تشدّقوا بالمرونة يوماً ما، فهو كذب، وحقيقة أمرهم العنف والخشونة. فعلينا بمعرفة هؤلاء، وعلى الشعوب أن تكون على أهبة الاستعداد لمواجهة هذا العدوّ الذي لا خُلُق له ولا دين ولا إنصاف؛ يتظاهر بالأناقة ولكنه في الحقيقة متوحش بكل ما تنطوي عليه الكلمة من معنى.

وأهم حالات الاستعداد في الظرف الراهن باعتقادي، هو اتحاد المسلمين. فليحذر المسلمون من إثارة الخلاف والشقاق فيما بينهم، ولا فرق في ذلك بين الشيعي والسني وبين الفِرَق برمّتها. فعلى جميع الفرق الإسلامية أن تتغاضى عن اختلافاتها الفكرية لوجود المشتركات الكثيرة. إن الوجود الأقدس للنبي الأعظم يمثل ذلك الثقل والمحور الأساس الذي تجتمع فيه عواطف وعلائق المسلمين كافة، فالجميع يعشق النبي ويكنّ له الودّ والمحبة، وهذه هي نقطة الارتكاز، والمحور الأساس. كما أنّ القرآن أيضاً موضع اعتقاد واهتمام المسلمين قاطبة، والكعبة الشريفة كذلك، فكم هي المشتركات بين المسلمين كثيرة! والواجب هو أخذ هذه القواسم المشتركة بنظر الاعتبار، ومعرفة أيادي الأعداء وعملاء الاستكبار في المنطقة. فإن مما يؤسف له أن يأتي ذلك العدو السافر ليقول: «أنتم أعداء فيما بينكم، وهذا البلد مصدر تهديد لكم»، أي أنكم أعداؤه، وهو عدوّ لكم! بيد أنّ الذي يتحدث بهذا الكلام هو العدو، وهذا ما لا مراء فيه، فلماذا نجد أولئك الذين يستمعون إلى حديثه - وهم يتمظهرون بمظهر الإسلام ويسيرون في حياتهم وحُكمهم باسم الإسلام - يتقبّلون كلامه؟ ولـِمَ يصدّقون قوله؟ ولماذا تتبع بعض دول المنطقة - وللأسف - في منحاها، نهج عدوّ الإسلام وعدوّ الأمة الإسلامية السافر؟

وما أودّ قوله لأبناء شعبنا - وللشعب الإيراني العزيز الذي خرج من الامتحان مرفوع الرأس حقاً خلال هذه الأعوام التي أعقبت تأسيس نظام الجمهورية الإسلامية وكذلك في سنوات النضال التي آلت إلى إقامة النظام الإسلامي وانتصار الثورة الإسلامية - هو عدم التخلي عن هذا الطريق الذي هو طريق إمامنا الخميني العظيم وطريق ثورتنا، ومواصلة هذا السبيل. فإن العزة في دار الدنيا والعزة في الملأ الأعلى مرهونة بانتهاج هذا النهج: نهج التمسّك بالقرآن والعترة، ونهج التمسّك بالأحكام الإلهية، ونهج الصمود أمام الأعداء، ونهج ترك المحاباة في سبيل إظهار الحقيقة والدفاع عنها؛ فإن هذا هو ذلك الطريق الذي لو واصله شعبنا - وقد واصله حتى اليوم والحمد لله، حيث سار خلف المسؤولين في البلد وسلك هذا السبيل الزاخر بالفخر والاعتزاز - واستمر على اتباع هذا النهج، وتابع هذا الجهاد، لاكتسب السعادة في الدنيا والآخرة، ولوصل نفعه إلى سائر المسلمين في العالم أيضاً. نحن ندعو جميع الدول المسلمة والبلدان الإسلامية إلى تظافر الجهود وإلى التعاون فيما بينهم، فإن هذه دعوةٌ تدرّ النفع على الجميع.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يغمر أبناء الأمة الإسلامية والبلدان الإسلامية والشعوب الإسلامية جميعاً بخيره وبركته ورحمته وأن يدفع شرّ الأعداء عن هذه المنطقة بإذنه ومشيئته.

والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته

 

الهوامش:

1- في بداية هذا اللقاء تحدّث السيد حسن روحاني رئيس الجمهورية.

2- سورة آل عمران، جزء من الآية 164.

3- الصحيفة السجادية، الدعاء الثاني.

4- سورة الأنبياء، جزء من الآية 107.

5- سورة الأحزاب، جزء من الآية 1.

6- سورة التوبة، جزء من الآية 73.

7- سورة الزخرف، جزء من الآية 43.