موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي

كلمة قائد الثورة الإسلامية المعظم خلال لقائه قادة ومنتسبي القوة الجوية للجيش

بمناسبة اليوم الوطني للقوة الجوية، في حسينية الإمام الخميني (رض).

 

بسم الله الرحمن الرحیم (1)

الحمد لله ربّ العالمین، والصلاة والسلام علی سیدنا محمد، وعلی آله الأطیبین الأطهرین، سیّما بقیّة الله في الأرضین.

 

قدمتم خير مقدم أيها الإخوة الأعزاء العاملون الكادحون الناشطون من ذوي السمعة الحسنة في القوة الجوية للجمهورية الإسلامية، وهذه المناسبة بدورها قد تسبّبت في أن تحظى القوة الجوية للجمهورية الإسلامية بسمعة حسنة بكل ما تنطوي عليه الكلمة من معنى. كما وأتقدم بشكري لفرقة الإنشاد بسبب أدائها الرائع وإنشادها شعراً زاخراً بالمضمون والمعنى.

منذ سنوات طويلة ونحن نجتمع في مناسبة حادثة التاسع عشر من بهمن عام 1357 (8/2/1979) البالغة الأهمية، ونتداولها ونتحدث بشأنها، بيد أنّ القضية حقاً لا ينتهي أمدها. فلقد دار الكلام كثيراً في هذا المجال، ولكن مازالت هناك مزيد من الأحاديث التي يمكن بيانها في هذا الصدد. وعلى حدّ قول الشاعر: "يمكن الحديث عن الحبيب مدى العمر"(2).

لقد كانت حادثة التاسع عشر من بهمن عام 1357 حادثة مفصلية. وفي الحقيقة فإن القوة الجوية في عهد النظام الطاغوتي كانت من أقرب قطاعات الجيش يومذاك إلى جهاز الطاغوت وإلى النظام السياسي العميل لأمريكا. ولم يكن أيّ واحد من قطاعات الجيش الأخرى آنذاك، يتمتع بثقة النظام الطاغوتي واعتماده وأمله، بمقدار ما تتمتع به القوة الجوية. ومن هذا القطاع بالضبط، تلقى نظام الطاغوت ضربة قاصمة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. فإن الجيش الذي كان يتسم بذلك النظم، وتسوده تلك الأجواء، وإذا ينطلق منه على حين غرة عدد من منتسبيه، بل ومن قطاع القوة الجوية الحساس الذي كان يحظى بثقتهم البليغة، لمبايعة إمام الثورة وقائدها، لا سراً، بل جهاراً وفي وضح النهار، رافعين هوياتهم الشخصية بأيديهم! ولقد كنتُ حاضراً حينها، حيث كانوا يسيرون في شارع إيران، قاصدين المدرسة التي كان الإمام الخميني قاطناً فيها، ويتوافدون زرافات زرافات - كالفصيل تلو الفصيل - خلف بعض ويطلقون الشعارات، وقد رفعوا هوياتهم الشخصية فوق أيديهم، فكانت حادثة مذهلة جداً، وهي بالضبط مصداق لهذه الآية الشريفة: ﴿فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا﴾(3)، إذ تلقى النظام الطاغوتي ضربته من حيث لم يكن يحتسب.

فقد كانوا يترقبون في تقديراتهم وقوع كل شيء سوى هذا، وإذا بهذا الأمر الذي هو أبعد احتمالاً يتحقق. أي أن القوة الجوية التابعة للجيش حينذاك بقائدها العميل، وبما تتسم به من تبعيات مختلفة كثيرة، بما في ذلك التبعية في المعدات والتجهيزات والتدريبات وغيرها، يخرج منها فجأة عدد من كوادرها ويلتحقون بصفوف الجماهير، ويبايعون الإمام وقائد الثورة، فكانت ضربة مدهشة، لم تكن تختلج في توقعاتهم أبداً. كما كانت بالنسبة لنا أيضاً حادثة غير مترقبة، أي أنّ الثوريّين والمؤمنين في هذا الجانب أيضاً، لم يكونوا يتوقّعون ذلك، وكانت في الحقيقة رزقاً لا يُحتَسب: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ (4). إذ أحياناً ما يصل إلى المرء عونٌ ومدٌّ ونَفَسٌ ودمٌ من حيث لم يكن يتناهى إلى مخيّلته ولم يكن يدخل في تقديراته. فكانت الحادثة لهذه الجبهة أيضاً رزقاً لا يُحتَسب. إذ لم يكن يراود ذهن أيّ واحد منا - الشعب الإيراني والمجاهدين والثوريين والإمام الخميني العظيم - تصوّر أنه من الممكن أن يخرج عدد من قلب هذا الجيش وينزلون إلى الساحة. علماً بأنني قبل هذا، وفي مشهد كانت تربطني علاقة وثيقة وحميمة بعناصر قليلة جداً من أفراد الجيش، وكنت على علمٍ بأنهم يشاطروننا في الأفكار، وهناك في طهران أيضاً عناصر أخرى من الجيش كانت لهم علاقاتهم مع بعض الأصدقاء، وهذا ما كان موجوداً، ولكن أن تنطلق هذه الحشود وتخلق هذه الحركة العظيمة الجلية، فهذا حقاً رزق غير محتسب، لم يكن في الحسبان.

ولنستخلص هنا درساً، وهو أن تنظروا بالإجمال دوماً في تقديراتكم إلى الرزق الذي لا يُحتَسب. صحيح أن الحسابات العقلية والمادية ضرورية ومؤثرة، وهذا مما لا شك فيه، بل ولا تطالبا أي واحدة من التعاليم الإسلامية بالتخلي عن الحسابات العقلية والفكرية والمادية، وهذا ما يجب التصدي له بكل تأكيد، ولكن عليكم أن تتركوا مساحة للحسابات التي وراء المسائل المادية، والتي تفوق ما يتوصّل إليه عقل الإنسان أيضاً، وهذا هو الرزق الذي لا يُحتَسب، وهو الذي يصلنا دون أن يكون في الحسبان. وهذا ما هو موجود في جميع حساباتنا، ولابد من الالتزام به والاهتمام به وترقبّه في كافة إنجازات جبهة المؤمنين. حيث نقرأ في الدعاء: «یا مَن إِذا تَضایَقَتِ الأُمورَ فَتَحَ لَها باباً لَم تَذهَب إِلَیهِ الأَوهام». حينما تلتوي الأمور وتتعقّد، وتصل بحسب الظاهر إلى طريق موصد، أحياناً ما يفتح الله سبحانه وتعالى باباً في زاوية من هذا الطريق المغلق لم تذهب إليه الأوهام، ولم يخطر في بال أيّ أحد.. هذا ما له وجوده، ومن مصاديقه الحرب المفروضة.

لقد اندلعت نيران الحرب المفروضة في الوقت الذي كان بيننا، من حيث العُدّة والعدد والتنظيم والتشكيلات، وبين المهاجم المتمثل بالكيان البعثي الصدامي بونٌ شاسعٌ، حيث كان [العدوّ] جاهزاً، ومعداته منظمة، وتشكيلاته رصينة، وجيوشه محددة، وقواه الجوية والبرية على أهبة الاستعداد، ودفاعه الجوي وإسناده وهندسته وقطاعاته المختلفة وكل شيء لديه في جهوزية تامة، في حين كنّا نعاني من نقص في كل هذه القضايا؛ سواء في التجهيزات والمعدات، أو في الطاقات الإنسانية، أو في الهندسة، أو في الإسناد، أو في الأدوات والتشكيلات.

ذات يوم أشرت في نفس هذه الجلسة التي عُقدت في التاسع عشر من بهمن، إلى أنّ قائد قوتنا الجوية يومذاك أعطاني قائمة من الطائرات التي يمكن استخدامها، قائلاً بأن كافة طائراتنا ستكون عاطلة عن العمل في غضون سبعة عشر أو ثمانية عشر يوماً على أكثر التقادير، لأنها كانت بحاجة إلى قِطَع غيار، وآخرها طائرة من طراز سي-130. بمعنى أنه لابد من تعطيل الطائرات من طراز أف5 وأف4 وأف14 وأمثالها عن العمل وإلغائها في الأيام الأولى من الحرب شيئاً فشيئاً، والتي ستبقى جاهزة للعمل مثلاً إلى خمسة عشر أو عشرين يوماً هي الطائرات من طراز سي-130، وهي طائرات نقل عسكري، والتي كنّا نملك عدداً منها. هذا ما كان يختلج في تصوّراتنا يومذاك، بيد أنّ الله فتح باباً، وواصلت قوتنا الجوية عملها ونشاطها ومجهودها حتى اليوم الأخير من الحرب، حيث «فتَحَ لَها باباً لَم تَذهَب إِلَیهِ الأَوهام»(5). هذا هو المراد من الرزق الذي لا يُحتَسب، فليكن دوماً ضمن حساباتكم وتقديراتكم.

لو كنّا مؤمنين، واستثمرنا عقولنا في ظلّ التوكّل على الله والأمل به، عندئذ سيفتح الله لنا ذلك الباب، ولا يعني هذا تعطيل التعقّل، والتخلي عن الحسابات المادية؛ كلا.. فإنها ضرورية برمّتها، ونحن دوماً ما نؤكّد عليها، ولكن إلى جانب ذلك، فلننظر إلى المدّ الإلهي أيضاً، إن كنّا في زمرة المتوكّلين على الله والآملين به. فلقد شاهدنا المدّ الإلهي دوماً في كافة قضايا الثورة، على مدى هذه الأعوام السبع أو الثمان والثلاثين التي انقضت من الثورة الإسلامية.

والآن سأتناول الحديث عن القوة الجوية التابعة للجيش في الجمهورية الإسلامية خلال بضع كلمات ثم أعود إلى نفس هذا البحث.

لقد خرجت القوة الجوية بعد هذه الحادثة أيضاً من الامتحانات مرفوعة الرأس، وإني حينما أجول في ذهني وأرجع إلى الوراء، أجد أنه في قضية الانقلاب العسكري الذي دبّروه قبل بدء الحرب المفروضة، والذي كان متشكلاً من بعض العناصر التابعة للقوة الجوية والبرية والبعض الآخر من غير العسكريين أيضاً، فإنّ أوّل من تسبّب في إجهاض هذه العملية، كان طياراً وضابطاً في القوة الجوية! حيث جاءني وأخبرني بالأمر، فاطّلع النظام وتأهّب للمواجهة. إذ كان من المقرر أن تنطلق حركة كبيرة من قاعدة الشهيد نوجة بمدينة همدان، وتمتدّ منها إلى مدينة طهران وباقي المناطق، فتصدى أحد عناصر القوة الجوية لإفشالها، وهذا ما لا يقلع عن ذاكرتي، والنظام بدوره لا ينسى هذه المحبة وهذه المعونة وهذه الخدمة العظيمة.

وإنّ أولّ قطاع شرع بممارسة جهاد تصنيع قطع الغيار في الجيش، هو قطاع القوة الجوية، إذ لم يكن للصناعة أثرٌ قبل هذا في داخل القوة الجوية، بل ولم يكونوا يسمحون لعناصرنا الفنية أن تتعرّف حتى على القِطع المركبة والمعقدة. فتولّد في هذه القوة جهاد تصنيع قطع الغيار بنفس عنوان «الجهاد»، وكانت حقاً حركة جهادية. وقد حازت القوة الجوية في هذا قصب السبق، ثم سرت إلى سائر قطاعات الجيش، بيد أن باكورة هذا العمل وإبداعه كان من نصيب القوة الجوية.

ثم إن طيران القوة الجوية منذ الأيام الأولى من الحرب المفروضة، هو الذي كان يبثّ المعنويات في نفوس الشعب. فإنني عندما ذهبت إلى المجلس - حيث كنت حينها نائباً - لأقدّم تقريراً عن عدد الطلعات الجوية التي قاموا بها، ضرب الجميع كفاً بكفّ، مبهورين بكل هذا الإنجاز وهذه العظمة! ولقد ذاع الخبر وتلمّسه الناس في جميع أرجاء البلد. وهكذا كان الأمر على مدى سنوات الحرب، وفي مختلف العمليات التي أنجزها الجيش أو الحرس الثوري. وقد مارست القوة الجوية التابعة للجيش دوراً مفصلياً في شتى العمليات، ولاسيما في الهامة منها كعمليات «والفجر 8» و«كربلاء الخامسة» وأمثالهما التي تحققت فيها إنجازات هامة كبرى. رحمة الله على الشهيد ستاري الذي كان يومذاك ضابطاً في الدفاع الجوي، حيث قام في عمليات «والفجر 8» بممارسة الدفاع الجوي بكل سرعة وجدية، حتى أبهر الجميع، وأدهش العدو أيضاً، لأنه لم يكن قادراً على إسقاط كل تلك الطائرات!

إن القوة الجوية قوة ذات سمعة حسنة، وقد واصلتم عملكم بعد ذلك الحين إلى يومنا هذا. وأقول لكم أيها الشباب الأعزاء! اعملوا وثابروا وفكروا وجدّوا وبادروا واملؤوا الفراغات وعزّزوا الإدارات واعملوا ما استطعتم على البناء في داخل القوة الجوية. وإنني على علم بمشاكلكم، وهي مشاكل البلد أيضاً، فاعمدوا إلى معالجة هذه المشاكل وملء هذه الفراغات بهمتكم الإنسانية العالية، وبعلمكم ومعرفتكم، وبتقواكم، وبأملكم واتكالكم على الألطاف الإلهية، وهذا ما يمكن تحقيقه، كما أُنجزت الكثير من هذه الأمور حتى اليوم.

إذن هذا هو دور الأمل والتوكل على الله سبحانه وتعالى الذي يستتبعه الرزق غير المحستب، ولكن متى يتحقق ذلك؟ في الوقت الذي يوظّف المرء عقله في ضوء التوكل على الله تعالى والأمل به، على خلاف ما لو انعكس الأمر. فلو ابتغينا توظيف العقل في ظل الاتكال على الشياطين، سيؤول الأمر إلى نتيجة أخرى. حيث يقول الله في سورة النور المباركة: ﴿أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً﴾(6)، فإن الظمآن يرى الأرض اليابسة ماءً من بعيد، ولكنه إذا اقترب ﴿لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ﴾. هذه هي نتيجة عقد الآمال على الشياطين وعلى القوى المادية والشيطانية. فإن التعقّل والتدبير والعمل العقلائي في شتى المسائل - بما فيها العمل الدبلوماسي، وقضايا البلد، وإدارة شؤونه، والتجهيزات، والعلم، والصناعة وغيرها - يعتبر من الأمور الضرورية، ولكن الاعتماد على الشياطين وعلى الذين يناهضون أساس وجودكم، يعدّ خطيئة كبرى. فلا يمكن الوثوق بتلك القوة التي لا تطيق ولا تتقبل أساس وجود الجمهورية الإسلامية وأساس اقتدار الإسلام، ولا يمكن عقد الأمل عليها، إذ يكون ﴿كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً﴾. فالاتكال على الله يدرّ عليكم برزق غير محتسب، والاتكال على الشيطان يكون ﴿كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً﴾. هذا كلام يجب أن نطبعه، أنا وأنتم وكافة أبناء الشعب الإيراني فرداً فرداً، في أذهاننا على الدوام.

جِّدوا واجتهدوا وأبدعوا وأنزلوا طاقاتكم الحقيقية الإلهية إلى الساحة وإلى الميدان، من خلال التوكل على الله، وعقد الأمل على المدّ الإلهي، عندذاك سيُنزل الله عونه ومدّه. ولكن إذا جلستم وترقّبتم معونة الشيطان الأكبر، عندئذٍ سيكون ﴿كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً﴾، إذ لا ينالنا خير منه.

فإن هذا السيد (7) الذي أمسك لتوّه بزمام أمور الولايات المتحدة، يقول بأنّ عليكم أن تشكروا أمريكا، وأن تشكروا حكومة أوباما! ولكن لماذا نشكر؟ نحن لا نتقدّم بالشكر على الإطلاق، فإنها هي تلك الإدارة التي فرضت هذه العقوبات الشديدة على الشعب الإيراني لشلّ حركة الجمهورية الإسلامية وحركة الشعب، وهذا ما كانوا يتأمّلونه، علماً بأنهم لم يحقّقوا مبتغاهم، ولن يحققوه على الإطلاق، بل ولا يتأتى لأي عدوّ أن يشّل حركة هذا البلد.

إنه يطالبنا بتقديم الشكر! كلا.. نحن لا نشكر أبداً. لماذا نشكر؟ للعقوبات؟ لتأسيس داعش؟ لإشعال المنطقة بالنار؟ فقد أشعلوا سوريا والعراق بالنيران.. لماذا يجب علينا أن نشكر؟ لدعم الفتنة التي اندلعت أيام الانتخابات الرئاسية عام 2009 في البلد؟ من جانب يبعث لي برسالة، يعبّر فيها عن حبه وودّه وتعاونه، ومن جانب آخر يصرّح بدعم المؤججين للفتنة جهاراً ويقف ظهيراً وسنداً لهم ويسعى وراء تأجيج الفتنة في البلد.. هذا هو وجه النفاق، وهذه هي القبضة الحديدية المغطاة بقفاز مخملي، والتي أشرت إليها مراراً. نحن لا نشكر مطلقاً، ونعلم ماذا يفعلون.

يقول: اشكروا أوباما، وخافوني! كلا.. نحن لا نخافك أيضاً. وسيردّ الناس على هذه التهديدات والأقاويل في الشوارع يوم الثاني والعشرين من بهمن (ذكرى انتصار الثورة الإسلامية)، وسيُثبت الشعب الإيراني أيّ موقف يتّخذه حيال التهديد. كلا.. نحن لا نخاف من تهديد أحد. نعم، نحن نشكر هذا السيد القادم تواً! نشكره لأنه حدّ من مؤونتنا، وأماط اللثام عن الوجه الحقيقي لأمريكا. فإن ما كنّا نقوله خلال الأعوام الثلاثين ونيّف من استشراء الفساد السياسي والاقتصادي والأخلاقي والاجتماعي في الجهاز الحاكم على أمريكا، أظهره هذا الرجل، في فترة الانتخابات وما بعدها، إلى العيان جهاراً! وما يفعله اليوم من أعمال، هي الأخرى تكشف عن حقيقة أمريكا، وعن حقوق الإنسان الأمريكية. أفهل يُكبّل طفل لم يتجاوز الخامسة من عمره؟! هذه هي حقوق الإنسان عندهم.

لقد حدّد الشعب الإيراني طريقه، وهو يواصل هذا الطريق بالمنطق والتعقّل والتوكل على الله والاقتدار والسرعة والثقة بالذات. إنّ الشعب الإيراني اليوم واثق بنفسه، وإن شبابنا يبذلون جهودهم عبر الإيمان بالذات، وإن أجهزتنا ومنظوماتنا الجامعية زاخرة ومترعة بالفكر والإبداع الذي يتم اليوم في مجال العلم والصناعة وشتى المجالات الأخرى، فإن التعقّل في البلد لا يُعلى عليه، ولكن إلى جانب التوكل على الله والثقة به سبحانه وتعالى.

نحن نعلم بالتأكيد أنّ الشعب الإيراني في هذا الطريق سيحقّق النصر، وسيبلغ نتائجه المرجوة، وسيصل إلى قِيَمه المنشودة.

رحمة الله على الإمام الخميني العظيم الذي أبان الحقائق في هذه المسائل للشعب الإيراني على مدى السنوات العشر التي مضت من حياته المباركة في بداية الثورة. ولو نظرتم إلى خطابات الإمام، لوجدتم أنه عرف الصديق، وعرف العدوّ، وعرف الشعب الإيراني، وعرف الأهداف أيضاً. وإنّ السبب الذي يقف وراء تكرار الإمام وتأكيده وإصراره على عدم الوثوق بالشيطان وعدم الاتكال على العدو، وتحذيره لنا من مغبة هذا العمل، يعود إلى معرفة العدو. علماً بأننا كنّا نتفوّه بهذه الكلمات، ولكنّها اليوم ظهرت إلى العيان وعلى المسرح وبمرأى من الجميع. فإن تصرّفات هذا السيد كشفت عن حقيقة أمريكا، وعن باطن ما يتشدقون به حول حقوق الإنسان والتوادد إليه وما شاكل ذلك.. هذا هو الشيء الذي يمكننا اكتسابه من التدبّر في كلمات الإمام وخطاباته.

نسأل الله ربّ العالمين أن يمنّ عليكم بالتوفيق، ليتسنى لكم أنتم الشباب النهوض بالمهمة الكبرى الملقاة على عاتقكم إن شاء الله. فإن على جيلكم أن يتصدى لإنجاز مهمة كبرى، وقد سبقكم الجيل الماضي إلى النهوض بإنجازات هامة، وبقيت أعمال مهمة أخرى يجب عليكم القيام بها. فأعدّوا أنفسكم بالتوكل على الله، وسلّموا هذه الأمانة إلى الأجيال التي تأتي من بعدكم.

والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته

 

الهوامش:

1- تحدّث في بداية اللقاء العميد الطيار حسن شاه صفي قائد القوات الجوية لجيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية رافعاً تقريره عن إنجازات وبرامج القوة الجوية.

2- الشاعر صائب التبريزي.

3- سورة الحشر، جزء من الآية رقم 2.

4- سورة الطلاق، جزء من الآية رقم 2و3.

5- قصص الراوندي، باب في أحوال محمّد (ص)، ص 363.

6- سورة النور، جزء من الآية رقم 39.

7- دوناد ترامب، الرئيس الأميركي.