موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي

كلمة قائد الثورة الإسلامية المعظم خلال إستقباله مسؤولي النظام الإسلامي وسفراء البلدان الإسلامية بمناسبة عيد المبعث النبوي الشريف

بسم الله الرحمن الرحیم (1)


والحمدلله رب العالمین، والصلاة والسلام علی سیدنا ونبینا أبي القاسم المصطفی محمد، وعلی آله الطیبین الطاهرین المعصومین، وصحبه المنتجبین.


أبارك حلول عيد المبعث السعيد لكم جميعاً أيها الإخوة والأخوات الذين تفضّلتم بالمجيء إلى هذا المكان، ولضيوف وسفراء البلدان الإسلامية، وللشعب الإيراني العظيم قاطبة.

تكمن أهمية عيد المبعث في أنّ العلاقة الجديدة بين الله والخلق، والخطة الحديثة الرامية إلى تحوّل المجتمعات البشرية والإنسانية حية في غضون هذه البعثة. إذ بالقوة تمتلك هذه البعثة وهذه الخطة وهذا التحوّل القدرة، في جميع الأزمنة وفي كل الأحوال وفي كافة البقاع الجفرافية في العالم، على أن تقلب حياة البشر في المرحلة الراهنة وتسوقها نحو البرّ والفلاح والسعادة كما قلبتها في تلك المرحلة. وهنا مكمن أهمية البعثة.
يقول أمير المؤمنين (عليه السلام):  بَعَثَ الله سُبْحانَهُ نَبِيّهُ الأَكْرَمَ...والدُّنْيَا كَاسفَةُ النُّورِ، ظَاهِرةُ الغُرورِ (2)، حيث كان عالم البشرية قابع في الظلام، مشحون بالغرور، والغرور هنا يعني خداع النفس، حيث يخال المرء نفسه ويزعم أنه يعيش حالة، على خلاف الواقع؛ هكذا كان وضع الدنيا (حين البعثة). ولقد أشار القرآن الكريم إلى حكمة الوحي الإلهي قائلاً: ﴿لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ(3).

هذا والتأريخ قد تطرّق إلى حدّ كبير للظلمات التي كانت حاكمة على تلك الفترة، سواء في نفس الجزيرة العربية وفي مكة وحواليها، حيث الخرافة والجهل والقسوة والعنف والظلم والغطرسة والحياة الدنية والجوع، أو في العالم المتحضّر يومذاك. ولو ألقيتم نظرة إلى النقطتين الرئيسيتين اللتين تمثلان الحضارة الكبرى آنذاك؛ أعني إيران في ذلك اليوم والروم، لوجدتم نفس هذه الظلمة والعتمة مخيّمة عليهما. حيث كانت قد استشرت في هاتين الإمبراطوريتين الخرافة والظلمة والتمييز والجور والظلم تجاه الضعفاء.

ففي إيران الملكية التي كانت معروفة بالعدالة، بادر أنوشيروان - الذي كان قد ذاع صيته بأنه إنسان عادل - إلى قتل عدة آلاف شخص وإبادتهم لأنهم كانوا يعتنقون ديناً آخر وهو دين المزدكية مثلاً؛ هذا نموذج. وفي إمبراطورية الروم أيضاً، عمد الملك الشهير نيرون إلى قتل أمه وزوجته وإحراق المدينة؛ هكذا كانت أوضاعهم:  والدُّنْيَا كَاسفَةُ النُّورِ، ظَاهِرةُ الغُرورِ، فالصفات هذه لم تكن مختصة بالجزيرة العربية، بل الدنيا برمتها كانت تشهد هذه الأوضاع.  فبزغت شمس الإسلام في مثل هذه الظروف.

والإسلام بدوره يدعو إلى النور؛ أي يدعو إلى العلم، وإلى الإنصاف، وإلى المحبة، وإلى الوحدة، وإلى العدالة، وهذه كلها نورٌ في حياة المجتمعات البشرية. ولكنّ المهم أنّ هذه الدعوة لم تكن لقلقة لسان وحبراً على ورق. فلو نظرتم اليوم إلى وثائق الأمم المتحدة أو حتى وثائق بعض البلدان المستكبرة، لوجدتم أنها تنطوي على هذه الكلمات الجميلة. ولكم أن تلاحظوا وثيقة حقوق الإنسان وغيرها لتجدوا أنها تشتمل على هذه الأقوال الحسنة، ولكن لا أثر لها على أرض الواقع.

بيد أنّ أهمية الإسلام تكمن في أنّ ما قاله النبي منذ اليوم الأول، وما علّمته الآيات القرآنية للناس بالتدريج خلال ثلاثة عشر عاماً من سنوات الجهاد العصيبة في مكة، طبّقها النبي ونفّذها عملياً، وأثبت تلك العدالة والمحبة وذلك الإنصاف والصمود أمام الظلم والكفر وأظهرها إلى العيان. حيث ساق الناس إلى وادي العلم والمعرفة، وأرسى هذه القاعدة والبنية التحتية في غضون السنوات العشر التي قضاها حاكماً في المدينة، ما أدى إلى تتبدّل هذه الحالة، بعد قرنٍ أو قرنين، إلى أكبر حضارة بشرية.

نعم، لم يتم الالتزام بأبعادها المختلفة - كالعدالة على سبيل المثال - غير أنّ المسيرة العلمية والمعرفية وتفجّر المواهب وتنامي الطاقات البشرية التي كانت قد انطلقت في بداية تأسيس الحكومة الإسلامية، بلغت من التقدم والتطور ما بدّلها، بعد فترة قصيرة وفي غضون قرن أو قرنين، إلى أكبر حضارة إنسانية تؤتي ثمارها للعالم بأسره.. هذه هي البعثة.

نحن اليوم بحاجة إلى البعثة، ولابد أولاً من التعريف بها، فعلى الرأي العالمي العام في الدرجة الأولى أن يتعرّف على مفهوم بعثة الإسلام ومعناها، وهذه نقطة بالغة الأهمية.

بعد تأسيس الجمهورية الإسلامية التي انبعثت فيها نفحة من نفحات الحكومة النبوية ولله الحمد، وأصبحت بحد ذاتها مصدراً لتحوّلٍ عظيمٍ وحركةٍ كبرى، وهي، والحمد لله، مازالت وستبقى تواصل مسيرها، عَزَم أعداءالبشر في العالم - ولا يمكن القول بأنهم أعداء الإسلام، بل هم أعداء المجتمعات البشرية - على مناوءة ما يؤول إلى هذه الحركة وما له أرضية في جزء هام من العالم، ولكن ما هو هذا الشيء؟ إنه الإسلام. وهاهم اليوم يناهضون الإسلام، لماذا؟ لأن الإسلام يبعث على نموّ المجتمعات، وعلى حركة الناس، وعلى تفجّر الطاقات والمواهب، وعلى ظهور حضارة معنوية ومادية مشتركة، ولأن بمقدوره التصدي لعدوان الحضارة المادية الظالمة الراهنة، ولهذا يحاربون الإسلام بشتى صنوف المحاربة.

فتأسيس الجماعات الإرهابية باسم الإسلام واحدة من المؤامرات، وإشعال نيران الحرب والشقاق والاختلاف في البلدان الإسلامية هي الأخرى من حالات العِداء والخصام. علماً بأن أمريكا والصهاينة هم الذين يقودون اليوم هذه الجبهة المعادية. فإنّ الكيان الصهيوني الخبيث والغاصب لأرض فلسطين، ومن ورائه الإدارة الأمريكية الجائرة والمستكبرة يناهضون الإسلام. وبالطبع فإنّ معاداتهم للجمهورية الإسلامية في المرحلة الراهنة تفوق كل البلدان الأخرى، وذلك لأن الإسلام في نظام الجمهورية الإسلامية هوالأبرز، وتحققه فيه أكثر، وأرضية العمل به وتطبيقه فيه أوفر. وبالتالي فإنهم يعارضون الإسلام لأنه يحول دون تحقيق مآربهم ولأنه يقف أمام الاستكبار.

هذا ما يجب علينا نحن المسلمون إدراكه في الدرجة الأولى، وهو أن هناك واجبٌ في أعناقنا تجاه غير المسلمين يقضي بتعريف الإسلام، وواجب كذلك فيما بيننا، حيث يتعيّن علينا أن نفهم بأنّه ما هو السبب الذي يقف وراء مناوءة الأنظمة العالمية المستكبرة والقوى المتغطرسة للإسلام؟ هذا ما ينبغي لنا فهمه وإدراكه.

كما ويجب على الحكومات الإسلامية في الوقت الراهن أن تعي بأنّ هدف الولايات المتحدة من مسايرة بلد إسلامي ومعاداة آخرهوالوقوف أمام وحدتهم وتعاضدهم والحيلولة دون تحديد مصالحهم المشتركة.

ومما يؤسف له أن أمريكا نجحت في سياستها الرامية إلى التفرقة في منطقتنا، وهذا ما يدعو إلى الأسف ! إنها تتطاول على بعض الدول لنهب ثرواتهم، وتختلق العدوّ تسهيلاً لأمرها، وتوحي لهم بأنّ الجمهورية الإسلامية أو إيران أو التشيع هو العدوّ، لتتمكّن من النهب والسلب. هذه هي السياسات التي تتبعها القوى في المرحلة الراهنة وعلى رأسهم أمريكا، وهذا ما يجب علينا جميعاً إدراكه والشعور به والوقوف في وجهه. فإنّ الوقوف والصمود هذا هو الذي يؤدي إلى توحيد الصفوف بين البلدان الإسلامية.

إن منطقتنا وللأسف تعاني اليوم من مشاكل كبرى، كما هو الحال في اليمن والبحرين وسوريا والعراق كلٌّ بنحوٍ من الأنحاء. وإذا ما فتّشنا عن السبب الرئيس في نشوب هذه المشاكل، لوجدنا الاستكبار والأنظمة المخابراتية والأمنية الأمريكية والصهيونية هي التي تقوم بهذه الأعمال ومتابعتها وتأليب العناصر ضدّ بعضها الآخر، وهذا ما يجب الالتفات إليه.

إن إرادة الجمهورية الإسلامية في هذا الطريق راسخة لا تتزعزع والحمد لله، وهي تتسم بعزيمة ثاقبة حاسمة، لا من قبل رجال حكومتها وحسب، بل بواسطة أبناء شعبها أيضاً. فإنّ الشعب الإيراني برمته هو الذي يقف أمام التعسف في الجمهورية الإسلامية، وإن شبابنا وأبناء شعبنا الثوري المؤمن هم الذين يواجهون غطرسة الاستكبار. وأيمّا بلدٍ يقف شعبه في وجه العدو متحداً متماسكاً متعاطفاً، لا يستطيع العدوّ أن يعتدي عليه قيد أنملة وأن يرتكب في حقه أية حماقة. وإن بسالة الجمهورية الإسلامية وصمودها نابعين ممّا فيها من تعاضد وتآزر ومن تواجد شعبها في الساحة. ذلك أنّ الناس يعتبرون النزول إلى الساحة واجبٌ في أعناقهم.

لقد أشاروا إلى الانتخابات، وأقولها لكم بأنها تعد واحدة من المظاهر الهامة لتواجد الناس في الساحة. وأبناء شعبنا الأعزاء يعتبرونها واجباً على عاتقهم وعليهم أن يعتبروها كذلك، فإنها حقٌ من جانب وواجبٌ من جانب آخر. وهي تشكل وسيلة متعددة الأبعاد لنظام الجمهورية الإسلامية، لأنها من جهة تجسّد شأن الناس وحقهم وقوتهم في تشكيل الرأس التنفيذي للحكومة وتمنحهم القدرة على الانتخاب، ومن جهة أخرى تصدّ العدوّ عن التعدّي على البلد والشعب. فإن تواجد الناس يصون البلد ويحول دون تطاول العدو، وهو يعني أن الشعب العظيم هذا صامد متعاضد. وإذا ما شاهد العدوّ هذا فَقَدَ جرأته وقدرته على المناورة والعدوان.

وليعلم الجميع وهم يعلمون أنّ أعداء نظام الجمهورية الإسلامية يجنّدون قدراتهم حيثما استطاعوا لتسديد ضربتهم، وهذا ما دأبوا عليه حتى اليوم. ولا فرق بين الفريق هذا وذاك في منظومة الإدارة الأمريكية، فالسابقون كانوا يهدّدون على الدوام، والحاليون يهدّدون أيضاً دونما فارق. والجميع يتشابهون فيما يُضمرونه من نوايا خبيثة تجاه الشعب الإيراني ودولة إيران ونظام الجمهورية الإسلامية دون اختلاف.

ولا شك في أنهم عاجزون عن التصدي لأيّ اعتداء، ولا مراء في أنّ أي حركة تصدر منهم ضدّ الشعب الإيراني ستنتهي بضررهم، وستواجه ردة فعلٍ عنيفة وقوية من قبل أبناء الشعب.

لقد تفضّل الله سبحانه وتعالى على أبناء شعبنا، حيث منحهم الوعي والبصيرة وأنار لهم الدرب ووضع أمامهم تجارب متراكمة. فالعِداء كان متواصلاً على مدى هذه الأعوام الأربعين تقريباً، والنوايا الخبيثة كانت مستمرة من قِبل العدو، وقد فعلوا ما استطاعوا على الدوام، والشعب الإيراني أيضاً رغم أنفهم كان في تقدّم مستمر حتى اليوم، وسيواصل بعد اليوم أيضاً هذه المسيرة التقدمية والتكاملية، وسيمضي قُدماً نحو الأمثل رغم أنف الأعداء بفضل الله وحوله وقوته. وهذا كله بسبب إيمان شعبنا وصموده. ففي مواجهة العدو ومواصلة الطريق حافظوا على هذا الإيمان وهذا الاتحاد وهذا التواجد في الساحة وهذه العزيمة الراسخة الحاسمة. ذلك أنّ حالات العِداء هذه ستستمرّ حتى يصاب العدوّ باليأس والإحباط كلياً، فافعلوا ما من شأنه أن يفرض اليأس على العدو.

إني أوجّه خطابي لجميع هؤلاءالسادة الذين رشّحوا للانتخابات الرئاسية وأقول لهم قولاً لطالما أشرت إليه من قبل، وهو أن يعقدوا العزم ويقولوا للناس ويؤكّدوا على ذلك في حملاتهم الانتخابية ويتعهّدوا بألّا تنصرف أنظارهم، فيما يخص دفع البلاد نحو التقدم وتحقيق التنمية الاقتصادية وإزالة العقبات، إلى خارج الحدود وأن يعقدوا آمالهم على(قدرات)الشعب. فإن طاقاتنا كبيرة، ومن خلال الاهتمام بها واستثمارها والبرمجة العاقلة والمدبرة لتوظيفها، يتأتى إيصال البلد إلى رصانة البنية الذاتية واقتدارها، وهذا هو الذي يفرض اليأس على العدو، وهو الذي يصون البلد والشعب والنظام الإسلامي بتوفيق الله.


نسأل الله سبحانه وتعالى، ببركة أرواح الشهداء الزاكية وروح الإمام الراحل الطاهرة، أن يمنّ على هذا الشعب، كما في السابق، بفضله وهدايته ومساندته ولطفه.


والسلام علیکم ورحمة الله

 

الهوامش:

  1. في بداية اللقاء تحدّث حجة الإسلام والمسلمين حسن روحاني رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
  2. نهج البلاغة، الخطبة 89.
  3. سورة الأحزاب، جزء من الآية 43.