موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي

كلمة قائد الثورة الإسلامية المعظم في مراسم تخرج دفعة جديدة من ضباط جامعة الإمام الحسين (عليه السلام) العسكرية التابعة للحرس الثوري

بسم الله الرحمن الرحیم (1)

والحمد لله ربّ العالمین، والصلاة والسلام علی سیدنا ونبینا أبي ‌القاسم المصطفی محمد.

نسأل الله أن يبارك لكم جميعاً أيها الإخوة الأعزاء، سواء الذين تخرّجوا من هذه الجامعة، أو الذين دخلوا في هذا السلك وتسلّموا رتبهم العسكرية وسينالون درجة الحراسة بعد طي المراحل الدراسية والتدريبية إن شاء الله.

إنه شهر شعبان.. شهر هطول الرحمة الإلهية. إذا ما نظر الإنسان إلى فقرات المناجاة الشعبانية وأدعية شهر شعبان في الأسحار وسائر الأدعية والأعمال، سيستشعر أن الشهر هذا يمثل ظرفاً زمانياً قيّماً جداً للانتهال من رحمة الله. وبوسعكم أنتم الشباب الأعزاء أن تستفيدوا بالغ الاستفادة بما تمتلكونه من قلوب طاهرة ونفوس مستعدة. سائلين الله أن يوفّقكم للانتهال من بركات هذا الشهر ومن الرحمة الإلهية الحالّة فيه.

إنّ من أبرز خصائص هذا الشهر، هي الولادة السعيدة لقطب عالم الإمكان، بقية الله الأعظم (أرواحنا فداه). ولقد تضاعفت عظمة يوم وليلة (النصف من شعبان) بهذه الولادة العظيمة أضعافاً مضاعفة. علماً بأنّ ليلة النصف من شعبان ليلة مباركة، وهي ليلة دعاء ومناجاة، وقيل أنها من ليالي القدر، بيد أن هذه جميعاً تتضاعف (قيمتها) بهذه الولادة. فلنتوجّه إلى الوجود الأقدس لبقية الله (أرواحنا فداه) عبر استذكار بضع نقاط تتعلق بتلك الشخصية العظيمة. وفي الدرجة الأولى بالطبع، علينا أن نبارك لكم جميعاً هذا الميلاد وهذه الأيام وحلاوة هذه الولادة السعيدة لذلك الإنسان العظيم. فإن شهر شعبان، من أوله وإلى آخره، شهر الألطاف الألهية وشهر الحلاوة والطراوة وشهر ما تقرّ به الأعين. علماً بأن الحادثة التي اندلعت في المنجم(2) هذا العام وللأسف قد أثارت في نفوسنا الهم والألم، ومن قبلها كذلك حادثة جنودنا المرابطين على الثغور في جنوب البلاد(3) أودعت في قلوبنا الحزن والأسى. غير أنّ هذا الشهر هو شهر فرح وتوق التائقين لأهل البيت (عليهم السلام).

فيما يتعلّق بصاحب العصر والزمان (عجل الله له الفرج وسلام الله عليه)، النقطة الأولى هي أنّ هذا الإنسان العظيم يدعو إلى الله، والنظر إليه وسيلة للتعبير عن حبّ الله تبارك وتعالى وإظهار العبودية له. «اَلسَّلامُ عَلَيكَ یا داعيَ ‌اللهِ وَرَبّانيَّ آياتِه»(4). فإن كل شيء، وجميع الأنبياء والأولياء والمقدسات والأرواح الطيبة التي تضيء بنورها حياتنا وعالمنا بل وعالم الوجود بأسره، إنما هي آيات الحق ومظاهر الله.. هذه نقطة لابد من الالتفات إليها. فإن التوجّه إلى صاحب العصر والتوسل إليه والتذلّل له، تذلّلٌ في محضر الذات الأحدية وعبودية لله سبحانه وتعالى.

والنقطة الثانية هي أن اسم هذا الرجل العظيم وذكره، يذّكرنا دوماً بأن بزوع شمس الحق والعدل في نهاية هذه الليلة الظلماء، أمرٌ محتوم. فالناس حين يشاهدون أمواج الظلام والظلم المتراكمة قد يصابون باليأس والإحباط. ولكن في ذكر صاحب العصر والزمان دلالة على أنّ الشمس سوف تشرق والنهار سوف يرتفع. نعم، توجد الظلمات ويوجد الظالمون والعاملون على انتشار الظلام في العالم، ولقد كان لهم وجودهم منذ قرون طويلة، ولكن النهاية المحتومة لهذه الليلة السوداء المظلمة سطوع الشمس. هذا هو ما تعلّمنا إياه العقيدة بالإمام المهدي، وهذا هو وعد الله المضمون: «اَلسَّلامُ‌ عَلَيكَ‌ اَیُّهَا العَلَمُ‌ الـمَنصوبُ وَالعِلمُ الـمَصبوبُ وَالغَوثُ وَالرَّحمَةُ الواسِعَةُ وَعداً غَیرَ مَکذوب»(5)؛ وعدٌ إلهيّ لا يتخلّف. وقد ورد في أول الزيارة: «اَلسَّلامُ عَلَيكَ یا وَعدَ اللهِ الَّذي ضَمِنَه»(6). فإن ظهور الإمام هو ذلك الوعد الإلهي المضمون.. هذه هي النقطة الثانية. فالذين يؤمنون بظهور ولي العصر ووجوده (أرواحنا فداه) لا يعتريهم اليأس والقنوط على الإطلاق، ويعلمون أن هذه الشمس ستشرق وستُبدّد هذه الظلمات الحالكة لا محالة.

والنقطة الثالثة هي أننا مكلّفون بالانتظار، ولكن ما هو الانتظار؟ الانتظار هو الترصّد والترقّب. ففي الأدبيات العسكرية لدينا إيعاز تحت عنوان «اِستَعِدّ»، والانتظار هو «الاستعداد»! ولذا علينا أن نكون مستعدين، والإنسان المؤمن المنتظر هو ذلك الذي يكون على أهبة الاستعداد. فلو ظهر اليوم إمامكم المكلّف بإحلال العدالة وإقرارها في جميع العالم، يجب عليّ وعليكم أن نكون مستعدين. والاستعداد هذا غاية في الأهمية.. هذا هو معنى الانتظار. الانتظار لا يعني الجزع والهلع والاضطراب وقول لماذا تأخّر ولماذا لم يتحقق وأمثال ذلك، وإنما يعني أن تكونوا دوماً على أهبة الاستعداد.

والنقطة الرابعة والأخيرة هي أن الانتظار يستلزم الصلاح والعمل. فعلينا أن نعمل على إصلاح أنفسنا، وأن نكون من العاملين بما يُدخل السرور في قلب ذلك الإنسان العظيم. ولو أردنا أن نعمل بهذه الطريقة وأن نمهّد لأنفسنا سبيل الصلاح والإصلاح، لا يمكننا بالتأكيد الاكتفاء بالعمل الفردي. فهناك واجبات على مستوى المجتمع والبلد وعلى الصعيد العالمي أيضاً لابد لنا من إنجازها، ولكن ما هي هذه الواجبات؟ هذا هو الأمر الذي يحتاج إلى بصيرة وإلى معرفة وإلى رؤية وإلى نظرة عالمية، وهذا هو الشيء الذي يجب عليكم أنتم الشباب الأعزاء الناشطون التحلي به في هذا اليوم.

وأما حول جامعة الإمام الحسين العسكرية؛ أولاً أبارك لكم أن دخلتم إلى هذه الجامعة ومارستم دراساتكم أو ستمارسونها فيها، وهذه فرصة قيمة ومغتنمة جداً. وثانياً تعتبر هذه الجامعة محلاً لتفتّح شتلات غُرست في أرض صالحة (للزراعة). فإن هذه الجامعة هي ذلك المكان الذي بوسعه إيصال المستعدين من الناس إلى نقطة يغبطها كل إنسان عارف بارز إذا ما نظر إليها. فإن رجلاً كإمامنا الخميني الجليل؛ تلك الشخصية المعنوية العظيمة، وذلك العالم الفقيه الحكيم - إذ لم يكن الإمام رجلاً بسيطاً - حين ينظر إلى منزلة مجاهدي الإسلام وشهداء هذا السبيل، ينظر إليهم نظرة اغتباط، وهذا ما تكرر في خطاباته كراراً، والجامعة هذه توصل الناس والشباب إلى هذه المنزلة، وهي مصداق لهذه الآية الشريفة: ﴿كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ(7). حيث تجد المزارعين الذين يعدّون المزرعة، قد ينبهرون بمحاصيل مزرعتهم! ذلك أنها مزرعة مباركة بمقدورها أن ترعرع مثل هذه الغرسات اليانعة والمثمرة وتقدمها إلى المجتمع. ﴿لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ﴾، إذ أنّ الكفار يستشيطون غضباً ويمتلئون غيضاً من الإنسان الذي يترعرع في هذا المكان.

وإذا ما ألقينا اليوم نظرة في أوساط مجتمعنا، لوجدنا أن هناك عدة شرائح قد اتجهت صوبهم أسهم حقد الاستكبار بشكل سافر في إعلامه العالمي وتصريحات سياسيّيه وسلوكياته التآمرية، وعلى رأس هذه الشرائح هو الحرس الثوري.. لماذا؟ لـِمَ كلّ هذا الاستياء من الحرس؟ مِمَّ كلّ هذا العداء مع ذلك الشابّ المغوار الذي يترعرع وينمو وينشأ في المعنوية؟ لأنه مبعث اقتدار البلد، وهذه نقطة بالغة الأهمية. فالسبب في عِدائهم يعود إلى أنّ هذه المجموعة تبعث على قوة البلد واقتداره، وكل ما يتسبب في اقتدار إيران الإسلامية يكون مبغوضاً لهم ويغدو عرضة لأحقادهم وضغائنهم.

وهناك عدة نماذج أخرى أشير إليها. فالعلم كذلك مدعاة للاقتدار، وتقدّمنا العلمي أيضاً يثير ثائرتهم. ولقد رأيتم ما قاموا به من إرسال أفرادٍ لاغتيال علمائنا النوويين، حيث شخّصوهم فرداً فرداً، وحدّدوا مسير تردّدهم، وزوّدوا بالأموال مرتزقتهم ليقوموا باغتيال هؤلاء. ومن هنا فالعلم والعالم هما من المسائل التي تثير غيظهم وغضبهم.

والاقتصاد القوي والمستقلّ لبلادنا أيضاً سبب في اقتدارنا، ولهذا يعارضونه، ويفرضون العقوبات من أجل تسديد ضربة له ويستخدمون شتى التدابير في هذا الشأن، فياحبّذا لو يعمد علماء الاقتصاد المؤمنون للناس إلى كشف التدابير التي يستعملها أعداؤنا من وراء الحدود للحؤول دون أن نتمتع باقتصاد قويم مستقل قوي في الداخل.. لماذا؟ لأن الاقتصاد سبب في الاقتدار، والبلد الذي يتمتع باقتصاد قويم، يمتلك وسيلة للقوة والاقتدار.

والقوة العسكرية كذلك من دواعي الاقتدار. فانظروا إلى الضجيج الذي يثيرونه في العالم على المنظومة الصاروخية قائلين بأنّ إيران تمتلك الصواريخ الدقيقة. نعم، نحن نمتلك الصاروخ، وهو دقيق أيضاً، وقادر على أن يصيب الهدف من بعد آلاف الكيلومترات ​بخطأ لا يتجاوز الأمتار.. هذا ما اكتسبناه بقوة، ونحافظ عليه بقوة، ونعمل على ازدياده بقوة إن شاء الله. فباتوا يعارضونه ويجابهونه ويغتاظون من أجله لأنه من دواعي الاقتدار. وتلاحظون ماذا يفعلون في العالم جراء ذلك.

والعنصر العسكري المضحي أيضاً باعثٌ على الاقتدار. بالإضافة إلى المؤسسات العسكرية، فالعنصر العسكري المضحي، من أمثال صياد الشيرازي والشهيد شوشتري، وكلّ إنسان عسكري مضحٍّ صادقٍ، يتعرض للسخط والغضب. ذلك أن هؤلاء لم ينالوا الشهادة في جبهات القتال، وإنما تم اغتيالهم بعد اكتشافهم وملاحقتهم، لأنهم صنعوا من أنفسهم سداً منيعاً أمام تطاول الأعداء وعدوانهم، وكانوا من بواعث اقتدار البلد، ولذلك أضحوا عرضة لمعاداتهم.

وإيمان الشباب وحياؤهم وأخلاقهم كذلك من أسباب الاقتدار، ولذلك يعادونها. فكل الجهود التي يبذلونها في الفضاء الافتراضي وفي وسائل الإعلام، والمليارات التي ينفقونها، هي في سبيل تمكّنهم من أن يسلبوا الشابّ الإيراني أخلاقه وإيمانه والتزامه بالشريعة وحياءه.. لماذا؟ لأنها من أسباب اقتدار البلد. إنهم يعادون ذلك الشابّ المؤمن المتشرّع العفيف الذي لا يزلّ أمام هذه الوسائل المثيرة للشهوات ويستطيع أن يصون نفسه حيالها، وهو للبلد سببٌ في قوته واقتداره.

وإنّ روح الجهاد والمقاومة في شعبٍ هي الأخرى من عوامل الاقتدار، ولهذا يناهضونها، ويوجّهون في الأدبيات الاستعمارية العالمية لروح المقاومة والجهاد تهمة العنف والتطرّف - ومما يؤسف له أننا نحن أيضاً نتعلم منهم ونكرّر هذه المفردات - كل ذلك لأن روح الجهاد والشهادة من عوامل الاقتدار للبلد.

هذه كلها من دواعي الاقتدار ومن المغضوب عليها، بيد أن ذلك الشيء الذي يصون الأمن ويتبوّأ درجة أعلى في هذا الجانب، وتلك المجموعة التي بوسعها أن تحافظ على أمن البلاد، تتمتع بمزيد من الأهمية. ومن هنا فإنهم يناوئون المراكز التي تعمل على تحقيق الأمن، ومن أهمها القوات المسلحة، لأن فقدان الأمن يؤدي إلى فقدان العلم والاقتصاد والإبداع أيضاً. فإن الشيء الذي يتسبب في أن يكون بمقدور البلد تربية العلماء والتنامي في مختلف القطاعات، هو استتباب الأمن. ذلك أن توفير الأرضية الآمنة للبلد أكثر أهمية وضرورة من أي شيء آخر. ولذا فإن مما يثير استياءهم هو ذلك القطاع الذي يعمل على تحقيق الأمن، فيبذلون مجهودهم لتبديد الأمن المخيّم على البلد، وهذه هي واحدة من النقاط التي تقف على جانب كبير من الأهمية.

يا إخواني ويا أبنائي ويا شبابي الأعزاء! نحن اليوم نمتلك «دولة مقاومة»، وهو أمرٌ فائق الأهمية. إنّ دولة المقاومة تختلف عن المنظمة الفلانية المقاومة، أو التيار الفلاني المقاوم في البلد الفلاني، أو الشخصية الفلانية المقاومة. علماً بأنّ العدوّ يعادي هؤلاء أيضاً. فالاستكبار العالمي التوسعي المعتدي والمتطاول على جميع الثروات المادية والمعنوية لكافة شعوب العالم، يناهض كل عنصر مقاوم، بما فيهم المنظمات المقاومة والشخصيات المقاومة، ولكن شتان ما بين هذا وبين الدولة التي تأسست على أساس المقاومة! فالجمهورية الإسلامية دولة مقاومة لها سياستها واقتصادها وقواتها المسلحة وتحركاتها الدولية، ولها منطقة نفوذ واسعة في داخل البلد وخارجه، وهذا غاية في الأهمية، ولا يقاس بأي عنصر مقاوم آخر. وانطلاقاً من هذا نجد حالات العِداء من جميع أقطار العالم - سواء من أصحاب السلطة أو من أذنابهم - متجهة صوب الجمهورية الإسلامية.

ولكن ماذا تعني «دولة المقاومة»؟ إنها تعني عدم الاستسلام للغطرسة، وعدم الرضوخ للنزعة التوسعية، والوقوف في موضع الاقتدار. التفتوا إلى أن دولة المقاومة لا تعتدي ولا تلهث وراء السلطة ولا تتطاول على الشعوب والبلدان، كما ولا تتموضع في موضع الدفاع والانفعال؛ إنها لا تتصف بكل هذه الأمور. يخال البعض بأننا لو أردنا إبعاد أنفسنا عن تهمة التوسعية والاستئثار بالسلطة على الصعيد الدولي والإقليمي، علينا أن نلجأ إلى الدفاع، كلا.. لا نركن إلى الدفاع، ولا نقف في موضع الانفعال، وإنما نقف في موضع ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ(8). نحن نقف في الموضع الذي عبّرت عنه هذه الآية الشريفة بقول: ﴿تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾. ولكن ما معنى ﴿تُرْهِبُونَ بِهِ﴾؟ إنها تدل على نفس ذلك الشيء الذي يُعبَّر عنه في أدبياتنا السياسية المعاصرة بـ«القوة الرادعة». فالجمهورية الإسلامية تتبوأ المكانة المشتملة على قوة رادعة، وهذا ما يريدون استلابه منها.

إنّ ما تمتلكه الجمهورية الإسلامية، وما اكتسبته حتى هذه اللحظة - بإبداعها وهمّتها ولم تكن في ذلك مرهونة لمنّة أي دولة وقوة أخرى - إنما هو للردع ولامتلاك القوة الرادعة، وبعد اليوم أيضاً سنسير في نفس هذا الطريق. نحن بعد اليوم أيضاً سنحثّ الخطى، ببالغ همّتنا وقصارى جهدنا وكلّ طاقاتنا الإنسانية التي ليست بالقليلة، للمضيّ قُدماً في سبيل ازدياد القوة الرادعة وتوظيفها، لئلا يخطر في بال العدوّ التعدّي، وليعلم أنه لو فعل ذلك، لتلقّى ضربة عنيفة، ولواجه ردة فعل قاسية. ولقد قلتها فيما مضى(9) بأنه ولّى زمن «إضرب واهرب» تجاه الجمهورية الإسلامية، ولا يتسنى لهم بعدُ أن يضربوا ويهربوا، ولو ضربوا لتورّطوا، فقد تكون البداية بأيديهم ولكن الخاتمة ستخرج عن سيطرتهم. وهذه هي القوة التي يهابها العدوّ، وهي التي لا يرغب العدوّ في أن تمتلكها الجمهورية الإسلامية.

ما هو الهدف الذي يستهدفه العدو؟ هذا ما أقوله لكم. فإنكم إخواني وأبنائي وشبابي الأحباء. والتقرير الذي قدّمه قادتنا الأعزاء هنا، يدلّ على أنكم، بالإضافة إلى التدريبات العسكرية، تتلقّون بحث البصيرة والمعنوية والرؤية السياسية وأمثال ذلك أيضاً. العدوّ يبحث وراء أيّ شيء؟ وما هو هدفه تجاه الجمهورية الإسلامية؟ وما هو ذلك الشيء الذي يروم استهدافه؟ أقول لكم بأنّ للعدوّ هدف قريب المدى وهدف متوسّط المدى وهدف بعيد المدى.

الهدف الذي يتوخاه العدوّ على المدى القريب، هو زعزعة الأمن وإثارة البلبلة والفتنة في البلاد، والقضاء على ما جنته الجمهورية الإسلامية من فخر كبير. نحن في وسط منطقة مليئة بالتوتّر والاضطراب، بل في وسط عالم مشحونٍ بالتوتّر والاضطراب، تمكّنا من إيجاد بيئة آمنة لبلادنا، وهذا هو من صنيع الشعب، ومن نتاج المسؤولين المخلصين، ومن ثمار حالات الوعي واليقظة ومواكبة العصر، وهو ما يريدون استلابه من الشعب الإيراني الكبير. فإن أحد أهم أو لربما أهم أهداف العدو، هي أن يتمكّن من تبديد الأمن في البلد. وسنتعرض لهذا الموضوع لاحقاً باختصار.

وعلى المدى المتوسط، يستهدف العدوّ قضية الاقتصاد في البلد ومعاش الناس. أي لابد أن يقف الاقتصاد عن الحركة، وأن يتدهور وضع الناس المعيشي، وأن تبقى نسبة العمل والإنتاج متدنّية في البلد، وأن تتسع رقعة البطالة كبلاء نازل على البلاد، وأن يستولي على الناس الإحباط واليأس من الجمهورية الإسلامية والنظام الإسلامي بسبب المشاكل المستشرية في أمر معاشهم.. هذا هو هدف العدوّ الذي يسعى وراءه، ويبذل الجهود في سبيله، ويخطّط له، ويؤسس غرف العمليات على حدّ تعبيره، بغية أن يتمكّن من تحقيقه في بلدنا. وهذا هو الهدف الذي يتابعه العدوّ على المدى المتوسط. فلو أدركنا هذا الهدف، يكون من واجبنا عندذاك اللجوء إلى الحلّ والعلاج، وهو ما نحن قادرون عليه، فيما لو استفقنا من سباتنا وتنبّهنا قليلاً وتابعنا الأمر. فلو عملنا على تحقيق نفس ذلك الشعار الذي طرحناه في بداية العام: «الاقتصاد المقاوم، الإنتاج الوطني وفرص العمل»، لتبدّدت خطة العدوّ لا محالة. كما أننا لو التفتنا وأعددنا أنفسنا لمجابهة ومواجهة ذلك الهدف (الذي يصبو إليه العدو) على المدى القريب، وهو الإخلال بالأمن وزعزعته وإثارة الفتنة والشغب، سيكون بمقدورنا إحباط ذلك بكل تأكيد.

وأما على المدى البعيد، فالمستهدف هو أساس النظام الإسلامي. لقد كان الأعداء في فترة يصرّحون بضرورة زوال النظام الإسلامي، ولكن بعد أن شاهدوا أنّ الكلام هذا سينتهي بضررهم، وبعد أن رأوا عجزهم وإعياءهم وفقدان سمعتهم بين أتباعهم والدول العميلة لهم ومرتزقتهم في العالم، عدّلوا كلامهم وراحوا يتحدثون عن تغيير سلوك الجمهورية الإسلامية. فخاطبتُ المسؤولين حينها قائلاً لهم: أيها السادة! التفتوا إلى أنّ تغيير السلوك لا يختلف مطلقاً عن تغيير النظام. فإن تغيير السلوك لا يعني أننا إذا كنا نذهب (إلى العمل) في الساعة السابعة صباحاً، فسنذهب اليوم في الساعة السابعة والنصف أو السادسة والنصف. وإنما يعني أنّنا كنّا نسير في مسار الإسلام والثورة ونهج الإمام الخميني، ثمّ ننحرف أولاً بمقدار 20 درجة، ومن بعدها 45 درجة، ومن بعدها 90 درجة، وبالتالي 180 درجة، بحيث نقطع خطانا في الجبهة المقابلة.. هذا هو المراد من تغيير السلوك، وهو يعني إبادة النظام الإسلامي. وهذا هو الهدف الذي يحملونه على المدى البعيد. إذن هذه هي أهداف الأعداء. والعدوّ عدوٌّ يمارس عِداءه ويوظفه بكلّ ما أوتي من قوة.

ولنتعرض قليلاً إلى قضية الانتخابات. تمثل الانتخابات إحدى العوامل التي يمكنها أن تكون للبلد سبباً في نيل الشموخ والسمعة الطيبة، وأن تكون كذلك مدعاة للضعف والوهن ووضع العقبات.. هكذا هي الانتخابات. فلو شارك الناس (في الانتخابات)، وترافقت هذه المشاركة مع النظم والأخلاق والتزام الحدود الإسلامية ومراعاة القانون من قبل الجميع، ستكون (الانتخابات) مبعث رفعةٍ وعزةٍ لنظام الجمهورية الإسلامية. ولو انتهكوا القانون، وأساؤوا الأداء، وزرعوا بكلامهم الأمل في نفوس الأعداء، ستعود الانتخابات بالضرر علينا.

نحن لسنا حديثي عهدٍ في إجراء الانتخابات. 37 أو 38 عاماً ولنا تعاملنا مع الانتخابات، ففي السابق كانت تُجرى سنوياً انتخابات واحدة تقريباً، ومنذ عدة أعوام راحت تنطلق في البلاد انتخابات كبيرة في كل سنتين مرة. إذن نحن أصحاب تجربة في أمر الانتخابات، ونعلم حقيقتها، ونعرف أنّ الأطراف التي لها صلتها بالانتخابات والتي تتدخل فيها، قد تقع في أيّ أجواء فكرية، وتتعرض لأيّ حالاتٍ من العِداء، وتواجه أيّ نوع من الوساوس. هذه قضايا جرّبناها وهي واضحة لدينا.

إنني أوصي جميع هؤلاء السادة الكرام الذي رشّحوا أنفسهم للانتخابات وأقول لهم - فقد ذكرنا للناس ما ينبغي ذكره - (واليوم) أخاطب المرشحين وأقول لهم بأن يلتفتوا في وعودهم وتصريحاتهم وبرامجهم التي يقدّموها للناس، إلى مراعاة النقاط التالية بالتأكيد: الأولى المسائل الاقتصادية. فليلتفتوا بكل تأكيد إلى الجانب الاقتصادي، وليقولوا بكل حزم وحسم إنهم سيبذلون مجهودهم في سبيل اقتصاد البلاد.. هذه هي إحدى المسائل التي تتسم بالأهمية. وليقولوا بأن معاش الناس يأتي في أولوية اهتماماتهم.

والنقطة الثانية التي لابد وأن تبرز في برامجهم وتصريحاتهم ووعودهم التي يقطعوها للناس، هي قضية العزة الوطنية واستقلال الشعب الإيراني. أيها السادة! شعب إيران شعبٌ ثوري.. شعبٌ شامخ.. شعبٌ استطاع بلوغ ذروة الاقتدار والعزة الدولية بعد أن كان قابعاً في منتهى الضعف والتبعية، فلا ينبغي إضعاف هذا الشعب وإذلاله وإرغامه على الاستسلام أمام الشعوب الأخرى وأمام القوى الكبرى؛ ذلك أنّ الشعب حيٌّ بالاقتدار، ولولا هذا الاقتدار الذي يبديه، لما اكتفى العدو بإصدار الأوامر لرئيسنا الفلاني أو موظّفنا الفلاني، بل لفرض هيمنته على البلاد، ولفعل في حق الجمهورية الإسلامية - وهذه بغيته - ما يفعله بشأن البلدان العميلة المرتزقة السيئة السمعة في بعض مناطق العالم ومنها في منطقتنا، ولتعامل مع أبناء شعبنا بنفس هذا التعامل. فلابد من صيانة العزة الوطنية ورفعة الشعب وعظمته أمام الاستكبار. وعلى المرشحين أن يُعلنوا بأنهم يقفون أمام أطماع أمريكا وخبث الصهاينة.

والنقطة الثالثة التي يجب أن تؤخذ في برامج المرشحين المحترمين وتصريحاتهم ووعودهم بنظر الاعتبار كثيراً، هي قضية الأمن القوي والاستقرار الوطني. فليحذروا من إثارة النعرات العقائدية أو الجغرافية أو اللغوية أو القومية! منذ سنوات طوال وأعداؤنا يبذلون مساعيهم لإثارة هذه النعرات، حيث جنّدوا جنودهم على منطقة كردستان، إلا أن أبنائها المؤمنين ألقموهم حجراً. ووظفوا طاقاتهم واستثمروا جهودهم على أبناء أذربيجان المتعصبين الغيارى، فرفعوا رؤوسهم كأصحاب الثورة ووقفوا في وجههم وطردوهم. وكذلك الحال بالنسبة إلى أهالي خوزستان العرب، وأهالي بلوشستان، وأهالي تركمان. فالأعداء يبذلون جهودهم، ويستثمرون طاقاتهم، وينفقون الأموال، ويجندون العملاء، ويُطلقون الأقاويل، ليتمكّنوا من إثارة هذه النعرات، بيد أنّ القوميات الإيرانية صامدة بكل قوة وتضامن وإخلاص وإيمان. فليحذر المرشحون لرئاسة الجمهورية ألّا يعمدوا، عبر تشخيصهم الخاطئ، إلى إكمال المخطط الذي تركه العدو في منتصف الطريق ولم يتمكن من إنجازه، وإلى العمل لصالح العدو، وإثارة هذه النعرات.

تعتبر قضية الأمن والاستقرار في البلاد قضية بالغة الأهمية. وينبغي للقائمين على أمن الانتخابات واستقرارها - بما فيهم السلطة القضائية والقوى الأمنية ووزارة الداخلية وغيرهم - توخي الحيطة والحذر وصيانة الأمن. وليعلم الجميع بأنه ما من أحد يعمل على زعزعة أمن البلاد، إلا وسيواجه ردة فعلٍ قاسية بكل تأكيد.

ذلك الصهيوني الأمريكي المتموّل الخبيث الذي قال إنّه استطاع بمبلغ ١٠ ملايين دولار، أن يقلب جورجيا رأساً على عقب. عزم على أن ينتهج نفس هذا النهج تجاه الجمهورية الإسلامية في عام 2009. فانظروا إلى أين يصل الخطأ في التطبيق والحماقة في المعرفة، حيث يقارنون الجمهورية الإسلامية التي تتسم بهذه العظمة، والشعب الإيراني الذي يتصف بهذا المجد والشموخ، بدولٍ متخلّفة في العالم، بغية التأثير عليها، ولكنهم ارتطموا بجدارٍ منيعٍ من الإرادة والعزيمة الوطنية. واليوم أيضاً كذلك. فليعلموا بأن الأمن للبلاد يتسم ببالغ الأهمية، وأنّ أبناء الشعب، وبتبعهم أنا الحقير أيضاً، نولي اهتمامنا بقضية أمن البلاد، فلابد من صيانة الأمن في الانتخابات بصورة تامة، وأيما أحد يتخطى هذا السبيل، سيتلقى صفعة لا محالة.

إنّ القوة لله، والقلوب بيد الله، وهي «بَینَ إِصبَعَيِ الرَّحمن»(10)، وبين طيّات الإرادة الإلهية. ولقد قطع شعب إيران هذا الطريق بالاتكاء على الألطاف الإلهية، وسيقطعه بعد اليوم أيضاً بإذن الله. وللشباب دورٌ بارز بين سائر أبناء الشعب الإيراني، ولكم أنتم الشباب الأعزاء خصوصية بين سائر الشباب، فاعرفوا قدرها واشكروا الله تعالى عليها.

إلهنا! نقسم عليك بحق المهدي الموعود وبحق من «بِیُمنِهِ رُزِقَ الوَریٰ وَبِوُجودِهِ ثَبَتَتِ الأَرضُ وَالسَّماء»(11) أن تحفظ هؤلاء الشباب وشباب البلاد كافة وأبناء الشعب الإيراني الكبير قاطبة تحت ظلّ لطفك وعنايتك، وأن تنصر شعب إيران على أعدائه.

ربنا! نقسم عليك بحق محمد وآل محمد أن تحشر أرواح الشهداء الزاكية وروح إمام الشهداء الطاهرة، مع الأرواح الطيبة لمحمد وآل محمد.

والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته

 

 

الهوامش:

  1. في بداية اللقاء الذي جرى في جامعة الإمام الحسين (ع) تحدّث اللواء محمد علي جعفري القائد العام لقوات حرّاس الثورة الإسلامية، وكذلك الأدميرال مرتضى صفاري قائد جامعة الإمام الحسين (ع).
  2. إشارة إلى حادثة الانفجار في منجم يورت بمدينة آزادشهر في محافظة جلستان والتي أودت بحياة عدد من عمّال المنجم.
  3. إشارة إلى إستشهاد عدد من حرّّاس الحدود التابعين لقوى الأمن في الجمهورية الإسلامية بواسطة منظمة إرهابية على حدود منطقة ميرجاوة المتاخمة للباكستان.
  4. الإحتجاج، ج 2، ص493.
  5. نفس المصدر.
  6. نفس المصدر.
  7. سورة الفتح، جزء من الآية رقم 29.
  8. سورة الأنفال، جزء من الآية رقم 60.
  9. خطاب سماحته خلال لقائه مسؤولي النظام (2007/9/22).
  10. عوالي اللئالئ، ج 1، ص 48.
  11. زاد المعاد (دعاء العديلة)، ص423.