موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي

كلمة قائد الثورة الإسلامية المعظم خلال لقائه المشاركين في المؤتمر الدولي لمحبي أهل البيت (ع) وقضية التكفيريين

بسم الله الرحمن الرحیم (1)

والحمد لله ربّ العالمین، والصلاة والسلام علی سیدنا ونبینا أبي القاسم المصطفی محمد، وعلی آله الطیبین الطاهرین وصحبه المنتجبین ومن تبعهم بإحسان إلی یوم الدین.

أيها الإخوة الأعزاء! أيتها الأخوات العزيزات! قدمتم خير مقدم.. نرحّب بكم جميعاً من أعماق قلوبنا. أنتم هنا في داركم وبين إخوانكم، فإننا ننظر إلى إخوتنا المسلمين في أي بعقة من بقاع العالم بهذه النظرة.. نحن إخوان فيما بيننا، ونعتبركم إخوة لنا، وقد أثبتنا، بتوفيق الله وعونه، مشاعرنا الأخويّة في العمل أيضاً.

إنّ موضوع هذا المؤتمر المتمثّل بمحبة أهل البيت (عليهم السلام) موضوع بالغ الأهمية. فإنّ حبّ أهل البيت لا يختص بفئة إسلامية خاصة، بل جميع المسلمين يُظهرون لأهل بيت النبي محبتهم ومودتهم، سوى عدة ضئيلة وقليلة جداً موسومة بالنواصب، كان لها وجودها في التأريخ ويحتمل أن يكون قد دفعتهم إلى ذلك دوافع سياسية لا دوافع دينية بمعناها الحقيقي. بيد أن قاطبة المسلمين منذ الصدر الأول وحتى يومنا هذا يدخلون في عداد محبي أهل البيت(ع). وهذه الجملة بذاتها تشكّل لنا درساً، وهو أن محبة أهل البيت بوسعها أن تكون وسيلة لإجماع المسلمين ومحوراً للاتحاد والاتفاق فيما بينهم. فكما أنّ الوجود المبارك لنبي الإسلام وسيلة ومحور للوحدة بين المسلمين، وكما أن القرآن والكعبة الشريفة محوران لاتحاد المسلمين، بالإمكان أن تكون محبة أهل البيت أيضاً محوراً لرصّ الصفوف وتقارب القلوب لدى المسلمين.

وإني أقول لكم أيها الإخوة الأعزاء بأن العالم الإسلامي في المرحلة الراهنة بأمس الحاجة إلى هذا الاتحاد وهذا التعاطف. فإن جسد العالم الإسلامي اليوم يعاني من الجُراح، وأعداء الإسلام تمكّنوا، عبر تأجيج نيران الحرب والشقاق بين المسلمين، من إضعافهم وإشغالههم بأنفسهم ووضع أعدائهم في هامش الأمان. فالكيان الصهيوني في منطقة غرب آسيا ينعم بالأمن والمسلمون يتناحرون فيهما بينهم! هذا هو الواقع السائد في الوقت الراهن، وهو من صنيع أعداء الإسلام، وصنيع أمريكا، وصنيع الصهيونية الدولية، وصنيع أذنابهم وأتباعهم في هذه المنطقة. ومما يؤسف له يجب علينا الاعتراف بأن هناك في داخل الأمة الإسلامية والبلدان الإسلامية أناس ينفّذون حرفيّاً إرادة أمريكا والصهيونيّة، فيتقبّلون التكاليف، ويمهّدون الأرضية، ويكونون أداة لهم، لماذا؟ لإنزال الجروج بجسد الأمة الإسلامية، وفي مثل هذه الظروف، تعتبر وحدة الأمة الإسلامية أوجب الواجبات، فلابد لنا من الاجتماع والاتحاد.

إنّ لمحبة أهل البيت أصول قرآنية وحديثية، وليست من المسائل المستحدثة. فإن حديث الثقلين المتفق عليه بين الفِرَق الإسلامية والقائل "إِنّي‌ تارِكٌ‌ فیکُمُ الثَّقَلَینِ کِتابَ اللهِ وَعِترَتي أَهلَ بَیتي فَإِنَّهُما لَن یَفتَرِقا حَتَّى یَرِدا عَلَيَّ الحَوض"(2)، رغم أنّه يدعونا إلى اتّباع أهل البيت، ولكن لا معنى للاتّباع المجرّد عن الحب، فالمحبة أيضاً يمكن استنباطها من هذا الحديث. ولقد ورد في القرآن الكريم قوله " إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً"(3)، وهذه الطهارة التي أرادها الله تعالى لأهل البيت هي مقتضى نفس هذا العشق والحبّ الذي يُبديه المسلمون تجاههم، ومن هنا يصبح هذا الحبّ وسيلة لتوحيد الصفوف بين المسلمين.

إنّ أعداء الإسلام تقتضي مصلحتهم في أن يجرّوا الحرب إلى وسط العالم الإسلامي، وهذا ما فعلوه للأسف. بيد أننا واقفون وسنقف أمام مؤامرة العدو هذه. وأقولها لكم نحن نعتقد، بتوفيق الله وإرادته ومشيئته وإذنه، بأننا نحن المنتصرون على الأعداء في هذه المنازلة.

إنّ القضية الفلسطينية اليوم تحتل الصدارة بين قضايا العالم الإسلامي. وكل من يفهم هذه القضية ويتصوّرها بشكل صائب، سيقرّ بأنها تشكل القضية الأولى في عالم الإسلام. وهي متفاح التغلّب على أعداء الإسلام، وهي اليوم أهم قضايا العالم الإسلامي، لماذا؟ لأن فلسطين بلد إسلامي، جاؤوا واغتصبوه وسلبوه من شعبه. فالقضية ليست قضية اغتصاب قرية أو مدينة، وإنما قام العدو باغتصاب بلدٍ وصنع منه مقراً لزعزة الأمن في بلدان هذه المنطقة، فلابد من مكافحة الغدة السرطانية.

وإذا بنا نرى البعض ممن يتزيى بزيّ الإفتاء في الدين، يفتي بحرمة مقارعة الصهيونية وعدم جواز دعم الجماعة الفلانية التي تحارب الصهاينة! وهذه كارثة حقاً بأن يعمل البعض في العالم الإسلامي بما يخالف مصالح الإسلام، ويقيم مع الأعداء علاقة وثيقة على الضدّ تماماً من النصّ القرآني الصريح الذي يعرّف المؤمنين بأنهم " أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ "(4)، حيث تجدهم أشداء على المسلمين ورحماء مع الكفار، يقيمون معهم علاقات حسنة ولكن انظروا ماذا يفعلون مع المسلمين من إثارة الخلافات وزرع شجرة داعش وأمثال داعش الخبيثة في العراق وسوريا ونقاط أخرى.

علماً بأنّ هذه الشجرة قد سقطت في العراق وسوريا، ولكن لا يمكن الوثوق بذلك، إذ قد يزرعونها ثانية في مكان آخر، فإن أمريكا لا تكفّ عن معاداتها للإسلام. ولذا يجب علينا أن نتسم بالصحوة واليقظة وأن نحافظ على جهوزيتنا وألّا نُهاجَم على حين غرة. فقد ورد في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين (عليه السلام): " وَاللهِ لَا أَکونُ کَالضَّبُعِ تَنامُ عَلىٰ طولِ اللَدم"(5)، هكذا يجب أن نكون، ولا ينبغي لنا أن نركن إلى النوم وإلى الغفلة وأن نتجاهل كيد العدو، بل يجب علينا أن نكون يَقظين.

ولهذه اليقظة اقتضاءات، منها نفس هذه الأخوّة والمحبة التي يجب أن نتسم بها. حيث تقتضي هذه المحبة أن نجابه ونحارب العوامل التي تعادي عالم الإسلام جهاراً أو تدعم أعداءه. فاحملوا نداء هذه الروح في مختلف البلدان، وحافظوا على جهوزية المسلمين للمواجهة والمجابهة، وليس المراد من المواجهة هذه في كل مكان هي الحرب العسكرية، بل يجب عليكم إيقاف أذهان الناس، الذين يستمعون إلى حديثكم، على الحقائق السائدة اليوم في العالم الإسلامي. نحن لا نكفّ عن هذا الواجب بالتأكيد ولا نتخلّ عنه، وعلى يقين بأن الله سبحانه وتعالى سيعيننا في تقدّم هذا الأمر. وأولئك الذين يناقضون القرآن في عملهم حيث يقول " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ "(6)، ويحبون أعداء المسلمين وأعداء الإسلام وأعداء الله ويودّونهم، هم أعداء الإسلام الحقيقيون في وسط المجتمع الإسلامي.

لقد صحى العالم الإسلامي اليوم والحمد لله. ونحن المسلمون في شتى البلدان نشكّل واقعاً عظيماً مفروضاً على الاستكبار والكفر. وبوسع العالم الإسلامي اليوم أن يقف في وجه الكفر والاستكبار وأن يثبّت كلمته. فقد أقيمت في جغرافيا إيران حكومة باسم الإسلام، تفتخر بأنها حكومة إسلامية. علماً بأننا لم نحقّق كل طموحاتنا في تكريس حاكمية الإسلام في بلدنا، بل مازلنا في منتصف الطريق، بيد أن الهدف الذي نتوخّاه هو تحقيق كل الأهداف الإسلامية وإرساء الشريعة الإسلامية بالكامل.. هذا هو هدفنا وبتوفيق الله وإذنه سنتابع هذا الهدف، وسيكون هذا بحد ذاته وسيلة للتغلّب على أعداء الإسلام.. هذا هو الواقع السائد هنا في الوقت الراهن.

أيها الإخوة الأعزاء! أيتها الأخوات العزيزات! تمرّ على إقامة الجمهورية الإسلامية زهاء أربعين عاماً، ومنذ اليوم الأول قامت أمريكا وجبهة الكفر والاستكبار والصهيونية بممارسة العداء ضدنا، فحاكوا المؤامرات وقاموا بكل ما استطاعوا من فرض الحظر وشن الهجوم العسكري وممارسات مختلفة أخرى، ولكننا على مدى هذه السنوات الأربعين تقريباً تقدّمنا إلى الأمام على الدوام رغم أنفهم. وبتوفيق الله فإن حالات التقدم التي حققتها الجمهورية الإسلامية اليوم لا تقاس بما كانت عليه قبل 30 و35 عاماً. فإنهم أرادوا هلاكنا ولكن الله سبحانه وتعالى منحنا القوة والاقتدار، وزاد من قوتنا أكثر مما كنّا نطمح إليه، فأضحت الجمهورية الإسلامية اليوم في منتهى القوة والاقتدار والثبات، وأصبحنا نطلق كلمتنا بكل صراحة ونثبت عليها. وأينما كانت هنالك حاجة إلى حضورنا وإلى دعمنا في مواجهة الكفر والاستكبار، سنمدّ يد العون ونعلن ذلك بصراحة ولا نعبأ بالإفصاح بهذا الأمر، فإننا في مواجهة عالم الكفر والاستكبار لا نجامل أي أحد، ونُعلن موقفنا وكلمتنا جهاراً.

هذا هو الواقع السائد اليوم في العالم الإسلامي، ويحدونا الأمل، بتوفيق الله، أن يصل ذلك اليوم الذي تعود فيه فلسطين إلى الشعب الفلسطيني، ويغدو هذا الشعب هو المالك لأراضيه، ويعود المشرّدون الفلسطينيون إلى بلدهم، وسيكون ذلك اليوم يوم فرح وعيد للعالم الإسلامي، وسيشكّل ضربة حقيقية قاضية على الاستكبار، ونحن سنبذل جهدنا وسعينا لتحقيق هذا الهدف، وسوف يحلّ ذلك اليوم إن شاء الله.

إني ثانية أرحّب بكم جميعاً أيها الإخوة والأخوات الأعزاء وأستودعكم الله وأسأله تعالى أن يجعل مؤتمركم هذا مؤتمراً مباركاً.

والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته

 

الهوامش:

1- في بداية اللقاء الذي عقد بمناسبة إنعقاد هذا المؤتمر يومي 22 و23 تشرين الثاني/نوفمبر في طهران، تحدّث الدكتور علي أكبر ولايتي الأمين العام للمجمع العالمي للصحوة الإسلامية رافعاً تقريره عن المؤتمر.

2- أمالي الصدوق، ص 415.

3- سورة الأحزاب، آية 33.

4- سورة الفتح، آية 29.

5- نهج البلاغة، الخطبة رقم 6.

6- سورة الممتحنة، آية رقم 1.