موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي

كلمة قائد الثورة الإسلامية المعظم أمام الآلاف من زوّار مرقد الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام بمناسبة بداية العام الهجري الشمسي الجديد

 

بسم الله الرحمن الرحیم

والحمد لله ربّ العالمین، والصلاة والسلام علی سیدنا ونبینا أبي القاسم المصطفی محمد، وعلی آله الأطیبین الأطهرین المنتجبین، سیما بقیة الله في الأرضین.

اللّهم صلّ على ولیك علي بن موسی‌ عدد ما في علمك، صلاةً دائمةً بدوام عزّك وسلطانك. اللّهم سلّم على علي بن موسى‌ الرضا عدد ما في علمك سلاماً دائماً بدوام مجدك وعظمتك وکبریائك. اللّهم صلّ علی وليك علي بن محمد الهادي النقي سلاماً دائماً بدوام عزّك وسلطانك.

أشكر الله تعالى على أن وفّقني مرة أخرى وفي سنة أخرى لأن ألتقي بكم أنتم الأعزاء الأوفياء في جوار هذه البقعة المطهّرة والمباركة، وأقدّم أزكى سلامي وتحياتي للزوار الأحباء الذين اجتمعوا هنا من جميع أرجاء البلد وللساكنين الموقّرين في هذه المدينة المقدسة. وأبارك حلول السنة الجديدة وعيد النيروز، وأقدّم التعازي باستشهاد الإمام الهادي (سلام الله عليه).

ضمن مجموعة الآثار والبركات الحالّة من أئمة الهدى (عليهم السلام)، يختص هذا الإمام العظيم بأنه بيّن خلال الزيارة أهم الفصول المتعلقة بمقامات الأئمة (عليهم السلام) ومنازلهم، ببيانٍ وافٍ وشافٍ وبأروع العبارات وأجملها. حيث وردت زيارة الجامعة الكبيرة من هذا الإمام الهمام، ونُقلت زيارة أمير المؤمنين في يوم الغدير، وهي من غرر كلمات الأئمة (عليهم السلام) وأحاديثهم، عن هذه الشخصية العظيمة. على أمل أن يحظى الشعب الإيراني في هذا العام بالهداية الإلهية ببركة النظرة العطوفة لهذا الإمام العظيم الذي اقترنت شهادته باليوم الأول من السنة وبعيد النيروز.

أودّ اليوم أن أطرح عليكم أنتم الإخوة والأخوات الأعزاء الحاضرون هنا وفي الحقيقة على الشعب الإيراني الكبير قاطبة بضعة نقاط.

أولاً سنُلقي نظرة عابرة وموجزة لسجلّ الجمهورية الإسلامية على مدى أربعين عاماً، سواء في الأصول الأساسية والشعارات والمبادئ أو في الأداء. لأن عام 1397 (هـ.ش) هو العام الأربعين لانتصار الثورة. وهذه الراية الخفاقة على مرّ السنوات الأربعين هذه قد عطفت الأنظار والقلوب إليها في جموع غفيرة من شعوب المنطقة. ولذا نرغب في أن نُلقي نظرة عابرة لنرى ما هي أوضاع الشعارات الرئيسية لنظام الجمهورية الإسلامية خلال هذه السنوات الأربعين وكيف هو أداؤنا نحن المسؤولون في هذه الفترة. علماً بأن البحث هذا مسهب ومفصّل ولا يناسب الاجتماع هذا بما ينطوي عليه من طول وتفصيل، ولذا سأكتفي ببيان مقتضب وبالإشارة تقريباً، وأوكل البيان المفصّل لهذا الموضوع إلى اجتماع آخر في شهر رمضان المبارك. إن بقيتُ على قيد الحياة وأدركتُ شهر رمضان، سأفصّل الحديث في هذا الجانب إن شاء الله خلال إحدى اللقاءات في شهر رمضان المبارك.. هذه نقطة.

والنقطة الأخرى التي سنتناولها هي أنّ بلدنا ينطوي على مواهب وطاقات جبّارة لم يتم استثمارها حتى هذه اللحظة، ولو استُثمرت لتقدّم البلد وتحسّنت أوضاعه بكثير.

والنقطة التالية التي أطرحها اليوم هي أنه ما هي العقبات التي تحول دون استثمار هذه الطاقات؟ في سبيل أن نقف قليلاً على عيوبنا السلوكية ونرى ما هي الأمور التي تسبّبت في أن نعجز عن استثمار هذه الطاقات الهائلة.

والنقطة الأخرى والموضوع الآخر يحوم حول شعار هذا العام «دعم البضاعة الإيرانية»، والإدلاء بتوضيح في هذا الشأن.

ثم نشير من بعد ذلك إلى قضايا المنطقة وإلى المستقبل أيضاً.

هذه هي قائمة أبحاثنا في هذا اليوم. على أمل أن يستمع الإخوة الأعزاء والأخوات العزيزات الحاضرين في هذا الاجتماع إلى هذا البحث بتروٍّ وتأنٍّ، وأسأل الله تعالى أن يحلل عقدة من لساني لأتمكّن من تبيان ما أصبو إليه.

ما يمكنني قوله في باب مبادئ الثوره الرئيسية وشعاراتها وأصولها الأساسية هي أن الثورة خرجت ظافرة من الامتحان في هذا الجانب، بمعنى أن الشعب الإيراني استطاع أن يحافظ على الأصول الأساسية وعلى الشعارات الرئيسية للثورة حتى اليوم بنفس تلك الصلابة التي كانت عليه في اليوم الأول. والشعارات والمبادئ الرئيسية هي: الاستقلال، الحرية، السيادة الشعبية، الثقة بالنفس الوطنية والإيمان بالذات الوطني، العدالة، والأسمى والأعلى منها جميعاً هي تحقق وتطبيق أحكام الدين والشريعة في البلد، وقد تم الحفاظ على هذه الشعارات بنفس طراوتها الأولى.

يتمتع بلدنا اليوم بالاستقلال، وكان هذا من المطاليب العامة لدى أبناء الشعب في هذه الثورة، وهو يمثّل ردّة فعل الشعب الإيراني على مئتي عامٍ من هيمنة الأجانب على هذا البلد. وحقيقٌ بشبابنا وأهل الفكر والمطالعة لدينا أن يولوا اهتمامهم بهذه القضية. لقد فرضت القوى السلطوية هيمنتها على هذا البلد زهاء مئتي عام إلى ما قبل (انتصار) الثورة، والحكومات كانت تحكم تحت ظلّ القوى الأجنبية. فالحكومة القاجارية بقيت قائمة بضمانةٍ من روسيا القيصيرية. أي في وسط الحروب التي كانت قائمة بين إيران وروسيا، وفي قضية (معاهدة) تركمانجاي، أخذ عبّاس ميرزا القاجاري (من الروس) عهداً في أن تبقى الحكومة بيد السلالة القاجارية، وهذا يعني أن الأسرة القاجارية كانت تعيش تحت لواء الروس وكفالتهم. ثم جاء من بعدهم الإنجليز وأوصلوا رضاخان إلى سدّة الحكم، ثم قام الإنجليز أنفسهم بإحلال محمدرضا محله. وفي التاسع عشر من أغسطس / آب 1953 نزل الأمريكيون إلى الساحة وأعادوا السلطنة إلى محمدرضا. وهذا يعني أن حكوماتنا على مدى هذه السنوات الطويلة كانت تأتي وتُعزَل على يد هذه السلطة أو تلك. وفي حقبة من الزمن، اتفقت بريطانيا وروسيا القيصيرية - في اتفاقية 1907 - على أن يتم تقسيم إيران بينهما؛ قسمٌ تحت هيمنة الإنجليز، وقسمٌ تحت سيطرة الروس، وقسمٌ صغير في الوسط بقي مستقلاً.. هكذا كان البلد رازحاً تحت نير الهيمنة. ومن هنا فقد كان المطلب العام للشعب الإيراني هو أن يتخلّص من هذه الحالة وأن يتمتع بالاستقلال. وبوسعي أن أقول: ما من دولة في العالم اليوم يتمتّع شعبها بما يتمتع به الشعب الإيراني من استقلال. فإن شعوب العالم برمتها تراعي القوى بشكل من الأشكال. وأما ذلك الشعب الذي لا تتأثر آراؤه بأي قوة من القوى فهو الشعب الإيراني. ولهذا فالاستقلال بقي محفوظاً ومصاناً.

الحرية.. لقد كان الاستقلال والحرية جنباً إلى جنب ضمن شعارات الثورة الرئيسية، والحرية تحققت في هذا البلد. نعم، هناك من يجانب الإنصاف، ويستغلّ الحرية المتاحة، ويدّعي كذباً فقدان الحرية، والإذاعات الأجنبية والإعلام الأجنبي أيضاً يعكس كلامهم. وحقيقة الأمر ليست كذلك، فإنّ بلدنا اليوم يتمتع بحرية الفكر وحرية التعبير وحرية الانتخاب. وما من أحدٍ يتعرض للضغط والتهديد والملاحقة لكونه يخالف الحكومة في فكره ورأيه. وكلّ من يدّعي بأنه تعرض للضغط لأن عقيدته في القضية الفلانية تخالف عقيدة الحكومة فهو كاذب، ولا يوجد مثل هذا. فإن هناك العديد من الأشخاص الذين يطرحون أفكاراً متنوعة مناهضة للحكومة، وهي معتقداتهم، في مختلف وسائل الإعلام، ولا شأن لأحد بهم، بل وليس من المقرر أن يتطاول عليهم أحد. إذن فحرية التعبير موجودة وبإمكان الناس أن يعبّروا (عن آرائهم).

نعم، الحرية في جميع أقطار العالم مؤطّرة بأُطُر. فلا وجود للحرية بمعنى «العمل على خلاف القانون»، ولا وجود للحرية بمعنى «العمل على خلاف الدين والشريعة». والحرية في بلدنا مؤطّرة بإطار دستورنا، وقوانين البلد بأسرها مستوحاة من الشريعة الإسلامية الغرّاء. وأما أن يتوقّع أحدٌ بأن يكون حراً ويعمل على خلاف القانون، فهو توقّع بعيد عن المنطق ولا وجود لهذا الشيء. إذن فالحرية متوافرة.

السيادة الشعبية.. قلما يوجد في كل العالم وفي مختلف البلدان نظير للانتخابات العامة في بلدنا. حيث تُجرى الانتخابات في كل عام تقريباً، وفي الآونة الأخيرة في كل عامين مرة. وكل أبناء الشعب في الانتخابات أحرار، وجميعهم يشاركون بكل شوق وتوق. ولكم أن تنظروا خلال هذه الأعوام الأربعين إلى أنّ الحكومات التي انبثقت من أصوات الشعب كانت ذات توجهات مختلفة، ففي وقتٍ كانت تميل إلى نمط من السياسة، وفي وقت آخر إلى نمط مضادّ لتلك السياسية، وكلها منبثقة من أصوات الشعب. فالسيادة الشعبية مستقرة في بلدنا. ونحن لم نسمح بتأجيل الانتخابات يوماً واحداً حتى في فترة الحرب.

المبدأ والأصل الآخر هو الثقة بالنفس الوطنية والإيمان بالذات لدى أبناء الشعب الإيراني.. يعني ألّا يشعر الشعب بالانفعال والخنوع أمام الآخرين.. يعني روح «نحن قادرون»، وهذا ما هو متوافر اليوم والحمد لله. وكما ذكرتُ بالطبع، فإن شرح هذه المسائل والأرقام المتعلقة بها مفصّلة، سأتناولها في جلسة أخرى. إن أبناء شعبنا وشبابنا اليوم والحمد لله يقفون على أقدامهم ويستشعرون الاستقلال والإيمان بالذات.

العدالة.. قبل بضعة أسابيع قلتُ(1) بأننا متأخرون في بحث العدالة، وهذه هي عقيدتي. غير أن الآخرين والحاقدين استغلّوها بطريقة أخرى، وفسّروا القول هذا بأن البلد لم يقطع أيّ خطوة في باب العدالة، وهذا مخالف للواقع. فقد أُنجزت في موضوع العدالة أعمال كثيرة للغاية وإنجازات جيدة جداً، بيد أن هذه ليست هي تلك العدالة التي نصبو إليها والتي تمثل أمنية هذا الشعب المسلم، وهنالك مسافة بينهما. وإلا فلو قارنتم بلدنا بما كان عليه قبل الثورة أو بالكثير من البلدان الأخرى، لوجدتم أنّ الفوارق الطبقية هنا أقلّ، وإمكانيات الطبقة الضعيفة أكثر، وشمولية التعليم والتربية والصحة والأمور الأخرى تفوق الكثير من الدول الأخرى بكل تأكيد.

كتبتُ هنا أرقاماً لا بأس بذكرها. ومصدر هذه الأرقام ومُقدُّمها هو البنك الدولي، لا البنك الداخلي. حيث تكشف أن المعامل الجيني هنا قبل الثورة كان يفوق الخمسين. المعامل الجيني هو المقياس الذي يدلّ على الفجوة الطبقية والمسافة الفاصلة بين الفقير والغني في البلدان، وكلما كان عدد هذا المعامل أعلى، كانت الفجوة الطبيقة أكثر، وكلما كان أقل، كانت الفجوة الطبقية أقل. قبل الثورة كان المعامل الجيني في البلد أعلى من 50، ووصل في عام 2015 إلى 38. وهذا يعني أننا استطعنا أن نحدّ من الفوارق الطبقية بهذا المقدار - ما بين 50 و38 -.

وهناك أرقام أخرى - وهي أيضاً صادرة عن البنك الدولي وتدخل ضمن الأرقام العالمية - تكشف عن أنّ 46 بالمئة من الشعب الإيراني قبل الثورة كان يعيش في فقر مطلق، أي إنّ نصف الشعب قبل الثورة كان يدخل ضمن الشرائح التي تعيش في فقر مطلق، وقد وصلت اليوم هذه النسبة إلى 5/9 - طبعاً في سنة 2014، ولا توجد لديّ أرقام ما بعد ذلك - هذا هو مقدار ما أُنجز من أعمال.

قامت الجمهورية الإسلامية، رغم كل الضغوط التي واجهتها، بإنجازات كبرى في سبيل تحقيق العدالة، وحققت حالات جيدة من التقدم. علماً بأن الإعلام يعكس شيئاً آخر. بيد أن تلك العدالة التي نترقّبها ونسعى ورائها تفوق ذلك. إذن فشعار العدالة أيضاً شعار حقيقي وشعار مستمر ومستقر في البلد والحمد لله.

و(كذلك) قضية الدين وتحقق الشريعة بفضل وجود مجلس صيانة الدستور، التي تناوئه كل القوى المستكبرة، لأنه يقوم بتأمين انطباق القوانين والأداءات على الشرع المقدس.. هذا ما يخص الشعارات. ومن هنا يمكنني القول بإيجاز أن العمل في مجال شعارات الثورة الرئيسية على مدى السنوات الأربعين، عملٌ مقبولٌ وجيد.

وأما حول أداء المسؤولين في البلد وسجلّهم في العمل التنفيذي. فالأداء في شأن الأمن والاستقرار أداء جيد جداً، وفي باب العلم والتقنية أداء مطلوب للغاية، وفي مجال البنى التحتية للبلد - بما فيها الطرق والسدود ومحطات الطاقة والموانئ وأمثالها - أداء جيد جداً، وفي موضوع الصادرات غير النفطية، وفي قضية إجمالي الناتج القومي السنوي، الذي تضاعف إلى ضعفين تقريباً نسبة إلى ما قبل الثورة، السجلّ في هذه المجالات سجلّ مطلوب، وكذلك في مسألة التنمية الاجتماعية. فالأرقام في الأداءات وفي مختلف القطاعات أرقام تبعث على البهجة والسرور. علماً بأن الإعلام يشير إلى غير ذلك، حيث يحاول الأعداء في الإعلام إقصاء الناس عن الحقائق الإيجابية، من أجل أن يدسّوا في قلوبهم الكره تجاه الثورة الإسلامية وتجاه النظام وتجاه الإسلام، ولكن الحقيقة هي التي ذكرناها.

النقطة الأخرى حول الإمكانيات والطاقات التي لم يتم استثمارها، وهي الأخرى نقطة بالغة الأهمية. وأريد القول بأن ما ترونه من حالات التقدّم والإمكانيات والقدرات العامة والوطنية، إنما هو استثمار لجانب من طاقات البلد، وهي تفوق ذلك. فلو استطعنا عبر التخطيط والبرمجة الصائبة استثمار طاقات البلد برمتها، لكان تقدّم البلد ونموّه أكثر مما هو اليوم عليه بكثير. وأما الطاقات المتوافرة:

فإحداها طاقة شبابنا المتعلّمين، وهي غاية في الأهمية. حيث يوجد لدينا في البلد عشرة ملايين خريج جامعي، وأكثر من أربعة ملايين طالب جامعي يمارس دراساته، أي 23 ضعفاً عن بداية الثورة. فقد كان لنا في بداية الثورة 170 أو 180 ألف طالب، واليوم لدينا أكثر من أربعة ملايين طالب، وهذا يعني أن عدد الطلاب المتوافرين اليوم قد تضاعف 23 ضعفاً، وهذه طاقة ذات أهمية كبيرة للبلد. وماعدا الشباب الجامعيين، هنالك شباب يطلبون العلم في الحوزات العلمية أو شباب يمارسون مهامهم في الساحات العملية وأعدادهم كثيرة جداً.. هؤلاء يحملون قدرات كبيرة وبوسعهم أن يلعبوا دوراً في مجال العلم والصناعة والأمور التجريبية والتربية. ولكننا لم نستثمرهم بشكل صحيح، ومما يؤسف له أننا اليوم أيضاً لا نستثمرهم بشكل صائب. وهذا هو السبب من إصراري على أن يبادر الشباب بأنفسهم، أينما بلغت أيديهم، إلى العمل والإقدام والتأسيس والإبداع. ولابد من وضع برمجة شاملة في البلد لاستثمار هذه المجموعة الشبابية المتوافرة في بلدنا. و«حرية إطلاق النار» التي ذكرناها لا تختص بالأعمال الثقافية، وإنما يستطيع الشباب أن يمارسوا دورهم في كافة المجالات المؤثرة في تقدّم البلد.. هذه هي واحدة من إمكانياتنا.

ومن الإمكانيات والطاقات الهامة هي الموجة السكّانية التي يعارضها البعض، إذ يقول: «لماذا يجب أن تصل نفوس البلد إلى هذا العدد ولماذا لابد أن تزداد؟» وهذا خطأ. فأن تبلغ نفوس بلدٍ ثمانين مليون نسمة، يعتبر سمعة لذلك البلد، ولهذا البلد من النفوس ثمانين مليون نسمة. وهذه سياسة غربية - وسأشير لاحقاً إلى ذلك -، وهي سياسة تحديد النسل التي أخذت اليوم بتلابيبهم وراحت تجرّهم إلى البؤس والتعاسة، فإنهم لا يريدون للبلدان الإسلامية أن تتمتع بنفوس كثيرة وشباب ناشطين وأناس أكفاء. والسبب من إصراري على ضرورة تكثير النسل، وإنجاب العوائل مزيداً من الأولاد، هو أنّ مستقبل البلد يحتاج إلى نفس هؤلاء الشباب. والشابّ والطاقة الإنسانية ليست بالشيء الذي يمكن استيراده من الخارج، وإنما يجب تأمينه في داخل البلد.. هذه الموجة السكانية تعدّ واحدة من الإمكانيات.

ومن الفرص المتاحة في هذا البلد هي سِعة أراضيه وجواره للمياه الدولية الحرة، وهي فرص لم نغتنمها بشكل تام. ذلك أننا مشرفون على واحدة من ضفتي الخليج الفارسي، وعلى جزء كبير من بحر عمان. هذا بالإضافة إلى دول الجوار المتعددة، فإننا نقع بجوار خمسة عشرة دولة، وهي تمثل إمكانية وطاقة كبيرة الأهمية للبلد. ثم إن بلدنا يمتاز بموقع حساس من الناحية الجغرافية، حيث يعدّ نقطةً للاتصال بين الشرق والغرب وبين الشمال والجنوب، وهذا مهم من الناحية الجغرافية.

تتوافر في بلدنا موارد طبيعية قيّمة، تُباع اليوم إلى الخارج من دون قيمة مضافة، ومنها النفط والغاز. ولقد ذكرتُ في العام الماضي وفي نفس هذا الاجتماع(2)، بأننا نتبوّأ المرتبة الأولى في العالم من حيث امتلاكنا لاحتياطي النفط والغاز معاً؛ أي ما من بلد يمتلك من مجموع النفط والغاز بمقدار ما تمتلكه إيراننا العزيزة؛ ذلك أننا الأول في الغاز والرابع في النفط، والأول على جميع العالم في مجموع النفط والغاز. وهذه طاقة وإمكانية بالغة الأهمية. والسبب من وراء غاية العدوّ في أن يفرض سيطرته وانتدابه على هذا البلد مهما كلّف الثمن، يعود إلى هذه الثروات. فالنفط والغاز يمثلان إحدى موارد البلد القيمة، (بالإضافة إلى) المعادن الكثيرة والثمينة، والمراعي والغابات والإمكانيات الهائلة الأخرى. فلو تم استثمار هذه الطاقات، لوصلت إيران في الجانب الاقتصادي بين أكثر من مئتي دولة في العالم إلى الدول الاثناعشر الأوائل. ولو أمكن، عبر إبداع الشباب وتواجدهم وحضور المدراء الناشطين والدؤوبين، توظيف هذه الإمكانيات إن شاء الله، لدخل البلد من الناحية الاقتصادية في عداد البلدان الاثني عشر الأوائل اقتصادياً، ولتقدّم من جميع الجهات، وهو اليوم بالطبع لم يبلغ هذا المستوى.

ولكن لماذا لم نستثمر هذه الطاقات؟ السبب في ذلك هو وجود الموانع والعقبات، وسأحصي عدداً من هذه العقبات.

واحدة من العقبات هي عدم إيمان البعض من مسؤولينا بهذه الطاقات؛ إما لا يؤمنون بها أو لا يعيرونها أهمية. فإنّ وجود هذا الكمّ الهائل من الشباب في البلد يشكّل طاقة مهمة، بيد أن بعض مسؤولينا على مرّ الأزمنة لا يعيرونها أهمية، والبعض الآخر لا يؤمنون بها، ولم يقبلوا ولم يقتنعوا بأن هؤلاء الشباب قادرون على إنجاز المهام. ففي ذلك اليوم الذي انطلقت فيه الصناعة النووية في البلد وبلغت تلك الذروة التي يعلم بها الجميع، كان البعض - من علمائنا حتى ومن أجيالنا القديمة - يقول لنا: «لا تفعلوا ذلك.. لا توجد ثمرة في ذلك.. لا يمكن.. لا تستطيعون..»، ووجّه البعض رسالة إليّ قائلا: لا تستطيعون. لماذا؟ لأن القائمين على الأعمال كانوا جميعاً من الشباب تقريباً، وكانت أعمار أغلبهم لا تتجاوز الثلاثين، وهؤلاء استطاعوا. حتى أنّ نفس أولئك المنكرين أقرّوا فيما بعد بأن هؤلاء حقاً تمكّنوا من النهوض بهذا العمل. والشباب اليوم في الأغلب هم الذين يمارسون مهامهم ويبذلون جهودهم في الصناعات المختلفة والمتنوعة، وفي تقنية النانو، وفي الصناعات الفائقة - وعلى حد تعبير التغريبيين «هاي تيك» - في البلد، وبوسعهم ذلك. فإن شبابنا قادرون على إنجاز الكثير من الأعمال الكبرى. غير أن البعض من مسؤولينا على مرّ الزمان، لم يصدّقوا بهذه الإمكانية أو لم يهتموا بها.

باعتقادي أهم ما يواجهه البلد من تحدٍّ هو التحدّي الذهني، يعني أنّ الرأي العام لا يعلم كم يمتلك البلد من ثروة، ومما يؤسف له أن بعض مسؤولينا أيضاً لا يعرفون كم يمتلك هذا البلد من ثروة إنسانية وطبيعية، والعدوّ بات يستغلّ نفس هذا المنفذ. فالعدوّ يريد القول بأنكم لا تستطيعون أو لا تمتلكون، وأنا أصرّ على أن أقول للناس بأننا قادرون وأننا أصحاب ثروة وأن إمكانياتنا كبيرة. فعلى مسؤولينا أن يؤمنوا بقوة الشباب وقدراتهم وأن يعيروها أهمية، وعلى الشباب كذلك ألّا يملّوا من العمل، وألّا يسأموا من الإبداع، وألّا يقنطوا من بعض حالات نكران الجميل. فالبعض من الشباب يشتكي لنا قائلا: «نحن أنجزنا هذا العمل، أو كنا قادرين، أو قادرون (اليوم على إنجازه)، ولكن لا يعبأ بنا (أحد)»، صحيح ولكن لا ينبغي أن يصابوا بالإحباط، بل عليهم أن يتابعوا العمل والإبداع. فللمسؤول وظيفته وللشابّ وظيفته كذلك.. هذه هي واحدة من العقبات.

والعقبة الأخرى هي التقاعس عن العمل. فإن بعض المسؤولين على مختلف القطاعات كانوا ومازالوا يعانون من التكاسل والتقاعس للأسف، بينما يقتضي وضع البلد العمل الدؤوب والسعي الحثيث، فعلى المسؤولين والمدراء أينما كانوا أن يضاعفوا من جهودهم ومساعيهم.

ومن العقبات التي حالت دون استثمارنا لهذه الطاقات هي الثقة بوصفة الأجانب. سبق وأن ذكرتُ بأن شعبنا لم يعد منفعلاً أمام الأجانب. إلا أن بعض مسؤولينا هنا وهناك يثقون بوصفة الأجانب أكثر من الوصفة الداخلية! وهذا خطأ كبير. ولكم أن تنظروا إلى نفس هذه السياسة السكانية (القائلة) «ولد أقلّ، حياة أمثل»، وهي سياسة أوروبية غربية، عملوا هم بها وتورّطوا اليوم، حتى راحوا يمنحون المنح للعوائل التي تُنجب، تفادياً للتخلّف ولكن دون جدوى. فحظيت هذه السياسة وهذه الوصفة الغربية بقبول (البعض). ولقد أكّدنا قبل عدة أعوام وقلنا في الخطابات وفي الاجتماعات الخاصة مع المسؤولين بأن عليكم إزالة الموانع أمام الإنجاب، وقَبِل المسؤولون أيضاً، وصدّقوا بكلامنا، ولكن توجد في المديريات المتوسطة موانع للأسف، فلم يطبّقوا هذه الوصفة الإسلامية (القائلة) «تَنَاکَحوا تَناسَلوا تَکثُروا فَإِنّي أُباهي بِکُمُ الأُمَمَ یَومَ القِیامَة»(3)، بينما أخذوا يطبّقون الوصفة الغربية! وهذه هي إحدى عقبات تقدّمنا.

والأخرى هي (تطبيق) سياسات البنك الدولي، وسياسة التعديل، والسياسات المتعلقة ببعض المعاهدات والاتفاقيات الدولية. فإن العمل بهذه السياسات، يشكّل عقبةً تصدّ البلد عن التقدّم.

وعدم الاهتمام بتدفّق الاقتصاد من الداخل. فإنّ واحدة من سياسات الاقتصاد المقاوم وسماته هي التدفّق الذاتي، وهو يعني أن تتم إنتاج الثروة عبر النشاط الداخلي في البلد، وألّا يكون النظر إلى الخارج، وألّا نسمّر أعيننا إلى الخارج.

على مرّ الأعوام الماضية، وفي مختلف الحكومات، أرادوا الاقتراض من البنك الدولي أو من صندوق النقد الدولي، ولكني منعتهم ووقفت أمام ذلك، بعد أن كانوا قد أعدّوا التمهيدات للقيام بهذا الأمر. إنه لخطأ كبير أن نستقرض من الأجانب وأن نتعهّد لهم. فلابد أن ينبثق الاقتصاد من الداخل، علماً بأن هذا لا يعني إغلاق أبواب البلد.. كلا، فقد قلنا: «ذاتيّ التدفق خارجي التطلّع»، وسأبيّن هذا لاحقاً في توضيح «دعم البضاعة الإيرانية». إذن فواحدة من العقبات هي عدم الاهتمام بسياسة تدفّق الاقتصاد في البلد من الداخل.

ومن العقبات التي تحول دون تقدمنا هي التحزّبات السياسية أو الفئوية، (يعني) «لو أنجزت أنت هذا العمل فهو جيد، ولو أنجزه التيار المقابل لك فهي سيء»، هذا هو إشكال عملنا، حيث نعاني من الفئويات والتحزّبات السياسية، وهو ما يجب علينا نبذه. حتى لو أنجز عدوّك عملاً جيداً، وكانت الإدارة بيدك والقرار بيدك، عليك أن تروّج لذلك العمل الجيد وتتابعه. (وأما أن تقول:) «بما أن فلاناً أنجزه نحن لا ننجزه، وبما أن التيار المقابل أنجزه نحن لا ننجزه» فهذا خطأ وباطل.. هذه هي واحدة من مشاكلنا.

ومن مشاكلنا عدم مكافحة الفساد بصورة جادة. وأقولها هنا بأن قضية الفساد اليوم في البلد، أي شهرة الفساد والمفسد في البلد، تبدّلت إلى قضية شائعة للغاية.. كلا، ليس الأمر كذلك. علماً بأنّ الفساد قليله أيضاً سيء ومضر. وأما ما يُشيعه البعض من أنّ الفساد قد استشرى في كل مكان.. كلا، ليس الأمر على هذا النحو أبداً. فالأناس الذين يتسمون بالصلاح والإيمان والصدق والنزاهة في منظومة مديريات البلد ليسوا بالقلائل، وإنما هم كُثُر، بل يشكّلون الأكثرية، ويوجد بالطبع عددٌ من الفاسدين أيضاً. ولكن يجب مكافحة هؤلاء الفاسدين بصورة جادة ومستمرة، وأما أن نقول شيئاً وينطلق ضجيج وصخب ثم يخمد بعد فترة، فهذا ليس بالعمل الذي سيكون نافعاً للبلد في نهاية المطاف. إذن فواحدة من المشاكل هي عدم مكافحة الفساد بصورة جادة.

أعزائي! واحدة من مشاكلنا هي اتّكال البلد على النفط. فالنفط هذا نعمة أنعمها الله علينا، ومن أكبر البليّات الحالّة ببلدنا هو أن يتّكل اقتصادنا على النفط. فلابد لنا من بذل الجهد والسعي لأن نفصل النفط عن اقتصاد البلد، وأن نملكه لا أن يملكنا. وأما إذا ملكنا فإن سعر النفط يُحدَّد بواسطة قوى أخرى؛ تارة يُقاطعون، وتارة يشترون، وأخرى يقولون لا ينبغي الشراء من فلان ومن هذا البلد.. هذه مشاكل موجودة. فلابد أن ننقذ أنفسنا من الاقتصاد المبنيّ على النفط، وهو بالطبع عملٌ في منتهى الصعوبة، ولكن لابد بالتالي من إنجازه في البلد بكل تأكيد.

ومن العقبات الهامة هي العيوب الأساسية في نمط حياتنا، وهذا لا صلة له بالمسؤولين، وإنما يتعلق بنا وبكم أنتم أبناء الشعب. نحن نعاني من مشاكل في نمط الحياة: فمن مشاكلنا الاستهلاكية، ومن مشاكلنا الإسراف والإكثار والبذخ، ومن مشاكلنا النزوع إلى الرفاهية المفرطة، ومن مشاكلنا النزعة الأرستقراطية. وهي نزعة للأسف تتسرّب من الطبقات العليا إلى الطبقات السفلى، فالإنسان المتوسط من الطبقات المتوسطة، إذا ما أراد أن يقيم وليمة أو حفلة عرس، يقيمها كالأشراف والأعيان، وهذا عيب وخطأ، ويوجّه ضربة للبلد. فإن الإكثار في الاستهلاك والإكثار في الطلب والإكثار في الأكل والإكثار في الإنفاق تعدّ من عيوبنا الهامة في نمط حياتنا.

يجب علينا أن نتعصّب لاقتصادنا الوطني، فقد أضحى استهلاك السلعة الأجنبية واحداً من عيوبنا الهامة، ولابد لنا أن نتعصّب لاستهلاكنا الداخلي ولبضاعتنا المحلية ولاقتصادنا الوطني. إن شبابنا يتعصّبون للفريق الفلاني في كرة القدم؛ أحدهم يهوى الفريق الأحمر، والآخر يهوى الفريق الأزرق، وذلك بتعصّب وتحيّز، حتى (أن البعض يتحيّز) للفرق الأجنبية أيضاً، فواحد يهوى فريق ريـال (مدريد)، وواحد يهوى فريقاً (آخر). هؤلاء يتعصّبون للفرق، ولو كانوا يحملون نفس هذا التعصّب تجاه الاقتصاد الوطني والإنتاج المحلي، لتم إصلاح الكثير من قضايانا.. هذه بدورها إحدى العقبات الأخرى.

ولنتحدث الآن عن شعار العام، وموضوعه «دعم البضاعة الإيرانية».. هذا هو شعار هذه السنة. أولاً يقول البعض: «لا جدوى من تحديد شعار السنة، إذ لا يوجد من ينفّذ، فلِمَ تحدّدون شعار السنة اعتباطاً؟». أنا لا أوافق على هذا الكلام. فإن شعار السنة يُطرح لمنظورين: الأول توجيه السياسات التنفيذية وأداء المسؤولين في الدولة والحكومة، والآخر إرشاد الرأي العام لأن يعرفوا ما هي القضية الهامة اليوم للبلد، والبضاعة الإيرانية هي القضية الهامة للبلد في هذا اليوم. علماً بأن رجال الحكومة عبر السنوات المختلفة قد لا يقبل بعضهم بهذه الشعارات التي نحدّدها لكل عام، بيد أن أولئك الذين يقبلونها، يبذلون الجهود والمساعي ويعملون بقدر استطاعتهم. ولو تم بالطبع إنجاز العمل بصورة أمثل وأكثر شمولية لتحققت المزيد من النتائج. إذن فالشعارات ليست عديمة الجدوى وإنما هي نافعة ومفيدة.

الخطاب في شعار هذا العام موجَّه للمسؤولين وموجَّه للناس أيضاً. وهو شعار (دعم) البضاعة الإيرانية. والبضاعة الإيرانية تعني الحصيلة النهائية للعمل والرأسمال والنشاط الاقتصادي والذهن والإبداع وكل شيء. فالمستثمر برأسماله، والعامل بعمله، والمصمّم بذهنه وعلمه.. هؤلاء كلهم يبذلون الجهد والحصيلة هي البضاعة الإيرانية. ومن هنا فهي شيء عظيم بالغ الأهمية، يجب دعمه. وفي دعم البضاعة الإيرانية - التي هي حصيلة جهود الناشطين الاقتصاديين والناشطين من الشريحة العمّالية والمستثمرين والمخططين والمصممين وأمثالهم - للناس دورهم بصفتهم منتجين للبضاعة الإيرانية، ولهم دورهم بصفتهم مستهلكين للبضاعة الإيرانية. إذ يجب عليهم أن ينتجوا، ويجب عليهم أن يستهلكوا، ويجب عليهم أن يبذلوا الجهود في الإنتاج - وسأشير إلى الأعمال التي ينبغي إنجازها -، ويجب عليهم في الاستهلاك أن يراقبوا أنفسهم لئلا يستهلكوا إلا البضائع الإيرانية. وهذا ما يضع جملة من الواجبات على عاتق الناس وعاتق المسؤولين أيضاً؛ ذلك أن الخطاب في هذا الشعار موجَّه للناس وللمسؤولين كذلك.

ولكن كيف ندعم؟ يتم الدعم هذا أولاً من خلال ازدياد الإنتاج، وهو من واجبات المسؤولين الحكوميين حيث يجب عليهم التخطيط لذلك، ومن واجبات الناس أيضاً ليتم ازدياد الإنتاج المحلي.

(وثانياً) تحسين الإنتاج المحلي نوعياً. فقد ورد عن النبي الأكرم أنه قال: «رَحِمَ اللهُ امرءً عَمِلَ عَمَلاً فَأَتقَنَه»(4). فليتم إنتاج العمل بإتقان وبداعة وجودة، ليرتفع مستوى العمل من الناحية النوعية.

ومن حالات الدعم الانطباق على متطلبات وسلائق ومزايا العصر.. هذا دعم أيضاً. فلا ينبغي لكم ألّا تنظروا إلى ما يريده الناس. فإنّ إنتاج السلعة الإيرانية يعني ضرورة إنتاج ما يتطابق وأذواق الناس ورغباتهم، مع الظرافة اللازمة.

ومن أنواع دعم البضاعة الإيرانية هي التسويق في خارج البلد والتصدير أيضاً. ذلك أننا نقع بجوار خمسة عشرة دولة - ما عدا الدول النائية الأخرى التي يمكنها استهلاك البضاعة الإيرانية، توجد بجوارنا خمسة عشرة دولة - فلنستثمر هذه الجيرة، ولنصدّر البضاعة الإيرانية. والتسويق هذا يقع على عاتق وزارة الخارجية، ووزارة التجارة، والناشطين الاقتصاديين الشعبيين أيضاً.

وضعوا بين يديّ أرقاماً - لا أتذكّرها بالضبط لأني لم أدوّنها ولكنها أرقام كبيرة الأهمية - تكشف عن أننا لو استطعنا أن نؤمِّن عشرين بالمئة من إنتاجات دول الجوار فقط، أي أن نتعهّد بعشرين بالمئة من مجموع مستهلكاتهم، لتوفّر كذا عدد من فرص العمل - وهو عدد كبير جداً ولكني لا أتذكره بالضبط ولا أستطيع الإشارة إليه - وهذا ما يترك تأثيراً كبيراً في توفير فرص العمل في البلد وإيجاد الثروة الوطنية.. هذه نقطة أخرى.

وبالتالي إنهاء العمل بسعر رخيص وجعله قابلاً للمنافسة. فإن من الأعمال الهامة جداً في البلد هي أن نتمكن من منافسة السلع الأجنبية في منتوجاتنا المحلية، ومن إنتاجها بسعر أرخص من البضائع الأجنبية ما أمكن، وهذا ما يحتاج بالطبع إلى تمهيدات، يقع بعضها على عاتق الحكومة والبعض الآخر على عاتقنا أنفسنا.

ولهذا الدعم أيضاً إلزامات إن لم يتم الالتزام بها لا يتحقق الدعم. منها قيام الحكومة بتنظيم الاستيراد على نحو جادّ. فعلى رجال الحكومة أن يسيطروا على الاستيراد بصورة جادة. ولا ينبغي من الخارج بالتأكيد استيراد السلع التي يتم إنتاجها أو يمكن إنتاجها في الداخل.

يراجعني الكثير ويشتكون إليّ قائلين بأننا أنشأنا هذا المعمل، وأنتجنا هذا المنتوج، ولكن بمجرّد أن أردنا إنزال هذا المنتوج إلى السوق، فجأة نرى أبواب الجمرك قد تفتّحت، وبدأت تدخل من الخارج ما يشابه هذه السلعة! وهذا ما يتسبب في أن تفشل الكثير من معاملنا، ويصاب البعض منها بالإفلاس، وتنزل بهم المشاكل. فعلى الحكومة أن تهتم بقضية الاستيراد وتسيطر عليه بكل تأكيد.

أحياناً ما يستوردون أموراً، فننبّه المسؤولين (قائلين) لماذا تم استيرادها؟ يقولون في الجواب بأننا لم نستوردها، وإنما استوردها القطاع الخاص. والجواب هذا ليس كافياً، فلابد أن يتم الإشراف على القطاع الخاص، وأن تتولى الحكومة إدارته، وأن تسيطر على أنه ما هي الأمور التي تُستورد وبأي ميزان، وما هي الأمور التي لا تُستورَد.. هذه واحدة من المهام التي يجب إنجازها بالتأكيد.

ومن الإلزامات مكافحة التهريب بصورة جادة، ومما يؤسف له أن هذه المكافحة الجادة لم تحقق بشكل صحيح في مختلف السنوات، ولابد من تحققها. ولقد سمعت بالطبع مؤخراً بأن وزارة الاقتصاد قد وضعت في الجمرك نظاماً مؤثراً ونافعاً للغاية - كما نقلوا - للوقوف أمام التهريب، وهو جيّد جداً، فليتابعوا هذا العمل.. لابد من تحقق هذا الأمر، ولابد من الوقوف أمام التهريب. وعلى الناس أن يتقيّدوا، إذا عرفوا بأن هذه السلعة مهرّبة، بألّا يستخدموها لئلا تبقى منفعة للمهرّب بمواصلة هذا العمل.

الإحصائيات التي قدّمها خبراؤنا الشباب حول التأثير الهدّام للاستيراد على الإنتاج في البلد، إحصائيات كبيرة الأهمية. هنالك خبراء شباب يعملون في هذه المجالات ويُدركون بشكل جيد جداً، قدّموا لي إحصائيات تكشف عن أن هذا المقدار من الاستيراد يقضي على هذا المقدار من فرص العمل! وإذا بنا نئنّ من بطالة الشباب، والبضائع المستوردة تدخل هكذا كالسيل إلى البلد اعتباطاً. إذن فواحدة من أنواع الدعم هي مكافحة التهريب والاستيراد المفرط في الداخل.

ومن أنواع الدعم (الأخرى) استثمار الناشطين الاقتصاديين في أمر الإنتاج. فلا ينبغي للناشطين الاقتصاديين أن يفتّشوا عن الأعمال المربحة أكثر، وإن أرادوا أن يستثمروا فليستثمروا في أمر الإنتاج. ولو أخلصوا نيّتهم لله وللبلد، يصبح هذا الاستثمار عبادة. فالاستثمار مربح، ولكن لأنه جاء في سبيل تقدم البلد ومساعدة الناس، يغدو عبادة.

هذه نقاط لها صلتها بدعم البضاعة الإيرانية، وهذه هي توصيتي: فتّشوا - كما ذكرتُ - عن البضاعة الإيرانية بتعصّب. على البائع أن يبيع البضاعة الإيرانية، وعلى المشتري أن يشتري البضاعة الإيرانية، وعلى المسؤولين أن يساعدوا ويدعموا الإنتاج الإيراني، وأن يقفوا أمام الاستيراد والتهريب.

ولأتحدث قليلاً بشأن قضايا المنطقة وخبث الأمريكيين، وهي مسألة ضرورية، ومن قضايا العصر. الجمهورية الإسلامية في العام المنصرم رفعت راية عزة الشعب الإيراني واقتداره في المنطقة.. الجمهورية الإسلامية لعبت دوراً هاماً في قصم ظهر التكفيريين في المنطقة.. الجمهورية الإسلامية استطاعت أن تدفع شرّ التكفيريين عن الناس وتحقق الأمن في جزء كبير من المنطقة.. هذه إنجازات قامت بها الجمهورية الإسلامية، وهي إنجازات كبيرة وليست صغيرة. وإذا بالفضوليين الدوليين، الذين يريدون التدخّل في جميع الشؤون الداخلية لمختلف بلدان العالم، يعترضون على الإيرانيين بأنهم لماذا يشاركون ويتدخلون في قضايا العراق وفي قضايا سوريا ونحوهما؟ ولكن ما شأنكم بذلك؟! لقد استطاعت الجمهورية الإسلامية إجهاض خطة أمريكا في المنطقة، ولكن ما هي خطة أمريكا؟ خطة أمريكا قائمة على تأسيس جماعات شرّيرة ظالمة متهتّكة من أمثال داعش لصرف أذهان الشعوب عن الكيان الصهيوني الغاصب، وإشغالهم بقضاياهم الداخلية وبالحروب الداخلية وبالمشاكل الداخلية، لئلا تتوافر لهم فرصة التفكير بالكيان الصهيوني.. هذه هي خطة أمريكا من تأسيس داعش، ونحن بتوفيق الله وإذنه استطعنا إحباط هذه الخطة.

إنهم يقولون: «نحن قد تدخّلنا في قمع داعش»، ولكنهم يكذبون! سياسة أمريكا مبنيّة على بقاء داعش ولكن في قبضتهم. علماً بأن داعش وأمثال داعش هي من الأمور التي يُعتبر تأسيسها سهل لأمريكا ولكن من الصعوبة إبقاؤها. إنهم يريدون أن تبقى لهم (هذه الجماعات) تحت تصرفهم وفي قبضتهم، ولا يدفعهم أي دافع للقضاء عليهم؛ ذلك أنهم لا يعبأون بأمن المنطقة، هذا بالإضافة إلى أنّ الأمريكيين غير قادرين على تحقيق الأمن في المنطقة، والدليل على ذلك أفغانستان. أربعة عشر عاماً والأمريكيون قد دخلوا أفغانستان.. أي حماقة ارتكبوها؟ هل استطاعوا تحقيق الأمن في أفغانستان؟ أبداً! لم يستطيعوا. علماً بأن البعض يقول: لم يستطيعوا، والبعض الآخر يقول: لم يريدوا.. أيّاً كان، فإن فيه دلالة على أنّ ادّعاء أمريكا وأمثال أمريكا - بريطانيا وغيرها - للتواجد في المنطقة، ادّعاء خاطئ وباطل.

إن حضورنا جاء بطلبٍ من الحكومات.. أينما ذهبنا فالسبب في ذلك يعود إلى طلب حكومات وشعوب المنطقة منا. لم نفرض رأياً، ولم نقل اِفعل ولا تفعل، ولم نتدخل في شؤون الدول، وإنما طلبوا المعونة فأعنّاهم، وليعلم الجميع بأن العون هذا قد أنجزناه بدوافع عقلائية ومنطقية، ولم يبادر أحد إلى مبادرة من منطلق الأحاسيس العاطفية.. كلا. نحن استطعنا والحمد لله ونجحنا، وسيجري هذا بعد اليوم أيضاً. نحن لم ننوِ التدخّل في البلدان. وبوسعي أن أقولها دونما شك بأن أمريكا لن تبلغ مقصودها في قضايا المنطقة، ونحن سوف نحقّق مقاصدنا إن شاء الله.

ولأستخلص هذا البحث يا أعزائي وألخّص ما ذكرته في بضعة نقاط وهي:

أولاً مشاكل البلد برمتها قابلة للحلّ، فلا توجد في بلدنا أي مشكلة لا يمكن حلّها، ولا توجد أي مشكلة مفتاح حلّها بيد الأجانب.. المشاكل قائمة، ولكنها بأسرها ممكنة الحلّ، ومفتاح حلّها أيضاً بيد نفس الشعب الإيراني والمسؤولين في البلد.

والنقطة الثانية هي أنّ الثورة تمضي قُدماً باقتدار ونشاط، ومضيّ أربعين عاماً على الثورة لا يعني بلوغها مرحلة الشيخوخة ولا يعني بلوغها مرحلة التراجع، وإنما تمرّ بمرحلة النضج والنشاط. الثورة في سنّ الأربعين مازالت تحث الخطى نحو الأمام والحمد لله باقتدار وبصيانة شعاراتها وبرفع راياتها الرئيسية.

والنقطة الثالثة هي أنّ شبابنا في جميع الساحات يمثلون الرصيد الذي يبعث الأمل للبلد، ولهم قيمة بالغة. فالشباب في الصناعات الفائقة هم الذين يمارسون نشاطهم، وفي شؤون الثقافة والفنّ هم الذين يزاولون عملهم، وفي الساحة العسكرية والقيادية هم الذين يؤدون أدوارهم، وفي المضمار الإداري أينما نزل الشباب إلى الساحة، مورست الإدارة بمزيد من النشاط والحيوية، وتوصيتنا هي استخدام الشباب أكثر والانتفاع بهم أكثر في المديريات المختلفة.

والنقطة التالية هي أن العدو كان متأملاً - وهذه نقطة هامة - في أن يشهد الجيل الثالث والرابع للثورة معرضاً عنها، بيد أن نزوع الجيل الثالث والرابع إلى الثورة والتزامهم بها وانشدادهم العميق والناضج إليها، إن لم يكن أكثر من الجيل الأول فهو لا يقل عنه. والعدوّ يسعى تهويل المشاكل وعرضها أكبر وأكثر مما هي عليه بكثير.

وفي المقابل أقول بأن جميع هذه المشاكل، بتوفيق الله وهديِهِ، يمكن حلّها ومعالجتها بيد شبابنا. والعدوّ يساوره قلق وغضب شديدين بسبب ازدهار جيلنا الشاب. وما رأيتموه من شدة مناهضة الأعداء - الأمريكيين والغربيين - لأجهزة الطرد المركزي عندنا، لا لكونها تقوم بتخصيب اليورانيوم وحسب، بل الأهم من ذلك لأن هذه الحركة العلمية تؤدي إلى إثراء ذهن شبابنا وإلى إعدادهم للنهوض بمهام أكبر، ولأنها تكشف عن قدرة الجمهورية الإسلامية في العمل على تنامي الجيل الشابّ في البلد.

وأقولها لكم بأن شبابنا الأعزاء سيعمّرون هذا البلد إن شاء الله أفضل مما كان يختلج في أذهان الجيل السابق وهو جيلنا، وسيتمكنون من رفع راية استقلال هذا البلد وعظمته ومجده أعلى مما كانت عليه حتى اليوم.

إلهنا! أسبغ على شبابنا لطفك ورحمتك وهدايتك وثبّت أقدامهم في صراط الحق المستقيم.

إلهنا! بمحمد وآل محمد اِجعل إيران الإسلام أكثر شموخاً يوماً بعد يوم واحشر الروح الطاهرة للإمام (الخميني) العظيم الذي فتح أمامنا هذا الطريق مع أرواح أوليائك.

إلهنا! اِجعل القلب المقدس لولي العصر راضياً عنا واستجب دعاء ذلك العظيم في حقنا.

إلهنا! وفقنا لأن نهتدي بالهداية المعنوية والغيبية لذلك الإمام العظيم واجعلنا من أنصاره وأعوانه وعجّل فرجه.

والسلام علیکم ورحمة ‌الله وبرکاته

 

الهوامش:

1 ـ كلمة قائد الثورة الإسلامية المعظم في لقائه أهالي محافظة أذربيجان الشرقية بتاريخ 18/02/2018 م.

2 ـ كلمة سماحته في حشود زوار مرقد الإمام الرضا (ع) وأهالي مدينة مشهد المقدسة بتاريخ 21/03/2017 م.

3 ـ جامع الأخبار، ص 101.

4- شواهد التنزيل، ج 1، ص 5.