موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي

کلمة قائد الثورة الإسلامية المعظم سماحة آية الله الخامنئي لدى لقائه المشاركين في الدورة الخامسة والثلاثين للمسابقات الدولية للقرآن الكريم

 

بسم الله الرحمن الرحیم

والحمد لله‌ رب العالمین، والصلاة والسلام على سیدنا ونبینا أبي القاسم المصطفى محمد، وعلی آله الطیبین الطاهرین المعصومین، وعلی صحبه المنتجبین، ومن تبعهم بإحسان إلی یوم الدین.

 

لقد سُعدنا كثيراً، ونشكر الله سبحانه وتعالى على ما وفّقنا به من عقد هذه الجلسة العظيمة والعميقة والمفيدة لسنة أخرى ولمرة أخرى.

نشكر إخواننا في الأوقاف وكلّ من واكب منظمة الأوقاف في إقامة هذه الجلسة، ونرحّب بالضيوف الذين شاركوا وساهموا في هذا الحدث القرآني وفي هذا الملتقى القرآني وفي هذا الحفل القرآني في الواقع. سائلين الله أن يمنحكم جميعاً الأجر والثواب.

إن قضية القرآن لهي غاية في الأهمية، وهي القضية الخالدة للعالم الإسلامي وللأمة الإسلامية. يجب علينا أن نتمسك بالقرآن. فلو أعرضت الأمة الإسلامية عن الانتهال من القرآن - كما حصل هذا للأسف في حقبٍ كثيرة من تأريخنا - ستتلقى الضربات والصفعات، وهذا ما تحقق بالفعل.

نحن اليوم بحاجة إلى القرآن، والطريق الصائب في حياة المجتمعات الإسلامية والأمة الإسلامية يتمثل في العمل بالقرآن. لقد ورد في الحديث: «إن هذا القرآن حبل الله»، وما نقرأه في كتاب الله: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ يُراد بحبل الله هذا هو القرآن نفسه، «وهو النور المبین».. ما هي ميزة النور؟ النور يضيء الأجواء ويدلّ الإنسان على الطريق، وبالتالي يحصل الإنسان على قوة الباصرة ويكتسب البصيرة. ولولا النور لما بقيت للعين ثمرة وفائدة، لأنها لا ترى شيئاً. نحن نتمتع بالعقل وبالقدرات المختلفة وبقوة الفكر، ولكن لولا النور لما تأتى لهذه الأمور أن تُسعِفنا، فلابد من وجود النور، وهذا النور هو القرآن. «والشفاء النافع».. نحن نعاني من أمراض، فانظروا إلى تخلّف البلدان الإسلامية، ولاحظوا هيمنة الكفار على الكثير من الدول الإسلامية! فما عمد إليه الرئيس الأمريكي إذ وقف قائلاً وبكل صلافة: لولانا لما استطاعت بعض الدول العربية أن تحافظ على نفسها لمدة أسبوع، إنما هو إذلال للشعوب المسلمة، والسبب في ذلك يعود إلى أنّ هذا مرضٌ، ومرض الذلّ هذا لا يعدوه ولا يبلغ دناءته مرض. والذلّ هذا ناتج عن عدم التمسّك بالقرآن، وناجم عن أننا افتقدنا هذا الشفاء وهذا العلاج. «عصمة لمن تمسّك به ونجاة لمن تبعه».. هذه هي حقيقة القرآن.

نحن اليوم بحاجة إلى القرآن، سواء في حياتنا الفردية، أو في حياتنا الاجتماعية، أو في سياستنا، أو في سلوكياتنا الحكومية. فالقرآن يُلهمنا الدروس، كالآيات التي تُليَت اليوم هنا: ﴿وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾، هذه هي خصائص المؤمن، والقرآن يوصينا أن نتصف بهذه الصفات. وأولها ﴿أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ﴾.. الشدة أمام الكفار، والوقوف في وجههم كالسدّ المنيع لا كالساتر الترابي الناعم الذي يمكن التغلغل من خلاله.

يجب على المسلمين أن يقفوا في وجه الاستكبار.. يجب على المسلمين أن يقفوا أمام غطرسة أمريكا وبقية جبابرة العالم. ولو أعرضوا عن مراعاة ذلك ولم يلتفتوا إلى هذه الثغور، لأصابهم الذلّ والفساد والتخلّف، وهذا ما تحقق اليوم وللأسف.

يقول في الآيات الأخيرة من سورة الأنفال المباركة، حين يدور الحديث عن ولاية المؤمنين فيما بينهم: ﴿أُولَٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾، هذا فيما يخص المؤمنين، ويقول في الآية التالية حول الكافرين: ﴿بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾. إذن فالمؤمنون أولياء بعضهم الآخر وتربطهم آصرة ولائية، والكافرون كذلك تربطهم علاقة ولائية. وهذا تكليف بلغة الإخبار ولكنه إنشاء في الواقع، ومعناه أنّ على المؤمن أن يكون ولياً للمؤمن في أي بقعة من بقاع العالم الإسلامي كان.. هذه هي الوحدة التي نتحدث عنها.

وفي المقابل لا ينبغي أن يرتبط بالجبهة المعادية وبالكفار وأن يتولّى أحداً منهم. فإن ولاية الكفار تسوق المسلمين إلى التعاسة، (نظير) هذه الولاية التي تشهدونها اليوم، حيث أخذت بعض البلدان تتغازل مع الكيان الصهيوني وتتبادل معه كلمات الحب والوداد وتُقيم معه مختلف العلاقات السياسية والاقتصادية وغيرها.

ثم يقول: ﴿إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ﴾، إن لم تتحقق هذه الولاية بين المؤمنين ولم تنقطع الولاية بين المؤمنين والكافرين، تندلع في الأرض فتنة ويستشري فيها فساد كبير، وهذا ما حدث اليوم.

إنّ منطقتنا الإسلامية اليوم تعاني من صراعات وحروب أهلية وإراقة للدماء وضغوط كبيرة. والحكومات الغبية والمتخلفة لبعض الدول تشنّ الحروب وتقترف الجرائم ضدّ دول أخرى. فانظروا أيّ مصيبة يقاسي منها شعب اليمن في الوقت الراهن! تتبدّل أعراسهم إلى عزاء، ويُقصَفون، ويُبادون في الأزقّة والأسواق والمساجد وماشاكل. (والأوضاع ذاتها تجري) في أفغانستان بطريقة وفي باكستان بطريقة وفي سوريا بطريقة أخرى. ومردّ هذا هو أننا نحن المسلمين قد نسينا الولاية بين المؤمنين! أي إننا أعرضنا عن العمل بالقرآن.. هذا هو ترك العمل بالقرآن. ولو كنا قد عملنا به لأصبحنا أعزة.. هذا هو السبيل الذي يسوق المسلمين إلى السعادة.

أربعون عاماً ونحن في الجمهورية الإسلامية استطعنا أن نقف أمام عجرفة الاستكبار وأن نمضي قُدماً. ورغم أنف أولئك الذين أرادوا إبادة الجمهورية الإسلامية، فقد تأصّلت جذورنا وازدادت قدراتنا وقوتنا وحققنا مزيداً من التقدّم، رغم أنف الأعداء!

إنّ قراءة القرآن وتلاوة القرآن وتلحين القرآن وتجويد القرآن وأمثال ذلك مقدمة؛ حفظ القرآن مقدمة؛ قراءة القرآن في هذه الجلسات مقدمة؛ مقدمة للفهم، والفهم مقدمة للعمل.

أيها الشباب الأعزاء! - وأغلبكم شباب - انظروا إلى القرآن بهذه النظرة وبهذا الشعور، وهو أن تتعلّموا معارف القرآن لحياتكم الفردية وحياتكم الاجتماعية وحياتكم الحكومية وأن تبادروا إلى تطبيقها.. التزموا بهذا الأمر. فلو نظرتم إلى القرآن بهذه الرؤية وبهذا الشعور، سيكون مستقبل العالم الإسلامي أفضل من حاضره بكثير، وسوف لا تجرأ أمريكا بعدُ على تهديد البلدان الإسلامية والأمة الإسلامية.

لو اتكلنا على القرآن وتعلّمناه وتمسّكنا به، فإن هذا هو التمسّك بحبل الله، والتمسّك بحبل الله يؤدي بالمرء إلى أن يقف ثابت الجأش. فلو كنت تمرّ في طريق، وكانت هنالك عروة تمسكها بقوة، ينحسر خطر السقوط.. هذا هو حبل الله الذي لو تمسّكت به لارتفع خطر السقوط. آملين أن يقترب العالم الإسلامي من هذا يوماً بعد يوم إن شاء الله.

أكرّر شكري للقائمين على هذا الملتقى وللحضور والضيوف في هذا الملتقى.

والسلام علیکم ورحمة ‌الله وبرکاته