موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي

كلمة قائد الثورة الإسلامية المعظم خلال لقائه قادة وعناصر القوة الجوية للجيش

 

بسم الله الرحمن الرحیم (1)

والحمد لله ربّ العالمین، والصلاة والسلام علی سیدنا ونبینا أبي القاسم المصطفی محمد، وعلی آله الطیبین الطاهرین المعصومین.

 

قدمتم خير مقدم يا أعزائي! أنتم الشباب والمسؤولون الموقَّرون في القوة الجوية التابعة للجيش في جمهورية إيران الإسلامية والدفاع الجوّي. إنّ لقاءكم السنوي بالنسبة لي مبعث بهجة وسرور بكلّ ما تنطوي عليه الكلمة من معنى، (حيث اللقاء بـ) الوجوه الشابة والمتفائلة والمبتهجة والباعثة على الأمل. ذلك إنّ حضوركم، في أي مكان تتواجدون فيه، يبعث على الأمل ويُعدّ من نِعَم الله الكبرى.

أشكر القائد المحترم (العميد عزيز نصيرزاده قائد القوة الجوية في الجيش) على كلمته الـمُفرحة، والمهامّ التي جاءت في تقريره القصير، إنما هي فصولٌ هامة تحتاج إلى متابعة وملاحقة؛ ذلك إن بداية أية مبادرة قضية ودوامها وثباتها الذي يعتبر غاية في الأهمية قضية أخرى. كما وأشكر المنشدين العسكريين الأعزاء الذين أنشدوا شعراً جيداً جداً بتلحين جميل للغاية.. وفّقهم الله إن شاء الله.

أعزائي! أقول بأنّ واحدة من نِعَم الله على هذا الشعب هي مسايرة الجيش للشعب، وهذه من النِعَم الكبيرة جداً. فلو لم يواكب الجيش الناس ولم يتعاطف معهم في غضون الثورة، لآلت الأمور إلى مآلٍ آخر ولظهرت مشاكل غريبة. علماً بأنّ لقادة الجيش حكم ولقاعدته حكم آخر. ولقد مارست كل قوة من قوى الجيش دورها، وأودّ أن أتحدّث في بضع كلمات عن دور القوة الجوية:

لقد كان دور القوة الجوية بارز جداً، ودوره الأول فيما يخص الثورة (الإسلامية) متمثّل في قضية التاسع عشر من بهمن (المصادف ٨ شباط/فبراير ١٩٧٩، يوم بايع الإمامَ الخميني رحمه الله حشدٌ من عناصر القوة الجوية)، وهو يومٌ يضاهي الثورة ذاتها، فكما كانت الثورة مُذهلة يعتبر هذا اليوم مذهل أيضاً. ولقد كنتُ حينها هناك، حيث كان الشباب يتدفّقون من الشارع؛ بعضهم من الضبّاط وبعضهم من ذوي الرتب العسكرية والكثير من الفنّيين. ولقد رأيتُ (هذا المشهد) من فوق بناية كنت عاكفاً على العمل فيها، فأوصلتُ نفسي إلى حيث كان الإمام حاضراً (2)، ودخل هؤلاء وحدث ما حدث. لقد كانت حادثة تبعث على الدهشة والذهول بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى، حيث فرضت اليأس على العدوّ وثبّطت معنوياته بشدّة من جانب، وأفرحت الثوريين ورفعت معنوياتهم بقوة من جانب آخر، وكانت حادثة مذهلة حقاً. وفي الحقيقة فإن مجيء عدة مجموعات وفصائل من القوة الجوية إلى مدرسة (علوي) ووقوفهم وإنشادهم وتحيتهم للإمام فيها، يعتبر للثورة وللمجاهدين وللإمام (الخميني) العظيم رزقاً لا يُحتسَب، ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾(3)، إنها حقاً كانت رزقاً لا يُحتسَب.. هذه مرحلة.

والمرحلة التالية هي واقعة ليلة الحادي والعشرين من بهمن (9/2/1979) التي قلّما تُذكَر، حيث تعرّضت القوة الجوية في تلك الليلة لهجوم الدبابات ثأراً بالحادثة الأولى. والناس بدورهم هبّوا لمساعدتهم، وأولئك أيضاً وقفوا بصلابة وسلّموا الأسلحة المكدّسة في المخازن بيد الناس وسلّحوهم وانتصروا، حيث تغلّبت البندقية والجسم والتضحية على الدبابات والتشكيلات التي كانت مستشيطة غضباً في هجومها على أبناء القوة الجوية.. هذه مرحلة أخرى. وأنا أتذكّر تلك الليلة بالكامل، حيث نزل الشباب إلى الشوارع، بما فيها شارع إيران وهو موضع استقرارنا، وأخذوا يصرخون: «لقد تعرّضت القوة الجوية للقتل والإبادة.. أسرعوا أيها الناس وانطلقوا» ونحو ذلك، فهبّ الشباب لمساعدة القوة الجوية.. هذه أيضاً مرحلة.

والمرحلة الأخرى هي الكشف عن مؤامرة انقلاب قاعدة الشهيد نوجة في همدان، وهي الأخرى تمت على يد ضابط في القوة الجوية. حيث جاء ضابط شابّ طيّار في القوة الجوية - ولقد رأيتُه لاحقاً في أيام الحرب (المفروضة) وكان قد جُرح فيها - جاء إلى دارنا في وقت السحر وفي منتصف الليل تقريباً، وأخبرنا بأنّ من المقرّر وقوع مثل هذا الحدث، دون أن يسعنا تصديق ذلك. فإنّ الشابّ هذا في منتصف الليل - وقصته طويلة - كان قد طرق كلّ الوسائل والأبواب علّه يتمكّن من الوصول إلى الإمام وإخباره بالأمر، دون أن يُفلح في ذلك، حيث قالوا له اِذهب إلى فلان، فجاءني وأخبرني بالأمر، وكان متعباً مرهقاً خائفاً. فاستدعيتُ العناصر الاستخباراتية وأخبرتهم بما يقوله (هذا الشاب)، وهم بدورهم انطلقوا في نفس ذلك اليوم (لمتابعة الأمر). وهذا يعني أنه كان من المقرّر في يوم غدٍ تدبير انقلاب في طهران، وإذا بشابّ من القوة الجوية يقوم بإجهاض كل هذه المؤامرة.. هذا هو تأريخنا، ولكن مما يؤسف له أن تأريخ الثورة والأحداث والأدوار المذهلة التي وقعت في غضون هذه الثورة، مجهولة لدى الكثير. وأنا بدوري أسجّل هذه الحركة الكبيرة وهذا الإنجاز العظيم في سجلّ أعمال القوة الجوية.

والقضية الأخرى هي جهاد الاكتفاء الذاتي الذي أبدعته القوة الجوية. يوم كنتُ حينها في وزارة الدفاع وقد أنيطت لي من قِبَل مجلس الثورة مهمة الإشراف على القضايا العسكرية. ولم نكن نحن المقترحون، بل هم الذين قدّمو المقترح وقالوا: نحن قادرون على إيجاد تشكيلات تحت عنوان جهاد الاكتفاء الذاتي، وهم الذين اختاروا هذا العنوان أيضاً. ولم يكن منّا سوى المصادقة على هذا المقترح والتصويت عليه ودعمه، وإلا فإنّ شباب القوة الجوية هم الذين نهضوا بهذا الأمر. حيث كانوا قد شكّلوا مجموعة، بينهم الضابط وبينهم الفنّي، وشرعوا وبذلوا مجهودهم وانطلق جهاد الاكتفاء الذاتي في الجيش. وأنتم تعلمون - ولاسيما الفنّيون منكم - بأنه أيّ إنجاز عظيم حقّقه جهاد الاكتفاء الذاتي في البلد على مدى هذه العقود الأربعة؟ هذه هي الأخرى من آثار وسمات القوة الجوية.

والمسألة الأخرى هي أنّ القوة الجوية أول من بادرت إلى ردّ قاصم في الحرب المفروضة. ففي اليوم الثاني أو الثالث من الحرب، بعد هجوم العدوّ في اليوم الأول، عمدت القوة الجوية إلى مهاجمة بغداد والعراق بذلك العدد المذهل من الطلعات الجوية التي أدهشت الجميع ولم يكن يترقّبها العدوّ. فقد كانت معدّاتنا ضئيلة جداً، إذ كنّا لا نمتلك بعضها ولا نعرف بعضها الآخر، حيث كنّا نمتلكها سوى أنّ قادتنا لم يكونوا على معرفة بأدائها. وإذا بهم قاموا في يوم واحد بعددٍ عالٍ يقارب 140 طلعة جوية أو أكثر، وقصفوا مطارات العراق هنا وهناك رداً على قصف مطاراتنا. وعلى هذا فالجيش والقوة الجوية قطعوا أولّ حركة قاصمة في الحرب المفروضة.

وهكذا (استمر الوضع) على مدى (سنوات) الحرب. ومن إنجازات الجيش على سبيل المثال (في الحرب المفروضة هي عمليات) «والفجر الثامنة». رحم الله الشهيد ستاري الذي كان يومذاك ضابطاً فنياً في القوة الجوية، قبل أن يتولى قيادة القوة، حيث قام في (عمليات) والفجر الثامنة بعملٍ أدى إلى عبور المجاهدين من شطّ العرب وأخذ الفاو وإنجاز تلك الحركة الهامة التي هزّت العالم حقاً. ففي تلك العمليات ولعدة أيام نجد الشهيد ستاري وزملاءه قد ندّ النوم عن أجفانهم، حيث كانوا يقومون على الدوام بنقل أجهزة الدفاع الجوي من هذا الطرف إلى ذاك وبالعكس وإطلاق النيران منها وإسقاط الطائرات وتغيير مواقعهم لئلّا يستهدفهم (العدوّ)، فقد حقّقوا إنجازاً خارقاً لا يمكن وصفه إطلاقاً. وعلى الكتّاب والخطباء والشعراء أن يدوّنوا وينظموا هذه الإنجازات العظيمة جداً، والتي غالباً ما يجهلها الشباب من أبناء شعبنا. و(عمليات) والفجر الثامنة ليست سوى نموذجاً، وهنالك أمثلة أخرى على ذلك.

ومن الإنجازات الهامة الأخرى تصنيع الطائرات. فإنّ القوة الجوية هي أول من صنعت طائرة حربية في البلد. وهذا ما شاهدته (عن كثب)، حيث استفادوا من الطائرات التي كنا نمتلكها وغيّروا فيها، وبذلك انطلقت صناعة مقاتلات حربية مزدوجة في داخل البلد، وهذا ما تم إنجازه في القوة الجوية، وهو عملٌ يتسم بالأهمية.

وهكذا تواصلت إنجازاتهم حتى الآونة الأخيرة، وآخرها دعم المدافعين عن المقدسات الذي يعتبر إنجازاً عظيماً في هذا المجال.

هذا هو جانب من ماضيكم أيها الشباب. إنّ الكثير منكم أنتم الذين تستمعون إلى هذه الكلمات، لم تشهدوا تلك الأيام ولم تدركوها، وقد حدثت تلك الأحداث قبل أن تفتحوا أعينكم على هذه الحياة الدنيا، فهذا هو تأريخكم وماضيكم وهويتكم، وعليكم أن تحافظوا على هذه الهوية ما استطعتم.. هذا هو كلامي. أنا أقول بأنّ أهم الأعمال، التي انبثقت منها كل هذه الأمور التي ذكرتها وعشرات أضعافها، هو عبارة عن بناء الإنسان وصناعة الطاقة البشرية. فإنّ قوة هوية أية مجموعة وشخصيتها تتجلى في الأفراد الذين يشكّلون تلك المجموعة، وهذا هو أهم من كلّ شيء، ولذا يجب عليكم صناعة الإنسان. فقد صُنع في القوة الجوية شبابٌ من أمثال الشهيد بابائي والشهيد ستاري وغيرهم من الشهداء العظام وهم كُثُر، وكلّ هذا يعود فضله إلى الثورة الإسلامية. ففي نظام الطاغوت كانت المواهب موجودة ولكنها لم تصل إلى الفعلية، وذلك الذي استطاع أن يبدّل النحاس إلى ذهب وأن يغيّر العناصر بالكامل ويحوّلها وأن يبدّل الناس إلى أمثال هذه الشخصيات البارزة، هو الثورة الإسلامية وحركة الشعب الإيراني العظيمة.

إنّ انطباعي من قضايا البلد المختلفة في الوقت الراهن هو انطباعٌ تبلور في كلماتي بالكامل وقد سمعتم به. وهو انطباع متفائل. وهذا لا يعني أنّي لا أعرف بالحوادث ولا أعلم بالمشاكل ولا أرى غلاء الأسعار، فإنّ هذه بأسرها مسائل واضحة، والأنباء والمعلومات التي تصل إلينا هي أكثر بكثير مما تصل إلى الكثير من المواطن الأخرى، ولكني حينما أنظر بالجملة أرى بأنّ الشعب الإيراني اليوم واقف، كالبطل وكشخصية أعلى، أمام جبهة معادية خبيثة مخادعة، ويعلم ماذا يفعل، وهذا هو المهم. نحن نعلم ما هو الهدف الذي نتّبعه. فالمبادئ بالنسبة لنا بيّنة والأهداف جليّة. والشعب الإيراني قد وقف ظهيراً ومسانداً لهذه الثورة ولهذا النظام بكلّ قوة واقتدار. علماً بأنّ هنالك في بعض المواطن شيء من حالات العتاب والامتعاض والتوقّع، بيد أنّ هذا العتاب وهذه التوقّعات لم تتسبّب أبداً في أن يُعرض الشعب الإيراني عن الاستقلال والعزّ والشموخ الذي حازه بالثورة، وسوف لا يُعرض عن ذلك. علماً بأنّ هنالك واجباتٌ في أعناقنا جميعاً.

وهذا هو (المشهد) المرتسم (في ذهني): لنفترض متسلّق جبال يصعد من عقبة، وقد تجاوز جزءاً هاماً من هذه العقبة الكؤود الزلّاقة الملتوية الخطيرة، وكانت التهديدات المحدقة به كثيرة، ولكنه قاوم هذه التهديدات وواصل مسيره، لأنه يريد الوصول إلى القمة، فإنه ما لم يبلغ القمة يتعرض للتهديد، وإن بلغها تفقد التهديدات أثرها. فعلى الجميع أن يشحذوا الهمة، وهذا لا يختص بالقوات المسلحة ولا يقتصر على القوة الجوية ولا ينحصر في جزء من المجتمع ومن المسؤولين ومن الشباب، بل يجب على الجميع أينما كانوا أن يشحذوا الهمم ويعملوا ويبذلوا الجهود ويحدّدوا واجباتهم ويملأوا جدول الواجبات. وخانات الجدول تُملأ بهذه الطريقة: أنت تقوم بواجبك وتملأ خانة، وآخر يملأ الخانة التالية، وثالث يملأ الخانة المختصة به. فإن مُلء جدول الواجبات يُنجز العمل ويتحقق ويبلغ منشوده، وهذه وظيفة ملقاة على عواتقنا جميعاً.

مهمة العدوّ إلقاء الرعب.. مهمة العدوّ أن يقذف الرعب وينشر الخوف ويبثّ اليأس.. هذه هي مهمة العدوّ ومهمة الشيطان، والأمر لا يختص بالوقت الراهن، بل كان جارياً دوماً على مرّ التأريخ وعلى مدى تأريخ الإسلام. ﴿إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾(4)، كما في الآية القرآنية، (حيث يقول الله:) أنتم المؤمنون لا تخافوا أولياء الشيطان وأتباع الشيطان والقوى الشيطانية بل خافونِ وخافوا الانحراف عن الصراط المستقيم. فالخوف يأتي في الوقت الذي ينحرف فيه المرء عن الصراط المستقيم، لأنك إذا انحرفتَ عن الطريق المستقيم الصحيح الجيد الصائب ستدخل في الصحراء، وهذا ما يبعث على الخوف، فلا ينبغي لك أن تخاف العدوّ أبداً. ويقول في موضع آخر: ﴿فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ﴾(5). ويقول أيضاً: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾(6).. التفتوا إلى أنّ آيات القرآن مُلهمة للدروس.. درس الحياة ودرس التقدّم.

بعد معركة أحد التي قدّم المسلمون فيها الشهداء، واستُشهد فيها مثل حمزة سيد الشهداء وجُرح آخرون، وبعد أن وضعت الحرب أوزارها وقفلوا راجعين إلى المدينة، قبل أن يخرجوا من منطقة أحد التي كانت على مقربة من المدينة، وكان فيهم جرحى وفيهم من خيّم عليه الحزن والاستياء، رسم العدوّ الذي كان قد ابتعد عن المدينة - لأنّ المسلمين في المرحلة الأخيرة سدّدوا ضربة للعدوّ وأبعدوه - رسم خطة وهي أن يعود مسرعاً، حيث المسلمين عادوا لتوّهم إلى المدينة ونزعوا السيوف، ويهاجمهم على حين غرة ويُنهي الأمر. وفي سبيل إلقاء الرعب في النفوس سرّب الخبر بشكل من الأشكال بأنّ العدوّ سيهجم عليكم في سبيل إرعاب الناس الذين كان البعض منهم جرحى والبعض الآخر مُرهق. ﴿قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ﴾.. قال بعض المندسّين بين الناس بأنّ العدوّ قد جيّش جيشه خارج المدينة وهو يترقّب الهجوم عليكم فاخشوهم لأنهم سيدمّرونكم. فأمر النبي بأن لا يحمل السيف ولا يخرج إلّا من جُرح اليوم في أحد، ولا يحق لغيرهم الخروج. التفتوا! (قال لهم:) أنتم الجرحى يجب عليكم أن تحملوا السيف وتنطلقوا. وحيث كان هؤلاء الجرحى من المؤمنين والمعتقدين بالنبي، حملوا السيوف وانطلقوا واشتبكوا مع تلك الجماعة التي احتشدت قرب المدينة على بعد نصف فرسخ أو فرسخ منها وهزموهم، ﴿فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ﴾(7)، حيث كانوا بادئ الأمر قد ﴿قَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾، ومن بعدها ﴿فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ﴾، وعادوا (إلى ديارهم) غانمين شامخين منتصرين على العدوّ.. هذا هو منطق الإسلام.

إنّ ذلك الذي يجبركم على الخوف واليأس والإحباط هو الشيطان. واليوم نجد هؤلاء الشياطين عبر الإذاعة والتلفاز والفضاء المجازي وشبكات التواصل الاجتماعي وأمثالها عاكفين على عملٍ متواصلٍ لإرعابكم.. كلا، ﴿فَلَا تَخَافُوهُمْ﴾(8) وخافوا الانحراف عن سبيل الله، لأننا لو انحرفنا عن الصراط المستقيم سيكون مصيرنا مصير البلدان الرازحة تحت وطأة أمريكا، كالسعودية ونظام الشاه، التي يستحوذ العدوّ فيها على مقدّرات البلد كافة، ويبقى الشعب فيها ذليلاً لا ملجأ له أمام العدوّ.

إني أرى بأنّ يوم التاسع عشر من بهمن يمنحنا الشعور بواجب السيطرة على الذات والشعور بالقوة. هكذا كان يوم التاسع عشر من بهمن (في ذلك العام). إنّ أولئك الشباب الذين هبّوا من القوة الجوية في ذلك اليوم وبايعوا الإمام - وكان التهديد محدقاً بهم يومذاك لأنه مازال نظام الطاغوت لم يسقط بعد - كانوا قد تغلّبوا على خوفهم وعقدوا آمالهم على الله ولم يهابوا الشيطان. والأمر هذا لم يكن خفياً، حيث أذكر، وهذا ماثلٌ أمام عيني بشكل واضح، بأنّ الكثير منهم كانوا قد أخرجوا هوياتهم الشخصية من جيوبهم ورفعوها بأيديهم، وهذا يعني أنّ لنا وجودنا ولو أردتم أن تعرفونا فاعرفونا. فقد تغلّبوا على الخوف ولم يفقدوا أملهم بالله. وهذا هو سبيل الشعب الإيراني وحركته العظيمة في الوقت الراهن بما فيهم أنتم الأعزاء. والأمر ذاته سيتحقق في مسيرة الثاني والعشرين من بهمن (ذكرى انتصار الثورة الإسلامية) أيضاً. وسأطرح لاحقاً بضعة نقاط حول هذه المسيرة.. تعتبر هذه المسيرة حقاً محطّمة للعدوّ ومظهراً للحركة الوطنية. أربعون عاماً والشعب (الإيراني) في كل يوم من أيام الثاني والعشرين من بهمن ينزل إلى الشوارع؛ لا في طهران وحسب بل في كل المدن الإيرانية؛ لا بعشرة آلاف وعشرين ألفاً، بل بحشود جماهيرية هائلة، مليونية في بعض المواطن! وأنا أعتقد أن هذه المسيرة في هذا العام ستكون أعظم من السنوات السابقة.

إنّ الإدارة الأمريكية بكلّ ما تنطوي عليه الكلمة من معنى هي تجسيدٌ للشرّ ومظهرٌ للعنف، تخلق الأزمات وتُثير الحروب؛ لا في الوقت الراهن وحسب بل على مدى هذه السنوات التي شهدنا جانباً منها وطالعنا من هنا وهناك جانباً آخر. وحياتها منذ الأوائل - ولا أقول منذ البداية تماماً ومنذ استقلالها من إنجلترا، وإنما بعد فترة (وجيزة) - حياتها جارية بالتطاول على هذه البقعة من العالم وتلك حفاظاً وإيجاداً وتأميناً لمصالحها، وأما الشعوب فتُسحَق تحت الأقدام! أمريكا أساساً هي مظهر الشرّ، وإذا بها تمتهن الجمهورية الإسلامية والشعب الإيراني وتعترض قائلة: لماذا يُطلق الشعب الإيراني شعار الموت لأمريكا؟ أولاً لأبيّن هذا للسادة وللكبار الأمريكيين: الموت لأمريكا يعني الموت لترامب وجون بولتون وبومبيو! يعني الموت لزعماء (أمريكا) ولا شأن لنا بالشعب الأمريكي.. الموت لأمريكا يعني الموت لكم أنتم الفئة القليلة الذين تتولّون إدارة بلدكم، هذا هو المراد؛ في هذه الفترة هؤلاء وفي فترة أخرى غيرهم، والبحث لا يدور حول الشعب الأمريكي. ثانياً مادامت الإدارة الأمريكية والنظام الأمريكي يمارس نفس هذا الشرّ ونفس هذا التدخّل ونفس هذا الخبث ونفس هذه الرذالة في أعماله فإنّ شعار الموت لأمريكا سوف لا يسقط عن أفواه الشعب الإيراني.

إنّ حديث البلد في هذه الأيام يدور حول الأوروبيين والمقترحات الأوروبية. وتوصيتي هي ألّا تثقوا بالأوروبيين كذلك. وفيما يخص أمريكا أيضاً قبل عامين أو ثلاث، وفي خضمّ المفاوضات النووية، كنت دوماً ما أقول في الجلسات الخاصة للمسؤولين وفي الجلسات العامة والخطابات بأني لا أثق بهم، فلا تثقوا بهم ولا تعتمدوا عليهم ولا تطمئنّوا بقولهم وعهدهم وتوقيعهم وابتسامهم، فإنهم لا يمكن الوثوق بهم. والذي نتج من ذلك هو أنّ نفس المسؤولين الذين كانوا يتفاوضون في ذلك اليوم، أخذوا اليوم يقولون بأنّ أمريكا غير جديرة بالثقة! ولكن كان عليهم منذ البداية أن يشخّصوا هذا الأمر وينطلقوا (على أساسه). واليوم أيضاً أقول حول أوروبا بأنّها غير جديرة بالثقة. علماً بأني لا أطالبكم بقطع العلاقات معها فيما يخص القضايا التي هي موطن حاجتنا.. كلا، فإننا بالتالي حكومة قوية مقتدرة والحمد لله. ليس هذا هو الكلام، وإنما الكلام هو أن تنظروا إليهم نظرة متشائمة، لأنهم لا يلتزمون بأي شيء.

التفتوا! يفقأون أعين أبناء شعبهم في شوارع باريس! تقوم القوات المسلحة في الحكومة الفرنسية بمهاجمة المتظاهرين في شوارع باريس وفقأ أعين الكثير منهم! هكذا يتصرّفون مع أبناء شعبهم، وفي الوقت ذاته يطالبوننا (باحترام) حقوق الإنسان! وما شأنكم بذلك؟ بل وأيّ صلة تربطكم بحقوق الإنسان حتى تطالبون بلداً آخر وشعباً آخر باحترامها؟ أساساً هل تعرفون حقوق الإنسان؟ لا اليوم يعرفونها ولا في الماضي ولا على مرّ تأريخهم.. هذا هو حالهم. بكلّ وقاحة يطالبون بشيء، بأسلوب تحكّمي وتعسّفي شديد! ولذا لا يمكن الوثوق بهم ولا يمكن احترامهم، وهذه هي أوضاعهم. ولقد شهدنا ذلك مراراً في شتى القضايا، فرنسا بطريقة وبريطانيا بطريقة وهذه (البلدة) بطريقة وتلك بطريقة، ولكلٍّ طريقته.. هذا هو سلوكهم. علماً بأنّ لنا علاقاتنا وستبقى مع العالم بأسره سوى بعض المستثنيات، ولكن علينا أن نعلم من هو طرفنا، ومع من نتفاوض، ومع من نتّفق، وعلى أيّ شيء نتّفق؟ هذه بدورها نقطة ضرورية.

وأما حول المسيرة: تعتبر مسيرة الثاني والعشرين من بهمن واحدة من المظاهر المذهلة للثورة الإسلامية.. إنها حقاً مذهلة، شأنها شأن الثورة نفسها. فلقد شهدنا، عبر التلفاز على أقل التقادير، الاحتفالات السنوية للثورات في العالم - في البلدان التي انبثقت فيها ثورة وتحتفل بثورتها - حيث يقف عدة أشخاص على الشُرفة وتستعرض القوات المسلحة أمامهم وينتهي الاحتفال. وأما أن ينزل الناس إلى الشوارع لعدة ساعات، في الشتاء البارد - وهذا هو حظّ الشعب الإيراني الذي ثار في بهمن (فبراير/شباط) حيث برد الهواء وهطول الثلوج - وتسير الحشود الجماهيرية الهائلة في وسط البرد وهطول الثلوج والأمطار، وتستمع إلى الخطابات، ويستمرّ الأمر هذا لأبعين عاماً - فالكلام لا يدور عن عام أو عامين، بل هذا هو العام الأربعين - فإنّ هذه بحدّ ذاتها من المعاجر ومن الأمور المذهلة التي صنعتها الثورة الإسلامية العظيمة. وهي (ظاهرة) لابد لها أن تستمر بقوة واقتدار، فإنها تحطّم العدوّ وتقذف في قلبه الرعب. وهي مؤشرٌ على العزيمة الوطنية وعلى إرادة الشعب الإيراني وعلى حضوره العام في الساحة، وحضور الشعب في الساحة يزلزل العدو. ويتجسّد الحضور الرئيسي في المشاركة في (مسيرة) الثاني والعشرين من بهمن، وفي ذلك دلالة على الوحدة الوطنية. فإنّ هنالك اختلاف في الأذواق والتوجهات، ولكن حينما يدور الحديث عن الثورة وعن الثاني والعشرين من بهمن وعن نظام الجمهورية الإسلامية، تتضاءل هذه الاختلافات في الأذواق والتوجهات، والجميع يأتي جنباً إلى جنب.

ولديّ هنا توصية: أحياناً ما يُشاهَد في مسيرة الثاني والعشرين من بهمن بأنّ لديك على سبيل المثال امتعاض من السيد الفلاني الذي شارك مثلك في المسيرة، فتقوم بإطلاق الهتافات ضدّه، وهو عمل خاطئ. فإنها ليست سوى اختلاف في الرؤى، وإنك بالتالي لا تقبل المسؤول الفلاني أو الرئيس الفلاني أو السيد الفلاني لأي سبب، ولا ضير في ذلك، بيد أن مسيرة الثاني والعشرين من بهمن ليست محلاً لتصفية الحسابات.. هذه هي توصيتي للجميع. اِحذروا.. أطلقوا شعاراتكم.. مارسوا عملكم.. حافظوا على مبناكم إن كان قائماً على المنطق، ولكن لا تصنعوا من المسيرة محلاً للاختلاف والتفرقة والنزاع ونحو ذلك، ودَعوا هذه الحركة العظيمة، الدالة على العزيمة الوطنية والمشاركة الوطنية والوحدة الوطنية، تبقى على نفس هذه العظمة.

أعزائي! مستقبل الشعب الإيراني أفضل من حاضره بكثير، ومستقبل القوات المسلحة في الجمهورية الإسلامية أفضل من حاضرها بكثير، ومستقبلكم أنتم الشباب الأعزاء، الذين من المقرّر أن تملأوا فراغ أسلافكم وأن تنطلقوا أفضل منهم وأعلى منهم درجة، أفضل من حاضركم بكثير. فتوكّلوا على الله جميعاً، وابذلوا جهودكم جميعاً، واشعروا بالمسؤولية والوظيفة جميعاً أينما كنتم واعملوا بها، والله سبحانه وتعالى سينظر إليكم نظرة لطف وسيفتح الطريق أمامكم بإذنه ومشيئته.

والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته

 

الهوامش:

  1. في بداية اللقاء تحدّث العميد عزيز نصير زادة، قائد القوة الجوية لجيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
  2. مدرسة "علوي" وسط طهران.
  3. سورة الطلاق، جزء من الآيتين 2و3.
  4. سورة آل عمران، الآية 175.
  5. سورة المائدة، جزء من الآية 3.
  6. سورة آل عمران، الآية 173.
  7. سورة آل عمران، الآية 174.
  8. سورة آل عمران، جزء من الآية 175.