موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي

كلمة قائد الثورة الإسلامية المعظم خلال لقائه مسؤولي النظام الإسلامي.

 

بسم الله الرحمن الرحیم (1)

 

الحمد لله ربّ العالمین، والصلاة والسلام علی سیدنا ونبینا أبي القاسم المصطفی محمد، وعلی آله الأطیبین الأطهرین المنتجبین، سیّما بقیّة الله في الأرضین.

نرحّب بكم كثيراً أيها المسؤولون الكرام من الإخوة الأحباء والأخوات العزيزات! ونسأل الله أن يسبغ بركاته عليكم كافة وعلى الشعب الإيراني قاطبة وأن يجعل شهر رمضان لكم جميعا شهراً مباركاً بكل معنى الكلمة.

شهر رمضان شهر التقوى، وأنا وأنتم جميعاً كمسؤولين يجب علينا الالتزام بالتقوى أكثر من غيرنا. وهنا أودّ أن أتحدث قليلاً في بضع دقائق حول هذا الموضوع.

لقد ورد في الآية الشريفة: ﴿یَا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا کُتِبَ عَلَیْکُمُ الصِّیامُ کَما کُتِبَ عَلَی الَّذینَ مِنْ قَبْلِکُم لَعَلَّکُم تَتَّقُون﴾(2)، وقوله «لَعَلَّکُم تَتَّقُون» يعني الأمل، أي هناك أملٌ بأن يتحقق ذلك. ولكن لا معنى للأمل بالنسبة إلى الله سبحانه وتعالى وهو العالم بالسرائر والخفيات وبكلّ شيء، وعليه فالمراد من ذلك هو أننا جعلنا شهر رمضان، هذا التشريع الإلهي، بغية أن يكون أرضية لرواج التقوى. والخطاب موجَّهٌ لعامة الناس؛ أي أن تشيع التقوى بينكم أيها الناس. إذن شهر رمضان هو شهر رواج التقوى.

ولكن ما هي التقوى؟ التقوى كما في التفسيرات الرائجة والصحيحة هي «الحذر» أو في تعبيراتنا الشائعة هي «المراعاة». يُقال: فلان يراعي فلاناً، أو أنت تراعي الشخص الفلاني، وهذا هو الحذر. إذن فالتقوى هي الحذر والمراعاة. وعبارة ﴿اتَّقُوا اللَّهَ﴾(3) تعني راعوا الله سبحانه وتعالى واحذروا منه. فقد أراكم الله خطاً مستقيماً في هذه الحركة العظيمة للحياة البشرية المحفوفة بالمشاكل. كالأرض المزروعة بالألغام التي يفتحون طريقاً فيها ويقولون هذا هو الطريق السالم الآمن فاسلكوه.. هذا هو الصراط المستقيم. فـ﴿اتَّقُوا اللَّهَ﴾ يعني احذروا من ألّا تنحرفوا عن هذا الطريق إلى اليمن والشمال فتواجهكم المآزق والمشاكل.

وإن سلكتم هذا الطريق ستحصلون على نتائج محمودة ذكرها الله في كتابه كراراً خلال آيات قرآنية متعددة، (منها:) ﴿اِتَّقُوا اللهَ لَعَلَّکُم تُرحَمُون﴾(4).. الرحمة الإلهية، و(منها:) ﴿لَعَلَّکُم تُفلِحُون﴾(5)، والفلاح هو الفوز والظفر، فمن كان متّقياً يفلح، و(منها:) ﴿لَعَلَّکُم تَهتَدُون﴾(6) الواردة في آيات عديدة، فالتقوى تستوجب الهداية، وإن اتّقيتم ستزول عنكم المشاكل والمهالك وسيتبيّن لكم الطريق الصائب. و(منها) أنّ التقوى تؤدي إلى الفرقان: ﴿یَجعَل لَکُم فُرقانًا﴾(7)، والفرقان هو قوة التمييز، وهذا أمرٌ بالغ الأهمية؛ ذلك إننا في جميع مفاصل حياتنا بحاجة إلى قوة التمييز لكي نميّز الطريق الصحيح من الخاطئ والحق من الباطل. وبالتقوى يأتي الفرقان وتأتي قوة التمييز. ومنها: ﴿وَمَن یَتَّقِ اللهَ یَجعَل لَهُ مَخرَجاً﴾(8)، والمخرج يعني فتح الطرق المغلقة، فإن تحلّيت بالتقوى لا يظهر أمامك وفي عملك طريق مغلق. وفي جميع المجالات إن كنتم على تقوى واتّبعتم سبيل الحذر والمراعاة مع الله سبحانه وتعالى لا يمثل أمامكم طريق مغلق. ومنها البصيرة أيضاً.. هذه هي الوعود التي (قرّرها الله) في كتابه للتقوى، ﴿وَمَن أَصدَقُ مِنَ اللهِ قیلًا﴾(9). فإن وعد الله شيئاً سيتحقق قطعاً دون شك.

وعلى هامش الدعوة إلى التقوى في القرآن – حيث دُعينا من أوله إلى آخره مراراً وتكراراً إلى التقوى وإلى هذه الحقيقة النافعة والناجعة – وفي قبال ذلك طُرحت مسألة تقوى غير الله في سورة النحل على ما في ظني: ﴿وَلَهُ الدّینُ واصِبًا أَفَغَیرَ اللهِ تَتَّقُون﴾(10).. هل تراعون غير الله؟ ولكن ماذا يعني غير الله؟ فإن مراعاة الأب والأم والأخ المؤمن جيدة جداً، وليس هذا هو المراد، وإنما يعني القوى المغايرة والمناهضة لله. وعليه فإن التزمنا بالتقوى سنهاب قدرة الله ولا نهاب غير الله من القوى، ولا نهابهم يعني لا نراعيهم لا أننا نغفل عنهم. ينبغي ألّا نغفل عنهم ولكن لا نخشاهم كذلك، ولا نتصوّر أن حياتنا وسعادتنا ومستقبلنا ومصيرنا بيدهم، وهذه هي من مستلزمات التقوى.

التفتوا! هذه كلها هي سُبُل انتصار الأمة، فإن اتّسمت الأمة الإسلامية بالتقوى وفكّرت بهذه الطريقة وعملت على هذه الشاكلة، لا شك أنها ستشهد الازدهار والحركة والتقدم والتعالي والرقيّ، وعندذاك سيتحقق قول ﴿لِیُظهِرَهُ عَلَی الدِّینِ کُلِّه﴾(11) الذي ذكره الله سبحانه وتعالى في القرآن مراراً.

إنّ للتقوى نطاق واسع. بمعنى أنّ التقوى موجودة في خلوة قلوبكم بأن لا تجعلوا للشهوات وللريب والشك في الحق إلى قلوبكم سبيلاً وأن تُبعدوا الأهواء عن أنفسكم، وهذه هي المشاكل التي نعاني منها. ليلة أمس كان التلفاز يبثّ برنامجاً عن الإمام الخميني (رضوان الله عليه)، نقل فيه قولاً عنه في جلسة كنّا حاضرين فيها بالطبع ولكنّ الذكرى ضرورية جداً، ولقد كان الإمام حكيماً بكل ما في الكلمة من معنى؛ أي إنه متى ما تكلّم جرت الحكمة من قلبه على لسانه، حيث قال: «شهر رمضان يؤدي إلى أن نُبعد الشهوات عن أنفسنا ولاسيما الشهوات المعنوية»، والشهوة المعنوية أصعب، وهي من قبيل حبّ الجاه والسلطة، وأن يسعى المرء لإرساء دعائمه في جميع مفاصل الحياة.. هذه هي الشهوات المعنوية، وأما الشهوات الظاهرية والمادية والأخلاقية وأمثالها فهي محفوظة في محلّها.

تبدأ التقوى من هنا وتمتدّ إلى الساحة الاجتماعية، فللتقوى وجودها في الحرب وفي المهامّ السياسية وفي الأنشطة الاقتصادية أيضاً. وأنا وأنتم كمسؤولين في البلد وتقع على عاتقنا مديريات مختلفة، يكون لحراكنا وقولنا وفعلنا وضميرنا وقرارنا صلة بمصير الناس، وهنا تكمن أهمية التقوى. ومن هذا المنطلق قلتُ بأنّ التقوى لي ولكم أهم من عامة الناس. فلنحذر ولنتحلّ بالتقوى. لأن العامل في الحكومة مبتلى بصلته القريبة لحقوق الناس، وإن لم يكن متّقياً سيسحق حقوقهم وهذا ما لا يمكن تفاديه. ذلك إنّ الإنسان إذا ما اقترف معصية شخصية وظلم بها نفسه يتوب (إلى الله) وبالتالي يمكن تعويضها بطريقة أو بأخرى، وأما إذا سُحقت حقوق الناس، كيف يتأتى للمرء أن يعوّضها؟

انظروا إلى التقوى كتعهّد إداريّ، فإنّك إذا أردت تعيين شخص في مكان ما أو إيكال عمل إليه، عليك أن تعتبر الاتصاف بهذه الخصوصية، وهي خصوصية التقوى والتعهّد في الشؤون المرتبطة بالناس، من الصلاحيات الإدارية. فإنّ واحدة من الصلاحيات الإدارية هي أن تنظر إلى من تريد تعيينه هل يتمتع بالتقوى أم لا؟ أي إنّ العمل الذي توكله إليه هل يؤدّيه بأمانة أم لا؟ فإن تحقق ذلك سيكون الله هو الميزان الأهم في جميع قراراتنا، وهذا هو معنى أن نعمل لله، وعندئذٍ سيكون عملكم عبادة. فإنّ من مزايا العمل في الحكومة الإسلامية والدولة الإسلامية هي أنّك إذا عملت لله سيتبدّل عملك إلى عبادة، وسيكون نفس توقيعك وتقريرك وقولك عبادة. ولقد ورد في دعاء مكارم الأخلاق: «وَاستَعمِلني‌ بِما تَسأَلُني غَداً عَنه» – الدعاء العشرون من الصحيفة السجادية، وهو دعاء حسنٌ للغاية، وأنا أوصي الأعزاء، وهم يقرأونه بالطبع، أن يُكثروا من قراءته – ففي يوم القيامة سيأخذون بتلابيبنا متسائلين لِـمَ لم تؤدِّ هذا العمل؟ هناك أعمالٌ لا ينبغي لنا فعلها ونفعلها، وهذا ما نعلم به جميعاً، ولكن هناك أعمال يجب علينا القيام بها ولكننا لا نلتفت إليها ونغفل عنها ونتكاسل عن فعلها ونراعي هذا وذاك ولا نؤدّيها، فيسألوننا عنها.

وهنالك مواطن أخرى لابد للتقوى أن تتجلى فيها، منها مراعاة بيت المال، ومنها كبح جماح النفس في ميلها إلى تكديس الثروة والمشاكل الأخلاقية والحياة الكمالية والأرستقراطية، فإنّ هذه من الأمور التي يجب علينا نحن المسؤولين أن نحذر منها. ﴿وَسَکَنتُم فِي مَسِاکِنِ الَّذینَ ظَلَمُوا﴾(12).. أن نحكم في نفس المكان الذي كان الطاغوت يحكم فيه وأن نفعل كما كان يفعل فهذا أمرٌ مرفوض، (ولو فعلنا ذلك) فما هو الفرق بيننا؟ وعلى هذا لابد أن يختلف نهجنا عن نهج عبيد الشيطان وأتباعه.

هناك طريقان للوصول إلى السلطة، وهما متجسّدان في كلّ من يصل إليها: الأول طريق أهل الدنيا الذين يترقّبون الإمساك بزمام السلطة والحكم وصولاً إلى مطامعهم الشخصية. أي إنّ الواحد منهم يسعى جاهداً للجلوس على كرسيّ الرئاسة، حيث تتوفّر في فترة الرئاسة الأرضية لبلوغ حياة أفضل. وهذا يعني أنّ الوصول إلى السلطة بالنسبة له إنما هو وسيلة للوصول إلى الشهوات النفسانية وإلى المال والثروة والرغبات وإلى ما تشتهيه نفسه.. هذا طريق وأهل السلطة غالباً ما سلكوه لأنهم في الأغلب من أهل الدنيا ومن طلّاب الدنيا، والسلطة لديهم هي الدنيا، وثمارها بالنسبة لهم ليست سوى الدنيا.

هذا هو أحد الطرق والمسالك التي يسلكها الممسكون بمقاليد السلطة، والطريق الآخر هو طريق الأنبياء. فقد نُقل عن النبي أنه كان «یَجلِسُ جِلسَةَ العَبِیدِ ویَأکُلُ أَکلَ العَبِید»(13)، فإنه بما يتحلى به من مقام عظيم ومنزلة رفيعة لم يكن يرى لنفسه في طريقة أكله وفي صداقته أية شأنية. أو أمير المؤمنين الذي يقول: «أَلا وإِنَّ إِمامَکُم قَدِ اکتَفىٰ مِن دُنیاهُ بِطِمرَیهِ وَمِن طُعمِهِ بِقُرصَیه»(14).. هذه هي حياة أمير المؤمنين. ولا يعني ذلك بالطبع أن نفعل كما كان يفعل النبي وأمير المؤمنين، لأننا غير قادرين على ذلك، والإمام نفسه يقول: «أَلا وَإِنَّکُم لا تَقدِرونَ عَلىٰ ذٰلِك وَلٰکِن أَعینونی بِوَرَعٍ وَاجتِهاد»(15).. اِبذلوا جهدكم ولا تنتهجوا نهج أصحاب السلطة الدنيوية.

ومن هنا فإنّ واحدة من الأمور التي يجب حقاً على أولئك الذين يحملون مسؤولية في نظام الجمهورية الإسلامية أن يولوا اهتمامهم بها، والتي تعتبر من مستلزمات التقوى، هي أن يبتعدوا عن الحياة الكمالية المبهرجة وأن تكون لهم حياة طبيعية وأن يتجنّبوا الإسراف والبذخ. والكلام في التقوى كثير.. هذا هو أساس ما أردتُ طرحه عليكم، وأنا في الواقع المخاطَب الأول لهذه الأقوال وحاجتي إليها أكثر منكم. فلنجعل التقوى هدفنا الرئيسي ومسيرنا الرئيسي والوسيلة الرئيسية التي بيدنا ولنتّبع سبيل التقوى، وهذا هو حديثنا الأساس.

وأما حول قضايا البلد، فإنّ هناك في الشؤون الاقتصادية كلام طويل، وسنشير إلى بعض النقاط في هذا المجال. لقد قال السيد رئيس الجمهورية بضرورة أن يتم تغيير المديريات والبرامج وأن تسير بجدية أكثر، وهو قول صائب، فليفعلوا ذلك وليتابعوا هذه الأمور حقاً. وكما تم بيانه فليمارسوا هذه النشاطات حقاً بجدية في نفس هذه المجالات التي ذُكرت، والطريق سالك.

إنّ المشكلة الرئيسية للبلد في الوقت الراهن هي المشكلة الاقتصادية حالياً. والسبب في ذلك هو الضغط على الناس، فإنّ هناك ضغوط على معاش الناس ولاسيما الطبقات الضعيفة منهم، بل وحتى الطبقات المتوسطة إلى حدّ ما، ولكنّ الطبقات الضعيفة أكثر. فإن واجه اقتصاد البلد مشكلة سيرزح الناس والضعفاء في المجتمع تحت الضغوط، وهذا ما يؤدي إلى طمع العدو. فإنّ من إشكالات هذا الأمر هي أنّها تتسبّب في طمع العدوّ وعقد أمله والحدّ من سمعة البلد. ففي أي بلد إذا ظهرت مشكلة اقتصادية وافتقد خطة اقتصادية جيدة ولم يتقدّم في الجانب الاقتصادي ستشوَّه سمعته، ولذا ينبغي حقاً متابعة القضية الاقتصادية بصورة جادّة. ونقولها لا يوجد هنا حقاً أي طريق مغلق بكل معنى الكلمة، نعم هنالك المشاكل والموانع ولكن لا يوجد طريق مغلق.

إنّ أعداءنا وعلى رأسهم أمريكا، على أمل أن يتمكّنوا من تسديد ضربة للجمهورية الإسلامية عبر هذا الطريق، رفعوا من سقف العقوبات، وفرضوا على حدّ قولهم عقوبات لم يسبق لها مثيل. والحق معهم فإنّ العقوبات التي فرضوها على الجمهورية الإسلامية لم يسبق لها مثيل، ولكنّ المهم هو أن الجمهورية الإسلامية تمتلك معدناً صلباً، وهذا ما ذكره بعض المراقبين الدوليين أيضاً بأنّ العقوبات والضغوط هذه لو تعرّض لها أي بلدٍ آخر لتركت فيه تأثيرات هامة، بيد أن الجمهورية الإسلامية رصينة بالاتكاء على الناس وبتوفيق الله وبهمة المسؤولين الذين يمارسون مهامهم في مختلف أنحاء البلد، وإلّا فالضغوط موجودة. فإنّ العدوّ قد بذل قصارى جهده وفعل فِعلته ولم يأل جهداً في ممارسة الخبث والدناءة. وهدفه إرغام المسؤولين على الاستسلام، وذلك عبر التغيير في حساباتهم بالطريقة التي تؤدي بهم إلى الاستسلام أمام أمريكا، وسوق الناس للوقوف في وجه النظام.. هذا هو هدف العدوّ.

إنها تقديرات خاطئة، بمعنى أنّ التقديرات الأمريكية تقديرات خاطئة. ولقد كانت للأمريكيين تقديراتهم في السنين الماضية أيضاً على مدى هذه الأعوام الأربعين ولكن لم يصلوا إلى النتيجة وتضرّروا ولم يتمكّنوا من تسديد الضربة المرجوّة لهم ضدّ الجمهورية الإسلامية، واليوم أيضاً كذلك، ففي هذه المرة أيضاً سيُهزمون قطعاً وهذا ما لا شك فيه، بيد أنّ الحقد والضغينة التي يحملونها تجاه إيران الإسلامية قد أعمت عيونهم وأفسدت تقديراتهم بحيث باتوا لا يستطيعون التقدير بشكل صحيح. إنّ هذه الأحقاد والضغائن قد أعمت عيونهم حقاً، وإلاّ فإنّ هناك الكثير في نفس أمريكا ممن يعارض هذا الأسلوب الخبيث الهمجي في التعامل مع إيران ومع الجماعات المسلمة ومع فصائل المقاومة، ولكن لا يتمكنون من فعل شيء، ونحن نرى ونقرأ مقالاتهم وكلماتهم وأعمالهم ونعرف ماذا يقولون، ولكنّ المسؤولين الحاليين في أمريكا لا يُدركون ولا يفقهون حقاً.

وأقولها هنا: لا ينبغي لأي أحد أن يخشى من هيبة أمريكا الظاهرية، فإنّ هذا خطأ فادح حقاً. حيث يشعر المرء بأنّ البعض يتراجع ويستوحش من هيبتهم الظاهرية ومن انتهارهم وصخبهم وأمثال ذلك، ولكنّ الخوف من هذه الهيبة الظاهرية خطأ، فإّن القوى الكبرى يُسيّرون أعمالهم بإثارة الضجيج والصخب، بيد أن قدرتهم الحقيقية أقل بكثير من ضجيجهم، ولكنهم بالتالي ينهرون ويثيرون الضوضاء ويهدّدون ويُخيفون هذا وذاك. فلا ينبغي لأيّ أحدٍ أن يخشى لا منهم ولا من ثروة أشباه قارون القابعين على ضفاف الخليج الفارسي، فإنّ هؤلاء الذين يعيشون في أطرافنا لم يتمكنوا كذلك من ارتكاب أية حماقة. إنهم قد أنفقوا حتى اليوم مليارات الدولارات ضدّنا في مختلف المجالات، ولكن لم يحققوا أي نتيجة ولم يغنموا حقاً أي شيء.

لقد كانت أمريكا في عام 1979، وهو عام انتصار ثورتنا الإسلامية العظيمة، أقوى مما هي الآن عليه بكثير. فقد كان جيمي كارتر، الرئيس الأمريكي آنذاك، أعقل من الرئيس الحالي(16) وأقوى منه أيضاً. وهذا أقلّ قدرة في الجانب المالي والسياسي وأضعف عقلاً كذلك. كما كان لهم في داخل إيران رجلاً مهيمناً على الأمور كلها، وهو محمد رضا بهلوي الذي كان مكلَّفاً من قبلهم وعاملاً ومناصراً لهم وكانت مقاليد البلد كلّها بيده، ومع ذلك استطاع الشعب أن يهزم أمريكا بيد عزلاء. قد تقولون بأنه كانت هناك ثورة في ذلك اليوم، ولكن الثورة مازالت اليوم أيضاً قائمة، فإنّ عدد الشباب الثوري المتحمّس اليوم لا يقلّ عن ذلك اليوم الذي انتصرت فيه الثورة بل يفوقهم عمقاً في الفكر الثوري. وهذا ما تشاهدون أمثلته في مختلف أحداث البلد وفي مناسبات إحياء ذكرى الثورة. فإنّ ذلك الحراك الثوري والحماس الثوري اليوم يُظهر نفسه في المكان المناسب. إذن لا ينبغي أن تُخيف هيبة أمريكا أحداً. وبإذن الله سأتناول القضية الأمريكية في بضع كلمات إن أتيح المجال في آخر الحديث أيضاً.

إنّ قضية اقتصاد البلد هي قضيتنا الهامة في هذا اليوم ولابد لنا من التعرض لها. يعتبر اقتصادنا أحد الاقتصادات الكبرى في العالم، حيث نمتلك بنىً تحتية اقتصادية جيدة، ويجب كما أشاروا أن نعمل على تنظيم المديريات بالشكل الذي يمكنها استثمار هذا الموروث على أتم وجه، وكذلك توظيف الطاقات المنسية والمغفول عنها حقاً. فإنّ اقتصادنا يعاني من عدة أمراض مزمنة ولو تمكّنا من معالجتها في هذه الفترة – وهي الفترة التي واجهتنا فيها قضية (حظر) النفط والعقوبات وأمثال ذلك – سيحقق الاقتصاد طفرة باعتقادي.

(من هذه الأمراض) قضية التبعية للنفط. فإن النقص الكبير الذي يعاني منه اقتصادنا هو تبعيته للنفط. حيث قمنا باستخراج هذا السائل من تحت الأرض وأعطينا هذه العملة النقدية – فهي تضاهي العملة النقدية – دون قيمة مضافة وأخذنا إزاءها الدولار وأنفقناه في شؤون الحياة الجارية وهذا خطأ. وهذا صندوق التنمية قد أنشأناه في سبيل أن يكون بوسعنا إبعاد أنفسنا عن النفط. ولقد توافرت اليوم فرصة جيدة. فإنّ واحدة من الأمور التي يجب حقاً أن تدخل ضمن جدول البرمجة العامة للمسؤولين الاقتصاديين هي العمل على الحدّ من التبعية للنفط يوماً بعد آخر.

ومنها تدخّلات الأجهزة الحكومية غير الضرورية في الشؤون الاقتصادية، وهذه هي الأخرى واحدة من مشاكلنا. وأساساً وُضعت سياسات المادة 44 لإغلاق هذا الباب، وقد أُنجزت بعض الأعمال، ولكن لم يُنجَز ذلك العمل الذي لابد من إنجازه في هذا المجال. فعلى الحكومة أن تلعب دور الإشراف والرقابة والتوجيه في النشاطات التي لا يتحتّم الدخول فيها. علماً بأنّ هناك بعض الأنشطة التي لابدّ للحكومة من النزول إليها ولا يستطيع أحدٌ غير الحكومة النهوض بها، ولكن لا ضرورة إلى ذلك في الكثير من الأنشطة.

ومنها تدمير أجواء التجارة والعمل. فإن هذه الالتواءات والتعرّجات والدهاليز العجيبة والغريبة للأجهزة الحكومية تؤدي إلى تدمير أجواء التجارة والعمل في المجتمع، وهذه هي واحدة من مشاكلنا. ولقد سمعتُ في بعض بلدان العالم بأنّ افتتاح عملٍ إنتاجي يستغرق نصف يومٍ مثلاً، وهنا توجد مشاكل كثيرة، و(مفتاح علاجها) بيد الحكومة والمجلس والمسؤولين، فعليهم تحسين أوضاع التجارة والعمل. وسأتناول الحديث عن الإنتاج لاحقاً لبيان مدى أهمية هذه القضية.

ومنها التعديلات البنيوية للميزانية التي أشاروا إليها، وأنا بدوري أؤكّد عليها. ولقد كان من المقرّر أن يتعاون المجلس والحكومة معاً لإزالة هذه المشكلة البنيوية ومعالجتها في غضون الأشهر الأربع الأولى من سنة 1398 (هـ.ش)، وقد مضى شهران ولم يبق منها إلا شهرين. هذه هي واحدة من الأعمال الأساسية والمهمة التي يجب إنجازها. كما وهناك حديث طويل في مجال تعديل بناء النظام المصرفي، ولكن ليس محلّه هنا، وقد طرحناه على المسؤولين كراراً.

نحن قادرون، كما يبدو، على العمل في مجال تعديل البنى خلال هذه الفترة. سوى أننا نحتاج قليلاً إلى إدارة شجاعة، فعلى المسؤولين الحكوميين أن يتسموا قليلاً بالشجاعة في النزول إلى هذه الساحة، وأن لا ينظروا إلّا إلى الواجب والقانوان ومصلحة البلد. ولقد دوّنتُ هنا: «الإدارة الشجاعة، المتفائلة، الجهادية، المشرفة ميدانياً على المشاكل – إذ لا يمكن الوقوف على الكثير من المشاكل في غرفة الإدارة وخلف الطاولة، بل لابد من النزول إلى الساحة وإلى وسط الميدان لإمكانية تلمّس المشاكل – وغير المنفعلة أمام العدوّ، والتي لا تجعل اقتصاد البلد مرهوناً بقرار هذا وذاك»، وهذه هي واحدة من الأمور الهامة. فلا ينبغي لنا إناطة الاقتصاد بأن نرى هل ستمدّد أمريكا تلك الإعفاءات أم لا.. هذه هي واحدة من مشاكل عملنا منذ البداية، ولقد تكرر هذا الأمر خلال الأعوام المنصرمة مراراً. فإننا نحن المسؤولين الحكوميين قد أحلنا الكثير من أنشطتنا إلى أن نرى الطرف المقابل الذي هو خارج نطاق إرادتنا أيّ قرار سيتّخذه، فإن قمنا نحن بهذا الأمر، سيعمل التاجر الفلاني والمستثمر الفلاني وموفّر فرص العمل الفلاني على نفس هذه الشاكلة، وهكذا بقيت الكثير من الأعمال الهامة والإجراءات العمرانية الضرورية معطَّلة لنرى أيّ قرار يتخّذه الآخرون.. كلا، لا ينبغي جعل الاقتصاد مرهوناً بعمل الآخرين.

هنالك نقطة وهي ضرورة تفعيل الطاقات الشعبية حقاً، وهذا ما طرحناها مراراً ونكرّره اليوم أيضاً، وذلك لعلمي ومعرفتي بوجود هذه الطاقات والحمد لله. فإنّ لدينا طاقات شعبية واسعة، ولدينا شباب صالح فاضل خرّيج موفّر لفرص العمل ثاقب الفكر مبدع في مختلف المجالات، ولابد من الاعتماد عليهم ودعوتهم واستدعائهم لإنجاز أعمال مختلفة على نقطة واحدة. كأن تركّز الحكومة في الشؤون الاقتصادية على مسألة واحدة من قبيل قيمة العملة الوطنية على سبيل المثال وتطلب من الشباب أن يجتمعوا ويفكّروا ويبذلوا جهودهم ويعملوا ويقدّموا حلولاً ويبادروا، فإنّ هذه طاقة. إضافة إلى التوكّل على الله، وباعتقادي سيتم إنجاز الأعمال التي تبادرون إليها بالتوكّل على الله.

وإنّ من الأمور الضرورية للغاية هي التصدّي الحكومي للأيادي الهدّامة في مختلف القطاعات الاقتصادية وعلى الجميع مساندة الحكومة في هذا التصدّي. فهناك اليوم قضية التهريب والاحتكار والسمسرة المضرّة جداً. إذ تصل تقارير حول حالات شراء خائنة للقمح واللحم والأرزاق العامة وأمثالها، وقد وُضع المسؤولون بالصورة، فإنّ هذه خيانة ولابد من التصدي لها. أو يستوردون البضاعة الفلانية ويخزنونها في المخزن، وهذا هو الاحتكار الذي تجب مكافحته. أجل، إذا بادرتم إلى التصدّي لهذه الأمور، سيقوم البعض بإثارة الضجيج والضوضاء والصخب، فلابد للجميع أن يساندوا الحكومة في ذلك لتتمكّن التعزيرات الحكومية من إنجاز عملها بصورة حقيقية.

لقد دوّنتُ هنا بضعة مهام أساسية لابد من أخذها بنظر الاعتبار. والمسؤولون برمّتهم حاضرون هنا والحمد لله، سواء نوّاب المجلس أو كبار المسؤولين الحكوميين أو مسؤولوا السلطة القضائية، فإنّ المهام هذه مرتبطة بكم. ولو تقبّلنا جميعاً هذه الأمور الأساسية على أنها فكرة عامة، عندذلك سنقوم بالتعاون وتظافر الجهود فيها.

 

واحدة من المهام الأساسية هي إزالة موانع الإنتاج. فإنّ «ازدهار الإنتاج» الذي طرحناه كشعار لهذا العام(17) يعتبر المفتاح لحلّ الكثير من مشاكلنا الاقتصادية.. هكذا هو الإنتاج. فلو استطعنا حقاً أن نعمل على ازدهار الإنتاج وإزالة موانعه التي هي في البلد كثيرة جداً – وهذا ما يتسنى بالعزيمة الجهادية وباستخدام الشباب المتخصص – لتعالجت الكثير من المشاكل، كتوفير فرص العمل والتضخم والرفاه العام وعائدات الناس، ولانتعش التصدير أيضاً. فالإنتاج يمثّل أساس القضايا الاقتصادية في البلد، وهذا باعتقادنا يمكن تحقيقه.

أينما اتّكأنا على شبابنا ووثقنا بهم وزوّدناهم بالحدّ الأدنى من الإمكانيات – هكذا هم الشباب في الأغلب حيث يمارسون أعمالهم بالحدّ الأدنى من الإمكانيات – تقدّمنا إلى الأمام. ولقد شاهدتم الأمثلة على ذلك خلال الأعوام المنصرمة، ومنها نتاجاتنا العسكرية. ذلك إنّ منتوجاتنا العسكرية التي يحمل العدوّ حساسية شديدة تجاهها لهي حقاً في غاية الأهمية. فإنّ هذه الصواريخ النُقَطية الدقيقة – سواء الصواريخ الباليستية أو صواريخ الكروز – التي تُطلَق من مسافة 1500 إلى 2000 كيلومتر وتصيب الهدف بخمسة إلى ستة أمتار حوله تعتبر بالغة الأهمية. وما ترونه من الضجيج الذي يثيرونه حيال الصاروخ وأمثاله يعود إلى هذا التطوّر. ولكن من الذي صنعه؟ صنعه هؤلاء الشباب. فإنّ الشباب المؤمن المتحفّز يعمل ولا يملّ.

أو في ذلك اليوم الذي كنّا فيه بحاجة إلى اليورانيوم المخصّب بنسبة عشرين بالمئة لهذه الأجهزة الضرورية التي كانت لدينا في طهران وفي أماكن أخرى للعلاج وللمسائل الطبية وما شاكلها، حيث كنّا سابقاً نستورد اليورانيوم المخصّب بنسبة عشرين بالمئة، وقد استوردنا مقداراً منه في السنوات الماضية حتى شارف على الانتهاء، وانتهاؤه يعني تعطيل إنتاج الأدوية النووية، التي كان يتم إنتاجها بواسطة الإشعاع النووي والتي كانت تُستخدم في مختلف المجالات، بالكامل. فوُضع المسؤولون بالصورة وتابعوا القضية وبذلوا مجهودهم. بيد أن الطرف المقابل قال بادئ الأمر بأننا نبيعه لكم، ولكنهم بعد ذلك وضعوا الشروط واحداً تلو الآخر. فرأينا أنهم غير مستعدين لبيعه وسيؤدي ذلك إلى بروز بعض المشاكل، فطالبنا المسؤولين بأن يتابعوا القضية بأنفسهم، وما من أحدٍ كان يصدّق بذلك، ولكنهم تابعوا الأمر وبالتالي أنجزوا هذا العمل العظيم والهام جداً، أي إنهم استطاعوا تخصيب اليورانيوم بنسبة عشرين بالمئة. ولقد ذكرتها في نفس هذه الجلسة على ما في ظني يومذاك بأن الشوط الأصعب في مسيرة التخصيب هو الوصول إلى نسبة عشرين بالمئة، وأما الوصول إلى المراحل الأعلى فهو ليس بهذه الصعوبة بل أسهل بكثير. فإنهم استطاعوا إنجاز هذا الحقل العسير والصعب، ولكن من الذي أنجزه؟ أنجزه شبابنا. فلماذا لا يستطيعون حلّ مشاكلنا الصناعية؟ ولماذا لا يتمكّنون من معالجة الحلقات المفقودة لعجلة بعض أعمالنا التجارية والصناعية؟ إنهم قادرون على ذلك، ولكن يجب الوثوق بهم.. هذه هي واحدة من المهام الأساسية.

ينبغي حمل قضية ازدهار الإنتاج على محمل الجد. ويجب على المسؤولين الكرام أن يحملوا حساسية شديدة تجاه تعطيل المصانع والأماكن الإنتاجية. إذ أحياناً ما تصل أخبارٌ مرّة حقاً، من قبيل تعطيل المصنع الفلاني بمنتوجاته الكثيرة بسبب بروز مشكلة. علماً بأني دوّنتُ هنا نقطة لأطرحها لاحقاً ولكني سأطرحها الآن: ينبغي على المسؤولين في وزارة الصناعة أن يفتّشوا وينظروا أين هو النقص في القطاعات المعنية، سواء في الآليات وقطع الغيار أو في البضائع المتوسطة والمواد الضرورية للإنتاج، ثم يُعدوا قائمة ويطلبوا من مختلف المسؤولين في البلد (مساعدتهم)، واليوم حيث أن استيراد هذه المواد لا يتأتى بسهولة، يمكنهم إنتاج الكثير منها. فإن هنالك أمور لا صلة لها بالقضايا النووية وما شاكلها بتاتاً، ولكنهم من منطلق الخبث والدناءة يمنعون شراءها واستيرادها، فليتم إنتاجها في الداخل. ذلك إنّ شبابنا مستعدّون ومبدعون، فليطلبوا منهم وليقيموا معرضاً دائماً لعرض المتطلبات والمنتوجات.

والمهمة الأساسية الأخرى التي ينبغي إنجازها في الشأن الاقتصادي هي الاكتفاء الذاتي. ولقد طُرحت هذه القضية منذ بداية انتصار الثورة وحتى اليوم. حيث انطلق منذ بدايات الثورة جهاد الاكتفاء الذاتي في مختلف أقسام الجيش والقطاعات العسكرية، ثم نزل الحرس الثوري في وسط الميدان وحقّق الكثير من الإنجازات المختلفة في هذا المجال. كما وكان الشباب يتابعون هذه الأعمال في جهاد البناء. وبالتالي فقد كانت أرضية الاكتفاء الذاتي في البلد مهيَّأة حقاً.

وفي منتوجاتنا (الزراعية) أيضاً، حيث طُلب من المسؤولين الزراعيين الوصول إلى الاكتفاء الذاتي في القمح، فشحذوا همّتهم وتحقق هذا والحمد لله. حيث حققنا الاكتفاء الذاتي في القمح خلال العامين المنصرمين، وفيما مضى كذلك لمدة سنة أو سنتين. وهذا ما يمكن بلوغه في جميع المسائل بالجهد والسعي، سواء في الموادّ الغذائية وهي الأهم كالقمح والشعير وحبات الزيت أو في تربية الحيوانات.. هذه حقول يجب الوصول فيها إلى الاكتفاء الذاتي.

في فترة من الفترات وللأسف دخلت فكرة جديدة إلى مراكزنا لاتخاذ القرار أبعدتنا عن الاكتفاء الذاتي وهي «المنفعة الاقتصادية». حيث قالوا بأن إنتاج القمح والاكتفاء الذاتي فيه لا ينفعنا اقتصادياً، والذي ينفعنا هو استيراد القمح من الخارج. وهذا واضح، ففي فترة قد تصبّ المنفعة الاقتصادية في ذلك، ولكن إذا حالوا دون دخول القمح ووقفوا أمام استيراده ولم يبيعوكم إياه ماذا ستفعلون؟ أيّ دولة عاقلة في العالم تقوم بهذا العمل؟ قالوا على سبيل المثال اِزرعوا الزعفوان واستوردوا القمح، لأن الزعفران يباع في العالم بسعرٍ أغلى، وهذا يصبّ في مصلحتنا من الناحية الاقتصادية.

والكلام ذاته يجري في مجال البترول والبنزين أيضاً. ولقد أشار السيد رئيس الجمهورية الآن إلى مصفاة المكثّفات الغازية التي تم تدشينها في بندر عباس تحت عنوان «نجمة الخليج الفارسي»، وهي نموذج من الاكتفاء الذاتي، حيث توفّر اليوم ثلث البنزين الذي يُستعمَل حالياً بصورة مسرفة – فإن هناك اليوم إسراف في استعمال البنزين في البلد، لأنّ استعمال مئة مليون لتر أو تسعين مليون لتر أو أقل أو أكثر يومياً يعتبر إسرافاً ولا ينبغي أن يكون كذلك، ولكن يتم توفير ثلث هذا المقدار تقريباً بواسطة هذه المصفاة – ولقد ابتدأ تأسيسها في عام 2007، وتعثّر لمدة من الزمن، ثم انطلقت من جديد بهمة الحرس الثوري والحمد لله، وها هي اليوم قائمة.. هذا هو الاكتفاء الذاتي، وهو موضوع يجب الاهتمام به كثيراً. فلابد أن نفكّر بالاكتفاء الذاتي في جميع المجالات. ذلك إن قوة البلد وقدرته وسمعته تكمن في الاكتفاء الذاتي. ولذا يجب علينا أن نوفّر الأركان الضرورية لاجتياجاتنا بأنفسنا.

والمهمة الأساسية الثالثة هي بيئة التجارة والعمل وتحسين أوضاعها. فإنّ هناك في هذا الجهاز وذاك كم كبير من القوانين المختلفة والمتناقضة التي تؤدي إلى عرقلة عملية الإنتاج. وهذا ما طرحناه وطالبنا به المسؤولين الحكوميين في الجلسات الخاصة بهم لعدة مرات، ولكن لم يشحذوا همّتهم بالمقدار الكافي. وأنا أطلب منهم أن يحلموا هذه القضية على محمل الجدّ. فافعلوا ما من شأنه الحثّ على العمل الإنتاجي.

الجميع يعلم بأن السيولة النقدية اليوم قد ارتفعت إلى حدّ كبير، وبمقدورها أن تكون بلية وأن تؤدي إلى التضخم وأن تدمّر كالسيل أيّ مكان هاجمته، ولكن نفس هذه السيولة النقدية لو تم توجيهها نحو الإنتاج بوسعها أن تكون رحمة إلهية كالماء، فلماذا لا يتم توجيهها؟ واحدة من أسباب ذلك هي أن المنتج وبسبب المشاكل التي تواجهه لا يرى في منفعته أن يبادر إلى العمل الإنتاجي. ولقد قلتها في خطابي الذي أدليته يوم العيد في بداية العام (الهجري الشمسي الجديد)(18): هناك أشخاص يتحمّلون مشاكل الإنتاج في سبيل الله! وأنا بنفسي رأيت أحدهم يقول: يمكنني إيداع هذا الرأسمال في المصرف والانتفاع من أرباحه – بأن يستثمره في ودائع طويلة الأجل ذات أرباح عالية دون أي قلق وهاجس – ولكني أريد الإنتاج في سبيل الله لأن البلد بحاجة إليه.. أمثال هؤلاء الأشخاص قِلّة ولابد أن نقوم بما يؤدي إلى كثرتهم، وذلك عبر إزالة موانع الإنتاج

هنالك نقطة هامة في الشأن الاقتصادي للبلد وهي إعطاء الأولوية للقطاع الزراعي. والقطاع هذا يقع في الدرجة الأولى (من الأهمية) لأنه من جانب يزوّد الموادّ الغذائية للناس، ومن جانب آخر يوفّر أعلى نسبة من فرص العمل – وبحسب التقرير الذي بلغني يوفر القطاع الزراعي نحو ثلاثين بالمئة من فرص العمل -، ومن جانب ثالث لو تابعتم قضية الزراعة والأرياف ومشاكلها وإنشاء المعامل والصناعات التحويلية فيها وإزالة مشاكل بيع السِلع على يد الريفيين أنفسم لقدّمتم باعتقادي مساعدة كبيرة لتطوّر الاقتصاد، وهنا تكمن أهمية القطاع الزراعي. ولكن أحياناً ما يُسمع خبر تعطيل بعض الوحدات الزراعية الإنتاجية وهو خبر مرٌ للغاية. فلابد من النهوض بأعمال هامة في هذا الشأن وأنا قد دوّنتها ولكن لا لضرورة لطرحها هنا فالمجال لا يسمح بذلك.

وفي حقل الصناعات والمناجم كما ذكرنا، أحياناً ما يحتاج عمل صناعي إلى قطعة أو إلى مادة أو إلى مادة أولية لابد أن نستوردها من الخارج، ولكن هذا متعذّر (في الوقت الراهن) لوجود بعض المشاكل وعدم إمكانية نقل الأموال عبر المصارف، فلنشحذ همّتنا ولنبادر إلى إنتاجها في الداخل. بمعنى أنّ واحدة من المهام التي يجب إنجازها في المجال الاقتصادي والتي تقع على عاتق وزارة الصناعة هي فعل ما من شأنه أن يجعل حقل الصناعات والمناجم يمارس أعماله بسهولة وسلاسة.

إن لدينا اليوم في البلد مجموعات تحقيقية متعددة والحمد لله لربما تصل إلى الآلاف، في داخل الجامعات وخارجها، وأغلبها من شريحة الشباب، وأنا على صلة ببعضهم حيث يأتوننا ونجتمع بهم ونسألهم، وكلهم يحملون محفزات عالية وأفكار جيدة. ثم إنّهم يحدّثوننا بأمور، أنا المطلع على القضايا الحكومية أعرف أنّ هذا الشيء الذي يقول «أنا أستطيع إنشاؤه» هو بالضبط ما تحتاج إليه الأجهزة الحكومية. وقد حدث أحياناً أننا ربطنا بعضهم بالآخر، ومكتبُنا كان هو المتصدي للأمر حيث طالبناه بالمبادرة إلى ذلك، وبالتالي ربطنا هذه المجموعة التحقيقية بالوزارة الفلانية وسارت أمورهم.

إنّ لدينا اليوم من هذه الناحية ثروة عظيمة فذة، وهي ثروة الطاقات الإنسانية الكفوءة والمتحفزة. فإنّ الشاب متحفز نشيط طويل البال مُبدع – هؤلاء الذين أعرفهم عن بعد وقرب – وأغلبهم من الشباب المتدين الثوري المتحمس الراغب. فعلى الأجهزة (الحكومية) أن تستفيد منهم، وعلى المسؤولين في وزارة الصناعة أن يضعوا خطة واضحة وأن يبيّنوا فيها تلك الحلقات المفقودة في الصنائع ويوجّهوا دعوة لهؤلاء ويطلبوا منهم ويوفّروا لهم الإمكانيات، وهؤلاء في الأغلب ينطلقون بإمكانيات مالية بسيطة.

وإنّ من الفرص المتاحة في الوقت الراهن هي تعويض الخسائر الناجمة عن السيول، فقد خلّفت السيول خسائر كبيرة وألحقت الضرر بأدوات العيش ووسائل الحياة وأمثال ذلك، فلابد للمصانع أن تمارس عملها. وإنّ من المهام الأساسية هي أن ننظّم الميزانية التي خصّصناها للمناطق المنكوبة بالسيل ونبرمجها ونوجّهها بالطريقة التي تؤدي إلى ازدهار المصانع في البلد.. هذا هو الإنتاج. ولا ينبغي أن نذهب ثانية إلى الاستيراد المنفلت. فلنفترض مثلاً بأننا نريد إيصال السلعة الفلانية للمناطق المنكوبة بالسيل، وهي في البلد سلعة نادرة أو مفقودة، فهل نلجأ إلى الاستيراد؟ كلا.. نلجأ إلى الإنتاج وإلى القوى المنتجة محلياً. هكذا ينبغي تنظيم التسهيلات والمساعدات.. هذه نقطة.

والنقطة الأخرى هي بناء المساكن. وأساساً فإنّ حقل المسكن يعتبر من الحقول الموفّرة لفرص العمل في البلد. وإنّ من الأمور التي غفلنا عنها في هذه السنوات المنصرمة هي أننا تركنا المسكن لحاله. فإنّ بناء المسكن بحد ذاته يوظّف الكثير من الصناعات، بمعنى أنه يوفّر فرص العمل ويولّد الإنتاج وينعش الإنتاج أيضاً. واليوم نحن بحاجة إلى المسكن في المناطق المنكوبة بالسيل، سواء المساكن التي يجب ترميمها أو المساكن التي يجب بناؤها، وهذه فرصة لابد من استثمارها. وإنّ الأجهزة التي بوسعها مساعدة الحكومة في هذه المجالات ليست بالقليلة، وبإمكان القطاع الخاص أن يخوض هذا الميدان، كما ويمكنكم توجيه الدعوة إلى نفس هؤلاء الشباب الذين أشرتُ إليهم، فاطلبوا منهم أن يمدّوا لكم يد العون، وبذلك ستنطلق في البلد حركة عظيمة لتوفير فرص العمل.

التفتوا إلى أنّ شعار الجمهورية الإسلامية والثورة الإسلامية في مواجهة العدو هو «المقاومة». والعدوّ يبغي الزحف والتعدّي، وهناك طريقان ماثلان أمام هذا العدوّ الذي يريد أن يتقدّم باستمرار: الأول هو أن تتراجع، وكلما تراجعت تقدّم العدو، والثاني هو أن تقف وتقاوم. وقد أثبتت تجربتنا في الجمهورية الإسلامية – ولا نريد التمسّك بالتجارب التأريخية في صدر الإسلام وأمثالها – بأنّ المقاومة أمام العدوّ هي المجدية. أينما قاومنا رأينا ثمارها: في الدفاع المقدس، وفي مختلف الساحات، وفي التحريضات الأمنية ضدّنا، وفي الشؤون الاقتصادية. ففي فترة وصلت عائداتنا السنوية من النفط – الذي كان هو المصدر الوحيد لدرّ الفوائد علينا – إلى نحو ست مليارات، فهل توجد صعوبة أشدّ من هذه؟ علماً بأنّ سكّان بلدنا كانوا أقلّ مما هم الآن عليه بكثير، ومع ذلك فإن خمسة مليارات أو ستة مليارات من الأرباح لأي بلد ليست بالشيء الذي يُذكر، ولكننا استطعنا وصمدنا وقاومنا ووقف الناس. والصمود بالمناسبة لم يكن عملاً عسيراً جداً.

إنّ المقاومة في الساحة العسكرية قضية وفي الساحة الاقتصادية قضية أخرى. المقاومة في الساحة الاقتصادية تعني هذه الأمور التي ذكرتها، وهي تعزيز البناء الاقتصادي في الداخل، وإرساء دعائم البنى التحتية، والتعامل مع القضايا بجدّية، ومتابعة المسائل. فإنّ واحدة من مشاكلنا هي عدم المتابعة وترك المسألة لحالها. حيث نبدأ بقضية بشكل جيد ونسير بها قليلاً ثم تُترَك شيئاً فشيئاً ولا تُتابَع. إذن كلّ الأمور التي ذكرناها هي مصداق للمقاومة.

وفي سبيل إصلاح الأمور لا نشخص بأبصارنا إلى الخارج، فإنّ الآخرين لا يساعدوننا بل يسدّدون لنا ضرباتهم.. انظروا إلى أوروبا؟ الدول الأوروبية ليست أمريكا، ولا يوجد لنا معها صراع وخلاف، بل لنا مع بعضها علاقات حسنة. فانظروا كيف تعاملوا مع الاتفاق النووي وتعهّداتهم تجاهه. والملفت أنهم يكرّرون باستمرار «نحن ملتزمون بالاتفاق النووي»، ولكن أساساً ماذا يعني التزام ألمانيا وفرنسا وبريطانيا بالاتفاق النووي؟ فليسألهم أحدٌ أنتم ملتزمون يعني ماذا تفعلون؟ ما هو التعهّد الذي تحملونه حيال الاتفاق النووي؟ بأيّ تعهّد عملتم؟ يكررون دوماً بأننا متعهدون وملتزمون، ولكن ماذا يعني أنكم ملتزمون؟ هذه هي الحقيقة. إذن لا ينبغي النظر إلى الخارج، ولإصلاح الأمور لابد من النظر إلى الداخل، وهذا هو الأساس.

والطاقات هنا ليست بالقليلة بل كثيرة والحمد لله. فالبلد كبير والنفوس كثيرة والطاقات الإنسانية الشابة النشطية غفيرة. وعلى الناس بالطبع أن يمارسوا دورهم في الشؤون الاقتصادية، أي إنّ الخطاب هذا لم يوجَّه للحكومة والمسؤولين وحسب، وإنما جزء هام منه مرتبط بالناس. فعلى الناس أن يساعدوا الحكومة ويدعموها. وفي قضية الإنتاج وازدهار الإنتاج أيضاً يستطيع الناس أن يستثمروا وأن يساعدوا. وبوسعهم شراء المنتوجات المحلية. فقد أطلقنا في العام الماضي شعار دعم البضاعة الإيرانية، وعمل به الكثير وتحققت إنجازات جيدة في هذا المضمار، ولكن لا ينبغي أن يتوقّف هذا الأمر بل لابد أن يزداد يوماً بعد آخر. أي يجب حقاً ترجيح البضاعة المحلية في نظر كل إيراني على البضاعة الأجنبية. فإن هذه هي واحدة من الأعمال (الهامة) إن أرادوا تحسين الأوضاع الاقتصادية في البلد.

ومن الأعمال الأخرى عدم الإكثار في الشراء. أحياناً يشاهد المرء أنه بمجرد انتشار إشاعة مثلاً في إحدى شبكات التواصل الاجتماعي على يد إنسان خبيث كاذب بأن يقول أنّ السلعة الفلانية قد يرتفع سعرها، يهبّ الناس لشرائها! ما هو الداعي لذلك؟ ينبغي ترك الإكثار في الشراء وعدم الاعتناء بالإشاعات وتجنّب الإسراف. ففي بعض المواطن يتحقق الإسراف حقاً وهذا ما لا ينبغي حدوثه.. هذه هي أدوار الناس.

ولقد دوّنتُ في الشؤون الاقتصادية نقاط أخرى حول البنوك وما يرتبط بها، وسنطرحها لاحقاً مع السادة القائمين على المصارف والبنوك إن شاء الله، فالوقت الآن لا يسع لذلك.

وأما أمريكا: لا شك أنّ عِداء أمريكا الذي ابتدأ منذ بداية الثورة قد اتّخذ اليوم طابع الصراحة والعلن. التفتوا! لا نظنّ بأنّ العِداء الأمريكي قد ازداد اليوم.. كلا، وإنما أصبح علانية. فإنهم فيما مضى أيضاً كانوا يمارسون نفس هذا العداء ولكن لا بهذه الصراحة، واليوم باتوا يقولون نفعل كذا وكذا ويهدّدون جهاراً. فليعلم الإنسان أنّ اقتدار ذلك الذي يهدّد بصوتٍ عالٍ ليس بمقدار صوته العالي، وعليه الوجل من ذلك الذي لا يهدّد أكثر من الذي يهدّد. إذن فالأمريكيون اليوم قد أماطوا اللثام عن عِدائهم. علماً بأنهم يراعون مصالح الكيان الصهيوني أكثر من أي دولة أخرى، ولابد من القول حقاً بأن مِقوَد الكثير من السياسات الأمريكية بيد الصهانية، ولا أقصد بالضرورة الحكومة الصهيونية في فلسطين المحتلة، وإنما هو بيد المجتمع الصهيوني المهيمن على شؤونهم.

إنّ الأمريكيين والإدارة الأمريكية الحالية بحاجة إلى العربدة. ولكم أن تنظروا إلى ما كرّره رئيسهم حتى الآن لعدة مرات بأنّ «سياستنا غيّرت إيران، فإنّ إيران اليوم تختلف عن إيران الماضي»؛ أي إن السياسات الذي وضعتُها تركت أثرها على إيران، والحقّ معه فيما يقول، فقد تغيّرت إيران، والتغيير هذا هو أنّ نفرة الناس من أمريكا قد ازدادت وتضاعفت عشرة أضعاف، واقترابهم من الهيمنة على مصالح الجمهورية الإسلامية أصبح أبعد منالاً، وهمّة شبابنا للحفاظ على جهوزية البلد قد ارتفعت، وأعين قواتنا العسكرية والأمنية قد تفتّحت أكثر.. أجل، هذه هي التغييرات التي يتحدث عنها. فانظروا إلى العدوّ كم يُخطئ في حساباته وتقديراته، حيث يقول رئيس الجمهورية: «كل جمعة تخرج المظاهرات في طهران ضدّ النظام».. أولاً ليس الجمعة وإنما السبت وليس طهران وإنما باريس(19). «الحمد لله الذي جعل أعداءنا من الحمقى»(20).. هذا هو عِداؤهم القائم.

هنالك نقطة غالباً ما تُهمَل وهي أنّ أمريكا اليوم تعاني في داخلها من مشاكل اجتماعية واقتصادية و… كبرى. علماً بأنهم حقّقوا حالات من التقدم في الشأن الاقتصادي، ولكن يقول المراقبون بأنّ التقدّم هذا قصير المدى ولا يستمر. بيد أنّ مشاكلهم الاجتماعية الهامة قائمة في الوقت الراهن. كما أنّ هناك عدم انسجام في أوضاعهم الحكومية أيضاً، فإنّ الأقوال المتناقضة التي يُطلقونها – حيث يقول أحدهم شيئاً ويقول غيره شيئاً آخر، ويقولون اليوم شيئاً ويقولون في الغد ما يناقضه – علامة على الاضطراب.

وهنا دوّنتُ ما جاء في تقرير وزارة الزراعة الأمريكية بأنّ هناك 41 مليون أمريكي يعانون من الجوع ومن فقدان الأمن الغذائي.. هذه هي أوضاع أمريكا. أي إنّ هذا الضجيج والصخب والضغط الاقتصادي المفروض على الشعب الإيراني بحسب زعمهم، هو من قِبَل مثل هذه الحكومة التي يوجد في بلدها، بحسب الأرقام التي هم ذكروها، 41 مليون جائع.

وفي الوضع الاجتماعي، هناك مركز موسوم بـ«مركز الإحصاءات الحيوية في أمريكا» يقول: 40 بالمئة من الولادات في أمريكا غير شرعية. مليونان ومئتي ألف سجين يقبعون في سجون أمريكا وهذا نسبة إلى النفوس لا مثيل له في العالم، ففي أي بقعة من بقاع العالم نسبة إلى نفوسها لا يوجد هذا العدد الكبير من السجناء. الأرقام الأمريكية هي الأعلى نسبة إلى العالم في الإدمان على المخدرات. التفتوا! هذه هي المشاكل الاجتماعية التي يعانون منها. 31 بالمئة من إطلاق الرصاص الجماعي في العالم يحدث في أمريكا، وهذا ما ترونه وتسمعونه وتقرأونه كل يوم في الصحف بأنه تم إطلاق الرصاص في المدرسة الفلانية وفي الملعب الفلاني وفي الموقف الفلاني للمترو.. هذه هي الأوضاع الاجتماعية التي يعانون منها. وقلب الإنسان يحترق على الشعب الأمريكي. والذي يزيد الطين بلّة هو أنه من الذي جاء وأضحى رئيساً لهم! أناسٌ بعيدون كلّ البعد عن الحقيقة.

إذن لا يقوم البعض بتضخيم العدوّ وتهويله كثيراً، فإنّ العدوّ في ورطة وأزمة. ولا نريد بالطبع الغفلة عن عِداء العدوّ، إذ (على حدّ قول الشاعر) «لا يمكن اعتبار العدوّ حقيراً لا حيلة له»(21)، ولكن في الوقت ذاته لا يمكن اعتباره عدوّاً كبير الهيبة والعظمة بحيث يشعر الإنسان أنه لا يستطيع فعل شيء أمامه.. كلا، فالعدوّ لا يتمتع بقوة فائقة، بل يعاني من مشاكل عدة وسياساته مغلوطة أيضاً.

إنّ السياسات التي اتّبعها الرئيس الأمريكي الحالي غالباً ما انتهت بضررهم من الناحية السياسية والأمنية، سواء سياساتهم في منطقتنا أو سياساتهم الأوروبية أو سياساتهم في مواجهة القوى الآسيوية، فإنها ألحقت الضرر بهم ولم تتمكّن من مساعدتهم. وإنّ قضية السبعة آلاف مليار دولار التي طرحها هذا الرجل (الرئيس الأمريكي) في دعاياته الانتخابية(22) مازالت مستمرة ومازالوا يصرفون الأموال، علماً بأن أيديهم في كيس السعوديين أيضاً. على أي حال فإنهم لم ينجحوا في سياساتهم. وفي سياسة مواجهة الجمهورية الإسلامية أيضاً أقولها لكم بكل تأكيد أنّ أمريكا هي التي ستُهزم وأنّ المواجهة ستنتهي لصالحنا.

هناك مراقبون في أمريكا أخذوا اليوم يحذّرون في صحفهم بأنّ هذه الضغوط التي تفرضونها على إيران ستؤدي إلى طفرة اقتصادية في هذا البلد.. هذا ما هم يقولونه وهو الواقع، فإنهم سيُهزمون. وسلوكهم ناتج عن الانفعال؛ ذلك إنّ الاقتدار المتصاعد للجمهورية الإسلامية والحمد لله بات يُخيفهم، ولذلك راحوا يُقدمون على مثل هذه الأعمال من منطلق الانفعال. إذن هذه مسألة لابد من الالتفات إليها.

يشاهد المرء البعض في الداخل ويسمع منهم(23)، حين يتحدث ذاك عن التفاوض، يتساءلون: ما هو إشكال المفاوضات؟ التفاوض مع أمريكا بالنسبة لنا سمّ مادامت أمريكا هي التي عليها اليوم، وعلى حدّ قول الإمام الخميني: مادامت لم تتصف بالإنسانية.. هكذا عبّر الإمام، تفاوضنا معها سمّ ومع هذه الإدارة الحالية سمّ مضاعف.

التفاوض يعني المقايضة، ويعني أن تعطي شيئاً وتأخذ شيئاً. وإنّ الذي تصبو إليه أمريكا في هذه المقايضة هو بالضبط نقاط قوة الجمهورية الإسلامية، حيث يريدون سوق المفاوضات إلى هذه النقطة. لا يقولون تعالوا نتفاوض حول الماء والهواء أو حول الموارد الطبيعية أو حول البيئة، وإنما يقولون تعالوا نتفاوض حول سلاحكم الدفاعي.. لماذا تمتلكون سلاحاً دفاعياً؟ ولكن السلاح الدفاعي ضروريّ لأي بلد. إنهم يقولون تعالوا نتفاوض حول هذا الأمر.. ماذا يعني نتفاوض؟ يعني أنّكم إذا كنتم تصنعون صاروخاً بهذا المدى وبهذه الدقة، عليكم الحدّ من مداه لئلا يصل إلى مواقعنا، حتى إذا ضربناكم يوماً ما لا تستطيعون الردّ علينا.. هذا ما يريدون التفاوض فيه فهل تقبلون به أم لا؟ من الواضح أنكم لا تقبلون به، فإن رفضتم سيرد نفس الصراع والنزاع، والبحث هنا لا يدور حول الدين والثورة وما إلى ذلك، وإنما كلّ إيراني غيورٍ واعٍ لا يتاجر مع الطرف الآخر بنقاط قوته، ولا يتعامل مع الذي يريد انتشال نقاط القوة هذه من يده، فإننا بحاجة إليها.

كما أنّ عمقنا الاستراتيجي في المنطقة بالغ الأهمية، بل هو مهم لكل بلد. فإن العمق الاستراتيجي السياسي والأمني يعدّ من المقوّمات الرئيسية لحياة كل الدول والشعوب، ونحن ولله الحمد نتمتع في المنطقة بعمق استراتيجي جيّد جداً، وهذا ما يسوؤهم، ولذلك يقولون تعالوا نتباحث حول قضايا المنطقة، يريدون بذلك تخلّينا عن هذا العمق الاستراتيجي.. هذا ما يبتغون التفاوض حوله.

إذن أساس التفاوض خطأ حتى مع الإنسان السويّ المتزن، فكيف بهؤلاء الذين لا يتسمون بأي اتزان ولا يفون بأي قول وعهد ولا يلتزمون بأي شيء؛ لا أخلاقي ولا قانوني ولا عرف دولي. إذن فالتفاوض أمرٌ مُضحك. علماً بأنه لا يوجد في عقلائنا من يريد ذلك، وأبناء الشعب أيضاً واضح موقفهم، إلا البعض ممن يثير الضجيج هنا وهناك. وعلى هذا فالتفاوض لا معنى له على الإطلاق، وكما ذكرنا سابقاً لعدة مرات لا يتحقق أبداً.

إنّ الحكومة التي سبقت هؤلاء كانت في الظاهر أكثر أناقة وأفضل من هذه الحكومة بكثير. فقد كتب أوباما إلينا رسالة ودية وأجبناه عليها بعد فترة، فكتب الرسالة الثانية على الفور، وبينما كنتُ عازماً على الجواب ثانية حتى اندلعت فتنة عام 2009، فطار فرحاً ووقف إلى جانب المؤججين للفتنة وأخذ يدافع عن الفتنة ويدعهما.. أولئك الذين كانوا يتسمون بذلك المظهر هذه كانت حقيقتهم وهي أنه بمجرد اندلاع الفتنة هنا كأنهم نسوا كل تلك الأقوال السابقة وإبداء الحبّ والودّ والتحقوا بتيّار الفتنة ضدّ الجمهورية الإسلامية، وأما هؤلاء فأمرهم معلوم.

إذن الخيار المحتوم للشعب الإيراني هو المقاومة أمام أمريكا، وهي التي ستُرغم على التراجع في هذه المواجهة والمقاومة. والمقاومة هنا ليست مواجهة عسكرية، وما يطرحه البعض من اندلاع حرب في الصحف وفي الفضاء المجازي إنما هو كلام فارغ. ليس من المقرر أن تندلع حرب، وسوف لا يتحقق ذلك بتوفيق الله.. لا نحن نريد شنّ حرب ولا هم لأنه ليس في مصلحتهم وهذا ما هم يعلمون به. ذلك إننا كنّا ومازلنا لا نبتدأ بحربٍ أبداً، والمواجهة هذه مواجهة الإرادات، وإرادتنا هي الأقوى. وبالإضافة إلى إرادتنا القوية لدينا توكّلنا على الله أيضاً. ﴿ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَولَی الَّذینَ ءامَنوا وَأَنَّ الکّْفِرینَ لا مَولیْ لَهُم﴾(24).. نحن نتّكل على إرادة الله. وعلى هذا فالمستقبل بإذن الله مستقبل مشرق، والصعوبات ليست وسوف لا تكون كما يصوّرها ويصفها البعض. وستنطلق الحكومة وينطلق المسؤولون في البلد لمواجهة الأحداث بهمة وقدرة وإرادة قوية ومديريات وتدابير جديدة، كما أشاروا، وسيحالفهم النصر إن شاء الله.

إلهنا! بمحمد وآل محمد انصر الشعب الإيراني في جميع هذه المواجهات.

إلهنا! احشر إمامنا العظيم والعزيز الذي فتح أمامنا هذا الطريق مع أوليائه.

إلهنا! بمحمد وآل محمد اجعل ما قلناه وما نويناه وما سنعمله لك وفي سبيلك وتقبّله منّا.

والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته

 

 

الهوامش:

1 ـ في بداية هذا اللقاء تحدّث رئيس الجمهورية حجة الإسلام والمسلمين الشيخ حسن روحاني.

2 ـ سورة البقرة، الآية 183.

3 ـ سورة البقرة، الآية 189.

4 ـ سورة الحجرات، جزء من الآية 10.

5 ـ سورة البقرة، الآية 189.

6 ـ سورة البقرة، الآية 53.

7 ـ سورة الأنفال، جزء من الآية 29 .

8 ـ سورة الطلاق، جزء من الآية 2 .

9 ـ سورة النساء، جزء من الآية 122 .

10 ـ سورة النحل، جزء من الآية 52 .

11 ـ سورة الفتح، جزء من الآية 28 .

12 ـ سورة إبراهيم، جزء من الآية 45 .

13 ـ مستدرك الوسائل، ج 16 ، ص 228 (بتصرّف).

14 ـ نهج البلاغة، الكتاب رقم 45 .

15 ـ نفس المصدر .

16 ـ دونالد ترامب.

17 ـ كلمة سماحته بمناسبة حلول العام الإيراني الجديد (21/03/2019).

18 ـ كلمة سماحته في المرقد الرضوي الشريف (21/03/2019).

19 ـ إشارة إلى احتجاجات الشعب الفرنسي في باريس.

20 ـ قول ينسب للإمام السجاد (ع).

21 ـ بيت شعر لسعدي الشيرازي، گلستان، الباب الأول، الحكاية رقم 4 : أتعلم ما قاله زال لرستم، لا يمكن عدّ العدو تافهاً عاجزاً.

22- إشارة إلى نفقات الحكومة الأمريكية في الشرق الأوسط.

23 ـ رئيس جمهورية أمريكا.

24 ـ سورة محمد، الآية 11 .