موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي
تحميل:

سائر الكتب

  • الفكر الأصيل
    • حول الحكومة الإسلامية
    • الحكومة الإسلامية في ظل ولاية الفقيه
    • حقوق الإنسان في الإسلام
    • حقوق الإنسان لن يوفّرها إلاّ الإسلام
    • التبليغ والإعلام في الإسلام
      سهلة الطبع  ;  PDF

       

      التبليغ والإعلام في الإسلام

        الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم محمد (ص) وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين..
        قال الله الحكيم في كتابه الكريم {بسم الله الرحمن الرحيم: الذين يبلّغون رسالات الله ويخشَونه ولا يخشَون أحداً إلا الله وكفى بالله حسيباً}.
        إنني لمسرور جداً لانعقاد هذا المؤتمر المبارك، مرة أخرى، بمشاركة العلماء الإيرانيين وغير الإيرانيين، الذين قَدِموا من أنحاء العالم، وإنني لأبارك لإخوتنا الأعزاء في منظمة الإعلام الإسلامي وأهنئهم على تمكنهم ـ هذه المرة أيضاً، كما هو شأنهم في كل عام ـ من اختيار موضوع مهم وملفت للنظر لطرحه على مائدة الدراسة والبحث في هذا التجمع الكبير.
        موضوع البحث في هذه الجلسة هو الإعلام والتبليغ، وهو من المواضيع المهمة والحيوية جداً بالنسبة للعالم الإسلامي. وإنني على يقين من أن الإخوة والأخوات المشاركين في هذا الاجتماع قد قاموا بإعداد بحوث ودراسات مهمة وآنية نافعة، لغرض تقديمها الى هذا المؤتمر، وسوف تُطرح تلك البحوث خلال أيام المؤتمر، وإنني سأطرح على مسامعكم اليوم الخطوط العريضة والنقاط التي أعتقد أن الانتباه إليها في هذا الاجتماع يعتبر أمراً على جانب كبير من الأهمية، وسأقوم بعرضها بشكل موجز.
        أولاً ينبغي أن يكون واضحاً للعالم الإسلامي ولكل شعوب العالم، أننا حين نتحدث عن الإعلام والتبليغ ونخطط لهما فليس قصدنا من التبليغ هو ذلك المفهوم الشائع في العالم المادي اليوم والمتداول في جميع المجالات السياسية والاقتصادية وغيرها..
        إن التبليغ الإسلامي ـ من وجهة نظرنا ـ يعني إيصال كلمة الإسلام، ويعني إيصال رسالته الى القلوب، وبأي وسيلة أمكننا ذلك من الوسائل الشريفة والمتناسبة مع المضمون والمحتوى المقدس لهذا التبليغ، أي التوحيد والإسلام.. سواء كانت هذه الوسيلة عبارة عن القول أو العمل، وسواء تم ذلك عبر السكوت أو غيره من الوسائل.
        مهما تكن وسيلة الإيصال فإن غرضنا من التبليغ والإعلام هو هذا الأمر، وليس مفهوم الـ (Propaganda) الشائع والمتداول في العالم الغربي، وفي جميع العالم المادي القائم على الخداع وإظهار غير الواقع الحقيقي للآخرين.
        التبليغ والإعلام عبارة عن امتلاك القلوب واحتلالها لا العيون والآذان والجوارح، على العكس مما هو شائع في العالم البعيد كل البعد عن المعنويات، إذ أنهم يعتقدون أن الإعلام ـ في الحقيقية ـ هو شيء من قبيل احتلال العيون والآذان والجوارح، وإيجاد جو بجعل الإنسان لا يستطيع أن يدرك الحقيقة بفكره وقلبه ويلمسها.
        إننا لا نعتبر هذا إعلاماً وتبليغاً بل نعتبره خداعاً ومكراً، أما إعلامنا فإنه يتم عبر الحكمة والموعظة الحسنة والأساليب الإلهية والإنسانية.
        والأمر الآخر هو أن الإعلام ـ بهذا المعنى الذي قلناه ـ قد أصبحت له أهمية استثنائية في العالم المعاصر، إذ رغم أن مواجهة دعوة الحق والتصدي لها كانا قائمين على مر التاريخ وطوال دعوات الأنبياء، وبنفس الطرق والأساليب الموجودة هذا اليوم، إلا أن الوسائل والأدوات المستخدمة في مواجهة دعوة الحق هذا اليوم أصبحت في مستوى من القوة والهيمنة على حياة الناس بحيث أن الوسائل والأساليب التي كانت تؤثر على الإنسان ـ في ذلك الحين ـ بشكل محدود، وفي منطقة محدودة، أصبحت اليوم تملأ كافة أنحاء الحياة البشرية وفي كل مجالاتها وتغطيها، إذ أننا نجد اليوم أن نفس الأساليب التي استُخدمت في التاريخ لمواجهة دعوات الأنبياء (عليهم السلام) وفي مواجهة نبي الإسلام المكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، كل تلك الأساليب تشاهد في هذا اليوم كذلك.
        في ذلك الحين، كان الكفار ـ كما ينقل القرآن الكريم ـ يطلقون الأصوات العالية ويحدثون الضجيج ليحولوا دون وصول آيات القرآن، وهي رسالة الحق، الى أسماع الناس المتعطشين لها، وتمثل صيحاتهم المرتفعة وصرخاتهم العالية وأصواتهم المتصاعدة ضجة إعلامية هدفها التغطية على صوت الحق والحيلولة دون وصوله الى أسماع الناس.
        يقول الله عز وجل {وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغَوا فيه لعلكم تَغلبون} (فصّلت،26).
        من أجل التغطية والتمويه على كلام رسول الله (ص) والحيلولة دون سماعه كان بعض الأشخاص يحدثون ضجة غوغائية مفتعلة، واليوم يتكرر الأمر ويحصل نفس ذلك الشيء الذي حصل آنذاك، ففي تلك الأيام كانوا يتهمون الدعاة الى الحق وينسبون إليهم أهدافاً وغايات باطلة وزائفة وهم منها براء.. كانوا يتهمونهم بالكذب والسحر وبالخداع والمكر وما شاكل ذلك..
        واليوم أيضاً يحدث ما يشبه ذلك في العالم... كانوا يحرّضون الناس ضد الدعاة الى الحق آنذاك، ويجعلونهما وجهاً لوجه، ويتظاهرون بالدفاع عن الناس وحمايتهم.
        وفي هذا اليوم يقوم الاستكبار العالمي بالعمل نفسه، وأنتم تشهدون هذه الأساليب الاستكبارية المعاصرة.
        في ذلك الزمن كان فرعون يقول لشعبه، كما جاء في القرآن الكريم {قال للملأ حوله إن هذا لساحر عليم. يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون} يقصد بذلك موسى (ع) فيتظاهر بالاحتماء بموقع الدفاع عن حقوق الشعب ويحارب داعية الحق، ويزعم ـ كذباً ـ أنه ليس لديه من هدف أو غاية سوى خدمة ذلك الشعب.
        وهكذا الأمر، في هذا الزمن، يحدث الأمر ذاته، وتمارس مؤسسات الإعلام الاستكبارية التصرفات الخبيثة والأعمال المؤذية نفسها، وبشكل واسع النطاق، في مواجهة الإسلام، وبشكل خاص في مواجهة الإسلام الثوري وفي مواجهة الجمهورية الإسلامية، وسألقي على مسامعكم ـ فيما بعد ـ إيضاحات في هذا الصدد.
        ومن أجل أن تدركوا ضخامة الدعاية والإعلام المعادي الذي يمارسه عدو الإسلام ـ يعني الاستكبار العالمي بنوعَيه الشرقي والغربي ـ فسوف أشير إشارة عابرة فقط الى مسألة أن الفكر الإسلامي يواجه اليوم ـ باعتباره الإيديولوجية الثالثة، وباعتباره عقيدة ثورية في مقابل الشرق والغرب ـ حملة إعلامية كبرى وعظمى.
        هذه الحملة الإعلامية الدعائية تنبعث عبر شتى الوسائل والقنوات، من قبيل محطات الإذاعة وشبكات التلفزة ووكالات الأنباء المختلفة، صباحاً ومساءاً، وفي كل أسبوع تنتشر بشكل شامل وواسع النطاق في كل أنحاء العالم.. الإسلام يواجه مثل هذا الكم العظيم من الدعاية المعادية.
        لقد استصحبت إحصائية موجزة وقصيرة لأعرضها عليكم، وهناك ـ بالطبع ـ الكثير من أمثال هذه الإحصائيات على شتى الأصعدة وفي شتى مجالات الإعلام، ولكن هذه الإحصائية ليست سوى نموذج رأيت أن من المناسب ـ في الحقيقة ـ أن أعرضه عليكم.
        يبلغ حجم الإعلام في العالم الغربي 7100 ساعة في كل أسبوع، وهي تشمل الولايات المتحدة الأميركية وألمانيا الغربية وبريطانيا واليابان، وهي ذات الحصص الأكبر بالنسبة للحجم الكلي، إذ تبلغ حصة أميركا 2100 ساعة في كل أسبوع وبحوالى 60 لغة من اللغات العالمية، وحصة ألمانيا الغربية 950 ساعة في الأسبوع، أما بريطانيا فتبلغ ساعات إعلامها 850 ساعة وبحوالى 60 لغة من اللغات العالمية. ويبلغ المجموع الكلي ـ كما ذكرت ـ 7100 في الأسبوع.
        أما العالم الشيوعي فيضم الإتحاد السوفياتي وأوروبا الشرقية والصين وألبانيا وبعض الدول الشرقية الأخرى.
        ومن باب المصادفة أن يساوي حجم هذا الإعلام، حجم الإعلام في العالم الغربي ـ أي 7100 ساعة ـ في كل أسبوع، إذ تبلغ حصة الإتحاد السوفياتي منها 2300 ساعة من خلال حوالى 80 لغة من اللغات العالمية شائعة الاستعمال وكثيرة الانتشار في العالم واللغات المحلية، أما ألمانيا الشرقية فيبلغ عدد ساعات إعلامها 1600 ساعة، والصين 1500 ساعة... الى آخره..
        هذه هي المجموعة الإعلامية التي يشهدها العالم كل أسبوع، والعالم الإسلامي يواجه مثل هذا الحجم العظيم من الإعلام، وبعضها مخصص لمواجهة الإسلام، وهي تتضمن: الخبر، والتحليل السياسي، والتقرير الخبري وشتى المضامين والمواضيع الإعلامية، التي يتم حشو أذهان الشعوب بها بشكل عام، والشعوب الإسلامية بالخصوص.
        وبالطبع فإن هذا لا يشمل وسائل الإعلام المقروءة ـ أي المطبوعات ـ ولا الأفلام السينمائية ولا الكتب، وهي ـ في الواقع ـ مهمة جداً، وهو لا يتضمن بقية وسائل الدعاية والإعلام المستعملة في الوقت الحاضر؛ إنها ليست سوى صنف واحد من صنوف الدعاية والإعلام وهي نموذج سلبي واحد.
        إن ميدان الإعلام في العالم أصبح ـ حقاً ـ بمثابة ميدان الحرب، ويشبه المعارك العسكرية، فلقد صار للمعارك السياسية منظّروها الاستراتيجيون الماهرون والحاذقون، ولها الخبراء المتخصصون ذوو الفاعلية والتأثير، ولها غرف العمليات الخاصة بها، وفيها تجري أشكال وصنوف كثيرة من التعاون والتظافر، وتنفق في هذه المجالات أموال طائلة ومخصصات هائلة.
        إن العالم الإسلامي يواجه كل هذا الكم الهائل والكيف من الأمواج المتلاطمة من الإعلام وكل هذه الوسائل والأدوات الإعلامية المتنوعة الكثيرة، باعتباره حاملاً لنظرية إيديولوجية معارضة لكلتا النظريتين القائمتين في الزمن المعاصر ومناقضة لهما.
        ومن المناسب ـ حقاً ـ أن ينتبه علماء العالم الإسلامي ومفكروه لهذا الأمر، ويهتموا بهذا المجال وينهمكوا في العمل فيه، والتفكير ـ معاً ـ للارتقاء به، وحشد كل ما لديهم من الإمكانيات والطاقات وتسخيرها في هذا الصدد.
        إن رأي الإسلام في موضوع الإعلام رأي صريح وواضح أيضاً، فالإسلام يعتبر أن التبليغ واجب وضروري، كما قال الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم {ومَن أحسن قولاً ممن دعا الى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين}. وقوله عز وجل {أُدع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}. وقوله تبارك وتعالى {فلذلك فادع واستقم كما أُمرت ولا تتّبع أهواءهم}.
        صحيح أن هذا الخطاب موجه للرسول الكريم (ص) لكنه موجه ـ في الحقيقة ـ الى كل المسلمين والمسلمات. وهناك آيات كثيرة في القرآن بهذا الشأن غير تلك التي تُليت عليكم الآن.
        وفي الآية التي بدأت بها الحديث {الذين يبلّغون رسالات الله ويخشَونه ولا يخشَون أحداً إلا الله وكفى بالله حسيباً} تندرج أيضاً في سياق الآيات القرآنية الكريمة التي تتطرق الى هذا الموضوع.
        كل هذه الآيات هي دروس لنا وتفتح أمامنا سبلاً واضحة وطرقاً محددة من أجل التمكن من تحقيق هذا الواجب الكبير.
        وهناك حديث مشهور عن رسول الله محمد (ص) جاء فيه: "لأن يهدي الله بك رجلاً خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت" وهو يوضح وظيفة المرء والواجب الملقى على عاتقه، إذ يعتبر هذا الحديث الشريف هداية إنسان ما أفضل وأسمى من كل الأعمال، وأن هداية إنسان واحد هي أفضل من كل ما تشرق عليه الشمس وتغرب.
        وبناء على ذلك، فإن واجب الإنسان واضح ومعروف من وجهة نظر الإسلام، إذ أننا مكلفون بتبليغ الإسلام والحقيقة، ولا نستطيع أن نترك تبليغ الحق والدعوة الى الله تبارك وتعالى بأي حال من الأحوال وبأي عذر.
        المسلمون مكلفون، فرداً فرداً، وفي جميع البلدان الإسلامية، وفي ظل كل الأوضاع والظروف وفي جميع الأحوال، بمهمة التبليغ..، ومن الطبيعي أن للعلماء والمفكرين والمثقفين والشخصيات البارزة في المجتمع وظائفهم وواجباتهم الخاصة في هذا المضمار، لكن هذا لا يعني أن أفراد الأمة الإسلامية ليسوا مكلفين بواجب التبليغ.
        علينا إبلاغ هذا الأمر للمسلمين، فرداً فرداً، وينبغي إفهامهم بأن كل شخص مكلف بواجب يتحتم عليه أداؤه، وهو التبليغ للحق والدعوة الى الإسلام بالقدر الذي يطيقه ويمكنه القيام به.
        النقطة الأخرى التي ينبغي أن أشير إليها هي أننا نواجه اليوم ـ على صعيد تبليغ الإسلام ـ العديد من الآفاق والمجالات، ويجب أن يتم تحديد أنواع التبليغ الإسلامي مع أهداف هذا التبليغ فمن أجل أي شيء نمارس التبليغ للإسلام؟ وما هي الغاية؟
        هناك العديد من الأهداف المفترضة والمتصورة في هذا المضمار، وسوف أشير الى بعض منها، وكل تلك الأهداف ضرورية في حد ذاتها، وحسب الظروف القائمة، وأي واحد منها لا يمكنه أن يحل محل الآخر، رغم أنها ليست على حد سواء من حيث الأهمية.
        أحد أهداف التبليغ يمكن أن يكون عبارة عن نشر الإسلام في قارات العالم، وبسط نفوذه وتوسيعه في دول العالم المختلفة، في مقابل الأديان الأخرى. كما هو الحال ـ اليوم ـ بالنسبة لبعض الأديان وخصوصاً المسيحية.
        فالمسيحيون يقومون بذلك بإنفاق أموال ضخمة، وبذل جهود كبيرة، وعبر تنظيمات ومؤسسات واسعة النطاق.
        إن الكثير من البلدان لديها الاستعداد الكامل لتقبل الإسلام، وشعبها جاهز لاعتناق الإسلام، وهذا الأمر يمكن اعتباره أحد أهداف عملية التبليغ الإسلامي، وهو ـ بالطبع ـ ذو مكانة خاصة، ويتطلب توفر ظروف معينة، ويحتاج الى تهيئة مقدمات خاصة.
        والهدف الأخر للتبليغ الإسلامي هو عبارة عن نهوضنا بمهمة حراسة الإسلام وصيانته، في مقابل الإيديولوجيات المهاجمة التي بدأت بالزحف على الحياة الإنسانية، وملء شتى مجالات الحياة البشرية، والتسلل الى عقول أفراد البشر..؛ يجب علينا الدفاع عن الإسلام، أو أن يكون لنا موقف هجومي تجاه الإيديولوجيات والنظريات الجديدة؛ وهذا الهدف هو الآخر ذو مكانة خاصة، ويتطلب ظروفاً مختلفة، ويتضمن مواجهة الماركسية والشيوعية والأُومانية وباقي النظريات الأجنبية ذات المواصفات الجذابة والقوالب المختلفة، والتي دخلت عبرها الى ميدان الفكر البشري، والتي يجري العمل على نشرها والتبليغ لصالحها بشدة في العالم الإسلامي.
        وثالثاً: إننا حين نريد التبليغ للإسلام ينبغي أن يكون تبليغنا بهذا الهدف وهو: أن نقدم الإسلام كنظرية وكمدرسة لتحرير الإنسان في مقابل الإلحاد والاستكبار والاستبداد والحكومات الظالمة. علينا أن نمارس التبليغ للإسلام بهذا العنوان.
        وهذا الجانب ليس مأخوذاً بنظر الاعتبار إلا بشكل قليل في العصور الأخيرة.. بلى كان هذا الأمر ملحوظاً في مرحلة صدر الإسلام، وكان الاهتمام ينصب عليه بهذا العنوان، وهو أنه مبدأ ودين جاء لتحرير الإنسان، ويتم التبليغ له بهذه الصفة. وفي العصور الأخيرة كانت الصفة الغالبة على التبليغ للإسلام هي الصفة الدفاعية خلال القرون الأخيرة.
        أما بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران فقد أصبح التبليغ المطروح للإسلام ـ من جديد ـ هو ذلك النوع الذي كان مطروحاً في عصر صدر الإسلام.. صار التبليغ للإسلام يتم على أنه النظرية التي يمكنها إنقاذ البشرية والقضاء على هيمنة القوى الظالمة والغاصبة على الشعوب، وأن بإمكانه تعبئة الجنود من بين جماهير الشعب، وباستطاعته إقرار العدالة الاجتماعية ونشرها في صفوف الشعوب والمجاميع التي ترزح تحت نير الظلم والتمييز العنصري.. بهذا العنوان، وبهذه السمة أصبح الإسلام اليوم مطروحاً في العالم.
        وطبعاً فإن التبليغ للإسلام بهذه الصفة وبهذا المنظار يستلزم ظروفه الخاصة ووسائله المحددة، ويتطلب وجود الأشخاص المناسبين وكذلك الأرضية اللازمة والظروف المساعدة للقيام بذلك.
        لقد أصبح الفكر الإسلامي ـ بعد انتصار الثورة الإسلامية ـ هو النقطة التي تتمركز فيها الآمال الفكرية والمعنوية للشباب المناضلين المؤمنين والمخلصين والمضحين، أينما التفّوا حول بعضهم وأينما اجتمعوا وكلما أرادوا البدء بتحرك نضالي تحرري، وكانت نقطة الأمل تلك في الماضي هي الأفكار الإلحادية والمادية للنظرية الماركسية.
        رابعاً: التبليغ للإسلام بهدف نشر الإسلام النقي الصافي الخالي من الشوائب، في مقابل الإسلام المزيف وغير الخالص والذي دست فيه الأفكار المتباينة والأذواق المتنوعة والتعصبات والجهالات والآراء المتحجرة والخرافات.
        هذا ـ أيضاً ـ هدف من الأهداف السامية جداً للتبليغ للإسلام. إذ أن الإسلام ـ وكما نعلم ـ قد خرج عن صفائه وتألقه ونقائه الأول، عبر القرون المختلفة التي مرت عليه والتي كانت مليئة بأصناف الأذواق وأنواع الظروف الاجتماعية وبمختلف أشكال التدخلات وممارسة القوى الكبرى فرض هيمنتها ونفوذها، وبشتى أصناف النظرات الضيقة أو الأفكار الأجنبية الدخيلة المختلفة.
        ولا شك في أن الإسلام النقي والصافي هو اليوم في متناول أيدينا، لأن القرآن بين ظهرانينا، ولأن السنّة المطهرة والنقية هي الآن في متناول أيدينا.
        أما تلك الفئات والشخصيات وأولئك المفكرون، وخصوصاً الجماهير، الذين لم يحاولوا أن يعيدوا الإسلام الى مصادره الأصلية ويقارنوه بما هو موجود في القرآن الكريم والسنّة النبوية، ويفرزوا الغث من السمين، فإنهم قد ابتُلوا بأنواع الإنحرافات في مجال العقيدة والعمل بالإسلام.. وهذه حقيقة قائمة في هذا الزمن.
        وقد ورد في حديث نبوي شريف عن رسول الله (ص) "لبس الإسلام (أو يلبس) لبس الفرو مقلوباً" صحيح أن الفرو الملبوس مقلوباً هو فرو أيضاً ولكنه عديم الجدوى وقبيح كذلك، أما الفرو الذي يلبسه الإنسان بشكل صحيح وليس مقلوباً فإنه جميل المنظر إضافة الى كونه يعطي الدفء في الوقت نفسه.
        ولقد حدث هذا الأمر في المجتمعات الإسلامية، إذ ظهرت ـ مع الأسف ـ الأفكار المتحجرة والجامدة، والآراء ذات النظرة الضيقة والقصيرة المدى من ناحية، كما ظهرت في الجهة المقابلة بوادر أفكار القوى الأجنبية. وفي العقود الأخيرة حصل الخلط بين الإسلام والأفكار المادية الجديدة، أي أنه حين بدأ الفكر الماركسي أو الأُوماني يظهر في المجتمع، وجد له عدداً من الأنصار والمؤيدين، وحظي برضى عدد من الناس، فانبرى بعض المحبين للإسلام والمتحمسين له ليقدموا ـ حسب ظنهم ـ خدمة للإسلام، وبادروا الى مطابقة الأفكار الإسلامية مع تلك الأفكار المادية والخارجة عن الجو والمضمار الديني... هذه أيضاً حقيقة قائمة هذا اليوم.
        إذاً، فإن أحد أهداف التبليغ والدعوة الى الإسلام هو عرض الإسلام النقي الخالص والمصفّى من الشوائب والمنزّه عن هذه الأخلاط والأشياء الغريبة عنه والإضافات المدسوسة فيه.
        وكل واحدة من هذه المهام لها متطلباتها ومستلزماتها، وإننا إذا شئنا أن نبلّغ للإسلام فينبغي أن لا ننظر الى الأمور من زاوية واحدة، أو بمنظار واحد.
        بعض الناس يتصورون أن التبليغ للإسلام يمكن أن يتم عبر الذهاب الى الشعوب التي لم تطّلع على الإسلام بعد، وأن القضية لا تتعدى أن يقوموا بعرض الإسلام على تلك الشعوب وإطلاعهم على ما فيه، أو دعوتهم الى النطق بالشهادتين.
        بلى، هذا هو الآخر تبليغ للإسلام، لكنه ليس الجانب الأهم فيه، إنما الجانب الأهم والجزء الأهم في التبليغ للإسلام هو ذلك التبليغ الذي يتم داخل المجتمعات الإسلامية بهدف تقديم الإسلام لهم نقياً صافياً، أو بهدف عرض الأفكار المحاربة للاستكبار، والمناوئة للاستبداد والمضادة للاستضعاف.
        وبالطبع فإنني مع فكرة أن يتم التبليغ للإسلام لتحقيق الهدف الثاني ذاته، وبالهدف الأول كذلك، إلا أنه ينبغي أن لا تُنسى الأهداف الأخرى أيضاً.
        بعض المبلّغين يُرسَلون من قبل بعض البلدان الإسلامية الى أنحاء العالم كأفريقيا وأقاصي آسيا والى مناطق أخرى، في سبيل أن يجعلوا الناس يؤمنون بـ "لا إله إلا الله"، هذا في الوقت الذي نرى أن كلمة "لا إله إلا الله" غير مطبّقة في تلك الدول ذاتها كما قال الشاعر: "طبيب يداوي الناس وهو عليل".
        يجب عليهم أن يعودوا ليشرحوا لشعوبهم معنى الإسلام، وليصفّوا الإسلام لتلك الشعوب، ويوضحوا مفاهيمه وقيمه وأبعاده، وليفهموهم ماذا تعني كلمة "لا إله إلا الله".
        ورد في الحديث المروي عن الإمام الصادق (ع) ما مضمونه: "إن بني أمية أطلقوا للناس تعليم الإيمان ولم يطلقوا لهم تعليم الشرك ـ أو تعليم الكفر ـ حتى إذا حملوهم عليه لم يعرفوه" فهم يعلمون أنهم إذا علّموهم معنى الشرك وفحواه فإن الناس سيعرفون أن الوليد بن عبد الملك أو يزيد بن عبد الملك أو الوليد بن يزيد هو نفسه الطاغوت وهو الوثن والصنم، الذي تجب عليهم محاربته ومواجهته. ومثل هذا يحدث في بعض البلدان الإسلامية في الوقت الحاضر.
        وحينما نريد ممارسة التبليغ للإسلام فإن هناك ـ أيها الإخوة وأيتها الأخوات ـ مواصفات للتبليغ ومواصفات للمبلّغ، وهذا ما سيتم بحثه ـ عادة ـ في مثل هذا الاجتماع، وآمل أن يتم بحثه في مؤتمركم هذا، فما هي صفات التبليغ الجيد؟ وما هي المميزات التي ينبغي أن يتوفر عليها التبليغ الناجح؟ ومَن هو المبلّغ الجيد؟
        إذا ما أردنا أن نبحث موضوع المبلّغ الجيد فذلك لا يعني أن مَن لا تتوفر فيهم هذه المميزات ينبغي أن لا يقوموا بأي عمل في مجال التبليغ.. ليس المراد هذا، فالتبليغ واجب ينبغي القيام به، وإنما المقصود هو أن على جميع الذين يشعرون بواجبهم في مضمار التبليغ، ويؤمنون أن عليهم أداء هذا التكليف الإلهي، السعي الى إيجاد تلك الميزات والخصائص فيهم.
        إن أهم هذه المميزات والخصائص هي ذات الأمور الوارد ذكرها في الآيات القرآنية الكريمة، ومن بينها الآية القرآنية التي تُليت مراراً {الذين يبلّغون رسالات الله ويخشَونه ولا يخشَون أحداً إلا الله..} هذه هي الميزة الأولى في المبلّغ للإسلام، وهي الخشية من الله تبارك وتعالى وعدم الخوف ممن سواه. وهذه الخشية تتمخض عنها نتيجة محددة تطرقت إليها آية أخرى، وهي قوله جل وعلا {ومَن أحسن قولاً ممن دعا الى الله وعمل صالحاً..} (فصلت، 41).
        إن العمل الصالح ناتج عن نفس تلك الخشية من الله سبحانه. فشرط الدعوة هو العمل الصالح، والخشية هي شرط العمل الصالح وملازمة له..
        ثم تقول الآية المباركة {ولا يخشَون أحداً إلا الله} وإلا فإن المجاملات والاحتياطات والمخاوف والمداهنات أو المساومات، سوف تشكل عقبات وموانع في طريق بيان الإسلام الصافي النقي.
        وإننا اليوم ـ على الصعيد العالمي ـ نواجه عين هذه المخاوف والاحتياطات والمجاملات والمساومات والخشية من غير الله. فالكثير من العلماء والمفكرين والمثقفين يعلمون الحقائق المتعلقة بالإسلام، ويدركون ملابسات القضايا الراهنة في العالم الإسلامي، لكنهم يكتمونها، بينما يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيِّنُنّه للناس ولا تكتمونه} (آل عمران، 187).
        في الكثير من الأقطار الإسلامية لا يجري العمل بهذه الآية في الوقت الحاضر... فمسؤولو هذه البلدان لا يصرحون بما يعلمون ويكتمون الحقائق.
        إذاً، فأحد الشروط الأصلية للدعوة والتبليغ ـ بل الشرط الأصلي لهما ـ هو عدم الخشية مما سوى الله.
        أما الشرط الآخر من شروط التبليغ والمبلّغ فهو تناسب المقال مع مقتضى الحال؛ وسوف أقوم بتسليط الضوء على هذه النقطة بعض الشيء.
        لقد تعلّمنا في دراستنا للأدب العربي واللغة العربية أن البلاغة هي انسجام المقال مع مقتضى الحال ومطابقته، فإذا لم يتحلَّ الكلام بهذه الصفة فقد خرج عن البلاغة، ولا يعتبر بليغاً ولا مبيّناً، ولا يَنفذ الى قلب المستمع أو يتغلغل في فكره وعقله.. هذا هو سبب تفسيرهم البلاغة بمطابقة مقتضى الحال، وإلا فإن البلاغة هي البلاغة وحسب، وهي من البلاغ والبلوغ، إن المطابقة مع مقتضى الحال هي ـ في الحقيقة ـ الميزة الرئيسية للكلام البليغ وشرطه الأساسي، الذي بفقدانه تنعدم صفة البلاغة عنه. إن المضمون الأساسي لحقيقة البلاغة والبلوغ ينبغي أن يكون المطابقة مع مقتضى الحال.
        أريد أن أقول: إذا أردنا اليوم تحقيق المطابقة مع مقتضى الحال فماذا يجب أن نفعل؟ ماذا يوجد في العالم الآن كي ما نعمل طبقاً لمقتضاه؟
        إذا شئنا أن نمارس التبليغ الجيد في العالم فينبغي أن ندرك ما هو القسم الذي يحتاج العالم بيانه من بين أقسام الإسلام؟! في بعض الأحيان تُطرح أمور الغرض منها التبليغ للإسلام على الصعيد العالمي، لكنها ليست إجابات كافية عن تساؤلات العالم. ينبغي أن نرى ما هي تساؤلات العالم منا حول الإسلام لنوضحها لهم. وهكذا الأمر على صعيد المجتمعات الإسلامية، فينبغي أولاً أن ننظر ما هي الأولويات؟ وما هي المتطلبات والاحتياجات؟ ومن أجل أن نعلم ما هي الاحتياجات الموجودة الآن ينبغي أن نعلم ما الذي يقال عن الإسلام في هذه الأيام؟!
        إنني أوصي الإخوة العاملين في مجال الإعلام، وخصوصاً الإعلام على الصعيد العالمي، وحتى في ميدان الإعلام الداخلي المحلي، والمشرفين على شؤون الإعلام، وأؤكد عليهم، بأن يجتمعوا ليحددوا المحاور الرئيسية لهجمات عالم الكفر والجاهلية وغير المسلمين، ضد الإسلام وليرَوا من أي الجوانب تُشن الهجمات ضد الإسلام وضد أي الجوانب من الإسلام تتركز تلك الهجمات، وما هي السموم التي يبثها أعداء الإسلام ضده، وما هي الأكاذيب التي يلفقونها لتشويه صورته؟!
        علينا أن نعرف ذلك أولاً لنقوم بمعالجته، فما لم يتم تشخيص المرض فلن يتسنى وصف الدواء له ومعالجته؛ وفي ساحة المعركة ما لم تُعرف خطة العدو فإن الدفاع لن يتم بصورة صحيحة، وما لم نعرف من أين سيشن العدو هجومه لا يمكننا أن نشن الهجوم المضاد والمناسب.
        وهكذا الأمر في مجال الإعلام، ينبغي أن ننظر من أين يريد العدو أن يهاجمنا؟!.. هذا أحد الموضوعات الضرورية جداً والتي ينبغي الاهتمام بها والعمل على طرحها ومعالجتها؛ وربما سيتم العمل ـ إن شاء الله ـ في هذا الاتجاه خلال أيام هذا المؤتمر، والمبادرة الى بحث هذا الموضوع.
        على سبيل المثال، تُطرح في الوقت الحاضر إدعاءات ومزاعم تقول: إن الإسلام ضد العلم!! وإن الإسلام يحتّم القضاء والقدر!! أي القول بمذهب الجبر لا التفويض وأن الإسلام لا يهتم بحقوق المرأة!! ـ وخصوصاً قضية تعدد الزوجات ـ وأن الإسلام يسبب أو يخلق الفقر!! وأن الإسلام عاجز عن إدارة الدولة وإعمارها!! وتبذل الجهود وتركز المساعي من قبل أعداء الإسلام على إبراز هذه الإدعاءات والمزاعم وتضخيمها.
        قبل عامين تقريباً، أقيم معرض تحت عنوان "معرض الإسلام" وهو يعرض من أوله الى آخره فقر العالم الإسلامي وفاقته، بهدف التركيز على أن الإسلام ليس قادراً على توفير الرفاه المادي لأتباعه والمؤمنين به، وهذا هو أحد الأهداف الاستعمارية ضد الإسلام.
        ومن بين ادعاءاتهم ومزاعمهم الأخرى: أن الإسلام ذو منهج خرافي وبعيد عن المنطق!! وهذا ما يتم الترويج له والتركيز عليه أيضاً، وخصوصاً من قبل مروّجي النظرية الاشتراكية.
        وفي أعياد رأس السنة الميلادية لعام 1988 بالذات، عرض التلفزيون السوفياتي في قناته الرئيسية برنامجاً تضمّن تمثيلية مستهجنة وقبيحة، توجه إساءة وطعناً للإسلام ومفاهيمه السامية، بزعم أنها تعكس نموذجاً من العالم الإسلامي ومن الأفكار الإسلامية.
        إن علينا أن نبذل جهودنا ونوجه اهتمامنا لكي نوضح للشعوب أن الأمور ليست كما يصورها أعداء الإسلام. وفي الحقيقة إن هجمات أعداء الإسلام هي التي تحدد لنا اتجاه تحركنا لتفنيدها وكشف زيفها.
        إنني أعتقد أن هذه هي أولويات التبليغ في العالم الإسلامي، وبالطبع فإنني لا أدّعي أن أولويات التبليغ تقتصر عليها وحسب، ولا أحصر نطاقها في هذه الجوانب التي عرضتها عليكم، لكنني أعتقد أنها الأهم في هذا المضمار، لأنني أرى أن هذه هي الأمور المطروحة في الوقت الراهن.
        ولا يفوتني ـ طبعاً ـ أن أشير الى نقطة أخرى، وهي أننا حين نواجه هجمات الأعداء ينبغي أن لا نتصرف من موضع رد الفعل إزاء هجمات العدو، وقد مارسنا في الماضي القريب أمثال هذه المواقف الدفاعية والإنفعالية، وكمثال على هذه الحقيقة: مسألة الجهاد. فلقد حاول الأوروبيون والغربيون ـ ولقرون عديدة ـ أن يصوروا الإسلام بأنه دين السيف وسفك الدماء، ويرسموا لرسول الله (ص) صورة رجل قاسٍ عنيف ذي حاجبين معقوفين متداخلين مع بعضهما، وهو يحمل سيفاً يقطر دماً... هكذا كانوا يرسمون صورة الرسول الأكرم (ص).
        وحين يقارن المرء هذه الصورة المزعومة للإسلام ورسوله بمزاعم المسيحية وتبليغها، المبنية في معظمها على مفاهيم الحب والسلام والمودة والرحمة بكل العالم والدعاء لكل المخلوقات والكائنات، بل وحتى للشيطان نفسه، وطلب الهداية، وحسن العاقبة حتى للأعداء، فإن نتيجة هذه المقارنة تكون عبارة عن ردود أفعال سيئة جداً في أذهان الرأي العام المسيحي.
        فالمسيحية نفسها، لم تكن تصرح ـ علناً ـ بحقيقتها، وهي التي أشعلت نيران الحروب الصليبية، لمدة مئتي عام ضد الدول الإسلامية، وكم ارتكبت من الجرائم والمجازر في العالم الإسلامي ذاته.
        هكذا إذاً هي الدعاية المسيحية، فالتبشير والإعلام الكنسي ـ وكما ذكرت قبل قليل ـ مبني على تلك المفاهيم والمزاعم، وهم لا يريدون أن يجهزوا بالحقائق ويصرحوا بها كما هي فعلاً.. إنهم يصورون النبي (ص) شخصية قاسية وعنيفة ومتعطشة للدماء!
        وحين واجه المثقفون المسلمون الإعلام الأوروبي لأول مرة ـ وكان ذلك في بدايات القرن العشرين ونهاية القرن التاسع عشر ـ بعد عدة قرون من بدء ذلك الإعلام، فإنهم قد أصيبوا بالدهشة إذ أنهم حينما طالعوا الكتب الأوروبية، وتسنى لهم الاتصال بأوروبا، وحصل العديد من الزيارات، وبمجرد أن شاهدوا في مصر والهند وفي البلدان الإسلامية المتقدمة أن العدو قد شن هجومه ضد الإسلام عن هذا الطريق، وركز على موضوع القسوة والغلظة والشدة في الإسلام والسيوف الإسلامية، بادروا الى اتخاذ ردود فعل إنفعالية ودفاعية. وهكذا فإنهم ـ حسب اعتقادي ـ أنكروا مبدأ الجهاد في الإسلام من الأساس، ونفَوا أن يكون هناك تحرك مسلح في الإسلام، ووصل الأمر بهم الى مرحلة أن بعضهم قال: إن جميع الحروب التي خاضها رسول الله (ص) كانت حروباً دفاعية؛ إنني أُنكر ذلك.
        لقد كان الرسول يخوض الحروب "ليُخرج الناس من الظلمات الى النور" وهو الهدف الذي حدده الإسلام للجهاد.. الإسلام يريد بواسطة الجهاد أن يخرج الناس من ظلم الأديان الأخرى (المحرَّفة طبعاً) الى عدل الإسلام، وليحطم القيود والسلاسل التي تكبل أرجل الناس، وهذا أمر لا يمكن تحقيقه بغير الجهاد ومواجهة ذوي القوة والهيمنة في العالم، وإزالة نفوذ مستكبري العالم وسيطرتهم. فهل يمكن تحقيق هذه الغاية بدون قوة السيف؟!
        لقد كان الرسول الأكرم (ص) مضطراً لأن يخوض الحروب لأن طبيعة الدعوة تتطلب ذلك. مَن الذي يقول: إن معركة بدر كانت دفاعية؟! ومَن الذي يقول: إن الهجوم لفتح مكة كان دفاعياً؟! ومَن الذي يقول: إن معركة خيبر كانت دفاعية؟! ومَن الذي يقول: إن معركة حنين كانت دفاعية؟! لقد خطط الرسول الأكرم ونفذ ـ بمبادرة منه ـ أكثر من سبعين معركة وغزوة وسَرية وقادها بنفسه، فماذا يعني القول إنها دفاعية؟!
        لقد أنكر المثقفون المسلمون الذي عاشوا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ـ وهم معروفون في العالم الإسلامي ـ الجهاد بشكل كامل، من موضع الإنفعال في مقابل الهجمة الغربية، بدلاً من أن يقوموا بإيضاح معنى الجهاد في الإسلام، وبدلاً من أن يبيّنوا للناس أن الجهاد في الإسلام يستهدف خدمة الجماهير المحرومة، وأنهلصالح الشعوب المظلومة، وهو حرب على الحكومات الظالمة والسلاطين الجائرين وليس ضد الشعوب، وأن الحرب في الإسلام ليست من أجل احتلال الأراضي، وإنما هي حرب من أجل إنقاذ الناس وتحرير البلدان من هيمنة الأعداء.
        إنهم، بدلاً من أن يقوموا بإيضاح هذه الحقائق، قد أنكروا ـ من الأساس ـ مبدأ كون الجهاد الإسلامي ابتدائياً وهجومياً، وكان موقفهم هذا إنفعالياً، ونحن لا نقر هذا الموقف ولا نوافق عليه، ولا ينبغي أن يكون الدفاع هكذا في مقابل الأعداء.
        وكمثال آخر في هذا السياق، فإن الغرب يهاجم مبدأ تعدد الزوجات في الإسلام، وهذا أمر موجود في الإسلام، وهو وارد في آيات القرآن الكريم بصراحة ولا يمكن المساس بهذا المبدأ.. لكن المثقفين المسلمين، وفي سبيل أن يكونوا بمنأى من هجمات الأعداء وليصونوا أنفسهم منها فإنهم أنكروا مبدأ تعدد الزوجات، في الوقت الذي كان بإمكانهم أن يوضحوا حقيقة هذا المبدأ وأبعاده، ويبيّنوا للناس ماذا يعني تعدد الزوجات؟ وأن الغرب الذي يعارض ـ في الظاهر ـ تعدد الزوجات فإنه هو الآخر يشهد تعدد الزوجات، وكل ما في الأمر أن الرجال الغربيين ينفذون ذلك على شكل علاقات غير مشروعة مع عدة نساء، من شتى الأشكال والأنواع، وقلما يوجد رجل في الغرب يبقى مصوناً من الوقوع في مثل هذه الخطايا والمزالق.
        بينما الأمر يختلف في العالم الإسلامي، فإن الرجال والنساء فيه مصونون من التورط بمثل هذه الإنحرافات.
        لا ينبغي التعامل بردود الفعل في مقابل هجوم الأعداء، يجب تشخيص العدو والتعرف على الثغرات التي يمكن أن يستغلها للتسلل ولشن الهجوم، وبالتالي ينبغي الوقوف بوجهه.
        إننني أعتقد أن هذه أولويات التبليغ.. إنني أقول: إن علينا ـ أولاً ـ أن نرسم صورة شعبية للإسلام، الإسلام دين جاء لإنقاذ البشر، وهو دين بُعث نبيه من بين الطبقات الكادحة والمستضعفة، يجب أن لا نصوّر الإسلام للناس على أنه دين المترفين والطبقات المرفهة ودين السلاطين والزعماء والأقوياء.. الإسلام دين الناس المتعطشين والمتلهفين للعدالة.. هذه إحدى أولوياتنا الإعلامية.
        إن الذين يتظاهرون بالإسلام ويتشدقون به وهم يرتدون الألبسة المذهّبة ويحيَون حياة التفرعن، ويدّعون أنهم ولاة أمر الإسلام وحماته يجب أن يعلموا أنهم يعملون للإضرار بالإسلام، وأنهم ـ بأعمالهم ـ يُسقطون الإسلام من أعين الجماهير؛ فالإسلام دين البساطة والود والمحبة والأخوّة، وهذه هي الأخرى من الأولويات الحيوية في التبليغ الإسلامي.
        الأمر الثاني الذي يُعتبر من أولويات التبليغ الإسلامي هو أن نزيل عن صفحة الإسلام مسألة فصل الدين عن السياسة... فالإسلام هو ذلك الدين الذي عبادته ليست منفصلة عن سياسته، وكل مَن يقول بذلك فإنه إما أن يكون مغرضاً وخائناً وإما أنه جاهل لا يعلم شيئاً.. فالإسلام هو الدين الذي كان نبيُّه والمبلِّغ له حاكماً للناس، والإسلام هو الدين الذي وُضعت أحكامه من أجل إدارة حياة المجتمع. وليست السياسة إلا إدارة شؤون المجتمع، والإسلام هو الدين الذي تتركز معظم أحكامه في مجال حياة الناس وكيفية إدارة هذه الحياة.
        كان بعض الأشخاص يريد أن يعزل الإسلام جانباً في المساجد، وهم الأشخاص الذين أرادوا أن يسيطروا على مجريات الحياة ومقاليد الأمور في البلدان الإسلامية، وفي سبيل أن يغتصبوا زمام الأمور لم يكن أمامهم سوى أن يطردوا الإسلام ويحصروه في زوايا المساجد ومحاريب المعابد ويمنعوه من الحضور الفعال في ميدان الحياة والمجتمع.
        هؤلاء قاموا بفصل الدين عن السياسة، وقد راق ذلك لعدد من المسلمين وأعجبهم، وحين جربوا ذلك وجدوه جيداً، وكان ذلك يتضمن ربحاً مادياً لبعض الأشخاص، ويوفر الراحة لبعضهم الآخر.
        إن فصل الدين عن السياسة تهمة كبيرة وجهت للإسلام، وإن من أهم الأولويات في مجال التبليغ الإسلامي هو وضع حد لفصل الدين عن السياسة وإنهاؤه بشكل كامل وحاسم.
        ومن جملة أولويات التبليغ الإسلامي إيضاح الصورة الحقيقية لعظماء الإسلام بأساليب فعالة وبصيغ عملية، ولكننا ـ ومع الأسف ـ لم نعمل إلا القليل في هذا المضمار وتأخرنا كثيراً في البدء بهذا النهج.
        إن من الضروري والمهم رسم ملامح الصورة الحقيقية لشخصية النبي (ص) وأهل البيت (عليهم السلام) وأصحاب رسول الله، والقديسين والصالحين والصديقين في الإسلام، وتقديم صورتهم الحقيقية للعالم، عن طريق استخدام الوسائل والأدوات والأساليب الفنية لا بتأليف الكتب وحسب... فالكتاب ـ بمفرده ـ لا يؤدي الغرض المراد هنا.
        لقد قام كاتب فنان مسيحي بكتابة رواية أدبية عن القديس المسيحي المعروف "سان فرانسيس"، بهدف لفت أنظار العالم المسيحي الى المعارف المسيحية، وقد سلّط الضوء في تلك الرواية الأدبية على شخصية "سان فرانسيس" وشرح ملامحها وأبعادها... هذا ما قام به كاتب روائي يوناني شهير، فلماذا نحن غافلون عن هذا الجانب؟ إننا لم نقم بعرض ملامح شخصية نبينا الكريم (ص) وأهل بيته (عليهم السلام) وصحابته وعظماء الإسلام عبر الأعمال الفنية الأخرى التي تخاطب العواطف الإنسانية وتؤثر في الوجدان. نحن لم نقم بكل ذلك.
        ما قمنا به هو أننا ألفنا الكتب، وكتبنا التاريخ، وكل فرقة من الفرق الإسلامية كتبت الأشياء التي ترغب بكتابتها، حتى لو كانت تتعارض مع كتابات باقي الفرق الإسلامية وتنفيها... هذه إحدى أولويات الإعلام والتبليغ الإسلامي التي ينبغي إيلاؤها الكثير من الاهتمام.
        بل إن من واجب الفنانين الإسلاميين أن يخوضوا هذه التجربة ويلجوا هذا المضمار، لماذا يقوم المسيحيون بانتاج فيلم عن حياة نبينا (ص)؟ ـ لماذا لا يبادر المسلمون الى انتاج مثل هذا الفيلم؟! وأي فيلم؟! الفيلم الذي لا يتناول حياة الرسول ـ فهي أكبر من أن يتناولها فيلم واحد ـ وإنما الأحداث التاريخية التي شهدتها حياته الكريمة.
        هناك الكثير من هذه الأحداث يمكن تناولها على شكل أفلام، من بينها مثلاً: معركة بدر، أو فتح مكة، أو صلح الحديبية، أو ليلة الهجرة النبوية المباركة من مكة الى المدينة، أو بيعة العقبة.. كل التاريخ الإسلامي يمكن إعداد أفلام عنه، وتسليط الضوء على تلك الأحداث وعرضها للناس، وهي تعكس وقائع الإسلام وملامحه ومعارفه، لأن حياة النبي الكريم تجسيد حي لمثل هذه الأمور.
        لقد سئلت زوجة النبي عائشة عن خُلُق رسول الله (ص) فقالت: "كان خُلُقه القرآن". وكان رسول الله (ص) يجسّد قيم القرآن وآياته، فإذا ما سلّطنا الضوء على حياة النبي وقمنا بشرحها وإيضاح أبعادها فإننا نكون قد أوضحنا أبعاد القرآن وقيمه. هذه أيضاً إحدى أولويات الإعلام والتبليغ الإسلامي.
        ثمة أمر آخر يعتبر من الأولويات الإعلامية والتبليغية، في الوقت الحاضر، وهو الدفاع عن الجمهورية الإسلامية؛ وإنني أتوجه بالحديث الى المثقفين والمفكرين المسلمين غير الإيرانيين، إن عليهم ألا ينظروا الى الجمهورية الإسلامية على أنها كيان قائم في مكان ما من العالم أو ثورة انتصرت بإمكانهم أن يحبوها أو يبغضوها تبعاً لميولهم وعواطفهم!!!
        لا ينبغي أن يحملوا مثل هذه الفكرة، ولا يجب أن ينظروا الى الجمهورية الإسلامية من هذا المنظار، فإقامة الجمهورية الإسلامية حدث سعى الاستعمار للحيلولة دون حصوله طيلة مئتي عام، لكي يبرهن على أن زمن الإسلام قد ولّى، وأن الإسلام غير قادر على إدارة المجتمع وإقامة النظام السياسي.
        لقد فنّدت الجمهورية الإسلامية بحركة واحدة مزاعم الاستعمار ودعاياته التي بقي يرددها طوال مئتي عام وأذهبتها أدراج الرياح... تلك المزاعم والدعايات التي شارك فيها آلاف المفكرين، وأُنفقت عليها المليارات من النقود، وكم حاولوا ـ جاهدين ـ نشر وترسيخ أفكارهم في العالم الإسلامي من أقصاه الى أقصاه.
        ربما يكره بعض الفئات أو الأفراد هذه الجمهورية الإسلامية ولا يحبونها، أو أنهم لا يرتضون تصرف المسؤول الفلاني من مسؤولي الجمهورية الإسلامية، أو يكونوا مترددين في الرضى عنه، أو تكون لديهم تساؤلات وعلامات استفهام حوله؛ كل هذا يمكن أن يكون صحيحاً وفي محله ومنطقياً ويمكن أن يحدث، ولكن الذي لا يمكن أن يكون منطقياً ولا يمكن الدفاع عنه وتأييده هو أن يحمل الشخص تساؤلات وشكوكاً حول الجمهورية الإسلامية، أو لا يدافع عنها؛ هذا ما لا يمكن قبوله أو تبريره.
        إن الجمهورية الإسلامية تعني حاكمية القرآن وحاكمية الإسلام، ومن واجب كل مسلم في أية بقعة من أرجاء العالم أن يدافع عن هذا الكيان، ليس لأنه يعود لنا أو متعلق بنا، وليس لأنه ملك لإيران.
        نحن أنفسنا كنا نتصرف هكذا خلال فترة الجور والظلم الشاهنشاهي.. لم تكن آنذاك ثمة حكومة باسم الإسلام يصرح دستورها الرسمي أن أي حكم أو قانون لا يمكن أن يُطبَّق إلا أن يكون متطابقاً مع القرآن والإسلام... لم تكن قد قامت في تلك الفترة حكومة على رأسها فقيه وعارف وعالم بالإسلام ومفكر إسلامي كبير... لم تكن هناك حكومة في العالم تكون قيمها مبنية على المعروف، والأمور المخالفة للقيم بنظرها عبارة عن المنكرات، ولم يكن في ذلك الحين نظام تكافح فيه المنكرات والمعاصي والفجور والفحشاء وشتى أنواع الفساد التي يبثها أعداء الأمة وينشرونها في المجتمعات الإسلامية، ولم تحصل في أي نظام مكافحة تلك المفاسد والإنحرافات بجد ومثابرة ودأب حثيث... لم يكن هناك نظام في العالم قد اتحد الكفر والاستكبار كله لقمعه وضربه لا لشيء إلا لأنه إسلامي {وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد}.
        وفي نفس الوقت، كنا في فترة الظلم والجور الشاهنشاهي حين نشاهد تحركاً أو نهضة في مكان ما ينبض فيه عِرق إسلامي، فإننا نعتبر أنفسنا ملزمين بتأييده ودعمه، وهناك أمثلة على هذه الحقيقة.
        إننا نعتقد أن الدفاع عن الجمهورية الإسلامية في الوقت الحاضر هو أحد أهم أولويات التبليغ للإسلام في العالم بل ويعد من أوائل تلك الأولويات.
        ينبغي أن يقال لشعوب العالم: إن الإسلام يمكنه أن يجنّد الجماهير والشعوب، ويتم ـ من خلالهم وعلى أيديهم وبالاعتماد على إيمانهم ـ اكتساح حصون الاستكبار وقلاعه المنيعة، وإقامة نظام مبني على أساس الإسلام وعلى أساس القرآن، ويطبّق هذا النظام حاكمية الإسلام والقرآن ويرسي سيادتهما رسمياً. وهو نفس ذلك الشيء الذي كان يطمح إليه ويأمل في إقامته ـ سنين طويلة ـ الإسلاميون المثقفون الواعون، منذ زمن السيد جمال الدين ومحمد عبده وبقية المفكرين المسلمين، وظل يراودهم هذا الحلم كل تلك السنين، وظلوا يتحرقون شوقاً الى تحقيقه... هذا أيضاً إحدى أولويات التبليغ والإعلام الإسلامي. هذا ما يخص التبليغ في الدول الأجنبية غير الإسلامية، وهي ذات الأولويات التي ينبغي السعي لتحقيقها في بلداننا نحن، أي في داخل بلدان العالم الإسلامي.
        أضف الى ذلك، أن قضية الوحدة ـ الوحدة الإسلامية ـ تعتبر اليوم إحدى أهم الأولويات الإعلامية والتبليغية في العالم الإسلامي.
        فبعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران نشطت الدولارات النفطية والقروض الأميركية وغير الأميركية بشدة، للقضاء على وحدة العالم الإسلامي، وكان التركيز يتم ـ بشكل خاص ورئيسي ـ على قضية السنّة والشيعة.
        وبما أن شعب إيران هم من الشيعة، فإن الاستكبار بذل كل ما في وسعه للحيلولة دون تمكن الثورة ـ التي قام بها هذا الشعب ـ من مد الجسور وإقامة الاتصالات مع بقية أنحاء العالم الإسلامي وبلدانه الأُخر، وارتأَوا أن منع حصول ذلك يمكن أن يتم عبر رفع حدة الخلاف وتصعيده بين الشيعة والسنّة، لذلك قاموا بتأليف العديد من الكتب في هذا المضمار (وطباعتها ونشرها على نطاق واسع)... ويوجد لدي في مكتبتي الخاصة عدد كبير من الكتب التي ألفها المفكرون المتلبسون بزي رجال الدين وذوو الأقلام المأجورة، المنبثّون في العالم الإسلامي، مستهدفين تحريض الشعوب ضد الجمهورية الإسلامية وإيقاع العداوة والبغضاء بينهما، فوجدوا أن ذلك ممكن عن طريق تأجيج نيران الخلاف بين الشيعة والسنّة.
        إنني حين أقرأ بعض تلك الكتب أتمتم مع نفسي: رباه! كم يخشى أعداء الإسلام والثورة على أنفسهم ومناصبهم من هذه الثورة ويتوجسون منها خيفة؟! وكم لهذه الثورة الإسلامية من العظمة والأهمية بحيث تجعلهم يتشبثون بكل الوسائل ويلجأون الى كل الأساليب لإيذائها؟ ويا عجباً من أن الذين كانوا ـ وما يزالون ـ يتحدثون باسم الدين ويتشدقون به وكذلك الذين يكتبون باسم الوعي والفكر ويتظاهرون بهما زيفاً، هؤلاء هم أيضاً لا يخجلون من أنفسهم وفي مقابل الحصول على الأموال والدولارات من أسيادهم يبذلون الجهود والمساعي الحثيثة من أجل تجريح الجسد الإسلامي. فالوحدة إذاً إحدى أولويات الإعلام والتبليغ اليوم.
        أمر آخر يعتبر من أولويات التبليغ والإعلام في داخل المجتمعات الإسلامية، وهو الدعوة الى حكم الإسلام. إن الإسلام لا يقتصر على الأحوال الشخصية ـ بل وحتى هذا المجال أيضاً لم يبقَ بيد الإسلام وإنما تلاعب فيه حكام كثير من البلدان الإسلامية وأبعدوه عن متناول الإسلام ـ والإسلام ليس للعبادة وإحياء القلوب في زوايا المساجد والبيوت وحسب، وإنما جاء الإسلام في سبيل إدارة شؤون الحياة الإنسانية. الإسلام نظام للحياة ينبغي إيضاح هذا الأمر للشعوب كلها.
        ومن ضمن الأولويات الإعلامية والتبليغية في العالم الإسلامي شرح وتوضيح الفرق بين الإسلام الأميركي والإسلام المحمدي الأصيل النقي. إن الإسلام الأميركي تعبير يرمز الى الإسلام الذي يخلو من المحتوى والمضمون ويقتصر على القالب والإطار... وهو الإسلام الذي "يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض" وهو أيضاً الإسلام الذي لا يوافق على أن {لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً}. إنه الإسلام الذي يرفض أن {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلَون إن كنتم مؤمنين} وهو الإسلام الذي لا يؤمن بـ {وما أرسلنا من نبي إلا ليُطاع بـإذن الله} والإسلام الذي يرفض حاكمية الإسلام، وبالتالي فهو الإسلام الذي يداهن أميركا وينسجم معها، ولكنه لا ينسجم مع الجمهورية الإسلامية ويوافق على أعمال أميركا وفساد الغرب وفسقه، إلا أنه يرفض الجمهورية الإسلامية وهي التي تملأ أجواءها الآيات الإلهية.
        هذا هو الإسلام الأميركي... إنه الإسلام الخليط الهجين، وإسلام التكبر والزهوّ، وإسلام القوى الظالمة.
        أما الإسلام النقي الخالص، فهو الإسلام الذي ينطق به القرآن وتصدع به آياته، وهو الإسلام الذي يحمل الخصائص والمميزات التي عرضتها أثناء حديثي.
        ينبغي إيضاح هذه الحقائق لكي تتبين ما هي حقيقة الإسلام الذي ندعو إليه ودعا إليه رسول الله (ص) وينبغي ـ طبعاً ـ أن نقول: إنه وبالإضافة الى الإعلام والدعاية المعادية للإسلام من قبل الأعداء فإن من المؤسف أن تجري مساعدة أعداء الإسلام ودعمهم ـ في الوقت الحاضر ـ من داخل المسلمين ومن بين صفوفهم، وأن المندسين من عملاء العدو موجودون في صفوف المجتمع الإسلامي، إضافة الى أن الأذواق المنحرفة والنظرات الضيقة وذات الأفق المحدود هي الأخرى تساعد العدو وتمكنه من الإضرار بمصلحة الإسلام وإلحاق الأذى به.
        هناك في العالم الإسلامي ـ كما أشرت قبل قليل ـ مَن يعمل ويبذل الأموال الطائلة والجهود الواسعة للإضرار بمصالح الجمهورية الإسلامية والتبليغ ضدها، بدلاً من إنفاق تلك الأموال وتوظيف الجهود للتبليغ ضد الصهيونية والإمبريالية والشيوعية.
        وإذا سلّمنا بوجود مثل هؤلاء في العالم، فكم سيكون من المناسب والضروري أن يطّلع العالم الإسلامي على أعمالهم ويعرف مَن هم، ويفهم أبعاد هذه القضية.
        وطبعاً من أجل ألا يكون للإعلام والتبليغ الإسلامي أثره وبريقه في العالم، فقد بادر أعداء الإسلام الى عمل آخر من أعمالهم الخبيثة، وهو دعم التيارات غير الإسلامية وتشجيعها على الانتشار في البلدان الإسلامية لكي تصبح نداً منافساً للإسلام، كالعصبيات القومية المختلفة.
        إنهم يقومون بإذكاء نار الشعور القومي لدى القوميات المختلفة في البلاد بحيث تؤول الأمور الى وضع يولي فيه المواطن المسلم في البلد الفلاني مصالح قوميته الدرجة الأولى من الاهتمام، وبعد ذلك يأتي الإسلام. هذا أيضاً من ضمن الأساليب والممارسات المعادية التي تؤدى وتمارس بدعم من الأعداء.
        أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، نحن في الجمهورية الإسلامية كنا طوال السنوات العشر الماضية هدفاً للإعلام المعادي والدعاية العالمية، وقلما حصل مثل هذا الحجم من الإعلام المعادي ضد شخص أو فئة مثلما كان نصيب الجمهورية الإسلامية من أعدائها لسنوات طويلة. لقد مارسوا التبليغ ضدنا بمستوى فريد من نوعه، حتى أن كل وكالات الأنباء الكبرى في العالم ـ أي الوكالات الأربع المعروفة التي تبث 90 % من الأخبار العالمية، والتي تدار معظمها من الصهاينة ـ وجميع الإذاعات العالمية المعروفة التي تتم تغذيتها من قبل الدول الغربية والشرقية، كانت معظم دعاياتها وإعلامها تتركز ـ خلال هذه السنوات الماضية ـ ضد الجمهورية الإسلامية، وبأساليب ووسائل حديثة جداً.
        وإننا، نحن الذين استهدَفَنا ذلك الإعلام المعادي وكانت حراب عدائه وحقده مشرعة في وجوهنا، نبدي إعجابنا بهذه القدرات الإعلامية والتبليغية التي تمثلت في أساليب وصيغ شتى ضد الثورة الإسلامية. وإن الإنسان ليعجب ـ حقاً ـ وهو يرى كم من العقول وُظّفت، وكم من الأفكار طُرحت، وكم من الأوقات صُرفت في هذا الاتجاه، وكم كُرّست جهود أشخاص متخصصين ودارسين لإدارة مثل هذه الحملة الإعلامية والدعائية المعادية لنا وتنظيمها.
        خلال السنوات العشر الماضية، لم نَخْطُ خطوة ولم نقم بعمل ما إلا وكان الإعلام العالمي لنا بالمرصاد، وليقوم بكتابة المقالات المختلفة وبشكل مستمر ضدنا، وأحد تلك المواضيع هو موضوع حقوق الإنسان.
        كثيراً ما زعموا وتمشدقوا في الإعلام العالمي بأن حقوق الإنسان يجري انتهاكها وسحقها في الجمهورية الإسلامية.. ترى مَن الذين رددوا ذلك وزعموه؟! إن أكثر الأصوات علواً في هذا المجال هي أصوات الذين ينقضون أبسط حقوق الإنسان بشكل سافر وعلني. بل ويفتخرون بذلك أيضاً.. إنهم نفس أولئك الذين استخدموا القنبلة الذرية ـ ولأول مرة في العالم ـ ضد المدنيين العزّل وألقَوها على كل من هيروشيما وناكازاكي، وأزهقوا بذلك أرواح عدد كبير من الناس، صغاراً وكباراً، في لحظة واحدة، فيما بقي الألوف الآخرون معاقين ومقعدين حتى الموت.
        إنهم نفس أولئك الذين شنوا على رؤوس الأشهاد، وفي وضح النهار، هجوماً سافراً ضد دولة أخرى (ليبيا) وبالتحديد على عاصمة تلك الدولة؛ وهم نفس أولئك الذين هاجموا وأسقطوا طائرة الركاب المدنية العائدة للجمهورية الإسلامية، وحاولوا في البداية أن ينكروا قيامهم بذلك، لكنهم رأَوا أن عملهم غير قابل للإنكار فاعترفوا بإسقاطهم تلك الطائرة التي كان على متنها ما يربو على الـ 300 من المسافرين الإيرانيين وغير الإيرانيين، صغاراً وكباراً، نساءاً ورجالاً وأطفالاً، لكنهم لم يعبأوا بكل ذلك فأطلقوا عليها صاروخاً من إحدى سفنهم وأسقطوها في البحر، مما أدى الى مصرع ركابها جميعاً.
        هؤلاء الذين ينقضون حقوق الإنسان بكل تلك الوقاحة والصراحة هم أنفسهم الذين يدّعون كذباً ويزعمون أن حقوق الإنسان تُنقض في الجمهورية الإسلامية، ويركزون حملاتهم أكثر من الباقين على الجمهورية الإسلامية بالذات.
        هؤلاء هم الذين يهاجمون البلدان الأُخر ويسقطون حكوماتها وهم الذين دبروا في بلدنا بالذات ـ ومنذ بداية انتصار الثورة الإسلامية ـ شتى أنواع المؤامرات والأعمال المعادية. وهؤلاء هم أنفسهم أسياد أعداء الثورة الإرهابيين الذين استُشهد على أيديهم في السنتين أو الثلاث الأولى من قيام الجمهورية الإسلامية الكثير من أبرز الشخصيات البارزة في الثورة، وكان من بين أولئك الشهداء العظام: رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء، ورئيس السلطة القضائية، وعدد من أعضاء مجلس الشورى الإسلامي وعدد من الوزراء، وكان عددهم يربو على 70 أو 80 شخصاً، وفي الأعم الأغلب قاموا باغتيال مثل هذه الشخصيات فضلاً عن أئمة الجمعة والعلماء الكبار.
        هؤلاء القتلة الإرهابيون هربوا خارج البلاد، ولجأوا الى تلك البلدان التي تدّعي حكوماتها ـ اليوم ـ زيفاً وتتمشدق بحقوق الإنسان، وأصبحوا يتمتعون بحمايتهم.
        ألا تسأل أميركا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وبقية الدول التي ترفع عقيرتها بالدفاع عن حقوق الإنسان كذباً، ألا تسأل أنفسها: أنه لو كنا حقاً دعاة حقوق الإنسان فكيف احتضنّا هؤلاء الإرهابيين المتوحشين القتلة الخبثاء القساة، وكيف نوفر لهم الحماية وندافع عنهم في نفس الوقت الذي ندّعي فيه الدفاع عن حقوق الإنسان؟!
        إننا نعلن أنه لا يمكن رعاية حقوق الإنسان وتطبيقها إلا في ظل الإسلام والأحكام الإسلامية، وإننا نحن الذين نقوم الآن بتطبيق تلك الحقوق ورعايتها، وطبعاً فنحن لا ندّعي أننا تمكنا من تطبيق أحكام الإسلام بشكل كامل، ولكننا قد سرنا في هذا الطريق وخطَونا خطوات كبيرة في هذا المضمار، وما زلنا نسير فيه الى الأمام.
        إن حقوق الإنسان تخصنا نحن أولاً، وهذه إحدى التهم والافتراءات التي وجهت إلينا. واتهموا الجمهورية الإسلامية كذلك بالإرهاب، في الوقت الذي يقومون فيه هم بتشجيع الإرهاب ورعايته، فهم الذين يسقطون طائرة الركاب المدنية والطائرات العسكرية ويهاجمون بيوت الناس الآمنين، ويقومون بغزو غرينادا، ويقدّمون الدعم والمساندة لأعداء الثورات التقدمية ومعارضي الحكومات الثورية ويساعدونهم، ويوفرون الدعم المادي والمعنوي للأشخاص المنحطين والخبثاء، وهم يمارسون أشد أنواع الظلم والجور وأكثرها فظاعة ضد الطبقات المحرومة في بلدانهم، وخصوصاً ضد الزنوج، ويستخدمون في كل حين كل وسيلة ممكنة ضد أعدائهم، ويقومون بتصفيتهم جسدياً، وهم ـ رغم كل ذلك ـ لا يعتبرون تلك الأعمال أعمالاً إرهابية.
        أما حينما تقوم الجمهورية الإسلامية بالدفاع عن مسلمي لبنان المظلومين، فإنهم يطلقون على ذلك اسم حماية الإرهاب، وعندما ندافع عن ثوار فلسطين المظلومين والذين لا ناصر لهم، يتهموننا بالدفاع عن الإرهاب.. وحين ندافع عن أولئك الذين يعانون بشدة في عقر دارهم من ظلم عملاء أميركا وأذنابها، فإنهم يتهموننا بحماية الإرهاب.
        لقد ذهبوا بعيداً في ممارسة الإعلام والدعاية ضدنا في العالم، بأن الجمهورية الإسلامية تؤيد الإرهاب وتدافع عنه، بحيث أنهم يكررون القول ويعيدونه مراراً حتى يصبح ذلك من الحقائق التي تصدقها كثير من الشعوب، ويظنون ـ فعلاً ـ أن هذه الإدعاءات صادقة وحقيقية.
        وفيما يخص الحرب، ينبغي القول: إنه ما من خطوة كنا نخطوها في السنوات الثماني من الحرب التي فُرضت علينا إلا ويجعلونها مادة إعلامية ضدنا ويبثونها عبر وسائل إعلامهم.
        وبعد أن وافقنا على قرار مجلس الأمن المرقم 598 فإنهم استمروا أيضاً في ممارسة الدعاية والتضليل وكتبوا المقالات المعادية لنا، وأذاعوها عبر كل الإذاعات، وبثوها من خلال وكالات الأنباء. إتهموا الجمهورية الإسلامية بأن لها علاقات مع "إسرائيل" وأميركا، ولديها ارتباط خفي معهما، وردَّدت هذه المزاعم نفس الإذاعات المرتبطة بأميركا وإسرائيل، ويكفيهم خزياً وصفاقة وقبحاً أنهم حين يريدون تشويه سمعة شعب أو حكومة ثورية فإنهم يتهمونها بأن لها علاقة مع الصهاينة وأميركا.
        وحتى بالنسبة لحكومة جنوب أفريقيا العنصرية، كنا أولى الدول التي عملت بحزم في مواجهة ذلك النظام وقطعت حكومة الجمهورية الإسلامية كل العلاقات مع أفريقيا الجنوبية في اللحظات العنصرية القائمة هناك، وقطعنا تصدير نفطنا الذي كان النظام الشاهنشاهي المقبور يصدّره إليهم بكميات كبيرة.
        وفي أحد المؤتمرات العالمية التي عقدت لمناقشة شؤون النفط ـ وكانت قد عقدت مؤتمرات لمناقشة التمييز العنصري ـ كانت الجمهورية الإسلامية مشاركة في ذلك المؤتمر، قام عملاء الحكومات العميلة لأميركا والاستكبار العالمي ـ الذين يقدّمون هم أنفسهم الدعم والإسناد لنظام جنوب أفريقيا ـ بإعداد قائمة بأسماء الدول التي باعت النفط لنظام جنوب أفريقيا، ومن بين الأسماء التي كتبت في تلك القائمة اسم الجمهورية الإسلامية! ووضعوا في القائمة رقماً لسفينة زعموا أنها قامت بنقل النفط الإيراني الى جنوب أفريقيا، وقد وُزّعت أعداد كبيرة من تلك القائمة في المؤتمر.
        ولما أُحِطْت علماً بمثل هذا الأمر، كتبت الرقم المذكور وبرفقته كل المعلومات المذكورة عن السفينة، وكلفت مجموعة من الأشخاص بمتابعة هذه القضية وإبلاغي النتيجة؛ وكانت نتيجة البحث والاستقصاء هي أن ما ذكر في هذا الصدد كان كذباً محضاً ولا صحة له، ولم تذهب تلك السفينة مطلقاً الى منطقة أفريقيا عموماً وأفريقيا الجنوبية خصوصاً، وكان معروفاً من أين حـمِّلت بالنفط وأين بِيع ذلك النفط ولمن تم بيعه.
        هكذا أوردوا ادعاءاً مختلفاً وعارياً عن الصحة بكل وقاحة وصلف وقاموا بنشره وبثه بشكل واسع، من أجل تشويه سمعة الجمهورية الإسلامية والمساس بها.
        بل إن "إسرائيل" نفسها، بالإضافة الى حلفائها، يحاولون الإيحاء عبر شتى أساليبهم ووسائل إعلامهم ـ وبخبث واضح ـ بفكرة أن لدى الجمهورية الإسلامية علاقات وصفقات شراء أسلحة مع "إسرائيل". في الوقت الذي نعلم أن هذا ليس سوى مجرد افتراء وكذب 100 % وليست لدينا أية علاقة مع الصهاينة أعداء العالم الإسلامي، لا على صعيد صفقات الأسلحة ولا في مجالات السياسة أو الاقتصاد ولا في أي مجال آخر.
        بل إن لإيران ديوناً مترتبة على "إسرائيل" كانت قد بقيت في ذمة الصهاينة منذ زمن الشاه المقبور، لم تقدم حكومة الجمهورية الإسلامية ولو طلباً واحداً بتسديدها، لأن ذلك يتطلب ـ بالتالي ـ ترتيب اتصالات وإجراءات معينة لتسليم وتسلّم هذه المبالغ من الكيان الصهيوني الغاصب، ولم تشأ الجمهورية الإسلامية أن يكون لديها حتى مثل هذه الدرجة من العلاقة أو الاتصال. بينما نعرف أن أشد الشعور عداءاً للصهاينة هو شعبنا، وأكثر الحكومات إعلاناً وتصريحاً بمعاداتها للصهاينة وأكثرها جدية في ذلك هي حكومة الجمهورية الإسلامية، ومع ذلك فإن الإعلام العالمي يوجه إليها مثل تلك التهم والافتراءات، وصوروا الأمر وكأن لدى إيران علاقات ما مع الصهاينة أو أميركا، بينما الواقع يشهد أن ذلك محض اختلاق وكذب ليس إلا.
        هكذا يجري توجيه الإعلام ضدنا..
        لقد أشاعوا أن الجمهورية الإسلامية قد تخلت عن أهدافها الأولية وتراجعت عنها، بعد عشر سنوات من قيامها، وربطوا بين هذا الزعم والإدعاء، ونهاية الحرب، بينما ـ في الحقيقة ـ كان هذا كذباً محضاً.
        فالأصول والمبادئ الإسلامية هي النور الذي يضيء الطريق لنا، ونحن ما زلنا نواصل السير في ظل تلك المبادئ والأصول.. والأصول والمبادئ التي تؤمن بها وتطبقها الجمهورية الإسلامية هي: مبدأ الاستقلال الكامل ومبدأ "لا شرقية ولا غربية" وهو ما نطبقه في الوقت الحاضر بنفس القوة التي كنا نطبقه بها فيما مضى، ومبدأ الاستناد الى رأي الشعب، وهذا الأمر يوجد في إيران اليوم بصيغة من أفضل الصيغ الموجودة في العالم ـ ولا أقول إنها الأفضل في العالم كله ـ سواء من حيث كيفية ارتباط أفراد الشعب بالنظام والحكومة والوزارة، أو تأثير هذا الارتباط.
        العلاقة بين أفراد الشعب والحكومة هنا تمثل إحدى أفضل صيغ تدخل الشعب في قضايا البلاد وأمورها وفي تقرير مصيرهم.
        ومن بين مبادئ الجمهورية الإسلامية وأصولها مبدأ تطبيق الإسلام والتقيد بأحكامه، فهل من الممكن مس هذا الجانب بسوء؟! إن في دستور الدولة مبدأً ثابتاً ينص على أن أي قرار أو قانون يتم اتخاذه في الجمهورية الإسلامية يعتبر باطلاً وساقطاً عن الاعتبار بشكل كامل إذا كان مخالفاً للإسلام وغير منسجم والأحكام الإسلامية، وقد ذكر في سياق ذلك المبدأ أن هذا المبدأ يعتبر ساري المفعول ومقدماً على كل المبادئ والقوانين الأُخر الموجودة في الجمهورية الإسلامية فلو تعارض هذا المبدأ مع أي مبدأ أو قانون آخر ـ حتى لو كان ذلك المبدأ أحد مبادئ الدستور ـ فإن الأولوية والاعتبار سيكونان لهذا المبدأ الأساس.
        فهل من الممكن أن تنفصل الجمهورية الإسلامية عن الإسلام أو تتخلى عنه ولو للحظة واحدة؟! إننا إذا أحسسنا يوماً ما أن طريق هذا النظام الجمهوري الإسلامي يحيد عن الإسلام وينفصل عنه ـ لا سمح الله ـ فإننا نحن أنفسنا سنرفض ذلك. إن مبرر وجودنا ووجود هذا النظام رهين بالإسلام، والإسلام هو كل شيء بالنسبة لنا وهو الهوية الحقيقية لهذا النظام وروح هذا النظام.
        إنني أعتذر عن إطالة الحديث بعض الشيء، وكنت قد كتبت أموراً أُخر أحببت أن أطرحها في هذا المؤتمر ولكنني أعتقد أنني لو أردت أن أطرحها فسوف تطول هذه الجلسة كثيراً، ولقد أتعبكم حديثي، وآمل أن يكون هذا الاجتماع اجتماعاً مباركاً، وأن تقوموا ـ أيها الإخوة الأعزاء، الإيرانيون وغير الإيرانيين، المشاركون في هذا المؤتمر ـ ببحث القضايا المطروحة في جدول الأعمال بشكل جدي إن شاء الله، وأن تقوموا بالتعمق في ذلك وتحديد القضايا المهمة لتبليغ الإسلام، وإيضاحها، وتُقدّموا إن شاء الله للمجتمع الإسلامي والأمة الإسلامية ثمرة ونتيجة فكرية قيّمة من وراء انعقاد هذا المؤتمر الكبير.
       والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

  • ضَرورة العَودة إلى القرآن
  • العودة إلى نهج البلاغة
  • روح التوحيد رفض عبودية غير الله
  • دروس وعبر من حياة أمير المؤمنين (عليه السلام)
  • الامام الرضا(ع) وولاية العهد
  • عنصر الجهاد في حياة الأئمة (عليهم السلام)
  • كتاب الفن والأدب في التصور الإسلامي
  • الإمامة والولاية في الإسلام
  • المواعظ الحسنة
  • حقوق الإنسان في الإسلام
  • قيادة الإمام الصادق (عليه السلام)
700 /