موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي

كلمة قائد الثورة الإسلامية المعظم خلال لقائه آلاف الطلبة من مختلف جامعات البلاد

بسم الله الرحمن الرحیم (1)

والحمد لله ربّ العالمین، والصلاة والسلام علی سیدنا ونبینا أبي القاسم المصطفی محمد، وعلی آله الأطیبین الأطهرین المنتجبین، سیما بقیة الله في الأرضین.

 

لقد كانت جلستنا في هذا اليوم جلسة مترعة بالنشاط والحيوية والحمد لله. فإن ميزة الشاب في الدرجة الأولى هي الحيوية والنشاط، وهي ما ستؤدي إلى التقدم واستثمار الفرص في البلد إن شاء الله.

علماً بأنّ الشباب الأعزاء الذين تحدّثوا غالباً ما طرحوا هواجسهم وآلامهم، وهو جيد ولا إشكال فيه، فإني لا أعارض بيان الهواجس والإشكالات ونحو ذلك، بل أوافق بالكامل ذكرها وطرحها، ولكن لابد من التدقيق قليلاً في التعبير، لأن عدم التدقيق في البيان والتعبير قد يترك، بالإضافة إلى المساءلة الإلهية، آثاراً خارجية لا يُحمد عقباها، فلابد من توجيه الانتقاد بدقة. وبالتالي فإنّ روح النشاط والمطالبة، التي سأتحدث عنها لاحقاً، جيدة جداً.

قبل أن أبدأ بالحديث، أودّ أن أتناول ما أشار إليه الأعزاء هنا من موضوعات، ولقد دوّنت من أهمها بضعة نقاط. منها ما سأله أحد الأحبة المتحدثين قائلاً: «الإشكالات والنقائص التي نشاهدها اليوم – وهي نفسها التي جرى ذكر بعضها على لسانكم – هل يعود مردّها إلى البنية أم إلى المسؤولين؟» إنّ بنية الدستور بنية جيدة، ولا إشكال فيها، علماً بأنّ البنى بمضيّ الزمان تخضع للتكميل وإزالة النقائص وسدّ الفراغات، وهذا أمر طبيعي. ولنذكر على سبيل المثال مجمع تشخيص مصلحة النظام الذي لم يكن موجوداً يوماً ما، وهذا ما كان يعتبر نقصاً وفراغاً، وهو اليوم موجود، إلى غير ذلك من حالات التقدّم التي تحدث في كلّ الأنظمة العالمية. ولنفترض بأنّه في نظام حكومي رئاسي كالنظام الأمريكي الذي تأسّس قبل مئتي عامٍ ونيّف، وكما قرأتُ قبل بضع سنوات، يريدون تأسيس وإيجاد بعض الأمور أو حذفها منه، وهذا يعني تكميل النظام. إذن فالبنية جيدة لا إشكال فيها، ولكن من الممكن أن يتم إضافة شيء إليها أو حذف شيء منها. علماً بأنّ موضوع النظام البرلماني، الذي أشار إليه أحد الأعزاء، قد تداولناه بحثاً بالتفصيل في مجلس إعادة صياغة الدستور وتوصّلنا إلى النتيجة الحالية، وهي أن مشاكل النظام البرلماني، بالنسبة لنا على أقل تقدير، تفوق النظام الرئاسي. على أي حال أنا لا أجد إشكالاً في البنية، نعم الإشكال فينا نحن المسؤولين، وهذا ما لا شك فيه. فإنّ للمسؤولين تقصير وتوجهات مختلفة وحالات من العجز والنقص، وهذا ما يؤول أحياناً إلى أن نخطئ في المسير، وخطأنا لا يضاهي خطأ عامة الناس، لأنه يؤدي، حين وقوعنا فيه، إلى إيجاد ثغرات كبرى في وسط المجتمع.

والنقطة الأخرى التي تطرق لها أحد الأحباء هي «التصدي للخصخصة». علماً بأنّ هناك أخطاء كبيرة طرأت في هذا المضمار، وهي التي أشار أخونا إليها، وأنا بدوري نبّهت على بعض النقاط (في هذا المجال) كراراً، وقد تم التعديل في بعض المواطن، وتم التصدي لبعض الأعمال في مواطن أخرى. وبالتالي فإنّ هناك إشكالات في هذا الأمر، غير أنّ أساس الخصخصة يعتبر الحاجة الملحة لاقتصاد بلدنا، وهي من الموارد التي عملت على تكميل البنية بعد أن لم تكن متوافرة منذ البداية. فقد استفدنا من الأصل المعنيّ في الدستور وأعلنّا ذلك، وصادق عليه كل الخبراء وأصحاب الرأي من جميع الجوانب، وقالوا بأنه أمر مطلوب وهو حقاً أمر مطلوب، فلا ينبغي التصدي له. ولكنه في ساحة العمل، شأنه شأن الكثير من المهام الأخرى، ينطوي على بعض الإشكالات والأخطاء، وقد تعرّض لحالات من الإغفال والإهمال، وربما طرأت فيه بعض الزلات التي يجب الوقوف أمامها. فإنّ الواجب الملقى على عاتقنا هو الوقوف أمام الزلات.

والنقطة الأخرى التي نسبوها إلى هذا الحقير هي الوقوف في وجه الشباب الثوري، وهذا ما لا ينبغي لكم تصديقه. فإني لا أقف في وجه الشباب الثوري أبداً. بل دوماً ما أيّدتُ التيار الشبابي الثوري بالخصوص، وها أنا ذا أؤيّده ثانية. وهذا لا يعني بالطبع أن أؤيّدهم حتى إذا ارتكبوا مخالفة أو عملاً خاطئاً.. كلا، فإني كذلك كنتُ يوماً ما في هذا البلد شابّاً ثورياً، وقد قضيتُ شوطاً من عمري في هذه المرحلة، وحين أنظر إلى نفسي أجد أنني كم ارتكبتُ من أخطاء أثناء العمل. وبالتالي فإنّ الشابّ الثوري قد يخطئ في مكان ما، وأنا لا أؤيّد ذلك الخطأ، ولكني أؤيّد الشابّ الثوري نفسه بكل تأكيد. وإن نُقل شيء في هذا المجال فافرضوه قطعاً ولا تصدّقوه.

قال أحد الأعزاء بأنّ التصويت على الاتفاق النووي قد نسبوه إلى القائد، نعم فعلوا ذلك، ولكن لكم أعين وتتمتعون بالذكاء والفطنة ما شاء الله وتدركون كل شيء! فانظروا إلى تلك الرسالة التي كتبتها وإلى الشروط التي عُلّق التصويت عليها. ولكن إذا لم تُطبَّق ولم تُنفَّذ تلك الشروط وتلك الخصائص، فليس من واجب القائد النزول إلى وسط الساحة قائلاً لا يحق لكم تنفيذ الاتفاق النووي. وهذه قضية بحد ذاتها فما هي وظيفة القائد في مثل هذه المواطن التنفيذية؟ نحن نعتقد أنه لا ينبغي للقائد النزول إلى الميدان في المجالات التنفيذية من أجل إنجاز عمل أو الحؤول دون إنجاز عمل، إلا ما له صلة بالمسيرة العامة للثورة، وما سوى ذلك فلا. على أي حال لم يكن لديّ إيمان كبير بالصيغة التي تم بها تنفيذ الاتفاق النووي، وهذا ما نبّهتُ عليه المسؤولين المعنيين بالأمر – بمن فيهم السيد رئيس الجمهورية ووزير الخارجية المحترم وغيرهم – مراراً، كما ونبّهتهم على نقاط كثيرة أخرى كذلك.

لقد وجّه بعض الأحبة انتقادات وهي جيدة، والكثير منها في محلها، ولكن لا ينبغي أن يكون انتقادكم لاذعاً، وخذوا أمرين بنظر الاعتبار:

الأول: حاولوا في الانتقاد ألّا توجّهوا نقطة ضعف للطرف الآخر؛ أي لا تتكلّموا بالطريقة التي تمكّنه من إدانتكم قضائياً.. خذوا هذه المسألة بنظر الاعتبار، وهذا ما لربما نبّهتُ عليه الشباب لمرة أخرى أو مرتين. التفتوا إلى ألّا تتحدثوا بالطريقة التي يستغلّها الطرف الآخر لإدانتكم قضائياً.. هذا أولاً.

ثانياً: تجنّبوا الإفراط والتفريط. فإنّ القرآن الكريم حين يريد التحدث عن الكفار والمعارضين للنبي مثلاً يقول في شأنهم بعد ذلك: ﴿وَلٰکِنَّ أَکثَرَهُم یَجهَلون﴾(2) ولا يقول: «ولكنهم يجهلون»، وهذا يعني أنّ بين الكفار طائفة غير محكومة بهذا الحكم. فلا ينبغي لكم أن ترفضوا مجموعة أو تُشكلوا عليها بشكل قاطع وقد يكون بينهم أناس لا يُشمَلون بإشكالكم.. هذه تنبيهات هامة، وأنتم أبنائي؛ أي إنكم مثل أولادي حقاً، وأرغب أن يكون عملكم والطريق الذي تسلكونه طريقاً صائباً.

وأما الموضوع الذي دوّنتُه لأطرحه عليكم، ولا أدري كم لدينا متَّسعٌ من الوقت، ولكن سأتحدث بالتالي قليلاً.

أولاً: إن الذي دوّنته لأطرحه عليكم في بداية الحديث، هو انتهاز فرصة شهر رمضان مع امتلاك الميزة الشبابية. أعزائي! يعتبر شهر رمضان فرصة مغتنمة جداً لتطهير القلب والروح ولتعزيز الارتباط بالله؛ ذلك إننا جميعاً بحاجة إلى تعزيز هذا الارتباط. وشهر رمضان فرصة جيدة جداً للأنس بالقرآن والأنس بالصلاة والأنس بالدعاء. وإنّ صيامكم هذا يعدّ من نِعَم الله عليكم. وهذه هي موائد الضيافة الإلهية الواردة في الروايات، فإنّ الصيام يمثّل أحد الموائد السماوية التي يقدّمها الله سبحانه وتعالى لكم في هذه الضيافة، والدعاء أيضاً هو أحد الموائد الأخرى، والصلاة كذلك. والموائد هذه تمنحكم، وأنتم شباب، من القدرة وقوة التأثير بمقدار عشرة أضعاف ما تمنحنا ونحن في سنّ الشيخوخة وفي نهاية المسير.. هذه هي الحقيقة فاعرفوا قدرها.

إنّ فرصة الشباب التي بين أيديكم عصية على التجديد، فاغتنموا هذه الفرصة في سبيل أن تصيّروا الأنس بالله والأنس بالصلاة والأنس بالقرآن ملكة لكم، وعندها ستبقى هذه الملكات الحميدة والحسنة معكم إلى آخر أعماركم. وإن أعرضتم اليوم عن القيام بذلك وأوكلتموه إلى سنّ الشيخوخة، سيتعذّر ذلك على البعض منكم ويتعسّر على البعض الآخر. وأما إذا بادرتم اليوم إلى ذلك ستبقى لكم ملكة نفسانية وذخراً لمرحلة شبابكم. فاغتنموا هذه الأيام وهذا الصيام وهذه العبادات وهذه الصلوات وأوثقوا عراكم بالله سبحانه وتعالى وواظبوا على ذلك بعد شهر رمضان أيضاً.. هذه هي النصيحة الأولى.

وفق التقارير التي بلغتني حقّقت التنظيمات والمجموعات الطلابية خلال العام أو العامين المنصرمين إنجازات جيدة في شتى القضايا، سواء على الصعيد الداخلي أو على الصعيد الدولي. ولنذكر على سبيل المثال ما قاله أخونا هنا حول الخصخصة، حيث خاض طلاب الجامعات هذا الميدان وعالجوا حقاً مشكلة كانت عالقة على شركة قصب السكر في منطقة هفت تبه أو مصنع السيارات في تبريز. علماً بإنهم لا يمتلكون مالاً ولا سلطة قانونية ولكن في الوقت ذاته يستطيع حضورهم أن يحقق إنجازات كبيرة ويحلّ مشكلة كبرى. ومما قاموا به مثلاً دعم العمال ومطالبة الأجهزة التي تركت أثرها. فإن المجموعة الطلابية إذا طالبت السلطة القضائية أو السلطة التشريعية أو مجمع تشخيص المصلحة بشيء ستترك هذه المطالبة أثرها، وقد تركت أثرها بالفعل، وهذا ما أنتم حقّقتموه وهو جيد جداً.. هذه الخطوات التي يشهدها المرء في المجموعات الطلابية قد قُطعت خلال العام أو العامين المنصرمين.

أو ما قام به الطلاب من إعلان حضورهم في الساحات الدولية والإقليمية، كما في قضية اليمن(3) وفي حادثة نيوزلندا(4) الأخيرة وفي أحداث نيجيريا(5) وفي قضايا متعددة أخرى، فإنّ إعلان الحضور أمر مطلوب. أو التجمّع أحياناً أمام سفارة مثلاً جيد كذلك، ولكن لابد أن يقترن بالمتانة والدقة والعقلانية وإظهار الاقتدار الروحي والمعنوي. فلا يتصوّر البعض أن اقتحام السور دوماً عمل جيد.. نعم في بعض المواطن جيد كما في قضية الاستيلاء على وكر التجسس (السفارة الأمريكية في طهران)، ولكن ليس الأمر كذلك على الدوام. بيد أنّ حضوركم ومطالبتكم وكلمتكم المنطقية وإظهار اقتداركم واجتماعكم يترك أثره. والأثر هذا قد لا ترونه رأي العين على الفور، ولكن اعلموا بأنه سيترك أثره بالتالي. وعليه فإن هذه من الأمور التي أؤكّد عليها وأؤيّدها وأرغب في استمراريتها.

لقد كانت لي توصية مستمرة حول الكتاب وحركة مطالعة الكتاب، ولكن وفق التقرير الذي بلغني لم تلق هذه التوصية رواجاً بين المجموعات الطلابية كما ينبغي، وهي ما أوّكد عليها ثانية. فإنّكم بحاجة إلى المطالعة وإلى المعرفة، وسأتحدث لاحقاً إن أتيحت الفرصة بإذن الله. يجب عليكم إطلاق حركة مطالعة الكتاب، فاقرأوا الكتاب وطالعوه حقاً. علماً بأني في الجلسات الماضية مع طلاب الجامعات أوصيتُ كراراً بكتب الشهيد مطهري(6)، ولكن لا أريد القول بأنها هي الوحيدة، وإنما يجب عليكم أنتم وعلى لجانكم المفكرة وعلى المتمرّسين منكم أن يبرمجوا ويخططوا ويُعدّوا قائمة وخطة للمطالعة لمختلف الأماكن ومختلف الشرائح والطبقات.. هذه عملية ضرورية جداً.

لقد كانت تختلج في ذهني عدة موضوعات لطرحها، وها أنا قد دوّنتها تحت عنوان «بيان الخطوة الثانية». لا أني أريد الحديث بشأن هذا البيان، ولكن بذريعة هذا البيان وتحت مظلته، أودّ أن أطرح عليكم ما ساورني من موضوعات.

التفتوا! لقد رسم «بيان الخطوة الثانية» صورة عامة عن ماضي الثورة وحاضرها ومستقبلها. فقد مضى على الثورة أربعون عاماً، والبيان هذا يرسم صورة عامة عن قضاياها الرئيسية ولم يدخل في التفاصيل. ولقد تم التأكيد فيه على أربع نقاط رئيسية.

النقطة الأولى: «عظمة الثورة». ذلك إنّ الكثير لم يلتفت إلى هذا الأمر، ونحن ابتغينا أن نسترعي الالتفات والانتباه لذلك، سواء وقوع الثورة في هذه النقطة الجغرافية المحدّدة وفي تلك الحقبة التأريخية الهامة، ومن بعد ذلك بقاؤها وثباتها.. إذن هذه هي النقطة الأولى: عظمة الثورة من حيث وقوعها وحدوثها ومن حيث بقائها وثباتها.

النقطة الثانية: «عظمة الطريق الذي سلكته الثورة وأداؤها حتى اليوم». وهذا على النقيض من قول أولئك الذين يؤكّدون بأنّ الثورة لم تكن قادرة على إظهار أداءٍ لها. ولقد أوضحتُ في هذا البيان على سبيل الإيجاز بأنّ الثورة كان لها أداؤها البارز والمميّز بالكامل في مختلف المجالات، سواء في المجال السياسي أو الاجتماعي أو العلمي أو في مجال العدالة أو الحرية. فلقد كان للثورة أداء بارز في كافة المتطلّبات البشرية والوطنية والدولية الهامة. إذن فالنقطة الثانية هي عظمة أداء الثورة.

النقطة الثالثة: المأخوذة في هذا البيان بنظر الاعتبار هي «عظمة الأفق الذي ينبغي لنا بلوغه».. إلى أين نريد الذهاب؟ ماذا نريد أن نفعل؟ أين يكمن هدفنا؟

والنقطة الرابعة: «عظمة دور الطاقات الشابة والمتعهّدة»، لا كلّ شاب وإنما الشاب الذي يشعر بالالتزام والتعهّد والمسؤولية.. عظمة دور هذه الشريحة، وهي الشباب المتعهّد، في هذا المسير الماثل أمامنا وفي الوصول إلى تلك الأفق المنشودة.

هذه هي النقاط الأربع التي أردنا هنا بيانها. علماً بأني قلتُ على سبيل الإيجاز، ففي بيان واحد لا يمكن الإسهاب في هذه المسائل، بل لابد من تأليف كتاب أو كتابين، ولكن حريّ بأن تخضع هذه النقاط للتفصيل والفكر والمطالعة والتعمّق.

نحن بحاجة إلى حركة عامة للوصول إلى تلك الأفق، فلابد من انطلاق حركة في البلد. علماً بأن الحركة هذه موجودة، ولكن يجب أن تتسم بالانضباط وأن تقترن بالسرعة وأن يكون تقدّمها باتجاه ذلك الأفق ملموساً. والحركة هذه بالطبع لابد وأن تقوم على يد الشاب المتعهد؛ أي إنّ الشباب المتعهّد يمثلون محور هذه الحركة. وحين أتحدّث عن الشاب، لا أقصد بالضرورة أن يكون ابن 22 أو 25 عاماً. علماً بأنّ الشباب في الثاني والعشرين أو الخامس والعشرين من العمر يستطيعون النهوض بمهام كثيرة.. هذه هي الحقيقة كما أشارت إلى ذلك أختنا العزيزة، حيث قارنت أبناء العشرين بأبناء الستين وأنتم صفّقتم لها، إذن هؤلاء أيضاً يدخلون في القصد، ولكن حين أتكلم عن الشاب، لا أعني به الشابّ في عقد العشرين وحسب، وإنما أبناء الثلاثين وأبناء الخمس والثلاثين وأبناء الأربعين كذلك يدخلون في زمرة الشباب؛ أي إن هؤلاء أيضاً قادرون على ممارسة أدوارهم وإنجاز أعمالهم في هذا المضمار.. هؤلاء هم الذين يستطيعون إيجاد تحوّل عظيم في النظام الإداري للبلد إن كانوا متعهّدين.

والسؤال الذي يُطرح هنا: ما هو مسار دخول الشباب إلى هذه الحركة العامة؟ أنتَ شاب ملتزم وتريد الحضور في هذه الحركة العامة، فما هو السبيل إلى ذلك؟ هذا هو الموضوع الذي دوّنته لأطرحه عليكم وأبيّنه لكم.

التفتوا جيداً! إذا أُريد الانطلاق بحركة عامة منطقية منضبطة – حين أقول منضبطة يعني ألّا تكون قائمة على الضوضاء والفوضى، إذ أحياناً ما تقترن الحركات العامة بهذه المسائل وعندها ستفقد قيمتها – صحيحة منتظمة عقلائية، تحتاج إلى عدة أمور:

أولاً: تحتاج إلى معرفة الساحة. أي إن أولئك الذين يقطعون هذه الحركة أو الذين يمثّلون المحور فيها أو المحرّضين لها على أقلّ تقدير، ينبغي لهم معرفة الساحة جيداً ومعرفة العناصر المتشابكة في هذه الساحة أيضاً. أنتم اليوم تريدون النهوض بحركة في بلدكم وفي الجمهورية الإسلامية، فلابد لكم أن تعرفوا: ما هي أوضاع الجمهورية الإسلامية في هذا اليوم؟ من الذي تواجهه وتجابهه؟ ما هي فُرَصها؟ ما هي تهديداتها؟ من هم أعداؤها؟ من هم أصدقاؤها؟ هذه أمورٌ لابد من الوقوف عليها.

العنصر الآخر المطلوب في هذه الحركة هو أن يكون لها اتّجاهاً محدَّداً منطقياً مقبولاً. والاتجاه هذا في الحركة العامة التي نقترحها ونطرحها للشعب الإيراني هو الاتجاه نحو المجتمع الإسلامي أو الحضارة الإسلامية. بمعنى أننا نريد الذهاب إلى إقامة مجتمع إسلامي، والحركة العامة لابد وأن توصلنا إلى هذا الهدف وفي نهاية المطاف إلى حضارة إسلامية متقدمة.. هذا هو العنصر الثاني.

العنصر الثالث المطلوب هو أن تكون هناك وسيلة ونقطة مشرقة تبعث على الأمل. فإن أي حركة إذا كانت خالية من النقاط المشرقة والباعثة على الأمل لا تتقدم إلى الأمام. والأمل هذا في بلدنا يعتبر ولحسن الحظ في متناول أيدي مجتمعنا وشعبنا بالكامل. فإنّ النقطة المشرقة عندنا هي الطاقات الوطنية التي نعرفها، حتى أنكم أنتم الشباب أيضاً قد تعرّفتم اليوم على طاقات شعبكم. فقد أثبت الشعب الإيراني أنه يستطيع النهوض بالمهام الكبرى جيداً، حيث أطلق ثورة وأقام جمهورية إسلامية، وهذه كانت أشبه بالمعجزة. فإن إقامة الجمهورية الإسلامية في العالم القائم على قطبين: رأسمالي وشيوعي آنذاك كانت أشبه بالمعجزة، وهي شبيهة حقاً بمعجزة عبور بني إسرائيل من البحر أو معجزة عصا موسى، وهذا ما حققه الشعب الإيراني، وهي تعتبر طاقة بالغة الأهمية، ثم تمكّن من الحفاظ عليها أيضاً. ولقد بادر غيرنا كذلك إلى مثل هذه الأعمال قبل بضعة أعوام، كما رأيتم، في بعض بلدان شمال أفريقيا وغيرها، ولكنهم لم يتمكّنوا من الحفاظ على إنجازهم، والشعب الإيراني استطاع ذلك.. إنه استطاع أن يصنع من صدره دروعاً واقية أمام القوى العظمى يومذاك وأن يفرض التراجع عليها، وهذه بحد ذاتها نقطة أمل، وعليه فإننا نمتلك ما يدعونا إلى التفاؤل والأمل.

علماً بأنّ نقاط الأمل كثيرة وهذه هي إحداها، ومن النقاط الأخرى انحطاط الجبهة التي تقف أمامنا. إنني أقول بضرس قاطع – علماً بأنّ البعض سيعمدون فوراً إلى التوجيه والتأويل والإنكار ونحو ذلك، ولكني أقولها بضرس قاطع وهذا ما أستطيع إثبانه ولكن الوقت لا يسع لذلك – إنّ الحضارة الغربية اليوم تعاني من الانحطاط، وتشقّ طريقها حقاً نحو الزوال، وهي ﴿عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ﴾(7).. هذه هي الحقيقة. علماً بأنّ الأحداث والتطوّرات في المجتمعات تتحقق بالتدريج ولا يستشعرها الناس بسرعة. بيد أنّ المفكّرين الغربيين أنفسهم شعروا بذلك وباتوا يردّدونه على ألسنتهم. فإنّ الحضارة الغربية والمادية التي تقف أمامنا آيلة إلى التآكل والانحطاط، وهذه هي أيضاً واحدة من نقاط أملنا. ثم إنّ الله لا يخلف وعده حيث قال: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ﴾(8)، ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا﴾(9). إن الله هو يقول: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ﴾، إن تنصروا الله، يعني إن اتّجهتم باتجاه إقامة الحضارة الإسلامية والمجتمع الإسلامي وتحقّق دين الله، ينصركم الله، وهذه هي نقطة الأمل. إذن فالعنصر الثالث هو وجود نقطة الأمل وهي موجودة.

والعنصر الرابع هو أنّ كل فترة تحتاج بالتالي إلى حلول عملية، وهنا موضع بحثنا. فإنّ هذا هو السؤال المستتر الذي قد يختلج في أذهانكم وفي أذهان الجيل الشاب: ما هو الحلّ العملي الذي يمكّننا كشباب أن نخوض هذا الميدان؟

هذه العناصر الأربعة التي ذكرنا بأنها ضرورية للحركة العامة يحتاج تبيينها إلى ذهن وقّاد ولسان ناطق، سوى العنصر الأخير المرتبط بالحلول العملية الذي يحتاج إلى هداية وتمحور ومتابعة ونشاط متتالٍ لحظة بعد لحظة في سبيل أن يتمكّن من تسيير عجلة قافلة المجتمع العظيمة والأهم منهم شباب المجتمع. ولكن هذا فِعل من؟ هذا التمحور وهذا التخطيط ورسم خطة العمل والبحث عن حلّ وتقديمه يقع على عاتق من؟ يقع على عاتق الحلقات المتوسطة. إنه لا يقع على عاتق القيادة ولا على عاتق الحكومة ولا على عاتق الأجهزة الأخرى وإنما على عاتق مجموعات من أبناء الشعب أنفسهم، وعدد هؤلاء اليوم لحسن الحظ ليس بالقليل. فإنّ لدينا نخب فكرية بين الشباب وبين المسؤولين في مختلف المجالات المطلوبة، وهؤلاء قادرون على التخطيط والتوجيه. منهم التنظيمات الطلابية، ومنهم المجموعات الخبيرة والنشيطة في المجالات الثقافية والفكرية ونحو ذلك، ومن كان في هذه الساحات أكثر نشاطاً كان أكثر تأثيراً، ومعنى ذلك أن زمام الأمور يقع بيد الناشطين، ولا ينفع هنا التكاسل والتثاقل والتماطل.

دوّنتُ هنا نماذج من الأمور التي بوسعها أن تعين الجيل الشاب على أداء دورهم في محورية هذه الحركة العامة وأن تمنحهم الطاقة والقابلية اللازمة.

الأول تشكيل لجان ثقافية.. العمل الذي يتم إنجازه في الوقت الراهن. وإني على معرفة بالكثير منهم وعلى صلة ببعضهم. فإنّ واحدة من الأمور هي تشكيل اللجان الثقافية في جميع أنحاء البلد وفي المساجد، وهذا ما جرى الحديث عنه على لسان أحد الأعزاء أيضاً. وإنّ مصطلح «حرية إطلاق النار» الذي ذكرته قبل فترة(10) له صلته بهذه المجموعات النشيطة في المجالات الثقافية التي بمقدورها أن تترك تأثيراً عميقاً.. هكذا كان الأمر في بداية الثورة وهكذا هو اليوم أيضاً. ففي هذا اليوم أينما تجدون مجموعة شابة تنظيمية تتحلى بفكر وذهن جوّال وتمارس نشاطاً ثقافياً في مسجدٍ مثلاً أو في موكب عزاء، كما ذكر أحد الأحباء، تستطيع أن تترك أثرها على الشباب وعلى الحي وعلى الأقرباء وعلى المجموعات الطلابية، وبوسعها أن توجد حركة وعزيمة ورؤية في مجموعة أخرى.

والأمر الآخر تشكيل مجموعات للأنشطة السياسية، ولا أقصد بذلك الحزبية. فإنّ الحزبية عملٌ لا أشعر فيه بركة، بيد أن العمل السياسي لا يتلخّص في الحزبية، وإنما الاجتماع والتحليل السياسي ومعرفة الأحداث السياسية وفهمها ونقلها للآخرين. وهذه هي واحدة من الأعمال الأساسية جداً التي تسارع في حركة المجتمع العامة وتبلورها وتساندها.

تشكيل طاولات ومنابر الفكر الحر في الجامعات، هي الأخرى التي طالما كرّرتها وأكّدت عليها وأوصيت بها، غير أنها لم تحظَ باهتمام كبير. ولكن من الذي يجب عليه القيام بهذا الأمر؟ إن كنتم تنتظرون من رئيس الكلية أو المعاون الثقافي أو أمثالهم فلا فائدة من ذلك، بل ينبغي لكم أنتم النهوض بهذا الأمر. فالواجب عليكم تشكيل منابر الفكر الحر في الجامعات، ولكن كما ذكرتُ سابقاً لابد وأن تتسم كل هذه الحركات بالانضباط والتقدير والمطالعة الجيدة، وأن تنطلق على يد من لهم أذهان وقّادة وألسن ناطقة، وهذا ما سيساعد وسيترك أثره بالتأكيد. فإنّ المجموعات الطلابية المنضوية اليوم تحت التنظيمات لا تشكّل نسبة مئوية عالية بين طلاب الجامعات في البلد. ولو بادرتم إلى هذا العمل ستنمو هذه النسبة لا محالة. أما الطالب الذي لا يتصف بالالتزام والتعهّد والمشغول بأمور لا طائل من ورائها، لا يستطيع أن يترك أيّ أثر إيجابي في تقدّم البلد وتطوّره إن لم يترك أثراً سلبياً في ذلك. وبوسعكم أنتم أن تتركوا آثاركم بهذا العمل. وهذه بدورها إحدى المهام والأمور المشار إليها.

والأمر الآخر تشكيل فئات نهضوية لها صلتها بالقضايا الدولية والعالمية. وسبق أن ذكرتُ بأنّ بعض المجموعات قد بادرت إلى هذا الأمر. حيث قامت على سبيل المثال بتوجيه دعوة إلى الطلاب الناشطين في بلدان المقاومة لعقد اجتماع في طهران أو في مدن أخرى، وقد عُقدت اجتماعات جيدة كما بلغنا خبرها، إلى غير ذلك من الأعمال التي يمكن إنجازها؛ أي النشاط تجاه قضايا العالم الإسلامي، فليتم تشكيل فئات لمتابعة مختلف القضايا، بما فيها قضية غزة وفلسطين واليمن والبحرين، وما يخص المسلمين في بورما والمسلمين في أوروبا، ذلك إنّ واحدة من القضايا الصالحة للنقاش في الأوساط الطلابية النشيطة هي قضية المسلمين في أوروبا، والأحداث التي تقع في مختلف البلدان كأحداث باريس، فإنّ هذه قضايا قابلة للدراسة والمطالعة والنشاط، بمعنى أنّ بمقدور مجموعة طلابية أن تنشط حيال هذه الأحداث والقضايا الإقليمية.. هذه بدورها واحدة من الأعمال.

والأمر الآخر تشكيل فِرَق علمية للتعاون مع المراكز العلمية.

والأمر الآخر التعاون مع الشركات الاقتصادية القائمة على المعرفة.

والأمر الآخر المهم للغاية هو الأعمال الخدمية، من قبيل ما تقوم به الفِرَق الجهادية من الذهاب إلى مختلف المناطق، وهي تعدّ من أفضل الأعمال الطلابية، وكلما اتسّعت رقعة هذه الأعمال وتعزّزت وكانت أكثر هدفية لكان أفضل، ذلك إنها تؤدي إلى تقوية الجسم والروح وإيجاد تلك الحركة العامة.

والأنشطة المعلوماتية الشعبية. فإنّ الكثير من الأعمال التي لا تستطيع أجهزتنا المخابراتية القيام بها أو التي تبقى مجمّدة بين طيات الأعمال الأخرى لأسباب مختلفة، يتم أحياناً إبلاغها بواسطة العناصر اليَقِظة والواعية ويترك الإبلاغ تأثيره. وأحياناً ما يتم إبلاغها لنا وقد أثّرت بالفعل حيث توبعت القضية وأنجزت أعمال إيجابية. من قبيل الإبلاغ عن سوء استغلال في قضية التهريب أو الواردات المختلفة، كالذي ذكرها أحد الأحباء هنا، من طعام الكلاب وأمثاله. فإنّ بمقدور بعض المجموعات أن تنشط في هذه المجالات.

والأنشطة الاجتماعية.. التفتوا! هذه القائمة التي ذكرتها أحصت حتى الآن نحو اثني عشر عملاً، وبالإمكان إحصاء خمسين عملاً من هذا النمط. وأما الأنشطة الاجتماعية، فهي نفسها التي قام بها طلاب الجامعات في منطقة "هفت تبه" (11) وما شاكلها كما ذكرتُ سابقاً، وهي إنجازات جيدة جداً. فإن هناك مجموعات قد لا تكون على صلة مع بعض، ولكن لابد من توجيهها والتخطيط لها. والأعمال هذه برمتها لابد وأن يتولى الشباب برمجتها. وكلّ هذه بالطبع ينبغي إنجازها بالاستلهام من ذلك المنحى العام الذي ذكرته وهو الوصول إلى المجتمع الإسلامي والحضارة الإسلامية. فإنّ مراكز التخطيط والبرمجة والتوجيه – التي لابد أن تتولاها الحلقات المتوسطة كما ذكرنا – عليها أن تأخذ هذا المنحى في كل هذه الأمور بنظر الاعتبار.

ولكن ما هو الناتج من ذلك؟ الناتج من ذلك كما دوّنتُ هنا هو إدخال الجيل الشاب المتعهّد إلى ساحة إدارة البلد؛ الأمر الذي خضع لملامة أحد الأعزاء هنا قائلاً: يصدّون الشباب عن النزول إلى الساحة الإدارية. ولكن كيف يدخلون إلى الساحة الإدارية؟ دخول الشباب إلى الساحة الإدارية يتحقق عبر هذه الطرق. ولا شك أن الجيل الشابّ إذا نزل إلى الساحة الإدارية، وأضحى كبار المدراء في النظام من الشباب المتعهّد – وأنا قلتُ الشباب المتعهّد الولائي؛ أي لابد وأن يكونوا ولائيين حقاً بمفهومها الصحيح – عندذاك ستواصل الحركة العامة للبلد مسيرتها وستزداد سرعتها. إذن هذا السؤال القائل: كيف يستطيع الشاب النزول إلى ساحة هذه الحركة العامة، له أجوبة واضحة وأنا ذكرتُ جملة منها.

علماً بأنّ الحركات هذه لا ينبغي أن تعرقل المسيرة العلمية للمجموعة الطلابية الشابّة، ولا تنافي بينهم أيضاً. يعني إنّ قولكم «استراتيجية النظام البعيدة المدى هي التقدّم العلمي وتحطيم الخطوط الراهنة للعلم والمضيّ قُدماً إلى الأمام» صحيح، فلابد لنا أن نفتح قمم العلم بلا شك، ولكن لا ينبغي لهذه الأعمال أن تحول دون ذلك، ولا تنافي بينهما. فبالإمكان إنجاز هذه الأعمال والسير في الحركة العلمية أيضاً. والإمكان أن يكون الطالب ممتازاً من ذوي الدرجات العالية في مختلف الأقسام وفي الوقت ذاته أن يكون له حضوره في الفئات الجهادية وفي التنظيمات الطلابية وفي الفِرَق الخدمية وفي العمل الصحافي.

تحدّث هنا أحد الأعزاء حول الصحف والنشرات. وأعتقد أن الذين يشتغلون ويكتبون في النشرات الطلابية، لابد لهم من تربية مجموعات لمواصلة حركتهم بعد فترة الدراسة. صحيح ما قالوا بأن هؤلاء الذين يكتبون اليوم في النشرات كانوا يوماً من الطلبة الجامعيين، ولكن كلّ الذين كانوا يمارسون هذا العمل في المرحلة الجامعية، لم يواصلوا بعد ذلك عملية التدوين في الأقسام الخاصة بالنشر والصحافة وما شاكل. وباعتقادي يمكن مواصلة العمل في هذا المضمار، ولقد دوّنتُ هنا: «إيجاد شبكة من طلاب الجامعات الكتّاب الناشطين في النشرات الطلابية لمواصلة الأنشطة في حقل النشر».

أودّ أن أوصي طلاب الجامعات بأمرين. إنّ الذي نتوقّعه من الطلاب ومنكم أنتم الشباب الأعزاء الذين نودّكم كثيراً هو أن تنجزوا أعمالكم بصورة طوعية تلقائية، ولا تنتظروا من غيركم أن يدفعكم إلى النهوض بالعمل، ولاسيما الشباب الملتحقون بالتنظيمات الطلابية المختلفة. فلابد أن تنطلقوا بصورة تلقائية. علماً بأنّ البعض منكم رائد في مجال الفكر والبعض الآخر رائد في مجال التنفيذ، فعلى كل واحد منكم، في ذلك الحقل الذي يمتلك القدرة فيه، أن يعمل على شكل طوعي تلقائي، كنضال المناضلين في عهد الطاغوت.

نحن كنّا يوماً ما من أقرانكم ونعيش نفس هذه المرحلة إن كنتم تصدّقون، وكان ذلك في أيام الكفاح والنضال. ولقد كنّا حقاً ننطلق في ذلك اليوم بصورة طوعية تلقائية. ولا أروم التحدث عن أوضاعنا ولكنها حقيقة. ففي ذلك اليوم وفي سنيّ الكفاح لم يكن أحد يرأسنا؛ لا حزب ولا منظمة ولا جمعية، سوى الإمام الخميني العظيم الذي كان إما في النجف أو في تركيا. والنداء الذي يصدر أحياناً من سماحته ويصل إلينا كان يهدينا ويسيّر الدماء في عروقنا. هذا بالإضافة إلى ما كان من عقبات ومن تعذيب ومن سجن ومن عوائق مالية ومن تحمل جوع وما إلى ذلك، ولكن رغم هذا كنّا نحثّ الخطى ونمضي قدماً.

يجب على الشباب اليوم أن ينطلقوا بهذه الطريقة، كما هو حال جهاد المجاهدين في زمن الطاغوت. وإن النهوض بتلك الأعمال التي ذكرتها وأحصيتها يؤدي إلى إحباط مؤامرات العدوّ. فإن تلك المؤامرات الناعمة التي يتحدث الجميع عنها – وهي في الدرجة الأولى شلّ الجيل الشباب. فإنّ من أهم المؤامرات التي تُحاك اليوم ضدّ بلدنا وضدّ ثورتنا هي مؤامرة شلّ الجيل الشاب، وإشغاله بالشهوات والأعمال الفارغة كالألعاب الكمبيوترية وما شاكلها، وسوقه إلى الإدمان على المخدرات ونحوها، وهذه هي شلّ الجيل الشاب – يتم إفشالها بهذه الطريقة التي ذكرتها. كما ويتم إجهاض مؤامرة بثّ اليأس في نفوس الجيل الشاب عبر هذه الحركات الباعثة على النشاط والأمل.

وعليه فإنّ تقدّمتم أنتم الشباب إلى الأمام بهذه الحركات ومهّدتم السبيل لتولّي حكومة شابة ولائية، أعتقد أنّ الكثير من مخاوفكم وهواجسكم وغصصكم سوف تنتهي، واعلموا أنّ الغصص هذه لا تختص بكم فقط.

والنقطة الأخيرة التي هي في غاية الأهمية: قد تشاهدون أموراً لا تُرضيكم كالتوجّه السياسي للشخصية الفلانية أو الإشكال في عمل المسؤول الفلاني والسلطة الفلانية. فلو شاهدتم مئة مورد من هذه الأمور لا تيأسوا.. هذه هي توصيتي المؤكدة والرئيسية لكم. لا تيأسوا! فإنّ كل شيء بالنسبة لنا يبعث على الأمل والتفاؤل. وكما أشرتُ سابقاً نحن ذلك الشعب الذي تجد العوامل الباعثة على الأمل والتفاؤل حوله وفي ذاته تفوق العوامل الدافعة إلى اليأس والإحباط بكثير. فانظروا إلى هذه العوامل الداعية إلى التفاؤل وفتّشوا عنها واعقدوا آمالكم عليها وتوكّلوا على الله سبحانه وتعالى وأخلصوا نواياكم واعلموا أن الله جلّ ذكره سيعينكم ويمدّكم.

وستشهدون جميعاً بإذن الله ولطفه زوال أعداء البشرية؛ أي زوال الحضارة الأمريكية المنحطّة وزوال إسرائيل.

والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته

 

الهوامش:

1 ـ في بداية هذا اللقاء ألقى عدد من الطلبة الجامعيين وممثلي التنظيمات الجامعية، كلمات عبّروا فيها عن آرائهم وانتقاداتهم وتصوّراتهم.

2 ـ سورة الأنعام، جزء من الآية 111 .

3 ـ المذابح ضد الشعب اليمني على يد قوات التحالف العربي وبدعم من البلدان الغربية.

4 ـ المذبحة ضد المصلين في مسجد من قبل إرهابي وعدم إعلان موقف حاسم من قبل المنظمات الدولية إزاء هذه المذبحة.

5 ـ مقتل عدد من المواطنين الشيعة وإلقاء القبض على عدد آخر منهم وسجنهم، بما فيهم زعيم الشيعة في نيجيريا الشيخ إبراهيم الزكزاكي، على يد قوات الأمن في الحكومة النيجيرية.

6 ـ كلمة سماحته في لقائه جمعاً من الطلبة الجامعيين وممثلي التنظيمات الطلابية في الجامعات بتاريخ 06/08/2012.

7 ـ سورة التوبة، جزء من الآية 109 .

8 ـ سورة محمد، جزء من الآية 7 .

9 ـ سورة النساء، جزء من الآية 122 .

10 ـ كلمة سماحته في حشود زوار الإمام الرضا في مشهد المقدسة بتاريخ 21/03/2018.

11 ـ إعلان تضامن طلبة عدة جامعات في طهران ومدن أخرى، مع العمال المضربين في شركة "هفت تبه لقصب السكر" في محافظة خوزستان بسبب عدم إستلام العمال أجورهم لمدة أربعة أشهر، وكذلك عدم إعادة ملكية هذه الشركة من القطاع الخاص إلى القطاع الحكومي في عام 2018.