موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي

نداء القائد

    • فلسطين
    • الثورة الإسلامية
      • النظرة الكونية والفكرية للإسلام
        سهلة الطبع  ;  PDF
        النظرة الكونية والفكرية للإسلام

        إن علينا واجبات عامة، سواء أ كان ذلك بصفتنا دولة وحكومة أو على المستوى الفردي بصفتنا أشخاصاً مسلمين، ولكن هذه الواجبات لها أساس فكري وتتمتع بخصوصية الفكر الإسلامي والعقيدة الإسلامية والدينية. فإذا ما ناقشنا قضايا من قبيل الحرية، والسلوك الاجتماعي المتحرر، والارادة الشعبية، أو سواها من السياسات العامة، فلابد وأن نعلم بأن لكل منها مبنى وأساساً؛ فلو سئلنا لماذا يحق للناس التصويت؟ فلابد وأن نأتي بدليل فكري ومنطقي ونوضح السبب. إن كل ما يدور في مجال التخطيط ويعطي للبرامج والمشاريع ملامحها الأساسية يتصل مباشرة برافد الفكر الإسلامي، ووجهة النظر الإسلامية، والانطباع الإسلامي، وكل ما يمثل ويجسّد إيماننا وعقيدتنا وديننا، فعلينا أن نوضح وظائفـنا وواجباتنا ونشخّصها طبقاً لهذا الانطباع ثم نقوم بأدائها. فما هو هذا المبنى الفكري؟ إن علينا أن نبدأ من هنا باختصار شديد؛ أي من الخطوط الحقيقية لانطباع الإسلام ووجهة نظره حول الكائنات، والعالم، والإنسان. ولعل هذا لا يقتصر على الإسلام فحسب، بل إنه ينسحب أيضاً على كافة الأديان ـ إذا لم تكن قد مُنيت بالتحريف ـ حيث لا تكاد تخرج جميعاً عن هذا في مبناها الصحيح وأصولها الحقيقية. إلا أن الإسلام مازال ديناً صحيحاً لم تنله يد التحريف ويستند إلى مصادر موثقة، بينما تخلو الأديان الأخرى من مثل هذه المميزات.
        إن هذه المنظومة المعرفية التي نستمد منها الخطوط الأصلية لمنهجنا وواجباتنا ـ أي النظرة الكونية والفكرية للإسلام ـ ذات فصول متعددة، لها جميعاً تأثيرات مختلفة في سلوك المرء فرداً كان أو حكومة، وسأكتفي هنا بعرض خمس من هذه النقاط المؤثرة
        والمهمة التي وقع عليها اختياري:

        1 ـ التوحيد
        إحدى هذه النقاط هي التوحيد؛ والمقصود بالتوحيد هو الإيمان بأن هذا التركيب المعقد والعجيب والمدهش جداً والمحكم للكائنات وعالم الخلق، من مجرات وأفلاك وحفر سماوية عظيمة وكرات لا عدّ لها ولا حساب وملايين المنظومات الشمسية إلى خلايا البدن الصغيرة وذرات المواد الكيميائية ـ تلك التي تتميز بنظم دقيق في هذا التركيب العظيم والمتنوع والمعقد الذي استنبطت منه آلاف القوانين، حيث إن الأنظمة الثابتة يمكن أن تستنبط منها القوانين التكوينية والثابتة ـ كلّها من صنع وإبداع فكر واحد وتدبير واحد وقدرة واحدة، ولم تخلق بمحض الصدفة. وهذا الإيمان هو أمر يقبل به كل عقل سليم وكل إنسان عاقل ومفكر لا يتسم بالاهتزاز الفكري أو العجلة في اتخاذ القرار أو الحكم المسبق على الأشياء.
        والنقطة التالية هي أن هذا الفكر وهذا التدبير وهذه الحكمة والقدرة العظيمة اللامتناهية والتي لا توصف، تلك التي أبدعت هذا التركيب العجيب والمعقد، ليست صنماً من صنع الإنسان، ولا بشراً عاجزاً يدعي الألوهية، ولا شخصية رمزية أو أسطورية، وإنّما هي ذات الواحد الأحد المقتدر الأزلي الذي تسميه الأديان (إلهاً) وتستدل عليه بآثاره. إذاً فلابد من إثبات أن هذه القدرة والإرادة والدقة الموجودة وراء هذه الهندسة العظيمة والمعقدة، وإثبات أن ذلك المهندس المنقطع النظير والمستحيل على الوصف لا يشبه تلك الأشياء التافهة المستعملة التي يصنعها الإنسان بنفسه أو على صورته والتي تتسم بصفة الزوال كصانعها، بل {هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عمّا يشركون}.
        إن كافة الأديان تشترك فيما بينها في هذه النظرة سواء الأديان القديمة، أو الإبراهيمية، أو ما قبل الإبراهيمية، وحتى تلك الأديان الإلحادية الهندوسية الموجودة حالياً. وإن الذي يقرأ (الفيدا). يجد فيها عرفاناً توحيدياً خالصاً تزخر به كلماتها، ممّا يدل على أن عقيدتهم كانت تنبع من مصدر شفاف وزلال. إذاً فالتوحيد يمثل الركن الأساس لفكر ونظرة ورؤية هذا الإسلام الذي نريد أن نقيم على دعائمه هذه الحكومة وهذا النظام.

        2 ـ تكريم الإنسان
        وأمّا الركن الثاني فهو تكريم الإنسان، أو ما يمكن أن نسميه محورية الإنسان. ولا شك أن محورية الإنسان في الفكر الإسلامي يختلف تماماً عن محورية الإنسان في أوربا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين، فهذا شيء وذلك شيء آخر؛ فذلك يسمى أيضاً بمحورية الإنسان، ولكن لا وجه للتشابه إلاّ في الاسم. إن محوري الإنسان في الإسلام لا يراد به محورية الإنسان في أوربا بتاتاً، فهو شيء آخر. {ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض}؛ أي إن الذي يقرأ القرآن ونهج البلاغة والمصنفات الدينية سيشعر جيداً بهذا الانطباع الذي يوحي بأن كافة هذا الكون وهذا الوجود الواسع يقوم على محور الوجود الإنساني كما يرى الإسلام، فهذا هو محورية الإنسان.
        لقد ورد في آيات كثيرة أن الله تعالى سخر لكم الشمس، وسخر لكم القمر، وسخر لكم البحر، ولكن هناك آيتان في القرآن الكريم توضحان هذا التعبير الذي أسلفته؛ أي {سخر لكم ما في السموات وما في الأرض}. فما المراد بالتسخير؟ إنه يعني التسخير بالقوة لا بالفعل، حيث إنكم مسخرون بالفعل للسموات والأرض ولا تستطيعون التأثير عليهما كما ترون، وأمّا بالقوة فإنكم خلقتم بشكل وخلقت عوالم الوجود والكائنات بشكل آخر، بحيث تكون مسخرة لكم. فما معنى مسخرة؟ أي في قبضة يدكم وبإمكانكم استخدامها والانتفاع بها على الوجه الأفضل. وهذا يدل على أن هذا المخلوق الذي سخر الله له السموات والأرض والكواكب والشمس والقمر لابد وأن يكون عزيزاً ومكرماً جداً من حيث الإبداع الإلهي، وهو ما نجده في قوله تعالى {ولقد كرّمنا بني آدم}. فهذا التكريم الذي صرحت به الآية هو تكريم يشمل مرحلة التشريع كما يشمل مرحلة التكوين؛ بمعنى التكريم التكويني والتكريم التشريعي بتلك الأمور المميزة والمنصوص عليها للإنسان في الحكومة الإسلامية والنظام الإسلامي؛ أي أن الأسس هي أسس إنسانية تماماً.

        3 ـ حياة الآخرة
        وأمّا النقطة الثالثة من النقاط الأصلية والأساسية في الرؤية الإسلامية فهي مسألة استمرار الحياة وديمومتها بعد الموت؛ أي إن الحياة لا تنتهي بالموت. وهذا المعنى يعتبر من الأصول الفكرية في الإسلام ـ بل وفي كافة الأديان الإلهية ـ وله تأثير كبير. وكما قلت فإن كافة هذه الأصول الفكرية ذات أثر في تنظيم العلاقات الاجتماعية وترسيخ قواعد الحكومة الإسلامية وفي إدارة المجتمع والحياة والعالم. إننا سوف ندخل مرحلة جديدة بعد الموت لا أن يفنى الإنسان ويتعرض للإبادة التامة، ثم ينتقل من هذه المرحلة إلى مرحلة أخري، حيث تقوم القيامة ويأتي يوم الدين والحساب وما إلى ذلك من مشاهد البعث والنشور.

        4ـ الطاقة الإنسانية اللامحدودة لبلوغ الكمال
        وأمّا النقطة الرابعة من النقاط الأساسية في هذا الفكر فهي عبارة عن تلك الطاقة اللامحدودة التي يتمتع بها الإنسان في توفير كل ما يلزمه من أجل الوصول إلى الكمال؛ فلدى الإنسان قابلية الوصول إلى ذروة كمال حياة الممكنات، وهو ما تفتقر إليه بقية المخلوقات الأخري. ومعنى {أحسن تقويم} في قوله تعالى في الآية الشريفة: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم} ليس المراد به التناسق بين الرأس والقلب والعين والبدن مثلاً في خلقة الإنسان، فهذا ما لا يقتصر على الإنسان فحسب، بل إن الحيوانات الأخرى لتتميز به أيضاً، ولكن {أحسن تقويم} يعني أفضل وأحسن مقياس؛ أي ذلك المقياس الذي لا يقف عند حد أو نهاية في نموّه وتطوره، فهو يذهب في عالم الوجود إلى حيث ما لا يوجد ما هو أبعد من ذلك؛ أي يمكنه أن يرتقي ليصبح أعلى مرتبة من الملائكة وغيرها. وليس بمقدور الإنسان أن يطوي هذا المسير دون استخدام إمكانات عالم المادة، وهذا من المسلمات؛ ولهذا يقول تعالي: {خلق لكم ما في الأرض جميعاً}. وعلى هذا الأساس فإن حركة التعالي والتكامل الإنساني ليست في فراغ، بل عن طريق استخدام الإمكانيات المادية؛ أي لا ينفك أحدهما عن الآخر، بل ينطلقان معاً؛ بمعنى أن ازدهار الإنسان يتوازى مع ازدهار عالم المادة وعالم الطبيعة، حيث يؤثر أحدهما في تألقّ الآخر وازدهاره، ممّا يؤدي إلى تحولات وتطورات مدهشة.

        5ـ سير العالم نحو الحاكمية الحقة
        وأما النقطة الأخيرة في هذا المجال من الفكر الإسلامي فهي أن الإسلام يرى أن العالم يسير نحو الحاكمية الحقّة وصوب الصلاح لا محالة. وكما أشرت سابقاً، وهآنذا أشير الآن أيضاً مجرد إشارة لأن المقام لا يحتمل التفصيل، فإن كافة الأنبياء والأولياء قد جاؤوا ليقودوا الناس إلى هذا الطريق الرحب الذي لو وضعوا أقدامهم عليه لتفتحت طاقاتهم تلقائياً، وإن الأنبياء والأولياء قد أرشدوا الناس إلى هذا الطريق الأصلي بعد انقاذهم من سبل الضلال ودروبه ووديانه وصحاريه وغاباته، ولكن البشرية لم تخطُ الخطوة الأولى بعد على هذا الطريق المستقيم ولم تصل إلى نقطة البداية، فهذا ما سوف يحدث في زمن ولي العصر (أرواحنا فداه)، وإن كانت كافة هذه المساعي والجهود قد بنيت على أساس أن نهاية هذا العالم هي نهاية غلبة الصلاح، ولربما كان ذلك عاجلاً، أو آجلاً، ولكنه حادث لا محالة. وكما سيقهر الصلاح الفساد، فإن قوى الخير ستقهر قوى الشر. وهذه رؤية إسلامية لا ريب فيها.

        الواجبات المترتبة على هذه الرؤية
        وعلى هذا الأساس، فإن ذلك يؤدي إلى وجود نتائج عملية وواجبات لابد وأن ينهض بعبئها الإنسان المؤمن بهذه التعاليم. ولا فرق في ذلك بين أن تكون الحكومة إسلامية ومقاليد الأمور في أيدي أهل الحق، أو أن تكون الحكومة غير إسلامية ـ كما في عهد الحكومة الطاغوتية البائدة مثلاً، أو كحال الإنسان الذي يعيش بين الكفار ـ فهذه الواجبات والمسؤوليات التي سوف أستعرضها تقع على كاهل كل إنسان في كلتا الحالتين. فما هي الواجبات التي تترتب على تلك الرؤية؟
        لقد دونت بعضاً منها، ولسوف أستعرضها لكم فيما يلي:

        1 ـ الإقرار بالعبودية والطاعة لله تعالي
        إن الواجب الأول من هذه الواجبات هو الإقرار بالعبودية والطاعة لله تعالي. ولأن العالم له مالك وخالق ومدبر، ولأننا نعتبر جزءاً من أجزاء هذا العالم، فلابد على الإنسان أن يتحلّى بالطاعة. وهذه الطاعة تعني تناسق الإنسان مع الحركة الكلية للوجود والعالم، لأنه {يسبّح له ما في السموات والأرض}، {قالتا أتينا طائعين}؛ فالسموات والأرض وكل ذرّة في العالم كلها تلبّي الدعوة والأمر الإلهي وتسير طبقاً للقوانين التي أحكمها الله تعالى وأجراها في الوجود.
        إن الإنسان إذا اتّبع القوانين والأحكام الشرعية والدينية ـ التي علّمه إيّاها الدين ـ فسيكون قد شقّ طريقه وتحرك على نسق هذه الحركة الوجودية، وسيكون تقدمه أكثر يسراً، واصطدامه بالعالم أقل، وسيكون أقرب إلى السعادة والصلاح والفلاح بالنسبة له ولسائر العالم أجمع. وبالطبع فإن المقصود بعبودية الله هو معناها الواسع والكامل، وذلك لأننا قلنا بأن التوحيد هو الإيمان بوجود الله، وهو أيضاً نفي الأضداد وإنكار تلك الألوهية والعظمة المزعومة للأصنام والأوثان المصنوعة والناس الذين يدعون لأنفسهم الألوهية وأولئك الذين لا يفصحون عن ذلك بألسنتهم ولكنهم يمارسونه بكل وضوح في أعمالهم وسلوكياتهم.

        2 ـ نفي الأنداد
        فعمليّاً، هناك إذاً واجبان: الأول الاقرار بالطاعة لله تعالى والعبودية لخالق الوجود، والثاني الامتناع عن طاعة أنداد الله وعدم الانسياق لكل من يريد أن يفرض سلطانه على الإنسان في مواجهة سلطان الله. وإن ذهن الإنسان لينصرف حالاً إلى تلك القوى المادية والاستكبارية التي تمثل مصاديق ذلك، وإن كان المصداق الأبرز هو هوى النفس. إن شرط التوحيد هو معارضة هوى النفس حيث إن هوى النفس هو «أخوف ما أخاف».
        والواجب الثاني هو أن يسعى الإنسان لتحقيق التقدم والرقيّ لنفسه وللآخرين، سواء في المجال العلمي، أو الفكري، أو الروحي والأخلاقي، أو الاجتماعي والسياسي ـ أي على المستوى الاجتماعي ـ أو في المجال الاقتصادي؛ أي تحقيق الرفاهية المعيشية.
        إن على الجميع أن يسعوا لتحقيق هذه الأمور: تقدم العلم وتطوره بالنسبة للجميع، وانتشار الأفكار السليمة والصحيحة، والعمل على تحقيق الرقيّ الروحي والمعنوي والأخلاقي، والتخلّق بالخلق الكريم، والتحلّي بمكارم الأخلاق، وتحقيق التقدم الاجتماعي البشري؛ ولا يقتصر هذا على الأبعاد المعنوية والعلمية والأخلاقية للفرد فحسب، بل لابد أن ينسحب على المجتمع، وكذلك لابد من العمل على تقدم الشؤون الاقتصادية والرفاهية للإنسان، والذي يعتبر من الواجبات التي من شأنها حثّ الناس على التطلّع إلى توفير ما يمكن توفيره من وسائل الرفاهية وتفجير الطاقات الحياتية للبشرية. وهذا الواجب يعدّ من الواجبات العامة التي ينبغي أن يلتزم بها الجميع، ولا تقتصر على مرحلة بعينها أو تخص حكومة بذاتها، بل إنه من الواجبات التي لابد من العمل بها أيضاً حتى في عصر الحكومات غير الإلهية.

        3 ـ تفضيل الفلاح الأخروي على المنافع الدنيوية
        وأمّا الواجب الثالث فهو تفضيل الفلاح الأخروي على المنافع الدنيوية فيما لو تعارض أحدهما مع الآخر؛ فهذا أيضاً من الواجبات العملية على كل من يؤمن بتلك الرؤية العالمية؛ فلو حدث ووجدنا أحياناً أن المنفعة الدنيوية تتقاطع مع الأهداف الأخروية، فإنه يجب على الإنسان أن يبذل قصارى جهده لجعل هذه المنفعة الدنيوية منسجمة مع الأهداف الأخروية. وأما إذا تساوى الأمران، فعلى المرء إمّا أن يغض الطرف عن إحدى المصالح ـ مادية كانت أو متعلقة بالسلطة والمنصب والشهرة وما إليها ـ أو أن يضطر لارتكاب أحد الآثام المؤدية إلى الوزر الأخروي. إلا أن الاعتقاد بتلك النظرة يحتم على الإنسان تفضيل الجانب الأخروي وترجيحه؛ أي أن يتغاضى عن تلك المصلحة وأن لا يرتكب ذلك الإثم. وهذا واجب على كل مسلم. كما أن عليه أن يبرمج نشاطاته وينظمها بالشكل الملائم لما ينبغي عليه بذله من جهود شاقة في الحياة الدنيا بلا منافاة مع الفلاح الأخروي والقيام بالواجبات التي يؤدي عدم أدائها إلى تعرض الإنسان للعذاب والوبال في الآخرة.

        4 ـ ضرورة الجد والسعي والمثابرة
        وأمّا الواجب الرابع فهو ضرورة الجد والسعي والمثابرة؛ فالجد والكفاح هو أحد الواجبات الرئيسية على كل إنسان، سواء على المستوى الفردي أو الاجتماعي متمثلاً في الحكومة أو السلطة، فيجب عليه أن يسعى ويجد على الدوام، وألاّ يكون نهباً للكسل والبطالة واللامبالاة. وقد يكون المرء منشغلاً بأحد الأعمال أو متقلداً لإحدى الوظائف، ولكنه لا يشعر بالمسؤولية إزاء واجباته الأساسية، ويقول: لا علينا! فهذه هي الانحرافات الناتجة عن الهوى والهوس، والتي لا ينبغي الركون إليها أو الخضوع لها، بل لابد من مقاومة الكسل وحبّ البطالة، وأن يزيل من طريقه الأخطار ويتحمل الصعاب والمشاقّ، فهذا واجب من الواجبات. ولاشك أن يكون هذا الجدّ والجهاد جهاداً في سبيل الله، وهو ما سوف أعرضه في النقطة التالية.

        5ـ الثقة بالنصر في كل الظروف والأحوال
        وأما الواجب الخامس والأخير، فهو الثقة بالنصر في كل الظروف والأحوال، ولكن بشرط أن يكون هذا الكدح جهاداً في سبيل الله؛ أي أنه لا يحقّ لمن يعكف على الكدح والجهاد أن يتسلّل اليأس إلى نفسه، وذلك لأن النصر بانتظاره بالتأكيد. وأمّا تلك الحالات التي لم يكن النصر حليفه فيها، فلأن الجهاد لم يكن في سبيل الله، أو لربما لم يكن ثمة جهاد في الأصل. فما هو شرط الجهاد في سبيل الله؟ هو أن يكون الإنسان مؤمناً بسبيل الله وعلى علم به حتى يستطيع الجهاد فيه.
        إن هذه الواجبات تقع على عاتق الإنسان بصفته فرداً، وعلى كاهل الجماعة بصفتها حكومة. وكما أسلفت فإن ذلك لا يتعلق فقط بمرحلة السلطة والحكومة التي يمسك بزمامها الآن جماعة من المؤمنين بالله والإسلام، بل إنها واجباتنا دائماً، وحتى عندما كانت مقاليد الأمور بيد الأعداء، والطاغوت، والمفسدين في الأرض، فقد كان البعض يقوم بها والبعض الآخر يهملها مع اختلاف درجات ومستويات الأداء. وأمّا الآن فهذه الواجبات تقع على عاتق المسلمين كافة مع التفاوت في تحمل المسؤوليات بالطبع.
        لقد كان الواجب الأساس على كافة الأنبياء والأئمة والأولياء هو أن يبينوا للناس هذه الواجبات، ويستوي الأمر في ذلك بين المراحل التي يتقلدون فيها الحكم أو التي يعجزون فيها عن ذلك؛ فعند استتباب الأمور كانوا يأمرون الناس بالمجاهدة والجهاد وإقرار الحكم واستخدام الأساليب الإدارية الملائمة، ولقد جاهد الجميع وقاوموا {وكأيّن من نبيّ قاتل معه رِبّيون كثير}.
        إن الجهاد والنضال السياسي ومواجهة الأعداء لم يشرّع في الإسلام لأول مرة في التاريخ، بل كان في شرائع الأنبياء السابقين أيضاً ـ الأنبياء العظام الإلهيين منذ زمن إبراهيم وفيما بعد ـ ولربما كان مشروعاً قبل إبراهيم (ع) كذلك، وهو ما لا أدريه.
        وعلى هذا فإن هذه الواجبات هي الواجبات التي يدعونا إليها الأنبياء.

        كلمة سماحته عند لقائه كبار مسؤولي النظام الإسلامي، 5/9/1421
      • لماذا وقعت الثورة الإسلامية وكيف انتصرت؟
      • مميزات الثورة الإسلامية
      • القيم التي حققت الثورة لأجلها
      • الإمام الخميني والثورة
      • الاستقلال والحرّية
      • ذكريات القائد من أيام النضال
    • العراق
    • الحج العبادي و السياسي
    • الوحدة الوطنية والإنسجام الإسلامي
    • الرسول الأعظم(ص)
700 /