موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي

نداء القائد

    • فلسطين
    • الثورة الإسلامية
      • النظرة الكونية والفكرية للإسلام
      • لماذا وقعت الثورة الإسلامية وكيف انتصرت؟
      • مميزات الثورة الإسلامية
      • القيم التي حققت الثورة لأجلها
      • الإمام الخميني والثورة
      • الاستقلال والحرّية
        • استقلالنا
          سهلة الطبع  ;  PDF
          استقلالنا

          الشعار الأساس لثورتنا
          إن الذي أريد قوله لكم اليوم أيها الأعزاء هو أن الشعار الأساسي لثورتنا كان مكوناً من كلمات ثلاث: الاستقلال، والحرية، والجمهورية الإسلامية. وهذا النظام الذي خاض النزال بكل قوة، رغم ما وضعوه أمامه من عقبات، مازال هو نفسه يشق الطريق متقدماً إلى الأمام.
          إن شعار الحرّية هو من الشعارات الجذابة جداً، والمكرورة، والذي دبّجوا حوله الخطب والمقالات وألّفوا الكتب وأطلقوا الشعارات. لقد قيل الكثير حول الحرية، تارة باعتدال، وتارة بإفراط، وأخرى بتفريط، فظل شعار الحرية حياً. وأما شعار الاستقلال فقد راح طيّ التجاهل خلافاً لهذين الشعارين.
          إن شعار الاستقلال لمن أهم الشعارات؛ فلولا الاستقلال، لما استطاع شعب أن يحقق حرّيته ولا أن ينظر بعين الأمل لشعار حريته. إن هناك من يريد إنزال الستار على موضوع الاستقلال؛ فبعضهم يفعل ذلك عمداً، وبعضهم سهواً، وبعضهم غفلة، والبعض الآخر خبثاً. وإنني أريد اليوم أيها الأخوة والأخوات الأعزاء أن أتحدث معكم حول الاستقلال مادامت الفرصة سانحة لذلك.

          ماذا يعني الاستقلال؟
          فما معنى الاستقلال؟ وماذا يحمل الاستقلال من مضمون وقيمة بالنسبة لشعب ما؟ إن معنى الاستقلال هو أن يصبح بوسع شعب تقرير مصيره بنفسه بمنأى عن أيدي الأجانب وبعيداً عن تدخلاتهم الخيانية والمغرضة، هذا هو معنى الاستقلال. فلو سلبوا شعباً استقلاله؛ أي إذا تحكم الأجانب في مصيره ـ وهم الذين لا يهمهم أمره بالتأكيد ـ فإن هذا الشعب سيفقد أول ما يفقد شيئين: الأول: عزة نفسه، ومفاخره، والشعور بهويته. والثاني: مصالحه.
          إن العدو عندما يسيطر على مصير شعب فإنه لا يأبه بأمره ولا يهتم بمصالحه. فالذي يأتي ليُحكم قبضته على رقبة شعب فإنه لا يفكر إلاّ في مصالحه الذاتية أولاً وآخراً. وإن الذي لا يأخذه بحسبانه أبداً هو مصالح ذلك الشعب الذي فقد استقلاله. وهناك الكثير من النماذج في هذا السياق في القرن التاسع عشر ومن ثم في القرن العشرين.

          نماذج تاريخية
          لقد جاء المستعمرون الأوروبيون وسيطروا على العديد من مناطق آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، فأذلّوا شعوبها، واستلبوا هويتها وثقافتها وثرواتها، وحتى إنهم سحقوا لغاتها وخطوط كتابتها وتاريخها وعاداتها وتقاليدها، وظلوا في تلك البلدان قدر ما وسعهم ذلك، ثم كان جلاؤهم عنها. ولقد شاهدت بعينيّ بعض هذه النماذج، وسمعت عن بعضها، وقرأت حول البعض الآخر.
          فمن ذلك بلاد الهند الكبيرة والمترامية الأطراف، حيث قدم الانجليز من أقاصي الأرض فاحتالوا بالتزوير والخداع ثم توسّلوا بالسلاح والقوة العسكرية حتى احتلوها، وظلوا يفرضون سيطرتهم عليها لأعوام طويلة، فاستذلّوا شعبها، ومحوا ذكر عظمائها، وانتهبوا ثرواتها.
          لقد ملأ الانجليز خزائنهم وجيوب إقطاعييهم من أموال الهند وثرواتها، ولكنهم تركوا الهند تعاني من الفقر والمسكنة والبؤس، بل إنهم لم يقتصروا على نهب الثروات المادية، بل انتهبوا الثروات المعنوية أيضاً، وفرضوا على الهند لغتهم الانجليزية، حتى إن اللغة الرسمية في الهند وباكستان وبنغلادش ـ وهي التي كانت تتألف منها شبه القارة الهندية قديماً، والتي كانت مستعمرة إنجليزية ـ مازالت هي اللغة الانجليزية! لقد كانت تلك المنطقة تتحدث بعشرات اللغات المحلية، فعمل البريطانيون على نسخها ومحوها بقدر ما استطاعوا. فعندما يفقد شعب لغته، فإن هذا يعني أنه بات بمعزل عن ماضيه وتاريخه وعاداته وتقاليده وتراثه القيم.
          وهناك نموذج آخر من البيرو في أمريكا اللاتينية؛ فعندما كنت رئيساً للجمهورية قال لي رئيس البيرو: لقد عثرنا حديثاً على حضارة في قمة الازدهار أثناء الحفريات التي قمنا بها في بلادنا. وقال: لقد سيطر المستعمرون طويلاً على البيرو، ولكنهم لم يدعوا شعب البيرو ومثقفيهم وأصحاب الرأي فيها يفهمون بأنهم كانوا يملكون هكذا حضارة في الماضي! أي أنهم كانوا يحولون حتى بين الشعوب ومعرفة تاريخها والزهو بماضيها.
          ونموذج ثالث من الجزائر ذلك البلد العربي المسلم؛ فقد احتل الفرنسيون الجزائر عشرات السنين وأقاموا لهم حكومة هناك بقوة السلاح، وجعلوا حكامهم وضباطهم أصحاب السيادة فيها، وكان أول ما قاموا به هو محو الآثار الإسلامية والقضاء على اللغة العربية. حتى إنني أيضاً، وعندما كنت رئيساً للجمهورية، استقبلت أحد المسؤولين الجزائريين الكبار لدى زيارته لطهران. وأثناء الحديث أراد أن يقول شيئاً، ولكنه لم يستطع التعبير عنه باللغة العربية مع أنه عربي ويتحدث العربية! فالتفت إلى وزير خارجيته وسأله بالفرنسية عن معنى تلك الكلمة بالعربية، فأخبره بذلك، ثم عاد واستخدمها في حديثه! أي أن زبدة ونخبة الشعوب ظلوا بمعزل عن لغتهم بسبب تأثير الاستعمار. وقد تحدث معنا المسؤولون الجزائريون بعد ذلك، وقالوا بأنهم بذلوا جهودهم لإعادة اللغة العربية بعد طرد الاستعمار.
          أيها الأعزاء، وأيها الأخوة والأخوات.. إن انعدام الاستقلال في أي بلد يؤدي دائماً إلى مثل هذه الأمور، فيسلب الشعوب هويتها الوطنية ومفاخرها وماضيها التاريخي، وينتهب ثرواتها المادية، وينتزع منها لغتها وهويتها الثقافية! وهذا يحدث عندما تسيطر إحدى القوى على أحد البلدان.
          لقد كان هذا هو الحال في عهد الاستعمار، وفي العهد التالي له والذي يعرف بعهد الاستثمار، والذي كان له وضع آخر.
          وطبعاً فإن الاستعمار لم يحتل بلادنا أبداً؛ أي أن الأجانب لم يستطيعوا المجيء إلى هنا وتشكيل حكومة انجليزية مثلاً، فالشعب الإيراني لم يسمح لهم بذلك. ولكنهم لم يكفوا عن بسط نفوذهم داخل إيران قدر المستطاع كلّما سنحت لهم الفرصة بذلك.

          نماذج من تاريخ ايران
          وبودّي أن أقدم لكم أربعة نماذج من تاريخنا القريب؛ أي تاريخ المائة عام الأخيرة. وهذه النماذج الأربعة تكشف عما يتعرض له بلد وشعب عندما تتحكم سلطة أجنبية في أجهزته السياسية والثقافية.
          فأحد هذه النماذج، نموذج المشروطية. إنكم تعلمون بأن عهد استبداد الحكومة القاجارية كان قد بلغ بالشعب شفير الهلاك.
          فثارت الجماهير المتحرقة والمتحمسة وفي الطليعة علماء الدين؛ ولقد كان قادة المشروطة رجالاً من أمثال المرجع المرحوم آية الله الآخوند الخراساني في النجف، وثلاثة من العلماء الكبار في طهران هم: المرحوم الشيخ فضل الله النوري، والمرحوم السيد عبد الله البهبهاني، والمرحوم السيد محمد الطباطبائي. وكان هؤلاء يستمدون دعمهم من الحوزة العلمية في النجف. فماذا كانوا يريدون؟ لقد كانوا يطالبون بإقرار العدالة في إيران ورفع الاستبداد عنها. فلما شاهدت الحكومة البريطانية غليان الجماهير الشعبية، وكان لها نفوذ شديد آنذاك في إيران، بثّت عناصرها بين المثقفين الذين كان ثمة عدد منهم في عداد هؤلاء النفر المتحمسين، فلا ينبغي غمط حقهم، ولكن عدداً منهم أيضاً كانوا من الخونة والعملاء! لقد كانوا عناصر للإنجليز، فرسم لم الانجليز الخطوط العريضة.
          إن المشروطة لم تكن سوى شكل وتجسيد للحكومة الانجليزية؛ فبدلاً من أن يتجه هؤلاء المثقفون صوب إيجاد جهاز للعدالة ذي قالب وشكل إيراني يعمل على تحقيق العدالة في البلاد، فانهم جاؤوا بالمشروطة! فماذا كانت النتيجة؟ لقد كانت النتيجة هي أن تلك النهضة الشعبية الكبرى، التي قادها العلماء والتي قامت باسم الدين والمطالبة بالدين، انتهت بعد فترة قصيرة إلى إعدام الشيخ فضل الله النوري شنقاً في طهران ـ وقبر هذا الشهيد العظيم موجود الآن هنا في الحرم ـ ثم ما لبثوا أن اغتالوا السيد عبدالله البهبهاني في منزله، وبعد ذلك فرضوا العزلة والوحدة على حياة السيد محمد الطباطبائي حتى فارق هذه الدنيا في صمت. وبذلك أعادوا المشروطة إلى ذلك الشكل الذي كانوا يريدون! هذه المشروطة التي انتهت أخيراً بحكومة على رأسها رضا خان!
          وأما النموذج الثاني، فهو حكومة رضا خان نفسها؛ فالانجليز كانوا قد عقدوا اتفاقاً مع الحكومة القاجارية يخوّل لهم حق التصرف في كافة الأمور المالية والعسكرية في إيران، فجاء العالم الواعي المرحوم السيد حسن المدرس وعارض هذا الاتفاق وحال دون التصديق على هذه اللائحة من قبل مجلس الشورى الوطني آنذاك. فلما وجد الانجليز أنهم لن يجنوا نفعاً من ذلك فإنهم فكّروا في طريقة أخرى وتوصلوا إلى أنه لابد من دكتاتور على سدة الحكم في إيران حتى يقوم بقمع وقلع المدرس وأمثاله! وعليه أن يتصرف مع الشعب بعنف وجبروت بغية تنفيذ المطامع الانجليزية.
          ولهذا فقد جاؤوا برضا خان إلى الحكم، وهو حدث مليء بالعبر في تاريخنا، وينبغي لشباب هذا البلد أن يطلعوا على حقيقته؛ فقد تم التغلب على حالة الفوضى التي كانت تسود البلاد قبيل مجيء رضا خان وذلك بإعمال قبضته الفولاذية ومساندة الحكومة الانجليزية، ثم فرضوا على البلاد نظاماً قسرياً واستبدادياً أخذ بزمام السلطة لمدة خمس وخمسين سنة متواصلة. وكان النفوذ الانجليزي المتغلغل في الأجهزة السياسية والثقافية يضع الشعب عرضة للضغوط.
          وأما النموذج الثالث، فهو نموذج شهر (شهريور) عام 0231هـ.ش الذي تم فيه عزل رضا خان عن الحكم بواسطة حماته القدامى وإبعاده عن البلاد، ثم جاؤوا بمحمد رضا وقد استسلم تماماً للانجليز! فكان يحقق لهم كل ما يرغبون، وبذلك لم تعد هناك حاجة للاستعمار! فعندما يكون هناك عنصر إيراني خائن مستعد لتسنّم السلطة مقابل الدعم الأجنبي وتنفيذ رغبات أولئك الأجانب في إيران فلا ضرورة حينذاك ليتعبوا أنفسهم ويستعمروا البلاد.
          ثم جاء النموذج الرابع، وذلك في شهر (مرداد) 1332 هـ.ش بعد إسقاط حكومة (مصدق) ـ وكانوا قد فرضوا العزلة على المرحوم آية الله الكاشاني من قبل بواسطة ما لهم من خدائع ـ ثم عادوا للسيطرة من جديد، ودخلوا إيران، واستطاعوا تدبير انقلاب (28 مرداد) عن طريق ما لهم من نفوذ وأيادي وأنشطة، فأعادوا محمد رضا إلى إيران بعد هروبه منها، وبذلك استمرت حكومة بهلوي الدكتاتورية السوداء لمدة خمسة وعشرين عاماً أخرى. فهذه مراحل تاريخية أربع مملوءة بالعبر والدروس.
          فعندما يسمح شعب لقوة أجنبية بالنفوذ داخل أجهزته السياسية أو الثقافية، فسيكون هذا مصيره. ولو لم تقم الثورة الإسلامية، ولو لم يقم هذا الشعب بهذه الحركة التاريخية العظيمة بقيادة الإمام الراحل، فهل تعلمون ماذا سيكون وضع الشعب الإيراني الآن؟ إنهم لم يدعوا الشعب يقف عملياً على أي بعد من أبعاد التطور العلمي في الغرب؛ فلا اختراع، ولا اكتشاف، ولا بناء، وهو الذي فقد كل مصادره الحيوية. لقد باعوا نفطه لهؤلاء الأعداء بثمن أقل من مياه الأنهار! فكان النفط لهم، ومصافي تكريره من عندهم، وكانت الاتفاقيات الطويلة الأمد تعقد لصالحهم! كما أن أعداء هذا البلد كانوا قد دبروا خطة أيضاً لانتهاب ما تبقى من مناجم ومصادر طبيعية، والاستحواذ على الأدمغة المفكرة، والإبقاء على المؤسسات العلمية ضحلة المستوى.
          لقد عانى الشعب مرارة العيش في مرحلة النفوذ الأمريكي والانجليزي في إيران؛ فالانجليز جلبوا التخلف خلال المائة عام الأولى، ثم جاء الأمريكيون فكرّسوا التخلف في البلاد بما كانوا يمارسونه من نفوذ. ومازلنا نشاهد حتى اليوم في كل مرحلة جديدة من مسيرتنا آثاراً من تقصيرهم وخياناتهم وسوء سلوكهم وتصرّفهم.

          أحد أكبر مفاخر الثورة
          إن أحد أبرز انجازات الثورة الإسلامية هو رفع يد أمريكا عن هذا البلد، وإن أحد مفاخر الثورة الإسلامية هو التغلب على نفوذ أمريكا وقطع يدها واقتلاع جذورها وإزالة عراقيلها من طريق هذا البلد. وبالطبع فإن بعض من تسنّموا السلطة في البداية في إيران، وكانت قلوبهم تنبض بحب أمريكا، لم يكونوا راغبين في تحقيق هذا الانجاز. ولقد شاهدت ذلك بعيني عن قرب في مجلس الدفاع الأعلى عام 8531هـ.ش؛ فلقد كانوا يعدّون لائحة يتم على أساسها الإبقاء على وفود المستشارين العسكريين الأمريكيين ـ هؤلاء الذين ارتكبوا كل هذه الجرائم والخيانات ـ في جيش الجمهورية الإسلامية، ولكن بعنوان آخر! فقمت بالحيلولة دون ذلك، وقلت لهم ما هذا الذي تصنعون؟! ودار بعض النقاش، ثم تركوا الموضوع دون أن يكتمل، ولم يوفقهم الله تعالى بعد ذلك للقيام بهذا الاجراء إلى أن ذهبوا. ومرة أخرى، ولم يكن قد مضى من عمر الثورة الإسلامية عام واحد، وضع نفس هؤلاء السادة في الجزائر مشروع المحادثات مع الأمريكيين ـ الأعداء الدمويين لهذا الشعب ـ ولكن الإمام مانع في ذلك ولم يسمح به.
          إن المرء يحق له أن يسيء الظن عندما يسمع اسم (الاصلاح) و(الحرية) من فم مثل هؤلاء الأشخاص. إنهم كانوا يريدون الاتيان بالأمريكيين من النافذة بعد أن خرجوا من الباب متوسلين بشتى الحيل بعد ثورة متألقة من هذا النوع، والذي كان حدها المسنون موجهاً ضد السيطرة الأمريكية. ثم يأتي هؤلاء الآن ليتحدثوا عن (الحرية) وينادوا (بالإصلاح) مستمدين الدعم من حثالة وعملاء النظام البائد! إن لكل إنسان عاقل أن يشعر بالقلق وسوء الظن. لقد كان الاستقلال بيت القصيد في منظومة الثورة الإسلامية؛ أي قطع دابر النفوذ الأجنبي في هذا البلد، وعدم السماح لأمريكا وانجلترا وآخرين بممارسة نفوذهم في قضايانا السياسية والثقافية على الاطلاق.

          خطاب سماحته في حرم السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) بقم، 7/7/1421

        • الحرّية في الإسلام
      • ذكريات القائد من أيام النضال
    • العراق
    • الحج العبادي و السياسي
    • الوحدة الوطنية والإنسجام الإسلامي
    • الرسول الأعظم(ص)
700 /