موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي
تحميل:

سائر الكتب

  • الفكر الأصيل
  • ضَرورة العَودة إلى القرآن
  • العودة إلى نهج البلاغة
  • روح التوحيد رفض عبودية غير الله
  • دروس وعبر من حياة أمير المؤمنين (عليه السلام)
  • الامام الرضا(ع) وولاية العهد
  • عنصر الجهاد في حياة الأئمة (عليهم السلام)
  • كتاب الفن والأدب في التصور الإسلامي
  • الإمامة والولاية في الإسلام
  • المواعظ الحسنة
  • حقوق الإنسان في الإسلام
  • قيادة الإمام الصادق (عليه السلام)
    • قصة المحاضرة
    • نظرتان خاطئتان
    • النظرة الصحيحة
    • مراحل مسيرة الإمامة
    • موقف الإمام السجاد (عليه السلام)
      سهلة الطبع  ;  PDF

       

       موقف الإمام السجاد (عليه السلام)

        والإمام زين العابدين علي بن الحسين (عليه السلام) يقف الآن بعد حادثة عاشوراء على مفترق طريقين:
      إما أن يعمد إلى دفع أصحابه نحو حركة عاطفية هائجة، ويدخلهم في مغامرة، لا تلبث شعلتها ــ بسبب عدم وجود المقومات اللازمة فيهم ــ أن تخمد وجذوتها أن تنطفئ، وتبقى الساحة بعد ذلك خالية لبني أمية، يتحكّمون في مقدّرات الأمة فكرياً وسياسياً.. أو أن يسيطر على العواطف السطحية والمشاعر الفائرة، ويعد المقدمات للعملية الكبرى، المقدمات المتمثلة في الفكر الرائد والطليعة الواعية الصالحة لإعادة الحياة الإسلامية إلى المجتمع، وأن يصون حياته وحياة المجموعة الصالحة لتكون النواة الثورية للتغيير المستقبلي، ويبتعد عن أعين بني أمية، ويواصل نشاطه الدائب على جبهة بناء الفكر وبناء الأفراد.
         وبذلك يقطع شوطاً على طريق الهدف المنشود، ويكون الإمام الذي يليه أقرب إلى هذا الهدف.
        فأي الطريقين يختار؟
        لا شك أن الطريق الأول هو طريق التضحية والفداء، لكن القائد الذي يخطط لحركة التاريخ، ولمدى أبعد بكثير من حياته، لا يكفي أن يكون مضحّياً فقط، بل لابد أيضاً أن يكون عميقاً في فكره، واسعاً في صدره، بعيداً في نظرته، مدبّراً وحكيماً في أموره.. وهذه الشروط تفرض على الإمام انتخاب الطريق الثاني.
        والإمام علي بن الحسين (عليه السلام) اختار الطريق الثاني مع كل ما يتطلبه من صبر ومعاناة وتحمّل ومشاق، وقدّم حياته على هذا الطريق (سنة 95 هجرية).
        وقد صوّر الإمام الصادق (عليه السلام) وضع الإمام الرابع ودوره الرائد بقوله:
        «ارتدّ الناس بعد الحسين (عليه السلام) إلا ثلاثة: أبو خالد الكابلي، ويحيى بن أم الطويل، وجبير بن مطعم، ثم أن الناس لحقوا وكثروا، وكان يحيى بن أم الطويل يدخل مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ويقول:{كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء}».
        هذه الرواية تصّور حالة المجتمع الإسلامي بعد مقتل الحسين (عليه السلام).
        إنها حالة الهزيمة النفسية الرهيبة التي عمّت المجتمع الإسلامي ابان وقوع هذه الحادثة. فمأساة كربلاء كانت مؤشّراً على هبوط معنويات هذا المجتمع عامة، حتى شيعة أهل البيت. هؤلاء الشيعة الذين اكتفوا بارتباطهم العاطفي بالأئمة، بينما ركنوا عملياً إلى الدنيا ومتاعها وبريقها.. ومثل هؤلاء كانوا موجودين على مرّ التاريخ، وليسوا قليلين حتى يومنا هذا.
        فمن بين الآلاف من مدّعي التشيّع في زمن الإمام السجاد (عليه السلام) بقي ثلاثة فقط على الطريق.. ثلاثة فقط لم يرعبهم الارهاب الأموي ولا بطش النظام الحاكم، ولم يثن عزمهم حبّ السلامة وطلب العافية، بل ظلّوا ملبّين مقاومين يواصلون طريقهم بعزم وثبات.
        هؤلاء لم ينجرفوا مع تيار المجتمع المنجرّ كالرعاع وراء إرادة الحاكم الظالم، بل كان يقف الواحد منهم وهو يحيى بن أم الطويل في مسجد المدينة ويخاطب مدّعي الولاء لأهل البيت، معلناً براءته منهم ــ كما مرّ ــ ويستشهد بما قاله إبراهيم (عليه السلام) واتباعه لمعارضي زمانه:{كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء}.
        أراد ابن أم الطويل بتلاوته هذه الآية المباركة أمام مدّعي الولاء لأهل البيت (عليهم السلام) أن يعلن الانفصال التام بين الجبهتين: جبهة الرساليين الملتزمين، وجبهة الخلود الى الأرض والانحطاط الى الأماني الرخيصة والانشدادات المادية التافهة. وهو انفصال يرافق كل الدعوات الإلهي. والإمام الصادق (عليه السلام) عبّر عن هذه الانفصال بين الجبهتين بقوله: «من لم يكن معنا كان علينا» أي من لم يكن في جبهة التوحيد كان في جبهة الطاغوت، وليس ثمة منطقة وسط بين الاثنين، ولا معنى للحياد في هذا الانتماء.
        إن يحيى ابن أم الطويل هذا المسلم والموالي الحقيقي لأهل بيت رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) بصرخته هذه يعلن الانفصال بين الذين يُرضون أنفسهم بالولاء العاطفي بينما هم قابعون في قوقعة مصالحهم الشخصية وغارقون في مستنقع ذاتياتهم الضيقة، وبين أولئك الملتزمين فكراً وعملاً بالإمام.
        هذا الانفصال يعني ــ طبعاً ــ الترفع عن الانجرار وراء الاكثرية الضالة، ولا يعني اهمال هؤلاء الضالين. من هنا اتجهت هذه المجموعة الصالحة الى انتشال من له قابلية التحرر من الإصر والأغلال، وكثرت بالتدريج هذه الفئة المجاهدة الصابرة، والى هذا يشير الإمام الصادق (عليه السلام) في قولة المذكور آنفاً: «ثم إن الناس لحقوا وكثروا». وبذلك واصل الإمام السجاد (عليه السلام) نشاطه. وكان هذا النشاط وبعض المواقف الأخرى التي سنذكرها مما أدى الى استشهاده، واستشهاد بعض المقربين من أصحابه.
        لم أر في حياة الإمام السجاد (عليه السلام) ما يدل على مواجهة صريحة مع الجهاز الحاكم، والحكمة كانت تقتضي ذلك ــ كما ذكرنا ــ لأنه لو اتخذ مثل تلك المواقف التي نشاهدها في حياة الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) وبعده من الأئمة تجاه حكام عصره لما استطاع أن يحقق ما حققه من دفع عملية التغيير دفعة استطاعت أن توفر للإمام الباقر (عليه السلام) فرصة نشاط واسع، بل لصُفّي هو والمجموعة الصالحة الملتفة حوله.
        في مواقف نادرة نلمس من الإمام (عليه السلام) رأيه الحقيقي من السلطة الحاكمة، ولكن ليس على مستوى المواجهة، بل على مستوى تسجيل موقف للتاريخ وليجعل المحيط القريب منه على قدر من العلم بعمله وحركته.
        من تلك المواقف، رسالة تقريع واسعة وجهها الإمام (عليه السلام) الى رجل دين مرتبط بجهاز بني أمية هو (محمد بن شهاب الزهري). ونستطيع أن نفهم من الرسالة أن الإمام يخاطب بها الاجيال على مر العصور، لا الزهري. لأن الزهري لم يكن بالشخص الذي يستطيع أن يتحرر من الأغلال التي تشدّه الى موائد بني أمية وقصاعهم ولهوهم ومناصبهم وجاههم. ولم يستطع بالفعل. لقد قضى عمره في خدمتهم، ودوّن كتاباً ووضع حديثاً ليتزلف اليهم.
        هذه الرسالة اذن وثيقة توضح موقف الإمام من أوضاع زمانه. ونصها موجود في كتاب (تحف العقول).
        وثمة وثيقة أخرى هي عبارة عن رسالة جوابية وجهها الإمام (عليه السلام) الى عبد الملك بن مروان بعد أن أرسل الثاني رسالة يعيّر فيها الإمام بزواجه من أمته المحررة، وقصد ابن مروان بذلك أن يبين للإمام (عليه السلام) أنه محيط بكل ما يفعله حتى في أموره الشخصية، كما أراد ايضاً أن يذكّر الإمام بقرابته منه طمعاً منه في استمالته.
        والإمام (عليه السلام) في رسالته الجوابية يوضح رأي الإسلام في هذه المسألة، ويؤكد أن امتياز الايمان والإسلام يلغي كل امتياز آخر. ثم باسلوب كناية في غاية الروعة يشير الإمام الى جاهلية آباء الخليفة، بل لعله يشير ايضاً الى ما عليه الخليفة بالذات من جاهلية اذ يقول له: «فلا لؤم على امرئ مسلم، انما اللؤم لؤم الجاهلية».
        وحين قرأ الخليفة الأموي عبارة الإمام (عليه السلام) أدرك معناها تماماً، كما أدرك معنى ابنه سليمان اذ قال: «يا أمير المؤمنين لَشَدَّ ما فخر عليك علي بن الحسين!!».
        والخليفة بحنكته السياسية يرد على ابنه بما يوحي أنه أعرف من الابن بعاقبة الاصطدام مع إمام الشيعة فيقول له: «يا بني لا تقل ذلك فإنها ألسن بني هاشم التي تفلق الصخر وتغرف من بحر، إن علي بن الحسين يا بني يرتفع من حيث يتصنّع الناس».
        ونموذج آخر من هذه المواقف رد الإمام (عليه السلام) على طلب تقدم به عبد الملك بن مروان. كان عبد الملك قد بلغه أن سيف رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عند الإمام. فبعث اليه من يطلب منه أن يهب السيف للخليفة، وهدده إن أبى بقطع عطاء بيت المال عنه.
        فكتب اليه الإمام (عليه السلام):
        «أما بعد فإن الله ضمن للمتقين المخرج من حيث يكرهون، والرزق من حيث لا يحتسبون، وقال جل ذكره: {إن الله لا يحب كل خوان كفور} فانظر أيّنا أولى بهذه الآية».
        وفي غير هذه من المواقف نرى الإمام السجاد (عليه السلام) يتحرك بهدوء وباستتار في اتجاه تربية الأفراد وصنع الشخصية الإسلامية وفق مدرسة أهل البيت ومحاربة الانحرافات و.. وبذلك قطع في الواقع الخطوة الأولى على تحقيق هدف مدرسة أهل البيت المتمثل بإقامة المجتمع الإسلامي المستظل بحكومة إسلامية صالحة على نموذج حكومة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وعلي بن أبي طالب (عليه السلام). وكما ذكرنا من قبل لم يسلم الإمام (عليه السلام) وأتباعه رغم هذا النهج ــ المسالم على الظاهر ــ من بطش الجهاز الأموي وتنكيله. فمن أتباعه من قتل بشكل فظيع، ومنهم من سجن، ومنهم من تشرّد بعيداً عن الأهل والديار، والإمام (عليه السلام) نفسه في مرة واحدة على الأقل سيق مقيداً بالاغلال في حالة مؤلمة من المدينة الى الشام، وتعرض مرات لألوان الأذى والتعذيب. ثم دسّ الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك له السمّ واستشهد سنة 95 هجرية.

       

    • حياة الإمام الباقر (عليه السلام)
    • قيادة الإمام الصادق (عليه السلام)
    • معالم حياة الإمام الصادق (عليه السلام)
700 /