تحميل:
تحرير الوسيلة
- المقدمه
تَحریرالوَسیلة
آيَة الله العُظمى الإمام الخُميني (قدس سره)
الحمدللّه الّذي فتح قلوب العلماء بمفاتيح الإيمان وشرح صدور العرفاء بمصابيح الإيقان، وصلّ اللّهمّ على جميع أنبيائك ورسلك سيّما خاتمهم وأفضلهم محمّدٍ المصطفى، وعلى آله المنتجبين حملة علومه ونقلة آدابه.
وبعد، فعجيبٌ أمر هذه الرسالة العمليّة، فهي - فضلاً عن كونها تناولت كلّ أبواب الفقه الإسلاميّ ابتداءً من التقليد والطهارة وانتهاءً بالحدود والديات - تطرّقت ولأوّل مرّة (حينذاك) لأحكام الجهاد والدفاع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقضايا الساعة ولمعالجتها للحوادث الواقعة، نراها ترجمت الى لغات شتّى، منها وعلى سبيل المثال إلى اللغة البوسنيّة على يد رئيس جمهوريّتها المجاهد عزّت علي بيگوفيج؛ أيّام سجنه.
وعجيبٌ أمر محرّرها الإمام الخميني (قدس سره)، إذ أنّ هذه الشخصيّة العظيمة العملاقة - في الفكر والجهاد والعرفان والزهد والسياسة والريادة والفقه والاُصول والفلسفة والعلوم - استطاعت أن تقيم أعظم كيانٍ إسلاميّ في القرن العشرين يناطح به كلّ الطروحات الأرضيّة المعادية والتحالفات الاستكباريّة المتنافرة، ويوقظ كلّ نيام الاُمّة والمستضعفين في دنيا الاستغلال والاضطهاد، حتّى أصبح؛ أمل الشعوب.
هذا المرجع الربّانيّ والقائد الميدانيّ استطاع كذلك لعلوّ همّته ونافذ بصيرته أن ينشئ بفعل دروسه العلميّة والأخلاقيّة كوادر على شاكلته في الإخلاص والوعي والشجاعة والفداء والعلم والتقوى ، يحذون حذوَه ويقْفون أثره حذو القذّة بالقذّة وتتمنّاهم الشعوب قادةً لنهضاتها، ليضمن استمرار المسيرة الثوريّة الهادية وعزّتها وتكاملها ووحدتها وكرامتها وحفظ النظام ومِنعته حتّى يسلّموا الراية إلى صاحب العصر والزمان عجّل اللّه فرجه، وفي مقدّمتهم خليفته المنتخب ووريثه في المحبوبيّة وليّ أمر المسلمين آيةاللّه السيّد عليّ الخامنئيّ أعزّه اللّه وأدام ظلّه الوارف.
فما أعظم الإمام روح اللّه من مؤلّفٍ واُستاذ، ومربّ وزعيم، وما أعظم رسالته الّتي صارت مناراً للثائرين ومنهجاً عمليّاً للعارفين. فرحمهُ اللّه ورفع مقامه في الخالدين.
والمؤسّسة إذ تقوم بطبع ونشر هذه الرسالة المجيدة - بعد إراءتها لمؤسّسة نشر آثار الإمام الخميني (قدس سره) - تتقدّم بجزيل شكرها ووافر ثنائها لسماحة حجّةالإسلام والمسلمين الشيخ محمّدحسين أمراللّهي على تدقيقه إيّاها من ضبط عباراتها ونصوصها ومطابقتها مع عدّة نسخ. شكر اللّه سعيه وبارك له في مجهوده المثمر هذا، راجين أن يجد فيها عشّاق الإمام وسائر القرّاء الكرام الدقّة والنفع، ومنه تعالى التوفيق.مؤسّسة النشر الإسلامي
التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
الحمد للّه رب العالمين، والصلاة والسلام على محمّد و آله الطاهرين، ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين.
وبعد، فقد علّقت في سالف الزمان تعليقةً على كتاب «وسيلة النجاة» تصنيف السيّد الحجّة الفقيه الإصبهانيّ قدّس سرّه العزيز، فلمّا اُقصيت في أواخر شهر جمادى الثانية عام 1384 عن مدينة «قم» إلى «بورسا» من مدائن تركيا لأجل حوادث محزنة حدثت للإسلام والمسلمين - لعلّ التاريخ يضبطها - وكنت فارغ البال تحت النظر و المراقبة فيها أحببت أن اُدرج التعليقة في المتن لتسهيل التناول، ولو وفّقني اللّه تعالى لاُضيف إليه مسائل كثيرة الابتلاء، ونرجو من اللّه تعالى التوفيق، ومن الناظرين دعاء الخير لرفع البليّات عن بلاد المسلمين، سيّما عاصمة الشيعة، ولقطع يد الأجانب عنها، ولحسن العاقبة للفقير. - احكام التقليد
المقدّمة
[فی أحکام التقلید]إعلم أنّه یجب علی کلّ مکلّف غیر بالغ مرتبة الاجتهاد فی غیر الضروریّات من عباداته و معاملاته - ولو فی المستحبّات والمباحات - أن یکون إمّا مقلّدا أو محتاطا بشرط أن یعرف موارد الاحتیاط، ولا یعرف ذلک إلّا القلیل؛ فعمل العامیّ غیرالعارف بمواضع الاحتیاط من غیر تقلید باطلٌ بتفصیل یأتی.
مسألة 1 - یجوز العمل بالاحتیاط ولو کان مستلزماً للتکرار علی الأقوی.
مسألة 2 - التقلید هو العمل مستندا إلی فتوی فقیه معیّن، وهو الموضوع للمسألتین الآتیتین. نعم، ما یکون مصحّحا للعمل هو صدوره عن حجّة - کفتوی الفقیه - وإن لم یصدق علیه عنوان التقلید. وسیأتی أنّ مجرّد انطباقه علیه مصحّح له.
مسألة 3 - یجب أن یکون المرجع للتقلید عالما مجتهدا عادلا ورعا فی دین اللّه، بل غیر مکبّ علی الدنیا، ولا حریصا علیها وعلی تحصیلها - جاها ومالا - علی الأحوط. وفی الحدیث: «من کان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدینه مخالفا لهواه مطیعا لأمر مولاه فللعوامّ أن یقلّدوه».
مسألة 4 - یجوز العدول بعد تحقّق التقلید من الحیّ إلی الحیّ المساوی. ویجب العدول إذا کان الثانی أعلم علی الأحوط.
مسألة 5 - یجب تقلید الأعلم مع الإمکان علی الأحوط، ویجب الفحص عنه. وإذا تساوی المجتهدان فی العلم أو لم یعلم الأعلم منهما تخیّر بینهما. وإذا کان أحدهما المعیّن أورع أو أعدل فالأولی و الأحوط اختیاره. وإذا تردّد بین شخصین یحتمل أعلمیّة أحدهما المعیّن دون الآخر تعیّن تقلیده علی الأحوط.
مسألة 6 - إذا کان الأعلم منحصرا فی شخصین ولم یتمکّن من تعیینه تعیّن الأخذ بالاحتیاط أو العمل بأحوط القولین منهما علی الأحوط مع التمکّن، ومع عدمه یکون مخیّرا بینهما.
مسألة 7 - یجب علی العامیّ أن یقلّد الأعلم فی مسألة وجوب تقلید الأعلم؛ فإن أفتی بوجوبه لا یجوز له تقلید غیره فی المسائل الفرعیّة، وإن أفتی بجواز تقلید غیر الأعلم تخیّر بین تقلیده وتقلید غیره. ولا یجوز له تقلید غیر الأعلم إذا أفتی بعدم وجوب تقلید الأعلم. نعم، لو أفتی بوجوب تقلید الأعلم یجوز الأخذ بقوله، لکن لا من جهة حجّیّة قوله بل لکونه موافقا للاحتیاط.
مسألة 8 - إذا کان المجتهدان متساویین فی العلم یتخیّرالعامیّ فی الرجوع إلی أیّهما، کما یجوز له التبعیض فی المسائل بأخذ بعضهامن أحدهماوبعضهامن الآخر.
مسألة 9 - یجب علی العامیّ فی زمان الفحص عن المجتهد أو الأعلم أن یعمل بالاحتیاط. ویکفی فی الفرض الثانی الاحتیاط فی فتوی الّذین یحتمل أعلمیّتهم، بأن یأخذ بأحوط أقوالهم.
مسألة 10 - یجوز تقلید المفضول فی المسائل الّتی توافق فتواه فتوی الأفضل فیها، بل فی ما لا یعلم تخالفهما فی الفتوی أیضا.
مسألة 11 - إذا لم یکن للأعلم فتوی فی مسألة من المسائل یجوز الرجوع فی تلک المسألة إلی غیره مع رعایة الأعلم فالأعلم علی الأحوط.
مسألة 12 - إذا قلّد من لیس له أهلیّة الفتوی ثمّ التفت وجب علیه العدول. وکذا إذا قلّد غیر الأعلم وجب العدول إلی الأعلم علی الأحوط وکذا إذا قلّد الأعلم ثمّ صار غیره أعلم منه، علی الأحوط فی المسائل الّتی یعلم تفصیلا مخالفتهما فیها فی الفرضین.
مسألة 13 - لا یجوز تقلید المیّت ابتداءً. نعم، یجوز البقاء علی تقلیده بعد تحقّقه بالعمل ببعض المسائل مطلقا ولو فی المسائل الّتی لم یعمل بها علی الظاهر. ویجوز الرجوع إلی الحیّ الأعلم، والرجوع أحوط. ولا یجوز بعد ذلک الرجوع إلی فتوی المیّت ثانیا علی الأحوط، ولا إلی حیّ آخر کذلک إلّا إلی أعلم منه، فإنّه یجب علی الأحوط. ویعتبر أن یکون البقاء بتقلید الحیّ، فلو بقی علی تقلید المیّت من دون الرجوع إلی الحیّ الّذی یفتی بجواز ذلک کان کمن عمل من غیر تقلید.
مسألة 14 - إذا قلّد مجتهدا ثمّ مات فقلّد غیره ثمّ مات فقلّد فی مسألة البقاء علی تقلید المیّت من یقول بوجوب البقاء أو جوازه فهل یبقی علی تقلید المجتهد الأوّل أو الثانی؟ الأظهر البقاء علی تقلیدالأوّل إن کان الثالث قائلاً بوجوب البقاء، ویتخیّر بین البقاء علی تقلید الثانی والرجوع إلی الحیّ إن کان قائلًا بجوازه.
مسألة 15 - المأذون والوکیل عن المجتهد فی التصرّف فی الأوقاف أو الوصایا أو فی أموال القصّر ینعزل بموت المجتهد. وأمّا المنصوب من قبله - بأن نصبه متولّیا للوقف أو قیّما علی القصّر - فلا یبعد عدم انعزاله، لکن لا ینبغی ترک الاحتیاط بتحصیل الإجازة أو النصب الجدید للمنصوب من المجتهد الحیّ.
مسألة 16 - إذا عمل عملا- من عبادة أو عقد أو إیقاع - علی طبق فتوی من یقلّده فمات ذلک المجتهد فقلّد من یقول ببطلانه یجوز له البناء علی صحّة الأعمال السابقة، ولا یجب علیه إعادتها وإن وجب علیه فی ما یأتی العمل بمقتضی فتوی المجتهد الثانی.
مسألة 17 - إذا قلّد مجتهدا من غیر فحص عن حاله ثمّ شکّ فی أنّه کان جامعا للشرائط وجب علیه الفحص؛ وکذا لو قطع بکونه جامعا لها ثمّ شکّ فی ذلک علی الأحوط. وأمّا إذا أحرز کونه جامعا لها ثمّ شکّ فی زوال بعضها عنه -کالعدالة والاجتهاد- لا یجب علیه الفحص، ویجوز البناء علی بقاء حالته الاُولی.
مسألة 18 - إذا عرض للمجتهد ما یوجب فقده للشرائط - من فسق أو جنون أو نسیان - یجب العدول إلی الجامع لها، ولا یجوز البقاء علی تقلیده؛ کما أنّه لو قلّد من لم یکن جامعا للشرائط ومضی علیه برهة من الزمان کان کمن لم یقلّد أصلًا، فحاله حال الجاهل القاصر أو المقصّر.
مسألة 19 - یثبت الاجتهاد بالاختبار، وبالشیاع المفید للعلم، وبشهادة العدلین من أهل الخبرة؛ وکذا الأعلمیّة. ولا یجوز تقلید من لم یعلم أنّه بلغ مرتبة الاجتهاد وإن کان من أهل العلم؛ کما أنّه یجب علی غیر المجتهد أن یقلّد أو یحتاط وإن کان من أهل العلم وقریبا من الاجتهاد.
مسألة 20 - عمل الجاهل المقصّر الملتفت من دون تقلید باطل، إلّا إذا أتی به برجاء درک الواقع وانطبق علیه أو علی فتوی من یجوز تقلیده. وکذا عمل الجاهل القاصر أو المقصّر الغافل مع تحقّق قصد القربة صحیح إذا طابق الواقع أو فتوی المجتهد الّذی یجوز تقلیده.
مسألة 21 - کیفیّة أخذ المسائل من المجتهد علی أنحاء ثلاثة:
أحدها: السماع منه. الثانی: نقل العدلین أو عدل واحد عنه أو عن رسالته المأمونة من الغلط، بل الظاهر کفایة نقل شخص واحد إذا کان ثقةً یطمأنّ بقوله. الثالث: الرجوع إلی رسالته إذا کانت مأمونةً من الغلط.
مسألة 22 - إذا اختلف ناقلان فی نقل فتوی المجتهد فالأقوی تساقطهما مطلقا، سواء تساویا فی الوثاقة أم لا، فإذا لم یمکن الرجوع إلی المجتهد أو رسالته یعمل بما وافق الاحتیاط من الفتویین أو یعمل بالاحتیاط.
مسألة 23 - یجب تعلّم مسائل الشکّ والسهو وغیرها ممّا هو محلّ الابتلاء غالبا، إلّا إذا اطمأنّ من نفسه بعدم الابتلاء بها، کما یجب تعلّم أجزاء العبادات وشرائطها وموانعها ومقدّماتها. نعم، لو علمٍ إجمالا أنّ عمله واجد لجمیع الأجزاء والشرائط وفاقد للموانع صحّ وإن لم یعلم تفصیلا.
مسألة 24 - إذا علم أنّه کان فی عباداته بلا تقلید مدّةً من الزمان ولم یعلم مقداره: فإن علم بکیفیّتها وموافقتها لفتوی المجتهد الّذی رجع إلیه أو کان له الرجوع إلیه فهو، وإلّا یقضی الأعمال السابقة بمقدار العلم بالاشتغال وإن کان الأحوط أن یقضیها بمقدار یعلم معه بالبراءة.
مسألة 25 - إذا کان أعماله السابقة مع التقلید ولا یعلم أنّها کانت عن تقلید صحیح أم فاسد یبنی علی الصحّة.
مسألة 26 - إذا مضت مدّة من بلوغه وشکّ بعد ذلک فی أنّ أعماله کانت عن تقلیدٍ صحیح أم لا، یجوز له البناء علی الصحّة فی أعماله السابقة، وفی اللاحقة یجب علیه التصحیح فعلا.
مسألة 27 - یعتبر فی المفتی والقاضی العدالة. وتثبت بشهادة عدلین، وبالمعاشرة المفیدة للعلم أو الاطمینان، وبالشیاع المفید للعلم، بل تعرف بحسن الظاهر ومواظبته علی الشرعیّات والطاعات وحضور الجماعات ونحوها. والظاهر أنّ حسن الظاهر کاشف تعبّدیّ ولو لم یحصل منه الظنّ أو العلم.
مسألة 28 - العدالة عبارة عن ملکة راسخة باعثة علی ملازمة التقوی: من ترک المحرّمات وفعل الواجبات.
مسألة 29 - تزول صفة العدالة - حکما - بارتکاب الکبائر أو الإصرار علی الصغائر، بل بارتکاب الصغائر علی الأحوط، وتعود بالتوبة إذا کانت الملکة المذکورة باقیة.
مسألة 30 - إذا نقل شخصٌ فتوی المجتهد خطأً یجب علیه إعلام من تعلّم منه.
مسألة 31 - إذا اتّفق فی أثناءالصلاة مسألةٌ لایعلم حکمها ولم یتمکّن حینئذٍ من استعلامها بنی علی أحد الطرفین بقصد أن یسأل عن الحکم بعد الصلاة وأن یعیدها إذا ظهر کون المأتیّ به خلاف الواقع، فلو فعل کذلک فظهرت المطابقة صحّت صلاته.
مسألة 32 - الوکیل فی عمل عن الغیر - کإجراء عقد أو إیقاع أو أداء خمس أو زکاة أو کفّارة أو نحوها - یجب علیه أن یعمل بمقتضی تقلید الموکّل لا تقلید نفسه إذا کانا مختلفین؛ و أمّا الأجیر عن الوصیّ أو الولیّ فی إتیان الصلاة ونحوها عن المیّت فالأقوی لزوم مراعاة تقلیده، لا تقلید المیّت ولا تقلیدهما؛ وکذا لو أتی الوصیّ بها تبرّعا أو استیجارا یجب علیه مراعاة تقلیده لا تقلید المیّت؛وکذا الولیّ.
مسألة 33 - إذا وقعت معاملة بین شخصین و کان أحدهما مقلّدا لمن یقول بصحّتها والآخر مقلّدا لمن یقول ببطلانها یجب علی کلّ منهما مراعاة فتوی مجتهده، فلو وقع النزاع بینهما یترافعان عند أحد المجتهدین أو عند مجتهد آخر، فیحکم بینهما علی طبق فتواه وینفذ حکمه علی الطرفین. وکذا الحال فی ما إذا وقع إیقاعٌ متعلّقٌ بشخصین، کالطلاق والعتق ونحوهما.
مسألة 34 - الاحتیاط المطلق فی مقام الفتوی من غیر سبق فتوی علی خلافه أو لحوقها کذلک لا یجوز ترکه، بل یجب إمّا العمل بالاحتیاط أو الرجوع إلی الغیر: الأعلم فالأعلم؛ وأمّا إذا کان الاحتیاط فی الرسائل العملیّة مسبوقا بالفتوی علی خلافه کما لو قال بعد الفتوی فی المسألة: «وإن کان الأحوط کذا» أو ملحوقا بالفتوی علی خلافه کأن یقول: «الأحوط کذا وإن کان الحکم کذا» أو «وإن کان الأقوی کذا» أو کان مقرونا بما یظهر منه الاستحباب کأن یقول: «الأولی والأحوط کذا» جاز فی الموارد الثلاثة ترک الاحتیاط. - كتاب الطهارة
- كتاب الصلاة
- كتاب الصوم
- كتاب الزكاة
- كتاب الخمس
- كتاب الحج
- كتاب الامر بالمعروف والنهى عن المنكر
- كتاب المكاسب والمتاجر
كتاب المكاسب والمتاجر
وهي أنواع كثيرة نذكر جلّها والمسائل المتعلّقة بها في طيّ كتب
مقدّمة تشتمل على مسائلمسألة 1 - لايجوز التكسّب بالأعيان النجسة بجميع أنواعها على إشكال في العموم؛ لكن لايترك الاحتياط فيها بالبيع والشراء وجعلها ثمنا في البيع، واُجرةً في الإجارة، وعوضا للعمل في الجعالة، بل مطلق المعاوضة عليها ولو بجعلها مهرا أو عوضا في الخلع ونحو ذلك؛ بل لايجوز هبتها والصلح عليها بلا عوض؛ بل لايجوز التكسّب بها ولو كانت لها منفعة محلّلة مقصودة، كالتسميد في العذرة. ويستثنى من ذلك العصير المغليّ قبل ذهاب ثلثيه بناءً على نجاسته، والكافر بجميع أقسامه حتّى المرتدّ عن فطرة على الأقوى، وكلب الصيد بل والماشية والزرع والبستان والدور.
مسألة 2 - الأعيان النجسة عدا ما استثني وإن لم يعامل معها شرعا معاملة الأموال لكن لمن كانت هي في يده وتحت استيلائه حقّ اختصاص متعلّق بها ناشئ إمّا من حيازتها أو من كون أصلها مالا له ونحو ذلك، كما إذا مات حيوان له فصار ميتة أو صار عنبه خمرا. وهذا الحقّ قابل للانتقال إلى الغير بالإرث وغيره. ولا يجوز لأحد التصرّف فيها بلا إذن صاحب الحقّ، فيصحّ أن يصالح عليه بلاعوض، لكن جعله عوضا لايخلو من إشكال، بل لايبعد دخوله في الاكتساب المحظور. نعم، لو بذل له مالا ليرفع يده عنها ويعرض فيحوزها الباذل سلم من الإشكال، نظير بذل المال لمن سبق إلى مكان من الأمكنة المشتركة - كالمسجد والمدرسة - ليرفع يده عنه فيسكن الباذل.
مسألة 3 - لا إشكال في جواز بيع مالا تحلّه الحياة من أجزاء الميتة ممّا كانت له منفعة محلّلة مقصودة، كشعرها وصوفها بل ولبنها إن قلنا بطهارته. وفي جواز بيع الميتة الطاهرة - كالسمك ونحوه - إذا كانت له منفعة ولو من دهنه إشكال لايترك الاحتياط.
مسألة 4 - لا إشكال في جواز بيع الأرواث إذا كانت لها منفعة. وأمّا الأبوال الطاهرة فلا إشكال في جواز بيع بول الإبل؛ وأمّا غيره ففيه إشكال، لا يبعد الجواز لو كانت له منفعة محلّلة مقصودة.
مسألة 5 - لا إشكال في جواز بيع المتنجّس القابل للتطهير؛ وكذا غير القابل له إذا جاز الانتفاع به مع وصف نجاسته في حال الاختيار، كالدهن المتنجّس الّذي يمكن الانتفاع به بالإسراج وطلي السفن، والصبغ والطين المتنجّسين، والصابون ونحو ذلك. وأمّا ما لا يقبل التطهير وكان جواز الانتفاع به متوقّفا على طهارته -كالسكنجبين النجس ونحوه - فلايجوز بيعه والمعاوضة عليه.
مسألة 6 - لا بأس ببيع الترياق المشتمل على لحوم الأفاعي مع عدم ثبوت أنّها من ذوات الأنفس السائلات،ومع استهلاكها فيه - كما هوالغالب بل المتعارف- جاز استعماله وينتفع به. وأمّا المشتمل على الخمر فلا يجوز بيعه، لعدم قابليّته للتطهير، وعدمِ حلّيّة الانتفاع به مع وصف النجاسة حال الاختيار، الّذي هو المدار لا الجواز عند الاضطرار.
مسألة 7 - يجوز بيع الهرّة ويحلّ ثمنها بلا إشكال. وأمّا غيرها من أنواع السباع فالظاهر جوازه إذا كان ذامنفعة محلّلة مقصودة عند العقلاء. وكذإ؛لاء ظظ الحشرات بل المسوخ أيضا إذا كانت كذلك. فهذا هو المدار في جميع الأنواع، فلاإشكال في بيع العلق - الّذي يمصّ الدم الفاسد - ودود القزّ ونحل العسل وإن كانت من الحشرات، وكذا الفيل الّذي ينتفع بظهره وعظمه وإن كان من المسوخ.
مسألة 8 - يحرم بيع كلّ ما كان آلة للحرام بحيث كانت منفعته المقصودة منحصرةً فيه مثل آلات اللهو كالعيدان والمزامير والبرابط ونحوها، وآلات القمار كالنرد والشطرنج ونحوهما. وكما يحرم بيعها وشراؤها يحرم صنعتها والاُجرة عليها، بل يجب كسرها وتغيير هيئتها. نعم، يجوز بيع مادّتها من الخشب والصفر -مثلا- بعد الكسر، بل قبله أيضا إذا اشترط على المشتري كسرها، أو بيع المادّة ممّن يثق به أنّه يكسرها. ومع عدم ما ذكر ففيه إشكال. ويجوز بيع أواني الذهب والفضّة للتزيين والاقتناء.
مسألة 9 - الدراهم الخارجة عن الاعتبار أو المغشوشة المعمولة لأجل غشّ الناس تحرم المعاملة بها وجعلها عوضا أو معوّضا في المعاملات مع جهل من تدفع إليه، بل مع علمه واطّلاعه أيضا على الأحوط لو لم يكن الأقوى، إلّا إذا وقعت المعاملة على مادّتها واشترط على المتعامل كسرها أو كان موثوقا به في الكسر، إذ لايبعد وجوب إتلافها ولو بكسرها، دفعا لمادّة الفساد.
مسألة 10 - يحرم بيع العنب والتمر ليعمل خمرا، والخشب - مثلا - ليعمل صنما أو آلةً للّهو أو القمار ونحو ذلك؛ وذلك إمّا بذكر صرفه في المحرّم والالتزام به في العقد، أو تواطئهما على ذلك، ولو بأن يقول المشتري لصاحب العنب مثلا: «بعني منّا من العنب لأعمله خمرا» فباعه. وكذا تحرم إجارة المساكن ليباع ويحرز فيها الخمر، أو ليُعمل فيها بعض المحرّمات، وإجارة السفن أو الحمولة لحمل الخمر وشبهها بأحد الوجهين المتقدّمين. وكما يحرم البيع والإجارة في ما ذكر يفسدان أيضا، فلا يحلّ له الثمن والاُجرة. وكذا بيع الخشب لمن يعلم أنّه يجعله صليبا أو صنما؛ بل وكذا بيع العنب والتمر والخشب ممّن يعلم أنّه يجعلها خمرا وآلة للقمار والبرابط، وإجارة المساكن لمن يعلم أنّه يعمل فيها ما ذكر أو يبيعها وأمثال ذلك في وجه قويّ. والمسألة من جهة النصوص مشكلة جدّا، والظاهر أنّها معلّلة.
مسألة 11 - يحرم بيع السلاح من أعداء الدين حال مقاتلتهم مع المسلمين، بل حال مباينتهم معهم بحيث يخاف منهم عليهم. وأمّا في حال الهدنة معهم أو زمان وقوع الحرب بين أنفسهم ومقاتلة بعضهم مع بعض فلابدّ في بيعه من مراعاة مصالح الإسلام والمسلمين ومقتضيات اليوم، والأمر فيه موكول إلى نظر والي المسلمين، وليس لغيره الاستبداد بذلك. ويلحق بالكفّار من يعادي الفرقة الحقّة من سائر الفرق المسلمة. ولا يبعد التعدّي الى قطّاع الطريق وأشباههم؛ بل لايبعد التعدّي من بيع السلاح إلى بيع غيره لهم ممّا يكون سببا لتقويتهم على أهل الحقّ، كالزاد والراحلة والحمولة ونحوها.
مسألة 12 - يحرم تصوير ذوات الأرواح من الإنسان والحيوان إذا كانت الصورة مجسّمةً، كالمعمولة من الأحجار والفلزّات والأخشاب ونحوها. والأقوى جوازه مع عدم التجسيم وإن كان الأحوط تركه. ويجوز تصوير غير ذوات الأرواح كالأشجار والأوراد ونحوها ولو مع التجسيم. ولا فرق بين أنحاء التصوير من النقش والتخطيط والتطريز والحكّ وغير ذلك. ويجوز التصوير المتداول في زماننا بالآلات المتداولة، بل الظاهر أنّه ليس من التصوير. وكما يحرم عمل التصوير من ذوات الأرواح مجسّمةً يحرم التكسّب به وأخذ الاُجرة عليه. هذا كلّه في عمل الصور. وأمّا بيعها واقتناؤها واستعمالها والنظر إليها فالأقوى جواز ذلك كلّه حتّى المجسّمات. نعم، يكره اقتناؤها وإمساكها في البيت.
مسألة 13 - الغناء حرام فعله وسماعه والتكسّب به. وليس هو مجرّد تحسين الصوت، بل هو مدّه وترجيعه بكيفيّة خاصّة مطربة تناسب مجالس اللهو ومحافل الطرب وآلات اللهو والملاهي. ولا فرق بين استعماله في كلام حقّ - من قراءة القرآن والدعاء والمرثية - وغيره من شعر أو نثر، بل يتضاعف عقابه لو استعمله في ما يطاع به اللّه تعالى. نعم، قد يستثنى غناء المغنيّات في الأعراس، وهو غير بعيد. ولا يترك الاحتياط بالاقتصار على زفّ العرائس والمجلس المعدّ له مقدّما ومؤخّرا، لا مطلق المجالس، بل الأحوط الاجتناب مطلقا.
مسألة 14 - معونة الظالمين في ظلمهم بل في كلّ محرّم حرام بلا إشكال؛ بل ورد عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «من مشى إلى ظالم ليعينه وهو يعلم أنّه ظالم فقد خرج من الإسلام». وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): «إذا كان يوم القيامة ينادي مناد: أين الظلمة وأعوان الظلمة حتّى من برى لهم قلما ولاق لهم دواةً؟ قال: فيجتمعون في تابوت من حديد ثمّ يرمى بهم في جهنّم». وأمّا معونتهم في غير المحرّمات فالظاهر جوازها مالم يعدّ من أعوانهم وحواشيهم والمنسوبين إليهم ولم يكن اسمه مقيّدا في دفترهم وديوانهم ولم يكن ذلك موجبا لازدياد شوكتهم وقوّتهم.
مسألة 15 - يحرم حفظ كتب الضلال ونسخها وقراءتها ودرسها وتدريسها إن لم يكن غرض صحيح في ذلك، كأن يكون قاصدا لنقضها وإبطالها وكان أهلا لذلك ومأمونا من الضلال. وأمّا مجرّد الاطّلاع على مطالبها فليس من الأغراض الصحيحة المجوّزة لحفظها لغالب الناس من العوامّ الّذين يخشى عليهم الضلال والزلل، فاللازم على أمثالهم التجنّب عن الكتب المشتملة على ما يخالف عقائد المسلمين، خصوصا ما اشتمل منها على شبهات ومغالطات عجزوا عن حلّها ودفعها، ولا يجوز لهم شراؤها وإمساكها وحفظها، بل يجب عليهم إتلافها.
مسألة 16 - عمل السحر وتعليمه وتعلّمه والتكسّب به حرام. والمراد به ما يعمل من كتابة أو تكلّم أو دخنة أو تصوير أو نفث أو عقد ونحو ذلك يؤثّر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله، فيؤثّر في إحضاره أو إنامته أو إغمائه أو تحبيبه أو تبغيضه ونحو ذلك.
ويلحق بذلك استخدام الملائكة وإحضار الجنّ وتسخيرهم وإحضار الأرواح وتسخيرها وأمثال ذلك. بل يلحق به أو يكون منه الشعبذة، وهي إراءة غير الواقع واقعا بسبب الحركة السريعة.
وكذلك الكهانة. وهي تعاطي الأخبار عن الكائنات في مستقبل الزمان، بزعم أنّه يلقي إليه الأخبار عنها بعض الجانّ، أو بزعم أنّه يعرف الاُمور بمقدّمات وأسباب يستدلّ بها على مواقعها.
والقيافة. وهي الاستناد إلى علامات خاصّة في إلحاق بعض الناس ببعض وسلب بعض عن بعض، على خلاف ما جعله الشارع ميزانا للإلحاق وعدمه من الفراش وعدمه.
والتنجيم. وهو الإخبار على البتّ والجزم عن حوادث الكون من الرخص والغلاء والجدب والخصب وكثرة الأمطار وقلّتها وغير ذلك من الخير والشرّ والنفع والضرر، مستندا الى الحركات الفلكيّة والنظرات والاتّصالات الكوكبيّة، معتقدا تأثيرها في هذا العالم على نحو الاستقلال أو الاشتراك مع اللّه - تعالى عمّا يقول الظالمون - دون مطلق التأثير ولو بإعطاء اللّه تعالى إيّاها إذا كان عن دليل قطعيّ. وليس منه الإخبار عن الخسوف والكسوف والأهلّة واقتران الكواكب وانفصالها بعد كونه ناشئا عن اُصول وقواعد سديدة. والخطأ الواقع منهم أحيانا ناشئ من الخطأ في الحساب وإعمال القواعد، كسائر العلوم.
مسألة 17 - يحرم الغشّ بما يخفى في البيع والشراء، كشوب اللبن بالماء، وخلط الطعام الجيّد بالردي ء، ومزج الدهن بالشحم أو بالدهن النباتيّ، ونحو ذلك، من دون إعلام. ولا يفسد المعاملة به وإن حرم فعله وأوجب الخيار للطرف بعد الاطّلاع. نعم، لو كان الغشّ بإظهار الشي ء على خلاف جنسه - كبيع المموّه على أنّه ذهب أو فضّة ونحو ذلك - فسد أصل المعاملة.
مسألة 18 - يحرم أخذ الاُجرة على ما يجب عليه فعله عينا، بل ولو كفائيّا على الأحوط فيه، كتغسيل الموتى وتكفينهم ودفنهم. نعم، لو كان الواجب توصّليّا -كالدفن- ولم يبذل المال لأجل أصل العمل بل لاختيار عمل خاصّ لابأس به. فالمحرّم أخذ الاُجرة لأصل الدفن. وأمّا لو اختار الوليّ مكانا خاصّا وقبرا مخصوصا وأعطى المال لحفر ذلك المكان الخاصّ فالظاهر أنّه لابأس به. كما لابأس بأخذ الطبيب الاُجرة للحضور عند المريض وإن أشكل أخذها لأصل المعالجة وإن كان الأقوى جوازه. ولو كان العمل تعبّديّا يشترط فيه التقرّب -كالتغسيل- فلا يجوز أخذها عليه على أيّ حال. نعم، لابأس بأخذها على بعض الاُمور غير الواجبة كما تقدّم في غسل الميّت. وممّا يجب على الإنسان تعليم مسائل الحلال والحرام، فلا يجوز أخذها عليه. وأمّا تعليم القرآن فضلا عن غيره من الكتابة وقراءة الخطّ وغير ذلك فلا بأس بأخذها عليه. والمراد بالواجبات المذكورة ما وجب على نفس الأجير. وأمّا ما وجب على غيره ولا يعتبر فيه المباشرة فلا بأس بأخذ الاُجرة عليه حتّى في العبادات الّتي يشرع فيها النيابة، فلابأس بالاستيجار للأموات في العبادات كالحجّ والصوم والصلاة.
مسألة 19 - يكره اتّخاذ بيع الصرف والأكفان والطعام حرفةً؛ وكذا بيع الرقيق، فإنّ شرّ الناس من باع الناس؛ وكذا اتّخاذ الذبح والنحر صنعةً؛ وكذا صنعة الحياكة والحجامة؛ وكذا التكسّب بضراب الفحل، بأن يؤاجره لذلك مع ضبطه بالمرّة والمرّات المعيّنة أو بالمدّة أو بغير الإجارة. نعم، لابأس بأخذ الهديّة والعطيّة لذلك.
مسألة 20 - لاريب في أنّ التكسّب وتحصيل المعيشة بالكدّ والتعب محبوب عنداللّه تعالى؛ وقد ورد عن النبى(صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة (عليهم السلام): الحثّ والترغيب عليه مطلقا، وعلى خصوص التجارة والزراعة واقتناء الأغنام والبقر روايات كثيرة. نعم، ورد النهي عن إكثار الإبل.
مسألة 21 - يجب على كلّ من يباشر التجارة وسائر أنواع التكسّب تعلّم أحكامها والمسائل المتعلّقة بها ليعرف صحيحها عن فاسدها، ويسلم من الربا. والقدر اللازم أن يكون عالما - ولو عن تقليد - بحكم التجارة والمعاملة الّتي يوقعها حين إيقاعها، بل ولو بعد إيقاعها إذا كان الشكّ في الصحّة والفساد فقط؛ وأمّا إذا اشتبه حكمها من جهة الحرمة والحلّيّة - لامن جهة مجرّد الصحّة والفساد - يجب الاجتناب عنها، كموارد الشكّ في أنّ المعاملة ربويّة، بناءً على حرمة نفس المعاملة أيضا، كما هو كذلك على الأحوط.
مسألة 22 - للتجارة والتكسّب آداب مستحبّة ومكروهة:
أمّا المستحبّة فأهمّها: الإجمال في الطلب والاقتصاد فيه، بحيث لايكون مضيّعا ولا حريصا.
ومنها: إقالة النادم في البيع والشراء لو استقاله.
ومنها: التسوية بين المتبايعين في السعر، فلا يفرق بين المماكس وغيره بأن يقلّل الثمن للأوّل ويزيده للثاني. نعم، لابأس بالفرق بسبب الفضل والدين ونحو ذلك ظاهرا.
ومنها: أن يقبض لنفسه ناقصا ويعطي راجحا.
وأمّا المكروهة فاُمور:
منها: مدح البائع لمتاعه.
ومنها: ذمّ المشتري لما يشتريه.
ومنها: اليمين صادقا على البيع والشراء.
ومنها: البيع في موضع يستتر فيه العيب.
ومنها: الربح على المؤمن إلّا مع الضرورة، أو كان الشراء للتجارة، أو كان اشتراؤه للمتاع أكثر من مائة درهم، فإنّ ربح قوت اليوم منه غير مكروه.
ومنها: الربح على من وعده بالإحسان إلّا مع الضرورة.
ومنها: السوم ما بين الطلوعين.
ومنها: الدخول في السوق أوّلا والخروج منه آخرا.
ومنها: مبايعة الأدنين الّذين لايبالون بما قالوا وما قيل لهم.
ومنها: التعرّض للكيل أو الوزن أو العدّ أو المساحة إذا لم يحسنه.
ومنها: الاستحطاط من الثمن بعد العقد.
ومنها: الدخول فى سوم المؤمن على الأظهر، وقيل بالحرمة. ولا يكون منه الزيادة في ما إذا كان المبيع في المزايدة.
ومنها: تلقّي الركبان والقوافل واستقبالهم للبيع عليهم أو الشراء منهم قبل وصولهم إلى البلد. وقيل: يحرم وإن صحّ البيع والشراء، وهو الأحوط وإن كان الأظهر الكراهة. وإنّما يكره بشروط: أحدها: كون الخروج بقصدذلك. ثانيها: تحقّق مسمّى الخروج من البلد. ثالثها: أن يكون دون الأربعة فراسخ؛ فلو تلقّى في الأربعة فصاعدا لم يثبت الحكم، بل هو سفر تجارة. والأقوى عدم اعتبار كون الركب جاهلا بسعر البلد. وهل يعمّ الحكم غير البيع والشراء كالإجارة ونحوها؟ وجهان.
مسألة 23 - يحرم الاحتكار. وهو حبس الطعام وجمعه يتربّص به الغلاء مع ضرورة المسلمين وحاجتهم وعدم وجود من يبذلهم قدر كفايتهم. نعم، مجرّد حبس الطعام انتظارا لعلوّ السعر مع عدم ضرورة الناس ووجود الباذل ليس بحرام وإن كان مكروها. ولو حبسه في زمان الغلاء لصرفه في حوائجه لا للبيع فلا حرمة فيه ولا كراهة. والأقوى عدم تحقّقه إلّا في الغلّات الأربع والسمن والزيت. نعم، هو أمر مرغوب عنه في مطلق ما يحتاج إليه الناس، لكن لايثبت لغير ما ذكر أحكام الاحتكار. ويُجبر المحتكر على البيع؛ ولا يعيّن عليه السعر على الأحوط، بل له أن يبيع بما شاء إلّا إذا أجحف، فيجبر على النزول من دون تسعير عليه، ومع عدم تعيينه يعيّن الحاكم بما يرى المصلحة.
مسألة 24 - لايجوز مع الاختيار الدخول في الولايات والمناصب والأشغال من قبل الجائر وإن كان أصل الشغل مشروعا مع قطع النظر عن تولّيه من قبله، كجباية الخراج، وجمع الزكاة، وتولّي المناصب الجنديّة والأمنيّة، وحكومة البلاد ونحو ذلك، فضلا عمّا كان غير مشروع في نفسه، كأخذ العشور والمُكُوس وغير ذلك من أنواع الظلم المبتدعة. نعم، يسوغ كلّ ذلك مع الجبر والإكراه، بإلزام من يُخشى من التخلّف عن إلزامه على نفسه أو عرضه أو ماله المعتدّ به، إلّا في الدماء المحترمة، بل في إطلاقه بالنسبة إلى تولّي بعض أنواع الظلم - كهتك أعراض طائفة من المسلمين، ونهب أموالهم، وسبي نسائهم، وإيقاعهم في الحرج - مع خوفه على عرضه ببعض مراتبه الضعيفة، أو على ماله إذا لم يقع في الحرج، بل مطلقا في بعضها إشكال بل منع. ويسوّغ خصوص القسم الأوّل - وهو الدخول في الولاية على أمر مشروع في نفسه - القيام بمصالح المسلمين وإخوانه في الدين؛ بل لو كان دخوله فيها بقصد الإحسان إلى المؤمنين ودفع الضرر عنهم كان راجحا؛ بل ربما بلغ الدخول في بعض المناصب والأشغال لبعض الأشخاص أحيانا إلى حدّ الوجوب، كما إذا تمكّن شخص بسببه من دفع مفسدة دينيّة أو المنع عن بعض المنكرات الشرعيّة مثلا، ومع ذلك فيها خطرات كثيرة إلّا لمن عصمه اللّه تعالى.
مسألة 25 - ما يأخذه الحكومة من الضريبة على الأراضي مع شرائطها - جنسا أو نقدا - وعلى النخيل والأشجار يعامل معها معاملة ما يأخذه السلطان العادل، فيبرأ ذمّة الدافع عمّا كان عليه من الخراج الّذي هو اُجرة الأرض الخراجيّة. ويجوز لكلّ أحد شراؤه وأخذه مجّانا وبالعوض، والتصرّف فيه بأنواع التصرّف؛ بل لو لم يأخذه الحكومة وحوّل شخصا على من عليه الخراج بمقدار فدفعه إلى المحتال يحلّ له، وتبرأ ذمّة المحال عليه عمّا عليه؛ لكنّ الأحوط - خصوصا في مثل هذه الأزمنة - رجوع من ينتفع بهذه الأراضي ويتصرّف فيها في أمر خراجها وكذلك من يصل إليه من هذه الأموال شي ء إلى حاكم الشرع أيضا. والظاهر أنّ حكم السلطان المؤالف كالمخالف، وإن كان الاحتياط بالرجوع إلى الحاكم في الأوّل أشدّ.
مسألة 26 - يجوز لكلّ أحد أن يتقبّل الأراضي الخراجيّة، ويضمنها من الحكومة بشي ء، وينتفع بها بنفسه بزرع أو غرس أو غيره، أو يقبلها ويضمنها لغيره ولو بالزيادة، على كراهيّة في هذه الصورة، إلّا أن يحدث فيها حدثا كحفر نهر أو عمل فيها بما يُعين المستأجر، بل الأحوط ترك التقبيل بالزيادة إلّا معه. - كتاب البيع
- كتاب الشفعة
كتاب الشفعة
مسألة 1 - لو باع أحد الشريكين حصّته من شخص أجنبيّ فللشريك الآخر مع اجتماع الشروط الآتية حقّ أن يتملّكها وينتزعها من المشتري بما بذله من الثمن، ويسمّى هذا الحقّ بالشفعة وصاحبه بالشفيع.
مسألة ۲ - لا إشكال في ثبوت الشفعة في كلّ ما لا يُنقل إن كان قابلا للقسمة، كالأراضي والبساتين والدور ونحوها. وفي ثبوتها في ما يُنقل كالثياب والمتاع والسفينة والحيوان وفي ما لاينقل إن لم يكن قابلا للقسمة - كالضيّقة من الأنهار والطرق والآبار وغالب الأرحية والحمّامات وكذا الشجر والنخيل والثمار على النخيل والأشجار - إشكال، فالأحوط للشريك عدم الأخذ بالشفعة إلّا برضا المشتري، وللمشتري إجابة الشريك إن أخذ بها.
مسألة ۳ - إنّما تثبت الشفعة في بيع حصّة مشاعة من العين المشتركة، فلاشفعة بالجوار؛ فلو باع شخص داره أو عقاره ليس لجاره الأخذ بالشفعة؛ وكذا ليست في العين المقسومة إذا باع أحد الشريكين حصّته المفروزة، إلّا إذا كانت دارا قد قسمت بعد اشتراكها أو كانت من أوّل الأمر مفروزةً ولها طريق مشترك فباع أحد الشريكين حصّته المفروزة من الدار، فتثبت الشفعة للآخر إذا بيعت مع طريقها؛ بخلاف ما إذا بقي الطريق على الاشتراك بينهما، فلا شفعة حينئذٍ في بيع الحصّة. وفي إلحاق الاشتراك في الشرب - كالبئر والنهر والساقية - بالاشتراك في الطريق إشكال، لايترك الاحتياط في المسألة المتقدّمة فيه؛ وكذا في إلحاق البستان والأراضي مع اشتراك الطريق بالدار، فلا يترك فيها أيضا.
مسألة 4 - لو باع شيئا وشِقصا من دار أو باع حصّةً مفروزةً من دار مع حصّة مشاعة من اُخرى صفقةً واحدةً كان للشريك الشفعة في الحصّة المشاعة بحصّتها من الثمن وإن كان الأحوط تحصيل المراضاة بما مرّ.
مسألة 5 - يشترط في ثبوت الشفعة انتقال الحصّة بالبيع؛ فلو انتقلت بجعلها صداقا أو فديةً للخلع أو بالصلح أو الهبة فلا شفعة.
مسألة 6 - إنّما تثبت الشفعة لو كانت العين بين شريكين؛ فلا شفعة إذا كانت بين ثلاثة وما فوقها، من غير فرق على الظاهر بين أن يكون البائع اثنين من ثلاثة -مثلا- فكان الشفيع واحدا وبالعكس. نعم، لو باع أحد الشريكين حصّته من اثنين -مثلا- دفعةً أو تدريجا فصارت العين بين ثلاثة بعد البيع لا مانع من الشفعة للشريك الآخر، فهل له التبعيض - بأن يأخذ بها بالنسبة إلى أحد المشتريين ويترك الآخر - أولا؟ وجهان بل قولان، لا يخلو أوّلهما من قوّة.
مسألة 7 - لو كانت الدار مشتركةً بين الطلق والوقف وبيع الطلق لم يكن للموقوف عليه - ولو كان واحدا - ولا لوليّ الوقف شفعة، بل لو بيع الوقف في صورة صحّة بيعه فثبوتها لذي الطلق محلّ إشكال. والأقوى عدم ثبوتها لو كان الوقف على أشخاص بأعيانهم وكانوا متعدّدين.
مسألة 8 - يعتبر في ثبوت الشفعة كون الشفيع قادرا على أداء الثمن؛ فلا شفعة للعاجز عنه وإن أتى بالضامن أو الرهن، إلّا أن يرضى المشتري بالصبر. بل يعتبر فيه إحضار الثمن عند الأخذ بها. ولو اعتذر بأنّه في مكان آخر فذهب ليحضره: فإن كان في البلد ينتظر ثلاثة أيّام، وإن كان في بلد آخر ينتظر بمقدار يمكن بحسب العادة نقل المال من ذلك بزيادة ثلاثة أيّام إذا لم يكن ذلك البلد بعيدا جدّا يتضرّر المشتري بتأجيله، فإن لم يحضر الثمن في تلك المدّة فلا شفعة له.
مسألة 9 - يشترط في الشفيع الإسلام إن كان المشتري مسلما؛ فلا شفعة للكافر على المسلم وإن اشتراه من كافر. وتثبت للكافر على مثله، وللمسلم على الكافر.
مسألة 10 - تثبت الشفعة للغائب، فله الأخذ بها بعد اطّلاعه على البيع ولو بعد زمان طويل. ولو كان له وكيل مطلق أو في الأخذ بها واطّلع هو على البيع دون موكّله له أن يأخذ بالشفعة له.
مسألة 11 - تثبت الشفعة للسفيه وإن لم ينفذ أخذه بها إلّا بإذن الوليّ أو إجازته في مورد حجره. وكذا تثبت للصغير والمجنون وإن كان المتولّي للأخذ بها عنهما وليّهما. نعم، لو كان الوليّ الوصيّ ليس له ذلك إلّا مع الغبطة والمصلحة؛ بخلاف الأب والجدّ، فإنّه يكفي فيهما عدم المفسدة، لكن لاينبغي لهما ترك الاحتياط بمراعاة المصلحة. ولو ترك الوليّ الأخذ بها عنهما إلى أن كملا فلهما أن يأخذا بها.
مسألة 12 - إذا كان الوليّ شريكا مع المولّى عليه فباع حصّته من أجنبيّ أو الوكيل المطلق كان شريكا مع موكّله فباع حصّة موكّله من أجنبيّ ففي ثبوت الشفعة لهما إشكال، بل عدمه لايخلو من وجه.
مسألة 13 - الأخذ بالشفعة إمّا بالقول، كأن يقول: «أخذت بالشفعة» أو «تملّكت الحصّة الكذائيّة» ونحو ذلك ممّا يفيد إنشاء تملّكه وانتزاع الحصّة المبيعة لأجل ذلك الحقّ، وإمّا بالفعل بأن يدفع الثمن ويأخذ الحصّة، بأن يرفع المشتري يده عنها ويخلّي بين الشفيع وبينها. ويعتبر دفع الثمن عند الأخذ بها قولا أو فعلا، إلّا إذا رضي المشتري بالتأخير. نعم، لو كان الثمن مؤجّلا فالظاهر أنّه يجوز له أن يأخذ بها ويتملّك الحصّة عاجلا، ويكون الثمن عليه إلى وقته؛ كما أنّه يجوز له الأخذ بها وإعطاء الثمن عاجلا، بل يجوز التأخير في الأخذ والإعطاء إلى وقته، لكنّ الأحوط الأخذ بها عاجلا.
مسألة 14 - ليس للشفيع تبعيض حقّه، بل إمّا أن يأخذ الجميع أو يدع.
مسألة 15 - الّذي يلزم على الشفيع - عند أخذه بالشفعة - دفع مثل الثمن الّذي وقع عليه العقد، سواء كانت قيمة الشقص أقلّ أو أكثر. ولا يلزم عليه دفع ما غرمه المشتري من المُؤَن كاُجرة الدلّال ونحوها، ولا دفع ما زاد المشتري على الثمن وتبرّع به للبائع بعد العقد؛ كما أنّه لو حطّ البائع بعد العقد شيئا من الثمن ليس له تنقيص ذلك المقدار.
مسألة 16 - لو كان الثمن مثليّا - كالذهب والفضّة ونحوهما - يلزم على الشفيع دفع مثله، وأمّا لو كان قيميّا - كالحيوان والجواهر والثياب ونحوها - ففي ثبوت الشفعة ولزوم أداء قيمته حين البيع أو عدم ثبوتها أصلًا وجهان بل قولان، ثانيهما هوالأقوى.
مسألة 17 - لو اطّلع الشفيع على البيع فله المطالبة في الحال، وتبطل شفعته بالمماطلة والتأخير بلا داعٍ عقلائيّ وعذر عقليّ أو شرعيّ أو عاديّ ؛ بخلاف ما إذا كان عدم الأخذ بها لعذر. ومن الأعذار عدم اطّلاعه على البيع وإن أخبر به غير من يوثق به. وكذا جهله باستحقاق الشفعة أو عدم جواز تأخير الأخذ بها بالمماطلة. بل من ذلك لو ترك الأخذ لتوهّمه كثرة الثمن فبان خلافه، أو كونه نقدا يصعب عليه تحصيله كالذهب فبان خلافه، وغير ذلك.
مسألة 18 - الشفعة من الحقوق تسقط بإسقاط الشفيع، بل لو رضي بالبيع من الأجنبيّ من أوّل الأمر أو عرض عليه شراء الحصّة فأبى لم تكن له شفعة من الأصل. وفي سقوطها بإقالة المتبايعين أو ردّ المشتري إلى البائع بعيب أو غيره وجه وجيه.
مسألة 19 - لو تصرّف المشتري في ما اشتراه: فإن كان بالبيع كان للشفيع الأخذ من المشتري الأوّل بما بذله من الثمن فيبطل الشراء الثاني، وله الأخذ من الثاني بما بذله فيصحّ الأوّل؛ وكذا لو زادت البيوع على اثنين فله الأخذ من الأوّل بما بذله فتبطل البيوع اللاحقة، وله الأخذ من الأخير فتصحّ البيوع المتقدّمة، وله الأخذ من الوسط فيصحّ ما تقدّم ويبطل ما تأخّر. وكذا إن كان بغير البيع كالوقف وغير ذلك، فله الأخذ بالشفعة وإبطال ما وقع من المشتري. ويحتمل أن تكون صحّتها مراعاةً بعدم الأخذ بها، وإلّا فهي باطلة من الأصل، وفيه تردّد.
مسألة 20 - لو تلفت الحصّة المشتراة بالمرّة بحيث لم يبق منها شي ء أصلًا سقطت الشفعة. ولو كان ذلك بعد الأخذ بها وكان التلف بفعل المشتري أو بغير فعله مع المماطلة في التسليم بعد الأخذ بها بشروطه ضمنه. وأمّا لو بقي منها شي ء كالدار إذا انهدمت وبقيت عرصتها وأنقاضها أو عابت لم تسقط، فله الأخذ بها وانتزاع ما بقي منها من العرصة والأنقاض - مثلاً - بتمام الثمن من دون ضمان على المشتري. ولو كان ذلك بعد الأخذ بها ضمن قيمة التالف أو أرش العيب إذا كان بفعله، بل أو بغير فعله مع المماطلة كما تقدّم.
مسألة 21 - يشترط في الأخذ بالشفعة علم الشفيع بالثمن حين الأخذ على الأحوط لو لم يكن الأقوى؛ فلو قال: «أخذت بالشفعة بالثمن بالغا ما بلغ» لم يصحّ وإن علم بعد ذلك.
مسألة 22 - الشفعة موروثة على إشكال. وكيفيّة إرثها أنّه عند أخذ الورثة بها يقسّم المشفوع بينهم على ما فرض اللّه في المواريث، فلو خلّف زوجةً وابنا فالثمن لها والباقي له، ولو خلّف ابنا وبنتا فللذكر مثل حظّ الاُنثيين. وليس لبعض الورثة الأخذ بها ما لم يوافقه الباقون. ولو عفا بعضهم وأسقط حقّه ففي ثبوتها لمن لم يعف إشكال.
مسألة 23 - لوباع الشفيع نصيبه قبل الأخذ بالشفعة فالظاهر سقوطها، خصوصا إذا كان بعد علمه بها.
مسألة 24 - يصحّ أن يصالح الشفيع المشتري عن شفعته بعوض وبدونه، ويكون أثره سقوطها، فلا يحتاج إلى إنشاء مسقط. ولو صالحه على إسقاطه أو على ترك الأخذ بها صحّ أيضا ولزم الوفاء به. ولو لم يوجد المسقط وأخذ بها فهل يترتّب عليه أثره وإن أثم في عدم الوفاء بما التزم أو لا أثر له؟ وجهان، أوجههما أوّلهما في الأوّل، بل في الثاني أيضا إن كان المراد ترك الأخذ بها مع بقائها، لاجعله كنايةً عن سقوطها.
مسألة 25 - لو كانت دار - مثلا - بين حاضر وغائب وكانت حصّة الغائب بيد شخص باعها بدعوى الوكالة عنه لا إشكال في جواز الشراء منه وتصرّف المشتري في ما اشتراه أنواع التصرّفات ما لم يعلم كذبه. وإنّما الاشكال في أنّه هل يجوز للشريك الأخذ بالشفعة وانتزاعها من المشتري أم لا؟ الأشبه الثاني. - كتاب الصلح
كتاب الصلح
وهو التراضي والتسالم على أمر: من تمليك عين أومنفعة،أوإسقاطدين أوحقّ، وغير ذلك. ولا يشترط بكونه مسبوقا بالنزاع. ويجوز إيقاعه على كلّ أمر إلّا ما استثني - كما يأتي بعضها - وفي كلّ مقام إلّا إذا كان محرّما لحلال أو محلّلا لحرام.
مسألة 1 - الصلح عقد مستقلّ بنفسه وعنوان برأسه، فلم يلحقه أحكام سائر العقود ولم تجر فيه شروطها وإن أفاد فائدتها. فما أفاد فائدة البيع لا تلحقه أحكامه وشروطه، فلا يجري فيه الخيارات المختصّة بالبيع - كخياري المجلس والحيوان - ولا الشفعة. ولا يشترط فيه قبض العوضين إذا تعلّق بمعاوضة النقدين. وما أفاد فائدة الهبة لايعتبر فيه قبض العين كما اعتبر فيها، وهكذا.
مسألة ۲ - الصلح عقد يحتاج إلى الإيجاب والقبول مطلقا، حتّى في ما أفاد فائدة الإبراء والإسقاط على الأقوى؛ فإبراء الدين وإسقاط الحقّ وإن لم يتوقّفا على القبول لكن إذا وقعا بعنوان الصلح توقّفا عليه.
مسألة ۳ - لايعتبر في الصلح صيغة خاصّة، بل يقع بكلّ لفظ أفاد التسالم على أمر: من نقل أو قرار بين المتصالحين، ك' «صالحتك عن الدار أو منفعتها بكذا» أو ما يفيد ذلك.
مسألة 4 - عقد الصلح لازم من الطرفين، لايفسخ إلّا بالإقالة أو الخيار حتّى في ما أفاد فائدة الهبة الجائزة. والظاهر جريان جميع الخيارات فيه إلّا خيار المجلس والحيوان والتأخير، فانّها مختصّة بالبيع. وفي ثبوت الأرش لو ظهر عيب في العين المصالح عنها أو عوضها إشكال، بل لايخلو عدم الثبوت من قوّة؛ كما أنّ الأقوى عدم ثبوت الردّ من أحداث السنة.
مسألة 5 - متعلّق الصلح إمّا عين أو منفعة أو دين أو حقّ، وعلى التقادير إمّا أن يكون مع العوض أو بدونه، وعلى الأوّل إمّا أن يكون العوض عينا أو منفعةً أو دينا أو حقّا، فهذه الصور كلّها صحيحة.
مسألة 6 - لو تعلّق الصلح بعين أو منفعة أفاد انتقالهما إلى المتصالح، سواء كان مع العوض أو لا. وكذا إذا تعلّق بدين على غير المصالح له أو حقّ قابل للانتقال كحقّي التحجير والاختصاص. ولو تعلّق بدين على المتصالح أفاد سقوطه. وكذا لو تعلّق بحقّ قابل للإسقاط غيرقابل للنقل كحقّي الشفعة والخيار.
مسألة 7 - يصحّ الصلح على مجرّد الانتفاع بعين أو فضاء، كأن يصالحه على أن يسكن داره، أو يلبس ثوبه مدّة، أو على أن يكون جذوع سقفه على حائطه، أو يجري ماؤه على سطح داره، أو يكون ميزابه على عرصة داره، إلى غير ذلك، أو على أن يخرج جناحا في فضاء ملكه، أو على أن يكون أغصان أشجاره في فضاء أرضه، وغير ذلك، فهذه كلّها صحيحة بعوض وبغيره.
مسألة 8 - إنّما يصحّ الصلح عن الحقوق القابلة للنقل والإسقاط؛ وما لا يقبل النقل والإسقاط لايصحّ الصلح عنه، كحقّ مطالبة الدين، وحقّ الرجوع في الطلاق الرجعيّ، وحقّ الرجوع في البذل في باب الخلع، وغير ذلك.
مسألة 9 - يشترط في المتصالحين ما يشترط في المتبايعين: من البلوغ والعقل والقصد والاختيار.
مسألة 10 - الظاهر أنّه تجري الفضوليّة في الصلح حتّى في ما إذا تعلّق بإسقاط دين أو حقّ وأفاد فائدة الإبراء والإسقاط اللذين لاتجري فيهما الفضوليّة.
مسألة 11 - يجوز الصلح على الثمار والخضر وغيرهما قبل وجودها ولو في عام واحد وبلا ضميمة وإن لم يجز بيعها.
مسألة 12 - لا إشكال في أنّه يغتفر الجهالة في الصلح في ما إذا تعذّر للمتصالحين معرفة المصالح عليه مطلقا، كما إذا اختلط مال أحدهما بالآخر ولم يعلما مقدار كلّ منهما فاصطلحا على أن يشتركا فيه بالتساوي أو التخالف؛ وكذا إذا تعذّر عليهما معرفته في الحال - لتعذّر الميزان والمكيال - على الأظهر، بل لايبعد اغتفارها حتّى مع إمكان معرفتهما بمقداره في الحال.
مسألة 13 - لو كان لغيره عليه دين أو كان منه عنده عين هو يعلم مقدارهما والغير لايعلمه فأوقعا الصلح بأقلّ من حقّ المستحقّ لم يحلّ له الزائد إلّا أن يعلمه ويرضى به. وكذا الحال لو لم يعلم مقدارهما لكن علم إجمالا زيادة المصالح عليه على مال الصلح. نعم، لو رضي بالصلح عن حقّه الواقعيّ على كلّ حال بحيث لو تبيّن له الحال لصالح عنه بذلك المقدار بطيب نفسه حلّ له الزائد.
مسألة 14 - لو صولح عن الربويّ بجنسه بالتفاضل فالأقوى جريان حكم الربا فيه فيبطل. نعم، لا بأس به مع الجهل بالمقدار وإن احتمل التفاضل، كما إذا كان لكلّ منهما طعام عند صاحبه وجهلا بمقداره فأوقعا الصلح على أن يكون لكلّ منهما ما عنده مع احتمال التفاضل.
مسألة 15 - يصحّ الصلح عن دين بدين حالّين أو مؤجّلين أو بالاختلاف، متجانسين أو مختلفين، سواء كان الدينان على شخصين أو على شخص واحد، كما إذا كان له على ذمّة زيد وزنة حنطة ولعمرو عليه وزنة شعير فصالح مع عمرو على ماله في ذمّة زيد بما لعمرو في ذمّته، فيصحّ في الجميع إلّا في المتجانسين ممّا يكال أو يوزن مع التفاضل. نعم، لو صالح عن الدين ببعضه - كما إذا كان له عليه دراهم إلى أجل فصالح عنها بنصفها حالّاً - فلا بأس به إذا كان المقصود إسقاط الزيادة والإبراء عنها والاكتفاء بالناقص - كما هو المقصود المتعارف في نحو هذه المصالحة - لا المعاوضة بين الزائد والناقص.
مسألة 16 - يجوز أن يصالح الشريكان على أن يكون لأحدهما رأس المال والربح للآخر والخسران عليه.
مسألة 17 - يجوز للمتداعيين في دين أو عين أو منفعة أن يتصالحا بشي ء من المدّعى به أو بشي ء آخر حتّى مع إنكار المدّعى عليه، ويسقط به حقّ الدعوى، وكذا حقّ اليمين الّذي كان للمدّعي على المنكر، وليس للمدّعي بعد ذلك تجديد الدعوى؛ لكن هذا فصل ظاهريّ ينقطع به الدعوى ظاهرا، ولا ينقلب الواقع عمّا هو عليه. فلو ادّعى دينا على غيره فأنكره فتصالحا على النصف فهذا الصلح موجب لسقوط دعواه، لكن إذا كان محقّا بقيت ذمّة المدّعى عليه مشغولةً بالنصف وإن كان معتقدا لعدم محقّيّته، إلّا إذا فرض أنّ المدّعي صالح عن جميع ماله واقعا؛ وإن كان مبطلا واقعا يحرم عليه ما أخذه من المنكر إلّا مع فرض طيب نفسه واقعا، لا أنّ رضاه لأجل التخلّص عن دعواه الكاذبة.
مسألة 18 - لو قال المدّعى عليه للمدّعي: «صالحني» لم يكن هذا إقرارا بالحقّ، لما مرّ من أن الصلح يصحّ مع الإنكار. وأمّا لو قال: «بعني أو ملّكني» فهو إقرار بعدم كونه ملكا له، وأمّا كونه إقرارا بملكيّة المدّعي فلا يخلو من إشكال.
مسألة 19 - لو كان لشخص ثوب قيمته عشرون ولآخر ثوب قيمته ثلاثون واشتبها فإن خيّر أحدهما صاحبه فقد أنصفه وأحلله ما اختاره ولصاحبه الآخر، وإن تضايقا فإن كان المقصود لكلّ منهما الماليّة - كما إذا اشترياهما للمعاملة - بيعا وقسّم الثمن بينهما بنسبة مالهما، وإن كان المقصود عينهما لاالماليّة فلابدّ من القرعة.
مسألة 20 - لو كان لأحد مقدار من الدراهم ولآخر مقدار منها عند ودعيّ أو غيره فتلف مقدار لا يُدرى أنّه من أيّ منهما: فإن تساوى مقدار الدراهم منهمإ؛ي ظظ -بأن كان لكلّ منهما درهمان مثلا - فلايبعد أن يقال: يحسب التالف عليهما ويقسّم الباقي بينهما نصفين؛ وإن تفاوتا فإمّا أن يكون التالف بمقدار ما لأحدهما وأقلّ ممّا للآخر أو يكون أقلّ من كلّ منهما.
فعلى الأوّل لايبعد أن يقال: يُعطى للآخر ما زاد من ماله على التالف ويقسّم الباقي بينهما نصفين، كما إذا كان لأحدهما درهمان وللآخر درهم وكان التالف درهما يُعطى صاحب الدرهمين درهما ويقسّم الدرهم الباقي بينهما نصفين، أو كان لأحدهما خمسة وللآخر درهمان وكان التالف درهمين يُعطى لصاحب الخمسة ثلاثة ويقسّم الباقي - وهو الدرهمان - نصفين.
وعلى الثاني لايبعد أن يقال: إنّه يُعطى لكلّ منهما مازاد من ماله على التالف ويقسّم الباقي بينهما نصفين، فإذا كان لأحدهما خمسة وللآخر أربعة وكان التالف ثلاثة يُعطى لصاحب الخمسة اثنان ولصاحب الأربعة واحد، ويقسّم الباقي بينهما نصفين؛ لكن لاينبغي ترك الاحتياط بالتصالح في شقوق المسألة، خصوصا في غير ما استودع رجلا غيره دينارين واستودعه الآخر دينارا فضاع دينار منهما.
هذا كلّه في مثل الدرهم والدينار.
ولا يبعد جريان حكمهما في مطلق المثليّين الممتازين، كمنّين ومنّ لو تلف منّ واشتبه الأمر، ولا ينبغي ترك الاحتياط هنا أيضا. نعم، إذا كان المثليّان ممّا يقبل الاختلاط والامتزاج - كالزيت والحنطة - فامتزجا فتلف البعض يكون التلف بنسبةالمالين،ففي المنّين والمنّ إذا امتزجا وتلف منّ تكون البقيّة بينهما تثليثا. ولو كان المالان قيميّين كالثياب والحيوان فلابدّ من المصالحة أو تعيين التالف بالقرعة.
مسألة 21 - يجوز إحداث الروشن - المسمّى في العرف الحاضر بالشناشيل - على الطرق النافذة والشوارع العامّة إذا كانت عاليةً بحيث لم تضرّ بالمارّة، وليس لأحد منعه حتّى صاحب الدار المقابل وإن استوعب عرض الطريق بحيث كان مانعا عن إحداث روشنٍ في مقابله مالم يضع منه شيئا على جداره. نعم، إذإ؛ي ظظ استلزم الإشراف على دار الجار ففي جوازه تردّد وإشكال وإن جوّزنا مثل ذلك في تعلية البناء على ملكه، فلا يترك الاحتياط.
مسألة 22 - لو بنى روشنا على الجادّة ثمّ انهدم أو هدمه: فإن لم يكن من قصده تجديد بنائه لامانع من أن يبني الطرف المقابل ما يشغل ذلك الفضاء ولم يحتج إلى الاستيذان من الباني الأوّل، وإلّا ففيه إشكال، بل عدم الجواز لايخلو من قوّة إذا هدمه ليبنيه جديدا.
مسألة 23 - لو أحدث شخص روشنا على الجادّة فهل للطرف المقابل إحداث روشنٍ آخر فوقه أو تحته بدون إذنه؟ فيه إشكال خصوصا في الأوّل، بل عدم الجواز فيه لا يخلو من قوّة. نعم، لو كان الثاني أعلى بكثير بحيث لم يشغل الفضاء الّذي يحتاج إليه صاحب الأوّل بحسب العادة-من جهةالتشميس ونحوه-لابأس به.
مسألة 24 - كما يجوز إحداث الرواشن على الجادّة يجوز فتح الأبواب المستجدّة فيها، سواء كان له باب آخر أم لا، وكذا فتح الشبّاك والروازن عليها ونصب الميزاب فيها، وكذا بناء ساباط عليها إن لم يكن معتمدا على حائط غيره مع عدم إذنه ولم يكن مضرّا بالمارّة ولو من جهة الظلمة. ولو فرض أنّه كما يضرّهم من جهة ينفعهم من جهة أو جهات اُخر - كالوقاية عن الحرّ والبرد والتحفّظ عن الطين وغير ذلك - فالظاهر وجوب الرجوع إلى حاكم الشرع فيتّبع نظره. وفي جواز إحداث البالوعة للأمطار فيها حتّى مع التحفّظ عن كونها مضرّة بالمارّة وكذا نقب السرداب تحت الجادّة حتّى مع إحكام أساسه وبنيانه وسقفه - بحيث يؤمن من الثقب والخسف والانهدام - إشكال وإن كان جوازه لايخلو من قرب.
مسألة 25 - لايجوز لأحد إحداث شي ء - من روشن أو جناح أو بناء ساباط أو نصب ميزاب أو فتح باب أو نقب سرداب وغير ذلك - على الطرق غير النافذة إلّا باذن أربابها، سواء كان مضرّا أم لا. وكذا لايجوز لأحد من الأرباب إلّا بإذن شركائه فيها. ولو صالح غيرهم معهم أو بعضهم مع الباقين على إحداث شي ء من ذلك صحّ ولزم، سواء كان مع العوض أم لا. ويأتي إن شاء اللّه في كتاب إحياء الموات بعض ما يتعلّق بالطريق.
مسألة 26 - لايجوز لأحد أن يبني بناءً على حائط جاره أو يضع جذوع سقفه عليه إلّا باذنه ورضاه. وإن التمس ذلك منه لم يجب عليه إجابته وإن استُحبّ له مؤكّدا. ولو بنى أو وضع الجذوع بإذنه ورضاه فإن كان ذلك بعنوان ملزم -كالشرط والصلح ونحوهما- لم يجز له الرجوع. وأمّا لو كان مجرّد الإذن والرخصة فجاز الرجوع قبل البناء والوضع والبناء على الجذع قطعا؛ وأمّا بعدذلك فلايترك الاحتياط بالتصالح والتراضي ولو بالإبقاء مع الاُجرة أو الهدم مع الأرش وإن كان الأقرب جواز الرجوع بلا أرش.
مسألة 27 - لايجوز للشريك في الحائط التصرّف فيه ببناء أو تسقيف أو إدخال خشبة أو وتد أو غير ذلك إلّا بإذن شريكه أو إحراز رضاه ولو بشاهد الحال، كما هو كذلك في التصرّفات اليسيرة كالاستناد إليه ووضع يده أو طرح ثوب عليه أو غير ذلك، بل الظاهر أنّ مثل هذه الاُمور اليسيرة لايحتاج إلى إحراز الإذن والرضا كما جرت به السيرة. نعم، إذا صرّح بالمنع وأظهر الكراهة لم يجز.
مسألة 28 - لو انهدم الجدار المشترك وأراد أحد الشريكين تعميره لم يجبر شريكه على المشاركة في عمارته. وهل له التعمير من ماله مجّانا بدون إذن شريكه؟ لا إشكال في أنّ له ذلك إذا كان الأساس مختصّا به وبناه بآلات مختصّة به؛ كما لا إشكال في عدم الجواز إن كان الأساس مختصّا بشريكه. وأمّا إذا كان مشتركا فإن كان قابلاً للقسمة ليس له التعمير بدون إذنه؛ نعم، له المطالبة بالقسمة فيبني على حصّته المفروزة. وإن لم يكن قابلاً لها ولم يوافقه الشريك في شي ء يرفع أمره إلى الحاكم ليخيّره بين عدّة اُمور: من بيع أو إجارة أو المشاركة معه في العمارة أو الرخصة في تعميره وبنائه من ماله مجّانا؛ وكذا الحال لو كانت الشركة في بئر أو نهر أو قناة أو ناعور ونحو ذلك، ففي جميع ذلك يرفع الأمر إلى الحاكم في ما لايمكن القسمة. ولو أنفق في تعميرها من ماله فنبع الماء أو زاد ليس له أن يمنع شريكه الغير المنفق من نصيبه من الماء.
مسألة 29 - لو كانت جذوع دار أحد موضوعةً على حائط جاره ولم يعلم على أيّ وجه وضعت حكم في الظاهر بكونه عن حقّ حتّى يثبت خلافه، فليس للجار أن يطالبه برفعها عنه، بل ولا منعه من التجديد لو انهدم السقف. وكذا الحال لو وجد بناءٌ أو مجرى ماء أو نصب ميزاب في ملك غيره ولم يعلم سببه، فيحكم في أمثال ذلك بكونه عن حقّ، إلّا أن يثبت كونها عن عدوان أو بعنوان العارية الّتي يجوز فيها الرجوع.
مسألة 30 - لو خرجت أغصان شجرة إلى فضاء ملك الجار - من غير استحقاق- له أن يطالب مالكها بعطف الأغصان أو قطعها من حدّ ملكه، وإن امتنع صاحبها يجوز له عطفها أو قطعها، ومع إمكان الأوّل لايجوز الثاني. - كتاب الاجارة
كتاب الإجارة
وهي إمّا متعلّقة بأعيان مملوكة: من حيوان أو دار أو عقار أو متاع أو ثياب ونحوها، فتفيد تمليك منفعتها بالعوض، أو متعلّقة بالنفس كإجارة الحرّ نفسه لعمل، فتفيد غالبا تمليك عمله للغير باُجرة مقرّرة، وقد تفيد تمليك منفعته دون عمله كإجارة المرضعة نفسه للرضاع، لا الإرضاع.
مسألة 1 - عقد الإجارة هو اللفظ المشتمل على الإيجاب - الدالّ بالظهور العرفيّ على إيقاع إضافة خاصّة مستتبعة لتمليك المنفعة أو العمل بعوض - والقبول الدّال على الرضا به وتملّكهما بالعوض. والعبارة الصريحة في الإيجاب:«آجرتك أو أكريتك هذه الدار - مثلاً - بكذا». وتصحّ بمثل «ملّكتك منفعة الدار» مريدا به الإجارة، لكنّه ليس من العبارة الصريحة في إفادتها. ولا يعتبر فيه العربيّة، بل يكفي كلّ لفظ أفاد المعنى المقصود بأيّ لغة كان. ويقوم مقام اللفظ الإشارة المفهمة من الأخرس ونحوه كعقد البيع. والظاهر جريان المعاطاة في القسم الأوّل منها -وهو ما تعلّقت بأعيان مملوكة - وتتحقّق بتسليط الغير على العين ذات المنفعة قاصدا تحقّق معنى الإجارة - أي الإضافة الخاصّة - وتسلّم الغير لها بهذا العنوان. ولايبعد تحقّقها في القسم الثاني أيضا بجعل نفسه تحت اختيار الطرف بهذا العنوان أو بالشروع في العمل كذلك.
مسألة 2 - يشترط في صحّةالإجارة اُمور بعضها في المتعاقدين أعني المؤجر والمستأجر، وبعضها في العين المستأجرة،وبعضها في المنفعة، وبعضها في الاُجرة.
أمّا المتعاقدان فيعتبر فيهما ما اعتبر في المتبايعين: من البلوغ، والعقل، والقصد، والاختيار، وعدم الحجر لفلس أو سفه ونحوهما.
وأمّا العين المستأجرة فيعتبر فيها اُمور:
منها: التعيين؛ فلو آجر إحدى الدارين أو إحدى الدابّتين لم تصحّ.
ومنها: المعلوميّة؛ فإن كانت عينا خارجيّةً فإمّا بالمشاهدة وإمّا بذكر الأوصاف الّتي تختلف بها الرغبات في إجارتها؛ وكذا لو كانت غائبةً أو كانت كلّيّةً.
ومنها: كونها مقدورا على تسليمها؛ فلا تصحّ إجارة الدابّة الشاردة ونحوها.
ومنها: كونها ممّا يمكن الانتفاع بها مع بقاء عينها؛ فلا تصحّ إجارة ما لا يمكن الانتفاع بها، كما إذا آجر أرضا للزراعة مع عدم إمكان إيصال الماء إليها، ولا ينفعها ولا يكفيها ماء المطر ونحوه؛ وكذا ما لايمكن الانتفاع بها إلّا بإذهاب عينها، كالخبز للأكل، والشمع أو الحطب للإشعال.
ومنها: كونها مملوكةً أو مستأجرةً؛ فلا تصح إجارةمال الغيرإلّا باذنه أوإجازته.
ومنها: جواز الانتفاع بها؛ فلا تصحّ إجارة الحائض لكنس المسجد مباشرةً.
وأمّا المنفعة فيعتبر فيها اُمور:
منها: كونها مباحةً؛ فلا تصحّ إجارة الدكّان لإحراز المسكرات أو بيعها، ولا الدابّة والسفينة لحملها، ولا الجارية المغنّية للتغنّي، ونحو ذلك.
ومنها: كونها متموّلةً يبذل بإزائها المال عند العقلاء.
ومنها: تعيين نوعها إن كانت للعين منافع متعدّدة؛ فلو استأجر الدابّة يعيّن أنّها للحمل أو الركوب أو لإدارة الرحى وغيرها. نعم، تصحّ إجارتها لجميع منافعها، فيملك المستأجر جميعها.
ومنها: معلوميّتها إمّا بتقديرها بالزمان المعلوم، كسكنى الدار شهرا أو الخياطة أو التعمير والبناء يوما؛ وإمّا بتقدير العمل، كخياطة الثوب المعيّن خياطةً كذائيّةً فارسيّةً أو روميّةً، من غير تعرّض للزمان إن لم يكن دخيلاً في الرغبات، وإلّا فلابدّ من تعيين منتهاه.
وأمّا الاُجرة فتعتبر معلوميّتها، وتعيين مقدارها بالكيل أو الوزن أو العدّ في المكيل والموزون والمعدود، وبالمشاهدة أو التوصيف في غيرها. ويجوز أن تكون عينا خارجيّةً، أو كلّيّا في الذمّة، أو عملا، أو منفعةً، أو حقّا قابلا للنقل، مثل الثمن في البيع.
مسألة 3 - لو استأجر دابّةً للحمل لابدّ من تعيين جنس ما يحمل عليها، لاختلاف الاغراض باختلافه، وكذا مقداره ولو بالمشاهدة والتخمين. ولو استأجرها للسفر لابدّ من تعيين الطريق وزمان السير من ليل أو نهار ونحو ذلك، بل لابدّ من مشاهدة الراكب أو توصيفه بما يرفع به الجهالة والغرر.
مسألة 4 - ما كانت معلوميّة المنفعة بحسب الزمان لابدّ من تعيينه يوما أو شهرا أو سنةً أو نحو ذلك؛ فلا تصحّ تقديره بأمر مجهول.
مسألة 5 - لو قال: «كلّما سكنت هذه الدار فكلّ شهر بدينار مثلاً» بطل إن كان المقصود الإجارة، وصحّ ظاهرا لو كان المقصود الإباحة بالعوض. والفرق أنّ المستأجر مالك للمنفعة في الإجارة دون المباح له، فإنّه غير مالك لها، ويملك المالك عليه العوض على تقدير الاستيفاء. ولو قال: «إن خطت هذا الثوب فارسيّا فلك درهم، وإن خطته روميّا فلك درهمان» بطل إجارةً وصحّ جعالةً.
مسألة 6 - لو استأجر دابّة من شخص لتحمله أو تحمل متاعه إلى مكان في وقت معيّن كأن استأجر دابّةً لإيصاله إلى كربلاء يوم عرفة ولم توصله: فإن كان ذلك لعدم سعة الوقت أو عدم إمكان الإيصال من جهة اُخرى فالإجارة باطلة، ولو كان الزمان واسعا ولم توصله لم يستحقّ من الاُجرة شيئا، سواء كان بتقصير منه أم لا كما لو ضلّ الطريق. ولو استأجرها على أن توصله إلى مكان معيّن لكن شرط عليه أن توصله في وقت كذا فتعذّر أو تخلّف فالإجارة صحيحة بالاُجرة المعيّنة، لكن للمستأجر خيار الفسخ من جهة تخلّف الشرط، فإن فسخ ترجع الاُجرة المسمّاة إلى المستأجر ويستحقّ المؤجر اُجرة المثل.
مسألة 7 - لو كان وقت زيارة عرفة واستأجر دابّةً للزيارة فلم يصل وفاتت منه صحّت الإجارة، ويستحقّ المؤجر تمام الاُجرة بلا خيار، ما لم يشترط عليه في عقد الإجارة إيصاله يوم عرفة ولم يكن انصراف موجب للتقييد.
مسألة 8 - لا يشترط اتّصال مدّة الإجارة بالعقد؛ فلو آجر داره في شهر مستقبل معيّن صحّ، سواء كانت مستأجرةً في سابقه أم لا. ولو أطلق تنصرف إلى الاتّصال بالعقد لو لم تكن مستأجرةً؛ فلو قال: «آجرتك داري شهرا» اقتضى الإطلاق اتّصاله بزمان العقد. ولو آجرها شهرا وفهم الإطلاق - أعني الكلّيّ الصادق على المتّصل والمنفصل - فالأقوى البطلان.
مسألة 9 - عقد الإجارة لازم من الطرفين، لاينفسخ إلّا بالتقايل أو بالفسخ مع الخيار. والظاهر أنّه يجري فيه جميع الخيارات إلّا خيار المجلس وخيار الحيوان وخيار التأخير، فيجري فيها خيار الشرط وتخلّف الشرط والعيب والغبن والرؤية وغيرها. والإجارة المعاطاتيّة كالبيع المعاطاتيّ لازمة على الأقوى. وينبغي فيها الاحتياط المذكور هناك.
مسألة 10 - لاتبطل الإجارة بالبيع، فتنتقل العين إلى المشتري مسلوبة المنفعة في مدّتها. نعم، للمشتري مع جهله بها خيار الفسخ، بل له الخيار لو علم بها وتخيّل أنّ مدّتها قصيرة فتبيّن أنّها طويلة. ولو فسخ المستأجر الإجارة أو انفسخت رجعت المنفعة في بقيّة المدّة إلى المؤجر لا المشتري. وكما لاتبطل الإجارة ببيع العين المستأجرة على غير المستأجر لاتبطل ببيعها عليه؛ فلو استأجر دارا ثمّ اشتراها بقيت الإجارة على حالها، ويكون ملكه للمنفعة في بقيّة المدّة بسبب الإجارة لاتبعيّة العين؛ فلو انفسخت الإجارة رجعت المنفعة في بقيّة المدّة إلى البائع؛ ولو فسخ البيع بأحد أسبابه بقي ملك المشتري المستأجر للمنفعة على حاله.
مسألة 11 - الظاهرأنّه لاتبطل إجارةالأعيان بموت المؤجرولابموت المستأجر، إلّا إذا كانت ملكيّة المؤجر للمنفعة محدودةً بزمان حياته فتبطل بموته، كما إذا كانت منفعة دار موصىً بها لشخص مدّة حياته فآجرها سنتين ومات بعد سنة. نعم، لو كانت المنفعة في بقيّة المدّة لورثة الموصي أو غيرهم فلهم أن يجيزوها في بقيّة المدّة. ومن ذلك ما إذا آجر العين الموقوفة البطن السابق ومات قبل انقضاء المدّة، فتبطل إلّا أن يجيز البطن اللاحق. نعم، لو آجرها المتولّي للوقف -لمصلحة الوقف والبطون اللاحقة- مدّة تزيد على مدّة بقاء بعض البطون تكون نافذةً على البطون اللاحقة، ولا تبطل بموت المؤجر ولا بموت البطن الموجود حال الإجارة.
هذا كلّه في إجارة الأعيان.
وأمّا إجارة النفس لبعض الأعمال فتبطل بموت الأجير. نعم، لو تقبّل عملا وجعله في ذمّته لم تبطل بموته، بل يكون دينا عليه يستوفى من تركته.
مسألة 12 - لو آجر الوليّ الصبيّ المولّى عليه أو ملكه مدّةً مع مراعاة المصلحة والغبطة فبلغ الرشد قبل انقضائها فله نقض الإجارة وفسخها بالنسبة إلى ما بقي من المدّة، إلّا أن تقتضي المصلحة اللازمة المراعاة في ما قبل الرشد الإجارة مدّةً زائدةً على زمان تحقّقه بحيث تكون بأقلّ منها خلاف مصلحته، فحينئذٍ ليس له فسخها بعد البلوغ والرشد.
مسألة 13 - لو وجد المستأجر بالعين المستأجرة عيبا سابقا كان له فسخ الإجارة إن كان ذلك العيب موجبا لنقص المنفعة كالعرج في الدابّة، أو الاُجرة كما إذا كانت مقطوعة الاُذن والذنب. هذا إذا كان متعلّق الإجارة عينا شخصيّة. ولو كان كلّيّا وكان الفرد المقبوض معيبا فليس له فسخ العقد، بل له مطالبة البدل، إلّا إذا تعذّر فله الفسخ. هذا في العين المستأجرة. وأمّا الاُجرة فإن كانت عينا شخصيّة ووجد المؤجر بها عيبا كان له الفسخ، فهل له مطالبة الأرش؟ فيه إشكال؛ ولو كانت كلّيّةً فله مطالبة البدل، وليس له فسخ العقد إلّا إذا تعذّر البدل.
مسألة 14 - لو ظهر الغبن للمؤجر أو المستأجر فله خيار الغبن إلّا إذا شرط سقوطه.
مسألة 15 - يملك المستأجر المنفعة في إجارة الأعيان، والعمل في إجارة النفس على الأعمال، وكذا المؤجر والأجير الاُجرة بمجرّد العقد، لكن ليس لكلّ منهما مطالبة ماملكه إلّا بتسليم ما ملّكَه، فعلى كلّ منهما وإن وجب التسليم لكن لكلّ منهما الامتناع عنه إذا رأى من الآخر الامتناع عنه.
مسألة 16 - لو تعلّقت الإجارة بالعين فتسليم منفعتها بتسليم العين. وأمّا تسليم العمل في ما إذا تعلّقت بالنفس فبإتمامه إذا كان مثل الصلاة والصوم والحجّ وحفر بئر في دار المستأجر وأمثال ذلك ممّا لم يكن متعلّقا بماله الّذي بيد المؤجر، فقبل إتمام العمل لايستحقّ الأجير مطالبة الاُجرة وبعده لايجوز للمستأجر المماطلة. نعم، لو كان شرط منهما على تأدية الاُجرة كلّاً أو بعضا قبل العمل صريحا أو ضمنيّا - كما إذا كانت عادة تقتضي التزام المستأجر بذلك - كان هو المتّبع. وأمّا إذا كان متعلّقا بمال من المستأجر بيد المؤجر كالثوب يخيطه والخاتم يصوغه وأمثال ذلك ففي كون تسليمه بإتمام العمل كالأوّل أو بتسليم مورد العمل - كالثوب والخاتم - وجهان بل قولان، أقواهما الأوّل؛ فعلى هذا لو تلف الثوب - مثلا - بعد تمام العمل على نحو لاضمان عليه لا شي ء عليه، ويستحقّ مطالبة الاُجرة. نعم، لو تلف مضمونا عليه ضمنه بوصف المخيطيّة - لابقيمته قبلها - على أيّ حال حتّى على الوجه الثاني، لكون الوصف مملوكا له تبعا للعين؛ وبعد الخروج عن عهدة الموصوف مع وصفه تكون له المطالبة بالاُجرة المسمّاة، لتسليم العمل ببدله.
مسألة 17 - لو بذل المستأجر الاُجرة أو كان له حقّ أن يؤخّرها بموجب الشرط وامتنع المؤجر من تسليم العين المستأجرة يجبر عليه؛ وإن لم يمكن إجباره فللمستأجر فسخ الإجارة والرجوع إلى الاُجرة، وله إبقاء الإجارة ومطالبة عوض المنفعة الفائتة من الموجر. وكذا إن أخذها منه بعد التسليم بلا فصل أو في أثناء المدّة، لكن في الثاني لو فسخها تنفسخ بالنسبة إلى ما بقي من المدّة فيرجع إلى ما يقابله من الاُجرة.
مسألة 18 - لو آجر دابّةً من زيد فشردت بطلت الإجارة، سواء كان قبل التسليم أو بعده في أثناء المدّة، إن لم يكن بتقصير من المستأجر في حفظها.
مسألة 19 - لو تسلّم المستأجر العين المستأجرة ولم يستوف المنفعة حتّى انقضت مدّة الإجارة - كما إذا استأجر دارا مدّةً وتسلّمها ولم يسكنها حتّى مضت المدّة - فإن كان ذلك باختيار منه استقرّت عليه الاُجرة. وفي حكمه ما لو بذل المؤجر العين المستأجرة فامتنع المستأجر عن تسلّمها واستيفاء المنفعة منها حتّى انقضت. وهكذا الحال في الإجارة على الأعمال، فإنّه إذا سلّم الأجير نفسه وبذلها للعمل وامتنع المستأجر عن تسلّمه - كما إذا استأجر شخصا يخيط له ثوبا معيّنا في وقت معيّن وامتنع من دفعه إليه حتّى مضى الوقت - فقد استحقّ عليه الاُجرة، سواء اشتغل الأجير - في ذلك الوقت مع امتناعه - بشغل آخر لنفسه أو غيره أو بقي فارغا. وإن كان ذلك لعذر بطلت الإجارة، ولم يستحقّ المؤجر شيئا من الاُجرة إن كان ذلك عذرا عامّا لم تكن العين معه قابلةً لأن تُستوفى منها المنفعة، كما إذا استأجر دابّةً للركوب إلى مكان فنزل ثلج مانع عن الاستطراق أو انسدّ الطريق بسبب آخر، أو دارا للسكنى فصارت غير مسكونة، لصيرورتها معركةً أو مسبعةً ونحو ذلك. ولو عرض مثل هذه العوارض في أثناء المدّة بعد استيفاء المستأجر مقدارا من المنفعة بطلت الإجارة بالنسبة. وإن كان عذرا يختصّ به المستأجر كما إذا مرض ولم يتمكّن من ركوب الدابّة المستأجرة ففي كونه موجبا للبطلان وعدمه وجهان، لا يخلو ثانيهما من رجحان. هذا إذا اشترط المباشرة بحيث لم يمكن له استيفاء المنفعة ولو بالإجارة، وإلّا لم تبطل قطعا.
مسألة 20 - إذا غصب العين المستأجرة غاصب ومنع المستأجر عن استيفاء المنفعة: فإن كان قبل القبض تخيّر بين الفسخ والرجوع بالاُجرةالمسمّاة على المؤجر لو أدّاها وبين الرجوع إلى الغاصب باُجرة المثل، وإن كان بعد القبض تعيّن الثاني.
مسألة 21 - لو تلفت العين المستأجرة قبل قبض المستأجر بطلت الإجارة، وكذا بعده بلا فصل معتدّ به أو قبل مجي زمان الإجارة. ولو تلفت في أثناء المدّة بطلت بالنسبة إلى بقيّتها، ويرجع من الاُجرة بما قابلها، إن نصفا فنصف أو ثلثا فثلث وهكذا. هذا إن تساوت اُجرة العين بحسب الزمان، وأمّا إذا تفاوتت تلاحظ النسبة، مثلا لو كانت اُجرة الدار في الشتاء ضعف اُجرتها في باقي الفصول وبقي من المدّة ثلاثة أشهر الشتاء يرجع بثلثي الاُجرة المسمّاة، ويقع في مقابل ما مضى من المدّة ثلثها. وهكذا الحال في كلّ مورد حصل الفسخ أو الانفساخ في أثناء المدّة بسبب من الأسباب. هذا إذا تلفت العين المستأجرة بتمامها. ولو تلف بعضها تبطل بنسبته من أوّل الأمر أو في الأثناء بنحو ما مرّ.
مسألة22 - لو آجر دارا فانهدمت بطلت الإجارة إن خرجت عن الانتفاع الّذي هو مورد الإجارة بالمرّة، فإن كان قبل القبض أو بعده بلا فصل قبل أن يسكن فيها رجعت الاُجرة بتمامها، وإلّا فبالنسبة كما مرّ. وإن أمكن الانتفاع بها من سنخ مورد الإجارة بوجه يعتدّ به عرفا كان للمستأجر الخيار بين الإبقاء والفسخ، ولو فسخ كان حكم الاُجرة على حذو ما سبق. وإن انهدم بعض بيوتها: فإن بادر المؤجر إلى تعميرها بحيث لم يفت الانتفاع أصلا ليس فسخ ولا انفساخ على الأقوى، وإلّا بطلت الإجارة بالنسبة إلى ما انهدمت وبقيت بالنسبة إلى البقيّة بما يقابلها من الاُجرة، وكان للمستأجر خيار تبعّض الصفقة.
مسألة 23 - كلّ موضع كانت الإجارة فاسدةً تثبت للموجر اُجرة المثل بمقدار ما استوفاه المستأجر من المنفعة أو تلفت تحت يده أو في ضمانه. وكذلك في إجارة النفس للعمل، فإنّ العامل يستحقّ اُجرة مثل عمله. والظاهر عدم الفرق في ذلك بين جهل المؤجر والمستأجر ببطلان الإجارة وعلمهما به. نعم، لو كان البطلان من ناحية الإجارة بلا اُجرة أو بما لايتموّل عرفا لايستحقّ شيئا، من غيرفرق بين العلم ببطلانها وعدمه. ولو اعتقد تموّل ما لا يتموّل عرفا فالظاهر استحقاقه اُجرةالمثل.
مسألة 24 - تجوز إجارة المشاع، سواء كان للمؤجر الجزء المشاع من عين فآجره أو كان مالكا للكلّ وآجر جزءا مشاعا منه كنصفه أو ثلثه، لكن في الصورة الاُولى لايجوز للمؤجر تسليم العين للمستأجر إلّا بإذن شريكه. وكذا يجوز أن يستأجر إثنان - مثلا - دارا على نحو الاشتراك ويسكناها معا بالتراضي أو يقتسماها بحسب المساكن بالتعديل والقرعة، كتقسيم الشريكين الدار المشتركة، أو يقتسما منفعتها بالمهايأة، بأن يسكنها أحدهما ستّة أشهر - مثلا - ثمّ الآخر، كما إذا استأجرا معا دابّةً للركوب على التناوب، فإنّ تقسيم منفعتها الركوبيّة لايكون إلّا بالمهايأة، بأن يركبها أحدهما يوما والآخر يوما مثلا، أو يركبها أحدهما فرسخا والآخر فرسخا.
مسألة 25 - لو استأجر عينا ولم يشترط عليه استيفاء منفعتها بالمباشرة يجوز أن يؤجرها بأقلّ ممّا استأجر وبالمساوي وبالأكثر. هذا في غير البيت والدار والدكان والأجير. وأمّا فيها فلا تجوز إجارتها بأكثر منه إلّا اذا أحدث فيها حدثا من تعمير أو تبييض أو نحو ذلك؛ ولا يبعد جوازها أيضا إن كانت الاُجرة من غير جنس الاُجرة السابقة. والأحوط إلحاق الخان والرحى والسفينة بها وإن كان عدمه لا يخلو من قوّة. ولو استأجر دارا - مثلا - بعشرة دراهم فسكن في نصفها وآجر الباقي بعشرة دراهم من دون إحداث حدث جاز، وليس من الإجارة بأكثر ممّا استأجر. وكذا لو سكنها في نصف المدّة وآجرها في باقيها بعشرة. نعم، لو آجرها في باقي المدّة أو آجر نصفها بأكثر من عشرة لايجوز.
مسألة 26 - لو تقبّل عملا من غير اشتراط المباشرة ولا مع الانصراف إليها يجوز أن يستأجر غيره لذلك العمل بتلك الاُجرة وبالأكثر. وأمّا بالأقلّ فلا يجوز إلّا إذا أحدث حدثا أو أتى ببعض العمل ولو قليلا، كما إذا تقبّل خياطة ثوب بدرهم ففصّله أو خاط منه شيئا ولو قليلا فلا بأس باستيجار غيره على خياطته بالأقلّ ولو بعشر درهم أو ثمنه، لكن في جواز دفع متعلّق العمل وكذا العين المستأجرة إليه بدون الإذن إشكال وإن لا يخلو من وجه.
مسألة 27 - الأجير إذا آجر نفسه على وجه يكون جميع منافعه للمستأجر في مدّة معيّنة لايجوز له في تلك المدّة العمل لنفسه أو لغيره، لا تبرّعا ولا بالجعالة أو الإجارة. نعم، لابأس ببعض الأعمال الّتي انصرفت عنها الإجارة ولم تشملها ولم تكن منافيةً لما شملته. كما أنّه لو كان مورد الإجارة أو منصرفها الاشتغال بالنهار فلا مانع من الاشتغال ببعض الأعمال في الليل له أو لغيره، إلّا إذا أدّى إلى ما ينافي الاشتغال بالنهار ولو قليلا. فإذا عمل في تلك المدّة عملا ممّا ليس خارجا عن مورد الإجارة: فإن كان العمل لنفسه تخيّر المستأجر بين فسخ الإجارة واسترجاع تمام الاُجرة إذا لم يعمل له شيئا أو بعضها إذا عمل شيئا وبين أن يُبقيها ويطالبه اُجرة مثل العمل الّذي عمله لنفسه؛ وكذا لو عمل للغير تبرّعا؛ ولو عمل للغير بعنوان الجعالة أو الإجارة فله - مضافا إلى ذلك - إمضاء الجعالة أو الإجارة وأخذ الاُجرة المسمّاة.
مسألة 28 - لو آجر نفسه لعمل مخصوص بالمباشرة في وقت معيّن لا مانع من أن يعمل لنفسه أو غيره في ذلك الوقت ما لا ينافيه، كما إذا آجر نفسه يوما للخياطة أو الكتابة ثمّ آجر نفسه في ذلك اليوم للصوم عن الغير إذا لم يؤدّ إلى ضعفه في العمل. وليس له أن يعمل في ذلك الوقت من نوع ذلك العمل ومن غيره ممّا ينافيه لنفسه ولا لغيره؛ فلو فعل: فإن كان من نوع ذلك العمل كما إذا آجر نفسه للخياطة في يوم فاشتغل فيه بالخياطة لنفسه أولغيره تبرّعا أو بالإجارة كان حكمه حكم الصورة السابقة: من تخيير المستأجر بين أمرين لو عمل لنفسه أو لغيره تبرّعا وبين اُمور ثلاثة لو عمل بالجعالة أو الإجارة، وإن كان من غير نوع ذلك العمل كما إذا آجر نفسه للخياطة فاشتغل بالكتابة فللمستأجر التخيير بين أمرين مطلقا: من فسخ الإجارة واسترجاع الاُجرة ومن مطالبة عوض المنفعة الفائتة.
مسألة 29 - لو آجر نفسه لعمل من غير اعتبار المباشرة ولو في وقت معيّن أو من غير تعيين الوقت ولو مع اعتبار المباشرة جاز له أن يؤجر نفسه للغير على نوع ذلك العمل أو ما يضادّه قبل الإتيان بالعمل المستأجر عليه.
مسألة 30 - لو أستاجر دابّةً للحمل إلى بلد في وقت معيّن فركبها في ذلك الوقت إليه عمدا أو اشتباها لزمته الاُجرة المسمّاة، حيث إنّه قد استقرّت عليه بتسليم الدابّة وإن لم يستوف المنفعة. وهل تلزمه اُجرة مثل المنفعة الّتي استوفاها أيضا فتكون عليه اُجرتان أو لم يلزمه إلّا التفاوت بين اُجرة المنفعة الّتي استوفاها واُجرة المنفعة المستأجر عليها لو كان - فإذا استأجرها للحمل بخمسة فركبها وكان اُجرة الركوب عشرة لزمته العشرة - ولو لم يكن تفاوت بينهما لم تلزم عليه إلّا الاُجرة المسمّاة؟ وجهان، لا يخلو ثانيهما من رجحان، والأحوط التصالح.
مسألة 31 - لو آجر نفسه لعمل فعمل للمستأجر غير ذلك العمل بغير أمر منه -كما إذا استؤجر للخياطة فكتب له- لم يستحقّ شيئا، سواء كان متعمّدا أم لا. وكذا لو آجر دابّته لحمل متاع زيد إلى مكان فحمل متاع عمرو لم يستحقّ الاُجرة على واحد منهما.
مسألة 32 - يجوزاستيجارالمرأةللإرضاع،بل للرضاع أيضا، بأن يرتضع الطفل منها مدّةً معيّنةً وإن لم يكن منها فعلٌ. ولا يعتبر في صحّة إجارتها لذلك إذن الزوج ورضاه، بل ليس له المنع عنها إن لم يكن مانعا عن حقّ استمتاعه منها؛ ومع كونه مانعا يعتبر إذنه أو إجازته في صحّتها. وكذا يجوز استيجار الشاة الحلوب للانتفاع بلبنها، والبئر للاستقاء منها، بل لاتبعد صحّة إجارة الأشجار للانتفاع بثمرها.
مسألة 33 - لو استؤجر لعمل - من بناء وخياطة ثوب معيّن أو غير ذلك - لابقيد المباشرة فعمله شخص آخر تبرّعا عنه كان ذلك بمنزلة عمله فاستحقّ الاُجرة المسمّاة، وإن عمله تبرّعا عن المالك لم يستحقّ المستأجر شيئا، بل تبطل الإجارة لفوات محلّها، ولا يستحقّ العامل على المالك اُجرةً.
مسألة 34 - لايجوز للإنسان أن يؤجر نفسه للإتيان بما وجب عليه عينا كالصلوات اليوميّة، ولا ما وجب عليه كفائيّا على الأحوط إذا كان وجوبه كذلك بعنوانه الخاصّ، كتغسيل الأموات وتكفينهم ودفنهم. وأمّا ما وجب من جهة حفظ النظام وحاجة الأنام - كالصناعات المحتاج إليها والطبابة ونحوها - فلابأس بالإجارة وأخذ الاُجرة عليها؛ كما أنّ إجارة النفس للنيابة عن الغير حيّا وميّتا في ما وجب عليه وشرّعت فيه النيابة لابأس به.
مسألة 35 - يجوز الإجارة لحفظ المتاع عن الضياع وحراسة الدور والبساتين عن السرقة مدّة معيّنة. ويجوز اشتراط الضمان عليه لو حصل الضياع أو السرقة ولو من غير تقصير منه، بأن يلتزم في ضمن عقد الإجارة بأنّه لو ضاع المتاع أو سرق من البستان أو الدار شي ء خسره؛ فتضمين الناطور - إذا ضاع - أمر مشروع لو التزم به على نحو مشروع.
مسألة 36 - لو طلب من شخص أن يعمل له عملا فعمل استحقّ عليه اُجرة مثل عمله إن كان ممّا له اُجرة ولم يقصد العامل التبرّع بعمله، وإن قصد التبرّع لم يستحق اُجرةً وإن كان من قصد الآمر إعطاء الاُجرة.
مسألة 37 - لو استأجر أحدا في مدّة معيّنة لحيازة المباحات - كما إذا استأجره شهرا للاحتطاب أو الاحتشاش أو الاستقاء - وقصد باستيجاره له ملكيّة ما يحوزه فكلّ ما يحوز الأجير في تلك المدّة يصير ملكا للمستأجر إذا قصد الأجير العمل له والوفاء بعقد الإجارة. وأمّا لو قصد ملكيّتها لنفسه تصير ملكا له ولم يستحقّ الاُجرة. ولو لم يقصد شيئا فالظاهر بقاؤها على إباحتها على إشكال. ولو استاجره للحيازة لا بقصد التملّك - كما إذا كان له غرض عقلائيّ لجمع الحطب والحشيش فاستأجره لذلك - لم يملك ما يحوزه ويجمعه الأجير مع قصد الوفاء بالإجارة، فلا مانع من تملّك الغير له.
مسألة 38 - لاتجوز إجارة الأرض لزرع الحنطة والشعير بل ولا لما يحصل منها مطلقا بمقدار معيّن من حاصلها، بل وكذا بمقدار منها في الذمّة مع اشتراط أدائه ممّا يحصل منها. وأمّا إجارتها بالحنطة أو الشعير أو غيرهما من غير تقييد ولا اشتراط بكونها منها فالأقرب جوازها.
مسألة 39- العين المستأجرة أمانة في يدالمستأجر في مدّةالإجارة، فلايضمن تلفها ولا تعيّبها إلّا بالتعدّي والتفريط. وكذا العين الّتي للمستأجر بيد من آجر نفسه لعمل فيها كالثوب للخياطة والذهب للصياغة، فإنّه لا يضمن تلفها ونقصها بدون التعدّي والتفريط. نعم، لو أفسدها بالصبغ أو القصارة أو الخياطة حتّى بتفصيل الثوب ونحو ذلك ضمن وإن كان بغير قصده، بل وإن كان اُستاذا ماهرا وقد أعمل كمال النظر والدقّة والاحتياط في شغله. وكذا كلّ من آجر نفسه لعمل في مال المستأجر إذا أفسده ضمنه. ومن ذلك ما لو استؤجر القصّاب لذبح الحيوان فذبحه على غير الوجه الشرعيّ بحيث صار حراما، فإنّه ضامن لقيمته، بل الظاهر كذلك لوذبحه تبرّعا.
مسألة 40 - الختّان ضامن لو تجاوز الحدّ وإن كان حاذقا. وفي ضمانه إذا لم يتجاوزه - كما إذا أضرّ الختان بالولد فمات - إشكال أظهره العدم.
مسألة 41 - الطبيب ضامن إذاباشربنفسه العلاج،بل لايبعد الضمان في التطبيب على النحو المتعارف وإن لم يباشر. نعم، إذا وصف الدواء الفلانيّ وقال: «إنّه نافع للمرض الفلانيّ» أو قال: «إنّ دواءك كذا» من دون أن يأمره بشربه فالأقوى عدم الضمان.
مسألة 42 - لو عثر الحمّال فانكسر ما كان على ظهره أو رأسه - مثلا - ضمن؛ بخلاف الدابّة المستأجرة للحمل إذا عثرت فتلف أو تعيّب ما حملته، فإنّه لا ضمان على صاحبها إلّا إذا كان هو السبب، من جهة ضربها أو سوقها في مزلق ونحو ذلك.
مسألة 43 - لو استأجر دابّةً للحمل لم يجز أن يحمّلها أزيد ممّا اشترط أو المقدار المتعارف لو أطلق، فلو حمّلها أزيد منه ضمن تلفها وعوارها. وكذلك إذا سار بها أزيد ممّا اشترط.
مسألة 44 - لو استؤجر لحفظ متاع فسرق لم يضمن إلّا مع التقصير أو اشتراط الضمان.
مسألة 45 - صاحب الحمّام لا يضمن الثياب وغيرها إن سرقت، إلّا إذا اُودعت عنده وفرّط أو تعدّى.
مسألة 46 - لو استأجر أرضا للزراعة فحصلت آفة أفسدت الحاصل لم تبطل الإجارة، ولا يوجب ذلك نقصا في الاُجرة. نعم، لو شرط على المؤجر إبراءه من الاُجرة بمقدار ما نقص أو نصفا أو ثلثا منه - مثلاً - صحّ ولزم الوفاء به.
مسألة 47 - تجوز إجارةُ الأرض للانتفاع بها بالزرع وغيره مدّةً معلومةً وجعلُ الاُجرة تعميرها: من كري الأنهار وتنقية الآبار وغرس الأشجار وتسوية الأرض وإزالة الأحجار ونحو ذلك، بشرط أن يعيّن تلك الأعمال على نحو يرتفع الغرر والجهالة، أو كان تعارفٌ مغنٍ عن التعيين. - كتاب الجعالة
كتاب الجعالة
وهي الالتزام بعوض معلوم على عمل محلّل مقصود، أو هي إنشاء الالتزام به، أو جعل عوض معلوم على عمل كذلك، والأمر سهل. ويقال للملتزم: الجاعل، ولمن يعمل ذلك العمل: العامل، وللعوض: الجعل والجَعيلة. وتفتقر إلى الإيجاب، وهو كلّ لفظ أفاد ذلك الالتزام. وهو إمّا عامّ كما إذا قال: «من ردّ دابّتي أو خاط ثوبي أو بنى حائطي - مثلا - فله كذا»، وإمّا خاصّ كما اذا قال لشخص: «إن رددت دابّتي - مثلا - فلك كذا». ولا تفتقر إلى قبول حتّى في الخاصّ.
مسألة 1 - بين الإجارة على العمل والجعالة فروق، منها: أنّ المستأجر في الإجارة يملك العمل على الأجير وهو يملك الاُجرة على المستأجر بنفس العقد، بخلاف الجعالة، إذ ليس أثرها إلاّ استحقاق العامل الجعل المقرّر على الجاعل بعد العمل. ومنها: أنّ الإجارة من العقود وهي من الإيقاعات على الأقوى.
مسألة ۲ - إنّما تصحّ الجعالة على كلّ عمل محلّل مقصود في نظر العقلاء كالإجارة، فلا تصحّ على المحرّم، ولا على ما يكون لغوا عند العقلاء وبذل المال بإزائه سفها، كالذهاب إلى الأمكنة المخوفة، والصعود على الجبال الشاهقة والأبنية المرتفعة، والوثبة من موضع إلى آخر، إذا لم تكن فيها أغراض عقلائيّة.
مسألة ۳ - كما لا تصحّ الإجارة على الواجبات العينيّة بل والكفائيّة على الأحوط - على التفصيل الّذي مرّ في كتابها - لا تصحّ الجعالة عليها على حَذوها.
مسألة 4 - يعتبر في الجاعل أهليّة الاستيجار: من البلوغ والعقل والرشدوالقصد والاختيار وعدم الحجر. وأمّا العامل فلا يعتبر فيه إلّا إمكان تحصيل العمل بحيث لم يكن مانع منه عقلا أو شرعا؛ فلو أوقع الجعالة على كنس المسجد فلايمكن حصوله شرعا من الجنب والحائض، فلوكنساه لم يستحقّا شيئا على ذلك. ولا يعتبر فيه نفوذ التصرّف، فيجوز أن يكون صبيّا مميّزا ولو بغير إذن الوليّ، بل ولو كان غير مميّز أو مجنون على الأظهر، فجميع هؤلاء يستحقّون الجعل المقرّر بعملهم.(1)
مسألة 5 - يجوز أن يكون العمل مجهولا في الجعالة بما لايغتفر في الإجارة، فإذا قال: «من ردّ دابّتي فله كذا» صحّ وإن لم يعيّن المسافة ولا شخص الدابّة مع شدّة اختلاف الدوابّ في الظفر بها من حيث السهولة والصعوبة. وكذا يجوز إيقاعها على المردّد مع اتّحاد الجعل كما إذا قال: «من ردّ فرسي أو حماري فله كذا»، أو بالاختلاف كما لو قال: «من ردّ فرسي فله عشرة ومن ردّ حماري فله خمسة». نعم، لايجوز على المجهول والمبهم الصرف بحيث لايتمكّن العامل من تحصيله، كما لو قال: «من ردّ ما ضاع منّي فله كذا» أو «من ردّ حيوانا ضاع منّي فله كذا» ولم يعيّن ذلك بوجه. هذا كلّه في العمل. وأمّا العوض فلابدّ من تعيينه جنسا ونوعا ووصفا بل كيلا أو وزنا أو عدّا إن كان منها؛ فلو جعله ما في يده أو كيسه بطلت الجعالة. نعم، الظاهر أنّه يصحّ أن يجعل الجعل حصّةً معيّنةً ممّا يردّه ولو لم يشاهد ولم يوصف. وكذا يصحّ أن يجعل للدلّال مازاد على رأس المال، كما إذا قال: «بع هذا المال بكذا والزائد لك» كما مرّ في ما سبق.
مسألة 6 - كلّ مورد بطلت الجعالة للجهالة استحقّ العامل اُجرة المثل. والظاهر أنّه من هذا القبيل ما هو المتعارف من جعل الحلاوة المطلقة لمن دلّه على ولد ضائع أو دابّة ضالّة.
مسألة 7 - لايعتبر أن يكون الجعل ممّن له العمل، فيجوز أن يجعل شخص جعلا من ماله لمن خاط ثوب زيد أو ردّ دابّته.
مسألة 8 - لو عيّن الجعل لشخص وأتى غيره بالعمل لم يستحقّ الجعل ذلك الشخص لعدم العمل، ولا ذلك الغير، لأنّه ما اُمر بإتيان العمل ولا جُعل لعمله جُعلٌ، فهو كالمتبرّع. نعم، لو جعل الجعالة على العمل لابقيد المباشرة بحيث لوحصّل ذلك الشخص العمل بالإجارة أو الاستنابة أو الجعالة شملته الجعالة وكان عمل ذلك الغير تبرّعا عن المجعول له ومساعدةً له استحقّ الجعل المقرّر.
مسألة 9 - لو جعل الجعل على عمل وقد عمله شخص قبل إيقاع الجعالة أو بقصد التبرّع وعدم أخذ العوض يقع عمله بلا جعل واُجرة.
مسألة 10 - يستحقّ العامل الجعل المقرّر مع عدم كونه متبرّعا ولو لم يكن عمله لأجل ذلك، فلا يعتبر اطّلاعه على التزام الجاعل به، بل لو عمله خطأً وغفلةً بل من غير تمييز - كالطفل غير المميّز والمجنون - فالظاهر استحقاقه له كما مرّ. نعم، لو تبيّن كذب المخبر كما إذا أخبر مخبر بأنّ فلانا قال: «من ردّ دابّتي فله كذا» فردّها اعتمادا على إخباره لم يستحقّ شيئا، لا على صاحب الدابّة ولا على المخبر الكاذب. نعم، لو أوجب قوله الاطمينان لايبعد ضمانه اُجرة مثل عمله، للغرور.
مسألة 11 - لو قال: «من دلّني على مالي فله كذا» فدلّه من كان ماله في يده لم يستحقّ شيئا، لأنّه واجب عليه شرعا. ولو قال: «من ردّ مالي فله كذا» فإن كان المال ممّا في ردّه كلفة ومؤونة كالدابّة الشاردة استحقّ الجعل المقرّر إذا لم يكن في يده على وجه الغصب، وإن لم يكن كذلك كالدرهم والدينار لم يستحقّ شيئا.
مسألة 12 - إنّما يستحقّ العامل الجعل بتسليم العمل؛ فلو جعل على ردّ الدابّة إلى مالكها فجاء بها في البلد فشردت لم يستحقّ شيئا. ولو كان الجعل على مجرّد إيصالها إلى البلد استحقّه. ولو كان على مجرّد الدلالة عليها استحقّ بها ولو لم يكن منه إيصال أصلا.
مسألة 13 - لو قال: «من ردّ دابّتي - مثلاً - فله كذا» فردّها جماعة اشتركوا في الجعل بالسويّة إن تساووا في العمل، وإلّا فيوزّع عليهم بالنسبة.
مسألة 14 - لو جعل جعلا لشخص على عمل - كبناء حائط وخياطة ثوب - فشاركه غيره في ذلك العمل يسقط عن جعله المعيّن ما يكون بإزاء عمل ذلك الغير، فإن لم يتفاوتا كان له نصف الجعل، وإلّا فبالنسبة، وأمّا الآخر فلا يستحقّ شيئا. نعم، لو لم يشترط على العامل المباشرة بل اُريد منه العمل مطلقا ولو بمباشرة غيره وكان اشتراك الغير معه بعنوان التبرّع عنه ومساعدته استحقّ المجعول له تمام الجعل.
مسألة 15 - الجعالة قبل تماميّة العمل جائزة من الطرفين ولو بعد تلبّس العامل بالعمل وشروعه فيه، فله رفع اليد عن العمل. كما أنّ للجاعل فسخ الجعالة ونقض التزامه على كلّ حال؛ فإن كان ذلك قبل التلبّس لم يستحقّ المجعول له شيئا، ولو كان بعده فإن كان الرجوع من العامل لم يستحقّ شيئا، وإن كان من طرف الجاعل فعليه للعامل اُجرة مثل ما عمل. ويحتمل الفرق في الأوّل -وهو ما كان الرجوع من العامل- بين ما كان العمل مثل خياطة الثوب وبناء الحائط ونحوهما ممّا كان تلبّس العامل به بإيجاد بعض العمل وبين ما كان مثل ردّ الضالّة ممّا كان التلبّس به بإيجاد بعض مقدّماته الخارجيّة، فله من المسمّى بالنسبة إلى ماعمل في الأوّل، بخلاف الثاني فإنّه لم يستحقّ شيئا، لكن هذا لو لم يكن الجعل في مثل خياطة الثوب وبناء الحائط على إتمام العمل، وإلّا يكون الحكم كردّ الضالّة. ويحتمل الفرق في الصورتين إذا كان الفسخ من الجاعل، فيقال: إنّ للعامل من المسمّى بالنسبة في الاُولى، وله اُجرة المثل في الثانية؛ فإذا كان العمل مثل الخياطة والبناء فأوجد بعضه فرجع الجاعل فللعامل من المسمّى بالنسبة، وإذا كان مثل ردّ الضالّة وكذا إتمام الخياطة فله اُجرة المثل. والمسألة محلّ إشكال، فلاينبغي ترك الاحتياط بالتراضي والتصالح على أيّ حال.
مسألة 16 - ما ذكرناه من أنّ للعامل الرجوع عن عمله على أيّ حال ولو بعد التلبّس والاشتغال إنّما هو في مورد لم يكن في عدم إنهاء العمل ضرر على الجاعل، وإلّا يجب عليه بعد الشروع في العمل إتمامه، مثلا لو وقعت الجعالة على قصّ عينه أو بعض العمليّات المتداولة بين الأطبّاء في هذه الأزمنة لايجوز له رفع اليد عن العمل بعد التلبّس به والشروع فيه، حيث إنّ الصلاح والعلاج مترتّب على تكميلها وفي عدمه فساد؛ ولو رفع اليد عنه لم يستحقّ في مثله شيئا بالنسبة إلى ما عمل، وذلك لأنّ الجعل في أمثاله إنّما هو على إتمام العمل؛ فلو فرض كونه على العمل - نحو خياطة الثوب - فالظاهر استحقاقه على ما عمل بالنسبة، وعليه غرامة الضرر الوارد.
1- في جميع الطبعات: «أو مجنون»، والصحيح: «أو مجنوناً». - كتاب العارية
کتاب العاریة
وهی التسلیط علی العین للانتفاع بها علی جهة التبرّع، أو هی عقد ثمرته ذلک، أو ثمرته التبرّع بالمنفعة. وهی من العقود تحتاج إلی إیجاب بکلّ لفظ له ظهور عرفیّ فی هذا المعنی - کقوله: «أعرتک» أو «أذنت لک فی الانتفاع به» أو «انتفع به» أو «خذه لتنتفع به» ونحو ذلک - وقبول، وهو کلّ ما أفاد الرضا بذلک. ویجوز أن یکون بالفعل، بأن یأخذه - بعد إیجاب المعیر - بهذا العنوان؛ بل الظاهر وقوعها بالمعاطاة، کما إذا دفع إلیه قمیصا لیلبسه فأخذه لذلک، أو دفع إلیه إناءً أو بساطا لیستعمله فأخذه واستعمله.
مسألة 1 - یعتبر فی المعیر أن یکون مالکا للمنفعة، وله أهلیّة التصرّف؛ فلاتصحّ إعارة الغاصب عینا أو منفعةً. وفی جریان الفضولیّة فیها - حتّی تصحّ بإجازة المالک - وجه قویّ. وکذا لا تصحّ إعارة الصبیّ والمجنون والمحجور علیه - لسفه أو فلس - إلّا مع إذن الولیّ أو الغرماء. وفی صحّة إعارة الصبیّ بإذن الولیّ احتمال لایخلو من قوّة.
مسألة 2 - لا یشترط فی المعیر أن یکون مالکا للعین، بل تکفی ملکیّة المنفعة بالإجارة أو بکونها موصیً بها له بالوصیّة. نعم، إذا اشترط استیفاء المنفعة فی الإجارة بنفسه لیس له الإعارة.
مسألة 3 - یعتبر فی المستعیر أن یکون أهلا للانتفاع بالعین؛ فلا تصحّ استعارة المصحف للکافر، واستعارة الصید للمحرم، لا من المحلّ ولا من المحرم. وکذا یعتبر فیه التعیین؛ فلو أعار شیئا: أحد هذین أو أحد هؤلاء لم تصحّ. ولا یشترط أن یکون واحدا؛ فیصحّ إعارة شی ء واحد لجماعة، کما إذا قال: «أعرت هذا الکتاب أو الإناء لهؤلاء العشرة»، فیستوفون المنفعة بینهم بالتناوب والقرعة، کالعین المستأجرة. ولا یجوز الإعارة لجماعة غیر محصورة علی الأقوی.
مسألة 4 - یعتبر فی العین المستعارة کونها ممّا یمکن الانتفاع بها منفعةً محلّلةً مع بقاء عینها، کالعقارات والدوابّ والثیاب والکتب والأمتعة ونحوها، بل وفحل الضراب والهرّة والکلب للصید والحراسة وأشباه ذلک؛ فلا یجوز إعارة مالا منفعة محلّلة له کآلات اللهو؛ وکذا آنیة الذهب والفضّة، لاستعمالها فی المحرّم؛ وکذا مالاینتفع به إلّا بإتلافه، کالخبز والدهن والأشربة وأشباهها للأکل والشرب.
مسألة 5 - جواز إعارة الشاة للانتفاع بلبنها والبئر للاستقاء منها لایخلو من وجه وقوّة.
مسألة 6 - لایشترط تعیین العین المستعارة عند الإعارة، فلو قال: «أعرنی إحدی دوابّک» فقال: «خذ ما شئت منها» صحّت.
مسألة 7 - العین الّتی تعلّقت بها العاریة إن انحصرت جهة الانتفاع بها فی منفعة خاصّة - کالبساط للافتراش، واللحاف للتغطیة، والخیمة للاکتنان، وأشباه ذلک- لایلزم التعرّض لجهة الانتفاع بها عند إعارتها، وإن تعدّدت - کالأرض ینتفع بها للزرع والغرس والبناء، والدابّة للحمل والرکوب، ونحو ذلک - فإن کانت الإعارة لأجل منفعة أو منافع خاصّة من منافعها یجب التعرّض لها، واختصّت حلّیّة الانتفاع بما استعیرت لها، وإن کانت لأجل الانتفاع المطلق جاز التعمیم والتصریح بالعموم، وجاز الإطلاق، بأن یقول: «أعرتک هذه الدابّة»، فیجوز الانتفاع بکلّ منفعة مباحة منها. نعم، ربما یکون لبعض الانتفاعات خفاء لایندرج فی الإطلاق، ففی مثله لابدّ من التنصیص به أو التعمیم علی وجه یعمّه، وذلک کالدفن، فإنّه وإن کان من أحد وجوه الانتفاع من الأرض لکنّه لایعمّه الإطلاق.
مسألة 8 - العاریة جائزة من الطرفین؛ فللمعیر الرجوع متی شاء وللمستعیر الردّ کذلک. نعم، فی خصوص إعارة الأرض للدفن لم یجز بعد المواراة فیها الرجوع ونبش القبر علی الأحوط؛ وأمّا قبل ذلک فله الرجوع حتّی بعد وضع المیّت فی القبر قبل مواراته. ولیس علی المعیر اُجرة الحفر ومؤونته لو رجع بعده، کما أنّه لیس علی ولیّ المیّت طمّ الحفر بعد ما کان بإذن المعیر.
مسألة 9 - تبطل العاریة بموت المعیر، بل بزوال سلطنته بجنون ونحوه.
مسألة 10 - یجب علی المستعیر الاقتصار فی نوع المنفعة علی ما عیّنها المعیر؛ فلا یجوز له التعدیّ إلی غیرها ولو کان أدنی وأقلّ ضررا علی المعیر. وکذا یجب أن یقتصر فی کیفیّة الانتفاع علی ماجرت به العادة؛ فلوأعاره دابّة للحمل لا یحمّلها إلّا القدر المعتاد بالنسبة إلی ذلک الحیوان وذلک المحمول وذلک الزمان والمکان؛ فلو تعدّی نوعا أو کیفیّةً کان غاصبا وضامنا، وعلیه اُجرة ما استوفاه من المنفعة لو تعدّی نوعا، وأمّا لو تعدّی کیفیّةً فلا تبعد أن تکون علیه اُجرة الزیادة.
مسألة 11 - لو أعاره أرضا للبناء أو الغرس جاز له الرجوع، وله إلزام المستعیر بالقلع، لکن علیه الأرش. وکذا فی عاریتها للزرع إذا رجع قبل إدراکه، ویحتمل عدم استحقاق المعیر إلزام المستعیر بقلع الزرع لو رضی بالبقاء بالاُجرة، ویحتمل جواز الإلزام بلا أرش. والمسألة بشقوقها مشکلة جدّا، فلا یترک الاحتیاط فی أشباهها بالتصالح والتراضی. ومثل ذلک ما إذا أعار جذوعه للتسقیف ثمّ رجع بعد ما أثبتها المستعیر فی البناء.
مسألة 12 - العین المستعارة أمانة بید المستعیر، لایضمنها لو تلفت إلّا بالتعدّی أو التفریط. نعم، لو شرط الضمان ضمنها وإن لم یکن تعدّ وتفریط، کما أنّه لو کان العین ذهبا أو فضّةً ضمنها مطلقا إلّا أن یشترط السقوط.
مسألة 13 - لاتجوز للمستعیر إعارة العین المستعارة ولا إجارتها إلّا بإذن المالک، فتکون إعارته حینئذٍ فی الحقیقة إعارة المالک وهو وکیل ونائب عنه؛ فلو خرج المستعیر عن قابلیّة الإعارة بعد ذلک - کما إذا جنّ - بقیت العاریة الثانیة علی حالها.
مسألة 14 - لو تلفت العین بفعل المستعیر: فإن کان بسبب الاستعمال المأذون فیه من دون التعدّی عن المتعارف لیس علیه ضمان، وإن کان بسبب آخر ضمنها.
مسألة 15 - إنّما یبرأ المستعیر عن عهدة العین المستعارة بردّها إلی مالکها أو وکیله أو ولیّه. ولو ردّها إلی حرزها الّذی کانت فیه بلا ید من المالک ولا إذن منه لم یبرأ، کما إذا ردّ الدابّة إلی الإصطبل وربطها فیه بلا إذن من المالک فتلفت أو أتلفها متلف.
مسألة 16 - لو استعار عینا من الغاصب: فإن لم یعلم بغصبه کان قرار الضمان علی الغاصب، فإن تلفت فی ید المستعیر أو لا فی یده بعد وقوعها علیها فللمالک الرجوع بعوض ماله علی کلّ من الغاصب والمستعیر، فإن رجع علی المستعیر یرجع هو علی الغاصب، وإن رجع علی الغاصب لیس له الرجوع علی المستعیر؛ وکذلک بالنسبة إلی بدل ما استوفاه المستعیر من المنفعة وغیرها من المنافع الفائتة علی ضمانه، فإنّه لو رجع بها علی المستعیر یرجع هو علی الغاصب دون العکس؛ ولو کان عالما بالغصب لم یرجع علی الغاصب لو رجع المالک علیه، بل الأمر بالعکس، فیرجع الغاصب علیه لو رجع المالک علیه إذا تلفت فی ید المستعیر. ولا یجوز له أن یردّ العین إلی الغاصب بعد علمه بالغصبیّة، بل یجب ردّها إلی مالکها. - كتاب الوديعة
- كتاب المضاربة
كتاب المضاربة
وتسمّى قراضا. وهي عقد واقع بين شخصين على أن يكون رأس المال في التجارة من أحدهما والعمل من الآخر، ولو حصل ربح يكون بينهما. ولو جعل تمام الربح للمالك يقال له: البضاعة. وحيث إنّها عقد تحتاج إلى الإيجاب من المالك والقبول من العامل. ويكفي في الإيجاب كلّ لفظ يفيد هذا المعنى بالظهور العرفيّ، كقوله: «ضاربتك» أو «قارضتك» أو «عاملتك على كذا»، وفي القبول «قبلت» وشبهه.
مسألة 1 - يشترط في المتعاقدين البلوغ والعقل والاختيار؛ وفي ربّ المال عدم الحجر لفلس؛ وفي العامل القدرة على التجارة برأس المال، فلو كان عاجزا مطلقا بطلت، ومع العجز في بعضه لاتبعد الصحّة بالنسبة على إشكال. نعم، لو طرأ في أثناء التجارة تبطل من حين طروّه بالنسبة إلى الجميع لو عجز مطلقا، وإلى البعض لو عجز عنه على الأقوى؛ وفي رأس المال أن يكون عينا، فلا تصحّ بالمنفعة ولا بالدين، سواء كان على العامل أو غيره إلّا بعد قبضه؛ وأن يكون درهما ودينارا، فلا تصحّ بالذهب والفضّة غير المسكوكين والسبائك والعروض. نعم، جوازها بمثل الأوراق النقديّة ونحوها من الأثمان غير الذهب والفضّة لايخلو من قوّة، وكذا في الفلوس السود؛ وأن يكون معيّنا، فلا تصحّ بالمبهم، كأن يقول: «قارضتك بأحد هذين أو بأيّهما شئت»؛ وأن يكون معلوما قدرا ووصفا؛ وفي الربح أن يكون معلوما، فلو قال: «إنّ لك مثل ما شرط فلان لعامله» ولم يعلماه بطلت؛ وأن يكون مشاعا مقدّرا بأحد الكسور كالنصف أو الثلث، فلو قال: «على أنّ لك من الربح مائة والباقي لي» أو بالعكس أو «لك نصف الربح وعشرة دراهم مثلا» لم تصحّ؛ وأن يكون بين المالك والعامل لايشاركهما الغير، فلو جعلا جزءا منه لأجنبيّ بطلت إلّا أن يكون له عمل متعلّق بالتجارة.
مسألة ۲ - يشترط أن يكون الاسترباح بالتجارة، فلو دفع إلى الزارع مالا ليصرفه في الزراعة ويكون الحاصل بينهما أو إلى الصانع ليصرفه في حرفته ويكون الفائدة بينهما لم يصحّ ولم يقع مضاربة.
مسألة ۳ - الدراهم المغشوشة إن كانت رائجةً مع كونها كذلك تجوز المضاربة بها، ولا يعتبر الخلوص فيها. نعم، لو كانت قلبا يجب كسرها ولم تجز المعاملة بها لم تصحّ.
مسألة 4 - لو كان له دين على شخص يجوز أن يوكّل أحدا في استيفائه ثمّ إيقاع المضاربة عليه موجبا وقابلا من الطرفين. وكذا لو كان المديون هو العامل يجوز توكيله في تعيين ما في ذمّته في نقدمعيّن للدائن ثمّ إيقاعهاعليه موجباوقابلا.
مسألة 5 - لو دفع إليه عروضا وقال: «بعها ويكون ثمنها مضاربة» لم تصحّ إلّا إذا أوقع عقدها بعد ذلك على ثمنها.
مسألة 6 - لو دفع إليه شبكة على أن يكون ما وقع فيها من السمك بينهما بالتنصيف - مثلا - لم يكن مضاربةً، بل هي معاملة فاسدة، فما وقع فيها من الصيد للصائد بمقدار حصّته الّتي قصدها لنفسه، وما قصده لغيره فمالكيّته له محلّ إشكال، ويحتمل بقاؤه على إباحته، وعليه اُجرة مثل الشبكة.
مسألة 7 - لو دفع إليه مالاً ليشتري نخيلا أو أغناما على أن تكون الثمرة والنتاج بينهما لم يكن مضاربةً، فهي معاملة فاسدة تكون الثمرة والنتاج لربّ المال، وعليه اُجرة مثل عمل العامل.
مسألة 8 - تصحّ المضاربة بالمشاع كالمفروز، فلو كانت دراهم معلومة مشتركة بين اثنين فقال أحدهما للعامل: «قارضتك بحصّتي من هذه الدراهم» صحّ مع العلم بمقدار حصّته، وكذا لو كان عنده ألف دينار - مثلا - وقال: «قارضتك بنصف هذه الدنانير».
مسألة 9 - لافرق بين أن يقول: «خذ هذا المال قراضا ولكلّ منّا نصف الربح» وأن يقول: «... والربح بيننا» أو يقول: «... ولك نصف الربح» أو «... لي نصف الربح» في أنّ الظاهر أنّه جعل لكلّ منهما نصف الربح. وكذلك لافرق بين أن يقول: «خذه قراضا ولك نصف ربحه» أو يقول: «... لك ربح نصفه»، فإنّ مفاد الجميع واحد عرفا.
مسألة 10 - يجوز اتّحاد المالك وتعدّد العامل في مال واحد مع اشتراط تساويهما في ما يستحقّان مع الربح وفضل أحدهما على الآخر وإن تساويا في العمل. ولو قال: «قارضتكما ولكما نصف الربح» كانا فيه سواء. وكذا يجوز تعدّد المالك واتّحاد العامل، بأن كان المال مشتركا بين اثنين فقارضا واحدا بالنصف - مثلا - متساويا بينهما، بأن يكون النصف للعامل والنصف بينهما بالسويّة وبالاختلاف، بأن يكون في حصّة أحدهما بالنصف وفي حصّة الآخر بالثلث مثلا، فإذا كان الربح اثني عشر استحقّ العامل خمسة وأحد الشريكين ثلاثة والآخر أربعة. نعم، إذا لم يكن اختلاف في استحقاق العامل بالنسبة إلى حصّة الشريكين وكان التفاضل في حصّة الشريكين فقط كما إذا اشترط أن يكون للعامل النصف والنصف الآخر بينهما بالتفاضل مع تساويهما في رأس المال بأن يكون للعامل الستّة من اثني عشر ولأحد الشريكين اثنين وللآخر أربعة، ففي (1) صحّته وجهان بل قولان، أقواهما البطلان.
مسألة 11 - المضاربة جائزة من الطرفين، يجوز لكلّ منهما فسخها قبل الشروع في العمل وبعده، قبل حصول الربح وبعده، صار المال كلّه نقدا أو كان فيه أجناس لم تنضّ بعد؛ بل لو اشترطا فيها الأجل جاز لكلّ منهما فسخها قبل انقضائه. ولو اشترطا فيها عدم الفسخ: فإن كان المقصود لزومها بحيث لاتنفسخ بفسخ أحدهما - بأن جعل ذلك كنايةً عن لزومها مع ذكر قرينة دالّة عليه - بطل الشرط دون أصل المضاربة على الأقوى، وإن كان المقصود التزامهما بأن لايفسخاها فلا بأس به، ولا يبعد لزوم العمل عليهما؛ وكذلك لو شرطاه في ضمن عقد جائز ما لم يفسخ، وأمّا لو جعلا هذا الشرط في ضمن عقد خارج لازم - كالبيع والصلح ونحوهما - فلا إشكال في لزوم العمل به.
مسألة 12 - الظاهر جريان المعاطاة والفضوليّة في المضاربة، فتصحّ بالمعاطاة. ولو وقعت فضولا من طرف المالك أو العامل تصحّ بإجازتهما.
مسألة 13 - تبطل المضاربة بموت كلّ من المالك والعامل. وهل يجوز لورثة المالك إجازة العقد فتبقى بحالها بإجازتهم أم لا؟ الأقوى عدم الجواز.
مسألة 14 - العامل أمين، فلا ضمان عليه لو تلف المال أو تعيّب تحت يده إلّا مع التعدّي أو التفريط. كما أنّه لاضمان عليه من جهة الخسارة في التجارة، بل هي واردة على صاحب المال. ولو اشترط المالك على العامل أن يكون شريكا معه في الخسارة كما هو شريك في الربح ففي صحّته وجهان، أقواهما العدم. نعم، لو كان مرجعه إلى اشتراط أنّه على تقدير وقوع الخسارة على المالك خسر العامل نصفه -مثلا- من كيسه لا بأس به، ولزم العمل به لو وقع في ضمن عقد لازم، بل لايبعد لزوم الوفاء به ولو كان في ضمن عقد جائز مادام باقيا. نعم، له فسخه ورفع موضوعه، كما أنّه لا بأس بالشرط - على وجه غير بعيد - لو كان مرجعه إلى انتقال الخسارة إلى عهدته بعد حصولها في ملكه بنحو شرط النتيجة.
مسألة 15 - يجب على العامل - بعد عقد المضاربة - القيام بوظيفته: من تولّي ما يتولّاه التاجر لنفسه على المعتاد بالنسبة إلى مثل تلك التجارة في مثل ذلك المكان والزمان ومثل ذلك العامل: من عرض القماش والنشر والطيّ مثلا، وقبض الثمن، وإحرازه في حرزه، واستيجار ما جرت العادة باستيجاره، كالدلاّل والوزّان والحمّال؛ ويعطي اُجرتهم من أصل المال، بل لو باشر مثل هذه الاُمور هو بنفسه لا بقصد التبرّع فالظاهر جواز أخذ الاُجرة. نعم، لو استأجر لما يتعارف فيه مباشرة العامل بنفسه كانت عليه الاُجرة.
مسألة 16 - مع إطلاق عقد المضاربة يجوز للعامل الاتّجار بالمال على ما يراه من المصلحة، من حيث الجنس المشترى والبائع والمشتري وغير ذلك حتّى في الثمن، فلا يتعيّن عليه أن يبيع بالنقود، بل يجوز أن يبيع الجنس بجنس آخر، إلّا أن يكون هناك تعارفٌ ينصرف إليه الإطلاق. ولو شرط عليه المالك أن لا يشتري الجنس الفلانيّ أو إلّا الجنس الفلانيّ أو لا يبيع من الشخص الفلانيّ أو الطائفة الفلانيّة وغير ذلك من الشروط لم يجز له المخالفة. ولو خالف ضمن المال والخسارة، لكن لو حصل الربح وكانت التجارة رابحةً شارك المالك في الربح على ما قرّراه في عقد المضاربة.
مسألة 17 - لايجوز للعامل خلط رأس المال بمال آخر لنفسه أو لغيره، إلّا بإذن المالك عموما أو خصوصا؛ فلو خلط ضمن المال والخسارة، لكن لو اتّجر بالمجموع وحصل ربح فهو بين المالين على النسبة.
مسألة 18 - لايجوز مع الإطلاق أن يبيع نسيئةً، خصوصا في بعض الأزمان وعلى بعض الأشخاص، إلّا أن يكون متعارفا بين التجّار - ولو في ذلك البلد أو الجنس الفلانيّ - بحيث ينصرف إليه الإطلاق؛ فلو خالف في غير مورد الانصراف ضمن، لكن لو استوفاه وحصل ربح كان بينهما.
مسألة 19 - ليس للعامل أن يسافر بالمال - برّا وبحرا - والاتّجار به في بلاد اُخر غير بلد المال، إلّا مع إذن المالك ولو بالانصراف لأجل التعارف؛ فلو سافر به ضمن التلف والخسارة، لكن لو حصل ربح يكون بينهما؛ وكذا لو أمره بالسفر إلى جهة فسافر إلى غيرها.
مسألة 20 - ليس للعامل أن ينفق في الحضر من مال القراض وإن قلّ حتّى فلوس السقّاء؛ وكذا في السفر إذا لم يكن بإذن المالك، وأمّا لو كان بإذنه فله الإنفاق من رأس المال، إلّا إذا اشترط المالك أن تكون النفقة على نفسه. والمراد بالنفقة ما يحتاج إليه: من مأكول ومشروب وملبوس ومركوب وآلات وأدوات -كالقربة والجوالق- واُجرة المسكن ونحو ذلك مع مراعاة ما يليق بحاله عادة على وجه الاقتصاد؛ فلو أسرف حسب عليه، ولو قتّر على نفسه أو لم يحتج إليها من جهة صيرورته ضيفا - مثلا - لم يُحسب له. ولا تكون من النفقة هنا جوائزه وعطاياه وضيافاته وغير ذلك، فهي على نفسه إلّا إذا كانت لمصلحة التجارة.
مسألة 21 - المراد بالسفر المجوّز للإنفاق من المال هو العرفيّ لا الشرعيّ، فيشمل ما دون المسافة، كما أنّه يشمل أيّام إقامته عشرة أيّام أو أزيد في بعض البلاد إذا كانت لأجل عوارض السفر، كما إذا كانت للراحة من التعب أو لانتظار الرفقة أو خوف الطريق وغير ذلك، أو لاُمور متعلّقة بالتجارة كدفع العشور وأخذ جواز السفر. وأمّا لو بقي للتفرّج أو لتحصيل مال لنفسه ونحو ذلك فالظاهر كون نفقته على نفسه إذا كانت الإقامة لأجل مثل هذه الأغراض بعد تمام العمل. وأمّا قبله فإن كان بقاؤه لإتمامه وغرض آخر فلا يبعد التوزيع بالنسبة إليهما، والأحوط احتسابها على نفسه؛ وإن لم يتوقّف الإتمام على البقاء وإنّما بقي لغرض آخر فنفقة البقاء على نفسه، ونفقة الرجوع على مال القراض لو سافر للتجارة به وإن عرض في الأثناء غرض آخر، وإن كان الأحوط التوزيع في هذه الصورة، وأحوط منه الاحتساب على نفسه.
مسألة 22 - لو كان عاملا لاثنين أو أزيد أو عاملا لنفسه وغيره توزّع النفقة. وهل هو على نسبة المالين أو نسبة العملين؟ فيه تأمّل وإشكال، فلا يترك الاحتياط برعاية أقلّ الأمرين إذا كان عاملا لنفسه وغيره، والتخلّص بالتصالح بينهما ومعهما إذا كان عاملا لاثنين مثلا.
مسألة 23 - لايعتبر ظهور الربح في استحقاق النفقة، بل ينفق من أصل المال وإن لم يكن ربح. نعم، لو أنفق وحصل الربح في ما بعد يجبر ما أنفقه من رأس المال بالربح كسائر الغرامات والخسارات، فيعطي المالك تمام رأس ماله فإن بقي شي ء يكون بينهما.
مسألة 24 - الظاهر أنّه يجوز للعامل الشراء بعين مال المضاربة، بأن يعيّن دراهم شخصيّة ويشتري بها شيئا؛ كما يجوز الشراء بالكلّيّ في الذمّة والدفع والأداء منه، بأن يشتري جنسا بألف درهم كلّيّ على ذمّة المالك ودفعه بعد ذلك من المال الّذي عنده؛ ولو تلف مال المضاربة قبل الأداء لم يجب على المالك الأداء من غيره، لعدم الإذن على هذا الوجه، وما هو لازم عقد المضاربة هو الإذن بالشراء كلّيّا متقيّدا بالأداء من مال المضاربة، لأنّه من الاتّجار بالمال عرفا. نعم، للعامل أن يعيّن دراهم شخصيّة ويشتري بها وإن كان غير متعارف في المعاملات، لكّنه مأذون فيه قطعا وأحد مصاديق الاتّجار بالمال. هذا مع الإطلاق، وأمّا مع اشتراط نحو خاصّ فيتّبع ما اشترط عليه.
مسألة 25 - لايجوز للعامل أن يوكّل غيره في الاتّجار - بأن يوكل إليه أصل التجارة - من دون إذن المالك. نعم، يجوز له التوكيل والاستيجار في بعض المقدّمات، بل وفي إيقاع بعض المعاملات الّتي تعارف إيكالها إلى الدلّال. وكذلك لايجوز له أن يضارب غيره أو يشاركه فيها إلّا بإذن المالك. ومع الإذن إذا ضارب غيره يكون مرجعه إلى فسخ المضاربة الاُولى وإيقاع مضاربة جديدة بين المالك وعامل آخر أو بينه وبين العامل مع غيره بالاشتراك؛ وأمّا لو كان المقصود إيقاع مضاربة بين العامل وغيره - بأن يكون العامل الثاني عاملا للعامل الأوّل- فالأقوى عدم الصحّة.
مسألة 26 - الظاهر أنّه يصحّ أن يشترط أحدهما على الآخر في ضمن عقد المضاربة مالا أو عملا، كما إذا شرط المالك على العامل أن يخيط له ثوبا أو يعطيه درهما وبالعكس.
مسألة 27 - الظاهر أنّه يملك العامل حصّته من الربح بمجرّد ظهوره ولا يتوقّف على الإنضاض - بمعنى جعل الجنس نقدا - ولا على القسمة. كما أنّ الظاهر صيرورته شريكا مع المالك في نفس العين الموجودة بالنسبة، فيصحّ له مطالبة القسمة، وله التصرّف في حصّته من البيع والصلح، ويترتّب عليه جميع آثار الملكيّة: من الإرث وتعلّق الخمس والزكاة وحصول الاستطاعةوتعلّق حقّ الغرماءوغيرذلك.
مسألة 28 - لاإشكال في أنّ الخسارة الواردة على مال المضاربة تجبر بالربح ما دامت المضاربة باقيةً، سواء كانت سابقةً عليه أو لاحقةً؛ فملكيّة العامل له بالظهور متزلزلة تزول كلّها أو بعضها بعروض الخسران إلى أن تستقرّ. والاستقرار يحصل بعد الإنضاض وفسخ المضاربة والقسمة قطعا، فلا جبران بعد ذلك. وفي حصوله بدون اجتماع الثلاثة وجوه وأقوال، أقواها تحقّقه بالفسخ مع القسمة وإن لم يحصل الإنضاض، بل لايبعد تحقّقه بالفسخ والإنضاض وإن لم يحصل القسمة، بل تحقّقه بالفسخ فقط أو بتمام أمدها لو كان لها أمد لا يخلو من وجه.
مسألة 29 - كما يجبر الخسران في التجارة بالربح كذلك يجبر به التلف، سواء كان بعد الدوران في التجارة أو قبله أو قبل الشروع فيها، وسواء تلف بعضه أو كلّه؛ فلو اشترى في الذمّة بألف وكان رأس المال ألفا فتلف فباع المبيع بألفين فأدّى الألف بقي الألف الآخر جبرا لرأس المال. نعم، لو تلف الكلّ قبل الشروع في التجارة بطلت المضاربة، إلّا مع التلف بالضمان مع إمكان الوصول.
مسألة 30 - لو حصل فسخ أو انفساخ في المضاربة: فإن كان قبل الشروع في العمل ومقدّماته فلا إشكال، ولا شي ء للعامل ولا عليه. وكذا إن كان بعد تمام العمل والإنضاض، إذ مع حصول الربح يقتسمانه، ومع عدمه يأخذ المالك رأس ماله، ولا شي ء للعامل ولا عليه. وإن كان في الأثناء بعد التشاغل بالعمل: فإن كان قبل حصول الربح ليس للعامل شي ء ولا اُجرة له لما مضى من عمله، سواء كان الفسخ منه أو من المالك أو حصل الانفساخ قهرا؛ كما أنّه ليس عليه شي ء حتّى في ما إذا حصل الفسخ منه في السفر المأذون فيه من المالك، فلا يضمن ما صرفه في نفقته من رأس المال؛ ولو كان في المال عروض لايجوز للعامل التصرّف فيه بدون إذن المالك، كما أنّه ليس للمالك إلزامه بالبيع والإنضاض. وإن كان بعد حصول الربح: فإن كان بعد الإنضاض فقد تمّ العمل، فيقتسمان ويأخذ كلّ منهما حقّه، وإن كان قبل الإنضاض فعلى ما مرّ من تملّك العامل حصّته من الربح بمجرّد ظهوره شارك المالك في العين، فإن رضيا بالقسمة على هذا الحال أو انتظرا إلى أن تباع العروض ويحصل الإنضاض كان لهما ولا إشكال. وإن طلب العامل بيعها لم يجب على المالك إجابته؛ وكذا إن طلبه المالك لم يجب على العامل إجابته وإن قلنا بعدم استقرار ملكيّته للربح إلّا بعد الإنضاض، غاية الأمر حينئذٍ لو حصلت خسارة بعد ذلك قبل القسمة يجب جبرها بالربح، لكن قد مرّ المناط في استقرار ملك العامل.
مسألة 31 - لو كان في المال ديون على الناس فهل يجب على العامل أخذها وجمعها بعد الفسخ أو الانفساخ أم لا؟ الأشبه عدمه، خصوصا إذا استند الفسخ إلى غير العامل، لكن لاينبغي ترك الاحتياط، خصوصا مع فسخه وطلب المالك منه.
مسألة 32 - لا يجب على العامل بعد حصول الفسخ أو الانفساخ أزيد من التخلية بين المالك وماله، فلايجب عليه الإيصال إليه حتّى لو أرسل المال إلى بلد آخر غير بلد المالك وكان ذلك بإذنه؛ ولو كان بدون إذنه يجب عليه الردّ إليه حتّى أنّه لو احتاج إلى اُجرة كانت عليه.
مسألة 33 - لو كانت المضاربة فاسدةً كان الربح بتمامه للمالك إن لم يكن إذنه في التجارة متقيّدا بالمضاربة، وإلّا تتوقّف على إجازته، وبعد الإجازة يكون الربح له، سواء كانا جاهلين بالفساد أو عالمين أو مختلفين. وللعامل اُجرة مثل عمله لو كان جاهلا بالفساد، سواء كان المالك عالما به أو جاهلا؛ بل لو كان عالما بالفساد فاستحقاقه لاُجرة المثل أيضا لايخلو من وجه إذا حصل ربح بمقدار كان سهمه على فرض الصحّة مساويا لاُجرة المثل أو أزيد. وأمّا مع عدم الربح أو نقصان سهمه عنها فمع علمه بالفساد لايبعد عدم استحقاقه على الأوّل، وعدم استحقاق الزيادة عن مقدار سهمه على الثاني، ومع جهله به فالأحوط التصالح، بل لايترك الاحتياط به مطلقا. وعلى كلّ حال لايضمن العامل التلف والنقص الواردين على المال. نعم، يضمن على الأقوى ما أنفقه في السفر على نفسه وإن كان جاهلا بالفساد.
مسألة 34 - لو ضارب بمال الغير من دون وكالة ولا ولاية وقع فضوليّا: فإن أجازه المالك وقع له، وكان الخسران عليه، والربح بينه وبين العامل على ما شرطاه؛ وإن ردّه فإن كان قبل أن يعامل بماله طالبه، ويجب على العامل ردّه إليه، وإن تلف أو تعيّب كان له الرجوع على كلّ من المضارب والعامل، فإن رجع على الأوّل لم يرجع هو على الثاني، وإن رجع على الثاني رجع هو على الأوّل. هذا إذا لم يعلم العامل بالحال؛ وإلّا يكون قرار الضمان على من تلف أو تعيّب عنده، فينعكس الأمر في المفروض. وإن كان بعد أن عومل به كانت المعاملة فضوليّة: فإن أمضاها وقعت له، وكان تمام الربح له وتمام الخسران عليه، وإن ردّها رجع بماله إلى كلّ من شاء من المضارب والعامل كما في صورة التلف، ويجوز له أن يجيزها على تقدير حصول الربح، ويردّها على تقدير الخسران، بأن يلاحظ مصلحته، فإن رآها رابحةً أجازها وإلّا ردّها. هذا حال المالك مع كلّ من المضارب والعامل. وأمّا معاملة العامل مع المضارب فإن لم يعمل عملا لم يستحقّ شيئا، وكذا إذا عمل وكان عالما بكون المال لغير المضارب. وأمّا لو عمل ولم يعلم بكونه لغيره استحقّ اُجرة مثل عمله، ورجع بها على المضارب.
مسألة 35 - لو أخذ العامل رأس المال ليس له ترك الاتّجار به وتعطيله عنده بمقدار لم تجر العادة عليه وعدّ متوانيا متسامحا؛ فإن عطّله كذلك ضمنه لو تلف، لكن لم يستحقّ المالك غير أصل المال، وليس له مطالبة الربح الّذي كان يحصل على تقدير الاتّجار به.
مسألة 36 - لو اشترى نسيئةً بإذن المالك كان الدين في ذمّة المالك، فللدائن الرجوع عليه، وله أن يرجع على العامل خصوصا مع جهله بالحال، وإذا رجع عليه رجع هو على المالك. ولو لم يتبيّن للدائن أنّ الشراء للغير يتعيّن له في الظاهر الرجوع على العامل وإن كان له في الواقع الرجوع على المالك.
مسألة 37 - لو ضاربه بخمسمائة - مثلا - فدفعها إليه وعامل بها وفي أثناء التجارة دفع إليه خمسمائة اُخرى للمضاربة فالظاهر أنّهما مضاربتان، فلا تجبر خسارة إحداهما بربح الاُخرى. ولوضاربه على ألف - مثلا - فدفع خمسمائةفعامل بها ثمّ دفع إليه خمسمائةاُخرى فهي مضاربة واحدة تجبرخسارةكلّ بربح الاُخرى.
مسألة 38 - لو كان رأس المال مشتركا بين اثنين فضاربا شخصا ثمّ فسخ أحد الشريكين تنفسخ بالنسبة إلى حصّته، وأمّا بالنسبة إلى حصّة الآخر فمحلّ إشكال.
مسألة 39 - لو تنازع المالك مع العامل في مقدار رأس المال ولم تكن بيّنة قدّم قول العامل، سواء كان المال موجودا أو تالفا ومضمونا عليه. هذا إذا لم يرجع نزاعهما إلى مقدار نصيب العامل من الربح، وإلّا ففيه تفصيل.
مسألة 40 - لو ادّعى العامل التلف أو الخسارة أو عدم حصول المطالبات مع عدم كون ذلك مضمونا عليه وادّعى المالك خلافه ولم تكن بيّنة قدّم قول العامل.
مسألة 41 - لو اختلفا في الربح ولم تكن بيّنة قدّم قول العامل، سواء اختلفا في أصل حصوله أو في مقداره؛ بل وكذا الحال لو قال العامل: ربحت كذا لكن خسرت بعد ذلك بمقداره فذهب الربح.
مسألة 42 - لو اختلفا في نصيب العامل من الربح وأنّه النصف - مثلا - أو الثلث ولم تكن بيّنة قدّم قول المالك.
مسألة 43 - لو تلف المال أو وقع خسران فادّعى المالك على العامل الخيانة أو التفريط في الحفظ ولم تكن له بيّنة قدّم قول العامل. وكذا لو ادّعى عليه الاشتراط أو مخالفته لما شرط عليه، كما لو ادّعى أنّه قد اشترط عليه أن لايشتري الجنس الفلانيّ وقد اشتراه فخسر وأنكر العامل أصل هذا الاشتراط أو أنكر مخالفته لما اشترط عليه. نعم، لو كان النزاع في صدور الإذن من المالك في ما لايجوز للعامل إلّا بإذنه كما لو سافر بالمال أو باع نسيئةً فتلف أو خسر فادّعى العامل كونه بإذنه وأنكره قدّم قول المالك.
مسألة 44 - لو ادّعى ردّ المال إلى المالك وأنكره قدّم قول المنكر.
مسألة 45 - لو اشترى العامل سلعةً فظهر فيها ربح فقال: «اشتريتها لنفسي» وقال المالك: «اشتريته للقراض» أو ظهر خسران فادّعى العامل أنّه اشتراها للقراض وقال صاحب المال: «اشتريتها لنفسك» قدّم قول العامل بيمينه.
مسألة 46 - لو حصل تلف أو خسارة فادّعى المالك أنّه أقرضه وادّعى العامل أنّه قارضه يحتمل التحالف بلحاظ محطّ الدعوى، ويحتمل تقديم قول العامل بلحاظ مرجعها. ولو حصل ربح فادّعى المالك قراضا والعامل إقراضا يحتمل التحالف أيضا بلحاظ محطّها، وتقديم قول المالك بلحاظ مرجعها، ولعلّ الثاني في الصورتين أقرب.
مسألة 47 - لو ادّعى المالك أنّه أعطاه المال بعنوان البضاعة فلا يستحقّ العامل شيئا من الربح وادّعى العامل المضاربة فله حصّة منه فالظاهر أنّه يقدّم قول المالك بيمينه، فيحلف على نفي المضاربة، فله تمام الربح لو كان. واحتمال التحالف هنا ضعيف.
مسألة 48 - يجوز إيقاع الجعالة على الاتّجار بمال وجعل الجعل حصّةً من الربح، بأن يقول: «إن اتّجرت بهذا المال وحصل ربح فلك نصفه أو ثلثه»، فتكون جعالةً تفيد فائدة المضاربة، لكن لايشترط فيها ما يشترط في المضاربة، فلا يعتبر كون رأس المال من النقود، بل يجوز أن يكون عروضا أو دينا أو منفعةً.
مسألة 49 - يجوز للأب والجدّ المضاربة بمال الصغير مع عدم المفسدة، لكن لاينبغي لهما ترك الاحتياط بمراعاة المصلحة. وكذا يجوز للقيّم الشرعيّ كالوصيّ والحاكم الشرعيّ مع الأمن من الهلاك وملاحظة الغبطة والمصلحة؛ بل يجوز للوصيّ على ثلث الميّت أن يدفعه مضاربةً وصرف حصّته من الربح في المصارف المعيّنة للثلث إذا أوصى به الميّت، بل وإن لم يوص به لكن فوّض أمر الثلث إلى نظر الوصيّ فرأى الصلاح في ذلك.
مسألة 50 - لو مات العامل وكان عنده مال المضاربة: فإن علم بوجوده في ماتركه بعينه فلا إشكال، وإن علم به فيه من غير تعيين بأن كان ما تركه مشتملا عليه وعلى مال نفسه أو كان عنده أيضا ودائع أو بضائع للآخرين واشتبه بعضها مع بعض يعامل معه ما هو العلاج في نظائره من اشتباه أموال متعدّدين. وهل هو بإعمال القرعة، أو إيقاع التصالح، أو التقسيم بينهم على نسبة أموالهم؟ وجوه، أقواها القرعة، وأحوطها التصالح. نعم، لو كان للميّت ديّان وعنده مال مضاربة ولم يعلم أنّه بعينه لفلان فهو اُسوة الغرماء. وكذا الحال لو علم المال جنسا وقدرا واشتبه بين أموال من جنسه له أو لغيره من غير امتزاج فالأقوى فيه القرعة أيضا، خصوصا إذا كانت الأجناس مختلفةً في الجودة والرداءة؛ ومع الامتزاج كان المجموع مشتركا بين أربابه بالنسبة. ولو علم بعدم وجوده فيها واحتمل أنّه قد ردّه إلى مالكه أو تلف بتفريط منه أو بغيره فالظاهر أنّه لم يحكم على الميّت بالضمان وكان الجميع لورثته. وكذا لو احتمل بقاؤه فيها. ولو علم بأنّ مقدارا من مال المضاربة قد كان قبل موته داخلا في هذه الأجناس الباقية الّتي قد تركها ولم يعلم أنّه هل بقي فيها أو ردّه إلى المالك أو تلف ففيه إشكال وإن كانت مورّثيّةالأموال لاتخلومن قوّة،والأحوط الإخراج منها مع عدم قاصر في الورثة.
1- الصحيح: «اثنان». - كتاب الشركة
- كتاب المزارعة
کتاب المزارعة
وهی المعاملة علی أن تزرع الأرض بحصّة من حاصلها. وهی عقد یحتاج إلی إیجابٍ من صاحب الأرض، وهو کلّ لفظ أفاد إنشاء هذا المعنی - کقوله «زارعتک» أو «سلّمت إلیک الأرض مدّة کذا علی أن تزرعها علی کذا» وأمثال ذلک - وقبولٍ من الزارع بلفظ أفاد ذلک کسائر العقود. والظاهر کفایة القبول الفعلیّ بعد الإیجاب القولیّ، بأن یتسلّم الأرض بهذا القصد. ولا یعتبر فی عقدها العربیّة، فیقع بکلّ لغة. ولا یبعد جریان المعاطاة فیها بعد تعیین ما یلزم تعیینه.
مسألة 1 - یعتبر فیها زائدا علی ما اعتبر فی المتعاقدین - من البلوغ، والعقل، والقصد، والاختیار، والرشد، وعدم الحجر لفلس إن کان تصرّفه مالیّا، دون غیره کالزارع إذا کان منه العمل فقط - اُمور:
أحدها: جعل الحاصل مشاعا بینهما، فلو جعل الکلّ لأحدهما أو بعضه الخاصّ - کالّذی یحصل متقدّما أو الّذی یحصل من القطعة الفلانیّة - لأحدهما والآخر للآخر لم یصحّ.
ثانیها: تعیین حصّة الزارع بمثل النصف أو الثلث أو الربع ونحو ذلک.
ثالثها: تعیین المدّة بالأشهر أو السنین. ولو اقتصر علی ذکر المزروع فی سنة واحدة ففی الاکتفاء به عن تعیین المدّة وجهان، أوجههما الأوّل لکن فی ما إذإ؛«» ظظ عیّن مبدأ الشروع فی الزرع. وإذا عیّن المدّة بالزمان لابدّ أن یکون مدّةً یدرک فیها الزرع بحسب العادة، فلا تکفی المدّة القلیلة الّتی تقصر عن إدراکه.
رابعها: أن تکون الأرض قابلةًللزرع ولوبالعلاج والإصلاح وطمّ الحفر وحفر النهر ونحو ذلک؛ فلو کانت سبخةً لاتقبل للزرع أو لم یکن لها ماء ولا یکفیه ماء السماء ولا یمکن تحصیل الماء له ولو بمثل حفر النهر أو البئر أو الشراء لم یصحّ.
خامسها: تعیین المزروع، من أنّه حنطة أو شعیر أو غیرهما مع اختلاف الأغراض فیه. ویکفی فیه تعارف یوجب الانصراف. ولو صرّح بالتعمیم صحّ، فیتخیّر الزارع بین أنواعه.
سادسها: تعیین الأرض؛ فلو زارعه علی قطعة من هذه القطعات أو مزرعة من هذه المزارع بطل. نعم، لو عیّن قطعةً معیّنةً من الأرض الّتی لم تختلف أجزاؤها وقال: «زارعتک علی جریب من هذه القطعة» علی النحو الکلّیّ فی المعیّن فالظاهر الصحّة، ویکون التخییر فی تعیینه لصاحب الأرض.
سابعها: أن یعیّنا کون البذر وسائرالمصارف علی أیّ منهما إن لم یکن تعارفٌ.
مسألة 2 - لایعتبر فی المزارعة کون الأرض ملکا للمزارع، بل یکفی کونه مالکا لمنفعتها أو انتفاعها بالإجارة ونحوها مع عدم اشتراط الانتفاع بنفسه مباشرةً، أو أخذها من مالکها بعنوان المزارعة، أو کانت أرضا خراجیّةً وقد تقبّلها من السلطان أو غیره مع عدم الاشتراط المتقدّم. ولو لم یکن له فیها حقّ ولا علیها سلطنة أصلا کالموات لم تصحّ مزارعتها وإن أمکن أن یتشارک مع غیره فی زرعها وحاصلها مع الاشتراک فی البذر، لکنّه لیس من المزارعة.
مسألة 3 - إذا أذن مالک الأرض أو المزرعة إذنا عامّا بأنّ کلّ من زرع ذلک فله نصف الحاصل - مثلا - فأقدم شخص علیه استحقّ المالک حصّته.
مسألة 4 - لو اشترطا أن یکون الحاصل بینهما بعد إخراج الخراج أو بعد إخراج البذر لباذله أو ما یصرف فی تعمیر الأرض لصارفه: فإن اطمأنّا ببقاء شی ء بعد ذلک من الحاصل لیکون بینهما صحّ، وإلّا بطل.
مسألة 5 - لو انقضت المدّة المعیّنة ولم یدرک الزرع لم یستحقّ الزارع إبقاءه ولو بالاُجرة، بل للمالک الأمر بإزالته من دون أرش، وله إبقاؤه مجّانا أو مع الاُجرة إن رضی الزارع بها.
مسألة 6 - لو ترک الزارع الزرع حتّی انقضت المدّة فهل یضمن اُجرة المثل أو مایعادل حصّة المالک بحسب التخمین أو لا یضمن شیئا؟ وجوه، أوجهها ضمان اُجرةالمثل فی ما إذا کانت الأرض تحت یده وترک الزراعة بتفریط منه، وفی غیره عدم الضمان، والأحوط التراضی والتصالح. هذا إذا لم یکن ترکها لعذرعامّ کالثلوج الخارقة أو صیرورة المحلّ معسکرا أو مسبعةً ونحوها، وإلّا انفسخت المزارعة.
مسألة 7 - لو زارع علی أرض ثمّ تبیّن للزارع أنّه لا ماء لها فعلا لکن أمکن تحصیله بحفر بئر ونحوه صحّت، لکن للعامل خیار الفسخ. وکذا لو تبیّن کون الأرض غیر صالحة للزراعة إلّا بالعلاج التامّ، کما إذا کان الماء مستولیا علیها ویمکن قطعه. نعم، لو تبیّن أنّه لا ماء لها فعلا ولا یمکن تحصیله أو کانت مشغولةً بمانع لا یمکن إزالته ولا یرجی زواله بطل.
مسألة 8 - لو عیّن المالک نوعا من الزرع کالحنطة - مثلا - فزرع غیره ببذره: فإن کان التعیین علی وجه الشرطیّة فی ضمن عقد المزارعة کان له الخیار بین الفسخ والإمضاء، فإن أمضاه أخذ حصّته، وإن فسخ کان الزرع للزارع وعلیه للمالک اُجرة الأرض. وأمّا إذا کان علی وجه القیدیّة فله علیه اُجرة الأرض وأرش نقصها علی فرضه.
مسألة 9 - الظاهر صحّة جعل الأرض والعمل من أحدهما والبذر والعوامل من الآخر، أو واحد منها من أحدهما والبقیّة من الآخر، بل الظاهر صحّة الاشتراک فی الکلّ. ولابدّ من تعیین ذلک حین العقد، إلّا إذا کان هناک معتاد یغنی عنه. والظاهر عدم لزوم کون المزارعة بین الاثنین، فیجوز أن تجعل الأرض من أحدهم والبذر من الآخر والعمل من الثالث والعوامل من الرابع، وإن کان الأحوط ترک هذه الصورة وعدم التعدّی عن اثنین، بل لایترک ما أمکن.
مسألة 10 - یجوز للزارع أن یشارک غیره فی مزارعته، بجعل حصّة من حصّته لمن یشارکه؛ کما یجوز أن ینقل حصّته إلی الغیر ویشترط علیه القیام بأمر الزراعة. والناقل طرف للمالک، وعلیه القیام بأمرها ولو بالتسبیب. وأمّا مزارعة الثانی بحیث کان الزارع الثانی طرفا للمالک فلیست بمزارعة، ولا یصحّ العقد کذلک. ولا یعتبر فی صحّة التشریک فی المزارعة ولا فی نقل حصّته إذن المالک. نعم، لایجوز علی الأحوط تسلیم الأرض إلی ذلک الغیر إلّا بإذنه، کما أنّه لو شرط علیه المالک أن یباشر بنفسه - بحیث لایشارکه غیره ولا ینقل حصّته إلی الغیر - کان هو المتّبع.
مسألة 11 - عقد المزارعة لازم من الطرفین، فلا ینفسخ بفسخ أحدهما إلّا إذا کان له خیار. وینفسخ بالتقایل کسائر العقود اللازمة؛ کما أنّه یبطل وینفسخ قهرا بخروج الأرض عن قابلیّة الانتفاع بسبب مع عدم تیسّر العلاج.
مسألة 12 - لاتبطل المزارعة بموت أحد المتعاقدین؛ فإن مات ربّ الأرض قام وارثه مقامه، وإن مات العامل فکذلک، فإمّا أن یتمّوا العمل ولهم حصّة مورّثهم، وإمّا أن یستأجروا شخصا لإتمامه من مال المورّث ولو الحصّة المزبورة، فإن زاد شی ء کان لهم. نعم، لو شرط علی العامل مباشرته للعمل تبطل بموته.
مسألة 13 - لو تبیّن بطلان المزارعة بعد ما زرع الأرض: فإن کان البذر لصاحب الأرض کان الزرع له، وعلیه اُجرة العامل والعوامل إن کانت من العامل، إلّا إذا کان البطلان مستندا إلی جعل جمیع الحاصل لصاحب الأرض، فإنّ الأقوی حینئذٍ عدم اُجرة العمل والعوامل علیه. وإن کان من العامل کان الزرع له وعلیه اُجرة الأرض؛ وکذا العوامل إن کانت من صاحب الأرض، إلّا إذا کان البطلان مستندا إلی جعل جمیع الحاصل للزارع، فالأقوی حینئذٍ عدم اُجرة الأرض والعوامل علیه. ولیس للزارع إبقاء الزرع إلی بلوغ الحاصل ولو بالاُجرة، فللمالک أن یأمر بقلعه.
مسألة 14 - کیفیّة اشتراک العامل مع المالک فی الحاصل تابعة للجعل الواقع بینهما؛ فتارةً یشترکان فی الزرع من حین طلوعه وبروزه، فیکون حشیشه وقصیله وتبنه وحبّه کلّها مشترکة بینهما؛ واُخری یشترکان فی خصوص حبّه إمّا من حین انعقاده أو بعده إلی زمان حصاده، فیکون الحشیش والقصیل والتبن کلّها لصاحب البذر، ویمکن أن یجعل البذر لأحدهما والحشیش والقصیل والتبن للآخر مع اشتراکهما فی الحبّ. هذا مع التصریح، وأمّا مع عدمه فالظاهر من مقتضی وضع المزارعة عند الإطلاق الوجه الأوّل، فالزرع بمجرّد طلوعه وبروزه یکون مشترکا بینهما.
ویترتّب علی ذلک اُمور:
منها: کون القصیل والتبن أیضا بینهما.
ومنها: تعلّق الزکاة بکلّ منهما إذا کان حصّة کلّ منهما بالغا حدّ النصاب، وتعلّقها بمن بلغ نصیبه حدّه إن بلغ نصیب أحدهما، وعدم التعلّق أصلا إن لم یبلغ النصاب نصیب واحد منهما.
ومنها: أنّه لو حصل فسخ من أحدهما بخیار أو منهما بالتقایل فی الأثناء یکون الزرع بینهما. ولیس لصاحب الأرض علی العامل اُجرة أرضه، ولا للعامل علیه اُجرة عمله بالنسبة إلی ما مضی.
وأمّا بالنسبة إلی الآتی إلی زمان البلوغ والحصاد فإن وقع بینهما التراضی بالبقاء بلا اُجرة أو معها أو علی القطع قصیلاً فلا إشکال، وإلّا فکلّ منهما مسلّط علی حصّته، فلصاحب الأرض مطالبة القسمة وإلزام الزارع بقطع حصّته، کما أنّ للزارع مطالبتها لیقطع حصّته.
مسألة 15 - خراج الأرض ومال الاجارة للأرض المستأجرة علی المزارع، لاالزارع إلّا إذا اشترط علیه کلّاً أو بعضا. وأمّا سائر المُؤَن - کشقّ الأنهار، وحفر الآبار، وإصلاح النهر، وتهیئة آلات السقی، ونصب الدولاب والناعور، ونحو ذلک - فلابدّ من تعیین کونها علی أیّ منهما، إلّا إذا کانت عادة تغنی عن التعیین.
مسألة 16 - یجوز لکلّ من الزارع والمالک عند بلوغ الحاصل تقبّل حصّة الآخر بحسب الخرص بمقدار معیّن من حاصله بالتراضی. والأقوی لزومه من الطرفین بعد القبول وإن تبیّن بعد ذلک زیادتها أو نقیصتها، فعلی المتقبّل تمام ذلک المقدار ولو تبیّن أنّ حصّة صاحبه أقلّ منه، کما أنّ علی صاحبه قبول ذلک وإن تبیّن کونها أکثر منه، ولیس له مطالبة الزائد.
مسألة 17 - لو بقیت فی الأرض اُصول الزرع بعد جمع الحاصل وانقضاء المدّة فنبتت بعد ذلک فی العام المستقبل: فإن کان القرار الواقع بینهما علی اشتراکهما فی الزرع واُصوله کان الزرع الجدید بینهما علی حسب الزرع السابق، وإن کان علی اشتراکهما فی ما خرج من الزرع فی ذلک العام فهو لصاحب البذر، فإن أعرض عنه فهو لمن سبق.
مسألة 18 - تجوز المزارعة علی أرض بائرة - لایمکن زرعها إلّا بعدإصلاحها وتعمیرها- علی أن یعمّرها ویصلحها ویزرعها سنة أو سنتین - مثلا - لنفسه ثمّ یکون الحاصل بینهما بالإشاعة بحصّة معیّنة فی مدّة مقدّرة. - كتاب المساقاة
كتاب المساقاة
وهي المعاملة على اُصول ثابتة، بأن يسقيها مدّة معيّنة بحصّة من ثمرها. وهي عقد يحتاج إلى إيجاب - كقول صاحب الاُصول «ساقيتك» أو «عاملتك» أو «سلّمت إليك» وما أشبه ذلك - وقبول نحو «قبلت» وشبهه. ويكفي فيهما كلّ لفظ دالّ على المعنى المذكور بأيّ لغة كانت. والظاهر كفاية القبول الفعليّ بعد الإيجاب القوليّ، كما تجري فيها المعاطاة على ما مرّ في المزارعة.
ويعتبر فيها بعد شرائط المتعاقدين - من البلوغ، والعقل، والقصد، والاختيار، وعدم الحجر لسفه فيهما ولفلس من غير العامل - أن تكون الاُصول مملوكةً عينا أو منفعةً أو يكون المتعامل نافذ التصرّف لولاية أو غيرها؛ وأن تكون معيّنةً عندهما معلومةً لديهما؛ وأن تكون مغروسةً ثابتةً، فلا تصحّ في الفسيل قبل الغرس ولا على اُصول غير ثابتة كالبطّيخ والخيار ونحوهما؛ وأن تكون المدّة معلومةً مقدّرةً بما لا يحتمل الزيادة والنقصان كالأشهر والسنين، والظاهر كفاية جعل المدّة إلى بلوغ الثمر في العام الواحد إذا عيّن مبدأ الشروع في السقي؛ وأن تكون الحصّة معيّنةً مشاعةً بينهما مقدّرةً بمثل النصف أوالثلث ونحوهما، فلايصحّ أن يجعل لأحدهما مقدارا معيّنا والبقيّة للآخر، أو يجعل لأحدهما أشجارا معلومةً وللآخر اُخرى. نعم، لايبعد جواز أن يشترط اختصاص أحدهما بأشجار معلومة والاشتراك في البقيّة، أو يشترط لأحدهما مقدار معيّن مع الاشتراك في البقيّة إذا علم كون الثمر أزيد منه وأنّه تبقى بقيّة.
مسألة 1 - لا إشكال في صحّة المساقاة قبل ظهور الثمر. وفي صحّتها بعد الظهور وقبل البلوغ قولان، أقواهما الصحّة إذا كانت الأشجار محتاجةً إلى السقي أو عمل آخر ممّا تستزاد به الثمرة ولو كيفيّةً. وفي غيره محلّ إشكال، كما أنّ الصحّة بعد البلوغ والإدراك - بحيث لايحتاج إلى عمل غير الحفظ والاقتطاف- محلّ إشكال.
مسألة 2 - لا تجوز المساقاة على الأشجار غير المثمرة كالخلاف ونحوه. نعم، لا يبعد جوازها على ما ينتفع بورقه أو ورده منها، كالتوت الذكر والحنّاء وبعض أقسام الخلاف ذي الورد ونحوها.
مسألة 3 - تجوز المساقاة على فسلان مغروسة قبل أن تصير مثمرة، بشرط أن تجعل المدّة بمقدار تصير مثمرةً فيها، كخمس سنين أو ستّ أو أزيد.
مسألة 4 - لو كانت الأشجار لاتحتاج إلى السقي لاستغنائها بماء السماء أو لمصّها من رطوبات الأرض ولكن احتاجت إلى أعمال اُخر فالأقرب الصحّة إذا كانت الأعمال يستزاد بها الثمر، كانت الزيادة عينيّةً أو كيفيّةً. وفي غيرها تشكل الصحّة، فلا يترك الاحتياط.
مسألة 5 - لو اشتمل البستان على أنواع من الشجر والنخيل يجوز أن يفرد كلّ نوع بحصّة مخالفة للحصّة من النوع الآخر، كما إذا جعل النصف في ثمرة النخيل والثلث في الكرم والربع في الرمّان مثلا ؛ لكن إذا علما بمقدار كلّ نوع من الأنواع، كما أنّ العلم الرافع للغرر شرط في المعاملة على المجموع بحصّة متّحدة.
مسألة 6 - من المعلوم أن ما يحتاج إليه البساتين والنخيل والأشجار في إصلاحها وتعميرها واستزادة ثمارها وحفظها أعمال كثيرة:
فمنها: ما يتكرّر في كلّ سنة مثل إصلاح الأرض، وتنقية الأنهار، وإصلاح طريق الماء، وإزالة الحشيش المضرّ، وتهذيب جرائد النخل والكرم، والتلقيح، والتشميس، وإصلاح موضعه، وحفظ الثمرة إلى وقت القسمة، وغير ذلك.
ومنها: ما لا يتكرّر غالبا، كحفر الآبار والأنهار، وبناء الحائط والدولاب والدالية ونحو ذلك. فمع إطلاق عقد المساقاة الظاهر أنّ القسم الثاني على المالك، وأمّا القسم الأوّل فيتّبع التعارف والعادة، فما جرت على كونه على المالك أو العامل كان هو المتّبع، ولا يحتاج إلى التعيين؛ ولعلّ ذلك يختلف باختلاف البلاد. وإن لم تكن عادة لابدّ من تعيين أنّه على أيّهما.
مسألة 7 - المساقاة لازمة من الطرفين، لا تنفسخ إلّا بالتقايل أو الفسخ بخيار، ولا تبطل بموت أحدهما، بل يقوم وارثهما مقامهما. نعم، لو كانت مقيّدةً بمباشرة العامل تبطل بموته.
مسألة 8 - لايشترط في المساقاة أن يكون العامل مباشرا بنفسه، فيجوز أن يستأجر أجيرا لبعض الأعمال أو تمامها وتكون عليه الاُجرة. وكذا يجوز أن يتبرّع متبرّع بالعمل ويستحقّ العامل الحصّة المقرّرة. نعم، لو لم يقصد التبرّع عنه ففي كفايته إشكال. وأشكل منه لو قصد التبرّع عن المالك. وكذا الحال لو لم يكن عليه إلّا السقي ويستغنى عنه بالأمطار ولم يحتج إليه أصلا. نعم، لو كان عليه أعمال اُخر غير السقي واستغني عنه بالمطر وبقي سائر الأعمال: فإن كانت بحيث يستزاد بها الثمر فالظاهر استحقاق حصّته، وإلّا فمحلّ إشكال.
مسألة 9 - يجوز أن يشترط للعامل مع الحصّة من الثمر شيئا آخر من نقد وغيره، وكذا حصّة من الاُصول مشاعا أو مفروزا.
مسألة 10 - كلّ موضع بطل فيه عقد المساقاة تكون الثمرة للمالك، وللعامل عليه اُجرة مثل عمله حتّى مع علمه بالفساد شرعا. نعم، لو كان الفساد مستندا إلى اشتراط كون جميع الثمرة للمالك لم يستحقّ الاُجرة حتّى مع جهله بالفساد.
مسألة 11 - يملك العامل الحصّة من الثمر حين ظهوره؛ فإن مات بعده قبل القسمة وبطلت المساقاة من جهة اشتراط مباشرته للعمل انتقلت حصّته إلى وارثه، وتجب عليه الزكاة لو بلغت النصاب.
مسألة 12 - المغارسة باطلة. وهي أن يدفع أرضا إلى غيره ليغرس فيها على أن يكون المغروس بينهما، سواء اشترط كون حصّة من الأرض أيضا للعامل أولا، وسواء كانت الاُصول من المالك أو من العامل؛ وحينئذٍ يكون الغرس لصاحبه، فإن كانت من مالك الأرض فعليه اُجرة عمل الغارس، وإن كانت من الغارس فعليه اُجرة الأرض؛ فإن تراضيا على الإبقاء بالاُجرة أولا معها فذاك، وإلّا فلمالك الأرض الأمر بالقلع، وعليه أرش النقص إن نقص بالقلع، كما أنّ للغارس قلعه، وعليه طمّ الحفر ونحو ذلك ممّا حصل بالغرس، وليس لصاحب الأرض إلزامه بالإبقاء ولو بلا اُجرة.
مسألة 13 - بعد بطلان المغارسة يمكن أن يتوصّل إلى نتيجتها، بإدخالها تحت عنوان آخر مشروع يشتركان في الاُصول: إمّا بشرائها بالشركة ولو بأن يوكّل صاحب الأرض الغارسَ في أنّ كلّ ما يشتري من الفسيل يشتريه لهما، ثمّ يؤاجر الغارس نفسه لغرس حصّة صاحب الأرض وسقيها وخدمتها في مدّة معيّنة بنصف منفعة أرضه إلى تلك المدّة أو بنصف عينها؛ أو بتمليك أحدهما للآخر نصف الاُصول - مثلا - إن كانت من أحدهما، ويجعل العوضَ إذا كانت لصاحب الأرض الغرسَ والخدمةَ إلى مدّة معيّنة شارطا على نفسه بقاء حصّة الغارس في أرضه مجّانا إلى تلك المدّة، وإذا كانت من الغارس يجعل العوض نصف عين الأرض أو نصف منفعتها إلى مدّةمعيّنة شارطاعلى نفسه غرس حصّةصاحب الأرض وخدمتها إلى تلك المدّة.
مسألة 14 - الخراج الّذي يأخذه السلطان من النخيل والأشجار في الأراضي الخراجيّة على المالك، إلّا إذا اشترطا كونه على العامل أو عليهما.
مسألة 15 - لايجوز للعامل في المساقاة أن يساقي غيره إلّا بإذن المالك، لكن مرجع إذنه فيها إلى توكيله في إيقاع مساقاة اُخرى للمالك مع شخص ثالث بعد فسخ الاُولى، فلا يستحقّ العامل الأوّل شيئا. نعم، يجوز للعامل تشريك غيره في العمل على الظاهر. - كتاب الدين والقرض
- كتاب الرهن
كتاب الرهن
وهو عقد شُرّع للاستيثاق على الدين. ويقال للعين: الرهن والمرهون، ولدافعها: الراهن، ولآخذها: المرتهن. ويحتاج إلى الإيجاب من الراهن - وهو كلّ لفظ أفاد المقصود في متفاهم أهل المحاورة، كقوله: «رهنتك» أو «أرهنتك» أو «هذا وثيقة عندك على مالك» ونحو ذلك - والقبول من المرتهن؛ وهو كلّ لفظ دالّ على الرضا بالإيجاب. ولا يعتبر فيه العربيّة، بل الظاهر وقوعه بالمعاطاة.
مسألة ۱ - يشترط في الراهن والمرتهن البلوغ والعقل والقصد والاختيار، وفي خصوص الأوّل عدم الحجر بالسفه والفلس. ويجوز لوليّ الطفل والمجنون رهن مالهما مع المصلحة والغبطة، والارتهان لهما كذلك.
مسألة 2 - يشترط في صحّة الرهن القبض من المرتهن بإقباض من الراهن أو بإذن منه. ولو كان في يده شي ء وديعةً أو عاريةً بل ولو غصباً فأوقعا عقد الرهن عليه كفى، ولا يحتاج إلى قبض جديد. ولو رهن المشاع لا يجوز تسليمه إلى المرتهن إلّا برضا شريكه، ولكن لو سلّمه إليه فالظاهر كفايته في تحقّق القبض - الّذي هو شرط لصحّته- وإن تحقّق العدوان بالنسبة إلى حصّة شريكه.
مسألة 3 - إنّما يعتبرالقبض في الابتداء، ولا يعتبر استدامته؛ فلوقبضه المرتهن ثمّ صار في يد الراهن أو غيره بإذن الراهن أو بدونه لم يضرّ ولم يطرأه البطلان. نعم، للمرتهن استحقاق إدامة القبض وكونه تحت يده، فلا يجوز انتزاعه منه.
مسألة 4 - يشترط في المرهون أن يكون عيناً مملوكاً يصحّ بيعه ويمكن قبضه؛ فلا يصحّ رهن الدين قبل قبضه على الأحوط وإن كان للصحّة وجه - وقبضه بقبض مصداقه - ولا رهن المنفعة، ولا الحرّ، و