تحميل:
تحرير الوسيلة
- المقدمه
تَحریرالوَسیلة
آيَة الله العُظمى الإمام الخُميني (قدس سره)
الحمدللّه الّذي فتح قلوب العلماء بمفاتيح الإيمان وشرح صدور العرفاء بمصابيح الإيقان، وصلّ اللّهمّ على جميع أنبيائك ورسلك سيّما خاتمهم وأفضلهم محمّدٍ المصطفى، وعلى آله المنتجبين حملة علومه ونقلة آدابه.
وبعد، فعجيبٌ أمر هذه الرسالة العمليّة، فهي - فضلاً عن كونها تناولت كلّ أبواب الفقه الإسلاميّ ابتداءً من التقليد والطهارة وانتهاءً بالحدود والديات - تطرّقت ولأوّل مرّة (حينذاك) لأحكام الجهاد والدفاع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقضايا الساعة ولمعالجتها للحوادث الواقعة، نراها ترجمت الى لغات شتّى، منها وعلى سبيل المثال إلى اللغة البوسنيّة على يد رئيس جمهوريّتها المجاهد عزّت علي بيگوفيج؛ أيّام سجنه.
وعجيبٌ أمر محرّرها الإمام الخميني (قدس سره)، إذ أنّ هذه الشخصيّة العظيمة العملاقة - في الفكر والجهاد والعرفان والزهد والسياسة والريادة والفقه والاُصول والفلسفة والعلوم - استطاعت أن تقيم أعظم كيانٍ إسلاميّ في القرن العشرين يناطح به كلّ الطروحات الأرضيّة المعادية والتحالفات الاستكباريّة المتنافرة، ويوقظ كلّ نيام الاُمّة والمستضعفين في دنيا الاستغلال والاضطهاد، حتّى أصبح؛ أمل الشعوب.
هذا المرجع الربّانيّ والقائد الميدانيّ استطاع كذلك لعلوّ همّته ونافذ بصيرته أن ينشئ بفعل دروسه العلميّة والأخلاقيّة كوادر على شاكلته في الإخلاص والوعي والشجاعة والفداء والعلم والتقوى ، يحذون حذوَه ويقْفون أثره حذو القذّة بالقذّة وتتمنّاهم الشعوب قادةً لنهضاتها، ليضمن استمرار المسيرة الثوريّة الهادية وعزّتها وتكاملها ووحدتها وكرامتها وحفظ النظام ومِنعته حتّى يسلّموا الراية إلى صاحب العصر والزمان عجّل اللّه فرجه، وفي مقدّمتهم خليفته المنتخب ووريثه في المحبوبيّة وليّ أمر المسلمين آيةاللّه السيّد عليّ الخامنئيّ أعزّه اللّه وأدام ظلّه الوارف.
فما أعظم الإمام روح اللّه من مؤلّفٍ واُستاذ، ومربّ وزعيم، وما أعظم رسالته الّتي صارت مناراً للثائرين ومنهجاً عمليّاً للعارفين. فرحمهُ اللّه ورفع مقامه في الخالدين.
والمؤسّسة إذ تقوم بطبع ونشر هذه الرسالة المجيدة - بعد إراءتها لمؤسّسة نشر آثار الإمام الخميني (قدس سره) - تتقدّم بجزيل شكرها ووافر ثنائها لسماحة حجّةالإسلام والمسلمين الشيخ محمّدحسين أمراللّهي على تدقيقه إيّاها من ضبط عباراتها ونصوصها ومطابقتها مع عدّة نسخ. شكر اللّه سعيه وبارك له في مجهوده المثمر هذا، راجين أن يجد فيها عشّاق الإمام وسائر القرّاء الكرام الدقّة والنفع، ومنه تعالى التوفيق.مؤسّسة النشر الإسلامي
التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
الحمد للّه رب العالمين، والصلاة والسلام على محمّد و آله الطاهرين، ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين.
وبعد، فقد علّقت في سالف الزمان تعليقةً على كتاب «وسيلة النجاة» تصنيف السيّد الحجّة الفقيه الإصبهانيّ قدّس سرّه العزيز، فلمّا اُقصيت في أواخر شهر جمادى الثانية عام 1384 عن مدينة «قم» إلى «بورسا» من مدائن تركيا لأجل حوادث محزنة حدثت للإسلام والمسلمين - لعلّ التاريخ يضبطها - وكنت فارغ البال تحت النظر و المراقبة فيها أحببت أن اُدرج التعليقة في المتن لتسهيل التناول، ولو وفّقني اللّه تعالى لاُضيف إليه مسائل كثيرة الابتلاء، ونرجو من اللّه تعالى التوفيق، ومن الناظرين دعاء الخير لرفع البليّات عن بلاد المسلمين، سيّما عاصمة الشيعة، ولقطع يد الأجانب عنها، ولحسن العاقبة للفقير. - احكام التقليد
المقدّمة
[فی أحکام التقلید]إعلم أنّه یجب علی کلّ مکلّف غیر بالغ مرتبة الاجتهاد فی غیر الضروریّات من عباداته و معاملاته - ولو فی المستحبّات والمباحات - أن یکون إمّا مقلّدا أو محتاطا بشرط أن یعرف موارد الاحتیاط، ولا یعرف ذلک إلّا القلیل؛ فعمل العامیّ غیرالعارف بمواضع الاحتیاط من غیر تقلید باطلٌ بتفصیل یأتی.
مسألة 1 - یجوز العمل بالاحتیاط ولو کان مستلزماً للتکرار علی الأقوی.
مسألة 2 - التقلید هو العمل مستندا إلی فتوی فقیه معیّن، وهو الموضوع للمسألتین الآتیتین. نعم، ما یکون مصحّحا للعمل هو صدوره عن حجّة - کفتوی الفقیه - وإن لم یصدق علیه عنوان التقلید. وسیأتی أنّ مجرّد انطباقه علیه مصحّح له.
مسألة 3 - یجب أن یکون المرجع للتقلید عالما مجتهدا عادلا ورعا فی دین اللّه، بل غیر مکبّ علی الدنیا، ولا حریصا علیها وعلی تحصیلها - جاها ومالا - علی الأحوط. وفی الحدیث: «من کان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدینه مخالفا لهواه مطیعا لأمر مولاه فللعوامّ أن یقلّدوه».
مسألة 4 - یجوز العدول بعد تحقّق التقلید من الحیّ إلی الحیّ المساوی. ویجب العدول إذا کان الثانی أعلم علی الأحوط.
مسألة 5 - یجب تقلید الأعلم مع الإمکان علی الأحوط، ویجب الفحص عنه. وإذا تساوی المجتهدان فی العلم أو لم یعلم الأعلم منهما تخیّر بینهما. وإذا کان أحدهما المعیّن أورع أو أعدل فالأولی و الأحوط اختیاره. وإذا تردّد بین شخصین یحتمل أعلمیّة أحدهما المعیّن دون الآخر تعیّن تقلیده علی الأحوط.
مسألة 6 - إذا کان الأعلم منحصرا فی شخصین ولم یتمکّن من تعیینه تعیّن الأخذ بالاحتیاط أو العمل بأحوط القولین منهما علی الأحوط مع التمکّن، ومع عدمه یکون مخیّرا بینهما.
مسألة 7 - یجب علی العامیّ أن یقلّد الأعلم فی مسألة وجوب تقلید الأعلم؛ فإن أفتی بوجوبه لا یجوز له تقلید غیره فی المسائل الفرعیّة، وإن أفتی بجواز تقلید غیر الأعلم تخیّر بین تقلیده وتقلید غیره. ولا یجوز له تقلید غیر الأعلم إذا أفتی بعدم وجوب تقلید الأعلم. نعم، لو أفتی بوجوب تقلید الأعلم یجوز الأخذ بقوله، لکن لا من جهة حجّیّة قوله بل لکونه موافقا للاحتیاط.
مسألة 8 - إذا کان المجتهدان متساویین فی العلم یتخیّرالعامیّ فی الرجوع إلی أیّهما، کما یجوز له التبعیض فی المسائل بأخذ بعضهامن أحدهماوبعضهامن الآخر.
مسألة 9 - یجب علی العامیّ فی زمان الفحص عن المجتهد أو الأعلم أن یعمل بالاحتیاط. ویکفی فی الفرض الثانی الاحتیاط فی فتوی الّذین یحتمل أعلمیّتهم، بأن یأخذ بأحوط أقوالهم.
مسألة 10 - یجوز تقلید المفضول فی المسائل الّتی توافق فتواه فتوی الأفضل فیها، بل فی ما لا یعلم تخالفهما فی الفتوی أیضا.
مسألة 11 - إذا لم یکن للأعلم فتوی فی مسألة من المسائل یجوز الرجوع فی تلک المسألة إلی غیره مع رعایة الأعلم فالأعلم علی الأحوط.
مسألة 12 - إذا قلّد من لیس له أهلیّة الفتوی ثمّ التفت وجب علیه العدول. وکذا إذا قلّد غیر الأعلم وجب العدول إلی الأعلم علی الأحوط وکذا إذا قلّد الأعلم ثمّ صار غیره أعلم منه، علی الأحوط فی المسائل الّتی یعلم تفصیلا مخالفتهما فیها فی الفرضین.
مسألة 13 - لا یجوز تقلید المیّت ابتداءً. نعم، یجوز البقاء علی تقلیده بعد تحقّقه بالعمل ببعض المسائل مطلقا ولو فی المسائل الّتی لم یعمل بها علی الظاهر. ویجوز الرجوع إلی الحیّ الأعلم، والرجوع أحوط. ولا یجوز بعد ذلک الرجوع إلی فتوی المیّت ثانیا علی الأحوط، ولا إلی حیّ آخر کذلک إلّا إلی أعلم منه، فإنّه یجب علی الأحوط. ویعتبر أن یکون البقاء بتقلید الحیّ، فلو بقی علی تقلید المیّت من دون الرجوع إلی الحیّ الّذی یفتی بجواز ذلک کان کمن عمل من غیر تقلید.
مسألة 14 - إذا قلّد مجتهدا ثمّ مات فقلّد غیره ثمّ مات فقلّد فی مسألة البقاء علی تقلید المیّت من یقول بوجوب البقاء أو جوازه فهل یبقی علی تقلید المجتهد الأوّل أو الثانی؟ الأظهر البقاء علی تقلیدالأوّل إن کان الثالث قائلاً بوجوب البقاء، ویتخیّر بین البقاء علی تقلید الثانی والرجوع إلی الحیّ إن کان قائلًا بجوازه.
مسألة 15 - المأذون والوکیل عن المجتهد فی التصرّف فی الأوقاف أو الوصایا أو فی أموال القصّر ینعزل بموت المجتهد. وأمّا المنصوب من قبله - بأن نصبه متولّیا للوقف أو قیّما علی القصّر - فلا یبعد عدم انعزاله، لکن لا ینبغی ترک الاحتیاط بتحصیل الإجازة أو النصب الجدید للمنصوب من المجتهد الحیّ.
مسألة 16 - إذا عمل عملا- من عبادة أو عقد أو إیقاع - علی طبق فتوی من یقلّده فمات ذلک المجتهد فقلّد من یقول ببطلانه یجوز له البناء علی صحّة الأعمال السابقة، ولا یجب علیه إعادتها وإن وجب علیه فی ما یأتی العمل بمقتضی فتوی المجتهد الثانی.
مسألة 17 - إذا قلّد مجتهدا من غیر فحص عن حاله ثمّ شکّ فی أنّه کان جامعا للشرائط وجب علیه الفحص؛ وکذا لو قطع بکونه جامعا لها ثمّ شکّ فی ذلک علی الأحوط. وأمّا إذا أحرز کونه جامعا لها ثمّ شکّ فی زوال بعضها عنه -کالعدالة والاجتهاد- لا یجب علیه الفحص، ویجوز البناء علی بقاء حالته الاُولی.
مسألة 18 - إذا عرض للمجتهد ما یوجب فقده للشرائط - من فسق أو جنون أو نسیان - یجب العدول إلی الجامع لها، ولا یجوز البقاء علی تقلیده؛ کما أنّه لو قلّد من لم یکن جامعا للشرائط ومضی علیه برهة من الزمان کان کمن لم یقلّد أصلًا، فحاله حال الجاهل القاصر أو المقصّر.
مسألة 19 - یثبت الاجتهاد بالاختبار، وبالشیاع المفید للعلم، وبشهادة العدلین من أهل الخبرة؛ وکذا الأعلمیّة. ولا یجوز تقلید من لم یعلم أنّه بلغ مرتبة الاجتهاد وإن کان من أهل العلم؛ کما أنّه یجب علی غیر المجتهد أن یقلّد أو یحتاط وإن کان من أهل العلم وقریبا من الاجتهاد.
مسألة 20 - عمل الجاهل المقصّر الملتفت من دون تقلید باطل، إلّا إذا أتی به برجاء درک الواقع وانطبق علیه أو علی فتوی من یجوز تقلیده. وکذا عمل الجاهل القاصر أو المقصّر الغافل مع تحقّق قصد القربة صحیح إذا طابق الواقع أو فتوی المجتهد الّذی یجوز تقلیده.
مسألة 21 - کیفیّة أخذ المسائل من المجتهد علی أنحاء ثلاثة:
أحدها: السماع منه. الثانی: نقل العدلین أو عدل واحد عنه أو عن رسالته المأمونة من الغلط، بل الظاهر کفایة نقل شخص واحد إذا کان ثقةً یطمأنّ بقوله. الثالث: الرجوع إلی رسالته إذا کانت مأمونةً من الغلط.
مسألة 22 - إذا اختلف ناقلان فی نقل فتوی المجتهد فالأقوی تساقطهما مطلقا، سواء تساویا فی الوثاقة أم لا، فإذا لم یمکن الرجوع إلی المجتهد أو رسالته یعمل بما وافق الاحتیاط من الفتویین أو یعمل بالاحتیاط.
مسألة 23 - یجب تعلّم مسائل الشکّ والسهو وغیرها ممّا هو محلّ الابتلاء غالبا، إلّا إذا اطمأنّ من نفسه بعدم الابتلاء بها، کما یجب تعلّم أجزاء العبادات وشرائطها وموانعها ومقدّماتها. نعم، لو علمٍ إجمالا أنّ عمله واجد لجمیع الأجزاء والشرائط وفاقد للموانع صحّ وإن لم یعلم تفصیلا.
مسألة 24 - إذا علم أنّه کان فی عباداته بلا تقلید مدّةً من الزمان ولم یعلم مقداره: فإن علم بکیفیّتها وموافقتها لفتوی المجتهد الّذی رجع إلیه أو کان له الرجوع إلیه فهو، وإلّا یقضی الأعمال السابقة بمقدار العلم بالاشتغال وإن کان الأحوط أن یقضیها بمقدار یعلم معه بالبراءة.
مسألة 25 - إذا کان أعماله السابقة مع التقلید ولا یعلم أنّها کانت عن تقلید صحیح أم فاسد یبنی علی الصحّة.
مسألة 26 - إذا مضت مدّة من بلوغه وشکّ بعد ذلک فی أنّ أعماله کانت عن تقلیدٍ صحیح أم لا، یجوز له البناء علی الصحّة فی أعماله السابقة، وفی اللاحقة یجب علیه التصحیح فعلا.
مسألة 27 - یعتبر فی المفتی والقاضی العدالة. وتثبت بشهادة عدلین، وبالمعاشرة المفیدة للعلم أو الاطمینان، وبالشیاع المفید للعلم، بل تعرف بحسن الظاهر ومواظبته علی الشرعیّات والطاعات وحضور الجماعات ونحوها. والظاهر أنّ حسن الظاهر کاشف تعبّدیّ ولو لم یحصل منه الظنّ أو العلم.
مسألة 28 - العدالة عبارة عن ملکة راسخة باعثة علی ملازمة التقوی: من ترک المحرّمات وفعل الواجبات.
مسألة 29 - تزول صفة العدالة - حکما - بارتکاب الکبائر أو الإصرار علی الصغائر، بل بارتکاب الصغائر علی الأحوط، وتعود بالتوبة إذا کانت الملکة المذکورة باقیة.
مسألة 30 - إذا نقل شخصٌ فتوی المجتهد خطأً یجب علیه إعلام من تعلّم منه.
مسألة 31 - إذا اتّفق فی أثناءالصلاة مسألةٌ لایعلم حکمها ولم یتمکّن حینئذٍ من استعلامها بنی علی أحد الطرفین بقصد أن یسأل عن الحکم بعد الصلاة وأن یعیدها إذا ظهر کون المأتیّ به خلاف الواقع، فلو فعل کذلک فظهرت المطابقة صحّت صلاته.
مسألة 32 - الوکیل فی عمل عن الغیر - کإجراء عقد أو إیقاع أو أداء خمس أو زکاة أو کفّارة أو نحوها - یجب علیه أن یعمل بمقتضی تقلید الموکّل لا تقلید نفسه إذا کانا مختلفین؛ و أمّا الأجیر عن الوصیّ أو الولیّ فی إتیان الصلاة ونحوها عن المیّت فالأقوی لزوم مراعاة تقلیده، لا تقلید المیّت ولا تقلیدهما؛ وکذا لو أتی الوصیّ بها تبرّعا أو استیجارا یجب علیه مراعاة تقلیده لا تقلید المیّت؛وکذا الولیّ.
مسألة 33 - إذا وقعت معاملة بین شخصین و کان أحدهما مقلّدا لمن یقول بصحّتها والآخر مقلّدا لمن یقول ببطلانها یجب علی کلّ منهما مراعاة فتوی مجتهده، فلو وقع النزاع بینهما یترافعان عند أحد المجتهدین أو عند مجتهد آخر، فیحکم بینهما علی طبق فتواه وینفذ حکمه علی الطرفین. وکذا الحال فی ما إذا وقع إیقاعٌ متعلّقٌ بشخصین، کالطلاق والعتق ونحوهما.
مسألة 34 - الاحتیاط المطلق فی مقام الفتوی من غیر سبق فتوی علی خلافه أو لحوقها کذلک لا یجوز ترکه، بل یجب إمّا العمل بالاحتیاط أو الرجوع إلی الغیر: الأعلم فالأعلم؛ وأمّا إذا کان الاحتیاط فی الرسائل العملیّة مسبوقا بالفتوی علی خلافه کما لو قال بعد الفتوی فی المسألة: «وإن کان الأحوط کذا» أو ملحوقا بالفتوی علی خلافه کأن یقول: «الأحوط کذا وإن کان الحکم کذا» أو «وإن کان الأقوی کذا» أو کان مقرونا بما یظهر منه الاستحباب کأن یقول: «الأولی والأحوط کذا» جاز فی الموارد الثلاثة ترک الاحتیاط. - كتاب الطهارة
- احكام المياه
فصل في المياه
الماء إمّا مطلق، أو مضاف كالمعتصر من الأجسام، كماء الرَقّي والرمّان، والممتزج بغيره ممّا يخرجه عن صدق اسم الماء، كماء السكّر والملح.
والمطلق أقسام: الجاري والنابع بغير جريان، والبئر، والمطر، والواقف، ويقال له:الراكد.
مسألة ۱ - الماء المضاف طاهر في نفسه، وغير مطهّر لا من الحدث ولا من الخبث. ولو لاقى نجسا ينجس جميعه ولو كان ألف كرّ. نعم، إذا كان جاريا من العالي إلى السافل - ولو بنحو الانحدار مع الدفع بقوّة - ولاقى أسفله النجاسة تختصّ بموضع الملاقاة وما دونه، ولا تسري إلى الفوق.
مسألة ۲ - الماء المطلق لا يخرج بالتصعيد عن الإطلاق. نعم، لو مزج معه غيره وصعّد ربما يصير مضافا، كماء الورد ونحوه، كما أنّ المضاف المصعّد قد يكون مضافا. والمناط هو حال الاجتماع بعد التصعيد، فربما يكون المصعّد الأجزاء المائيّة وبعد الاجتماع يكون ماءً مطلقا، وربما يكون مضافا.
مسألة ۳ - إذا شكّ في مائع أنّه مطلق أو مضاف: فإن علم حالته السابقة يبني عليها إلّا في بعض الفروض، كالشبهة المفهوميّة والشكّ في بقاء الموضوع، وإن لم يعلم حالته السابقة فلا يرفع حدثا ولا خبثا. وإذا لاقى النجاسة: فإن كان قليلا ينجس قطعا، وإن كان كثيرا فالظاهر أنّه يحكم بطهارته.
مسألة 4 - الماء المطلق بجميع أقسامه يتنجّس في ما إذا تغيّر بسبب ملاقاة النجاسة أحد أوصافه: اللون والطعم والرائحة، ولا يتنجّس في ما إذا تغيّر بالمجاورة، كما إذا كان قريبا من جيفة فصار جائفا. نعم، إذا وقعت الجيفة خارج الماء ووقع جزء منها فيه وتغيّر بسبب المجموع من الداخل والخارج تنجّس.
مسألة 5 - المعتبر تأثّر الماء بأوصاف النجاسة لا المتنجّس، فإذا احمرّ الماء بالبَقّم المتنجّس لا ينجس إذا كان كرّا أو جاريا أو نحوهما.
مسألة 6 - المناط تغيّر أحد الأوصاف الثلاثة بسبب النجاسة وإن كان من غير سنخ النجس، فلو اصفرّ الماء - مثلا - بوقوع الدم فيه تنجّس.
مسألة 7 - لو وقع في الماء المعتصم متنجّس حامل لوصف النجس بوقوعه فيه فغيّره بوصف النجس لم يتنجّس على الأقوى، كما إذا وقعت ميتة في ماء فغيّرت ريحه ثمّ اُخرجت منه وصُبّ ذلك الماء في كرّ فغيّر ريحه. نعم، لو حمل المتنجّس أجزاء النجس فتغيّر المعتصم بها تنجّس.
مسألة 8 - الماء الجاري - وهو النابع السائل - لا ينجس بملاقاة النجس، كثيرا كان أو قليلا. ويلحق به النابع الواقف كبعض العيون. وكذلك البئر على الأقوى؛ فلا ينجس المياه المزبورة إلّا بالتغيّر.
مسألة 9 - الراكد المتّصل بالجاري حكمه حكم الجاري؛ فالغدير المتّصل بالنهر بساقية ونحوها كالنهر، وكذا أطراف النهر وإن كان ماؤها واقفا.
مسألة 10 - يطهر الجاري وما في حكمه لو تنجّس بالتغيّر إذا زال تغيّره ولو من قِبَل نفسه وامتزج بالمعتصم.
مسألة 11 - الراكد بلا مادّة ينجس بملاقاة النجاسة إذا كان دون الكرّ، سواء كان واردا عليها أو مورودا. ويطهر بالامتزاج بماء معتصم، كالجاري والكرّ وماء المطر. والأقوى عدم الاكتفاء بالاتّصال بلا امتزاج.
مسألة 12 - إذا كان الماء قليلا وشكّ في أنّ له مادّة أم لا: فإن كان في السابق ذامادّة وشكّ في انقطاعها يبني على الحالة الاُولى، وإلّا فلا، لكن مع ملاقاته للنجاسة يحكم بطهارته على الأقوى.
مسألة 13 - الراكد إذا بلغ كرّا لاينجس بالملاقاة إلّا بالتغيّر. وإذا تغيّر بعضه: فإن كان الباقي بمقدار كرّ يبقى غير المتغيّر على طهارته، ويطهر المتغيّر إذا زال تغيّره بالامتزاج بالكرّ الباقي، وإذا كان الباقي دون الكرّ ينجس الجميع.
مسألة 14 - للكرّ تقديران: أحدهما بحسب الوزن، وهو ألف ومائتا رطل عراقيّ، وهو بحسب حُقّة كربلاء والنجف المشرّفتين - وهي عبارة عن تسعمائة وثلاثة وثلاثين مثقالا و ثلث مثقال - خمس و ثمانون حقّة وربع ونصف ربع بقّاليّ ومثقالان ونصف مثقال صيرفيّ، وبحسب حقّة إسلامبول - وهي مائتان وثمانون مثقالًا - مائتا حقّة واثنتان وتسعون حقّة ونصف حقّة، وبحسب المنّ الشاهيّ -وهو ألف ومائتان وثمانون مثقالا- يصير أربعة وستّين منّا إلّا عشرين مثقالا، وبحسب المنّ التبريزيّ يصير مائة وثمانية وعشرين منّا إلّا عشرين مثقالًا، وبحسب منّ البمبئيّ - وهو أربعون سيرا، وكلّ سير سبعون مثقالا - يصير تسعة وعشرين منّا وربع منّ، وبحسب الكيلوالمتعارف (384) إلّا عشرين مثقالا أو 383/906/25 غراما على الأقرب.(۱)
وثانيهما: بحسب المساحة، وهو ما بلغ ثلاثة وأربعين شبرا إلّا ثمن شبر على الأحوط، بل لا يخلو من قوّة.
مسألة 15 - الماء المشكوك كرّيّته إن علم حالته السابقة يبني على تلك الحالة، وإلّا فالأقوى عدم تنجّسه بالملاقاة وإن لم يجر عليه سائر أحكام الكرّ.
مسألة 16 - إذا كان الماء قليلاً فصار كرّا وقد علم ملاقاته للنجاسة ولم يعلم سبق الملاقاة على الكرّيّة أو العكس يحكم بطهارته، إلّا إذا علم تاريخ الملاقاة دون الكرّيّة. وأمّا إذا كان كرّا فصار قليلا وقد علم ملاقاته للنجاسة ولم يعلم سبق الملاقاة على القلّة أو العكس فالظاهر الحكم بطهارته مطلقا حتّى في ما إذا علم تاريخ القلّة.
مسألة 17 - ماء المطر حال نزوله من السماء كالجاري، فلا ينجس ما لم يتغيّر. والأحوط اعتبار كونه بمقدار يجري على الأرض الصلبة وإن كان كفاية صدق المطر عليه لا يخلو من قوّة.
مسألة 18 - المراد بماء المطر - الّذي لا يتنجّس إلّا بالتغيّر - القطرات النازلة والمجتمع منها تحت المطر حال تقاطره عليه، وكذا المجتمع المتّصل بما يتقاطر عليه المطر؛ فالماء الجاري من الميزاب تحت سقف حال عدم انقطاع المطر كالماء المجتمع فوق السطح المتقاطر عليه المطر.
مسألة 19 - يطهّر المطر كلّ ما أصابه من المتنجّسات القابلة للتطهير: من الماء والأرض والفرش والأواني. والأقوى اعتبار الامتزاج في الأوّل، ولا يحتاج في الفرش و نحوه إلى العصر والتعدّد، بل لا يحتاج في الأواني أيضا إلى التعدّد. نعم، إذا كان متنجّسا بولوغ الكلب فالأقوى لزوم التعفير أوّلا ثمّ يوضع تحت المطر، فإذا نزل عليه يطهر من دون حاجة إلى التعدّد.
مسألة 20 - الفراش النجس إذا وصل إلى جميعه المطر ونفذ في جميعه يطهر ظاهرا وباطنا، ولو أصاب بعضه يطهر ما أصابه، ولو أصاب ظاهره ولم ينفذ فيه يطهر ظاهره فقط.
مسألة 21 - إذا كان السطح نجسا فنفذ فيه الماء وتقاطر من السقف حال نزول المطر يكون طاهرا وإن كان عين النجس موجودا على السطح وكان الماء المتقاطر مارّا عليها؛ وكذلك المتقاطر بعد انقطاع المطر إذا احتمل كونه من الماء المحتبس في أعماق السقف أو كونه غير مارّ على عين النجس ولا على ما تنجّس بها بعد انقطاع المطر. وأمّا لو علم أنّه من المارّ على أحدهما بعد انقطاعه يكون نجسا.
مسألة 22 - الماء الراكد النجس يطهر بنزول المطر عليه وامتزاجه به، وبالاتّصال بماء معتصم - كالكرّ والجاري - والامتزاج به. ولا يعتبر كيفيّة خاصّة في الاتّصال، بل المدار مطلقه ولو بساقية أو ثقب بينهما، كما لا يعتبر علوّ المعتصم أو تساويه مع الماء النجس. نعم، لو كان النجس جاريا من الفوق على المعتصم فالظاهر عدم الكفاية في طهارة الفوقانيّ في حال جريانه عليه.
مسألة 23 - الماء المستعمل في الوضوء لا إشكال في كونه طاهرا ومطهّرا للحدث والخبث، كما لا إشكال في كون المستعمل في رفع الحدث الأكبر طاهرا ومطهّرا للخبث، بل الأقوى كونه مطهّرا للحدث أيضا.
مسألة 24 - الماء المستعمل في رفع الخبث المسمّى بالغسالة نجس مطلقا.
مسألة 25 - ماء الاستنجاء - سواء كان من البول أو الغائط - طاهر إذا لم يتغيّر أحد أوصافه الثلاثة، ولم يكن فيه أجزاء متميّزة من الغائط، ولم يتعدّ فاحشا على وجه لايصدق معه الاستنجاء، ولم تصل إليه نجاسة من خارج. ومنه ما إذا خرج مع البول أو الغائط نجاسة اُخرى - مثل الدم - حتّى ما يعدّ جزءا منهما على الأحوط.
مسألة 26 - لا يشترط في طهارة ماء الاستنجاء سبق الماء على اليد وإن كان أحوط.
مسألة 27 - إذا اشتبه نجس بين أطراف محصورة - كإناء في عشرة - يجب الاجتناب عن الجميع. وإذا لاقى بعض أطرافه شي ء وكانت الحالة السابقة في ذلك البعض النجاسة فالأحوط - لو لم يكن الأقوى - الحكم بنجاسة الملاقي، ومع عدمها ففيه تفصيل.
مسألة 28 - لو اُريق أحد الإناءين المشتبهين يجب الاجتناب عن الآخر.
۱- في طبعة نشرآثارالإمام ورد هكذا: «وبحسب الكيلوالمتعارف(377/419)على الأقرب». - التخلى
- فصل في الوضوء
- فصل في الاغسال
- فصل في التيمم
- فصل في النجاسات
- فصل في المطهرات
-
- كتاب الصلاة
- كتاب الصوم
- كتاب الزكاة
- كتاب الخمس
- كتاب الحج
- كتاب الامر بالمعروف والنهى عن المنكر
- كتاب المكاسب والمتاجر
كتاب المكاسب والمتاجر
وهي أنواع كثيرة نذكر جلّها والمسائل المتعلّقة بها في طيّ كتب
مقدّمة تشتمل على مسائلمسألة 1 - لايجوز التكسّب بالأعيان النجسة بجميع أنواعها على إشكال في العموم؛ لكن لايترك الاحتياط فيها بالبيع والشراء وجعلها ثمنا في البيع، واُجرةً في الإجارة، وعوضا للعمل في الجعالة، بل مطلق المعاوضة عليها ولو بجعلها مهرا أو عوضا في الخلع ونحو ذلك؛ بل لايجوز هبتها والصلح عليها بلا عوض؛ بل لايجوز التكسّب بها ولو كانت لها منفعة محلّلة مقصودة، كالتسميد في العذرة. ويستثنى من ذلك العصير المغليّ قبل ذهاب ثلثيه بناءً على نجاسته، والكافر بجميع أقسامه حتّى المرتدّ عن فطرة على الأقوى، وكلب الصيد بل والماشية والزرع والبستان والدور.
مسألة 2 - الأعيان النجسة عدا ما استثني وإن لم يعامل معها شرعا معاملة الأموال لكن لمن كانت هي في يده وتحت استيلائه حقّ اختصاص متعلّق بها ناشئ إمّا من حيازتها أو من كون أصلها مالا له ونحو ذلك، كما إذا مات حيوان له فصار ميتة أو صار عنبه خمرا. وهذا الحقّ قابل للانتقال إلى الغير بالإرث وغيره. ولا يجوز لأحد التصرّف فيها بلا إذن صاحب الحقّ، فيصحّ أن يصالح عليه بلاعوض، لكن جعله عوضا لايخلو من إشكال، بل لايبعد دخوله في الاكتساب المحظور. نعم، لو بذل له مالا ليرفع يده عنها ويعرض فيحوزها الباذل سلم من الإشكال، نظير بذل المال لمن سبق إلى مكان من الأمكنة المشتركة - كالمسجد والمدرسة - ليرفع يده عنه فيسكن الباذل.
مسألة 3 - لا إشكال في جواز بيع مالا تحلّه الحياة من أجزاء الميتة ممّا كانت له منفعة محلّلة مقصودة، كشعرها وصوفها بل ولبنها إن قلنا بطهارته. وفي جواز بيع الميتة الطاهرة - كالسمك ونحوه - إذا كانت له منفعة ولو من دهنه إشكال لايترك الاحتياط.
مسألة 4 - لا إشكال في جواز بيع الأرواث إذا كانت لها منفعة. وأمّا الأبوال الطاهرة فلا إشكال في جواز بيع بول الإبل؛ وأمّا غيره ففيه إشكال، لا يبعد الجواز لو كانت له منفعة محلّلة مقصودة.
مسألة 5 - لا إشكال في جواز بيع المتنجّس القابل للتطهير؛ وكذا غير القابل له إذا جاز الانتفاع به مع وصف نجاسته في حال الاختيار، كالدهن المتنجّس الّذي يمكن الانتفاع به بالإسراج وطلي السفن، والصبغ والطين المتنجّسين، والصابون ونحو ذلك. وأمّا ما لا يقبل التطهير وكان جواز الانتفاع به متوقّفا على طهارته -كالسكنجبين النجس ونحوه - فلايجوز بيعه والمعاوضة عليه.
مسألة 6 - لا بأس ببيع الترياق المشتمل على لحوم الأفاعي مع عدم ثبوت أنّها من ذوات الأنفس السائلات،ومع استهلاكها فيه - كما هوالغالب بل المتعارف- جاز استعماله وينتفع به. وأمّا المشتمل على الخمر فلا يجوز بيعه، لعدم قابليّته للتطهير، وعدمِ حلّيّة الانتفاع به مع وصف النجاسة حال الاختيار، الّذي هو المدار لا الجواز عند الاضطرار.
مسألة 7 - يجوز بيع الهرّة ويحلّ ثمنها بلا إشكال. وأمّا غيرها من أنواع السباع فالظاهر جوازه إذا كان ذامنفعة محلّلة مقصودة عند العقلاء. وكذإ؛لاء ظظ الحشرات بل المسوخ أيضا إذا كانت كذلك. فهذا هو المدار في جميع الأنواع، فلاإشكال في بيع العلق - الّذي يمصّ الدم الفاسد - ودود القزّ ونحل العسل وإن كانت من الحشرات، وكذا الفيل الّذي ينتفع بظهره وعظمه وإن كان من المسوخ.
مسألة 8 - يحرم بيع كلّ ما كان آلة للحرام بحيث كانت منفعته المقصودة منحصرةً فيه مثل آلات اللهو كالعيدان والمزامير والبرابط ونحوها، وآلات القمار كالنرد والشطرنج ونحوهما. وكما يحرم بيعها وشراؤها يحرم صنعتها والاُجرة عليها، بل يجب كسرها وتغيير هيئتها. نعم، يجوز بيع مادّتها من الخشب والصفر -مثلا- بعد الكسر، بل قبله أيضا إذا اشترط على المشتري كسرها، أو بيع المادّة ممّن يثق به أنّه يكسرها. ومع عدم ما ذكر ففيه إشكال. ويجوز بيع أواني الذهب والفضّة للتزيين والاقتناء.
مسألة 9 - الدراهم الخارجة عن الاعتبار أو المغشوشة المعمولة لأجل غشّ الناس تحرم المعاملة بها وجعلها عوضا أو معوّضا في المعاملات مع جهل من تدفع إليه، بل مع علمه واطّلاعه أيضا على الأحوط لو لم يكن الأقوى، إلّا إذا وقعت المعاملة على مادّتها واشترط على المتعامل كسرها أو كان موثوقا به في الكسر، إذ لايبعد وجوب إتلافها ولو بكسرها، دفعا لمادّة الفساد.
مسألة 10 - يحرم بيع العنب والتمر ليعمل خمرا، والخشب - مثلا - ليعمل صنما أو آلةً للّهو أو القمار ونحو ذلك؛ وذلك إمّا بذكر صرفه في المحرّم والالتزام به في العقد، أو تواطئهما على ذلك، ولو بأن يقول المشتري لصاحب العنب مثلا: «بعني منّا من العنب لأعمله خمرا» فباعه. وكذا تحرم إجارة المساكن ليباع ويحرز فيها الخمر، أو ليُعمل فيها بعض المحرّمات، وإجارة السفن أو الحمولة لحمل الخمر وشبهها بأحد الوجهين المتقدّمين. وكما يحرم البيع والإجارة في ما ذكر يفسدان أيضا، فلا يحلّ له الثمن والاُجرة. وكذا بيع الخشب لمن يعلم أنّه يجعله صليبا أو صنما؛ بل وكذا بيع العنب والتمر والخشب ممّن يعلم أنّه يجعلها خمرا وآلة للقمار والبرابط، وإجارة المساكن لمن يعلم أنّه يعمل فيها ما ذكر أو يبيعها وأمثال ذلك في وجه قويّ. والمسألة من جهة النصوص مشكلة جدّا، والظاهر أنّها معلّلة.
مسألة 11 - يحرم بيع السلاح من أعداء الدين حال مقاتلتهم مع المسلمين، بل حال مباينتهم معهم بحيث يخاف منهم عليهم. وأمّا في حال الهدنة معهم أو زمان وقوع الحرب بين أنفسهم ومقاتلة بعضهم مع بعض فلابدّ في بيعه من مراعاة مصالح الإسلام والمسلمين ومقتضيات اليوم، والأمر فيه موكول إلى نظر والي المسلمين، وليس لغيره الاستبداد بذلك. ويلحق بالكفّار من يعادي الفرقة الحقّة من سائر الفرق المسلمة. ولا يبعد التعدّي الى قطّاع الطريق وأشباههم؛ بل لايبعد التعدّي من بيع السلاح إلى بيع غيره لهم ممّا يكون سببا لتقويتهم على أهل الحقّ، كالزاد والراحلة والحمولة ونحوها.
مسألة 12 - يحرم تصوير ذوات الأرواح من الإنسان والحيوان إذا كانت الصورة مجسّمةً، كالمعمولة من الأحجار والفلزّات والأخشاب ونحوها. والأقوى جوازه مع عدم التجسيم وإن كان الأحوط تركه. ويجوز تصوير غير ذوات الأرواح كالأشجار والأوراد ونحوها ولو مع التجسيم. ولا فرق بين أنحاء التصوير من النقش والتخطيط والتطريز والحكّ وغير ذلك. ويجوز التصوير المتداول في زماننا بالآلات المتداولة، بل الظاهر أنّه ليس من التصوير. وكما يحرم عمل التصوير من ذوات الأرواح مجسّمةً يحرم التكسّب به وأخذ الاُجرة عليه. هذا كلّه في عمل الصور. وأمّا بيعها واقتناؤها واستعمالها والنظر إليها فالأقوى جواز ذلك كلّه حتّى المجسّمات. نعم، يكره اقتناؤها وإمساكها في البيت.
مسألة 13 - الغناء حرام فعله وسماعه والتكسّب به. وليس هو مجرّد تحسين الصوت، بل هو مدّه وترجيعه بكيفيّة خاصّة مطربة تناسب مجالس اللهو ومحافل الطرب وآلات اللهو والملاهي. ولا فرق بين استعماله في كلام حقّ - من قراءة القرآن والدعاء والمرثية - وغيره من شعر أو نثر، بل يتضاعف عقابه لو استعمله في ما يطاع به اللّه تعالى. نعم، قد يستثنى غناء المغنيّات في الأعراس، وهو غير بعيد. ولا يترك الاحتياط بالاقتصار على زفّ العرائس والمجلس المعدّ له مقدّما ومؤخّرا، لا مطلق المجالس، بل الأحوط الاجتناب مطلقا.
مسألة 14 - معونة الظالمين في ظلمهم بل في كلّ محرّم حرام بلا إشكال؛ بل ورد عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «من مشى إلى ظالم ليعينه وهو يعلم أنّه ظالم فقد خرج من الإسلام». وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): «إذا كان يوم القيامة ينادي مناد: أين الظلمة وأعوان الظلمة حتّى من برى لهم قلما ولاق لهم دواةً؟ قال: فيجتمعون في تابوت من حديد ثمّ يرمى بهم في جهنّم». وأمّا معونتهم في غير المحرّمات فالظاهر جوازها مالم يعدّ من أعوانهم وحواشيهم والمنسوبين إليهم ولم يكن اسمه مقيّدا في دفترهم وديوانهم ولم يكن ذلك موجبا لازدياد شوكتهم وقوّتهم.
مسألة 15 - يحرم حفظ كتب الضلال ونسخها وقراءتها ودرسها وتدريسها إن لم يكن غرض صحيح في ذلك، كأن يكون قاصدا لنقضها وإبطالها وكان أهلا لذلك ومأمونا من الضلال. وأمّا مجرّد الاطّلاع على مطالبها فليس من الأغراض الصحيحة المجوّزة لحفظها لغالب الناس من العوامّ الّذين يخشى عليهم الضلال والزلل، فاللازم على أمثالهم التجنّب عن الكتب المشتملة على ما يخالف عقائد المسلمين، خصوصا ما اشتمل منها على شبهات ومغالطات عجزوا عن حلّها ودفعها، ولا يجوز لهم شراؤها وإمساكها وحفظها، بل يجب عليهم إتلافها.
مسألة 16 - عمل السحر وتعليمه وتعلّمه والتكسّب به حرام. والمراد به ما يعمل من كتابة أو تكلّم أو دخنة أو تصوير أو نفث أو عقد ونحو ذلك يؤثّر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله، فيؤثّر في إحضاره أو إنامته أو إغمائه أو تحبيبه أو تبغيضه ونحو ذلك.
ويلحق بذلك استخدام الملائكة وإحضار الجنّ وتسخيرهم وإحضار الأرواح وتسخيرها وأمثال ذلك. بل يلحق به أو يكون منه الشعبذة، وهي إراءة غير الواقع واقعا بسبب الحركة السريعة.
وكذلك الكهانة. وهي تعاطي الأخبار عن الكائنات في مستقبل الزمان، بزعم أنّه يلقي إليه الأخبار عنها بعض الجانّ، أو بزعم أنّه يعرف الاُمور بمقدّمات وأسباب يستدلّ بها على مواقعها.
والقيافة. وهي الاستناد إلى علامات خاصّة في إلحاق بعض الناس ببعض وسلب بعض عن بعض، على خلاف ما جعله الشارع ميزانا للإلحاق وعدمه من الفراش وعدمه.
والتنجيم. وهو الإخبار على البتّ والجزم عن حوادث الكون من الرخص والغلاء والجدب والخصب وكثرة الأمطار وقلّتها وغير ذلك من الخير والشرّ والنفع والضرر، مستندا الى الحركات الفلكيّة والنظرات والاتّصالات الكوكبيّة، معتقدا تأثيرها في هذا العالم على نحو الاستقلال أو الاشتراك مع اللّه - تعالى عمّا يقول الظالمون - دون مطلق التأثير ولو بإعطاء اللّه تعالى إيّاها إذا كان عن دليل قطعيّ. وليس منه الإخبار عن الخسوف والكسوف والأهلّة واقتران الكواكب وانفصالها بعد كونه ناشئا عن اُصول وقواعد سديدة. والخطأ الواقع منهم أحيانا ناشئ من الخطأ في الحساب وإعمال القواعد، كسائر العلوم.
مسألة 17 - يحرم الغشّ بما يخفى في البيع والشراء، كشوب اللبن بالماء، وخلط الطعام الجيّد بالردي ء، ومزج الدهن بالشحم أو بالدهن النباتيّ، ونحو ذلك، من دون إعلام. ولا يفسد المعاملة به وإن حرم فعله وأوجب الخيار للطرف بعد الاطّلاع. نعم، لو كان الغشّ بإظهار الشي ء على خلاف جنسه - كبيع المموّه على أنّه ذهب أو فضّة ونحو ذلك - فسد أصل المعاملة.
مسألة 18 - يحرم أخذ الاُجرة على ما يجب عليه فعله عينا، بل ولو كفائيّا على الأحوط فيه، كتغسيل الموتى وتكفينهم ودفنهم. نعم، لو كان الواجب توصّليّا -كالدفن- ولم يبذل المال لأجل أصل العمل بل لاختيار عمل خاصّ لابأس به. فالمحرّم أخذ الاُجرة لأصل الدفن. وأمّا لو اختار الوليّ مكانا خاصّا وقبرا مخصوصا وأعطى المال لحفر ذلك المكان الخاصّ فالظاهر أنّه لابأس به. كما لابأس بأخذ الطبيب الاُجرة للحضور عند المريض وإن أشكل أخذها لأصل المعالجة وإن كان الأقوى جوازه. ولو كان العمل تعبّديّا يشترط فيه التقرّب -كالتغسيل- فلا يجوز أخذها عليه على أيّ حال. نعم، لابأس بأخذها على بعض الاُمور غير الواجبة كما تقدّم في غسل الميّت. وممّا يجب على الإنسان تعليم مسائل الحلال والحرام، فلا يجوز أخذها عليه. وأمّا تعليم القرآن فضلا عن غيره من الكتابة وقراءة الخطّ وغير ذلك فلا بأس بأخذها عليه. والمراد بالواجبات المذكورة ما وجب على نفس الأجير. وأمّا ما وجب على غيره ولا يعتبر فيه المباشرة فلا بأس بأخذ الاُجرة عليه حتّى في العبادات الّتي يشرع فيها النيابة، فلابأس بالاستيجار للأموات في العبادات كالحجّ والصوم والصلاة.
مسألة 19 - يكره اتّخاذ بيع الصرف والأكفان والطعام حرفةً؛ وكذا بيع الرقيق، فإنّ شرّ الناس من باع الناس؛ وكذا اتّخاذ الذبح والنحر صنعةً؛ وكذا صنعة الحياكة والحجامة؛ وكذا التكسّب بضراب الفحل، بأن يؤاجره لذلك مع ضبطه بالمرّة والمرّات المعيّنة أو بالمدّة أو بغير الإجارة. نعم، لابأس بأخذ الهديّة والعطيّة لذلك.
مسألة 20 - لاريب في أنّ التكسّب وتحصيل المعيشة بالكدّ والتعب محبوب عنداللّه تعالى؛ وقد ورد عن النبى(صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة (عليهم السلام): الحثّ والترغيب عليه مطلقا، وعلى خصوص التجارة والزراعة واقتناء الأغنام والبقر روايات كثيرة. نعم، ورد النهي عن إكثار الإبل.
مسألة 21 - يجب على كلّ من يباشر التجارة وسائر أنواع التكسّب تعلّم أحكامها والمسائل المتعلّقة بها ليعرف صحيحها عن فاسدها، ويسلم من الربا. والقدر اللازم أن يكون عالما - ولو عن تقليد - بحكم التجارة والمعاملة الّتي يوقعها حين إيقاعها، بل ولو بعد إيقاعها إذا كان الشكّ في الصحّة والفساد فقط؛ وأمّا إذا اشتبه حكمها من جهة الحرمة والحلّيّة - لامن جهة مجرّد الصحّة والفساد - يجب الاجتناب عنها، كموارد الشكّ في أنّ المعاملة ربويّة، بناءً على حرمة نفس المعاملة أيضا، كما هو كذلك على الأحوط.
مسألة 22 - للتجارة والتكسّب آداب مستحبّة ومكروهة:
أمّا المستحبّة فأهمّها: الإجمال في الطلب والاقتصاد فيه، بحيث لايكون مضيّعا ولا حريصا.
ومنها: إقالة النادم في البيع والشراء لو استقاله.
ومنها: التسوية بين المتبايعين في السعر، فلا يفرق بين المماكس وغيره بأن يقلّل الثمن للأوّل ويزيده للثاني. نعم، لابأس بالفرق بسبب الفضل والدين ونحو ذلك ظاهرا.
ومنها: أن يقبض لنفسه ناقصا ويعطي راجحا.
وأمّا المكروهة فاُمور:
منها: مدح البائع لمتاعه.
ومنها: ذمّ المشتري لما يشتريه.
ومنها: اليمين صادقا على البيع والشراء.
ومنها: البيع في موضع يستتر فيه العيب.
ومنها: الربح على المؤمن إلّا مع الضرورة، أو كان الشراء للتجارة، أو كان اشتراؤه للمتاع أكثر من مائة درهم، فإنّ ربح قوت اليوم منه غير مكروه.
ومنها: الربح على من وعده بالإحسان إلّا مع الضرورة.
ومنها: السوم ما بين الطلوعين.
ومنها: الدخول في السوق أوّلا والخروج منه آخرا.
ومنها: مبايعة الأدنين الّذين لايبالون بما قالوا وما قيل لهم.
ومنها: التعرّض للكيل أو الوزن أو العدّ أو المساحة إذا لم يحسنه.
ومنها: الاستحطاط من الثمن بعد العقد.
ومنها: الدخول فى سوم المؤمن على الأظهر، وقيل بالحرمة. ولا يكون منه الزيادة في ما إذا كان المبيع في المزايدة.
ومنها: تلقّي الركبان والقوافل واستقبالهم للبيع عليهم أو الشراء منهم قبل وصولهم إلى البلد. وقيل: يحرم وإن صحّ البيع والشراء، وهو الأحوط وإن كان الأظهر الكراهة. وإنّما يكره بشروط: أحدها: كون الخروج بقصدذلك. ثانيها: تحقّق مسمّى الخروج من البلد. ثالثها: أن يكون دون الأربعة فراسخ؛ فلو تلقّى في الأربعة فصاعدا لم يثبت الحكم، بل هو سفر تجارة. والأقوى عدم اعتبار كون الركب جاهلا بسعر البلد. وهل يعمّ الحكم غير البيع والشراء كالإجارة ونحوها؟ وجهان.
مسألة 23 - يحرم الاحتكار. وهو حبس الطعام وجمعه يتربّص به الغلاء مع ضرورة المسلمين وحاجتهم وعدم وجود من يبذلهم قدر كفايتهم. نعم، مجرّد حبس الطعام انتظارا لعلوّ السعر مع عدم ضرورة الناس ووجود الباذل ليس بحرام وإن كان مكروها. ولو حبسه في زمان الغلاء لصرفه في حوائجه لا للبيع فلا حرمة فيه ولا كراهة. والأقوى عدم تحقّقه إلّا في الغلّات الأربع والسمن والزيت. نعم، هو أمر مرغوب عنه في مطلق ما يحتاج إليه الناس، لكن لايثبت لغير ما ذكر أحكام الاحتكار. ويُجبر المحتكر على البيع؛ ولا يعيّن عليه السعر على الأحوط، بل له أن يبيع بما شاء إلّا إذا أجحف، فيجبر على النزول من دون تسعير عليه، ومع عدم تعيينه يعيّن الحاكم بما يرى المصلحة.
مسألة 24 - لايجوز مع الاختيار الدخول في الولايات والمناصب والأشغال من قبل الجائر وإن كان أصل الشغل مشروعا مع قطع النظر عن تولّيه من قبله، كجباية الخراج، وجمع الزكاة، وتولّي المناصب الجنديّة والأمنيّة، وحكومة البلاد ونحو ذلك، فضلا عمّا كان غير مشروع في نفسه، كأخذ العشور والمُكُوس وغير ذلك من أنواع الظلم المبتدعة. نعم، يسوغ كلّ ذلك مع الجبر والإكراه، بإلزام من يُخشى من التخلّف عن إلزامه على نفسه أو عرضه أو ماله المعتدّ به، إلّا في الدماء المحترمة، بل في إطلاقه بالنسبة إلى تولّي بعض أنواع الظلم - كهتك أعراض طائفة من المسلمين، ونهب أموالهم، وسبي نسائهم، وإيقاعهم في الحرج - مع خوفه على عرضه ببعض مراتبه الضعيفة، أو على ماله إذا لم يقع في الحرج، بل مطلقا في بعضها إشكال بل منع. ويسوّغ خصوص القسم الأوّل - وهو الدخول في الولاية على أمر مشروع في نفسه - القيام بمصالح المسلمين وإخوانه في الدين؛ بل لو كان دخوله فيها بقصد الإحسان إلى المؤمنين ودفع الضرر عنهم كان راجحا؛ بل ربما بلغ الدخول في بعض المناصب والأشغال لبعض الأشخاص أحيانا إلى حدّ الوجوب، كما إذا تمكّن شخص بسببه من دفع مفسدة دينيّة أو المنع عن بعض المنكرات الشرعيّة مثلا، ومع ذلك فيها خطرات كثيرة إلّا لمن عصمه اللّه تعالى.
مسألة 25 - ما يأخذه الحكومة من الضريبة على الأراضي مع شرائطها - جنسا أو نقدا - وعلى النخيل والأشجار يعامل معها معاملة ما يأخذه السلطان العادل، فيبرأ ذمّة الدافع عمّا كان عليه من الخراج الّذي هو اُجرة الأرض الخراجيّة. ويجوز لكلّ أحد شراؤه وأخذه مجّانا وبالعوض، والتصرّف فيه بأنواع التصرّف؛ بل لو لم يأخذه الحكومة وحوّل شخصا على من عليه الخراج بمقدار فدفعه إلى المحتال يحلّ له، وتبرأ ذمّة المحال عليه عمّا عليه؛ لكنّ الأحوط - خصوصا في مثل هذه الأزمنة - رجوع من ينتفع بهذه الأراضي ويتصرّف فيها في أمر خراجها وكذلك من يصل إليه من هذه الأموال شي ء إلى حاكم الشرع أيضا. والظاهر أنّ حكم السلطان المؤالف كالمخالف، وإن كان الاحتياط بالرجوع إلى الحاكم في الأوّل أشدّ.
مسألة 26 - يجوز لكلّ أحد أن يتقبّل الأراضي الخراجيّة، ويضمنها من الحكومة بشي ء، وينتفع بها بنفسه بزرع أو غرس أو غيره، أو يقبلها ويضمنها لغيره ولو بالزيادة، على كراهيّة في هذه الصورة، إلّا أن يحدث فيها حدثا كحفر نهر أو عمل فيها بما يُعين المستأجر، بل الأحوط ترك التقبيل بالزيادة إلّا معه. - كتاب البيع
- كتاب الشفعة
كتاب الشفعة
مسألة 1 - لو باع أحد الشريكين حصّته من شخص أجنبيّ فللشريك الآخر مع اجتماع الشروط الآتية حقّ أن يتملّكها وينتزعها من المشتري بما بذله من الثمن، ويسمّى هذا الحقّ بالشفعة وصاحبه بالشفيع.
مسألة ۲ - لا إشكال في ثبوت الشفعة في كلّ ما لا يُنقل إن كان قابلا للقسمة، كالأراضي والبساتين والدور ونحوها. وفي ثبوتها في ما يُنقل كالثياب والمتاع والسفينة والحيوان وفي ما لاينقل إن لم يكن قابلا للقسمة - كالضيّقة من الأنهار والطرق والآبار وغالب الأرحية والحمّامات وكذا الشجر والنخيل والثمار على النخيل والأشجار - إشكال، فالأحوط للشريك عدم الأخذ بالشفعة إلّا برضا المشتري، وللمشتري إجابة الشريك إن أخذ بها.
مسألة ۳ - إنّما تثبت الشفعة في بيع حصّة مشاعة من العين المشتركة، فلاشفعة بالجوار؛ فلو باع شخص داره أو عقاره ليس لجاره الأخذ بالشفعة؛ وكذا ليست في العين المقسومة إذا باع أحد الشريكين حصّته المفروزة، إلّا إذا كانت دارا قد قسمت بعد اشتراكها أو كانت من أوّل الأمر مفروزةً ولها طريق مشترك فباع أحد الشريكين حصّته المفروزة من الدار، فتثبت الشفعة للآخر إذا بيعت مع طريقها؛ بخلاف ما إذا بقي الطريق على الاشتراك بينهما، فلا شفعة حينئذٍ في بيع الحصّة. وفي إلحاق الاشتراك في الشرب - كالبئر والنهر والساقية - بالاشتراك في الطريق إشكال، لايترك الاحتياط في المسألة المتقدّمة فيه؛ وكذا في إلحاق البستان والأراضي مع اشتراك الطريق بالدار، فلا يترك فيها أيضا.
مسألة 4 - لو باع شيئا وشِقصا من دار أو باع حصّةً مفروزةً من دار مع حصّة مشاعة من اُخرى صفقةً واحدةً كان للشريك الشفعة في الحصّة المشاعة بحصّتها من الثمن وإن كان الأحوط تحصيل المراضاة بما مرّ.
مسألة 5 - يشترط في ثبوت الشفعة انتقال الحصّة بالبيع؛ فلو انتقلت بجعلها صداقا أو فديةً للخلع أو بالصلح أو الهبة فلا شفعة.
مسألة 6 - إنّما تثبت الشفعة لو كانت العين بين شريكين؛ فلا شفعة إذا كانت بين ثلاثة وما فوقها، من غير فرق على الظاهر بين أن يكون البائع اثنين من ثلاثة -مثلا- فكان الشفيع واحدا وبالعكس. نعم، لو باع أحد الشريكين حصّته من اثنين -مثلا- دفعةً أو تدريجا فصارت العين بين ثلاثة بعد البيع لا مانع من الشفعة للشريك الآخر، فهل له التبعيض - بأن يأخذ بها بالنسبة إلى أحد المشتريين ويترك الآخر - أولا؟ وجهان بل قولان، لا يخلو أوّلهما من قوّة.
مسألة 7 - لو كانت الدار مشتركةً بين الطلق والوقف وبيع الطلق لم يكن للموقوف عليه - ولو كان واحدا - ولا لوليّ الوقف شفعة، بل لو بيع الوقف في صورة صحّة بيعه فثبوتها لذي الطلق محلّ إشكال. والأقوى عدم ثبوتها لو كان الوقف على أشخاص بأعيانهم وكانوا متعدّدين.
مسألة 8 - يعتبر في ثبوت الشفعة كون الشفيع قادرا على أداء الثمن؛ فلا شفعة للعاجز عنه وإن أتى بالضامن أو الرهن، إلّا أن يرضى المشتري بالصبر. بل يعتبر فيه إحضار الثمن عند الأخذ بها. ولو اعتذر بأنّه في مكان آخر فذهب ليحضره: فإن كان في البلد ينتظر ثلاثة أيّام، وإن كان في بلد آخر ينتظر بمقدار يمكن بحسب العادة نقل المال من ذلك بزيادة ثلاثة أيّام إذا لم يكن ذلك البلد بعيدا جدّا يتضرّر المشتري بتأجيله، فإن لم يحضر الثمن في تلك المدّة فلا شفعة له.
مسألة 9 - يشترط في الشفيع الإسلام إن كان المشتري مسلما؛ فلا شفعة للكافر على المسلم وإن اشتراه من كافر. وتثبت للكافر على مثله، وللمسلم على الكافر.
مسألة 10 - تثبت الشفعة للغائب، فله الأخذ بها بعد اطّلاعه على البيع ولو بعد زمان طويل. ولو كان له وكيل مطلق أو في الأخذ بها واطّلع هو على البيع دون موكّله له أن يأخذ بالشفعة له.
مسألة 11 - تثبت الشفعة للسفيه وإن لم ينفذ أخذه بها إلّا بإذن الوليّ أو إجازته في مورد حجره. وكذا تثبت للصغير والمجنون وإن كان المتولّي للأخذ بها عنهما وليّهما. نعم، لو كان الوليّ الوصيّ ليس له ذلك إلّا مع الغبطة والمصلحة؛ بخلاف الأب والجدّ، فإنّه يكفي فيهما عدم المفسدة، لكن لاينبغي لهما ترك الاحتياط بمراعاة المصلحة. ولو ترك الوليّ الأخذ بها عنهما إلى أن كملا فلهما أن يأخذا بها.
مسألة 12 - إذا كان الوليّ شريكا مع المولّى عليه فباع حصّته من أجنبيّ أو الوكيل المطلق كان شريكا مع موكّله فباع حصّة موكّله من أجنبيّ ففي ثبوت الشفعة لهما إشكال، بل عدمه لايخلو من وجه.
مسألة 13 - الأخذ بالشفعة إمّا بالقول، كأن يقول: «أخذت بالشفعة» أو «تملّكت الحصّة الكذائيّة» ونحو ذلك ممّا يفيد إنشاء تملّكه وانتزاع الحصّة المبيعة لأجل ذلك الحقّ، وإمّا بالفعل بأن يدفع الثمن ويأخذ الحصّة، بأن يرفع المشتري يده عنها ويخلّي بين الشفيع وبينها. ويعتبر دفع الثمن عند الأخذ بها قولا أو فعلا، إلّا إذا رضي المشتري بالتأخير. نعم، لو كان الثمن مؤجّلا فالظاهر أنّه يجوز له أن يأخذ بها ويتملّك الحصّة عاجلا، ويكون الثمن عليه إلى وقته؛ كما أنّه يجوز له الأخذ بها وإعطاء الثمن عاجلا، بل يجوز التأخير في الأخذ والإعطاء إلى وقته، لكنّ الأحوط الأخذ بها عاجلا.
مسألة 14 - ليس للشفيع تبعيض حقّه، بل إمّا أن يأخذ الجميع أو يدع.
مسألة 15 - الّذي يلزم على الشفيع - عند أخذه بالشفعة - دفع مثل الثمن الّذي وقع عليه العقد، سواء كانت قيمة الشقص أقلّ أو أكثر. ولا يلزم عليه دفع ما غرمه المشتري من المُؤَن كاُجرة الدلّال ونحوها، ولا دفع ما زاد المشتري على الثمن وتبرّع به للبائع بعد العقد؛ كما أنّه لو حطّ البائع بعد العقد شيئا من الثمن ليس له تنقيص ذلك المقدار.
مسألة 16 - لو كان الثمن مثليّا - كالذهب والفضّة ونحوهما - يلزم على الشفيع دفع مثله، وأمّا لو كان قيميّا - كالحيوان والجواهر والثياب ونحوها - ففي ثبوت الشفعة ولزوم أداء قيمته حين البيع أو عدم ثبوتها أصلًا وجهان بل قولان، ثانيهما هوالأقوى.
مسألة 17 - لو اطّلع الشفيع على البيع فله المطالبة في الحال، وتبطل شفعته بالمماطلة والتأخير بلا داعٍ عقلائيّ وعذر عقليّ أو شرعيّ أو عاديّ ؛ بخلاف ما إذا كان عدم الأخذ بها لعذر. ومن الأعذار عدم اطّلاعه على البيع وإن أخبر به غير من يوثق به. وكذا جهله باستحقاق الشفعة أو عدم جواز تأخير الأخذ بها بالمماطلة. بل من ذلك لو ترك الأخذ لتوهّمه كثرة الثمن فبان خلافه، أو كونه نقدا يصعب عليه تحصيله كالذهب فبان خلافه، وغير ذلك.
مسألة 18 - الشفعة من الحقوق تسقط بإسقاط الشفيع، بل لو رضي بالبيع من الأجنبيّ من أوّل الأمر أو عرض عليه شراء الحصّة فأبى لم تكن له شفعة من الأصل. وفي سقوطها بإقالة المتبايعين أو ردّ المشتري إلى البائع بعيب أو غيره وجه وجيه.
مسألة 19 - لو تصرّف المشتري في ما اشتراه: فإن كان بالبيع كان للشفيع الأخذ من المشتري الأوّل بما بذله من الثمن فيبطل الشراء الثاني، وله الأخذ من الثاني بما بذله فيصحّ الأوّل؛ وكذا لو زادت البيوع على اثنين فله الأخذ من الأوّل بما بذله فتبطل البيوع اللاحقة، وله الأخذ من الأخير فتصحّ البيوع المتقدّمة، وله الأخذ من الوسط فيصحّ ما تقدّم ويبطل ما تأخّر. وكذا إن كان بغير البيع كالوقف وغير ذلك، فله الأخذ بالشفعة وإبطال ما وقع من المشتري. ويحتمل أن تكون صحّتها مراعاةً بعدم الأخذ بها، وإلّا فهي باطلة من الأصل، وفيه تردّد.
مسألة 20 - لو تلفت الحصّة المشتراة بالمرّة بحيث لم يبق منها شي ء أصلًا سقطت الشفعة. ولو كان ذلك بعد الأخذ بها وكان التلف بفعل المشتري أو بغير فعله مع المماطلة في التسليم بعد الأخذ بها بشروطه ضمنه. وأمّا لو بقي منها شي ء كالدار إذا انهدمت وبقيت عرصتها وأنقاضها أو عابت لم تسقط، فله الأخذ بها وانتزاع ما بقي منها من العرصة والأنقاض - مثلاً - بتمام الثمن من دون ضمان على المشتري. ولو كان ذلك بعد الأخذ بها ضمن قيمة التالف أو أرش العيب إذا كان بفعله، بل أو بغير فعله مع المماطلة كما تقدّم.
مسألة 21 - يشترط في الأخذ بالشفعة علم الشفيع بالثمن حين الأخذ على الأحوط لو لم يكن الأقوى؛ فلو قال: «أخذت بالشفعة بالثمن بالغا ما بلغ» لم يصحّ وإن علم بعد ذلك.
مسألة 22 - الشفعة موروثة على إشكال. وكيفيّة إرثها أنّه عند أخذ الورثة بها يقسّم المشفوع بينهم على ما فرض اللّه في المواريث، فلو خلّف زوجةً وابنا فالثمن لها والباقي له، ولو خلّف ابنا وبنتا فللذكر مثل حظّ الاُنثيين. وليس لبعض الورثة الأخذ بها ما لم يوافقه الباقون. ولو عفا بعضهم وأسقط حقّه ففي ثبوتها لمن لم يعف إشكال.
مسألة 23 - لوباع الشفيع نصيبه قبل الأخذ بالشفعة فالظاهر سقوطها، خصوصا إذا كان بعد علمه بها.
مسألة 24 - يصحّ أن يصالح الشفيع المشتري عن شفعته بعوض وبدونه، ويكون أثره سقوطها، فلا يحتاج إلى إنشاء مسقط. ولو صالحه على إسقاطه أو على ترك الأخذ بها صحّ أيضا ولزم الوفاء به. ولو لم يوجد المسقط وأخذ بها فهل يترتّب عليه أثره وإن أثم في عدم الوفاء بما التزم أو لا أثر له؟ وجهان، أوجههما أوّلهما في الأوّل، بل في الثاني أيضا إن كان المراد ترك الأخذ بها مع بقائها، لاجعله كنايةً عن سقوطها.
مسألة 25 - لو كانت دار - مثلا - بين حاضر وغائب وكانت حصّة الغائب بيد شخص باعها بدعوى الوكالة عنه لا إشكال في جواز الشراء منه وتصرّف المشتري في ما اشتراه أنواع التصرّفات ما لم يعلم كذبه. وإنّما الاشكال في أنّه هل يجوز للشريك الأخذ بالشفعة وانتزاعها من المشتري أم لا؟ الأشبه الثاني. - كتاب الصلح
كتاب الصلح
وهو التراضي والتسالم على أمر: من تمليك عين أومنفعة،أوإسقاطدين أوحقّ، وغير ذلك. ولا يشترط بكونه مسبوقا بالنزاع. ويجوز إيقاعه على كلّ أمر إلّا ما استثني - كما يأتي بعضها - وفي كلّ مقام إلّا إذا كان محرّما لحلال أو محلّلا لحرام.
مسألة 1 - الصلح عقد مستقلّ بنفسه وعنوان برأسه، فلم يلحقه أحكام سائر العقود ولم تجر فيه شروطها وإن أفاد فائدتها. فما أفاد فائدة البيع لا تلحقه أحكامه وشروطه، فلا يجري فيه الخيارات المختصّة بالبيع - كخياري المجلس والحيوان - ولا الشفعة. ولا يشترط فيه قبض العوضين إذا تعلّق بمعاوضة النقدين. وما أفاد فائدة الهبة لايعتبر فيه قبض العين كما اعتبر فيها، وهكذا.
مسألة ۲ - الصلح عقد يحتاج إلى الإيجاب والقبول مطلقا، حتّى في ما أفاد فائدة الإبراء والإسقاط على الأقوى؛ فإبراء الدين وإسقاط الحقّ وإن لم يتوقّفا على القبول لكن إذا وقعا بعنوان الصلح توقّفا عليه.
مسألة ۳ - لايعتبر في الصلح صيغة خاصّة، بل يقع بكلّ لفظ أفاد التسالم على أمر: من نقل أو قرار بين المتصالحين، ك' «صالحتك عن الدار أو منفعتها بكذا» أو ما يفيد ذلك.
مسألة 4 - عقد الصلح لازم من الطرفين، لايفسخ إلّا بالإقالة أو الخيار حتّى في ما أفاد فائدة الهبة الجائزة. والظاهر جريان جميع الخيارات فيه إلّا خيار المجلس والحيوان والتأخير، فانّها مختصّة بالبيع. وفي ثبوت الأرش لو ظهر عيب في العين المصالح عنها أو عوضها إشكال، بل لايخلو عدم الثبوت من قوّة؛ كما أنّ الأقوى عدم ثبوت الردّ من أحداث السنة.
مسألة 5 - متعلّق الصلح إمّا عين أو منفعة أو دين أو حقّ، وعلى التقادير إمّا أن يكون مع العوض أو بدونه، وعلى الأوّل إمّا أن يكون العوض عينا أو منفعةً أو دينا أو حقّا، فهذه الصور كلّها صحيحة.
مسألة 6 - لو تعلّق الصلح بعين أو منفعة أفاد انتقالهما إلى المتصالح، سواء كان مع العوض أو لا. وكذا إذا تعلّق بدين على غير المصالح له أو حقّ قابل للانتقال كحقّي التحجير والاختصاص. ولو تعلّق بدين على المتصالح أفاد سقوطه. وكذا لو تعلّق بحقّ قابل للإسقاط غيرقابل للنقل كحقّي الشفعة والخيار.
مسألة 7 - يصحّ الصلح على مجرّد الانتفاع بعين أو فضاء، كأن يصالحه على أن يسكن داره، أو يلبس ثوبه مدّة، أو على أن يكون جذوع سقفه على حائطه، أو يجري ماؤه على سطح داره، أو يكون ميزابه على عرصة داره، إلى غير ذلك، أو على أن يخرج جناحا في فضاء ملكه، أو على أن يكون أغصان أشجاره في فضاء أرضه، وغير ذلك، فهذه كلّها صحيحة بعوض وبغيره.
مسألة 8 - إنّما يصحّ الصلح عن الحقوق القابلة للنقل والإسقاط؛ وما لا يقبل النقل والإسقاط لايصحّ الصلح عنه، كحقّ مطالبة الدين، وحقّ الرجوع في الطلاق الرجعيّ، وحقّ الرجوع في البذل في باب الخلع، وغير ذلك.
مسألة 9 - يشترط في المتصالحين ما يشترط في المتبايعين: من البلوغ والعقل والقصد والاختيار.
مسألة 10 - الظاهر أنّه تجري الفضوليّة في الصلح حتّى في ما إذا تعلّق بإسقاط دين أو حقّ وأفاد فائدة الإبراء والإسقاط اللذين لاتجري فيهما الفضوليّة.
مسألة 11 - يجوز الصلح على الثمار والخضر وغيرهما قبل وجودها ولو في عام واحد وبلا ضميمة وإن لم يجز بيعها.
مسألة 12 - لا إشكال في أنّه يغتفر الجهالة في الصلح في ما إذا تعذّر للمتصالحين معرفة المصالح عليه مطلقا، كما إذا اختلط مال أحدهما بالآخر ولم يعلما مقدار كلّ منهما فاصطلحا على أن يشتركا فيه بالتساوي أو التخالف؛ وكذا إذا تعذّر عليهما معرفته في الحال - لتعذّر الميزان والمكيال - على الأظهر، بل لايبعد اغتفارها حتّى مع إمكان معرفتهما بمقداره في الحال.
مسألة 13 - لو كان لغيره عليه دين أو كان منه عنده عين هو يعلم مقدارهما والغير لايعلمه فأوقعا الصلح بأقلّ من حقّ المستحقّ لم يحلّ له الزائد إلّا أن يعلمه ويرضى به. وكذا الحال لو لم يعلم مقدارهما لكن علم إجمالا زيادة المصالح عليه على مال الصلح. نعم، لو رضي بالصلح عن حقّه الواقعيّ على كلّ حال بحيث لو تبيّن له الحال لصالح عنه بذلك المقدار بطيب نفسه حلّ له الزائد.
مسألة 14 - لو صولح عن الربويّ بجنسه بالتفاضل فالأقوى جريان حكم الربا فيه فيبطل. نعم، لا بأس به مع الجهل بالمقدار وإن احتمل التفاضل، كما إذا كان لكلّ منهما طعام عند صاحبه وجهلا بمقداره فأوقعا الصلح على أن يكون لكلّ منهما ما عنده مع احتمال التفاضل.
مسألة 15 - يصحّ الصلح عن دين بدين حالّين أو مؤجّلين أو بالاختلاف، متجانسين أو مختلفين، سواء كان الدينان على شخصين أو على شخص واحد، كما إذا كان له على ذمّة زيد وزنة حنطة ولعمرو عليه وزنة شعير فصالح مع عمرو على ماله في ذمّة زيد بما لعمرو في ذمّته، فيصحّ في الجميع إلّا في المتجانسين ممّا يكال أو يوزن مع التفاضل. نعم، لو صالح عن الدين ببعضه - كما إذا كان له عليه دراهم إلى أجل فصالح عنها بنصفها حالّاً - فلا بأس به إذا كان المقصود إسقاط الزيادة والإبراء عنها والاكتفاء بالناقص - كما هو المقصود المتعارف في نحو هذه المصالحة - لا المعاوضة بين الزائد والناقص.
مسألة 16 - يجوز أن يصالح الشريكان على أن يكون لأحدهما رأس المال والربح للآخر والخسران عليه.
مسألة 17 - يجوز للمتداعيين في دين أو عين أو منفعة أن يتصالحا بشي ء من المدّعى به أو بشي ء آخر حتّى مع إنكار المدّعى عليه، ويسقط به حقّ الدعوى، وكذا حقّ اليمين الّذي كان للمدّعي على المنكر، وليس للمدّعي بعد ذلك تجديد الدعوى؛ لكن هذا فصل ظاهريّ ينقطع به الدعوى ظاهرا، ولا ينقلب الواقع عمّا هو عليه. فلو ادّعى دينا على غيره فأنكره فتصالحا على النصف فهذا الصلح موجب لسقوط دعواه، لكن إذا كان محقّا بقيت ذمّة المدّعى عليه مشغولةً بالنصف وإن كان معتقدا لعدم محقّيّته، إلّا إذا فرض أنّ المدّعي صالح عن جميع ماله واقعا؛ وإن كان مبطلا واقعا يحرم عليه ما أخذه من المنكر إلّا مع فرض طيب نفسه واقعا، لا أنّ رضاه لأجل التخلّص عن دعواه الكاذبة.
مسألة 18 - لو قال المدّعى عليه للمدّعي: «صالحني» لم يكن هذا إقرارا بالحقّ، لما مرّ من أن الصلح يصحّ مع الإنكار. وأمّا لو قال: «بعني أو ملّكني» فهو إقرار بعدم كونه ملكا له، وأمّا كونه إقرارا بملكيّة المدّعي فلا يخلو من إشكال.
مسألة 19 - لو كان لشخص ثوب قيمته عشرون ولآخر ثوب قيمته ثلاثون واشتبها فإن خيّر أحدهما صاحبه فقد أنصفه وأحلله ما اختاره ولصاحبه الآخر، وإن تضايقا فإن كان المقصود لكلّ منهما الماليّة - كما إذا اشترياهما للمعاملة - بيعا وقسّم الثمن بينهما بنسبة مالهما، وإن كان المقصود عينهما لاالماليّة فلابدّ من القرعة.
مسألة 20 - لو كان لأحد مقدار من الدراهم ولآخر مقدار منها عند ودعيّ أو غيره فتلف مقدار لا يُدرى أنّه من أيّ منهما: فإن تساوى مقدار الدراهم منهمإ؛ي ظظ -بأن كان لكلّ منهما درهمان مثلا - فلايبعد أن يقال: يحسب التالف عليهما ويقسّم الباقي بينهما نصفين؛ وإن تفاوتا فإمّا أن يكون التالف بمقدار ما لأحدهما وأقلّ ممّا للآخر أو يكون أقلّ من كلّ منهما.
فعلى الأوّل لايبعد أن يقال: يُعطى للآخر ما زاد من ماله على التالف ويقسّم الباقي بينهما نصفين، كما إذا كان لأحدهما درهمان وللآخر درهم وكان التالف درهما يُعطى صاحب الدرهمين درهما ويقسّم الدرهم الباقي بينهما نصفين، أو كان لأحدهما خمسة وللآخر درهمان وكان التالف درهمين يُعطى لصاحب الخمسة ثلاثة ويقسّم الباقي - وهو الدرهمان - نصفين.
وعلى الثاني لايبعد أن يقال: إنّه يُعطى لكلّ منهما مازاد من ماله على التالف ويقسّم الباقي بينهما نصفين، فإذا كان لأحدهما خمسة وللآخر أربعة وكان التالف ثلاثة يُعطى لصاحب الخمسة اثنان ولصاحب الأربعة واحد، ويقسّم الباقي بينهما نصفين؛ لكن لاينبغي ترك الاحتياط بالتصالح في شقوق المسألة، خصوصا في غير ما استودع رجلا غيره دينارين واستودعه الآخر دينارا فضاع دينار منهما.
هذا كلّه في مثل الدرهم والدينار.
ولا يبعد جريان حكمهما في مطلق المثليّين الممتازين، كمنّين ومنّ لو تلف منّ واشتبه الأمر، ولا ينبغي ترك الاحتياط هنا أيضا. نعم، إذا كان المثليّان ممّا يقبل الاختلاط والامتزاج - كالزيت والحنطة - فامتزجا فتلف البعض يكون التلف بنسبةالمالين،ففي المنّين والمنّ إذا امتزجا وتلف منّ تكون البقيّة بينهما تثليثا. ولو كان المالان قيميّين كالثياب والحيوان فلابدّ من المصالحة أو تعيين التالف بالقرعة.
مسألة 21 - يجوز إحداث الروشن - المسمّى في العرف الحاضر بالشناشيل - على الطرق النافذة والشوارع العامّة إذا كانت عاليةً بحيث لم تضرّ بالمارّة، وليس لأحد منعه حتّى صاحب الدار المقابل وإن استوعب عرض الطريق بحيث كان مانعا عن إحداث روشنٍ في مقابله مالم يضع منه شيئا على جداره. نعم، إذإ؛ي ظظ استلزم الإشراف على دار الجار ففي جوازه تردّد وإشكال وإن جوّزنا مثل ذلك في تعلية البناء على ملكه، فلا يترك الاحتياط.
مسألة 22 - لو بنى روشنا على الجادّة ثمّ انهدم أو هدمه: فإن لم يكن من قصده تجديد بنائه لامانع من أن يبني الطرف المقابل ما يشغل ذلك الفضاء ولم يحتج إلى الاستيذان من الباني الأوّل، وإلّا ففيه إشكال، بل عدم الجواز لايخلو من قوّة إذا هدمه ليبنيه جديدا.
مسألة 23 - لو أحدث شخص روشنا على الجادّة فهل للطرف المقابل إحداث روشنٍ آخر فوقه أو تحته بدون إذنه؟ فيه إشكال خصوصا في الأوّل، بل عدم الجواز فيه لا يخلو من قوّة. نعم، لو كان الثاني أعلى بكثير بحيث لم يشغل الفضاء الّذي يحتاج إليه صاحب الأوّل بحسب العادة-من جهةالتشميس ونحوه-لابأس به.
مسألة 24 - كما يجوز إحداث الرواشن على الجادّة يجوز فتح الأبواب المستجدّة فيها، سواء كان له باب آخر أم لا، وكذا فتح الشبّاك والروازن عليها ونصب الميزاب فيها، وكذا بناء ساباط عليها إن لم يكن معتمدا على حائط غيره مع عدم إذنه ولم يكن مضرّا بالمارّة ولو من جهة الظلمة. ولو فرض أنّه كما يضرّهم من جهة ينفعهم من جهة أو جهات اُخر - كالوقاية عن الحرّ والبرد والتحفّظ عن الطين وغير ذلك - فالظاهر وجوب الرجوع إلى حاكم الشرع فيتّبع نظره. وفي جواز إحداث البالوعة للأمطار فيها حتّى مع التحفّظ عن كونها مضرّة بالمارّة وكذا نقب السرداب تحت الجادّة حتّى مع إحكام أساسه وبنيانه وسقفه - بحيث يؤمن من الثقب والخسف والانهدام - إشكال وإن كان جوازه لايخلو من قرب.
مسألة 25 - لايجوز لأحد إحداث شي ء - من روشن أو جناح أو بناء ساباط أو نصب ميزاب أو فتح باب أو نقب سرداب وغير ذلك - على الطرق غير النافذة إلّا باذن أربابها، سواء كان مضرّا أم لا. وكذا لايجوز لأحد من الأرباب إلّا بإذن شركائه فيها. ولو صالح غيرهم معهم أو بعضهم مع الباقين على إحداث شي ء من ذلك صحّ ولزم، سواء كان مع العوض أم لا. ويأتي إن شاء اللّه في كتاب إحياء الموات بعض ما يتعلّق بالطريق.
مسألة 26 - لايجوز لأحد أن يبني بناءً على حائط جاره أو يضع جذوع سقفه عليه إلّا باذنه ورضاه. وإن التمس ذلك منه لم يجب عليه إجابته وإن استُحبّ له مؤكّدا. ولو بنى أو وضع الجذوع بإذنه ورضاه فإن كان ذلك بعنوان ملزم -كالشرط والصلح ونحوهما- لم يجز له الرجوع. وأمّا لو كان مجرّد الإذن والرخصة فجاز الرجوع قبل البناء والوضع والبناء على الجذع قطعا؛ وأمّا بعدذلك فلايترك الاحتياط بالتصالح والتراضي ولو بالإبقاء مع الاُجرة أو الهدم مع الأرش وإن كان الأقرب جواز الرجوع بلا أرش.
مسألة 27 - لايجوز للشريك في الحائط التصرّف فيه ببناء أو تسقيف أو إدخال خشبة أو وتد أو غير ذلك إلّا بإذن شريكه أو إحراز رضاه ولو بشاهد الحال، كما هو كذلك في التصرّفات اليسيرة كالاستناد إليه ووضع يده أو طرح ثوب عليه أو غير ذلك، بل الظاهر أنّ مثل هذه الاُمور اليسيرة لايحتاج إلى إحراز الإذن والرضا كما جرت به السيرة. نعم، إذا صرّح بالمنع وأظهر الكراهة لم يجز.
مسألة 28 - لو انهدم الجدار المشترك وأراد أحد الشريكين تعميره لم يجبر شريكه على المشاركة في عمارته. وهل له التعمير من ماله مجّانا بدون إذن شريكه؟ لا إشكال في أنّ له ذلك إذا كان الأساس مختصّا به وبناه بآلات مختصّة به؛ كما لا إشكال في عدم الجواز إن كان الأساس مختصّا بشريكه. وأمّا إذا كان مشتركا فإن كان قابلاً للقسمة ليس له التعمير بدون إذنه؛ نعم، له المطالبة بالقسمة فيبني على حصّته المفروزة. وإن لم يكن قابلاً لها ولم يوافقه الشريك في شي ء يرفع أمره إلى الحاكم ليخيّره بين عدّة اُمور: من بيع أو إجارة أو المشاركة معه في العمارة أو الرخصة في تعميره وبنائه من ماله مجّانا؛ وكذا الحال لو كانت الشركة في بئر أو نهر أو قناة أو ناعور ونحو ذلك، ففي جميع ذلك يرفع الأمر إلى الحاكم في ما لايمكن القسمة. ولو أنفق في تعميرها من ماله فنبع الماء أو زاد ليس له أن يمنع شريكه الغير المنفق من نصيبه من الماء.
مسألة 29 - لو كانت جذوع دار أحد موضوعةً على حائط جاره ولم يعلم على أيّ وجه وضعت حكم في الظاهر بكونه عن حقّ حتّى يثبت خلافه، فليس للجار أن يطالبه برفعها عنه، بل ولا منعه من التجديد لو انهدم السقف. وكذا الحال لو وجد بناءٌ أو مجرى ماء أو نصب ميزاب في ملك غيره ولم يعلم سببه، فيحكم في أمثال ذلك بكونه عن حقّ، إلّا أن يثبت كونها عن عدوان أو بعنوان العارية الّتي يجوز فيها الرجوع.
مسألة 30 - لو خرجت أغصان شجرة إلى فضاء ملك الجار - من غير استحقاق- له أن يطالب مالكها بعطف الأغصان أو قطعها من حدّ ملكه، وإن امتنع صاحبها يجوز له عطفها أو قطعها، ومع إمكان الأوّل لايجوز الثاني. - كتاب الاجارة
كتاب الإجارة
وهي إمّا متعلّقة بأعيان مملوكة: من حيوان أو دار أو عقار أو متاع أو ثياب ونحوها، فتفيد تمليك منفعتها بالعوض، أو متعلّقة بالنفس كإجارة الحرّ نفسه لعمل، فتفيد غالبا تمليك عمله للغير باُجرة مقرّرة، وقد تفيد تمليك منفعته دون عمله كإجارة المرضعة نفسه للرضاع، لا الإرضاع.
مسألة 1 - عقد الإجارة هو اللفظ المشتمل على الإيجاب - الدالّ بالظهور العرفيّ على إيقاع إضافة خاصّة مستتبعة لتمليك المنفعة أو العمل بعوض - والقبول الدّال على الرضا به وتملّكهما بالعوض. والعبارة الصريحة في الإيجاب:«آجرتك أو أكريتك هذه الدار - مثلاً - بكذا». وتصحّ بمثل «ملّكتك منفعة الدار» مريدا به الإجارة، لكنّه ليس من العبارة الصريحة في إفادتها. ولا يعتبر فيه العربيّة، بل يكفي كلّ لفظ أفاد المعنى المقصود بأيّ لغة كان. ويقوم مقام اللفظ الإشارة المفهمة من الأخرس ونحوه كعقد البيع. والظاهر جريان المعاطاة في القسم الأوّل منها -وهو ما تعلّقت بأعيان مملوكة - وتتحقّق بتسليط الغير على العين ذات المنفعة قاصدا تحقّق معنى الإجارة - أي الإضافة الخاصّة - وتسلّم الغير لها بهذا العنوان. ولايبعد تحقّقها في القسم الثاني أيضا بجعل نفسه تحت اختيار الطرف بهذا العنوان أو بالشروع في العمل كذلك.
مسألة 2 - يشترط في صحّةالإجارة اُمور بعضها في المتعاقدين أعني المؤجر والمستأجر، وبعضها في العين المستأجرة،وبعضها في المنفعة، وبعضها في الاُجرة.
أمّا المتعاقدان فيعتبر فيهما ما اعتبر في المتبايعين: من البلوغ، والعقل، والقصد، والاختيار، وعدم الحجر لفلس أو سفه ونحوهما.
وأمّا العين المستأجرة فيعتبر فيها اُمور:
منها: التعيين؛ فلو آجر إحدى الدارين أو إحدى الدابّتين لم تصحّ.
ومنها: المعلوميّة؛ فإن كانت عينا خارجيّةً فإمّا بالمشاهدة وإمّا بذكر الأوصاف الّتي تختلف بها الرغبات في إجارتها؛ وكذا لو كانت غائبةً أو كانت كلّيّةً.
ومنها: كونها مقدورا على تسليمها؛ فلا تصحّ إجارة الدابّة الشاردة ونحوها.
ومنها: كونها ممّا يمكن الانتفاع بها مع بقاء عينها؛ فلا تصحّ إجارة ما لا يمكن الانتفاع بها، كما إذا آجر أرضا للزراعة مع عدم إمكان إيصال الماء إليها، ولا ينفعها ولا يكفيها ماء المطر ونحوه؛ وكذا ما لايمكن الانتفاع بها إلّا بإذهاب عينها، كالخبز للأكل، والشمع أو الحطب للإشعال.
ومنها: كونها مملوكةً أو مستأجرةً؛ فلا تصح إجارةمال الغيرإلّا باذنه أوإجازته.
ومنها: جواز الانتفاع بها؛ فلا تصحّ إجارة الحائض لكنس المسجد مباشرةً.
وأمّا المنفعة فيعتبر فيها اُمور:
منها: كونها مباحةً؛ فلا تصحّ إجارة الدكّان لإحراز المسكرات أو بيعها، ولا الدابّة والسفينة لحملها، ولا الجارية المغنّية للتغنّي، ونحو ذلك.
ومنها: كونها متموّلةً يبذل بإزائها المال عند العقلاء.
ومنها: تعيين نوعها إن كانت للعين منافع متعدّدة؛ فلو استأجر الدابّة يعيّن أنّها للحمل أو الركوب أو لإدارة الرحى وغيرها. نعم، تصحّ إجارتها لجميع منافعها، فيملك المستأجر جميعها.
ومنها: معلوميّتها إمّا بتقديرها بالزمان المعلوم، كسكنى الدار شهرا أو الخياطة أو التعمير والبناء يوما؛ وإمّا بتقدير العمل، كخياطة الثوب المعيّن خياطةً كذائيّةً فارسيّةً أو روميّةً، من غير تعرّض للزمان إن لم يكن دخيلاً في الرغبات، وإلّا فلابدّ من تعيين منتهاه.
وأمّا الاُجرة فتعتبر معلوميّتها، وتعيين مقدارها بالكيل أو الوزن أو العدّ في المكيل والموزون والمعدود، وبالمشاهدة أو التوصيف في غيرها. ويجوز أن تكون عينا خارجيّةً، أو كلّيّا في الذمّة، أو عملا، أو منفعةً، أو حقّا قابلا للنقل، مثل الثمن في البيع.
مسألة 3 - لو استأجر دابّةً للحمل لابدّ من تعيين جنس ما يحمل عليها، لاختلاف الاغراض باختلافه، وكذا مقداره ولو بالمشاهدة والتخمين. ولو استأجرها للسفر لابدّ من تعيين الطريق وزمان السير من ليل أو نهار ونحو ذلك، بل لابدّ من مشاهدة الراكب أو توصيفه بما يرفع به الجهالة والغرر.
مسألة 4 - ما كانت معلوميّة المنفعة بحسب الزمان لابدّ من تعيينه يوما أو شهرا أو سنةً أو نحو ذلك؛ فلا تصحّ تقديره بأمر مجهول.
مسألة 5 - لو قال: «كلّما سكنت هذه الدار فكلّ شهر بدينار مثلاً» بطل إن كان المقصود الإجارة، وصحّ ظاهرا لو كان المقصود الإباحة بالعوض. والفرق أنّ المستأجر مالك للمنفعة في الإجارة دون المباح له، فإنّه غير مالك لها، ويملك المالك عليه العوض على تقدير الاستيفاء. ولو قال: «إن خطت هذا الثوب فارسيّا فلك درهم، وإن خطته روميّا فلك درهمان» بطل إجارةً وصحّ جعالةً.
مسألة 6 - لو استأجر دابّة من شخص لتحمله أو تحمل متاعه إلى مكان في وقت معيّن كأن استأجر دابّةً لإيصاله إلى كربلاء يوم عرفة ولم توصله: فإن كان ذلك لعدم سعة الوقت أو عدم إمكان الإيصال من جهة اُخرى فالإجارة باطلة، ولو كان الزمان واسعا ولم توصله لم يستحقّ من الاُجرة شيئا، سواء كان بتقصير منه أم لا كما لو ضلّ الطريق. ولو استأجرها على أن توصله إلى مكان معيّن لكن شرط عليه أن توصله في وقت كذا فتعذّر أو تخلّف فالإجارة صحيحة بالاُجرة المعيّنة، لكن للمستأجر خيار الفسخ من جهة تخلّف الشرط، فإن فسخ ترجع الاُجرة المسمّاة إلى المستأجر ويستحقّ المؤجر اُجرة المثل.
مسألة 7 - لو كان وقت زيارة عرفة واستأجر دابّةً للزيارة فلم يصل وفاتت منه صحّت الإجارة، ويستحقّ المؤجر تمام الاُجرة بلا خيار، ما لم يشترط عليه في عقد الإجارة إيصاله يوم عرفة ولم يكن انصراف موجب للتقييد.
مسألة 8 - لا يشترط اتّصال مدّة الإجارة بالعقد؛ فلو آجر داره في شهر مستقبل معيّن صحّ، سواء كانت مستأجرةً في سابقه أم لا. ولو أطلق تنصرف إلى الاتّصال بالعقد لو لم تكن مستأجرةً؛ فلو قال: «آجرتك داري شهرا» اقتضى الإطلاق اتّصاله بزمان العقد. ولو آجرها شهرا وفهم الإطلاق - أعني الكلّيّ الصادق على المتّصل والمنفصل - فالأقوى البطلان.
مسألة 9 - عقد الإجارة لازم من الطرفين، لاينفسخ إلّا بالتقايل أو بالفسخ مع الخيار. والظاهر أنّه يجري فيه جميع الخيارات إلّا خيار المجلس وخيار الحيوان وخيار التأخير، فيجري فيها خيار الشرط وتخلّف الشرط والعيب والغبن والرؤية وغيرها. والإجارة المعاطاتيّة كالبيع المعاطاتيّ لازمة على الأقوى. وينبغي فيها الاحتياط المذكور هناك.
مسألة 10 - لاتبطل الإجارة بالبيع، فتنتقل العين إلى المشتري مسلوبة المنفعة في مدّتها. نعم، للمشتري مع جهله بها خيار الفسخ، بل له الخيار لو علم بها وتخيّل أنّ مدّتها قصيرة فتبيّن أنّها طويلة. ولو فسخ المستأجر الإجارة أو انفسخت رجعت المنفعة في بقيّة المدّة إلى المؤجر لا المشتري. وكما لاتبطل الإجارة ببيع العين المستأجرة على غير المستأجر لاتبطل ببيعها عليه؛ فلو استأجر دارا ثمّ اشتراها بقيت الإجارة على حالها، ويكون ملكه للمنفعة في بقيّة المدّة بسبب الإجارة لاتبعيّة العين؛ فلو انفسخت الإجارة رجعت المنفعة في بقيّة المدّة إلى البائع؛ ولو فسخ البيع بأحد أسبابه بقي ملك المشتري المستأجر للمنفعة على حاله.
مسألة 11 - الظاهرأنّه لاتبطل إجارةالأعيان بموت المؤجرولابموت المستأجر، إلّا إذا كانت ملكيّة المؤجر للمنفعة محدودةً بزمان حياته فتبطل بموته، كما إذا كانت منفعة دار موصىً بها لشخص مدّة حياته فآجرها سنتين ومات بعد سنة. نعم، لو كانت المنفعة في بقيّة المدّة لورثة الموصي أو غيرهم فلهم أن يجيزوها في بقيّة المدّة. ومن ذلك ما إذا آجر العين الموقوفة البطن السابق ومات قبل انقضاء المدّة، فتبطل إلّا أن يجيز البطن اللاحق. نعم، لو آجرها المتولّي للوقف -لمصلحة الوقف والبطون اللاحقة- مدّة تزيد على مدّة بقاء بعض البطون تكون نافذةً على البطون اللاحقة، ولا تبطل بموت المؤجر ولا بموت البطن الموجود حال الإجارة.
هذا كلّه في إجارة الأعيان.
وأمّا إجارة النفس لبعض الأعمال فتبطل بموت الأجير. نعم، لو تقبّل عملا وجعله في ذمّته لم تبطل بموته، بل يكون دينا عليه يستوفى من تركته.
مسألة 12 - لو آجر الوليّ الصبيّ المولّى عليه أو ملكه مدّةً مع مراعاة المصلحة والغبطة فبلغ الرشد قبل انقضائها فله نقض الإجارة وفسخها بالنسبة إلى ما بقي من المدّة، إلّا أن تقتضي المصلحة اللازمة المراعاة في ما قبل الرشد الإجارة مدّةً زائدةً على زمان تحقّقه بحيث تكون بأقلّ منها خلاف مصلحته، فحينئذٍ ليس له فسخها بعد البلوغ والرشد.
مسألة 13 - لو وجد المستأجر بالعين المستأجرة عيبا سابقا كان له فسخ الإجارة إن كان ذلك العيب موجبا لنقص المنفعة كالعرج في الدابّة، أو الاُجرة كما إذا كانت مقطوعة الاُذن والذنب. هذا إذا كان متعلّق الإجارة عينا شخصيّة. ولو كان كلّيّا وكان الفرد المقبوض معيبا فليس له فسخ العقد، بل له مطالبة البدل، إلّا إذا تعذّر فله الفسخ. هذا في العين المستأجرة. وأمّا الاُجرة فإن كانت عينا شخصيّة ووجد المؤجر بها عيبا كان له الفسخ، فهل له مطالبة الأرش؟ فيه إشكال؛ ولو كانت كلّيّةً فله مطالبة البدل، وليس له فسخ العقد إلّا إذا تعذّر البدل.
مسألة 14 - لو ظهر الغبن للمؤجر أو المستأجر فله خيار الغبن إلّا إذا شرط سقوطه.
مسألة 15 - يملك المستأجر المنفعة في إجارة الأعيان، والعمل في إجارة النفس على الأعمال، وكذا المؤجر والأجير الاُجرة بمجرّد العقد، لكن ليس لكلّ منهما مطالبة ماملكه إلّا بتسليم ما ملّكَه، فعلى كلّ منهما وإن وجب التسليم لكن لكلّ منهما الامتناع عنه إذا رأى من الآخر الامتناع عنه.
مسألة 16 - لو تعلّقت الإجارة بالعين فتسليم منفعتها بتسليم العين. وأمّا تسليم العمل في ما إذا تعلّقت بالنفس فبإتمامه إذا كان مثل الصلاة والصوم والحجّ وحفر بئر في دار المستأجر وأمثال ذلك ممّا لم يكن متعلّقا بماله الّذي بيد المؤجر، فقبل إتمام العمل لايستحقّ الأجير مطالبة الاُجرة وبعده لايجوز للمستأجر المماطلة. نعم، لو كان شرط منهما على تأدية الاُجرة كلّاً أو بعضا قبل العمل صريحا أو ضمنيّا - كما إذا كانت عادة تقتضي التزام المستأجر بذلك - كان هو المتّبع. وأمّا إذا كان متعلّقا بمال من المستأجر بيد المؤجر كالثوب يخيطه والخاتم يصوغه وأمثال ذلك ففي كون تسليمه بإتمام العمل كالأوّل أو بتسليم مورد العمل - كالثوب والخاتم - وجهان بل قولان، أقواهما الأوّل؛ فعلى هذا لو تلف الثوب - مثلا - بعد تمام العمل على نحو لاضمان عليه لا شي ء عليه، ويستحقّ مطالبة الاُجرة. نعم، لو تلف مضمونا عليه ضمنه بوصف المخيطيّة - لابقيمته قبلها - على أيّ حال حتّى على الوجه الثاني، لكون الوصف مملوكا له تبعا للعين؛ وبعد الخروج عن عهدة الموصوف مع وصفه تكون له المطالبة بالاُجرة المسمّاة، لتسليم العمل ببدله.
مسألة 17 - لو بذل المستأجر الاُجرة أو كان له حقّ أن يؤخّرها بموجب الشرط وامتنع المؤجر من تسليم العين المستأجرة يجبر عليه؛ وإن لم يمكن إجباره فللمستأجر فسخ الإجارة والرجوع إلى الاُجرة، وله إبقاء الإجارة ومطالبة عوض المنفعة الفائتة من الموجر. وكذا إن أخذها منه بعد التسليم بلا فصل أو في أثناء المدّة، لكن في الثاني لو فسخها تنفسخ بالنسبة إلى ما بقي من المدّة فيرجع إلى ما يقابله من الاُجرة.
مسألة 18 - لو آجر دابّةً من زيد فشردت بطلت الإجارة، سواء كان قبل التسليم أو بعده في أثناء المدّة، إن لم يكن بتقصير من المستأجر في حفظها.
مسألة 19 - لو تسلّم المستأجر العين المستأجرة ولم يستوف المنفعة حتّى انقضت مدّة الإجارة - كما إذا استأجر دارا مدّةً وتسلّمها ولم يسكنها حتّى مضت المدّة - فإن كان ذلك باختيار منه استقرّت عليه الاُجرة. وفي حكمه ما لو بذل المؤجر العين المستأجرة فامتنع المستأجر عن تسلّمها واستيفاء المنفعة منها حتّى انقضت. وهكذا الحال في الإجارة على الأعمال، فإنّه إذا سلّم الأجير نفسه وبذلها للعمل وامتنع المستأجر عن تسلّمه - كما إذا استأجر شخصا يخيط له ثوبا معيّنا في وقت معيّن وامتنع من دفعه إليه حتّى مضى الوقت - فقد استحقّ عليه الاُجرة، سواء اشتغل الأجير - في ذلك الوقت مع امتناعه - بشغل آخر لنفسه أو غيره أو بقي فارغا. وإن كان ذلك لعذر بطلت الإجارة، ولم يستحقّ المؤجر شيئا من الاُجرة إن كان ذلك عذرا عامّا لم تكن العين معه قابلةً لأن تُستوفى منها المنفعة، كما إذا استأجر دابّةً للركوب إلى مكان فنزل ثلج مانع عن الاستطراق أو انسدّ الطريق بسبب آخر، أو دارا للسكنى فصارت غير مسكونة، لصيرورتها معركةً أو مسبعةً ونحو ذلك. ولو عرض مثل هذه العوارض في أثناء المدّة بعد استيفاء المستأجر مقدارا من المنفعة بطلت الإجارة بالنسبة. وإن كان عذرا يختصّ به المستأجر كما إذا مرض ولم يتمكّن من ركوب الدابّة المستأجرة ففي كونه موجبا للبطلان وعدمه وجهان، لا يخلو ثاني