تحميل:
تحرير الوسيلة
- المقدمه
تَحریرالوَسیلة
آيَة الله العُظمى الإمام الخُميني (قدس سره)
الحمدللّه الّذي فتح قلوب العلماء بمفاتيح الإيمان وشرح صدور العرفاء بمصابيح الإيقان، وصلّ اللّهمّ على جميع أنبيائك ورسلك سيّما خاتمهم وأفضلهم محمّدٍ المصطفى، وعلى آله المنتجبين حملة علومه ونقلة آدابه.
وبعد، فعجيبٌ أمر هذه الرسالة العمليّة، فهي - فضلاً عن كونها تناولت كلّ أبواب الفقه الإسلاميّ ابتداءً من التقليد والطهارة وانتهاءً بالحدود والديات - تطرّقت ولأوّل مرّة (حينذاك) لأحكام الجهاد والدفاع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقضايا الساعة ولمعالجتها للحوادث الواقعة، نراها ترجمت الى لغات شتّى، منها وعلى سبيل المثال إلى اللغة البوسنيّة على يد رئيس جمهوريّتها المجاهد عزّت علي بيگوفيج؛ أيّام سجنه.
وعجيبٌ أمر محرّرها الإمام الخميني (قدس سره)، إذ أنّ هذه الشخصيّة العظيمة العملاقة - في الفكر والجهاد والعرفان والزهد والسياسة والريادة والفقه والاُصول والفلسفة والعلوم - استطاعت أن تقيم أعظم كيانٍ إسلاميّ في القرن العشرين يناطح به كلّ الطروحات الأرضيّة المعادية والتحالفات الاستكباريّة المتنافرة، ويوقظ كلّ نيام الاُمّة والمستضعفين في دنيا الاستغلال والاضطهاد، حتّى أصبح؛ أمل الشعوب.
هذا المرجع الربّانيّ والقائد الميدانيّ استطاع كذلك لعلوّ همّته ونافذ بصيرته أن ينشئ بفعل دروسه العلميّة والأخلاقيّة كوادر على شاكلته في الإخلاص والوعي والشجاعة والفداء والعلم والتقوى ، يحذون حذوَه ويقْفون أثره حذو القذّة بالقذّة وتتمنّاهم الشعوب قادةً لنهضاتها، ليضمن استمرار المسيرة الثوريّة الهادية وعزّتها وتكاملها ووحدتها وكرامتها وحفظ النظام ومِنعته حتّى يسلّموا الراية إلى صاحب العصر والزمان عجّل اللّه فرجه، وفي مقدّمتهم خليفته المنتخب ووريثه في المحبوبيّة وليّ أمر المسلمين آيةاللّه السيّد عليّ الخامنئيّ أعزّه اللّه وأدام ظلّه الوارف.
فما أعظم الإمام روح اللّه من مؤلّفٍ واُستاذ، ومربّ وزعيم، وما أعظم رسالته الّتي صارت مناراً للثائرين ومنهجاً عمليّاً للعارفين. فرحمهُ اللّه ورفع مقامه في الخالدين.
والمؤسّسة إذ تقوم بطبع ونشر هذه الرسالة المجيدة - بعد إراءتها لمؤسّسة نشر آثار الإمام الخميني (قدس سره) - تتقدّم بجزيل شكرها ووافر ثنائها لسماحة حجّةالإسلام والمسلمين الشيخ محمّدحسين أمراللّهي على تدقيقه إيّاها من ضبط عباراتها ونصوصها ومطابقتها مع عدّة نسخ. شكر اللّه سعيه وبارك له في مجهوده المثمر هذا، راجين أن يجد فيها عشّاق الإمام وسائر القرّاء الكرام الدقّة والنفع، ومنه تعالى التوفيق.مؤسّسة النشر الإسلامي
التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
الحمد للّه رب العالمين، والصلاة والسلام على محمّد و آله الطاهرين، ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين.
وبعد، فقد علّقت في سالف الزمان تعليقةً على كتاب «وسيلة النجاة» تصنيف السيّد الحجّة الفقيه الإصبهانيّ قدّس سرّه العزيز، فلمّا اُقصيت في أواخر شهر جمادى الثانية عام 1384 عن مدينة «قم» إلى «بورسا» من مدائن تركيا لأجل حوادث محزنة حدثت للإسلام والمسلمين - لعلّ التاريخ يضبطها - وكنت فارغ البال تحت النظر و المراقبة فيها أحببت أن اُدرج التعليقة في المتن لتسهيل التناول، ولو وفّقني اللّه تعالى لاُضيف إليه مسائل كثيرة الابتلاء، ونرجو من اللّه تعالى التوفيق، ومن الناظرين دعاء الخير لرفع البليّات عن بلاد المسلمين، سيّما عاصمة الشيعة، ولقطع يد الأجانب عنها، ولحسن العاقبة للفقير. - احكام التقليد
المقدّمة
[فی أحکام التقلید]إعلم أنّه یجب علی کلّ مکلّف غیر بالغ مرتبة الاجتهاد فی غیر الضروریّات من عباداته و معاملاته - ولو فی المستحبّات والمباحات - أن یکون إمّا مقلّدا أو محتاطا بشرط أن یعرف موارد الاحتیاط، ولا یعرف ذلک إلّا القلیل؛ فعمل العامیّ غیرالعارف بمواضع الاحتیاط من غیر تقلید باطلٌ بتفصیل یأتی.
مسألة 1 - یجوز العمل بالاحتیاط ولو کان مستلزماً للتکرار علی الأقوی.
مسألة 2 - التقلید هو العمل مستندا إلی فتوی فقیه معیّن، وهو الموضوع للمسألتین الآتیتین. نعم، ما یکون مصحّحا للعمل هو صدوره عن حجّة - کفتوی الفقیه - وإن لم یصدق علیه عنوان التقلید. وسیأتی أنّ مجرّد انطباقه علیه مصحّح له.
مسألة 3 - یجب أن یکون المرجع للتقلید عالما مجتهدا عادلا ورعا فی دین اللّه، بل غیر مکبّ علی الدنیا، ولا حریصا علیها وعلی تحصیلها - جاها ومالا - علی الأحوط. وفی الحدیث: «من کان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدینه مخالفا لهواه مطیعا لأمر مولاه فللعوامّ أن یقلّدوه».
مسألة 4 - یجوز العدول بعد تحقّق التقلید من الحیّ إلی الحیّ المساوی. ویجب العدول إذا کان الثانی أعلم علی الأحوط.
مسألة 5 - یجب تقلید الأعلم مع الإمکان علی الأحوط، ویجب الفحص عنه. وإذا تساوی المجتهدان فی العلم أو لم یعلم الأعلم منهما تخیّر بینهما. وإذا کان أحدهما المعیّن أورع أو أعدل فالأولی و الأحوط اختیاره. وإذا تردّد بین شخصین یحتمل أعلمیّة أحدهما المعیّن دون الآخر تعیّن تقلیده علی الأحوط.
مسألة 6 - إذا کان الأعلم منحصرا فی شخصین ولم یتمکّن من تعیینه تعیّن الأخذ بالاحتیاط أو العمل بأحوط القولین منهما علی الأحوط مع التمکّن، ومع عدمه یکون مخیّرا بینهما.
مسألة 7 - یجب علی العامیّ أن یقلّد الأعلم فی مسألة وجوب تقلید الأعلم؛ فإن أفتی بوجوبه لا یجوز له تقلید غیره فی المسائل الفرعیّة، وإن أفتی بجواز تقلید غیر الأعلم تخیّر بین تقلیده وتقلید غیره. ولا یجوز له تقلید غیر الأعلم إذا أفتی بعدم وجوب تقلید الأعلم. نعم، لو أفتی بوجوب تقلید الأعلم یجوز الأخذ بقوله، لکن لا من جهة حجّیّة قوله بل لکونه موافقا للاحتیاط.
مسألة 8 - إذا کان المجتهدان متساویین فی العلم یتخیّرالعامیّ فی الرجوع إلی أیّهما، کما یجوز له التبعیض فی المسائل بأخذ بعضهامن أحدهماوبعضهامن الآخر.
مسألة 9 - یجب علی العامیّ فی زمان الفحص عن المجتهد أو الأعلم أن یعمل بالاحتیاط. ویکفی فی الفرض الثانی الاحتیاط فی فتوی الّذین یحتمل أعلمیّتهم، بأن یأخذ بأحوط أقوالهم.
مسألة 10 - یجوز تقلید المفضول فی المسائل الّتی توافق فتواه فتوی الأفضل فیها، بل فی ما لا یعلم تخالفهما فی الفتوی أیضا.
مسألة 11 - إذا لم یکن للأعلم فتوی فی مسألة من المسائل یجوز الرجوع فی تلک المسألة إلی غیره مع رعایة الأعلم فالأعلم علی الأحوط.
مسألة 12 - إذا قلّد من لیس له أهلیّة الفتوی ثمّ التفت وجب علیه العدول. وکذا إذا قلّد غیر الأعلم وجب العدول إلی الأعلم علی الأحوط وکذا إذا قلّد الأعلم ثمّ صار غیره أعلم منه، علی الأحوط فی المسائل الّتی یعلم تفصیلا مخالفتهما فیها فی الفرضین.
مسألة 13 - لا یجوز تقلید المیّت ابتداءً. نعم، یجوز البقاء علی تقلیده بعد تحقّقه بالعمل ببعض المسائل مطلقا ولو فی المسائل الّتی لم یعمل بها علی الظاهر. ویجوز الرجوع إلی الحیّ الأعلم، والرجوع أحوط. ولا یجوز بعد ذلک الرجوع إلی فتوی المیّت ثانیا علی الأحوط، ولا إلی حیّ آخر کذلک إلّا إلی أعلم منه، فإنّه یجب علی الأحوط. ویعتبر أن یکون البقاء بتقلید الحیّ، فلو بقی علی تقلید المیّت من دون الرجوع إلی الحیّ الّذی یفتی بجواز ذلک کان کمن عمل من غیر تقلید.
مسألة 14 - إذا قلّد مجتهدا ثمّ مات فقلّد غیره ثمّ مات فقلّد فی مسألة البقاء علی تقلید المیّت من یقول بوجوب البقاء أو جوازه فهل یبقی علی تقلید المجتهد الأوّل أو الثانی؟ الأظهر البقاء علی تقلیدالأوّل إن کان الثالث قائلاً بوجوب البقاء، ویتخیّر بین البقاء علی تقلید الثانی والرجوع إلی الحیّ إن کان قائلًا بجوازه.
مسألة 15 - المأذون والوکیل عن المجتهد فی التصرّف فی الأوقاف أو الوصایا أو فی أموال القصّر ینعزل بموت المجتهد. وأمّا المنصوب من قبله - بأن نصبه متولّیا للوقف أو قیّما علی القصّر - فلا یبعد عدم انعزاله، لکن لا ینبغی ترک الاحتیاط بتحصیل الإجازة أو النصب الجدید للمنصوب من المجتهد الحیّ.
مسألة 16 - إذا عمل عملا- من عبادة أو عقد أو إیقاع - علی طبق فتوی من یقلّده فمات ذلک المجتهد فقلّد من یقول ببطلانه یجوز له البناء علی صحّة الأعمال السابقة، ولا یجب علیه إعادتها وإن وجب علیه فی ما یأتی العمل بمقتضی فتوی المجتهد الثانی.
مسألة 17 - إذا قلّد مجتهدا من غیر فحص عن حاله ثمّ شکّ فی أنّه کان جامعا للشرائط وجب علیه الفحص؛ وکذا لو قطع بکونه جامعا لها ثمّ شکّ فی ذلک علی الأحوط. وأمّا إذا أحرز کونه جامعا لها ثمّ شکّ فی زوال بعضها عنه -کالعدالة والاجتهاد- لا یجب علیه الفحص، ویجوز البناء علی بقاء حالته الاُولی.
مسألة 18 - إذا عرض للمجتهد ما یوجب فقده للشرائط - من فسق أو جنون أو نسیان - یجب العدول إلی الجامع لها، ولا یجوز البقاء علی تقلیده؛ کما أنّه لو قلّد من لم یکن جامعا للشرائط ومضی علیه برهة من الزمان کان کمن لم یقلّد أصلًا، فحاله حال الجاهل القاصر أو المقصّر.
مسألة 19 - یثبت الاجتهاد بالاختبار، وبالشیاع المفید للعلم، وبشهادة العدلین من أهل الخبرة؛ وکذا الأعلمیّة. ولا یجوز تقلید من لم یعلم أنّه بلغ مرتبة الاجتهاد وإن کان من أهل العلم؛ کما أنّه یجب علی غیر المجتهد أن یقلّد أو یحتاط وإن کان من أهل العلم وقریبا من الاجتهاد.
مسألة 20 - عمل الجاهل المقصّر الملتفت من دون تقلید باطل، إلّا إذا أتی به برجاء درک الواقع وانطبق علیه أو علی فتوی من یجوز تقلیده. وکذا عمل الجاهل القاصر أو المقصّر الغافل مع تحقّق قصد القربة صحیح إذا طابق الواقع أو فتوی المجتهد الّذی یجوز تقلیده.
مسألة 21 - کیفیّة أخذ المسائل من المجتهد علی أنحاء ثلاثة:
أحدها: السماع منه. الثانی: نقل العدلین أو عدل واحد عنه أو عن رسالته المأمونة من الغلط، بل الظاهر کفایة نقل شخص واحد إذا کان ثقةً یطمأنّ بقوله. الثالث: الرجوع إلی رسالته إذا کانت مأمونةً من الغلط.
مسألة 22 - إذا اختلف ناقلان فی نقل فتوی المجتهد فالأقوی تساقطهما مطلقا، سواء تساویا فی الوثاقة أم لا، فإذا لم یمکن الرجوع إلی المجتهد أو رسالته یعمل بما وافق الاحتیاط من الفتویین أو یعمل بالاحتیاط.
مسألة 23 - یجب تعلّم مسائل الشکّ والسهو وغیرها ممّا هو محلّ الابتلاء غالبا، إلّا إذا اطمأنّ من نفسه بعدم الابتلاء بها، کما یجب تعلّم أجزاء العبادات وشرائطها وموانعها ومقدّماتها. نعم، لو علمٍ إجمالا أنّ عمله واجد لجمیع الأجزاء والشرائط وفاقد للموانع صحّ وإن لم یعلم تفصیلا.
مسألة 24 - إذا علم أنّه کان فی عباداته بلا تقلید مدّةً من الزمان ولم یعلم مقداره: فإن علم بکیفیّتها وموافقتها لفتوی المجتهد الّذی رجع إلیه أو کان له الرجوع إلیه فهو، وإلّا یقضی الأعمال السابقة بمقدار العلم بالاشتغال وإن کان الأحوط أن یقضیها بمقدار یعلم معه بالبراءة.
مسألة 25 - إذا کان أعماله السابقة مع التقلید ولا یعلم أنّها کانت عن تقلید صحیح أم فاسد یبنی علی الصحّة.
مسألة 26 - إذا مضت مدّة من بلوغه وشکّ بعد ذلک فی أنّ أعماله کانت عن تقلیدٍ صحیح أم لا، یجوز له البناء علی الصحّة فی أعماله السابقة، وفی اللاحقة یجب علیه التصحیح فعلا.
مسألة 27 - یعتبر فی المفتی والقاضی العدالة. وتثبت بشهادة عدلین، وبالمعاشرة المفیدة للعلم أو الاطمینان، وبالشیاع المفید للعلم، بل تعرف بحسن الظاهر ومواظبته علی الشرعیّات والطاعات وحضور الجماعات ونحوها. والظاهر أنّ حسن الظاهر کاشف تعبّدیّ ولو لم یحصل منه الظنّ أو العلم.
مسألة 28 - العدالة عبارة عن ملکة راسخة باعثة علی ملازمة التقوی: من ترک المحرّمات وفعل الواجبات.
مسألة 29 - تزول صفة العدالة - حکما - بارتکاب الکبائر أو الإصرار علی الصغائر، بل بارتکاب الصغائر علی الأحوط، وتعود بالتوبة إذا کانت الملکة المذکورة باقیة.
مسألة 30 - إذا نقل شخصٌ فتوی المجتهد خطأً یجب علیه إعلام من تعلّم منه.
مسألة 31 - إذا اتّفق فی أثناءالصلاة مسألةٌ لایعلم حکمها ولم یتمکّن حینئذٍ من استعلامها بنی علی أحد الطرفین بقصد أن یسأل عن الحکم بعد الصلاة وأن یعیدها إذا ظهر کون المأتیّ به خلاف الواقع، فلو فعل کذلک فظهرت المطابقة صحّت صلاته.
مسألة 32 - الوکیل فی عمل عن الغیر - کإجراء عقد أو إیقاع أو أداء خمس أو زکاة أو کفّارة أو نحوها - یجب علیه أن یعمل بمقتضی تقلید الموکّل لا تقلید نفسه إذا کانا مختلفین؛ و أمّا الأجیر عن الوصیّ أو الولیّ فی إتیان الصلاة ونحوها عن المیّت فالأقوی لزوم مراعاة تقلیده، لا تقلید المیّت ولا تقلیدهما؛ وکذا لو أتی الوصیّ بها تبرّعا أو استیجارا یجب علیه مراعاة تقلیده لا تقلید المیّت؛وکذا الولیّ.
مسألة 33 - إذا وقعت معاملة بین شخصین و کان أحدهما مقلّدا لمن یقول بصحّتها والآخر مقلّدا لمن یقول ببطلانها یجب علی کلّ منهما مراعاة فتوی مجتهده، فلو وقع النزاع بینهما یترافعان عند أحد المجتهدین أو عند مجتهد آخر، فیحکم بینهما علی طبق فتواه وینفذ حکمه علی الطرفین. وکذا الحال فی ما إذا وقع إیقاعٌ متعلّقٌ بشخصین، کالطلاق والعتق ونحوهما.
مسألة 34 - الاحتیاط المطلق فی مقام الفتوی من غیر سبق فتوی علی خلافه أو لحوقها کذلک لا یجوز ترکه، بل یجب إمّا العمل بالاحتیاط أو الرجوع إلی الغیر: الأعلم فالأعلم؛ وأمّا إذا کان الاحتیاط فی الرسائل العملیّة مسبوقا بالفتوی علی خلافه کما لو قال بعد الفتوی فی المسألة: «وإن کان الأحوط کذا» أو ملحوقا بالفتوی علی خلافه کأن یقول: «الأحوط کذا وإن کان الحکم کذا» أو «وإن کان الأقوی کذا» أو کان مقرونا بما یظهر منه الاستحباب کأن یقول: «الأولی والأحوط کذا» جاز فی الموارد الثلاثة ترک الاحتیاط. - كتاب الطهارة
- كتاب الصلاة
- كتاب الصوم
- كتاب الزكاة
- المقصد الأول في زكاة المال
- القول فيمن تجب عليه الزكاة
القول في من تجب عليه الزكاة
مسألة 1 - يشترط في من تجب عليه الزكاة اُمور:
أحدها: البلوغ؛ فلا تجب على غير البالغ. نعم، لو اتّجر له الوليّ الشرعيّ استُحِبّ له إخراج زكاة ماله كما يُستحبّ له إخراج زكاة غلّاته؛ وأمّا مواشيه فلاتتعلّق بها على الأقوى. والمعتبر: البلوغ أوّل الحول في ما اعتبر فيه الحول، وفي غيره قبل وقت التعلّق.
ثانيها: العقل؛ فلا تجب في مال المجنون. والمعتبر: العقل في تمام الحول في ما اعتبر فيه، وحال التعلّق في غيره؛ فلو عرض الجنون في ما يعتبر فيه الحول يقطعه، بخلاف النوم، بل والسكر والإغماء على الأقوى. نعم، إذا كان عروض الجنون في زمانٍ قصير ففي قطعه إشكالٌ.
ثالثها: الحرّيّة؛ فلا زكاة على العبد وإن قلنا بملكه.
رابعها: الملك؛ فلا زكاة في الموهوب ولا في القرض إلّا بعد قبضهما، ولا في الموصى به إلّا بعد الوفاة والقبول، لاعتباره في حصول الملكيّة للموصى له على الأقوى.
خامسها: تمام التمكّن من التصرّف؛ فلازكاة في الوقف وإن كان خاصّا، ولا في نمائه إذا كان عامّا وإن انحصر في واحد، ولا في المرهون وإن أمكن فكّه، ولا في المجحود وإن كانت عنده بيّنة يتمكّن من انتزاعه بها أو بيمين، ولا في المسروق، ولا في المدفون الّذي نسي مكانه، ولا في الضالّ، ولا في الساقط في البحر، ولا في الموروث عن غائب ولم يصل إليه أوإلى وكيله، ولافي الدين وإن تمكّن من استيفائه.
سادسها: بلوغ النصاب. وسيأتي تفصيله إن شاء اللّه تعالى.
مسألة 2 - لو شكّ في البلوغ حين التعلّق أو في التعلّق حين البلوغ لم يجب الإخراج؛ وكذا الحال في الشكّ في حدوث العقل في زمان التعلّق مع كونه مسبوقا بالجنون؛ ولوكان مسبوقابالعقل وشكّ في طروءالجنون حال التعلّق وجب الإخراج.
مسألة 3 - يعتبر تمام التمكّن من التصرّف في ما يعتبر فيه الحول في تمام الحول؛ فإذا طرأ ذلك في أثناء الحول ثمّ ارتفع انقطع الحول ويحتاج إلى حول جديد. وفي ما لا يعتبر فيه الحول ففي اعتباره حال تعلّق الوجوب تأمّل وإشكال، والأقوى ذلك، والأحوط العدم.
مسألة 4 - ثبوت الخيار لغير المالك لايمنع من تعلّق الزكاة، إلّا في مثل الخيار المشروط بردّ الثمن ممّا تكون المعاملة مبنيّةً على إبقاء العين؛ فلو اشترى نصابا من الغنم وكان للبائع الخيار جرى في الحول من حين العقد، لا من حين انقضائه.
مسألة 5 - لا تتعلّق الزكاة بنماء الوقف العامّ قبل أن يقبضه من ينطبق عليه عنوان الموقوف عليه؛ وأمّا بعدالقبض فهوكسائرأمواله تتعلّق به مع اجتماع شرائطه.
مسألة 6 - زكاة القرض على المقترض بعد القبض وجريان الحول عنده. وليس على المقرض والدائن شي ء قبل أن يستوفي طلبه؛ فلو لم يستوفه ولو فرارا من الزكاة لم تجب عليه.
مسألة 7 - لو عرض عدم التمكّن من التصرّف بعد تعلّق الوجوب أو بعد مضيّ الحول متمكّنا فقد استقرّ وجوب الزكاة، فيجب عليه الأداء إذا تمكّن؛ ولو تمكّن بعد ما لم يكن متمكّنا وقد مضى عليه سنون جرى في الحول من حينه. واستحباب الزكاة لسنة واحدة إذا تمكّن بعد السنين محلّ إشكال، فضلا عمّا تمكّن بعد مضيّ سنة واحدة.
مسألة 8 - لو كان المال الزكويّ مشتركا بين اثنين أو أزيد تعتبر الحصص لاالمجموع، فكلّ من بلغت حصّته حدّ النصاب وجبت عليه الزكاة، دون من لم تبلغ حصّته النصاب.
مسألة 9 - لو استطاع الحجّ بالنصاب: فإن تمّ الحول أو تعلّق الوجوب قبل وقت سير القافلة والتمكّن من الذهاب وجبت الزكاة، فإن بقيت الاستطاعة بعد إخراجها وجب الحجّ، وإلّا فلا؛ وإن كان تمام الحول بعد زمان سير القافلة وأمكن صرف النصاب أو بعضه في الحجّ وجب، فإن صرفه فيه سقط وجوب الزكاة، وإن عصى ولم يحجّ وجبت الزكاة بعد تمام الحول؛ وإن تقارن خروج القافلة مع تمام الحول أو تعلّق الوجوب وجبت الزكاة دون الحجّ.
مسألة 10 - تجب الزكاة على الكافر وإن لم تصحّ منه لو أدّاها. نعم، للإمام(عليه السلام) أو نائبه أخذها منه قهرا، بل له أخذ عوضها منه لو كان أتلفها أو تلفت عنده على الأقوى. نعم، لو أسلم بعد ما وجبت عليه سقطت عنه وإن كانت العين موجودةً على إشكال. هذا لو أسلم بعد تمام الحول. وأمّا لو أسلم ولو بلحظة قبله فالظاهر وجوبها عليه. - القول فيما تجب فيه الزكاة وما تستحب
- الفصل الأول في زكاة الأنعام
- الفصل الثاني في زكاة النقدين
الفصل الثاني في زكاة النقدين
ويعتبر فيها - مضافا إلى ما عرفت من الشرائط العامّة - اُمور:
الأوّل: النصاب. وهو في الذهب عشرون دينارا، وفيه عشرة قراريط هي نصف الدينار. والدينار مثقال شرعيّ، وهو ثلاثة أرباع الصيرفيّ، فيكون العشرون دينارا خمسة عشر مثقالا صيرفيّا، وزكاته ربع المثقال وثمنه. ولا زكاة في ما دون عشرين، ولا في ما زاد عليها حتّى يبلغ أربعة دنانير -وهي ثلاثة مثاقيل صيرفيّة- ففيها قيراطان، إذ كلّ دينار عشرون قيراطا؛ وهكذا كلّ ما زاد أربعة؛ وليس في ما نقص عن أربعة دنانير شي ء، لكن لا بمعنى عدم تعلّق الزكاة به رأسا كما قبل العشرين، بل المراد بالعفو عمّا بين النصابين هو أنّ ما زاد عن نصاب إلى أن بلغ نصابا آخر متعلّق للفرض السابق؛ فالعشرون مبدأ النصاب الأوّل إلى أربعة وعشرين، وهو متعلّق للفرض الأوّل أي نصف الدينار، فإذا بلغت أربعةً وعشرين زاد قيراطان إلى ثمانية وعشرين، فزاد قيراطان وهكذا.
ونصاب الفضّة مائتا درهم، وفيه خمس دراهم، ثمّ كلّما زاد أربعين كان(۱) فيها درهم بالغا ما بلغ، وليس في ما دون المائتين شي ء، وكذا في ما دون الأربعين، لكن بالمعنى المتقدّم في الذهب. والدرهم ستّة دوانيق عبارة عن نصف مثقال شرعيّ وخمسه، لأنّ كلّ عشرة دراهم سبعة مثاقيل شرعيّة.
فائدة: الضابط الكلّيّ في تأدية زكاة النقدين أنّهما بعد ما بلغا حدّ النصاب -أعني عشرين دينارا أو مائتي درهم- يعطي من كلّ أربعين واحدا فقد أدّى ما وجب عليه وإن زاد على المفروض في بعض الصور بقليل، ولا بأس به، بل أحسن وزاد خيرا.
الثاني: كونهما منقوشين بسكّة المعاملة من سلطان أو شبهه - ولو في بعض الأزمنة والأمكنة - بسكّة الإسلام أو الكفر بكتابة أو غيرها ولو صارا ممسوحين بالعارض؛ وأمّا الممسوحان بالأصل فلا تجب فيهما، إلّا إذا كانا رائجين فتجب على الأحوط. ولو اتّخذ المسكوك حليةً للزينة - مثلا - فلاتجب الزكاة فيه، زاده الاتّخاذ في القيمة أو نقصه، كانت المعاملة على وجهها ممكنةً أولا.
الثالث: الحول. ويعتبر أن يكون النصاب موجودا فيه أجمع؛ فلو نقص عنه في أثنائه أو تبدّلت أعيان النصاب بجنسه أو غيره أو بالسبك ولو بقصد الفرار لم تجب فيه زكاة وإن استحبّت في هذه الصورة، بل هو الأحوط. نعم، لو كان السبك بعد وجوب الزكاة بحول الحول لم تسقط.
مسألة 1 - يُضمّ الدراهم والدنانير بعضها إلى بعض بالنسبة إلى تحقّق النصاب وإن اختلف من حيث الاسم والسكّة، بل من حيث القيمة واختلاف الرغبة؛ فيضمّ القِران الإيرانيّ إلى المجيديّ والروپية، بل يُضمّ الرائج الفعليّ إلى المهجور؛ وأمّا بالنسبة إلى إخراج الزكاة فإن تطوّع المالك بالإخراج من الأرغب والأكمل فقد أحسن وزاد خيرا، وإلّا أخرج من كلّ بقسطه ونسبته على الأقوى، ولا يجوز الاجتزاء بالفرد الأدون عن الجميع.
مسألة 2 - الدراهم المغشوشة بما يخرجها عن اسم الفضّة الخالصة ولو الرديّة لا زكاة فيها حتّى بلغ خالصها النصاب. ولو شكّ فيه ولم يكن طريق إلى التعرّف لم تجب الزكاة. والأحوط التصفية ونحوها للاختبار وإن كان الأقوى عدم وجوبه.
مسألة 3 - لو أخرج المغشوشة زكاةً عن الخالصة أو المغشوشة: فإن علم بأنّ ما فيها من الخالصة بمقدار الفريضة فهو، وإلّا فلابدّ من تحصيل العلم بذلك ولو بإعطاء مقدار يعلم بأنّ ما فيه من الخالصة ليس بأنقص منها.
مسألة 4 - لو ملك النصاب ولم يعلم هل فيه غشّ أم لا؟ فالأقوى عدم وجوب شي ء وإن كان الأحوط التزكية.
مسألة 5 - لو اقترض النصاب وتركه بحاله عنده حتّى حال عليه الحول يكون زكاته عليه لاعلى المقرض، بل لو شرط كونها عليه لم يلزم الشرط إذا كان المقصود وجوبها عليه. نعم، لو شرط عليه التبرّع عنه بأداء ما وجب عليه يلزمه، ولو لم يف المقرض بالشرط لم تسقط عن المقترض، بل يجب عليه أداؤها.
هكذا في جميع الطبعات، لكنّ الظاهر أنّ الصحيح «أربعون» - الفصل الثالث في زكاة الغلات
- ويقع الكلام في زكاة الغلات في مطالب
- المطلب الأول
المطلب الأوّل
يعتبر فيها أمران:
الأوّل: بلوغ النصاب. وهو خمسة أوسق، والوسق ستّون صاعا، فهو ثلاثمائة صاع، والصاع تسعة أرطال بالعراقيّ، وستّة بالمدنيّ، لأنّه أربعة أمداد، والمدّ رطلان وربع بالعراقيّ، ورطل ونصف بالمدنيّ، فيكون النصاب ألفين وسبعمائة رطل بالعراقيّ، وألفا وثمانمائة رطل بالمدنيّ. والرطل العراقيّ مائة وثلاثون درهما عبارة عن أحد وتسعين مثقالا شرعيّا وثمانية وستّين مثقالا وربع مثقال صيرفيّ؛ وبحسب حُقّة النجف - الّتي هي عبارة عن تسعمائة وثلاثة وثلاثين مثقالا صيرفيّا وثلث مثقال - ثماني وزنات وخمس حُقق ونصف إلّا ثمانية وخمسين مثقالا وثلث مثقال؛ وبحُقّة الإسلامبول - وهي مائتان وثمانون مثقالا - سبع وعشرون وزنة وعشر حُقق وخمسة وثلاثون مثقالا؛ وبالمنّ الشاهيّ المتداول في بعض بلاد إيران - الّذي هو عبارة عن ألف ومائتي مثقال وثمانين مثقالا صيرفيّا - مائة منٍ ّ وأربعة وأربعون منّا إلّا خمسة وأربعين مثقالاً صيرفيّا؛ وبالمنّ التبريزيّ المتداول في بعض بلاد إيران مائتان وثمانية وثمانون منّا إلّا خمسة وأربعين مثقالا صيرفيّا؛ وبالكيلو المتعارف في هذا العصر (۲۰۷/847) تقريبا؛ فلا زكاة في الناقص عن النصاب ولو يسيرا، كما أنّه تجب في النصاب ومازاد عليه ولو يسيرا.
مسألة 1 - المدار في بلوغ النصاب ملاحظة حال الجفاف وإن كان زمان التعلّق قبل ذلك؛ فلو كان عنده خمسة أوسق من الرطب لكن ينقص عنها حال الجفاف فلا زكاة، حتّى أنّ مثل البربن وشبهه ممّا يؤكل رطبا إنّما تجب الزكاة فيه إذا بلغ النصاب تمرا وإن قلّ التمر منه؛ ولو فرض عدم صدق التمر على يابسه لم تجب الزكاة.
مسألة 2 - إذا كان له نخيل أو كروم أو زروع في بلاد متباعدة يدرك بعضها قبل بعض ولو بشهر أو شهرين أو أكثر يضمّ بعضها إلى بعض بعد أن كانت الثمرتان لعام واحد؛ وحينئذٍ إن بلغ ما أدرك منه النصاب تعلّق الوجوب به وأخرج ما هو فريضته، وما لم يدرك يجب ما هو فريضته عند إدراكه قلّ أو كثر، وإن لم يبلغ النصاب ما سبق إدراكه تربّص حتّى يدرك ما يكمل النصاب. ولو كان له نخل يطلع أو كرم يثمر في عام مرّتين ضمّ الثاني إلى الأوّل على إشكال.
الأمر الثاني: التملّك بالزراعة إن كان ممّا يزرع، أو انتقال الزرع أو الثمرة -مع الشجرة أو منفردةً- إلى ملكه قبل تعلّق الزكاة؛ فتجب عليه الزكاة على الأقوى في ما إذا نمت مع ذلك في ملكه، وعلى الأحوط في غيره.
مسألة 3 - المشهور عند المتأخّرين أنّ وقت تعلّق الزكاة عند اشتداد الحبّ في الزرع وحين بدوّ الصلاح أعني حين الاصفرار أو الاحمرار في ثمرة النخل، وعند انعقاد الحصرم في ثمرةالكرم. والأقوى أنّ المدار هو التسمية حنطةً أو شعيرا أوتمرا. ولا يترك الاحتياط في الزبيب في الثمرة المترتّبة على القولين في المسألة.
مسألة 4 - وقت وجوب الإخراج حين تصفية الغلّة واجتذاذ التمر واقتطاف الزبيب. وهذا هو الوقت الّذي لو أخّرها عنه ضمن، ويجوز للساعي مطالبة المالك فيه ويلزمه القبول؛ ولو طالبه قبله لم يجب عليه القبول. وفي جواز الإخراج في هذا الحال إشكال، بل الأقوى عدمه لو انجرّ الإخراج إلى الفساد ولو قلنا بأنّ وقت التعلّق حين بدوّ الصلاح.
مسألة 5 - لو أراد المالك الاقتطاف حصرما أو عنبا أوبسرا أو رطبا جاز، ووجب أداء الزكاة على الأحوط من العين أو القيمة بعد فرض بلوغ تمرها وزبيبها النصاب وإن كان الأقوى عدم الوجوب.
مسألة 6 - يجوز للمالك دفع الزكاة والثمر على الشجر قبل الجذاذ وبعد التعلّق من نفس الثمر أو قيمته.
مسألة 7 - لو ملك نخلا أو كرما أو زرعا قبل زمان التعلّق فالزكاة عليه في ما نمت مع ذلك في ملكه على الأقوى، وفي غيره على الأحوط كما مرّ، فيجب عليه إخراج الزكاة بعد التعلّق مع اجتماع الشرائط؛ بخلاف ما إذا ملك بعد زمان التعلّق، فإنّ الزكاة على من انتقل عنه ممّن كان مالكا حال التعلّق. ولو باعه - مثلا - قبل أداء ما عليه فهو فضوليّ بالنسبة إلى حصّة الزكاة يحتاج إلى إجازة الحاكم، فإن أجاز ردّ الثمن إليه بالنسبة ورجع إلى البائع به، وإن ردّه أدّى الزكاة، وله الرجوع إلى البائع بثمنه بالنسبة. هذا إذا أحرز عدم التأدية؛ ومع إحرازها أو احتمالها لاشي ء عليه.
مسألة 8 - لو باع الزرع أو الثمر وشكّ في أنّ البيع كان بعد زمان التعلّق حتّى تكون الزكاة عليه أو قبله حتّى تكون على المشتري لم يكن عليه شي ء إلّا إذا علم زمان التعلّق وجهل زمان البيع، فيجب عليه حينئذٍ إخراجها على الأقوى. ولو شكّ المشتري في ذلك: فإن كان قاطعا بأنّ البائع لم يؤدّ زكاته على تقدير كون الشراء بعد زمان التعلّق يجب عليه إخراجها مطلقا، على الأحوط في ما إذا احتمل أنّ الشراء في زمان تمّ نماء الزرع ولم ينم في ملكه، وعلى الأقوى في غيره، وإن لم يكن قاطعا بذلك بل كان قاطعا بأدائها على ذلك التقدير أو احتمله ليس عليه شي ء مطلقا، حتّى في ما إذا علم زمان البيع وشكّ في تقدّم التعلّق وتأخّره على الأقوى وإن كان الأحوط في هذه الصورة إخراجها.
مسألة 9 - لو مات المالك بعد تعلّق الزكاة وقبل إخراجها تخرج من عين ما تعلّقت به الزكاة إن كان موجودا، ومن تركته إن تلف مضمونا عليه. نعم، لورثته أداء قيمة الزكويّ مع بقائه أيضا. ولو مات قبله وجبت على من بلغ سهمه النصاب من الورثة مع اجتماع سائر الشرائط، على الأحوط في ما إذا انتقل إليهم بعد تمام نموّه وقبل تعلّق الوجوب، وعلى الأقوى إذا كان الانتقال قبل تمامه؛ فإذا لم يبلغ سهم واحد منهم النصاب أو اختلّ بعض شروط اُخر فلا زكاة. ولو لم يعلم أنّ الموت كان قبل التعلّق أو بعده فمن بلغ سهمه النصاب يجب عليه إخراج زكاة حصّته، على الأقوى في بعض الصور، وعلى الأحوط في بعض، ومن لم يبلغ نصيبه حدّ النصاب لا يجب عليه شي ء، إلّا إذا علم زمان التعلّق وشكّ في زمان الموت فتجب على الأقوى.
مسألة 10 - لو مات الزارع أو مالك النخل والكرم وكان عليه دين: فإن كان موته بعد تعلّق الوجوب وجب إخراج الزكاة - كما مرّ - حتّى في ما إذا كان الدين مستوعبا للتركة، ولا يتحاصّ الغرماء مع أرباب الزكاة، إلّا إذا صارت في ذمّته في زمان حياته بسبب إتلافه أو التلف مع التفريط، فيقع التحاصّ بينهم كسائر الديون؛ وإن كان موته قبل تعلّق الوجوب: فإن كان قبل ظهور الحبّ والثمر فمع استيعاب الدين التركة وكونه زائدا عليها - بحيث يستوعب النماءات أيضا - لا تجب على الورثة الزكاة، بل تكون كأصل التركة بحكم مال الميّت على الأقوى يؤدّى منها دينه، ومع استيعابه التركة وعدم زيادته عليها لو ظهرت الثمرة بعد الموت يصير مقدار الدين بعد ظهورها من التركة أصلا ونماءً بحكم مال الميّت بنحو الإشاعة بينه وبين الورثة، ولا تجب الزكاة في ما يقابله، ويحسب النصاب بعد توزيع الدين على الأصل والثمرة، فإن زادت حصّة الوارث من الثمرة بعد التوزيع وبلغت النصاب تجب الزكاة عليه، ولو تلف بعض الأعيان من التركة يكشف عن عدم كونه ممّا يؤدّى منه الدين وعدم كونه بحكم مال الميّت، وكان ماله في ما سوى التالف واقعا. ومنه يظهر الحال لو كان الموت بعد ظهوره وقبل تعلّق الوجوب. نعم، الاحتياط بالإخراج مع الغرامة للديّان أو استرضائهم مطلقا حسن، سيّما في ما كان الموت قبل ظهوره. ولو كان الورثة قد أدّوا الديون أوضمنوه برضا الديّان قبل تعلّق الوجوب وجبت الزكاة على من بلغ سهمه النصاب مع اجتماع الشرائط.
مسألة 11 - في المزارعة والمساقاة الصحيحتين حيث إنّ الحاصل مشترك بين المالك والعامل تجب على كلّ منهما الزكاة في حصّته مع اجتماع الشرائط بالنسبة إليه؛ بخلاف الأرض المستأجرة للزراعة، فإنّ الزكاة على المستأجر مع اجتماع الشرائط، وليس على الموجر شي ء وإن كانت الاُجرة من الجنس الزكويّ.
مسألة 12 - في المزارعة الفاسدة تكون الزكاة على صاحب البذر، واُجرة الأرض والعامل من المُؤَن. وفي المساقاة الفاسدة تكون الزكاة على صاحب الاُصول، وتحسب اُجرة مثل عمل المساقي من المُؤَن.
مسألة 13 - لو كان عنده أنواع من التمر - كالزاهديّ والخستاويّ والقنطار وغيرذلك - يضمّ بعضها إلى بعض في بلوغ النصاب. والأحوط الدفع من كلّ نوع بحصّته وإن كان الأقوى جواز الاجتزاء بمطلق الجيّد عن الكلّ وإن اشتمل على الأجود. ولا يجوز دفع الردي ء عن الجيّد على الأحوط. وهكذا الحال في أنواع العنب.
مسألة 14 - يجوز تقبّل كلّ من المالك والحاكم أو من يبعثه حصّة الآخر بخرص أهل الخبرة. والظاهر أنّ التخريص هاهنا كالتخريص في المزارعة ممّا وردت فيها النصوص، وهو معاملة عقلائيّة برأسها، وفائدتها صيرورة المال المشاع معيّنا على النحو الكلّيّ في المعيّن في مال المتقبّل. ولابدّ في صحّتها وقوعها بين المالك ووليّ الأمر، وهو الحاكم أو من يبعثه لعمل الخرص؛ فلا يجوز للمالك الاستبداد بالخرص والتصرّف بعده كيف شاء. نعم، بعد التقبّل بالتخريص مع الوالي يجوز له التصرّف بما شاء، من دون احتياج إلى الضبط والحساب. ويشترط فيه الصيغة، وهي ما دلّت على ذاك التقبّل وتلك المعاملة. والظاهر أنّ التلف بآفة سماويّة وظلم ظالم على المتقبّل، إلّا أن يكون مستغرقا أو بمقدار صارت البقيّة أنقص من الكلّيّ فلا يضمن ما تلف. ويجب ردّ ما بقي إلى الحاكم إن كان المتقبّل المالك دون الحاكم. ثمّ إن زاد ما في يد المالك المتقبّل عمّا عيّن بالخرص كان له، وإن نقص كان عليه. ووقت الخرص بعد تعلّق الزكاة. - المطلب الثاني
المطلب الثاني
إنّما تجب الزكاة بعد إخراج ما يأخذه السلطان من عين الحاصل بعنوان المقاسمة وما يأخذه نقدا باسم الخراج أيضا على الأصحّ إذا كان مضروبا على الأرض باعتبار الجنس الزكويّ، ولو كان باعتبار الأعمّ منه فبحسابه. ولو أخذ العمّال زائدا على ما قرّره السلطان ظلما: فإن أخذوا من نفس الغلّة قهرا فالظلم وارد على الكلّ، ولا يضمن المالك حصّة الفقراء، ويكون بحكم الخراج في أنّ اعتبار الزكاة بعد إخراجه بالنسبة؛ وإن أخذوا من غيرها فالأحوط عدم الاحتساب على الفقراء ، خصوصا إذا كان الظلم شخصيّا، بل عدم جوازه حينئذٍ لايخلو من قوّة. وإنّما يعتبر إخراج ما يأخذه بالنسبة إلى اعتبار الزكاة، فيخرج من الوسط ثمّ يؤدّي العشر أو نصف العشر ممّا بقي؛ وأمّا بالنسبة إلى اعتبار النصاب: فإن كان ما ضرب على الأرض بعنوان المقاسمة فلا إشكال في أنّ اعتباره بعده، بمعنى أنّه يلاحظ بلوغ النصاب في حصّته، لا في المجموع منها ومن حصّة السلطان، ولو كان بغير عنوان المقاسمة ففيه إشكال، والأحوط لو لم يكن الأقوى اعتباره قبله.
مسألة 1 - الظاهر عدم اختصاص حكم الخراج بما يأخذه السلطان المخالف المدّعي للخلافة والولاية على المسلمين بغير استحقاق، بل يعمّ سلاطين الشيعة الّذين لا يدّعون ذلك، بل لايبعد شموله لكلّ مستولٍ على جباية الخراج، حتّى في ما إذا لم يكن سلطان، كبعض الحكومات المتشكّلة في هذه الأعصار. وفي تعميم الحكم لغير الأراضي الخراجيّة - مثل ما يأخذه الجائر من أراضي الصلح أو الّتي كانت مواتا فتملّكت بالإحياء - وجه لايخلو من قوّة.
مسألة 2 - الأقوى اعتبار خروج المُؤَن جميعها، من غير فرق بين السابقة على زمان التعلّق واللاحقة. والأحوط لو لم يكن الأقوى اعتبار النصاب قبل إخراجها؛ فإذا بلغ النصاب تعلّق الزكاة به مع اجتماع سائر الشرائط، ولكن تخرج المُؤَن من الكلّ، ثمّ يخرج العشر أو نصف العشر من الباقي قلّ أو كثر. ولو استوعبت المؤونة تمام الحاصل فلا زكاة. والمراد بالمؤونة كلّ ما يغرمه المالك في نفقة هذه الثمرة ويصرفه في تنميتها وحفظها وجمعها، كالبذر وثمن الماء المشترى لسقيها، واُجرة الفلّاح والحارث والحارس والساقي والحصّاد والجذّاذ، واُجرة العوامل الّتي يستأجرها للزرع، واُجرة الأرض ولو كانت غصبا ولم ينو إعطاء اُجرتها لمالكها، وما يصرفه لتجفيف الثمرة وإصلاح النخل وتسطيح الأرض وتنقية النهر، بل وفي إحداثه لو كان هذا الزرع والنخل والكرم محتاجا إليه. والظاهر أنّه ليس منها ما يصرفه مالك البستان - مثلا - في حفر بئر أو نهر أو بناء دولاب أو ناعور أو حائط ونحو ذلك ممّا يعدّ من مؤونة تعمير البستان لا من مؤونة ثمرته. نعم، إذا صرف ذلك مشتري الثمرة ونحوه لأجل الثمر الّذي اشتراه أو ملكه بالإجارة يكون من مؤونته. ولا يحسب منها اُجرة المالك إذا كان هو العامل، ولا اُجرة المتبرّع بالعمل، ولا اُجرة الأرض والعوامل إذا كانت مملوكةً له؛ بل الأحوط عدم احتساب ثمن العوامل والآلات الّتي يشتريها للزرع والسقي ممّا يبقى عينها بعد استيفاء الحاصل. نعم، في احتساب ما يرد عليها من النقص بسبب استعمالها في الزرع والسقي وجه، لكنّ الأحوط خلافه. وفي احتساب ثمن الزرع والثمر إشكال لايبعد الاحتساب، لكن يقسّط على التبن والحنطة - مثلا - بالنسبة.
مسألة 3 - الظاهر أنّه يلاحظ في البذر قيمته يوم الزرع لا مثله، سواء كان من ماله أو اشتراه؛ فلو كان بعضه من ماله الغير المزكّى فالظاهر صيرورة الفقراء شريكا مع الزارع بمقدار حصّتهم، وتحسب البقيّة من المؤونة.
مسألة 4 - لو كان مع الزكويّ غيره وزّعت المؤونة عليهما بالنسبة؛ وكذا الخراج الّذي يأخذه السلطان إن كان مضروبا على الأرض باعتبار مطلق الزرع لاخصوص الزكويّ. والظاهر توزيعها على التبن والحبّ.
مسألة 5 - لو كان للعمل مدخليّة في ثمر سنين عديدة فلا يبعد التفصيل بين ما كان عمله لها فيوزّع عليها، وبين ما إذا عمل للسنة الاُولى وإن انتفع منه في سائر السنين قهرا فيحسب من مؤونة الاُولى، فيكون غيرها بلا مؤونة من هذه الجهة.
مسألة 6 - لو شكّ في كون شي ء من المُؤَن أولا لم يحسب منها. - المطلب الثالث
المطلب الثالث
كلّ ما سقي سيحا ولو بحفر نهر ونحوه أو بعلا - وهو ما يشرب بعروقه - أو عِذيا - وهو ما يسقى بالمطر - ففيه العشر؛ وما يسقى بالعلاج بالدلو والدوالي والنواضح والمكائن ونحوها من العلاجات ففيه نصف العشر؛ وإن سقي بهما فالحكم للأكثر الّذي يسند السقي إليه عرفا؛ وإن تساويا بحيث لم يتحقّق الإسناد المذكور بل يصدق أنّه سقي بهما ففي نصفه العشر وفي نصفه الآخر نصف العشر؛ لكن لاينبغي ترك الاحتياط بإخراج العشر إذا كان الأكثر بغير علاج ولو مع صدق السقي بهما. ومع الشكّ فالواجب الأقلّ إلّا في المسبوق بالسقي بغير علاج؛ ولو شكّ في سلب ذلك يجب الأكثر، بل الأحوط ذلك مطلقا.
مسألة 1 - الأمطار العاديّة في أيّام السنة لاتُخرج ما يُسقى بالدوالي عن حكمه، إلّا إذا استغنى بها عن الدوالي أو صار مشتركا بينهما.
مسألة 2 - لو أخرج شخصٌ الماء بالدوالي على أرض مباحة - مثلا - عبثا أو لغرض فزرعها آخر وشرب الزرع بعروقه يجب العشر على الأقوى. وكذا إذا أخرجه هو بنفسه لغرض آخر غير الزرع ثمّ بدا له أن يزرع زرعا يشرب بعروقه؛ بل وكذا إذا أخرجه لزرع فزاد وجرى على أرض اُخرى فبدا له أن يزرع فيها زرعا يشرب بعروقه.
-
-
-
- القول في أصناف المستحقين للزكاة ومصارفها
القول في أصناف المستحقّين للزكاة ومصارفها
وهي ثمانية:
الأوّل والثاني: الفقراء والمساكين؛ والثاني أسوأ حالا من الأوّل. وهم الّذين لايملكون مؤونة سنتهم اللائقة بحالهم لهم ولمن يقومون به لا فعلا ولا قوّةً؛ فمن كان ذا اكتساب يمون به نفسه وعياله على وجه يليق بحاله ليس من الفقراء والمساكين، ولا تحلّ له الزكاة؛ وكذا صاحب الصنعة والضيعة وغيرهما ممّا يحصل به مؤونته. ولو كان قادرا على الاكتساب لكن لم يفعل تكاسلا فلا يترك الاحتياط بالاجتناب عن أخذها وإعطائها إيّاه، بل عدم الجواز لايخلو من قوّة.
مسألة 1 - مبدأ السنة الّتي تدور صفتا الفقر والغنى مدارمالكيّةمؤونتهاوعدمها هو زمان إعطاء الزكاة، فيلاحظ كفايته وعدمها في ذلك الزمان؛ فكلّ زمان كان مالكا لمقدار كفاية سنته كان غنيّا، فإذا نقص عن ذلك بعد صرف بعضه يصير فقيرا.
مسألة 2 - لو كان له رأس مال يكفي لمؤونة سنته لكن لم يكفه ربحه أو ضيعة تقوم قيمتها بمؤونة سنة أو سنوات لكن لاتكفيه عوائدها لا يكون غنيّا، فيجوز له أن يُبقيها ويأخذ من الزكاة بقيّة المؤونة.
مسألة 3 - الأحوط عدم إعطاء الفقير أزيد من مؤونة سنته؛ كما أنّ الأحوط للفقير عدم أخذه، وأنّ الأحوط أيضا في المكتسب الّذي لا يفي كسبه وصاحب الضيعة الّتي لايفي حاصلها والتاجر الّذي لايكفي ربحه بمؤونته الاقتصار على التتمّة أخذا وإعطاءً.
مسألة 4 - دار السكنى والخادم وفرس الركوب المحتاج إليها بحسب حاله -ولو لعزّه وشرفه - والثياب والألبسة الصيفيّة والشتويّة والسفريّة والحضريّة - ولو كانت للتجمّل - والفرش والظروف وغير ذلك لا يمنع عن إعطاء الزكاة وأخذها. نعم، لو كان عنده أزيد من مقدار حاجته المتعارفة بحسب حاله وزيّه بحيث لو صرفها تكفي لمؤونة سنته لايجوز له الأخذ.
مسألة 5 - لو كان قادرا على التكسّب ولو بالاحتطاب والاحتشاش لكن ينافي شأنه أو يشقّ عليه مشقّة شديدة لكبر أو مرض ونحو ذلك يجوز له أخذ الزكاة، وكذا إذا كان صاحب صنعة أو حرفة لايمكنه الاشتغال بها لفقد الأسباب أو عدم الطالب.
مسألة 6 - إن لم يكن له حرفة وصنعة لائقة بشأنه فعلا ولكن يقدر على تعلّمها بغير مشقّة شديدة ففي جواز تركه التعلّم وأخذه الزكاة إشكال، فلا يترك الاحتياط. نعم، لا إشكال في جوازه إذا اشتغل بالتعلّم مادام مشتغلا به.
مسألة 7 - يجوز لطالب العلم القادر على التكسّب اللائق بشأنه أخذ الزكاة من سهم سبيل اللّه إذا كان التكسّب مانعا عن الاشتغال أو موجبا للفتور فيه، سواء كان ممّا يجب تعلّمه عينا أو كفايةً أو يستحبّ.
مسألة 8 - لو شكّ أنّ ما في يده كافٍ لمؤونة سنته لايجوز له أخذ الزكاة، إلّا إذا كان مسبوقا بعدم وجود ما به الكفاية ثمّ وجد ما يشكّ في كفايته.
مسألة 9 - لو كان له دين على الفقير جاز احتسابه زكاةً ولو كان ميّتا، بشرط أن لايكون له تركة تفي بدينه، وإلّا لا يجوز. نعم، لو كانت له تركة لكن لا يمكن استيفاء الدين منها لامتناع الورثة أو غيره فالظاهر الجواز.
مسألة 10 - لو ادّعى الفقر: فإن عُرف صدقه أو كذبه عومل به، ولو جُهل حاله اُعطي من غير يمين مع سبق فقره، وإلّا فالأحوط اعتبار الظنّ بصدقه الناشئ من ظهور حاله، خصوصا مع سبق غناه.
مسألة 11 - لايجب إعلام الفقير أنّ المدفوع إليه زكاة، بل يستحبّ دفعها على وجه الصلة ظاهرا والزكاة واقعا إذا كان ممّن يترفّع ويدخله الحياء منها.
مسألة 12 - لو دفع الزكاة إلى شخص على أنّه فقير فبان غناه استرجعت منه مع بقاءالعين، بل مع تلفها ضامن مع علمه بكونها زكاةً وإن كان جاهلا بحرمتها على الغنيّ، بل مع احتمال أنّها زكاة فالظاهر ضمانه. نعم، مع إعطائه بغير عنوانهإ؛/، ظظ سقط الضمان، كما أنّه مع قطعه بعدمها سقط. ولا فرق في ذلك بين الزكاة المعزولة وغيرها. وكذا الحال في ما لو دفعها إلى غنيّ جاهلا بحرمتها عليه. ولو تعذّر استرجاعها في الصورتين أو تلفت بلا ضمان أو معه وتعذّر أخذ العوض منه كان ضامنا وعليه الزكاة، إلّا إذا أعطاه بإذن شرعيّ - كدعوى الفقر بناءً على اعتبارها- فالأقوى حينئذٍ عدم الضمان. نعم، لو كان إحرازه بأمارة عقليّة كالقطع فالظاهر الضمان. ولو كان الدافع هو المجتهد أو وكيله لا ضمان عليه مع عدم التقصير، بل ولا على المالك أيضا لو دفعه إليه أو إلى وكيله بعنوان أنّه وليّ عامّ على الفقراء، وأمّا إذا كان بعنوان الوكالة عن المالك فالظاهر ضمانه، فيجب عليه أداء الزكاة ثانيا.
الثالث: العاملون عليها. وهم الساعون في جبايتها، المنصوبون من قبل الإمام 7 أو نائبه لأخذها وضبطها وحسابها، فإنّ لهم من الزكاة سهما لأجل عملهم وإن كانوا أغنياء، والإمام 7 أو نائبه مخيّر بين أن يقدّر لهم جعالةً أو اُجرةً عن مدّة مقرّرة وبين أن لايجعل لهم جُعلا فيعطيهم ما يراه. والأقوى عدم سقوط هذا الصنف في زمان الغيبة مع بسط يد الحاكم ولو في بعض الأقطار.
الرابع: المؤلّفة قلوبهم. وهم الكفّار الّذين يراد اُلفتهم إلى الجهاد أو الإسلام، والمسلمون الّذين عقائدهم ضعيفة، فيعطون لتأليف قلوبهم. والظاهر عدم سقوطه في هذا الزمان.
الخامس: في الرقاب. وهم المكاتَبون العاجزون عن أداء مال الكتابة، والعبيد تحت الشدّة، بل مطلق عتق العبد، سواء وجد المستحقّ للزكاة أم لا؛ فهذا الصنف عامّ لمطلق عتق الرقبة، لكن يشترط في المكاتب العجز المذكور.
السادس: الغارمون. وهم الّذين عليهم الديون في غير معصية ولا إسراف، ولم يتمكّنوا من وفائها ولو ملكوا قوت سنتهم.
مسألة 13 - المراد بالدين كلّ ما اشتغلت به الذمّة ولوكان مهرا لزوجته أوغرامةً لما أتلفه أوتلف عنده مضمونا. والأقوى عدم اعتبارالحلول فيه، والأحوطاعتباره.
مسألة 14 - لو كان المديون كسوبا يتمكّن من قضائه تدريجا: فإن لم يرض بذلك الديّان ويطلبون منه التعجيل فلا إشكال في جواز إعطائه من هذا السهم، وإلّا فالأحوط عدم إعطائه.
مسألة 15 - لو كان المديون ممّن تجب نفقته على من عليه الزكاة جاز له إعطاؤه لوفاء دينه وإن لم يجز لنفقته.
مسألة 16 - كيفيّة صرف الزكاة في هذا المصرف إمّا بدفعها إلى المديون ليوفي دينه، وإمّا بالدفع إلى الدائن وفاءً عن دينه. ولو كان الغريم مديونا لمن عليه الزكاة جاز له احتساب ما في ذمّته زكاةً؛ كما جاز له أن يحتسب ما عنده من الزكاة وفاءً للدين الّذي على الغريم، ويبرأ بذلك ذمّته وإن لم يقبضها ولم يوكّل المالك في قبضها بل ولم يكن له اطّلاع بذلك.
مسألة 17 - لو كان لمن عليه الزكاة دين على شخص وكان لذلك الشخص دين على فقير جاز له احتساب ما على ذلك الشخص زكاةً ثمّ احتسابه له وفاءً عمّا له على ذلك الفقير؛ كما جاز أن يحيله ذلك الشخص على ذلك الفقير، فيبرأ بذلك ذمّة ذلك الشخص عن دين من عليه الزكاة وذمّة الفقير عن دين ذلك الشخص ويشتغل لمن عليه الزكاة، فجاز له أن يحسب ما في ذمّته زكاةً كما مرّ.
مسألة 18 - قد مرّ اعتبار كون الدين في غير معصية. والمدار صرفه فيها، لاكون الاستدانة لأجلها؛ فلو استدان لا للمعصية فصرفه فيها لم يعط من هذا السهم، بخلاف العكس.
السابع - في سبيل اللّه. ولا يبعد أن يكون هو المصالح العامّة للمسلمين والإسلام، كبناء القناطر وإيجاد الطرق والشوارع وتعميرها، وما يحصل به تعظيم الشعائر وعلوّ كلمة الإسلام، أو دفع الفتن والمفاسد عن حوزة الإسلام وبين القبيلتين من المسلمين وأشباه ذلك، لا مطلق القربات كالإصلاح بين الزوجين والولد والوالد.
الثامن - ابن السبيل. وهو المنقطع به في الغربة وإن كان غنيّا في بلده إذا كان سفره مباحا؛ فلو كان في معصية لم يعط؛ وكذا لو تمكّن من الاقتراض وغيره؛ فيدفع إليه منها ما يوصله إلى بلده على وجه يليق بحاله وشأنه، أو إلى محلّ يمكنه تحصيل النفقة ولو بالاستدانة. ولو وصل إلى بلده وفضل ممّا اُعطي شي ء ولو بسبب التقتير على نفسه أعاده على الأقوى حتّى في مثل الدابّة والثياب ونحوها؛ فيوصله إلى الدافع أو وكيله؛ ومع تعذّره أو حرجيّته يوصله إلى الحاكم؛ وعليه أيضا إيصاله إلى أحدهما، أو الاستيذان من الدافع في صرفه على الأحوط لو لم يكن الأقوى.
مسألة 19 - إذا التزم بنذر أو شبهه أن يعطي زكاته فقيرا معيّنا أو صرفها في مصرف معيّن من مصارف الزكاة وجب عليه، لكن لوسها وأعطى غيره أو صرفها في غيره أجزأه. ولا يجوز استردادها من الفقير حتّى مع بقاء العين، بل الظاهر كذلك في ما لو أعطاه أو صرفها مع الالتفات والعمد وإن أثم بسبب مخالفة النذر حينئذٍ وتجب عليه الكفّارة. - القول في أوصاف المستحقين للزكاة
القول في أوصاف المستحقّين للزكاة
وهي اُمور:
الأوّل: الإيمان؛ فلا يعطى الكافر، ولا المخالف للحقّ وإن كان من فرق الشيعة، بل ولا المستضعف من فرق المخالفين، إلّا من سهم المؤلّفة قلوبهم. ولايعطى ابن الزنا من المؤمنين في حال صغره، فضلا عمّن كان من غيرهم. ويعطى أطفال الفرقة الحقّة، من غير فرق بين الذكر والاُنثى، ولا بين المميّز وغيره، بل لو تولّد بين المؤمن وغيره اُعطي منها إذا كان الأب مؤمنا، ومع عدم إيمانه لايُعطى وإن كانت الاُمّ مؤمنةً. ولا تسلّم إلى الطفل، بل تُدفع إلى وليّه أو يصرفها عليه بنفسه أو بواسطة أمين. والمجنون كالطفل. أمّا السفيه فيجوز الدفع إليه وإن تعلّق الحجر به مع شرائطه.
الثاني: أن لا يكون شارب الخمر على الأحوط، بل غير متجاهر بمثل هذه الكبيرة على الأحوط. ولا يشترط فيه العدالة وإن كان أحوط؛ فيجوز الدفع إلى غير العادل من المؤمنين مع عدم التجاهر بما ذكر وإن تفاوتت مراتب الرجحان في الأفراد. نعم، يقوى عدم الجواز إذا كان في الدفع إعانة على الإثم أو إغراء بالقبيح وفي المنع ردع عن المنكر. والأحوط اعتبار العدالة في العامل حال عمله وإن لاتبعد كفاية الوثوق والاطمينان به. وأمّا في الغارم وابن السبيل والرقاب فغير معتبرة، فضلاً عن المؤلّفة وفي سبيل اللّه.
الثالث: أن لايكون ممّن تجب نفقته على المالك كالأبوين وإن علوا، والأولاد وإن نزلوا، والزوجة الدائمة الّتي لم يسقط عنه وجوب نفقتها بشرط أو غيره من الأسباب الشرعيّة؛ فلا يجوز دفعها إليهم للإنفاق وإن سقط عنه وجوبه لعجزه، من غير فرق بين إعطاء تمام الإنفاق أو إتمام ما يجب عليه بها، كما لو كان قادرا على إطعامهم وعجز عن إكسائهم فأراد إعطاءه منها. نعم، لايبعد جوازه للتوسعة عليهم وإن كان الأحوط خلافه. ويجوز دفعها إليهم لأجل إنفاقهم على من تجب نفقته عليهم دونه، كالزوجة للوالد أوالولد مثلا؛ كما أنّه يجوز دفع الغير إليهم ولو للإنفاق. ولو كان من تجب عليه باذلا فالأحوط عدم الدفع وإن كان الأقوى في غير الزوجة جوازه. ولو عال أحدا تبرّعا جاز له ولغيره دفع زكاته إليه حتّى للإنفاق، من غير فرق بين كون الشخص المزبور قريبا أو أجنبيّا. ولابأس بدفع الزوجة زكاتها إلى زوجها وإن أنفقها عليها؛ وكذا غيرها ممّن تجب نفقته عليه بسبب من الأسباب.
مسألة 1 - الممنوع إعطاؤه لواجبي النفقة هو ما كان من سهم الفقراء ولأجل فقرهم، وأمّا من غيره - كسهم الغارمين والمؤلّفة قلوبهم وسبيل اللّه والرقاب وابن السبيل - في ما زاد على نفقته الواجبة في الحضر فلا مانع منه إذا كانوا من مصاديقها على إشكال في الأخير، فيجوز للوالد إعطاء الزكاة ولده المشتغل بتحصيل العلم لما يحتاج إليه من الكتب العلميّة وغيرها من سهم سبيل اللّه.
مسألة 2 - يجوز دفع الزكاة إلى الزوجة الدائمة الّتي سقط وجوب نفقتها بالشرط ونحوه كما مرّ. وأمّا إذا كان السقوط لأجل النشوز فيشكل الجواز لتمكّنها من تحصيلها بتركه. وكذا يجوز الدفع إلى المتمتّع بها حتّى من زوجها. نعم، لو وجب على الزوج نفقتها من جهة الشرط لا يجوز له أن يدفع إليها ولا لغيره مع يسار الزوج وكونه باذلا.
الرابع: أن لا يكون هاشميّا لو كانت الزكاة من غيره. أمّا زكاة الهاشميّ فلابأس بتناولها منه؛ كما لا بأس بتناولها من غيره مع الاضطرار، ولكنّ الأحوط إن لم يكن الأقوى الاقتصار على قدر الضرورة يوما فيوما، كما أنّ الأحوط له اجتناب مطلق الصدقة الواجبة - ولو كان بالعارض - وإن كان الأقوى خلافه. نعم، لابأس بدفع الصدقات المندوبة إليهم. والمشكوك كونه هاشميّا مع عدم بيّنة أو شياع بحكم غيره، فيُعطى من الزكاة. نعم، لو ادّعى كونه هاشميّا لا تُدفع إليه من جهة إقراره بعدم الاستحقاق، لا من جهة ثبوت مدّعاه بمجرّد دعواه، ولذا لا يُعطى من الخمس أيضا بذلك ما لم يثبت صحّة دعواه من الخارج. - القول في بقية أحكام الزكاة
القول في بقيّة أحكام الزكاة
مسألة 1 - لايجب بسط الزكاة على الأصناف الثمانية وإن استحبّ مع سعتها ووجود الأصناف، فيجوز التخصيص ببعضها؛ وكذا لايجب في كلّ صنف البسط على أفراده، فيجوز التخصيص ببعض.
مسألة 2 - تجب النيّة في الزكاة، ولا تجب فيها أزيد من القربة والتعيين. دون الوجوب والندب وإن كان أحوط؛ فلو كان عليه زكاة وكفّارة - مثلًا - وجب تعيين أحدهما حين الدفع، بل الأقوى ذلك بالنسبة إلى زكاة المال والفطرة. نعم، لايعتبر تعيين الجنس الّذي تخرج منه الزكاة أنّه من الأنعام أو النقدين أو الغلّات، فيكفي مجرّد كونه زكاةً، لكن ذلك إذا كان المدفوع من غير الجنس الزكويّ قيمةً فيوزّع عليها بالنسبة، وأمّا إذا كان من أحدها فينصرف إليه إلّا مع قصد كونه بدلا أو قيمةً. نعم، لو كان عنده أربعون من الغنم وخمس من الإبل فأخرج شاةً من غير تعيين يوزّع بينهما، إلّا مع الترديد في كونه إمّا من الإبل وإمّا من الغنم فإنّ الظاهر عدم الصحّة. ويتولّى النيّة الحاكم عن الممتنع. ولو وكّل أحدا في أداء زكاته يتولّى الوكيل النيّة إذا كان المال الّذي يزكّيه عند الوكيل وكان مُخرجا لزكاته. وأمّا إذا أخرج مقدار الزكاة ودفع إلى شخص ليوصله إلى محلّه يجب عليه أن ينوي كون ما أوصله الوكيل إلى الفقير زكاةً، ويكفي بقاؤها في خزانة نفسه وإن لم يحضرها وقت الأداء تفصيلا. ولو دفع المال إلى الفقير بلانيّة فله تجديدها ولو بعد زمان طويل مع بقاء العين؛ وأمّا لو كانت تالفةً: فإن كانت مضمونةً على وجه لم يكن معصية اللّه واشتغلت ذمّة الآخذ بها فله أن يحسبها زكاةً كسائر الديون؛ وأمّا مع الضمان على وجه المعصية لا يجوز احتسابها زكاةً؛ كما أنّه مع تلفها بلاضمان لامحلّ لما ينويها زكاةً.
مسألة 3 - لو كان له مال غائب ودفع إلى الفقير مقدار زكاته ونوى أنّه إن كان باقيا فهذا زكاته وإلّا فصدقة مستحبّة أو من المظالم - مثلا - صحّ وأجزأ.
مسألة 4 - الأحوط لو لم يكن الأقوى عدم جواز تأخير الزكاة - ولو بالعزل مع الإمكان - عن وقت وجوبها الّذي يغاير وقت التعلّق كالغلّات، بل في ما يعتبر فيه الحول أيضا، لاحتمال أن يكون وقت الوجوب هو وقت الاستقرار بمضيّ السنة؛ بل الأحوط عدم تأخير الدفع والإيصال أيضا مع وجود المستحقّ وإن كان الأقوى الجواز، خصوصا مع انتظار مستحقّ معيّن أو أفضل إلى شهرين أو أزيد في خلال السنة. والأحوط عدم التأخير عن أربعة أشهر. ولو تلفت مع التأخير بغير عذر ضمنها. ولا يجوز تقديمها قبل وقت الوجوب إلّا قرضا على المستحقّ، فيحسبها حينه عليه زكاةً مع بقائه على صفة الاستحقاق وبقاء الدافع والمال على شرائط الوجوب، وله أن يستعيد منه ويدفع إلى غيره، إلّا أنّ الأحوط الأولى الاحتساب حينئذٍ.
مسألة 5 - الأفضل بل الأحوط دفع الزكاة إلى الفقيه في عصر الغيبة سيّما إذا طلبها، لأنّه أعرف بمواقعها وإن كان الأقوى عدم وجوبه، إلّا إذا حكم بالدفع إليه لمصلحة الإسلام أو المسلمين فيجب اتّباعه وإن لم يكن مقلّدا له.
مسألة 6 - يستحبّ ترجيح الأقارب على غيرهم، وأهل الفضل والفقه والعقل على غيرهم، ومن لايسأل من الفقراء على غيره.
مسألة 7 - يجوز عزل الزكاة وتعيينها في مال مخصوص حتّى مع وجود المستحقّ. والتعيين في غير الجنس محلّ إشكال وإن لايخلو من وجه؛ فتكون أمانةً في يده، لايضمنها إلّا مع التعدّي أو التفريط أو التأخير مع وجود المستحقّ، وليس له تبديلها بعد العزل.
مسألة 8 - لو أتلف الزكاة المعزولة متلفٌ: فإن كان مع عدم ما يوجب الضمان كالتأخير - مثلا - يكون الضمان على المتلف فقط، وإلّا فعلى المالك أيضا وإن كان قراره على المتلف.
مسألة 9 - لو اتّجر بماعزله تكون الخسارة عليه والربح للفقير إذا كان الاتّجار لمصلحة الزكاة فأجاز وليّ الأمر؛ وكذا في الاتّجار بالنصاب قبل إخراج الزكاة على الأقرب. وأمّا اذا اتّجربهما لنفسه وأوقع التجارة بالعين الخارجيّ فتصحيحهما في الموردين بالإجازة محلّ إشكال، بل يقع باطلا في الجميع في الأوّل، وبالنسبة في الثاني. وإن أوقع التجارة بالذمّة وأدّى من المعزول أو النصاب يكون ضامنا والربح له، إلّا إذا أراد الأداء بهما حال إيقاع التجارة، فإنّه حينئذٍ محلّ إشكال.
مسألة 10 - يجوز نقل الزكاة من بلده، سواء وجد المستحقّ في البلد أم لا؛ ولو تلفت يضمن في الأوّل دون الثاني، كما أنّ مؤونة النقل عليه مطلقا.
مسألة 11 - لو قبض الفقيه الزكاة بعنوان الولاية على أخذها برئت ذمّة المالك وإن تلفت عنده بتفريط أو غيره أو أعطى غير المستحقّ اشتباها؛ وإذا قبضها بعنوان الوكالة على المالك لم تبرأ ذمّته إلّا بعد الدفع إلى المحلّ.
مسألة 12 - اُجرة الكيّال والوزّان والكيل ونحو ذلك على المالك.
مسألة 13 - من كان عليه أو في ترِكَته الزكاة وأدركه الموت يجب عليه الإيصاء بإخراجها من ترِكَته، وكذا سائر الحقوق الواجبة. ولو كان الورّاث مستحقّين جاز للوصيّ أداؤها إليهم من مال الميّت؛ وكذا جاز أخذها لنفسه مع الاستحقاق وعدم انصرافٍ في الوصيّة إلى أدائها إلى الغير. ويستحبّ دفع شي ء منها إلى غير الوارث إذا أراد دفعها إليه.
مسألة 14 - يكره لربّ المال أن يطلب من الفقير تملّك ما دفعه إليه صدقةً ولو مندوبةً، سواء كان التملّك مجّانا أو بالعوض. ولو أراد الفقير بيعه بعد تقويمه عند من أراد كان المالك أحقّ به، لكن زوال الكراهة غير معلوم. نعم، لو كانت الصدقة جزء حيوان لا يتمكّن الفقير من الانتفاع به ولا يشتريه غير المالك أو يحصل للمالك ضرر بشراء غيره جاز شراؤه من دون كراهة.
مسألة 15 - لو دفع شخص زكاته إلى شخص ليصرفها في الفقراء أو خمسه إليه ليصرفه في السادة ولم يعيّن شخصا وكان المدفوع إليه مصرفا ولم ينصرف اللفظ عنه جاز له أن يأخذ مثل أحدهم من غير زيادة؛ وكذا له أن يصرفه في عياله، خصوصا إذا قال: «هذا للفقراء أو للسادة» أو «هذا مصرفه الفقراء والسادة» وإن كان الأحوط عدم الأخذ إلّا بإذن صريح؛ وكذا الحال لو دفع إليه مال آخر ليصرفه في طائفة وكان المدفوع إليه بصفتهم.
-
- المقصد الثاني في زكاة الابدان
-
- كتاب الخمس
- كتاب الحج
- كتاب الامر بالمعروف والنهى عن المنكر
- كتاب المكاسب والمتاجر
كتاب المكاسب والمتاجر
وهي أنواع كثيرة نذكر جلّها والمسائل المتعلّقة بها في طيّ كتب
مقدّمة تشتمل على مسائلمسألة 1 - لايجوز التكسّب بالأعيان النجسة بجميع أنواعها على إشكال في العموم؛ لكن لايترك الاحتياط فيها بالبيع والشراء وجعلها ثمنا في البيع، واُجرةً في الإجارة، وعوضا للعمل في الجعالة، بل مطلق المعاوضة عليها ولو بجعلها مهرا أو عوضا في الخلع ونحو ذلك؛ بل لايجوز هبتها والصلح عليها بلا عوض؛ بل لايجوز التكسّب بها ولو كانت لها منفعة محلّلة مقصودة، كالتسميد في العذرة. ويستثنى من ذلك العصير المغليّ قبل ذهاب ثلثيه بناءً على نجاسته، والكافر بجميع أقسامه حتّى المرتدّ عن فطرة على الأقوى، وكلب الصيد بل والماشية والزرع والبستان والدور.
مسألة 2 - الأعيان النجسة عدا ما استثني وإن لم يعامل معها شرعا معاملة الأموال لكن لمن كانت هي في يده وتحت استيلائه حقّ اختصاص متعلّق بها ناشئ إمّا من حيازتها أو من كون أصلها مالا له ونحو ذلك، كما إذا مات حيوان له فصار ميتة أو صار عنبه خمرا. وهذا الحقّ قابل للانتقال إلى الغير بالإرث وغيره. ولا يجوز لأحد التصرّف فيها بلا إذن صاحب الحقّ، فيصحّ أن يصالح عليه بلاعوض، لكن جعله عوضا لايخلو من إشكال، بل لايبعد دخوله في الاكتساب المحظور. نعم، لو بذل له مالا ليرفع يده عنها ويعرض فيحوزها الباذل سلم من الإشكال، نظير بذل المال لمن سبق إلى مكان من الأمكنة المشتركة - كالمسجد والمدرسة - ليرفع يده عنه فيسكن الباذل.
مسألة 3 - لا إشكال في جواز بيع مالا تحلّه الحياة من أجزاء الميتة ممّا كانت له منفعة محلّلة مقصودة، كشعرها وصوفها بل ولبنها إن قلنا بطهارته. وفي جواز بيع الميتة الطاهرة - كالسمك ونحوه - إذا كانت له منفعة ولو من دهنه إشكال لايترك الاحتياط.
مسألة 4 - لا إشكال في جواز بيع الأرواث إذا كانت لها منفعة. وأمّا الأبوال الطاهرة فلا إشكال في جواز بيع بول الإبل؛ وأمّا غيره ففيه إشكال، لا يبعد الجواز لو كانت له منفعة محلّلة مقصودة.
مسألة 5 - لا إشكال في جواز بيع المتنجّس القابل للتطهير؛ وكذا غير القابل له إذا جاز الانتفاع به مع وصف نجاسته في حال الاختيار، كالدهن المتنجّس الّذي يمكن الانتفاع به بالإسراج وطلي السفن، والصبغ والطين المتنجّسين، والصابون ونحو ذلك. وأمّا ما لا يقبل التطهير وكان جواز الانتفاع به متوقّفا على طهارته -كالسكنجبين النجس ونحوه - فلايجوز بيعه والمعاوضة عليه.
مسألة 6 - لا بأس ببيع الترياق المشتمل على لحوم الأفاعي مع عدم ثبوت أنّها من ذوات الأنفس السائلات،ومع استهلاكها فيه - كما هوالغالب بل المتعارف- جاز استعماله وينتفع به. وأمّا المشتمل على الخمر فلا يجوز بيعه، لعدم قابليّته للتطهير، وعدمِ حلّيّة الانتفاع به مع وصف النجاسة حال الاختيار، الّذي هو المدار لا الجواز عند الاضطرار.
مسألة 7 - يجوز بيع الهرّة ويحلّ ثمنها بلا إشكال. وأمّا غيرها من أنواع السباع فالظاهر جوازه إذا كان ذامنفعة محلّلة مقصودة عند العقلاء. وكذإ؛لاء ظظ الحشرات بل المسوخ أيضا إذا كانت كذلك. فهذا هو المدار في جميع الأنواع، فلاإشكال في بيع العلق - الّذي يمصّ الدم الفاسد - ودود القزّ ونحل العسل وإن كانت من الحشرات، وكذا الفيل الّذي ينتفع بظهره وعظمه وإن كان من المسوخ.
مسألة 8 - يحرم بيع كلّ ما كان آلة للحرام بحيث كانت منفعته المقصودة منحصرةً فيه مثل آلات اللهو كالعيدان والمزامير والبرابط ونحوها، وآلات القمار كالنرد والشطرنج ونحوهما. وكما يحرم بيعها وشراؤها يحرم صنعتها والاُجرة عليها، بل يجب كسرها وتغيير هيئتها. نعم، يجوز بيع مادّتها من الخشب والصفر -مثلا- بعد الكسر، بل قبله أيضا إذا اشترط على المشتري كسرها، أو بيع المادّة ممّن يثق به أنّه يكسرها. ومع عدم ما ذكر ففيه إشكال. ويجوز بيع أواني الذهب والفضّة للتزيين والاقتناء.
مسألة 9 - الدراهم الخارجة عن الاعتبار أو المغشوشة المعمولة لأجل غشّ الناس تحرم المعاملة بها وجعلها عوضا أو معوّضا في المعاملات مع جهل من تدفع إليه، بل مع علمه واطّلاعه أيضا على الأحوط لو لم يكن الأقوى، إلّا إذا وقعت المعاملة على مادّتها واشترط على المتعامل كسرها أو كان موثوقا به في الكسر، إذ لايبعد وجوب إتلافها ولو بكسرها، دفعا لمادّة الفساد.
مسألة 10 - يحرم بيع العنب والتمر ليعمل خمرا، والخشب - مثلا - ليعمل صنما أو آلةً للّهو أو القمار ونحو ذلك؛ وذلك إمّا بذكر صرفه في المحرّم والالتزام به في العقد، أو تواطئهما على ذلك، ولو بأن يقول المشتري لصاحب العنب مثلا: «بعني منّا من العنب لأعمله خمرا» فباعه. وكذا تحرم إجارة المساكن ليباع ويحرز فيها الخمر، أو ليُعمل فيها بعض المحرّمات، وإجارة السفن أو الحمولة لحمل الخمر وشبهها بأحد الوجهين المتقدّمين. وكما يحرم البيع والإجارة في ما ذكر يفسدان أيضا، فلا يحلّ له الثمن والاُجرة. وكذا بيع الخشب لمن يعلم أنّه يجعله صليبا أو صنما؛ بل وكذا بيع العنب والتمر والخشب ممّن يعلم أنّه يجعلها خمرا وآلة للقمار والبرابط، وإجارة المساكن لمن يعلم أنّه يعمل فيها ما ذكر أو يبيعها وأمثال ذلك في وجه قويّ. والمسألة من جهة النصوص مشكلة جدّا، والظاهر أنّها معلّلة.
مسألة 11 - يحرم بيع السلاح من أعداء الدين حال مقاتلتهم مع المسلمين، بل حال مباينتهم معهم بحيث يخاف منهم عليهم. وأمّا في حال الهدنة معهم أو زمان وقوع الحرب بين أنفسهم ومقاتلة بعضهم مع بعض فلابدّ في بيعه من مراعاة مصالح الإسلام والمسلمين ومقتضيات اليوم، والأمر فيه موكول إلى نظر والي المسلمين، وليس لغيره الاستبداد بذلك. ويلحق بالكفّار من يعادي الفرقة الحقّة من سائر الفرق المسلمة. ولا يبعد التعدّي الى قطّاع الطريق وأشباههم؛ بل لايبعد التعدّي من بيع السلاح إلى بيع غيره لهم ممّا يكون سببا لتقويتهم على أهل الحقّ، كالزاد والراحلة والحمولة ونحوها.
مسألة 12 - يحرم تصوير ذوات الأرواح من الإنسان والحيوان إذا كانت الصورة مجسّمةً، كالمعمولة من الأحجار والفلزّات والأخشاب ونحوها. والأقوى جوازه مع عدم التجسيم وإن كان الأحوط تركه. ويجوز تصوير غير ذوات الأرواح كالأشجار والأوراد ونحوها ولو مع التجسيم. ولا فرق بين أنحاء التصوير من النقش والتخطيط والتطريز والحكّ وغير ذلك. ويجوز التصوير المتداول في زماننا بالآلات المتداولة، بل الظاهر أنّه ليس من التصوير. وكما يحرم عمل التصوير من ذوات الأرواح مجسّمةً يحرم التكسّب به وأخذ الاُجرة عليه. هذا كلّه في عمل الصور. وأمّا بيعها واقتناؤها واستعمالها والنظر إليها فالأقوى جواز ذلك كلّه حتّى المجسّمات. نعم، يكره اقتناؤها وإمساكها في البيت.
مسألة 13 - الغناء حرام فعله وسماعه والتكسّب به. وليس هو مجرّد تحسين الصوت، بل هو مدّه وترجيعه بكيفيّة خاصّة مطربة تناسب مجالس اللهو ومحافل الطرب وآلات اللهو والملاهي. ولا فرق بين استعماله في كلام حقّ - من قراءة القرآن والدعاء والمرثية - وغيره من شعر أو نثر، بل يتضاعف عقابه لو استعمله في ما يطاع به اللّه تعالى. نعم، قد يستثنى غناء المغنيّات في الأعراس، وهو غير بعيد. ولا يترك الاحتياط بالاقتصار على زفّ العرائس والمجلس المعدّ له مقدّما ومؤخّرا، لا مطلق المجالس، بل الأحوط الاجتناب مطلقا.
مسألة 14 - معونة الظالمين في ظلمهم بل في كلّ محرّم حرام بلا إشكال؛ بل ورد عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «من مشى إلى ظالم ليعينه وهو يعلم أنّه ظالم فقد خرج من الإسلام». وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): «إذا كان يوم القيامة ينادي مناد: أين الظلمة وأعوان الظلمة حتّى من برى لهم قلما ولاق لهم دواةً؟ قال: فيجتمعون في تابوت من حديد ثمّ يرمى بهم في جهنّم». وأمّا معونتهم في غير المحرّمات فالظاهر جوازها مالم يعدّ من أعوانهم وحواشيهم والمنسوبين إليهم ولم يكن اسمه مقيّدا في دفترهم وديوانهم ولم يكن ذلك موجبا لازدياد شوكتهم وقوّتهم.
مسألة 15 - يحرم حفظ كتب الضلال ونسخها وقراءتها ودرسها وتدريسها إن لم يكن غرض صحيح في ذلك، كأن يكون قاصدا لنقضها وإبطالها وكان أهلا لذلك ومأمونا من الضلال. وأمّا مجرّد الاطّلاع على مطالبها فليس من الأغراض الصحيحة المجوّزة لحفظها لغالب الناس من العوامّ الّذين يخشى عليهم الضلال والزلل، فاللازم على أمثالهم التجنّب عن الكتب المشتملة على ما يخالف عقائد المسلمين، خصوصا ما اشتمل منها على شبهات ومغالطات عجزوا عن حلّها ودفعها، ولا يجوز لهم شراؤها وإمساكها وحفظها، بل يجب عليهم إتلافها.
مسألة 16 - عمل السحر وتعليمه وتعلّمه والتكسّب به حرام. والمراد به ما يعمل من كتابة أو تكلّم أو دخنة أو تصوير أو نفث أو عقد ونحو ذلك يؤثّر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله، فيؤثّر في إحضاره أو إنامته أو إغمائه أو تحبيبه أو تبغيضه ونحو ذلك.
ويلحق بذلك استخدام الملائكة وإحضار الجنّ وتسخيرهم وإحضار الأرواح وتسخيرها وأمثال ذلك. بل يلحق به أو يكون منه الشعبذة، وهي إراءة غير الواقع واقعا بسبب الحركة السريعة.
وكذلك الكهانة. وهي تعاطي الأخبار عن الكائنات في مستقبل الزمان، بزعم أنّه يلقي إليه الأخبار عنها بعض الجانّ، أو بزعم أنّه يعرف الاُمور بمقدّمات وأسباب يستدلّ بها على مواقعها.
والقيافة. وهي الاستناد إلى علامات خاصّة في إلحاق بعض الناس ببعض وسلب بعض عن بعض، على خلاف ما جعله الشارع ميزانا للإلحاق وعدمه من الفراش وعدمه.
والتنجيم. وهو الإخبار على البتّ والجزم عن حوادث الكون من الرخص والغلاء والجدب والخصب وكثرة الأمطار وقلّتها وغير ذلك من الخير والشرّ والنفع والضرر، مستندا الى الحركات الفلكيّة والنظرات والاتّصالات الكوكبيّة، معتقدا تأثيرها في هذا العالم على نحو الاستقلال أو الاشتراك مع اللّه - تعالى عمّا يقول الظالمون - دون مطلق التأثير ولو بإعطاء اللّه تعالى إيّاها إذا كان عن دليل قطعيّ. وليس منه الإخبار عن الخسوف والكسوف والأهلّة واقتران الكواكب وانفصالها بعد كونه ناشئا عن اُصول وقواعد سديدة. والخطأ الواقع منهم أحيانا ناشئ من الخطأ في الحساب وإعمال القواعد، كسائر العلوم.
مسألة 17 - يحرم الغشّ بما يخفى في البيع والشراء، كشوب اللبن بالماء، وخلط الطعام الجيّد بالردي ء، ومزج الدهن بالشحم أو بالدهن النباتيّ، ونحو ذلك، من دون إعلام. ولا يفسد المعاملة به وإن حرم فعله وأوجب الخيار للطرف بعد الاطّلاع. نعم، لو كان الغشّ بإظهار الشي ء على خلاف جنسه - كبيع المموّه على أنّه ذهب أو فضّة ونحو ذلك - فسد أصل المعاملة.
مسألة 18 - يحرم أخذ الاُجرة على ما يجب عليه فعله عينا، بل ولو كفائيّا على الأحوط فيه، كتغسيل الموتى وتكفينهم ودفنهم. نعم، لو كان الواجب توصّليّا -كالدفن- ولم يبذل المال لأجل أصل العمل بل لاختيار عمل خاصّ لابأس به. فالمحرّم أخذ الاُجرة لأصل الدفن. وأمّا لو اختار الوليّ مكانا خاصّا وقبرا مخصوصا وأعطى المال لحفر ذلك المكان الخاصّ فالظاهر أنّه لابأس به. كما لابأس بأخذ الطبيب الاُجرة للحضور عند المريض وإن أشكل أخذها لأصل المعالجة وإن كان الأقوى جوازه. ولو كان العمل تعبّديّا يشترط فيه التقرّب -كالتغسيل- فلا يجوز أخذها عليه على أيّ حال. نعم، لابأس بأخذها على بعض الاُمور غير الواجبة كما تقدّم في غسل الميّت. وممّا يجب على الإنسان تعليم مسائل الحلال والحرام، فلا يجوز أخذها عليه. وأمّا تعليم القرآن فضلا عن غيره من الكتابة وقراءة الخطّ وغير ذلك فلا بأس بأخذها عليه. والمراد بالواجبات المذكورة ما وجب على نفس الأجير. وأمّا ما وجب على غيره ولا يعتبر فيه المباشرة فلا بأس بأخذ الاُجرة عليه حتّى في العبادات الّتي يشرع فيها النيابة، فلابأس بالاستيجار للأموات في العبادات كالحجّ والصوم والصلاة.
مسألة 19 - يكره اتّخاذ بيع الصرف والأكفان والطعام حرفةً؛ وكذا بيع الرقيق، فإنّ شرّ الناس من باع الناس؛ وكذا اتّخاذ الذبح والنحر صنعةً؛ وكذا صنعة الحياكة والحجامة؛ وكذا التكسّب بضراب الفحل، بأن يؤاجره لذلك مع ضبطه بالمرّة والمرّات المعيّنة أو بالمدّة أو بغير الإجارة. نعم، لابأس بأخذ الهديّة والعطيّة لذلك.
مسألة 20 - لاريب في أنّ التكسّب وتحصيل المعيشة بالكدّ والتعب محبوب عنداللّه تعالى؛ وقد ورد عن النبى(صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة (عليهم السلام): الحثّ والترغيب عليه مطلقا، وعلى خصوص التجارة والزراعة واقتناء الأغنام والبقر روايات كثيرة. نعم، ورد النهي عن إكثار الإبل.
مسألة 21 - يجب على كلّ من يباشر التجارة وسائر أنواع التكسّب تعلّم أحكامها والمسائل المتعلّقة بها ليعرف صحيحها عن فاسدها، ويسلم من الربا. والقدر اللازم أن يكون عالما - ولو عن تقليد - بحكم التجارة والمعاملة الّتي يوقعها حين إيقاعها، بل ولو بعد إيقاعها إذا كان الشكّ في الصحّة والفساد فقط؛ وأمّا إذا اشتبه حكمها من جهة الحرمة والحلّيّة - لامن جهة مجرّد الصحّة والفساد - يجب الاجتناب عنها، كموارد الشكّ في أنّ المعاملة ربويّة، بناءً على حرمة نفس المعاملة أيضا، كما هو كذلك على الأحوط.
مسألة 22 - للتجارة والتكسّب آداب مستحبّة ومكروهة:
أمّا المستحبّة فأهمّها: الإجمال في الطلب والاقتصاد فيه، بحيث لايكون مضيّعا ولا حريصا.
ومنها: إقالة النادم في البيع والشراء لو استقاله.
ومنها: التسوية بين المتبايعين في السعر، فلا يفرق بين المماكس وغيره بأن يقلّل الثمن للأوّل ويزيده للثاني. نعم، لابأس بالفرق بسبب الفضل والدين ونحو ذلك ظاهرا.
ومنها: أن يقبض لنفسه ناقصا ويعطي راجحا.
وأمّا المكروهة فاُمور:
منها: مدح البائع لمتاعه.
ومنها: ذمّ المشتري لما يشتريه.
ومنها: اليمين صادقا على البيع والشراء.
ومنها: البيع في موضع يستتر فيه العيب.
ومنها: الربح على المؤمن إلّا مع الضرورة، أو كان الشراء للتجارة، أو كان اشتراؤه للمتاع أكثر من مائة درهم، فإنّ ربح قوت اليوم منه غير مكروه.
ومنها: الربح على من وعده بالإحسان إلّا مع الضرورة.
ومنها: السوم ما بين الطلوعين.
ومنها: الدخول في السوق أوّلا والخروج منه آخرا.
ومنها: مبايعة الأدنين الّذين لايبالون بما قالوا وما قيل لهم.
ومنها: التعرّض للكيل أو الوزن أو العدّ أو المساحة إذا لم يحسنه.
ومنها: الاستحطاط من الثمن بعد العقد.
ومنها: الدخول فى سوم المؤمن على الأظهر، وقيل بالحرمة. ولا يكون منه الزيادة في ما إذا كان المبيع في المزايدة.
ومنها: تلقّي الركبان والقوافل واستقبالهم للبيع عليهم أو الشراء منهم قبل وصولهم إلى البلد. وقيل: يحرم وإن صحّ البيع والشراء، وهو الأحوط وإن كان الأظهر الكراهة. وإنّما يكره بشروط: أحدها: كون الخروج بقصدذلك. ثانيها: تحقّق مسمّى الخروج من البلد. ثالثها: أن يكون دون الأربعة فراسخ؛ فلو تلقّى في الأربعة فصاعدا لم يثبت الحكم، بل هو سفر تجارة. والأقوى عدم اعتبار كون الركب جاهلا بسعر البلد. وهل يعمّ الحكم غير البيع والشراء كالإجارة ونحوها؟ وجهان.
مسألة 23 - يحرم الاحتكار. وهو حبس الطعام وجمعه يتربّص به الغلاء مع ضرورة المسلمين وحاجتهم وعدم وجود من يبذلهم قدر كفايتهم. نعم، مجرّد حبس الطعام انتظارا لعلوّ السعر مع عدم ضرورة الناس ووجود الباذل ليس بحرام وإن كان مكروها. ولو حبسه في زمان الغلاء لصرفه في حوائجه لا للبيع فلا حرمة فيه ولا كراهة. والأقوى عدم تحقّقه إلّا في الغلّات الأربع والسمن والزيت. نعم، هو أمر مرغوب عنه في مطلق ما يحتاج إليه الناس، لكن لايثبت لغير ما ذكر أحكام الاحتكار. ويُجبر المحتكر على البيع؛ ولا يعيّن عليه السعر على الأحوط، بل له أن يبيع بما شاء إلّا إذا أجحف، فيجبر على النزول من دون تسعير عليه، ومع عدم تعيينه يعيّن الحاكم بما يرى المصلحة.
مسألة 24 - لايجوز مع الاختيار الدخول في الولايات والمناصب والأشغال من قبل الجائر وإن كان أصل الشغل مشروعا مع قطع النظر عن تولّيه من قبله، كجباية الخراج، وجمع الزكاة، وتولّي المناصب الجنديّة والأمنيّة، وحكومة البلاد ونحو ذلك، فضلا عمّا كان غير مشروع في نفسه، كأخذ العشور والمُكُوس وغير ذلك من أنواع الظلم المبتدعة. نعم، يسوغ كلّ ذلك مع الجبر والإكراه، بإلزام من يُخشى من التخلّف عن إلزامه على نفسه أو عرضه أو ماله المعتدّ به، إلّا في الدماء المحترمة، بل في إطلاقه بالنسبة إلى تولّي بعض أنواع الظلم - كهتك أعراض طائفة من المسلمين، ونهب أموالهم، وسبي نسائهم، وإيقاعهم في الحرج - مع خوفه على عرضه ببعض مراتبه الضعيفة، أو على ماله إذا لم يقع في الحرج، بل مطلقا في بعضها إشكال بل منع. ويسوّغ خصوص القسم الأوّل - وهو الدخول في الولاية على أمر مشروع في نفسه - القيام بمصالح المسلمين وإخوانه في الدين؛ بل لو كان دخوله فيها بقصد الإحسان إلى المؤمنين ودفع الضرر عنهم كان راجحا؛ بل ربما بلغ الدخول في بعض المناصب والأشغال لبعض الأشخاص أحيانا إلى حدّ الوجوب، كما إذا تمكّن شخص بسببه من دفع مفسدة دينيّة أو المنع عن بعض المنكرات الشرعيّة مثلا، ومع ذلك فيها خطرات كثيرة إلّا لمن عصمه اللّه تعالى.
مسألة 25 - ما يأخذه الحكومة من الضريبة على الأراضي مع شرائطها - جنسا أو نقدا - وعلى النخيل والأشجار يعامل معها معاملة ما يأخذه السلطان العادل، فيبرأ ذمّة الدافع عمّا كان عليه من الخراج الّذي هو اُجرة الأرض الخراجيّة. ويجوز لكلّ أحد شراؤه وأخذه مجّانا وبالعوض، والتصرّف فيه بأنواع التصرّف؛ بل لو لم يأخذه الحكومة وحوّل شخصا على من عليه الخراج بمقدار فدفعه إلى المحتال يحلّ له، وتبرأ ذمّة المحال عليه عمّا عليه؛ لكنّ الأحوط - خصوصا في مثل هذه الأزمنة - رجوع من ينتفع بهذه الأراضي ويتصرّف فيها في أمر خراجها وكذلك من يصل إليه من هذه الأموال شي ء إلى حاكم الشرع أيضا. والظاهر أنّ حكم السلطان المؤالف كالمخالف، وإن كان الاحتياط بالرجوع إلى الحاكم في الأوّل أشدّ.
مسألة 26 - يجوز لكلّ أحد أن يتقبّل الأراضي الخراجيّة، ويضمنها من الحكومة بشي ء، وينتفع بها بنفسه بزرع أو غرس أو غيره، أو يقبلها ويضمنها لغيره ولو بالزيادة، على كراهيّة في هذه الصورة، إلّا أن يحدث فيها حدثا كحفر نهر أو عمل فيها بما يُعين المستأجر، بل الأحوط ترك التقبيل بالزيادة إلّا معه. - كتاب البيع
- كتاب الشفعة
كتاب الشفعة
مسألة 1 - لو باع أحد الشريكين حصّته من شخص أجنبيّ فللشريك الآخر مع اجتماع الشروط الآتية حقّ أن يتملّكها وينتزعها من المشتري بما بذله من الثمن، ويسمّى هذا الحقّ بالشفعة وصاحبه بالشفيع.
مسألة ۲ - لا إشكال في ثبوت الشفعة في كلّ ما لا يُنقل إن كان قابلا للقسمة، كالأراضي والبساتين والدور ونحوها. وفي ثبوتها في ما يُنقل كالثياب والمتاع والسفينة والحيوان وفي ما لاينقل إن لم يكن قابلا للقسمة - كالضيّقة من الأنهار والطرق والآبار وغالب الأرحية والحمّامات وكذا الشجر والنخيل والثمار على النخيل والأشجار - إشكال، فالأحوط للشريك عدم الأخذ بالشفعة إلّا برضا المشتري، وللمشتري إجابة الشريك إن أخذ بها.
مسألة ۳ - إنّما تثبت الشفعة في بيع حصّة مشاعة من العين المشتركة، فلاشفعة بالجوار؛ فلو باع شخص داره أو عقاره ليس لجاره الأخذ بالشفعة؛ وكذا ليست في العين المقسومة إذا باع أحد الشريكين حصّته المفروزة، إلّا إذا كانت دارا قد قسمت بعد اشتراكها أو كانت من أوّل الأمر مفروزةً ولها طريق مشترك فباع أحد الشريكين حصّته المفروزة من الدار، فتثبت الشفعة للآخر إذا بيعت مع طريقها؛ بخلاف ما إذا بقي الطريق على الاشتراك بينهما، فلا شفعة حينئذٍ في بيع الحصّة. وفي إلحاق الاشتراك في الشرب - كالبئر والنهر والساقية - بالاشتراك في الطريق إشكال، لايترك الاحتياط في المسألة المتقدّمة فيه؛ وكذا في إلحاق البستان والأراضي مع اشتراك الطريق بالدار، فلا يترك فيها أيضا.
مسألة 4 - لو باع شيئا وشِقصا من دار أو باع حصّةً مفروزةً من دار مع حصّة مشاعة من اُخرى صفقةً واحدةً كان للشريك الشفعة في الحصّة المشاعة بحصّتها من الثمن وإن كان الأحوط تحصيل المراضاة بما مرّ.
مسألة 5 - يشترط في ثبوت الشفعة انتقال الحصّة بالبيع؛ فلو انتقلت بجعلها صداقا أو فديةً للخلع أو بالصلح أو الهبة فلا شفعة.
مسألة 6 - إنّما تثبت الشفعة لو كانت العين بين شريكين؛ فلا شفعة إذا كانت بين ثلاثة وما فوقها، من غير فرق على الظاهر بين أن يكون البائع اثنين من ثلاثة -مثلا- فكان الشفيع واحدا وبالعكس. نعم، لو باع أحد الشريكين حصّته من اثنين -مثلا- دفعةً أو تدريجا فصارت العين بين ثلاثة بعد البيع لا مانع من الشفعة للشريك الآخر، فهل له التبعيض - بأن يأخذ بها بالنسبة إلى أحد المشتريين ويترك الآخر - أولا؟ وجهان بل قولان، لا يخلو أوّلهما من قوّة.
مسألة 7 - لو كانت الدار مشتركةً بين الطلق والوقف وبيع الطلق لم يكن للموقوف عليه - ولو كان واحدا - ولا لوليّ الوقف شفعة، بل لو بيع الوقف في صورة صحّة بيعه فثبوتها لذي الطلق محلّ إشكال. والأقوى عدم ثبوتها لو كان الوقف على أشخاص بأعيانهم وكانوا متعدّدين.
مسألة 8 - يعتبر في ثبوت الشفعة كون الشفيع قادرا على أداء الثمن؛ فلا شفعة للعاجز عنه وإن أتى بالضامن أو الرهن، إلّا أن يرضى المشتري بالصبر. بل يعتبر فيه إحضار الثمن عند الأخذ بها. ولو اعتذر بأنّه في مكان آخر فذهب ليحضره: فإن كان في البلد ينتظر ثلاثة أيّام، وإن كان في بلد آخر ينتظر بمقدار يمكن بحسب العادة نقل المال من ذلك بزيادة ثلاثة أيّام إذا لم يكن ذلك البلد بعيدا جدّا يتضرّر المشتري بتأجيله، فإن لم يحضر الثمن في تلك المدّة فلا شفعة له.
مسألة 9 - يشترط في الشفيع الإسلام إن كان المشتري مسلما؛ فلا شفعة للكافر على المسلم وإن اشتراه من كافر. وتثبت للكافر على مثله، وللمسلم على الكافر.
مسألة 10 - تثبت الشفعة للغائب، فله الأخذ بها بعد اطّلاعه على البيع ولو بعد زمان طويل. ولو كان له وكيل مطلق أو في الأخذ بها واطّلع هو على البيع دون موكّله له أن يأخذ بالشفعة له.
مسألة 11 - تثبت الشفعة للسفيه وإن لم ينفذ أخذه بها إلّا بإذن الوليّ أو إجازته في مورد حجره. وكذا تثبت للصغير والمجنون وإن كان المتولّي للأخذ بها عنهما وليّهما. نعم، لو كان الوليّ الوصيّ ليس له ذلك إلّا مع الغبطة والمصلحة؛ بخلاف الأب والجدّ، فإنّه يكفي فيهما عدم المفسدة، لكن لاينبغي لهما ترك الاحتياط بمراعاة المصلحة. ولو ترك الوليّ الأخذ بها عنهما إلى أن كملا فلهما أن يأخذا بها.
مسألة 12 - إذا كان الوليّ شريكا مع المولّى عليه فباع حصّته من أجنبيّ أو الوكيل المطلق كان شريكا مع موكّله فباع حصّة موكّله من أجنبيّ ففي ثبوت الشفعة لهما إشكال، بل عدمه لايخلو من وجه.
مسألة 13 - الأخذ بالشفعة إمّا بالقول، كأن يقول: «أخذت بالشفعة» أو «تملّكت الحصّة الكذائيّة» ونحو ذلك ممّا يفيد إنشاء تملّكه وانتزاع الحصّة المبيعة لأجل ذلك الحقّ، وإمّا بالفعل بأن يدفع الثمن ويأخذ الحصّة، بأن يرفع المشتري يده عنها ويخلّي بين الشفيع وبينها. ويعتبر دفع الثمن عند الأخذ بها قولا أو فعلا، إلّا إذا رضي المشتري بالتأخير. نعم، لو كان الثمن مؤجّلا فالظاهر أنّه يجوز له أن يأخذ بها ويتملّك الحصّة عاجلا، ويكون الثمن عليه إلى وقته؛ كما أنّه يجوز له الأخذ بها وإعطاء الثمن عاجلا، بل يجوز التأخير في الأخذ والإعطاء إلى وقته، لكنّ الأحوط الأخذ بها عاجلا.
مسألة 14 - ليس للشفيع تبعيض حقّه، بل إمّا أن يأخذ الجميع أو يدع.
مسألة 15 - الّذي يلزم على الشفيع - عند أخذه بالشفعة - دفع مثل الثمن الّذي وقع عليه العقد، سواء كانت قيمة الشقص أقلّ أو أكثر. ولا يلزم عليه دفع ما غرمه المشتري من المُؤَن كاُجرة الدلّال ونحوها، ولا دفع ما زاد المشتري على الثمن وتبرّع به للبائع بعد العقد؛ كما أنّه لو حطّ البائع بعد العقد شيئا من الثمن ليس له تنقيص ذلك المقدار.
مسألة 16 - لو كان الثمن مثليّا - كالذهب والفضّة ونحوهما - يلزم على الشفيع دفع مثله، وأمّا لو كان قيميّا - كالحيوان والجواهر والثياب ونحوها - ففي ثبوت الشفعة ولزوم أداء قيمته حين البيع أو عدم ثبوتها أصلًا وجهان بل قولان، ثانيهما هوالأقوى.
مسألة 17 - لو اطّلع الشفيع على البيع فله المطالبة في الحال، وتبطل شفعته بالمماطلة والتأخير بلا داعٍ عقلائيّ وعذر عقليّ أو شرعيّ أو عاديّ ؛ بخلاف ما إذا كان عدم الأخذ بها لعذر. ومن الأعذار عدم اطّلاعه على البيع وإن أخبر به غير من يوثق به. وكذا جهله باستحقاق الشفعة أو عدم جواز تأخير الأخذ بها بالمماطلة. بل من ذلك لو ترك الأخذ لتوهّمه كثرة الثمن فبان خلافه، أو كونه نقدا يصعب عليه تحصيله كالذهب فبان خلافه، وغير ذلك.
مسألة 18 - الشفعة من الحقوق تسقط بإسقاط الشفيع، بل لو رضي بالبيع من الأجنبيّ من أوّل الأمر أو عرض عليه شراء الحصّة فأبى لم تكن له شفعة من الأصل. وفي سقوطها بإقالة المتبايعين أو ردّ المشتري إلى البائع بعيب أو غيره وجه وجيه.
مسألة 19 - لو تصرّف المشتري في ما اشتراه: فإن كان بالبيع كان للشفيع الأخذ من المشتري الأوّل بما بذله من الثمن فيبطل الشراء الثاني، وله الأخذ من الثاني بما بذله فيصحّ الأوّل؛ وكذا لو زادت البيوع على اثنين فله الأخذ من الأوّل بما بذله فتبطل البيوع اللاحقة، وله الأخذ من الأخير فتصحّ البيوع المتقدّمة، وله الأخذ من الوسط فيصحّ ما تقدّم ويبطل ما تأخّر. وكذا إن كان بغير البيع كالوقف وغير ذلك، فله الأخذ بالشفعة وإبطال ما وقع من المشتري. ويحتمل أن تكون صحّتها مراعاةً بعدم الأخذ بها، وإلّا فهي باطلة من الأصل، وفيه تردّد.
مسألة 20 - لو تلفت الحصّة المشتراة بالمرّة بحيث لم يبق منها شي ء أصلًا سقطت الشفعة. ولو كان ذلك بعد الأخذ بها وكان التلف بفعل المشتري أو بغير فعله مع المماطلة في التسليم بعد الأخذ بها بشروطه ضمنه. وأمّا لو بقي منها شي ء كالدار إذا انهدمت وبقيت عرصتها وأنقاضها أو عابت لم تسقط، فله الأخذ بها وانتزاع ما بقي منها من العرصة والأنقاض - مثلاً - بتمام الثمن من دون ضمان على المشتري. ولو كان ذلك بعد الأخذ بها ضمن قيمة التالف أو أرش العيب إذا كان بفعله، بل أو بغير فعله مع المماطلة كما تقدّم.
مسألة 21 - يشترط في الأخذ بالشفعة علم الشفيع بالثمن حين الأخذ على الأحوط لو لم يكن الأقوى؛ فلو قال: «أخذت بالشفعة بالثمن بالغا ما بلغ» لم يصحّ وإن علم بعد ذلك.
مسألة 22 - الشفعة موروثة على إشكال. وكيفيّة إرثها أنّه عند أخذ الورثة بها يقسّم المشفوع بينهم على ما فرض اللّه في المواريث، فلو خلّف زوجةً وابنا فالثمن لها والباقي له، ولو خلّف ابنا وبنتا فللذكر مثل حظّ الاُنثيين. وليس لبعض الورثة الأخذ بها ما لم يوافقه الباقون. ولو عفا بعضهم وأسقط حقّه ففي ثبوتها لمن لم يعف إشكال.
مسألة 23 - لوباع الشفيع نصيبه قبل الأخذ بالشفعة فالظاهر سقوطها، خصوصا إذا كان بعد علمه بها.
مسألة 24 - يصحّ أن يصالح الشفيع المشتري عن شفعته بعوض وبدونه، ويكون أثره سقوطها، فلا يحتاج إلى إنشاء مسقط. ولو صالحه على إسقاطه أو على ترك الأخذ بها صحّ أيضا ولزم الوفاء به. ولو لم يوجد المسقط وأخذ بها فهل يترتّب عليه أثره وإن أثم في عدم الوفاء بما التزم أو لا أثر له؟ وجهان، أوجههما أوّلهما في الأوّل، بل في الثاني أيضا إن كان المراد ترك الأخذ بها مع بقائها، لاجعله كنايةً عن سقوطها.
مسألة 25 - لو كانت دار - مثلا - بين حاضر وغائب وكانت حصّة الغائب بيد شخص باعها بدعوى الوكالة عنه لا إشكال في جواز الشراء منه وتصرّف المشتري في ما اشتراه أنواع التصرّفات ما لم يعلم كذبه. وإنّما الاشكال في أنّه هل يجوز للشريك الأخذ بالشفعة وانتزاعها من المشتري أم لا؟ الأشبه الثاني. - كتاب الصلح
كتاب الصلح
وهو التراضي والتسالم على أمر: من تمليك عين أومنفعة،أوإسقاطدين أوحقّ، وغير ذلك. ولا يشترط بكونه مسبوقا بالنزاع. ويجوز إيقاعه على كلّ أمر إلّا ما استثني - كما يأتي بعضها - وفي كلّ مقام إلّا إذا كان محرّما لحلال أو محلّلا لحرام.
مسألة 1 - الصلح عقد مستقلّ بنفسه وعنوان برأسه، فلم يلحقه أحكام سائر العقود ولم تجر فيه شروطها وإن أفاد فائدتها. فما أفاد فائدة البيع لا تلحقه أحكامه وشروطه، فلا يجري فيه الخيارات المختصّة بالبيع - كخياري المجلس والحيوان - ولا الشفعة. ولا يشترط فيه قبض العوضين إذا تعلّق بمعاوضة النقدين. وما أفاد فائدة الهبة لايعتبر فيه قبض العين كما اعتبر فيها، وهكذا.
مسألة ۲ - الصلح عقد يحتاج إلى الإيجاب والقبول مطلقا، حتّى في ما أفاد فائدة الإبراء والإسقاط على الأقوى؛ فإبراء الدين وإسقاط الحقّ وإن لم يتوقّفا على القبول لكن إذا وقعا بعنوان الصلح توقّفا عليه.
مسألة ۳ - لايعتبر في الصلح صيغة خاصّة، بل يقع بكلّ لفظ أفاد التسالم على أمر: من نقل أو قرار بين المتصالحين، ك' «صالحتك عن الدار أو منفعتها بكذا» أو ما يفيد ذلك.
مسألة 4 - عقد الصلح لازم من الطرفين، لايفسخ إلّا بالإقالة أو الخيار حتّى في ما أفاد فائدة الهبة الجائزة. والظاهر جريان جميع الخيارات فيه إلّا خيار المجلس والحيوان والتأخير، فانّها مختصّة بالبيع. وفي ثبوت الأرش لو ظهر عيب في العين المصالح عنها أو عوضها إشكال، بل لايخلو عدم الثبوت من قوّة؛ كما أنّ الأقوى عدم ثبوت الردّ من أحداث السنة.
مسألة 5 - متعلّق الصلح إمّا عين أو منفعة أو دين أو حقّ، وعلى التقادير إمّا أن يكون مع العوض أو بدونه، وعلى الأوّل إمّا أن يكون العوض عينا أو منفعةً أو دينا أو حقّا، فهذه الصور كلّها صحيحة.
مسألة 6 - لو تعلّق الصلح بعين أو منفعة أفاد انتقالهما إلى المتصالح، سواء كان مع العوض أو لا. وكذا إذا تعلّق بدين على غير المصالح له أو حقّ قابل للانتقال كحقّي التحجير والاختصاص. ولو تعلّق بدين على المتصالح أفاد سقوطه. وكذا لو تعلّق بحقّ قابل للإسقاط غيرقابل للنقل كحقّي الشفعة والخيار.
مسألة 7 - يصحّ الصلح على مجرّد الانتفاع بعين أو فضاء، كأن يصالحه على أن يسكن داره، أو يلبس ثوبه مدّة، أو على أن يكون جذوع سقفه على حائطه، أو يجري ماؤه على سطح داره، أو يكون ميزابه على عرصة داره، إلى غير ذلك، أو على أن يخرج جناحا في فضاء ملكه، أو على أن يكون أغصان أشجاره في فضاء أرضه، وغير ذلك، فهذه كلّها صحيحة بعوض وبغيره.
مسألة 8 - إنّما يصحّ الصلح عن الحقوق القابلة للنقل والإسقاط؛ وما لا يقبل النقل والإسقاط لايصحّ الصلح عنه، كحقّ مطالبة الدين، وحقّ الرجوع في الطلاق الرجعيّ، وحقّ الرجوع في البذل في باب الخلع، وغير ذلك.
مسألة 9 - يشترط في المتصالحين ما يشترط في المتبايعين: من البلوغ والعقل والقصد والاختيار.
مسألة 10 - الظاهر أنّه تجري الفضوليّة في الصلح حتّى في ما إذا تعلّق بإسقاط دين أو حقّ وأفاد فائدة الإبراء والإسقاط اللذين لاتجري فيهما الفضوليّة.
مسألة 11 - يجوز الصلح على الثمار والخضر وغيرهما قبل وجودها ولو في عام واحد وبلا ضميمة وإن لم يجز بيعها.
مسألة 12 - لا إشكال في أنّه يغتفر الجهالة في الصلح في ما إذا تعذّر للمتصالحين معرفة المصالح عليه مطلقا، كما إذا اختلط مال أحدهما بالآخر ولم يعلما مقدار كلّ منهما فاصطلحا على أن يشتركا فيه بالتساوي أو التخالف؛ وكذا إذا تعذّر عليهما معرفته في الحال - لتعذّر الميزان والمكيال - على الأظهر، بل لايبعد اغتفارها حتّى مع إمكان معرفتهما بمقداره في الحال.
مسألة 13 - لو كان لغيره عليه دين أو كان منه عنده عين هو يعلم مقدارهما والغير لايعلمه فأوقعا الصلح بأقلّ من حقّ المستحقّ لم يحلّ له الزائد إلّا أن يعلمه ويرضى به. وكذا الحال لو لم يعلم مقدارهما لكن علم إجمالا زيادة المصالح عليه على مال الصلح. نعم، لو رضي بالصلح عن حقّه الواقعيّ على كلّ حال بحيث لو تبيّن له الحال لصالح عنه بذلك المقدار بطيب نفسه حلّ له الزائد.
مسألة 14 - لو صولح عن الربويّ بجنسه بالتفاضل فالأقوى جريان حكم الربا فيه فيبطل. نعم، لا بأس به مع الجهل بالمقدار وإن احتمل التفاضل، كما إذا كان لكلّ منهما طعام عند صاحبه وجهلا بمقداره فأوقعا الصلح على أن يكون لكلّ منهما ما عنده مع احتمال التفاضل.
مسألة 15 - يصحّ الصلح عن دين بدين حالّين أو مؤجّلين أو بالاختلاف، متجانسين أو مختلفين، سواء كان الدينان على شخصين أو على شخص واحد، كما إذا كان له على ذمّة زيد وزنة حنطة ولعمرو عليه وزنة شعير فصالح مع عمرو على ماله في ذمّة زيد بما لعمرو في ذمّته، فيصحّ في الجميع إلّا في المتجانسين ممّا يكال أو يوزن مع التفاضل. نعم، لو صالح عن الدين ببعضه - كما إذا كان له عليه دراهم إلى أجل فصالح عنها بنصفها حالّاً - فلا بأس به إذا كان المقصود إسقاط الزيادة والإبراء عنها والاكتفاء بالناقص - كما هو المقصود المتعارف في نحو هذه المصالحة - لا المعاوضة بين الزائد والناقص.
مسألة 16 - يجوز أن يصالح الشريكان على أن يكون لأحدهما رأس المال والربح للآخر والخسران عليه.
مسألة 17 - يجوز للمتداعيين في دين أو عين أو منفعة أن يتصالحا بشي ء من المدّعى به أو بشي ء آخر حتّى مع إنكار المدّعى عليه، ويسقط به حقّ الدعوى، وكذا حقّ اليمين الّذي كان للمدّعي على المنكر، وليس للمدّعي بعد ذلك تجديد الدعوى؛ لكن هذا فصل ظاهريّ ينقطع به الدعوى ظاهرا، ولا ينقلب الواقع عمّا هو عليه. فلو ادّعى دينا على غيره فأنكره فتصالحا على النصف فهذا الصلح موجب لسقوط دعواه، لكن إذا كان محقّا بقيت ذمّة المدّعى عليه مشغولةً بالنصف وإن كان معتقدا لعدم محقّيّته، إلّا إذا فرض أنّ المدّعي صالح عن جميع ماله واقعا؛ وإن كان مبطلا واقعا يحرم عليه ما أخذه من المنكر إلّا مع فرض طيب نفسه واقعا، لا أنّ رضاه لأجل التخلّص عن دعواه الكاذبة.
مسألة 18 - لو قال المدّعى عليه للمدّعي: «صالحني» لم يكن هذا إقرارا بالحقّ، لما مرّ من أن الصلح يصحّ مع الإنكار. وأمّا لو قال: «بعني أو ملّكني» فهو إقرار بعدم كونه ملكا له، وأمّا كونه إقرارا بملكيّة المدّعي فلا يخلو من إشكال.
مسألة 19 - لو كان لشخص ثوب قيمته عشرون ولآخر ثوب قيمته ثلاثون واشتبها فإن خيّر أحدهما صاحبه فقد أنصفه وأحلله ما اختاره ولصاحبه الآخر، وإن تضايقا فإن كان المقصود لكلّ منهما الماليّة - كما إذا اشترياهما للمعاملة - بيعا وقسّم الثمن بينهما بنسبة مالهما، وإن كان المقصود عينهما لاالماليّة فلابدّ من القرعة.
مسألة 20 - لو كان لأحد مقدار من الدراهم ولآخر مقدار منها عند ودعيّ أو غيره فتلف مقدار لا يُدرى أنّه من أيّ منهما: فإن تساوى مقدار الدراهم منهمإ؛ي ظظ -بأن كان لكلّ منهما درهمان مثلا - فلايبعد أن يقال: يحسب التالف عليهما ويقسّم الباقي بينهما نصفين؛ وإن تفاوتا فإمّا أن يكون التالف بمقدار ما لأحدهما وأقلّ ممّا للآخر أو يكون أقلّ من كلّ منهما.
فعلى الأوّل لايبعد أن يقال: يُعطى للآخر ما زاد من ماله على التالف ويقسّم الباقي بينهما نصفين، كما إذا كان لأحدهما درهمان وللآخر درهم وكان التالف درهما يُعطى صاحب الدرهمين درهما ويقسّم الدرهم الباقي بينهما نصفين، أو كان لأحدهما خمسة وللآخر درهمان وكان التالف درهمين يُعطى لصاحب الخمسة ثلاثة ويقسّم الباقي - وهو الدرهمان - نصفين.
وعلى الثاني لايبعد أن يقال: إنّه يُعطى لكلّ منهما مازاد من ماله على التالف ويقسّم الباقي بينهما نصفين، فإذا كان لأحدهما خمسة وللآخر أربعة وكان التالف ثلاثة يُعطى لصاحب الخمسة اثنان ولصاحب الأربعة واحد، ويقسّم الباقي بينهما نصفين؛ لكن لاينبغي ترك الاحتياط بالتصالح في شقوق المسألة، خصوصا في غير ما استودع رجلا غيره دينارين واستودعه الآخر دينارا فضاع دينار منهما.
هذا كلّه في مثل الدرهم والدينار.
ولا يبعد جريان حكمهما في مطلق المثليّين الممتازين، كمنّين ومنّ لو تلف منّ واشتبه الأمر، ولا ينبغي ترك الاحتياط هنا أيضا. نعم، إذا كان المثليّان ممّا يقبل الاختلاط والامتزاج - كالزيت والحنطة - فامتزجا فتلف البعض يكون التلف بنسبةالمالين،ففي المنّين والمنّ إذا امتزجا وتلف منّ تكون البقيّة بينهما تثليثا. ولو كان المالان قيميّين كالثياب والحيوان فلابدّ من المصالحة أو تعيين التالف بالقرعة.
مسألة 21 - يجوز إحداث الروشن - المسمّى في العرف الحاضر بالشناشيل - على الطرق النافذة والشوارع العامّة إذا كانت عاليةً بحيث لم تضرّ بالمارّة، وليس لأحد منعه حتّى صاحب الدار المقابل وإن استوعب عرض الطريق بحيث كان مانعا عن إحداث روشنٍ في مقابله مالم يضع منه شيئا على جداره. نعم، إذإ؛ي ظظ استلزم الإشراف على دار الجار ففي جوازه تردّد وإشكال وإن جوّزنا مثل ذلك في تعلية البناء على ملكه، فلا يترك الاحتياط.
مسألة 22 - لو بنى روشنا على الجادّة ثمّ انهدم أو هدمه: فإن لم يكن من قصده تجديد بنائه لامانع من أن يبني الطرف المقابل ما يشغل ذلك الفضاء ولم يحتج إلى الاستيذان من الباني الأوّل، وإلّا ففيه إشكال، بل عدم الجواز لايخلو من قوّة إذا هدمه ليبنيه جديدا.
مسألة 23 - لو أحدث شخص روشنا على الجادّة فهل للطرف المقابل إحداث روشنٍ آخر فوقه أو تحته بدون إذنه؟ فيه إشكال خصوصا في الأوّل، بل عدم الجواز فيه لا يخلو من قوّة. نعم، لو كان الثاني أعلى بكثير بحيث لم يشغل الفضاء الّذي يحتاج إليه صاحب الأوّل بحسب العادة-من جهةالتشميس ونحوه-لابأس به.
مسألة 24 - كما يجوز إحداث الرواشن على الجادّة يجوز فتح الأبواب المستجدّة فيها، سواء كان له باب آخر أم لا، وكذا فتح الشبّاك والروازن عليها ونصب الميزاب فيها، وكذا بناء ساباط عليها إن لم يكن معتمدا على حائط غيره مع عدم إذنه ولم يكن مضرّا بالمارّة ولو من جهة الظلمة. ولو فرض أنّه كما يضرّهم من جهة ينفعهم من جهة أو جهات اُخر - كالوقاية عن الحرّ والبرد والتحفّظ عن الطين وغير ذلك - فالظاهر وجوب الرجوع إلى حاكم الشرع فيتّبع نظره. وفي جواز إحداث البالوعة للأمطار فيها حتّى مع التحفّظ عن كونها مضرّة بالمارّة وكذا نقب السرداب تحت الجادّة حتّى مع إحكام أساسه وبنيانه وسقفه - بحيث يؤمن من الثقب والخسف والانهدام - إشكال وإن كان جوازه لايخلو من قرب.
مسألة 25 - لايجوز لأحد إحداث شي ء - من روشن أو جناح أو بناء ساباط أو نصب ميزاب أو فتح باب أو نقب سرداب وغير ذلك - على الطرق غير النافذة إلّا باذن أربابها، سواء كان مضرّا أم لا. وكذا لايجوز لأحد من الأرباب إلّا بإذن شركائه فيها. ولو صالح غيرهم معهم أو بعضهم مع الباقين على إحداث شي ء من ذلك صحّ ولزم، سواء كان مع العوض أم لا. ويأتي إن شاء اللّه في كتاب إحياء الموات بعض ما يتعلّق بالطريق.
مسألة 26 - لايجوز لأحد أن يبني بناءً على حائط جاره أو يضع جذوع سقفه عليه إلّا باذنه ورضاه. وإن التمس ذلك منه لم يجب عليه إجابته وإن استُحبّ له مؤكّدا. ولو بنى أو وضع الجذوع بإذنه ورضاه فإن كان ذلك بعنوان ملزم -كالشرط والصلح ونحوهما- لم يجز له الرجوع. وأمّا لو كان مجرّد الإذن والرخصة فجاز الرجوع قبل البناء والوضع والبناء على الجذع قطعا؛ وأمّا بعدذلك فلايترك الاحتياط بالتصالح والتراضي ولو بالإبقاء مع الاُجرة أو الهدم مع الأرش وإن كان الأقرب جواز الرجوع بلا أرش.
مسألة 27 - لايجوز للشريك في الحائط التصرّف فيه ببناء أو تسقيف أو إدخال خشبة أو وتد أو غير ذلك إلّا بإذن شريكه أو إحراز رضاه ولو بشاهد الحال، كما هو كذلك في التصرّفات اليسيرة كالاستناد إليه ووضع يده أو طرح ثوب عليه أو غير ذلك، بل الظاهر أنّ مثل هذه الاُمور اليسيرة لايحتاج إلى إحراز الإذن والرضا كما جرت به السيرة. نعم، إذا صرّح بالمنع وأظهر الكراهة لم يجز.
مسألة 28 - لو انهدم الجدار المشترك وأراد أحد الشريكين تعميره لم يجبر شريكه على المشاركة في عمارته. وهل له التعمير من ماله مجّانا بدون إذن شريكه؟ لا إشكال في أنّ له ذلك إذا كان الأساس مختصّا به وبناه بآلات مختصّة به؛ كما لا إشكال في عدم الجواز إن كان الأساس مختصّا بشريكه. وأمّا إذا كان مشتركا فإن كان قابلاً للقسمة ليس له التعمير بدون إذنه؛ نعم، له المطالبة بالقسمة فيبني على حصّته المفروزة. وإن لم يكن قابلاً لها ولم يوافقه الشريك في شي ء يرفع أمره إلى الحاكم ليخيّره بين عدّة اُمور: من بيع أو إجارة أو المشاركة معه في العمارة أو الرخصة في تعميره وبنائه من ماله مجّانا؛ وكذا الحال لو كانت الشركة في بئر أو نهر أو قناة أو ناعور ونحو ذلك، ففي جميع ذلك يرفع الأمر إلى الحاكم في ما لايمكن القسمة. ولو أنفق في تعميرها من ماله فنبع الماء أو زاد ليس له أن يمنع شريكه الغير المنفق من نصيبه من الماء.
مسألة 29 - لو كانت جذوع دار أحد موضوعةً على حائط جاره ولم يعلم على أيّ وجه وضعت حكم في الظاهر بكونه عن حقّ حتّى يثبت خلافه، فليس للجار أن يطالبه برفعها عنه، بل ولا منعه من التجديد لو انهدم السقف. وكذا الحال لو وجد بناءٌ أو مجرى ماء أو نصب ميزاب في ملك غيره ولم يعلم سببه، فيحكم في أمثال ذلك بكونه عن حقّ، إلّا أن يثبت كونها عن عدوان أو بعنوان العارية الّتي يجوز فيها الرجوع.
مسألة 30 - لو خرجت أغصان شجرة إلى فضاء ملك الجار - من غير استحقاق- له أن يطالب مالكها بعطف الأغصان أو قطعها من حدّ ملكه، وإن امتنع صاحبها يجوز له عطفها أو قطعها، ومع إمكان الأوّل لايجوز الثاني. - كتاب الاجارة
كتاب الإجارة
وهي إمّا متعلّقة بأعيان مملوكة: من حيوان أو دار أو عقار أو متاع أو ثياب ونحوها، فتفيد تمليك منفعتها بالعوض، أو متعلّقة بالنفس كإجارة الحرّ نفسه لعمل، فتفيد غالبا تمليك عمله للغير باُجرة مقرّرة، وقد تفيد تمليك منفعته دون عمله كإجارة المرضعة نفسه للرضاع، لا الإرضاع.
مسألة 1 - عقد الإجارة هو اللفظ المشتمل على الإيجاب - الدالّ بالظهور العرفيّ على إيقاع إضافة خاصّة مستتبعة لتمليك المنفعة أو العمل بعوض - والقبول الدّال على الرضا به وتملّكهما بالعوض. والعبارة الصريحة في الإيجاب:«آجرتك أو أكريتك هذه الدار - مثلاً - بكذا». وتصحّ بمثل «ملّكتك منفعة الدار» مريدا به الإجارة، لكنّه ليس من العبارة الصريحة في إفادتها. ولا يعتبر فيه العربيّة، بل يكفي كلّ لفظ أفاد المعنى المقصود بأيّ لغة كان. ويقوم مقام اللفظ الإشارة المفهمة من الأخرس ونحوه كعقد البيع. والظاهر جريان المعاطاة في القسم الأوّل منها -وهو ما تعلّقت بأعيان مملوكة - وتتحقّق بتسليط الغير على العين ذات المنفعة قاصدا تحقّق معنى الإجارة - أي الإضافة الخاصّة - وتسلّم الغير لها بهذا العنوان. ولايبعد تحقّقها في القسم الثاني أيضا بجعل نفسه تحت اختيار الطرف بهذا العنوان أو بالشروع في العمل كذلك.
مسألة 2 - يشترط في صحّةالإجارة اُمور بعضها في المتعاقدين أعني المؤجر والمستأجر، وبعضها في العين المستأجرة،وبعضها في المنفعة، وبعضها في الاُجرة.
أمّا المتعاقدان فيعتبر فيهما ما اعتبر في المتبايعين: من البلوغ، والعقل، والقصد، والاختيار، وعدم الحجر لفلس أو سفه ونحوهما.
وأمّا العين المستأجرة فيعتبر فيها اُمور:
منها: التعيين؛ فلو آجر إحدى الدارين أو إحدى الدابّتين لم تصحّ.
ومنها: المعلوميّة؛ فإن كانت عينا خارجيّةً فإمّا بالمشاهدة وإمّا بذكر الأوصاف الّتي تختلف بها الرغبات في إجارتها؛ وكذا لو كانت غائبةً أو كانت كلّيّةً.
ومنها: كونها مقدورا على تسليمها؛ فلا تصحّ إجارة الدابّة الشاردة ونحوها.
ومنها: كونها ممّا يمكن الانتفاع بها مع بقاء عينها؛ فلا تصحّ إجارة ما لا يمكن الانتفاع بها، كما إذا آجر أرضا للزراعة مع عدم إمكان إيصال الماء إليها، ولا ينفعها ولا يكفيها ماء المطر ونحوه؛ وكذا ما لايمكن الانتفاع بها إلّا بإذهاب عينها، كالخبز للأكل، والشمع أو الحطب للإشعال.
ومنها: كونها مملوكةً أو مستأجرةً؛ فلا تصح إجارةمال الغيرإلّا باذنه أوإجازته.
ومنها: جواز الانتفاع بها؛ فلا تصحّ إجارة الحائض لكنس المسجد مباشرةً.
وأمّا المنفعة فيعتبر فيها اُمور:
منها: كونها مباحةً؛ فلا تصحّ إجارة الدكّان لإحراز المسكرات أو بيعها، ولا الدابّة والسفينة لحملها، ولا الجارية المغنّية للتغنّي، ونحو ذلك.
ومنها: كونها متموّلةً يبذل بإزائها المال عند العقلاء.
ومنها: تعيين نوعها إن كانت للعين منافع متعدّدة؛ فلو استأجر الدابّة يعيّن أنّها للحمل أو الركوب أو لإدارة الرحى وغيرها. نعم، تصحّ إجارتها لجميع منافعها، فيملك المستأجر جميعها.
ومنها: معلوميّتها إمّا بتقديرها بالزمان المعلوم، كسكنى الدار شهرا أو الخياطة أو التعمير والبناء يوما؛ وإمّا بتقدير العمل، كخياطة الثوب المعيّن خياطةً كذائيّةً فارسيّةً أو روميّةً، من غير تعرّض للزمان إن لم يكن دخيلاً في الرغبات، وإلّا فلابدّ من تعيين منتهاه.
وأمّا الاُجرة فتعتبر معلوميّتها، وتعيين مقدارها بالكيل أو الوزن أو العدّ في المكيل والموزون والمعدود، وبالمشاهدة أو التوصيف في غيرها. ويجوز أن تكون عينا خارجيّةً، أو كلّيّا في الذمّة، أو عملا، أو منفعةً، أو حقّا قابلا للنقل، مثل الثمن في البيع.
مسألة 3 - لو استأجر دابّةً للحمل لابدّ من تعيين جنس ما يحمل عليها، لاختلاف الاغراض باختلافه، وكذا مقداره ولو بالمشاهدة والتخمين. ولو استأجرها للسفر لابدّ من تعيين الطريق وزمان السير من ليل أو نهار ونحو ذلك، بل لابدّ من مشاهدة الراكب أو توصيفه بما يرفع به الجهالة والغرر.
مسألة 4 - ما كانت معلوميّة المنفعة بحسب الزمان لابدّ من تعيينه يوما أو شهرا أو سنةً أو نحو ذلك؛ فلا تصحّ تقديره بأمر مجهول.
مسألة 5 - لو قال: «كلّما سكنت هذه الدار فكلّ شهر بدينار مثلاً» بطل إن كان المقصود الإجارة، وصحّ ظاهرا لو كان المقصود الإباحة بالعوض. والفرق أنّ المستأجر مالك للمنفعة في الإجارة دون المباح له، فإنّه غير مالك لها، ويملك المالك عليه العوض على تقدير الاستيفاء. ولو قال: «إن خطت هذا الثوب فارسيّا فلك درهم، وإن خطته روميّا فلك درهمان» بطل إجارةً وصحّ جعالةً.
مسألة 6 - لو استأجر دابّة من شخص لتحمله أو تحمل متاعه إلى مكان في وقت معيّن كأن استأجر دابّةً لإيصاله إلى كربلاء يوم عرفة ولم توصله: فإن كان ذلك لعدم سعة الوقت أو عدم إمكان الإيصال من جهة اُخرى فالإجارة باطلة، ولو كان الزمان واسعا ولم توصله لم يستحقّ من الاُجرة شيئا، سواء كان بتقصير منه أم لا كما لو ضلّ الطريق. ولو استأجرها على أن توصله إلى مكان معيّن لكن شرط عليه أن توصله في وقت كذا فتعذّر أو تخلّف فالإجارة صحيحة بالاُجرة المعيّنة، لكن للمستأجر خيار الفسخ من جهة تخلّف الشرط، فإن فسخ ترجع الاُجرة المسمّاة إلى المستأجر ويستحقّ المؤجر اُجرة المثل.
مسألة 7 - لو كان وقت زيارة عرفة واستأجر دابّةً للزيارة فلم يصل وفاتت منه صحّت الإجارة، ويستحقّ المؤجر تمام الاُجرة بلا خيار، ما لم يشترط عليه في عقد الإجارة إيصاله يوم عرفة ولم يكن انصراف موجب للتقييد.
مسألة 8 - لا يشترط اتّصال مدّة الإجارة بالعقد؛ فلو آجر داره في شهر مستقبل معيّن صحّ، سواء كانت مستأجرةً في سابقه أم لا. ولو أطلق تنصرف إلى الاتّصال بالعقد لو لم تكن مستأجرةً؛ فلو قال: «آجرتك داري شهرا» اقتضى الإطلاق اتّصاله بزمان العقد. ولو آجرها شهرا وفهم الإطلاق - أعني الكلّيّ الصادق على المتّصل والمنفصل - فالأقوى البطلان.
مسألة 9 - عقد الإجارة لازم من الطرفين، لاينفسخ إلّا بالتقايل أو بالفسخ مع الخيار. والظاهر أنّه يجري فيه جميع الخيارات إلّا خيار المجلس وخيار الحيوان وخيار التأخير، فيجري فيها خيار الشرط وتخلّف الشرط والعيب والغبن والرؤية وغيرها. والإجارة المعاطاتيّة كالبيع المعاطاتيّ لازمة على الأقوى. وينبغي فيها الاحتياط المذكور هناك.
مسألة 10 - لاتبطل الإجارة بالبيع، فتنتقل العين إلى المشتري مسلوبة المنفعة في مدّتها. نعم، للمشتري مع جهله بها خيار الفسخ، بل له الخيار لو علم بها وتخيّل أنّ مدّتها قصيرة فتبيّن أنّها طويلة. ولو فسخ المستأجر الإجارة أو انفسخت رجعت المنفعة في بقيّة المدّة إلى المؤجر لا المشتري. وكما لاتبطل الإجارة ببيع العين المستأجرة على غير المستأجر لاتبطل ببيعها عليه؛ فلو استأجر دارا ثمّ اشتراها بقيت الإجارة على حالها، ويكون ملكه للمنفعة في بقيّة المدّة بسبب الإجارة لاتبعيّة العين؛ فلو انفسخت الإجارة رجعت المنفعة في بقيّة المدّة إلى البائع؛ ولو فسخ البيع بأحد أسبابه بقي ملك المشتري المستأجر للمنفعة على حاله.
مسألة 11 - الظاهرأنّه لاتبطل إجارةالأعيان بموت المؤجرولابموت المستأجر، إلّا إذا كانت ملكيّة المؤجر للمنفعة محدودةً بزمان حياته فتبطل بموته، كما إذا كانت منفعة دار موصىً بها لشخص مدّة حياته فآجرها سنتين ومات بعد سنة. نعم، لو كانت المنفعة في بقيّة المدّة لورثة الموصي أو غيرهم فلهم أن يجيزوها في بقيّة المدّة. ومن ذلك ما إذا آجر العين الموقوفة البطن السابق ومات قبل انقضاء المدّة، فتبطل إلّا أن يجيز البطن اللاحق. نعم، لو آجرها المتولّي للوقف -لمصلحة الوقف والبطون اللاحقة- مدّة تزيد على مدّة بقاء بعض البطون تكون نافذةً على البطون اللاحقة، ولا تبطل بموت المؤجر ولا بموت البطن الموجود حال الإجارة.
هذا كلّه في إجارة الأعيان.
وأمّا إجارة النفس لبعض الأعمال فتبطل بموت الأجير. نعم، لو تقبّل عملا وجعله في ذمّته لم تبطل بموته، بل يكون دينا عليه يستوفى من تركته.
مسألة 12 - لو آجر الوليّ الصبيّ المولّى عليه أو ملكه مدّةً مع مراعاة المصلحة والغبطة فبلغ الرشد قبل انقضائها فله نقض الإجارة وفسخها بالنسبة إلى ما بقي من المدّة، إلّا أن تقتضي المصلحة اللازمة المراعاة في ما قبل الرشد الإجارة مدّةً زائدةً على زمان تحقّقه بحيث تكون بأقلّ منها خلاف مصلحته، فحينئذٍ ليس له فسخها بعد البلوغ والرشد.
مسألة 13 - لو وجد المستأجر بالعين المستأجرة عيبا سابقا كان له فسخ الإجارة إن كان ذلك العيب موجبا لنقص المنفعة كالعرج في الدابّة، أو الاُجرة كما إذا كانت مقطوعة الاُذن والذنب. هذا إذا كان متعلّق الإجارة عينا شخصيّة. ولو كان كلّيّا وكان الفرد المقبوض معيبا فليس له فسخ العقد، بل له مطالبة البدل، إلّا إذا تعذّر فله الفسخ. هذا في العين المستأجرة. وأمّا الاُجرة فإن كانت عينا شخصيّة ووجد المؤجر بها عيبا كان له الفسخ، فهل له مطالبة الأرش؟ فيه إشكال؛ ولو كانت كلّيّةً فله مطالبة البدل، وليس له فسخ العقد إلّا إذا تعذّر البدل.
مسألة 14 - لو ظهر الغبن للمؤجر أو المستأجر فله خيار الغبن إلّا إذا شرط سقوطه.
مسألة 15 - يملك المستأجر المنفعة في إجارة الأعيان، والعمل في إجارة النفس على الأعمال، وكذا المؤجر والأجير الاُجرة بمجرّد العقد، لكن ليس لكلّ منهما مطالبة ماملكه إلّا بتسليم ما ملّكَه، فعلى كلّ منهما وإن وجب التسليم لكن لكلّ منهما الامتناع عنه إذا رأى من الآخر الامتناع عنه.
مسألة 16 - لو تعلّقت الإجارة بالعين فتسليم منفعتها بتسليم العين. وأمّا تسليم العمل في ما إذا تعلّقت بالنفس فبإتمامه إذا كان مثل الصلاة والصوم والحجّ وحفر بئر في دار المستأجر وأمثال ذلك ممّا لم يكن متعلّقا بماله الّذي بيد المؤجر، فقبل إتمام العمل لايستحقّ الأجير مطالبة الاُجرة وبعده لايجوز للمستأجر المماطلة. نعم، لو كان شرط منهما على تأدية الاُجرة كلّاً أو بعضا قبل العمل صريحا أو ضمنيّا - كما إذا كانت عادة تقتضي التزام المستأجر بذلك - كان هو المتّبع. وأمّا إذا كان متعلّقا بمال من المستأجر بيد المؤجر كالثوب يخيطه والخاتم يصوغه وأمثال ذلك ففي كون تسليمه بإتمام العمل كالأوّل أو بتسليم مورد العمل - كالثوب والخاتم - وجهان بل قولان، أقواهما الأوّل؛ فعلى هذا لو تلف الثوب - مثلا - بعد تمام العمل على نحو لاضمان عليه لا شي ء عليه، ويستحقّ مطالبة الاُجرة. نعم، لو تلف مضمونا عليه ضمنه بوصف المخيطيّة - لابقيمته قبلها - على أيّ حال حتّى على الوجه الثاني، لكون الوصف مملوكا له تبعا للعين؛ وبعد الخروج عن عهدة الموصوف مع وصفه تكون له المطالبة بالاُجرة المسمّاة، لتسليم العمل ببدله.
مسألة 17 - لو بذل المستأجر الاُجرة أو كان له حقّ أن يؤخّرها بموجب الشرط وامتنع المؤجر من تسليم العين المستأجرة يجبر عليه؛ وإن لم يمكن إجباره فللمستأجر فسخ الإجارة والرجوع إلى الاُجرة، وله إبقاء الإجارة ومطالبة عوض المنفعة الفائتة من الموجر. وكذا إن أخذها منه بعد التسليم بلا فصل أو في أثناء المدّة، لكن في الثاني لو فسخها تنفسخ بالنسبة إلى ما بقي من المدّة فيرجع إلى ما يقابله من الاُجرة.
مسألة 18 - لو آجر دابّةً من زيد فشردت بطلت الإجارة، سواء كان قبل التسليم أو بعده في أثناء المدّة، إن لم يكن بتقصير من المستأجر في حفظها.
مسألة 19 - لو تسلّم المستأجر العين المستأجرة ولم يستوف المنفعة حتّى انقضت مدّة الإجارة - كما إذا استأجر دارا مدّةً وتسلّمها ولم يسكنها حتّى مضت المدّة - فإن كان ذلك باختيار منه استقرّت عليه الاُجرة. وفي حكمه ما لو بذل المؤجر العين المستأجرة فامتنع المستأجر عن تسلّمها واستيفاء المنفعة منها حتّى انقضت. وهكذا الحال في الإجارة على الأعمال، فإنّه إذا سلّم الأجير نفسه وبذلها للعمل وامتنع المستأجر عن تسلّمه - كما إذا استأجر شخصا يخيط له ثوبا معيّنا في وقت معيّن وامتنع من دفعه إليه حتّى مضى الوقت - فقد استحقّ عليه الاُجرة، سواء اشتغل الأجير - في ذلك الوقت مع امتناعه - بشغل آخر لنفسه أو غيره أو بقي فارغا. وإن كان ذلك لعذر بطلت الإجارة، ولم يستحقّ المؤجر شيئا من الاُجرة إن كان ذلك عذرا عامّا لم تكن العين معه قابلةً لأن تُستوفى منها المنفعة، كما إذا استأجر دابّةً للركوب إلى مكان فنزل ثلج مانع عن الاستطراق أو انسدّ الطريق بسبب آخر، أو دارا للسكنى فصارت غير مسكونة، لصيرورتها معركةً أو مسبعةً ونحو ذلك. ولو عرض مثل هذه العوارض في أثناء المدّة بعد استيفاء المستأجر مقدارا من المنفعة بطلت الإجارة بالنسبة. وإن كان عذرا يختصّ به المستأجر كما إذا مرض ولم يتمكّن من ركوب الدابّة المستأجرة ففي كونه موجبا للبطلان وعدمه وجهان، لا يخلو ثانيهما من رجحان. هذا إذا اشترط المباشرة بحيث لم يمكن له استيفاء المنفعة ولو بالإجارة، وإلّا لم تبطل قطعا.
مسألة 20 - إذا غصب العين المستأجرة غاصب ومنع المستأجر عن استيفاء المنفعة: فإن كان قبل القبض تخيّر بين الفسخ والرجوع بالاُجرةالمسمّاة على المؤجر لو أدّاها وبين الرجوع إلى الغاصب باُجرة المثل، وإن كان بعد القبض تعيّن الثاني.
مسألة 21 - لو تلفت العين المستأجرة قبل قبض المستأجر بطلت الإجارة، وكذا بعده بلا فصل معتدّ به أو قبل مجي زمان الإجارة. ولو تلفت في أثناء المدّة بطلت بالنسبة إلى بقيّتها، ويرجع من الاُجرة بما قابلها، إن نصفا فنصف أو ثلثا فثلث وهكذا. هذا إن تساوت اُجرة العين بحسب الزمان، وأمّا إذا تفاوتت تلاحظ النسبة، مثلا لو كانت اُجرة الدار في الشتاء ضعف اُجرتها في باقي الفصول وبقي من المدّة ثلاثة أشهر الشتاء يرجع بثلثي الاُجرة المسمّاة، ويقع في مقابل ما مضى من المدّة ثلثها. وهكذا الحال في كلّ مورد حصل الفسخ أو الانفساخ في أثناء المدّة بسبب من الأسباب. هذا إذا تلفت العين المستأجرة بتمامها. ولو تلف بعضها تبطل بنسبته من أوّل الأمر أو في الأثناء بنحو ما مرّ.
مسألة22 - لو آجر دارا فانهدمت بطلت الإجارة إن خرجت عن الانتفاع الّذي هو مورد الإجارة بالمرّة، فإن كان قبل القبض أو بعده بلا فصل قبل أن يسكن فيها رجعت الاُجرة بتمامها، وإلّا فبالنسبة كما مرّ. وإن أمكن الانتفاع بها من سنخ مورد الإجارة بوجه يعتدّ به عرفا كان للمستأجر الخيار بين الإبقاء والفسخ، ولو فسخ كان حكم الاُجرة على حذو ما سبق. وإن انهدم بعض بيوتها: فإن بادر المؤجر إلى تعميرها بحيث لم يفت الانتفاع أصلا ليس فسخ ولا انفساخ على الأقوى، وإلّا بطلت الإجارة بالنسبة إلى ما انهدمت وبقيت بالنسبة إلى البقيّة بما يقابلها من الاُجرة، وكان للمستأجر خيار تبعّض الصفقة.
مسألة 23 - كلّ موضع كانت الإجارة فاسدةً تثبت للموجر اُجرة المثل بمقدار ما استوفاه المستأجر من المنفعة أو تلفت تحت يده أو في ضمانه. وكذلك في إجارة النفس للعمل، فإنّ العامل يستحقّ اُجرة مثل عمله. والظاهر عدم الفرق في ذلك بين جهل المؤجر والمستأجر ببطلان الإجارة وعلمهما به. نعم، لو كان البطلان من ناحية الإجارة بلا اُجرة أو بما لايتموّل عرفا لايستحقّ شيئا، من غيرفرق بين العلم ببطلانها وعدمه. ولو اعتقد تموّل ما لا يتموّل عرفا فالظاهر استحقاقه اُجرةالمثل.
مسألة 24 - تجوز إجارة المشاع، سواء كان للمؤجر الجزء المشاع من عين فآجره أو كان مالكا للكلّ وآجر جزءا مشاعا منه كنصفه أو ثلثه، لكن في الصورة الاُولى لايجوز للمؤجر تسليم العين للمستأجر إلّا بإذن شريكه. وكذا يجوز أن يستأجر إثنان - مثلا - دارا على نحو الاشتراك ويسكناها معا بالتراضي أو يقتسماها بحسب المساكن بالتعديل والقرعة، كتقسيم الشريكين الدار المشتركة، أو يقتسما منفعتها بالمهايأة، بأن يسكنها أحدهما ستّة أشهر - مثلا - ثمّ الآخر، كما إذا استأجرا معا دابّةً للركوب على التناوب، فإنّ تقسيم منفعتها الركوبيّة لايكون إلّا بالمهايأة، بأن يركبها أحدهما يوما والآخر يوما مثلا، أو يركبها أحدهما فرسخا والآخر فرسخا.
مسألة 25 - لو استأجر عينا ولم يشترط عليه استيفاء منفعتها بالمباشرة يجوز أن يؤجرها بأقلّ ممّا استأجر وبالمساوي وبالأكثر. هذا في غير البيت والدار والدكان والأجير. وأمّا فيها فلا تجوز إجارتها بأكثر منه إلّا اذا أحدث فيها حدثا من تعمير أو تبييض أو نحو ذلك؛ ولا يبعد جوازها أيضا إن كانت الاُجرة من غير جنس الاُجرة السابقة. والأحوط إلحاق الخان والرحى والسفينة بها وإن كان عدمه لا يخلو من قوّة. ولو استأجر دارا - مثلا - بعشرة دراهم فسكن في نصفها وآجر الباقي بعشرة دراهم من دون إحداث حدث جاز، وليس من الإجارة بأكثر ممّا استأجر. وكذا لو سكنها في نصف المدّة وآجرها في باقيها بعشرة. نعم، لو آجرها في باقي المدّة أو آجر نصفها بأكثر من عشرة لايجوز.
مسألة 26 - لو تقبّل عملا من غير اشتراط المباشرة ولا مع الانصراف إليها يجوز أن يستأجر غيره لذلك العمل بتلك الاُجرة وبالأكثر. وأمّا بالأقلّ فلا يجوز إلّا إذا أحدث حدثا أو أتى ببعض العمل ولو قليلا، كما إذا تقبّل خياطة ثوب بدرهم ففصّله أو خاط منه شيئا ولو قليلا فلا بأس باستيجار غيره على خياطته بالأقلّ ولو بعشر درهم أو ثمنه، لكن في جواز دفع متعلّق العمل وكذا العين المستأجرة إليه بدون الإذن إشكال وإن لا يخلو من وجه.
مسألة 27 - الأجير إذا آجر نفسه على وجه يكون جميع منافعه للمستأجر في مدّة معيّنة لايجوز له في تلك المدّة العمل لنفسه أو لغيره، لا تبرّعا ولا بالجعالة أو الإجارة. نعم، لابأس ببعض الأعمال الّتي انصرفت عنها الإجارة ولم تشملها ولم تكن منافيةً لما شملته. كما أنّه لو كان مورد الإجارة أو منصرفها الاشتغال بالنهار فلا مانع من الاشتغال ببعض الأعمال في الليل له أو لغيره، إلّا إذا أدّى إلى ما ينافي الاشتغال بالنهار ولو قليلا. فإذا عمل في تلك المدّة عملا ممّا ليس خارجا عن مورد الإجارة: فإن كان العمل لنفسه تخيّر المستأجر بين فسخ الإجارة واسترجاع تمام الاُجرة إذا لم يعمل له شيئا أو بعضها إذا عمل شيئا وبين أن يُبقيها ويطالبه اُجرة مثل العمل الّذي عمله لنفسه؛ وكذا لو عمل للغير تبرّعا؛ ولو عمل للغير بعنوان الجعالة أو الإجارة فله - مضافا إلى ذلك - إمضاء الجعالة أو الإجارة وأخذ الاُجرة المسمّاة.
مسألة 28 - لو آجر نفسه لعمل مخصوص بالمباشرة في وقت معيّن لا مانع من أن يعمل لنفسه أو غيره في ذلك الوقت ما لا ينافيه، كما إذا آجر نفسه يوما للخياطة أو الكتابة ثمّ آجر نفسه في ذلك اليوم للصوم عن الغير إذا لم يؤدّ إلى ضعفه في العمل. وليس له أن يعمل في ذلك الوقت من نوع ذلك العمل ومن غيره ممّا ينافيه لنفسه ولا لغيره؛ فلو فعل: فإن كان من نوع ذلك العمل كما إذا آجر نفسه للخياطة في يوم فاشتغل فيه بالخياطة لنفسه أولغيره تبرّعا أو بالإجارة كان حكمه حكم الصورة السابقة: من تخيير المستأجر بين أمرين لو عمل لنفسه أو لغيره تبرّعا وبين اُمور ثلاثة لو عمل بالجعالة أو الإجارة، وإن كان من غير نوع ذلك العمل كما إذا آجر نفسه للخياطة فاشتغل بالكتابة فللمستأجر التخيير بين أمرين مطلقا: من فسخ الإجارة واسترجاع الاُجرة ومن مطالبة عوض المنفعة الفائتة.
مسألة 29 - لو آجر نفسه لعمل من غير اعتبار المباشرة ولو في وقت معيّن أو من غير تعيين الوقت ولو مع اعتبار المباشرة جاز له أن يؤجر نفسه للغير على نوع ذلك العمل أو ما يضادّه قبل الإتيان بالعمل المستأجر عليه.
مسألة 30 - لو أستاجر دابّةً للحمل إلى بلد في وقت معيّن فركبها في ذلك الوقت إليه عمدا أو اشتباها لزمته الاُجرة المسمّاة، حيث إنّه قد استقرّت عليه بتسليم الدابّة وإن لم يستوف المنفعة. وهل تلزمه اُجرة مثل المنفعة الّتي استوفاها أيضا فتكون عليه اُجرتان أو لم يلزمه إلّا التفاوت بين اُجرة المنفعة الّتي استوفاها واُجرة المنفعة المستأجر عليها لو كان - فإذا استأجرها للحمل بخمسة فركبها وكان اُجرة الركوب عشرة لزمته العشرة - ولو لم يكن تفاوت بينهما لم تلزم عليه إلّا الاُجرة المسمّاة؟ وجهان، لا يخلو ثانيهما من رجحان، والأحوط التصالح.
مسألة 31 - لو آجر نفسه لعمل فعمل للمستأجر غير ذلك العمل بغير أمر منه -كما إذا استؤجر للخياطة فكتب له- لم يستحقّ شيئا، سواء كان متعمّدا أم لا. وكذا لو آجر دابّته لحمل متاع زيد إلى مكان فحمل متاع عمرو لم يستحقّ الاُجرة على واحد منهما.
مسألة 32 - يجوزاستيجارالمرأةللإرضاع،بل للرضاع أيضا، بأن يرتضع الطفل منها مدّةً معيّنةً وإن لم يكن منها فعلٌ. ولا يعتبر في صحّة إجارتها لذلك إذن الزوج ورضاه، بل ليس له المنع عنها إن لم يكن مانعا عن حقّ استمتاعه منها؛ ومع كونه مانعا يعتبر إذنه أو إجازته في صحّتها. وكذا يجوز استيجار الشاة الحلوب للانتفاع بلبنها، والبئر للاستقاء منها، بل لاتبعد صحّة إجارة الأشجار للانتفاع بثمرها.
مسألة 33 - لو استؤجر لعمل - من بناء وخياطة ثوب معيّن أو غير ذلك - لابقيد المباشرة فعمله شخص آخر تبرّعا عنه كان ذلك بمنزلة عمله فاستحقّ الاُجرة المسمّاة، وإن عمله تبرّعا عن المالك لم يستحقّ المستأجر شيئا، بل تبطل الإجارة لفوات محلّها، ولا يستحقّ العامل على المالك اُجرةً.
مسألة 34 - لايجوز للإنسان أن يؤجر نفسه للإتيان بما وجب عليه عينا كالصلوات اليوميّة، ولا ما وجب عليه كفائيّا على الأحوط إذا كان وجوبه كذلك بعنوانه الخاصّ، كتغسيل الأموات وتكفينهم ودفنهم. وأمّا ما وجب من جهة حفظ النظام وحاجة الأنام - كالصناعات المحتاج إليها والطبابة ونحوها - فلابأس بالإجارة وأخذ الاُجرة عليها؛ كما أنّ إجارة النفس للنيابة عن الغير حيّا وميّتا في ما وجب عليه وشرّعت فيه النيابة لابأس به.
مسألة 35 - يجوز الإجارة لحفظ المتاع عن الضياع وحراسة الدور والبساتين عن السرقة مدّة معيّنة. ويجوز اشتراط الضمان عليه لو حصل الضياع أو السرقة ولو من غير تقصير منه، بأن يلتزم في ضمن عقد الإجارة بأنّه لو ضاع المتاع أو سرق من البستان أو الدار شي ء خسره؛ فتضمين الناطور - إذا ضاع - أمر مشروع لو التزم به على نحو مشروع.
مسألة 36 - لو طلب من شخص أن يعمل له عملا فعمل استحقّ عليه اُجرة مثل عمله إن كان ممّا له اُجرة ولم يقصد العامل التبرّع بعمله، وإن قصد التبرّع لم يستحق اُجرةً وإن كان من قصد الآمر إعطاء الاُجرة.
مسألة 37 - لو استأجر أحدا في مدّة معيّنة لحيازة المباحات - كما إذا استأجره شهرا للاحتطاب أو الاحتشاش أو الاستقاء - وقصد باستيجاره له ملكيّة ما يحوزه فكلّ ما يحوز الأجير في تلك المدّة يصير ملكا للمستأجر إذا قصد الأجير العمل له والوفاء بعقد الإجارة. وأمّا لو قصد ملكيّتها لنفسه تصير ملكا له ولم يستحقّ الاُجرة. ولو لم يقصد شيئا فالظاهر بقاؤها على إباحتها على إشكال. ولو استاجره للحيازة لا بقصد التملّك - كما إذا كان له غرض عقلائيّ لجمع الحطب والحشيش فاستأجره لذلك - لم يملك ما يحوزه ويجمعه الأجير مع قصد الوفاء بالإجارة، فلا مانع من تملّك الغير له.
مسألة 38 - لاتجوز إجارة الأرض لزرع الحنطة والشعير بل ولا لما يحصل منها مطلقا بمقدار معيّن من حاصلها، بل وكذا بمقدار منها في الذمّة مع اشتراط أدائه ممّا يحصل منها. وأمّا إجارتها بالحنطة أو الشعير أو غيرهما من غير تقييد ولا اشتراط بكونها منها فالأقرب جوازها.
مسألة 39- العين المستأجرة أمانة في يدالمستأجر في مدّةالإجارة، فلايضمن تلفها ولا تعيّبها إلّا بالتعدّي والتفريط. وكذا العين الّتي للمستأجر بيد من آجر نفسه لعمل فيها كالثوب للخياطة والذهب للصياغة، فإنّه لا يضمن تلفها ونقصها بدون التعدّي والتفريط. نعم، لو أفسدها بالصبغ أو القصارة أو الخياطة حتّى بتفصيل الثوب ونحو ذلك ضمن وإن كان بغير قصده، بل وإن كان اُستاذا ماهرا وقد أعمل كمال النظر والدقّة والاحتياط في شغله. وكذا كلّ من آجر نفسه لعمل في مال المستأجر إذا أفسده ضمنه. ومن ذلك ما لو استؤجر القصّاب لذبح الحيوان فذبحه على غير الوجه الشرعيّ بحيث صار حراما، فإنّه ضامن لقيمته، بل الظاهر كذلك لوذبحه تبرّعا.
مسألة 40 - الختّان ضامن لو تجاوز الحدّ وإن كان حاذقا. وفي ضمانه إذا لم يتجاوزه - كما إذا أضرّ الختان بالولد فمات - إشكال أظهره العدم.
مسألة 41 - الطبيب ضامن إذاباشربنفسه العلاج،بل لايبعد الضمان في التطبيب على النحو المتعارف وإن لم يباشر. نعم، إذا وصف الدواء الفلانيّ وقال: «إنّه نافع للمرض الفلانيّ» أو قال: «إنّ دواءك كذا» من دون أن يأمره بشربه فالأقوى عدم الضمان.
مسألة 42 - لو عثر الحمّال فانكسر ما كان على ظهره أو رأسه - مثلا - ضمن؛ بخلاف الدابّة المستأجرة للحمل إذا عثرت فتلف أو تعيّب ما حملته، فإنّه لا ضمان على صاحبها إلّا إذا كان هو السبب، من جهة ضربها أو سوقها في مزلق ونحو ذلك.
مسألة 43 - لو استأجر دابّةً للحمل لم يجز أن يحمّلها أزيد ممّا اشترط أو المقدار المتعارف لو أطلق، فلو حمّلها أزيد منه ضمن تلفها وعوارها. وكذلك إذا سار بها أزيد ممّا اشترط.
مسألة 44 - لو استؤجر لحفظ متاع فسرق لم يضمن إلّا مع التقصير أو اشتراط الضمان.
مسألة 45 - صاحب الحمّام لا يضمن الثياب وغيرها إن سرقت، إلّا إذا اُودعت عنده وفرّط أو تعدّى.
مسألة 46 - لو استأجر أرضا للزراعة فحصلت آفة أفسدت الحاصل لم تبطل الإجارة، ولا يوجب ذلك نقصا في الاُجرة. نعم، لو شرط على المؤجر إبراءه من الاُجرة بمقدار ما نقص أو نصفا أو ثلثا منه - مثلاً - صحّ ولزم الوفاء به.
مسألة 47 - تجوز إجارةُ الأرض للانتفاع بها بالزرع وغيره مدّةً معلومةً وجعلُ الاُجرة تعميرها: من كري الأنهار وتنقية الآبار وغرس الأشجار وتسوية الأرض وإزالة الأحجار ونحو ذلك، بشرط أن يعيّن تلك الأعمال على نحو يرتفع الغرر والجهالة، أو كان تعارفٌ مغنٍ عن التعيين. - كتاب الجعالة
كتاب الجعالة
وهي الالتزام بعوض معلوم على عمل محلّل مقصود، أو هي إنشاء الالتزام به، أو جعل عوض معلوم على عمل كذلك، والأمر سهل. ويقال للملتزم: الجاعل، ولمن يعمل ذلك العمل: العامل، وللعوض: الجعل والجَعيلة. وتفتقر إلى الإيجاب، وهو كلّ لفظ أفاد ذلك الالتزام. وهو إمّا عامّ كما إذا قال: «من ردّ دابّتي أو خاط ثوبي أو بنى حائطي - مثلا - فله كذا»، وإمّا خاصّ كما اذا قال لشخص: «إن رددت دابّتي - مثلا - فلك كذا». ولا تفتقر إلى قبول حتّى في الخاصّ.
مسألة 1 - بين الإجارة على العمل والجعالة فروق، منها: أنّ المستأجر في الإجارة يملك العمل على الأجير وهو يملك الاُجرة على المستأجر بنفس العقد، بخلاف الجعالة، إذ ليس أثرها إلاّ استحقاق العامل الجعل المقرّر على الجاعل بعد العمل. ومنها: أنّ الإجارة من العقود وهي من الإيقاعات على الأقوى.
مسألة ۲ - إنّما تصحّ الجعالة على كلّ عمل محلّل مقصود في نظر العقلاء كالإجارة، فلا تصحّ على المحرّم، ولا على ما يكون لغوا عند العقلاء وبذل المال بإزائه سفها، كالذهاب إلى الأمكنة المخوفة، والصعود على الجبال الشاهقة والأبنية المرتفعة، والوثبة من موضع إلى آخر، إذا لم تكن فيها أغراض عقلائيّة.
مسألة ۳ - كما لا تصحّ الإجارة على الواجبات العينيّة بل والكفائيّة على الأحوط - على التفصيل الّذي مرّ في كتابها - لا تصحّ الجعالة عليها على حَذوها.
مسألة 4 - يعتبر في الجاعل أهليّة الاستيجار: من البلوغ والعقل والرشدوالقصد والاختيار وعدم الحجر. وأمّا العامل فلا يعتبر فيه إلّا إمكان تحصيل العمل بحيث لم يكن مانع منه عقلا أو شرعا؛ فلو أوقع الجعالة على كنس المسجد فلايمكن حصوله شرعا من الجنب والحائض، فلوكنساه لم يستحقّا شيئا على ذلك. ولا يعتبر فيه نفوذ التصرّف، فيجوز أن يكون صبيّا مميّزا ولو بغير إذن الوليّ، بل ولو كان غير مميّز أو مجنون على الأظهر، فجميع هؤلاء يستحقّون الجعل المقرّر بعملهم.(1)
مسألة 5 - يجوز أن يكون العمل مجهولا في الجعالة بما لايغتفر في الإجارة، فإذا قال: «من ردّ دابّتي فله كذا» صحّ وإن لم يعيّن المسافة ولا شخص الدابّة مع شدّة اختلاف الدوابّ في الظفر بها من حيث السهولة والصعوبة. وكذا يجوز إيقاعها على المردّد مع اتّحاد الجعل كما إذا قال: «من ردّ فرسي أو حماري فله كذا»، أو بالاختلاف كما لو قال: «من ردّ فرسي فله عشرة ومن ردّ حماري فله خمسة». نعم، لايجوز على المجهول والمبهم الصرف بحيث لايتمكّن العامل من تحصيله، كما لو قال: «من ردّ ما ضاع منّي فله كذا» أو «من ردّ حيوانا ضاع منّي فله كذا» ولم يعيّن ذلك بوجه. هذا كلّه في العمل. وأمّا العوض فلابدّ من تعيينه جنسا ونوعا ووصفا بل كيلا أو وزنا أو عدّا إن كان منها؛ فلو جعله ما في يده أو كيسه بطلت الجعالة. نعم، الظاهر أنّه يصحّ أن يجعل الجعل حصّةً معيّنةً ممّا يردّه ولو لم يشاهد ولم يوصف. وكذا يصحّ أن يجعل للدلّال مازاد على رأس المال، كما إذا قال: «بع هذا المال بكذا والزائد لك» كما مرّ في ما سبق.
مسألة 6 - كلّ مورد بطلت الجعالة للجهالة استحقّ العامل اُجرة المثل. والظاهر أنّه من هذا القبيل ما هو المتعارف من جعل الحلاوة المطلقة لمن دلّه على ولد ضائع أو دابّة ضالّة.
مسألة 7 - لايعتبر أن يكون الجعل ممّن له العمل، فيجوز أن يجعل شخص جعلا من ماله لمن خاط ثوب زيد أو ردّ دابّته.
مسألة 8 - لو عيّن الجعل لشخص وأتى غيره بالعمل لم يستحقّ الجعل ذلك الشخص لعدم العمل، ولا ذلك الغير، لأنّه ما اُمر بإتيان العمل ولا جُعل لعمله جُعلٌ، فهو كالمتبرّع. نعم، لو جعل الجعالة على العمل لابقيد المباشرة بحيث لوحصّل ذلك الشخص العمل بالإجارة أو الاستنابة أو الجعالة شملته الجعالة وكان عمل ذلك الغير تبرّعا عن المجعول له ومساعدةً له استحقّ الجعل المقرّر.
مسألة 9 - لو جعل الجعل على عمل وقد عمله شخص قبل إيقاع الجعالة أو بقصد التبرّع وعدم أخذ العوض يقع عمله بلا جعل واُجرة.
مسألة 10 - يستحقّ العامل الجعل المقرّر مع عدم كونه متبرّعا ولو لم يكن عمله لأجل ذلك، فلا يعتبر اطّلاعه على التزام الجاعل به، بل لو عمله خطأً وغفلةً بل من غير تمييز - كالطفل غير المميّز والمجنون - فالظاهر استحقاقه له كما مرّ. نعم، لو تبيّن كذب المخبر كما إذا أخبر مخبر بأنّ فلانا قال: «من ردّ دابّتي فله كذا» فردّها اعتمادا على إخباره لم يستحقّ شيئا، لا على صاحب الدابّة ولا على المخبر الكاذب. نعم، لو أوجب قوله الاطمينان لايبعد ضمانه اُجرة مثل عمله، للغرور.
مسألة 11 - لو قال: «من دلّني على مالي فله كذا» فدلّه من كان ماله في يده لم يستحقّ شيئا، لأنّه واجب عليه شرعا. ولو قال: «من ردّ مالي فله كذا» فإن كان المال ممّا في ردّه كلفة ومؤونة كالدابّة الشاردة استحقّ الجعل المقرّر إذا لم يكن في يده على وجه الغصب، وإن لم يكن كذلك كالدرهم والدينار لم يستحقّ شيئا.
مسألة 12 - إنّما يستحقّ العامل الجعل بتسليم العمل؛ فلو جعل على ردّ الدابّة إلى مالكها فجاء بها في البلد فشردت لم يستحقّ شيئا. ولو كان الجعل على مجرّد إيصالها إلى البلد استحقّه. ولو كان على مجرّد الدلالة عليها استحقّ بها ولو لم يكن منه إيصال أصلا.
مسألة 13 - لو قال: «من ردّ دابّتي - مثلاً - فله كذا» فردّها جماعة اشتركوا في الجعل بالسويّة إن تساووا في العمل، وإلّا فيوزّع عليهم بالنسبة.
مسألة 14 - لو جعل جعلا لشخص على عمل - كبناء حائط وخياطة ثوب - فشاركه غيره في ذلك العمل يسقط عن جعله المعيّن ما يكون بإزاء عمل ذلك الغير، فإن لم يتفاوتا كان له نصف الجعل، وإلّا فبالنسبة، وأمّا الآخر فلا يستحقّ شيئا. نعم، لو لم يشترط على العامل المباشرة بل اُريد منه العمل مطلقا ولو بمباشرة غيره وكان اشتراك الغير معه بعنوان التبرّع عنه ومساعدته استحقّ المجعول له تمام الجعل.
مسألة 15 - الجعالة قبل تماميّة العمل جائزة من الطرفين ولو بعد تلبّس العامل بالعمل وشروعه فيه، فله رفع اليد عن العمل. كما أنّ للجاعل فسخ الجعالة ونقض التزامه على كلّ حال؛ فإن كان ذلك قبل التلبّس لم يستحقّ المجعول له شيئا، ولو كان بعده فإن كان الرجوع من العامل لم يستحقّ شيئا، وإن كان من طرف الجاعل فعليه للعامل اُجرة مثل ما عمل. ويحتمل الفرق في الأوّل -وهو ما كان الرجوع من العامل- بين ما كان العمل مثل خياطة الثوب وبناء الحائط ونحوهما ممّا كان تلبّس العامل به بإيجاد بعض العمل وبين ما كان مثل ردّ الضالّة ممّا كان التلبّس به بإيجاد بعض مقدّماته الخارجيّة، فله من المسمّى بالنسبة إلى ماعمل في الأوّل، بخلاف الثاني فإنّه لم يستحقّ شيئا، لكن هذا لو لم يكن الجعل في مثل خياطة الثوب وبناء الحائط على إتمام العمل، وإلّا يكون الحكم كردّ الضالّة. ويحتمل الفرق في الصورتين إذا كان الفسخ من الجاعل، فيقال: إنّ للعامل من المسمّى بالنسبة في الاُولى، وله اُجرة المثل في الثانية؛ فإذا كان العمل مثل الخياطة والبناء فأوجد بعضه فرجع الجاعل فللعامل من المسمّى بالنسبة، وإذا كان مثل ردّ الضالّة وكذا إتمام الخياطة فله اُجرة المثل. والمسألة محلّ إشكال، فلاينبغي ترك الاحتياط بالتراضي والتصالح على أيّ حال.
مسألة 16 - ما ذكرناه من أنّ للعامل الرجوع عن عمله على أيّ حال ولو بعد التلبّس والاشتغال إنّما هو في مورد لم يكن في عدم إنهاء العمل ضرر على الجاعل، وإلّا يجب عليه بعد الشروع في العمل إتمامه، مثلا لو وقعت الجعالة على قصّ عينه أو بعض العمليّات المتداولة بين الأطبّاء في هذه الأزمنة لايجوز له رفع اليد عن العمل بعد التلبّس به والشروع فيه، حيث إنّ الصلاح والعلاج مترتّب على تكميلها وفي عدمه فساد؛ ولو رفع اليد عنه لم يستحقّ في مثله شيئا بالنسبة إلى ما عمل، وذلك لأنّ الجعل في أمثاله إنّما هو على إتمام العمل؛ فلو فرض كونه على العمل - نحو خياطة الثوب - فالظاهر استحقاقه على ما عمل بالنسبة، وعليه غرامة الضرر الوارد.
1- في جميع الطبعات: «أو مجنون»، والصحيح: «أو مجنوناً». - كتاب العارية
کتاب العاریة
وهی التسلیط علی العین للانتفاع بها علی جهة التبرّع، أو هی عقد ثمرته ذلک، أو ثمرته التبرّع بالمنفعة. وهی من العقود تحتاج إلی إیجاب بکلّ لفظ له ظهور عرفیّ فی هذا المعنی - کقوله: «أعرتک» أو «أذنت لک فی الانتفاع به» أو «انتفع به» أو «خذه لتنتفع به» ونحو ذلک - وقبول، وهو کلّ ما أفاد الرضا بذلک. ویجوز أن یکون بالفعل، بأن یأخذه - بعد إیجاب المعیر - بهذا العنوان؛ بل الظاهر وقوعها بالمعاطاة، کما إذا دفع إلیه قمیصا لیلبسه فأخذه لذلک، أو دفع إلیه إناءً أو بساطا لیستعمله فأخذه واستعمله.
مسألة 1 - یعتبر فی المعیر أن یکون مالکا للمنفعة، وله أهلیّة التصرّف؛ فلاتصحّ إعارة الغاصب عینا أو منفعةً. وفی جریان الفضولیّة فیها - حتّی تصحّ بإجازة المالک - وجه قویّ. وکذا لا تصحّ إعارة الصبیّ والمجنون والمحجور علیه - لسفه أو فلس - إلّا مع إذن الولیّ أو الغرماء. وفی صحّة إعارة الصبیّ بإذن الولیّ احتمال لایخلو من قوّة.
مسألة 2 - لا یشترط فی المعیر أن یکون مالکا للعین، بل تکفی ملکیّة المنفعة بالإجارة أو بکونها موصیً بها له بالوصیّة. نعم، إذا اشترط استیفاء المنفعة فی الإجارة بنفسه لیس له الإعارة.
مسألة 3 - یعتبر فی المستعیر أن یکون أهلا للانتفاع بالعین؛ فلا تصحّ استعارة المصحف للکافر، واستعارة الصید للمحرم، لا من المحلّ ولا من المحرم. وکذا یعتبر فیه التعیین؛ فلو أعار شیئا: أحد هذین أو أحد هؤلاء لم تصحّ. ولا یشترط أن یکون واحدا؛ فیصحّ إعارة شی ء واحد لجماعة، کما إذا قال: «أعرت هذا الکتاب أو الإناء لهؤلاء العشرة»، فیستوفون المنفعة بینهم بالتناوب والقرعة، کالعین المستأجرة. ولا یجوز الإعارة لجماعة غیر محصورة علی الأقوی.
مسألة 4 - یعتبر فی العین المستعارة کونها ممّا یمکن الانتفاع بها منفعةً محلّلةً مع بقاء عینها، کالعقارات والدوابّ والثیاب والکتب والأمتعة ونحوها، بل وفحل الضراب والهرّة والکلب للصید والحراسة وأشباه ذلک؛ فلا یجوز إعارة مالا منفعة محلّلة له کآلات اللهو؛ وکذا آنیة الذهب والفضّة، لاستعمالها فی المحرّم؛ وکذا مالاینتفع به إلّا بإتلافه، کالخبز والدهن والأشربة وأشباهها للأکل والشرب.
مسألة 5 - جواز إعارة الشاة للانتفاع بلبنها والبئر للاستقاء منها لایخلو من وجه وقوّة.
مسألة 6 - لایشترط تعیین العین المستعارة عند الإعارة، فلو قال: «أعرنی إحدی دوابّک» فقال: «خذ ما شئت منها» صحّت.
مسألة 7 - العین الّتی تعلّقت بها العاریة إن انحصرت جهة الانتفاع بها فی منفعة خاصّة - کالبساط للافتراش، واللحاف للتغطیة، والخیمة للاکتنان، وأشباه ذلک- لایلزم التعرّض لجهة الانتفاع بها عند إعارتها، وإن تعدّدت - کالأرض ینتفع بها للزرع والغرس والبناء، والدابّة للحمل والرکوب، ونحو ذلک - فإن کانت الإعارة لأجل منفعة أو منافع خاصّة من منافعها یجب التعرّض لها، واختصّت حلّیّة الانتفاع بما استعیرت لها، وإن کانت لأجل الانتفاع المطلق جاز التعمیم والتصریح بالعموم، وجاز الإطلاق، بأن یقول: «أعرتک هذه الدابّة»، فیجوز الانتفاع بکلّ منفعة مباحة منها. نعم، ربما یکون لبعض الانتفاعات خفاء لایندرج فی الإطلاق، ففی مثله لابدّ من التنصیص به أو التعمیم علی وجه یعمّه، وذلک کالدفن، فإنّه وإن کان من أحد وجوه الانتفاع من الأرض لکنّه لایعمّه الإطلاق.
مسألة 8 - العاریة جائزة من الطرفین؛ فللمعیر الرجوع متی شاء وللمستعیر الردّ کذلک. نعم، فی خصوص إعارة الأرض للدفن لم یجز بعد المواراة فیها الرجوع ونبش القبر علی الأحوط؛ وأمّا قبل ذلک فله الرجوع حتّی بعد وضع المیّت فی القبر قبل مواراته. ولیس علی المعیر اُجرة الحفر ومؤونته لو رجع بعده، کما أنّه لیس علی ولیّ المیّت طمّ الحفر بعد ما کان بإذن المعیر.
مسألة 9 - تبطل العاریة بموت المعیر، بل بزوال سلطنته بجنون ونحوه.
مسألة 10 - یجب علی المستعیر الاقتصار فی نوع المنفعة علی ما عیّنها المعیر؛ فلا یجوز له التعدیّ إلی غیرها ولو کان أدنی وأقلّ ضررا علی المعیر. وکذا یجب أن یقتصر فی کیفیّة الانتفاع علی ماجرت به العادة؛ فلوأعاره دابّة للحمل لا یحمّلها إلّا القدر المعتاد بالنسبة إلی ذلک الحیوان وذلک المحمول وذلک الزمان والمکان؛ فلو تعدّی نوعا أو کیفیّةً کان غاصبا وضامنا، وعلیه اُجرة ما استوفاه من المنفعة لو تعدّی نوعا، وأمّا لو تعدّی کیفیّةً فلا تبعد أن تکون علیه اُجرة الزیادة.
مسألة 11 - لو أعاره أرضا للبناء أو الغرس جاز له الرجوع، وله إلزام المستعیر بالقلع، لکن علیه الأرش. وکذا فی عاریتها للزرع إذا رجع قبل إدراکه، ویحتمل عدم استحقاق المعیر إلزام المستعیر بقلع الزرع لو رضی بالبقاء بالاُجرة، ویحتمل جواز الإلزام بلا أرش. والمسألة بشقوقها مشکلة جدّا، فلا یترک الاحتیاط فی أشباهها بالتصالح والتراضی. ومثل ذلک ما إذا أعار جذوعه للتسقیف ثمّ رجع بعد ما أثبتها المستعیر فی البناء.
مسألة 12 - العین المستعارة أمانة بید المستعیر، لایضمنها لو تلفت إلّا بالتعدّی أو التفریط. نعم، لو شرط الضمان ضمنها وإن لم یکن تعدّ وتفریط، کما أنّه لو کان العین ذهبا أو فضّةً ضمنها مطلقا إلّا أن یشترط السقوط.
مسألة 13 - لاتجوز للمستعیر إعارة العین المستعارة ولا إجارتها إلّا بإذن المالک، فتکون إعارته حینئذٍ فی الحقیقة إعارة المالک وهو وکیل ونائب عنه؛ فلو خرج المستعیر عن قابلیّة الإعارة بعد ذلک - کما إذا جنّ - بقیت العاریة الثانیة علی حالها.
مسألة 14 - لو تلفت العین بفعل المستعیر: فإن کان بسبب الاستعمال المأذون فیه من دون التعدّی عن المتعارف لیس علیه ضمان، وإن کان بسبب آخر ضمنها.
مسألة 15 - إنّما یبرأ المستعیر عن عهدة العین المستعارة بردّها إلی مالکها أو وکیله أو ولیّه. ولو ردّها إلی حرزها الّذی کانت فیه بلا ید من المالک ولا إذن منه لم یبرأ، کما إذا ردّ الدابّة إلی الإصطبل وربطها فیه بلا إذن من المالک فتلفت أو أتلفها متلف.
مسألة 16 - لو استعار عینا من الغاصب: فإن لم یعلم بغصبه کان قرار الضمان علی الغاصب، فإن تلفت فی ید المستعیر أو لا فی یده بعد وقوعها علیها فللمالک الرجوع بعوض ماله علی کلّ من الغاصب والمستعیر، فإن رجع علی المستعیر یرجع هو علی الغاصب، وإن رجع علی الغاصب لیس له الرجوع علی المستعیر؛ وکذلک بالنسبة إلی بدل ما استوفاه المستعیر من المنفعة وغیرها من المنافع الفائتة علی ضمانه، فإنّه لو رجع بها علی المستعیر یرجع هو علی الغاصب دون العکس؛ ولو کان عالما بالغصب لم یرجع علی الغاصب لو رجع المالک علیه، بل الأمر بالعکس، فیرجع الغاصب علیه لو رجع المالک علیه إذا تلفت فی ید المستعیر. ولا یجوز له أن یردّ العین إلی الغاصب بعد علمه بالغصبیّة، بل یجب ردّها إلی مالکها. - كتاب الوديعة
- كتاب المضاربة
كتاب المضاربة
وتسمّى قراضا. وهي عقد واقع بين شخصين على أن يكون رأس المال في التجارة من أحدهما والعمل من الآخر، ولو حصل ربح يكون بينهما. ولو جعل تمام الربح للمالك يقال له: البضاعة. وحيث إنّها عقد تحتاج إلى الإيجاب من المالك والقبول من العامل. ويكفي في الإيجاب كلّ لفظ يفيد هذا المعنى بالظهور العرفيّ، كقوله: «ضاربتك» أو «قارضتك» أو «عاملتك على كذا»، وفي القبول «قبلت» وشبهه.
مسألة 1 - يشترط في المتعاقدين البلوغ والعقل والاختيار؛ وفي ربّ المال عدم الحجر لفلس؛ وفي العامل القدرة على التجارة برأس المال، فلو كان عاجزا مطلقا بطلت، ومع العجز في بعضه لاتبعد الصحّة بالنسبة على إشكال. نعم، لو طرأ في أثناء التجارة تبطل من حين طروّه بالنسبة إلى الجميع لو عجز مطلقا، وإلى البعض لو عجز عنه على الأقوى؛ وفي رأس المال أن يكون عينا، فلا تصحّ بالمنفعة ولا بالدين، سواء كان على العامل أو غيره إلّا بعد قبضه؛ وأن يكون درهما ودينارا، فلا تصحّ بالذهب والفضّة غير المسكوكين والسبائك والعروض. نعم، جوازها بمثل الأوراق النقديّة ونحوها من الأثمان غير الذهب والفضّة لايخلو من قوّة، وكذا في الفلوس السود؛ وأن يكون معيّنا، فلا تصحّ بالمبهم، كأن يقول: «قارضتك بأحد هذين أو بأيّهما شئت»؛ وأن يكون معلوما قدرا ووصفا؛ وفي الربح أن يكون معلوما، فلو قال: «إنّ لك مثل ما شرط فلان لعامله» ولم يعلماه بطلت؛ وأن يكون مشاعا مقدّرا بأحد الكسور كالنصف أو الثلث، فلو قال: «على أنّ لك من الربح مائة والباقي لي» أو بالعكس أو «لك نصف الربح وعشرة دراهم مثلا» لم تصحّ؛ وأن يكون بين المالك والعامل لايشاركهما الغير، فلو جعلا جزءا منه لأجنبيّ بطلت إلّا أن يكون له عمل متعلّق بالتجارة.
مسألة ۲ - يشترط أن يكون الاسترباح بالتجارة، فلو دفع إلى الزارع مالا ليصرفه في الزراعة ويكون الحاصل بينهما أو إلى الصانع ليصرفه في حرفته ويكون الفائدة بينهما لم يصحّ ولم يقع مضاربة.
مسألة ۳ - الدراهم المغشوشة إن كانت رائجةً مع كونها كذلك تجوز المضاربة بها، ولا يعتبر الخلوص فيها. نعم، لو كانت قلبا يجب كسرها ولم تجز المعاملة بها لم تصحّ.
مسألة 4 - لو كان له دين على شخص يجوز أن يوكّل أحدا في استيفائه ثمّ إيقاع المضاربة عليه موجبا وقابلا من الطرفين. وكذا لو كان المديون هو العامل يجوز توكيله في تعيين ما في ذمّته في نقدمعيّن للدائن ثمّ إيقاعهاعليه موجباوقابلا.
مسألة 5 - لو دفع إليه عروضا وقال: «بعها ويكون ثمنها مضاربة» لم تصحّ إلّا إذا أوقع عقدها بعد ذلك على ثمنها.
مسألة 6 - لو دفع إليه شبكة على أن يكون ما وقع فيها من السمك بينهما بالتنصيف - مثلا - لم يكن مضاربةً، بل هي معاملة فاسدة، فما وقع فيها من الصيد للصائد بمقدار حصّته الّتي قصدها لنفسه، وما قصده لغيره فمالكيّته له محلّ إشكال، ويحتمل بقاؤه على إباحته، وعليه اُجرة مثل الشبكة.
مسألة 7 - لو دفع إليه مالاً ليشتري نخيلا أو أغناما على أن تكون الثمرة والنتاج بينهما لم يكن مضاربةً، فهي معاملة فاسدة تكون الثمرة والنتاج لربّ المال، وعليه اُجرة مثل عمل العامل.
مسألة 8 - تصحّ المضاربة بالمشاع كالمفروز، فلو كانت دراهم معلومة مشتركة بين اثنين فقال أحدهما للعامل: «قارضتك بحصّتي من هذه الدراهم» صحّ مع العلم بمقدار حصّته، وكذا لو كان عنده ألف دينار - مثلا - وقال: «قارضتك بنصف هذه الدنانير».
مسألة 9 - لافرق بين أن يقول: «خذ هذا المال قراضا ولكلّ منّا نصف الربح» وأن يقول: «... والربح بيننا» أو يقول: «... ولك نصف الربح» أو «... لي نصف الربح» في أنّ الظاهر أنّه جعل لكلّ منهما نصف الربح. وكذلك لافرق بين أن يقول: «خذه قراضا ولك نصف ربحه» أو يقول: «... لك ربح نصفه»، فإنّ مفاد الجميع واحد عرفا.
مسألة 10 - يجوز اتّحاد المالك وتعدّد العامل في مال واحد مع اشتراط تساويهما في ما يستحقّان مع الربح وفضل أحدهما على الآخر وإن تساويا في العمل. ولو قال: «قارضتكما ولكما نصف الربح» كانا فيه سواء. وكذا يجوز تعدّد المالك واتّحاد العامل، بأن كان المال مشتركا بين اثنين فقارضا واحدا بالنصف - مثلا - متساويا بينهما، بأن يكون النصف للعامل والنصف بينهما بالسويّة وبالاختلاف، بأن يكون في حصّة أحدهما بالنصف وفي حصّة الآخر بالثلث مثلا، فإذا كان الربح اثني عشر استحقّ العامل خمسة وأحد الشريكين ثلاثة والآخر أربعة. نعم، إذا لم يكن اختلاف في استحقاق العامل بالنسبة إلى حصّة الشريكين وكان التفاضل في حصّة الشريكين فقط كما إذا اشترط أن يكون للعامل النصف والنصف الآخر بينهما بالتفاضل مع تساويهما في رأس المال بأن يكون للعامل الستّة من اثني عشر ولأحد الشريكين اثنين وللآخر أربعة، ففي (1) صحّته وجهان بل قولان، أقواهما البطلان.
مسألة 11 - المضاربة جائزة من الطرفين، يجوز لكلّ منهما فسخها قبل الشروع في العمل وبعده، قبل حصول الربح وبعده، صار المال كلّه نقدا أو كان فيه أجناس لم تنضّ بعد؛ بل لو اشترطا فيها الأجل جاز لكلّ منهما فسخها قبل انقضائه. ولو اشترطا فيها عدم الفسخ: فإن كان المقصود لزومها بحيث لاتنفسخ بفسخ أحدهما - بأن جعل ذلك كنايةً عن لزومها مع ذكر قرينة دالّة عليه - بطل الشرط دون أصل المضاربة على الأقوى، وإن كان المقصود التزامهما بأن لايفسخاها فلا بأس به، ولا يبعد لزوم العمل عليهما؛ وكذلك لو شرطاه في ضمن عقد جائز ما لم يفسخ، وأمّا لو جعلا هذا الشرط في ضمن عقد خارج لازم - كالبيع والصلح ونحوهما - فلا إشكال في لزوم العمل به.
مسألة 12 - الظاهر جريان المعاطاة والفضوليّة في المضاربة، فتصحّ بالمعاطاة. ولو وقعت فضولا من طرف المالك أو العامل تصحّ بإجازتهما.
مسألة 13 - تبطل المضاربة بموت كلّ من المالك والعامل. وهل يجوز لورثة المالك إجازة العقد فتبقى بحالها بإجازتهم أم لا؟ الأقوى عدم الجواز.
مسألة 14 - العامل أمين، فلا ضمان عليه لو تلف المال أو تعيّب تحت يده إلّا مع التعدّي أو التفريط. كما أنّه لاضمان عليه من جهة الخسارة في التجارة، بل هي واردة على صاحب المال. ولو اشترط المالك على العامل أن يكون شريكا معه في الخسارة كما هو شريك في الربح ففي صحّته وجهان، أقواهما العدم. نعم، لو كان مرجعه إلى اشتراط أنّه على تقدير وقوع الخسارة على المالك خسر العامل نصفه -مثلا- من كيسه لا بأس به، ولزم العمل به لو وقع في ضمن عقد لازم، بل لايبعد لزوم الوفاء به ولو كان في ضمن عقد جائز مادام باقيا. نعم، له فسخه ورفع موضوعه، كما أنّه لا بأس بالشرط - على وجه غير بعيد - لو كان مرجعه إلى انتقال الخسارة إلى عهدته بعد حصولها في ملكه بنحو شرط النتيجة.
مسألة 15 - يجب على العامل - بعد عقد المضاربة - القيام بوظيفته: من تولّي ما يتولّاه التاجر لنفسه على المعتاد بالنسبة إلى مثل تلك التجارة في مثل ذلك المكان والزمان ومثل ذلك العامل: من عرض القماش والنشر والطيّ مثلا، وقبض الثمن، وإحرازه في حرزه، واستيجار ما جرت العادة باستيجاره، كالدلاّل والوزّان والحمّال؛ ويعطي اُجرتهم من أصل المال، بل لو باشر مثل هذه الاُمور هو بنفسه لا بقصد التبرّع فالظاهر جواز أخذ الاُجرة. نعم، لو استأجر لما يتعارف فيه مباشرة العامل بنفسه كانت عليه الاُجرة.
مسألة 16 - مع إطلاق عقد المضاربة يجوز للعامل الاتّجار بالمال على ما يراه من المصلحة، من حيث الجنس المشترى والبائع والمشتري وغير ذلك حتّى في الثمن، فلا يتعيّن عليه أن يبيع بالنقود، بل يجوز أن يبيع الجنس بجنس آخر، إلّا أن يكون هناك تعارفٌ ينصرف إليه الإطلاق. ولو شرط عليه المالك أن لا يشتري الجنس الفلانيّ أو إلّا الجنس الفلانيّ أو لا يبيع من الشخص الفلانيّ أو الطائفة الفلانيّة وغير ذلك من الشروط لم يجز له المخالفة. ولو خالف ضمن المال والخسارة، لكن لو حصل الربح وكانت التجارة رابحةً شارك المالك في الربح على ما قرّراه في عقد المضاربة.
مسألة 17 - لايجوز للعامل خلط رأس المال بمال آخر لنفسه أو لغيره، إلّا بإذن المالك عموما أو خصوصا؛ فلو خلط ضمن المال والخسارة، لكن لو اتّجر بالمجموع وحصل ربح فهو بين المالين على النسبة.
مسألة 18 - لايجوز مع الإطلاق أن يبيع نسيئةً، خصوصا في بعض الأزمان وعلى بعض الأشخاص، إلّا أن يكون متعارفا بين التجّار - ولو في ذلك البلد أو الجنس الفلانيّ - بحيث ينصرف إليه الإطلاق؛ فلو خالف في غير مورد الانصراف ضمن، لكن لو استوفاه وحصل ربح كان بينهما.
مسألة 19 - ليس للعامل أن يسافر بالمال - برّا وبحرا - والاتّجار به في بلاد اُخر غير بلد المال، إلّا مع إذن المالك ولو بالانصراف لأجل التعارف؛ فلو سافر به ضمن التلف والخسارة، لكن لو حصل ربح يكون بينهما؛ وكذا لو أمره بالسفر إلى جهة فسافر إلى غيرها.
مسألة 20 - ليس للعامل أن ينفق في الحضر من مال القراض وإن قلّ حتّى فلوس السقّاء؛ وكذا في السفر إذا لم يكن بإذن المالك، وأمّا لو كان بإذنه فله الإنفاق من رأس المال، إلّا إذا اشترط المالك أن تكون النفقة على نفسه. والمراد بالنفقة ما يحتاج إليه: من مأكول ومشروب وملبوس ومركوب وآلات وأدوات -كالقربة والجوالق- واُجرة المسكن ونحو ذلك مع مراعاة ما يليق بحاله عادة على وجه الاقتصاد؛ فلو أسرف حسب عليه، ولو قتّر على نفسه أو لم يحتج إليها من جهة صيرورته ضيفا - مثلا - لم يُحسب له. ولا تكون من النفقة هنا جوائزه وعطاياه وضيافاته وغير ذلك، فهي على نفسه إلّا إذا كانت لمصلحة التجارة.
مسألة 21 - المراد بالسفر المجوّز للإنفاق من المال هو العرفيّ لا الشرعيّ، فيشمل ما دون المسافة، كما أنّه يشمل أيّام إقامته عشرة أيّام أو أزيد في بعض البلاد إذا كانت لأجل عوارض السفر، كما إذا كانت للراحة من التعب أو لانتظار الرفقة أو خوف الطريق وغير ذلك، أو لاُمور متعلّقة بالتجارة كدفع العشور وأخذ جواز السفر. وأمّا لو بقي للتفرّج أو لتحصيل مال لنفسه ونحو ذلك فالظاهر كون نفقته على نفسه إذا كانت الإقامة لأجل مثل هذه الأغراض بعد تمام العمل. وأمّا قبله فإن كان بقاؤه لإتمامه وغرض آخر فلا يبعد التوزيع بالنسبة إليهما، والأحوط احتسابها على نفسه؛ وإن لم يتوقّف الإتمام على البقاء وإنّما بقي لغرض آخر فنفقة البقاء على نفسه، ونفقة الرجوع على مال القراض لو سافر للتجارة به وإن عرض في الأثناء غرض آخر، وإن كان الأحوط التوزيع في هذه الصورة، وأحوط منه الاحتساب على نفسه.
مسألة 22 - لو كان عاملا لاثنين أو أزيد أو عاملا لنفسه وغيره توزّع النفقة. وهل هو على نسبة المالين أو نسبة العملين؟ فيه تأمّل وإشكال، فلا يترك الاحتياط برعاية أقلّ الأمرين إذا كان عاملا لنفسه وغيره، والتخلّص بالتصالح بينهما ومعهما إذا كان عاملا لاثنين مثلا.
مسألة 23 - لايعتبر ظهور الربح في استحقاق النفقة، بل ينفق من أصل المال وإن لم يكن ربح. نعم، لو أنفق وحصل الربح في ما بعد يجبر ما أنفقه من رأس المال بالربح كسائر الغرامات والخسارات، فيعطي المالك تمام رأس ماله فإن بقي شي ء يكون بينهما.
مسألة 24 - الظاهر أنّه يجوز للعامل الشراء بعين مال المضاربة، بأن يعيّن دراهم شخصيّة ويشتري بها شيئا؛ كما يجوز الشراء بالكلّيّ في الذمّة والدفع والأداء منه، بأن يشتري جنسا بألف درهم كلّيّ على ذمّة المالك ودفعه بعد ذلك من المال الّذي عنده؛ ولو تلف مال المضاربة قبل الأداء لم يجب على المالك الأداء من غيره، لعدم الإذن على هذا الوجه، وما هو لازم عقد المضاربة هو الإذن بالشراء كلّيّا متقيّدا بالأداء من مال المضاربة، لأنّه من الاتّجار بالمال عرفا. نعم، للعامل أن يعيّن دراهم شخصيّة ويشتري بها وإن كان غير متعارف في المعاملات، لكّنه مأذون فيه قطعا وأحد مصاديق الاتّجار بالمال. هذا مع الإطلاق، وأمّا مع اشتراط نحو خاصّ فيتّبع ما اشترط عليه.
مسألة 25 - لايجوز للعامل أن يوكّل غيره في الاتّجار - بأن يوكل إليه أصل التجارة - من دون إذن المالك. نعم، يجوز له التوكيل والاستيجار في بعض المقدّمات، بل وفي إيقاع بعض المعاملات الّتي تعارف إيكالها إلى الدلّال. وكذلك لايجوز له أن يضارب غيره أو يشاركه فيها إلّا بإذن المالك. ومع الإذن إذا ضارب غيره يكون مرجعه إلى فسخ المضاربة الاُولى وإيقاع مضاربة جديدة بين المالك وعامل آخر أو بينه وبين العامل مع غيره بالاشتراك؛ وأمّا لو كان المقصود إيقاع مضاربة بين العامل وغيره - بأن يكون العامل الثاني عاملا للعامل الأوّل- فالأقوى عدم الصحّة.
مسألة 26 - الظاهر أنّه يصحّ أن يشترط أحدهما على الآخر في ضمن عقد المضاربة مالا أو عملا، كما إذا شرط المالك على العامل أن يخيط له ثوبا أو يعطيه درهما وبالعكس.
مسألة 27 - الظاهر أنّه يملك العامل حصّته من الربح بمجرّد ظهوره ولا يتوقّف على الإنضاض - بمعنى جعل الجنس نقدا - ولا على القسمة. كما أنّ الظاهر صيرورته شريكا مع المالك في نفس العين الموجودة بالنسبة، فيصحّ له مطالبة القسمة، وله التصرّف في حصّته من البيع والصلح، ويترتّب عليه جميع آثار الملكيّة: من الإرث وتعلّق الخمس والزكاة وحصول الاستطاعةوتعلّق حقّ الغرماءوغيرذلك.
مسألة 28 - لاإشكال في أنّ الخسارة الواردة على مال المضاربة تجبر بالربح ما دامت المضاربة باقيةً، سواء كانت سابقةً عليه أو لاحقةً؛ فملكيّة العامل له بالظهور متزلزلة تزول كلّها أو بعضها بعروض الخسران إلى أن تستقرّ. والاستقرار يحصل بعد الإنضاض وفسخ المضاربة والقسمة قطعا، فلا جبران بعد ذلك. وفي حصوله بدون اجتماع الثلاثة وجوه وأقوال، أقواها تحقّقه بالفسخ مع القسمة وإن لم يحصل الإنضاض، بل لايبعد تحقّقه بالفسخ والإنضاض وإن لم يحصل القسمة، بل تحقّقه بالفسخ فقط أو بتمام أمدها لو كان لها أمد لا يخلو من وجه.
مسألة 29 - كما يجبر الخسران في التجارة بالربح كذلك يجبر به التلف، سواء كان بعد الدوران في التجارة أو قبله أو قبل الشروع فيها، وسواء تلف بعضه أو كلّه؛ فلو اشترى في الذمّة بألف وكان رأس المال ألفا فتلف فباع المبيع بألفين فأدّى الألف بقي الألف الآخر جبرا لرأس المال. نعم، لو تلف الكلّ قبل الشروع في التجارة بطلت المضاربة، إلّا مع التلف بالضمان مع إمكان الوصول.
مسألة 30 - لو حصل فسخ أو انفساخ في المضاربة: فإن كان قبل الشروع في العمل ومقدّماته فلا إشكال، ولا شي ء للعامل ولا عليه. وكذا إن كان بعد تمام العمل والإنضاض، إذ مع حصول الربح يقتسمانه، ومع عدمه يأخذ المالك رأس ماله، ولا شي ء للعامل ولا عليه. وإن كان في الأثناء بعد التشاغل بالعمل: فإن كان قبل حصول الربح ليس للعامل شي ء ولا اُجرة له لما مضى من عمله، سواء كان الفسخ منه أو من المالك أو حصل الانفساخ قهرا؛ كما أنّه ليس عليه شي ء حتّى في ما إذا حصل الفسخ منه في السفر المأذون فيه من المالك، فلا يضمن ما صرفه في نفقته من رأس المال؛ ولو كان في المال عروض لايجوز للعامل التصرّف فيه بدون إذن المالك، كما أنّه ليس للمالك إلزامه بالبيع والإنضاض. وإن كان بعد حصول الربح: فإن كان بعد الإنضاض فقد تمّ العمل، فيقتسمان ويأخذ كلّ منهما حقّه، وإن كان قبل الإنضاض فعلى ما مرّ من تملّك العامل حصّته من الربح بمجرّد ظهوره شارك المالك في العين، فإن رضيا بالقسمة على هذا الحال أو انتظرا إلى أن تباع العروض ويحصل الإنضاض كان لهما ولا إشكال. وإن طلب العامل بيعها لم يجب على المالك إجابته؛ وكذا إن طلبه المالك لم يجب على العامل إجابته وإن قلنا بعدم استقرار ملكيّته للربح إلّا بعد الإنضاض، غاية الأمر حينئذٍ لو حصلت خسارة بعد ذلك قبل القسمة يجب جبرها بالربح، لكن قد مرّ المناط في استقرار ملك العامل.
مسألة 31 - لو كان في المال ديون على الناس فهل يجب على العامل أخذها وجمعها بعد الفسخ أو الانفساخ أم لا؟ الأشبه عدمه، خصوصا إذا استند الفسخ إلى غير العامل، لكن لاينبغي ترك الاحتياط، خصوصا مع فسخه وطلب المالك منه.
مسألة 32 - لا يجب على العامل بعد حصول الفسخ أو الانفساخ أزيد من التخلية بين المالك وماله، فلايجب عليه الإيصال إليه حتّى لو أرسل المال إلى بلد آخر غير بلد المالك وكان ذلك بإذنه؛ ولو كان بدون إذنه يجب عليه الردّ إليه حتّى أنّه لو احتاج إلى اُجرة كانت عليه.
مسألة 33 - لو كانت المضاربة فاسدةً كان الربح بتمامه للمالك إن لم يكن إذنه في التجارة متقيّدا بالمضاربة، وإلّا تتوقّف على إجازته، وبعد الإجازة يكون الربح له، سواء كانا جاهلين بالفساد أو عالمين أو مختلفين. وللعامل اُجرة مثل عمله لو كان جاهلا بالفساد، سواء كان المالك عالما به أو جاهلا؛ بل لو كان عالما بالفساد فاستحقاقه لاُجرة المثل أيضا لايخلو من وجه إذا حصل ربح بمقدار كان سهمه على فرض الصحّة مساويا لاُجرة المثل أو أزيد. وأمّا مع عدم الربح أو نقصان سهمه عنها فمع علمه بالفساد لايبعد عدم استحقاقه على الأوّل، وعدم استحقاق الزيادة عن مقدار سهمه على الثاني، ومع جهله به فالأحوط التصالح، بل لايترك الاحتياط به مطلقا. وعلى كلّ حال لايضمن العامل التلف والنقص الواردين على المال. نعم، يضمن على الأقوى ما أنفقه في السفر على نفسه وإن كان جاهلا بالفساد.
مسألة 34 - لو ضارب بمال الغير من دون وكالة ولا ولاية وقع فضوليّا: فإن أجازه المالك وقع له، وكان الخسران عليه، والربح بينه وبين العامل على ما شرطاه؛ وإن ردّه فإن كان قبل أن يعامل بماله طالبه، ويجب على العامل ردّه إليه، وإن تلف أو تعيّب كان له الرجوع على كلّ من المضارب والعامل، فإن رجع على الأوّل لم يرجع هو على الثاني، وإن رجع على الثاني رجع هو على الأوّل. هذا إذا لم يعلم العامل بالحال؛ وإلّا يكون قرار الضمان على من تلف أو تعيّب عنده، فينعكس الأمر في المفروض. وإن كان بعد أن عومل به كانت المعاملة فضوليّة: فإن أمضاها وقعت له، وكان تمام الربح له وتمام الخسران عليه، وإن ردّها رجع بماله إلى كلّ من شاء من المضارب والعامل كما في صورة التلف، ويجوز له أن يجيزها على تقدير حصول الربح، ويردّها على تقدير الخسران، بأن يلاحظ مصلحته، فإن رآها رابحةً أجازها وإلّا ردّها. هذا حال المالك مع كلّ من المضارب والعامل. وأمّا معاملة العامل مع المضارب فإن لم يعمل عملا لم يستحقّ شيئا، وكذا إذا عمل وكان عالما بكون المال لغير المضارب. وأمّا لو عمل ولم يعلم بكونه لغيره استحقّ اُجرة مثل عمله، ورجع بها على المضارب.
مسألة 35 - لو أخذ العامل رأس المال ليس له ترك الاتّجار به وتعطيله عنده بمقدار لم تجر العادة عليه وعدّ متوانيا متسامحا؛ فإن عطّله كذلك ضمنه لو تلف، لكن لم يستحقّ المالك غير أصل المال، وليس له مطالبة الربح الّذي كان يحصل على تقدير الاتّجار به.
مسألة 36 - لو اشترى نسيئةً بإذن المالك كان الدين في ذمّة المالك، فللدائن الرجوع عليه، وله أن يرجع على العامل خصوصا مع جهله بالحال، وإذا رجع عليه رجع هو على المالك. ولو لم يتبيّن للدائن أنّ الشراء للغير يتعيّن له في الظاهر الرجوع على العامل وإن كان له في الواقع الرجوع على المالك.
مسألة 37 - لو ضاربه بخمسمائة - مثلا - فدفعها إليه وعامل بها وفي أثناء التجارة دفع إليه خمسمائة اُخرى للمضاربة فالظاهر أنّهما مضاربتان، فلا تجبر خسارة إحداهما بربح الاُخرى. ولوضاربه على ألف - مثلا - فدفع خمسمائةفعامل بها ثمّ دفع إليه خمسمائةاُخرى فهي مضاربة واحدة تجبرخسارةكلّ بربح الاُخرى.
مسألة 38 - لو كان رأس المال مشتركا بين اثنين فضاربا شخصا ثمّ فسخ أحد الشريكين تنفسخ بالنسبة إلى حصّته، وأمّا بالنسبة إلى حصّة الآخر فمحلّ إشكال.
مسألة 39 - لو تنازع المالك مع العامل في مقدار رأس المال ولم تكن بيّنة قدّم قول العامل، سواء كان المال موجودا أو تالفا ومضمونا عليه. هذا إذا لم يرجع نزاعهما إلى مقدار نصيب العامل من الربح، وإلّا ففيه تفصيل.
مسألة 40 - لو ادّعى العامل التلف أو الخسارة أو عدم حصول المطالبات مع عدم كون ذلك مضمونا عليه وادّعى المالك خلافه ولم تكن بيّنة قدّم قول العامل.
مسألة 41 - لو اختلفا في الربح ولم تكن بيّنة قدّم قول العامل، سواء اختلفا في أصل حصوله أو في مقداره؛ بل وكذا الحال لو قال العامل: ربحت كذا لكن خسرت بعد ذلك بمقداره فذهب الربح.
مسألة 42 - لو اختلفا في نصيب العامل من الربح وأنّه النصف - مثلا - أو الثلث ولم تكن بيّنة قدّم قول المالك.
مسألة 43 - لو تلف المال أو وقع خسران فادّعى المالك على العامل الخيانة أو التفريط في الحفظ ولم تكن له بيّنة قدّم قول العامل. وكذا لو ادّعى عليه الاشتراط أو مخالفته لما شرط عليه، كما لو ادّعى أنّه قد اشترط عليه أن لايشتري الجنس الفلانيّ وقد اشتراه فخسر وأنكر العامل أصل هذا الاشتراط أو أنكر مخالفته لما اشترط عليه. نعم، لو كان النزاع في صدور الإذن من المالك في ما لايجوز للعامل إلّا بإذنه كما لو سافر بالمال أو باع نسيئةً فتلف أو خسر فادّعى العامل كونه بإذنه وأنكره قدّم قول المالك.
مسألة 44 - لو ادّعى ردّ المال إلى المالك وأنكره قدّم قول المنكر.
مسألة 45 - لو اشترى العامل سلعةً فظهر فيها ربح فقال: «اشتريتها لنفسي» وقال المالك: «اشتريته للقراض» أو ظهر خسران فادّعى العامل أنّه اشتراها للقراض وقال صاحب المال: «اشتريتها لنفسك» قدّم قول العامل بيمينه.
مسألة 46 - لو حصل تلف أو خسارة فادّعى المالك أنّه أقرضه وادّعى العامل أنّه قارضه يحتمل التحالف بلحاظ محطّ الدعوى، ويحتمل تقديم قول العامل بلحاظ مرجعها. ولو حصل ربح فادّعى المالك قراضا والعامل إقراضا يحتمل التحالف أيضا بلحاظ محطّها، وتقديم قول المالك بلحاظ مرجعها، ولعلّ الثاني في الصورتين أقرب.
مسألة 47 - لو ادّعى المالك أنّه أعطاه المال بعنوان البضاعة فلا يستحقّ العامل شيئا من الربح وادّعى العامل المضاربة فله حصّة منه فالظاهر أنّه يقدّم قول المالك بيمينه، فيحلف على نفي المضاربة، فله تمام الربح لو كان. واحتمال التحالف هنا ضعيف.
مسألة 48 - يجوز إيقاع الجعالة على الاتّجار بمال وجعل الجعل حصّةً من الربح، بأن يقول: «إن اتّجرت بهذا المال وحصل ربح فلك نصفه أو ثلثه»، فتكون جعالةً تفيد فائدة المضاربة، لكن لايشترط فيها ما يشترط في المضاربة، فلا يعتبر كون رأس المال من النقود، بل يجوز أن يكون عروضا أو دينا أو منفعةً.
مسألة 49 - يجوز للأب والجدّ المضاربة بمال الصغير مع عدم المفسدة، لكن لاينبغي لهما ترك الاحتياط بمراعاة المصلحة. وكذا يجوز للقيّم الشرعيّ كالوصيّ والحاكم الشرعيّ مع الأمن من الهلاك وملاحظة الغبطة والمصلحة؛ بل يجوز للوصيّ على ثلث الميّت أن يدفعه مضاربةً وصرف حصّته من الربح في المصارف المعيّنة للثلث إذا أوصى به الميّت، بل وإن لم يوص به لكن فوّض أمر الثلث إلى نظر الوصيّ فرأى الصلاح في ذلك.
مسألة 50 - لو مات العامل وكان عنده مال المضاربة: فإن علم بوجوده في ماتركه بعينه فلا إشكال، وإن علم به فيه من غير تعيين بأن كان ما تركه مشتملا عليه وعلى مال نفسه أو كان عنده أيضا ودائع أو بضائع للآخرين واشتبه بعضها مع بعض يعامل معه ما هو العلاج في نظائره من اشتباه أموال متعدّدين. وهل هو بإعمال القرعة، أو إيقاع التصالح، أو التقسيم بينهم على نسبة أموالهم؟ وجوه، أقواها القرعة، وأحوطها التصالح. نعم، لو كان للميّت ديّان وعنده مال مضاربة ولم يعلم أنّه بعينه لفلان فهو اُسوة الغرماء. وكذا الحال لو علم المال جنسا وقدرا واشتبه بين أموال من جنسه له أو لغيره من غير امتزاج فالأقوى فيه القرعة أيضا، خصوصا إذا كانت الأجناس مختلفةً في الجودة والرداءة؛ ومع الامتزاج كان المجموع مشتركا بين أربابه بالنسبة. ولو علم بعدم وجوده فيها واحتمل أنّه قد ردّه إلى مالكه أو تلف بتفريط منه أو بغيره فالظاهر أنّه لم يحكم على الميّت بالضمان وكان الجميع لورثته. وكذا لو احتمل بقاؤه فيها. ولو علم بأنّ مقدارا من مال المضاربة قد كان قبل موته داخلا في هذه الأجناس الباقية الّتي قد تركها ولم يعلم أنّه هل بقي فيها أو ردّه إلى المالك أو تلف ففيه إشكال وإن كانت مورّثيّةالأموال لاتخلومن قوّة،والأحوط الإخراج منها مع عدم قاصر في الورثة.
1- الصحيح: «اثنان». - كتاب الشركة
- كتاب المزارعة
کتاب المزارعة
وهی المعاملة علی أن تزرع الأرض بحصّة من حاصلها. وهی عقد یحتاج إلی إیجابٍ من صاحب الأرض، وهو کلّ لفظ أفاد إنشاء هذا المعنی - کقوله «زارعتک» أو «سلّمت إلیک الأرض مدّة کذا علی أن تزرعها علی کذا» وأمثال ذلک - وقبولٍ من الزارع بلفظ أفاد ذلک کسائر العقود. والظاهر کفایة القبول الفعلیّ بعد الإیجاب القولیّ، بأن یتسلّم الأرض بهذا القصد. ولا یعتبر فی عقدها العربیّة، فیقع بکلّ لغة. ولا یبعد جریان المعاطاة فیها بعد تعیین ما یلزم تعیینه.
مسألة 1 - یعتبر فیها زائدا علی ما اعتبر فی المتعاقدین - من البلوغ، والعقل، والقصد، والاختیار، والرشد، وعدم الحجر لفلس إن کان تصرّفه مالیّا، دون غیره کالزارع إذا کان منه العمل فقط - اُمور:
أحدها: جعل الحاصل مشاعا بینهما، فلو جعل الکلّ لأحدهما أو بعضه الخاصّ - کالّذی یحصل متقدّما أو الّذی یحصل من القطعة الفلانیّة - لأحدهما والآخر للآخر لم یصحّ.
ثانیها: تعیین حصّة الزارع بمثل النصف أو الثلث أو الربع ونحو ذلک.
ثالثها: تعیین المدّة بالأشهر أو السنین. ولو اقتصر علی ذکر المزروع فی سنة واحدة ففی الاکتفاء به عن تعیین المدّة وجهان، أوجههما الأوّل لکن فی ما إذإ؛«» ظظ عیّن مبدأ الشروع فی الزرع. وإذا عیّن المدّة بالزمان لابدّ أن یکون مدّةً یدرک فیها الزرع بحسب العادة، فلا تکفی المدّة القلیلة الّتی تقصر عن إدراکه.
رابعها: أن تکون الأرض قابلةًللزرع ولوبالعلاج والإصلاح وطمّ الحفر وحفر النهر ونحو ذلک؛ فلو کانت سبخةً لاتقبل للزرع أو لم یکن لها ماء ولا یکفیه ماء السماء ولا یمکن تحصیل الماء له ولو بمثل حفر النهر أو البئر أو الشراء لم یصحّ.
خامسها: تعیین المزروع، من أنّه حنطة أو شعیر أو غیرهما مع اختلاف الأغراض فیه. ویکفی فیه تعارف یوجب الانصراف. ولو صرّح بالتعمیم صحّ، فیتخیّر الزارع بین أنواعه.
سادسها: تعیین الأرض؛ فلو زارعه علی قطعة من هذه القطعات أو مزرعة من هذه المزارع بطل. نعم، لو عیّن قطعةً معیّنةً من الأرض الّتی لم تختلف أجزاؤها وقال: «زارعتک علی جریب من هذه القطعة» علی النحو الکلّیّ فی المعیّن فالظاهر الصحّة، ویکون التخییر فی تعیینه لصاحب الأرض.
سابعها: أن یعیّنا کون البذر وسائرالمصارف علی أیّ منهما إن لم یکن تعارفٌ.
مسألة 2 - لایعتبر فی المزارعة کون الأرض ملکا للمزارع، بل یکفی کونه مالکا لمنفعتها أو انتفاعها بالإجارة ونحوها مع عدم اشتراط الانتفاع بنفسه مباشرةً، أو أخذها من مالکها بعنوان المزارعة، أو کانت أرضا خراجیّةً وقد تقبّلها من السلطان أو غیره مع عدم الاشتراط المتقدّم. ولو لم یکن له فیها حقّ ولا علیها سلطنة أصلا کالموات لم تصحّ مزارعتها وإن أمکن أن یتشارک مع غیره فی زرعها وحاصلها مع الاشتراک فی البذر، لکنّه لیس من المزارعة.
مسألة 3 - إذا أذن مالک الأرض أو المزرعة إذنا عامّا بأنّ کلّ من زرع ذلک فله نصف الحاصل - مثلا - فأقدم شخص علیه استحقّ المالک حصّته.
مسألة 4 - لو اشترطا أن یکون الحاصل بینهما بعد إخراج الخراج أو بعد إخراج البذر لباذله أو ما یصرف فی تعمیر الأرض لصارفه: فإن اطمأنّا ببقاء شی ء بعد ذلک من الحاصل لیکون بینهما صحّ، وإلّا بطل.
مسألة 5 - لو انقضت المدّة المعیّنة ولم یدرک الزرع لم یستحقّ الزارع إبقاءه ولو بالاُجرة، بل للمالک الأمر بإزالته من دون أرش، وله إبقاؤه مجّانا أو مع الاُجرة إن رضی الزارع بها.
مسألة 6 - لو ترک الزارع الزرع حتّی انقضت المدّة فهل یضمن اُجرة المثل أو مایعادل حصّة المالک بحسب التخمین أو لا یضمن شیئا؟ وجوه، أوجهها ضمان اُجرةالمثل فی ما إذا کانت الأرض تحت یده وترک الزراعة بتفریط منه، وفی غیره عدم الضمان، والأحوط التراضی والتصالح. هذا إذا لم یکن ترکها لعذرعامّ کالثلوج الخارقة أو صیرورة المحلّ معسکرا أو مسبعةً ونحوها، وإلّا انفسخت المزارعة.
مسألة 7 - لو زارع علی أرض ثمّ تبیّن للزارع أنّه لا ماء لها فعلا لکن أمکن تحصیله بحفر بئر ونحوه صحّت، لکن للعامل خیار الفسخ. وکذا لو تبیّن کون الأرض غیر صالحة للزراعة إلّا بالعلاج التامّ، کما إذا کان الماء مستولیا علیها ویمکن قطعه. نعم، لو تبیّن أنّه لا ماء لها فعلا ولا یمکن تحصیله أو کانت مشغولةً بمانع لا یمکن إزالته ولا یرجی زواله بطل.
مسألة 8 - لو عیّن المالک نوعا من الزرع کالحنطة - مثلا - فزرع غیره ببذره: فإن کان التعیین علی وجه الشرطیّة فی ضمن عقد المزارعة کان له الخیار بین الفسخ والإمضاء، فإن أمضاه أخذ حصّته، وإن فسخ کان الزرع للزارع وعلیه للمالک اُجرة الأرض. وأمّا إذا کان علی وجه القیدیّة فله علیه اُجرة الأرض وأرش نقصها علی فرضه.
مسألة 9 - الظاهر صحّة جعل الأرض والعمل من أحدهما والبذر والعوامل من الآخر، أو واحد منها من أحدهما والبقیّة من الآخر، بل الظاهر صحّة الاشتراک فی الکلّ. ولابدّ من تعیین ذلک حین العقد، إلّا إذا کان هناک معتاد یغنی عنه. والظاهر عدم لزوم کون المزارعة بین الاثنین، فیجوز أن تجعل الأرض من أحدهم والبذر من الآخر والعمل من الثالث والعوامل من الرابع، وإن کان الأحوط ترک هذه الصورة وعدم التعدّی عن اثنین، بل لایترک ما أمکن.
مسألة 10 - یجوز للزارع أن یشارک غیره فی مزارعته، بجعل حصّة من حصّته لمن یشارکه؛ کما یجوز أن ینقل حصّته إلی الغیر ویشترط علیه القیام بأمر الزراعة. والناقل طرف للمالک، وعلیه القیام بأمرها ولو بالتسبیب. وأمّا مزارعة الثانی بحیث کان الزارع الثانی طرفا للمالک فلیست بمزارعة، ولا یصحّ العقد کذلک. ولا یعتبر فی صحّة التشریک فی المزارعة ولا فی نقل حصّته إذن المالک. نعم، لایجوز علی الأحوط تسلیم الأرض إلی ذلک الغیر إلّا بإذنه، کما أنّه لو شرط علیه المالک أن یباشر بنفسه - بحیث لایشارکه غیره ولا ینقل حصّته إلی الغیر - کان هو المتّبع.
مسألة 11 - عقد المزارعة لازم من الطرفین، فلا ینفسخ بفسخ أحدهما إلّا إذا کان له خیار. وینفسخ بالتقایل کسائر العقود اللازمة؛ کما أنّه یبطل وینفسخ قهرا بخروج الأرض عن قابلیّة الانتفاع بسبب مع عدم تیسّر العلاج.
مسألة 12 - لاتبطل المزارعة بموت أحد المتعاقدین؛ فإن مات ربّ الأرض قام وارثه مقامه، وإن مات العامل فکذلک، فإمّا أن یتمّوا العمل ولهم حصّة مورّثهم، وإمّا أن یستأجروا شخصا لإتمامه من مال المورّث ولو الحصّة المزبورة، فإن زاد شی ء کان لهم. نعم، لو شرط علی العامل مباشرته للعمل تبطل بموته.
مسألة 13 - لو تبیّن بطلان المزارعة بعد ما زرع الأرض: فإن کان البذر لصاحب الأرض کان الزرع له، وعلیه اُجرة العامل والعوامل إن کانت من العامل، إلّا إذا کان البطلان مستندا إلی جعل جمیع الحاصل لصاحب الأرض، فإنّ الأقوی حینئذٍ عدم اُجرة العمل والعوامل علیه. وإن کان من العامل کان الزرع له وعلیه اُجرة الأرض؛ وکذا العوامل إن کانت من صاحب الأرض، إلّا إذا کان البطلان مستندا إلی جعل جمیع الحاصل للزارع، فالأقوی حینئذٍ عدم اُجرة الأرض والعوامل علیه. ولیس للزارع إبقاء الزرع إلی بلوغ الحاصل ولو بالاُجرة، فللمالک أن یأمر بقلعه.
مسألة 14 - کیفیّة اشتراک العامل مع المالک فی الحاصل تابعة للجعل الواقع بینهما؛ فتارةً یشترکان فی الزرع من حین طلوعه وبروزه، فیکون حشیشه وقصیله وتبنه وحبّه کلّها مشترکة بینهما؛ واُخری یشترکان فی خصوص حبّه إمّا من حین انعقاده أو بعده إلی زمان حصاده، فیکون الحشیش والقصیل والتبن کلّها لصاحب البذر، ویمکن أن یجعل البذر لأحدهما والحشیش والقصیل والتبن للآخر مع اشتراکهما فی الحبّ. هذا مع التصریح، وأمّا مع عدمه فالظاهر من مقتضی وضع المزارعة عند الإطلاق الوجه الأوّل، فالزرع بمجرّد طلوعه وبروزه یکون مشترکا بینهما.
ویترتّب علی ذلک اُمور:
منها: کون القصیل والتبن أیضا بینهما.
ومنها: تعلّق الزکاة بکلّ منهما إذا کان حصّة کلّ منهما بالغا حدّ النصاب، وتعلّقها بمن بلغ نصیبه حدّه إن بلغ نصیب أحدهما، وعدم التعلّق أصلا إن لم یبلغ النصاب نصیب واحد منهما.
ومنها: أنّه لو حصل فسخ من أحدهما بخیار أو منهما بالتقایل فی الأثناء یکون الزرع بینهما. ولیس لصاحب الأرض علی العامل اُجرة أرضه، ولا للعامل علیه اُجرة عمله بالنسبة إلی ما مضی.
وأمّا بالنسبة إلی الآتی إلی زمان البلوغ والحصاد فإن وقع بینهما التراضی بالبقاء بلا اُجرة أو معها أو علی القطع قصیلاً فلا إشکال، وإلّا فکلّ منهما مسلّط علی حصّته، فلصاحب الأرض مطالبة القسمة وإلزام الزارع بقطع حصّته، کما أنّ للزارع مطالبتها لیقطع حصّته.
مسألة 15 - خراج الأرض ومال الاجارة للأرض المستأجرة علی المزارع، لاالزارع إلّا إذا اشترط علیه کلّاً أو بعضا. وأمّا سائر المُؤَن - کشقّ الأنهار، وحفر الآبار، وإصلاح النهر، وتهیئة آلات السقی، ونصب الدولاب والناعور، ونحو ذلک - فلابدّ من تعیین کونها علی أیّ منهما، إلّا إذا کانت عادة تغنی عن التعیین.
مسألة 16 - یجوز لکلّ من الزارع والمالک عند بلوغ الحاصل تقبّل حصّة الآخر بحسب الخرص بمقدار معیّن من حاصله بالتراضی. والأقوی لزومه من الطرفین بعد القبول وإن تبیّن بعد ذلک زیادتها أو نقیصتها، فعلی المتقبّل تمام ذلک المقدار ولو تبیّن أنّ حصّة صاحبه أقلّ منه، کما أنّ علی صاحبه قبول ذلک وإن تبیّن کونها أکثر منه، ولیس له مطالبة الزائد.
مسألة 17 - لو بقیت فی الأرض اُصول الزرع بعد جمع الحاصل وانقضاء المدّة فنبتت بعد ذلک فی العام المستقبل: فإن کان القرار الواقع بینهما علی اشتراکهما فی الزرع واُصوله کان الزرع الجدید بینهما علی حسب الزرع السابق، وإن کان علی اشتراکهما فی ما خرج من الزرع فی ذلک العام فهو لصاحب البذر، فإن أعرض عنه فهو لمن سبق.
مسألة 18 - تجوز المزارعة علی أرض بائرة - لایمکن زرعها إلّا بعدإصلاحها وتعمیرها- علی أن یعمّرها ویصلحها ویزرعها سنة أو سنتین - مثلا - لنفسه ثمّ یکون الحاصل بینهما بالإشاعة بحصّة معیّنة فی مدّة مقدّرة. - كتاب المساقاة
كتاب المساقاة
وهي المعاملة على اُصول ثابتة، بأن يسقيها مدّة معيّنة بحصّة من ثمرها. وهي عقد يحتاج إلى إيجاب - كقول صاحب الاُصول «ساقيتك» أو «عاملتك» أو «سلّمت إليك» وما أشبه ذلك - وقبول نحو «قبلت» وشبهه. ويكفي فيهما كلّ لفظ دالّ على المعنى المذكور بأيّ لغة كانت. والظاهر كفاية القبول الفعليّ بعد الإيجاب القوليّ، كما تجري فيها المعاطاة على ما مرّ في المزارعة.
ويعتبر فيها بعد شرائط المتعاقدين - من البلوغ، والعقل، والقصد، والاختيار، وعدم الحجر لسفه فيهما ولفلس من غير العامل - أن تكون الاُصول مملوكةً عينا أو منفعةً أو يكون المتعامل نافذ التصرّف لولاية أو غيرها؛ وأن تكون معيّنةً عندهما معلومةً لديهما؛ وأن تكون مغروسةً ثابتةً، فلا تصحّ في الفسيل قبل الغرس ولا على اُصول غير ثابتة كالبطّيخ والخيار ونحوهما؛ وأن تكون المدّة معلومةً مقدّرةً بما لا يحتمل الزيادة والنقصان كالأشهر والسنين، والظاهر كفاية جعل المدّة إلى بلوغ الثمر في العام الواحد إذا عيّن مبدأ الشروع في السقي؛ وأن تكون الحصّة معيّنةً مشاعةً بينهما مقدّرةً بمثل النصف أوالثلث ونحوهما، فلايصحّ أن يجعل لأحدهما مقدارا معيّنا والبقيّة للآخر، أو يجعل لأحدهما أشجارا معلومةً وللآخر اُخرى. نعم، لايبعد جواز أن يشترط اختصاص أحدهما بأشجار معلومة والاشتراك في البقيّة، أو يشترط لأحدهما مقدار معيّن مع الاشتراك في البقيّة إذا علم كون الثمر أزيد منه وأنّه تبقى بقيّة.
مسألة 1 - لا إشكال في صحّة المساقاة قبل ظهور الثمر. وفي صحّتها بعد الظهور وقبل البلوغ قولان، أقواهما الصحّة إذا كانت الأشجار محتاجةً إلى السقي أو عمل آخر ممّا تستزاد به الثمرة ولو كيفيّةً. وفي غيره محلّ إشكال، كما أنّ الصحّة بعد البلوغ والإدراك - بحيث لايحتاج إلى عمل غير الحفظ والاقتطاف- محلّ إشكال.
مسألة 2 - لا تجوز المساقاة على الأشجار غير المثمرة كالخلاف ونحوه. نعم، لا يبعد جوازها على ما ينتفع بورقه أو ورده منها، كالتوت الذكر والحنّاء وبعض أقسام الخلاف ذي الورد ونحوها.
مسألة 3 - تجوز المساقاة على فسلان مغروسة قبل أن تصير مثمرة، بشرط أن تجعل المدّة بمقدار تصير مثمرةً فيها، كخمس سنين أو ستّ أو أزيد.
مسألة 4 - لو كانت الأشجار لاتحتاج إلى السقي لاستغنائها بماء السماء أو لمصّها من رطوبات الأرض ولكن احتاجت إلى أعمال اُخر فالأقرب الصحّة إذا كانت الأعمال يستزاد بها الثمر، كانت الزيادة عينيّةً أو كيفيّةً. وفي غيرها تشكل الصحّة، فلا يترك الاحتياط.
مسألة 5 - لو اشتمل البستان على أنواع من الشجر والنخيل يجوز أن يفرد كلّ نوع بحصّة مخالفة للحصّة من النوع الآخر، كما إذا جعل النصف في ثمرة النخيل والثلث في الكرم والربع في الرمّان مثلا ؛ لكن إذا علما بمقدار كلّ نوع من الأنواع، كما أنّ العلم الرافع للغرر شرط في المعاملة على المجموع بحصّة متّحدة.
مسألة 6 - من المعلوم أن ما يحتاج إليه البساتين والنخيل والأشجار في إصلاحها وتعميرها واستزادة ثمارها وحفظها أعمال كثيرة:
فمنها: ما يتكرّر في كلّ سنة مثل إصلاح الأرض، وتنقية الأنهار، وإصلاح طريق الماء، وإزالة الحشيش المضرّ، وتهذيب جرائد النخل والكرم، والتلقيح، والتشميس، وإصلاح موضعه، وحفظ الثمرة إلى وقت القسمة، وغير ذلك.
ومنها: ما لا يتكرّر غالبا، كحفر الآبار والأنهار، وبناء الحائط والدولاب والدالية ونحو ذلك. فمع إطلاق عقد المساقاة الظاهر أنّ القسم الثاني على المالك، وأمّا القسم الأوّل فيتّبع التعارف والعادة، فما جرت على كونه على المالك أو العامل كان هو المتّبع، ولا يحتاج إلى التعيين؛ ولعلّ ذلك يختلف باختلاف البلاد. وإن لم تكن عادة لابدّ من تعيين أنّه على أيّهما.
مسألة 7 - المساقاة لازمة من الطرفين، لا تنفسخ إلّا بالتقايل أو الفسخ بخيار، ولا تبطل بموت أحدهما، بل يقوم وارثهما مقامهما. نعم، لو كانت مقيّدةً بمباشرة العامل تبطل بموته.
مسألة 8 - لايشترط في المساقاة أن يكون العامل مباشرا بنفسه، فيجوز أن يستأجر أجيرا لبعض الأعمال أو تمامها وتكون عليه الاُجرة. وكذا يجوز أن يتبرّع متبرّع بالعمل ويستحقّ العامل الحصّة المقرّرة. نعم، لو لم يقصد التبرّع عنه ففي كفايته إشكال. وأشكل منه لو قصد التبرّع عن المالك. وكذا الحال لو لم يكن عليه إلّا السقي ويستغنى عنه بالأمطار ولم يحتج إليه أصلا. نعم، لو كان عليه أعمال اُخر غير السقي واستغني عنه بالمطر وبقي سائر الأعمال: فإن كانت بحيث يستزاد بها الثمر فالظاهر استحقاق حصّته، وإلّا فمحلّ إشكال.
مسألة 9 - يجوز أن يشترط للعامل مع الحصّة من الثمر شيئا آخر من نقد وغيره، وكذا حصّة من الاُصول مشاعا أو مفروزا.
مسألة 10 - كلّ موضع بطل فيه عقد المساقاة تكون الثمرة للمالك، وللعامل عليه اُجرة مثل عمله حتّى مع علمه بالفساد شرعا. نعم، لو كان الفساد مستندا إلى اشتراط كون جميع الثمرة للمالك لم يستحقّ الاُجرة حتّى مع جهله بالفساد.
مسألة 11 - يملك العامل الحصّة من الثمر حين ظهوره؛ فإن مات بعده قبل القسمة وبطلت المساقاة من جهة اشتراط مباشرته للعمل انتقلت حصّته إلى وارثه، وتجب عليه الزكاة لو بلغت النصاب.
مسألة 12 - المغارسة باطلة. وهي أن يدفع أرضا إلى غيره ليغرس فيها على أن يكون المغروس بينهما، سواء اشترط كون حصّة من الأرض أيضا للعامل أولا، وسواء كانت الاُصول من المالك أو من العامل؛ وحينئذٍ يكون الغرس لصاحبه، فإن كانت من مالك الأرض فعليه اُجرة عمل الغارس، وإن كانت من الغارس فعليه اُجرة الأرض؛ فإن تراضيا على الإبقاء بالاُجرة أولا معها فذاك، وإلّا فلمالك الأرض الأمر بالقلع، وعليه أرش النقص إن نقص بالقلع، كما أنّ للغارس قلعه، وعليه طمّ الحفر ونحو ذلك ممّا حصل بالغرس، وليس لصاحب الأرض إلزامه بالإبقاء ولو بلا اُجرة.
مسألة 13 - بعد بطلان المغارسة يمكن أن يتوصّل إلى نتيجتها، بإدخالها تحت عنوان آخر مشروع يشتركان في الاُصول: إمّا بشرائها بالشركة ولو بأن يوكّل صاحب الأرض الغارسَ في أنّ كلّ ما يشتري من الفسيل يشتريه لهما، ثمّ يؤاجر الغارس نفسه لغرس حصّة صاحب الأرض وسقيها وخدمتها في مدّة معيّنة بنصف منفعة أرضه إلى تلك المدّة أو بنصف عينها؛ أو بتمليك أحدهما للآخر نصف الاُصول - مثلا - إن كانت من أحدهما، ويجعل العوضَ إذا كانت لصاحب الأرض الغرسَ والخدمةَ إلى مدّة معيّنة شارطا على نفسه بقاء حصّة الغارس في أرضه مجّانا إلى تلك المدّة، وإذا كانت من الغارس يجعل العوض نصف عين الأرض أو نصف منفعتها إلى مدّةمعيّنة شارطاعلى نفسه غرس حصّةصاحب الأرض وخدمتها إلى تلك المدّة.
مسألة 14 - الخراج الّذي يأخذه السلطان من النخيل والأشجار في الأراضي الخراجيّة على المالك، إلّا إذا اشترطا كونه على العامل أو عليهما.
مسألة 15 - لايجوز للعامل في المساقاة أن يساقي غيره إلّا بإذن المالك، لكن مرجع إذنه فيها إلى توكيله في إيقاع مساقاة اُخرى للمالك مع شخص ثالث بعد فسخ الاُولى، فلا يستحقّ العامل الأوّل شيئا. نعم، يجوز للعامل تشريك غيره في العمل على الظاهر. - كتاب الدين والقرض
- كتاب الرهن
كتاب الرهن
وهو عقد شُرّع للاستيثاق على الدين. ويقال للعين: الرهن والمرهون، ولدافعها: الراهن، ولآخذها: المرتهن. ويحتاج إلى الإيجاب من الراهن - وهو كلّ لفظ أفاد المقصود في متفاهم أهل المحاورة، كقوله: «رهنتك» أو «أرهنتك» أو «هذا وثيقة عندك على مالك» ونحو ذلك - والقبول من المرتهن؛ وهو كلّ لفظ دالّ على الرضا بالإيجاب. ولا يعتبر فيه العربيّة، بل الظاهر وقوعه بالمعاطاة.
مسألة ۱ - يشترط في الراهن والمرتهن البلوغ والعقل والقصد والاختيار، وفي خصوص الأوّل عدم الحجر بالسفه والفلس. ويجوز لوليّ الطفل والمجنون رهن مالهما مع المصلحة والغبطة، والارتهان لهما كذلك.
مسألة 2 - يشترط في صحّة الرهن القبض من المرتهن بإقباض من الراهن أو بإذن منه. ولو كان في يده شي ء وديعةً أو عاريةً بل ولو غصباً فأوقعا عقد الرهن عليه كفى، ولا يحتاج إلى قبض جديد. ولو رهن المشاع لا يجوز تسليمه إلى المرتهن إلّا برضا شريكه، ولكن لو سلّمه إليه فالظاهر كفايته في تحقّق القبض - الّذي هو شرط لصحّته- وإن تحقّق العدوان بالنسبة إلى حصّة شريكه.
مسألة 3 - إنّما يعتبرالقبض في الابتداء، ولا يعتبر استدامته؛ فلوقبضه المرتهن ثمّ صار في يد الراهن أو غيره بإذن الراهن أو بدونه لم يضرّ ولم يطرأه البطلان. نعم، للمرتهن استحقاق إدامة القبض وكونه تحت يده، فلا يجوز انتزاعه منه.
مسألة 4 - يشترط في المرهون أن يكون عيناً مملوكاً يصحّ بيعه ويمكن قبضه؛ فلا يصحّ رهن الدين قبل قبضه على الأحوط وإن كان للصحّة وجه - وقبضه بقبض مصداقه - ولا رهن المنفعة، ولا الحرّ، ولا الخمر والخنزير، ولا مال الغير إلّا بإذنه أو إجازته، ولا الأرض الخراجيّة: ما كانت مفتوحةً عنوةً وما صولح عليها على أن تكون ملكاً للمسلمين، ولا الطير المملوك في الهواء إذا كان غير معتاد عوده، ولا الوقف ولو كان خاصّاً.
مسألة 5 - لو رهن ملكه مع ملك غيره في عقد واحد صحّ في ملكه، و وقف في ملك غيره على إجازة مالكه.
مسألة 6 - لو كان له غرس أو بناء في الأرض الخراحيّة لا إشكال في صحّة رهن ما فيها مستقلّاً؛ وأمّا رهنها مع أرضها بعنوان التبعيّة ففيه إشكال، بل المنع لايخلو من قرب؛ كما لا يصحّ رهن أرضها مستقلّاً على الأقوى. نعم، لا يبعد جواز رهن الحقّ المتعلّق بها على إشكال.
مسألة 7 - لا يعتبر أن يكون الرهن ملكاً لمن عليه الدين؛ فيجوز لشخصٍ أن يرهن ماله على دين غيره تبرّعاً ولو من غير إذنه، بل ولو مع نهيه؛ وكذا يجوز للمديون أن يستعير شيئاً ليرهنه على دينه. ولو رهنه وقبضه المرتهن ليس لمالكه الرجوع، ويبيعه المرتهن كما يبيع ما كان ملكاً للمديون. ولو بيع كان لمالكه مطالبة المستعير بما بيع به لو بيع بالقيمة أو بالأكثر، وبقيمة تامّة لو بيع بأقلّ منها. ولو عيّن له أن يرهنه على حقّ مخصوص من حيث القدر أو الحلول أو الأجل أو عند شخص معيّن لم يجز له مخالفته. ولو أذنه في الرهن مطلقاً جاز له الجميع وتخيّر.
مسألة 8 - لو كان الرهن على الدين المؤجّل وكان ممّا يسرع إليه الفساد قبل الأجل: فإن شرط بيعه صريحاً قبل أن يطرأ عليه الفساد صحّ الرهن، ويبيعه الراهن أو يوكّل المرتهن في بيعه، وإن امتنع أجبره الحاكم؛ فإن تعذّر باعه الحاكم، ومع فقده باعه المرتهن. فإذا بيع يجعل ثمنه في الرهن؛ وكذلك لو استفيد اشتراط البيع من قرينة، كما لو جعل العين بماليّتها رهناً، فيصحّ وتباع ويجعل ثمنها في الرهن. ولو اشترط عدم البيع إلّا بعد الأجل بطل الرهن؛ وكذا لو أطلق -ولم يشترط البيع ولا عدمه ولم يُستفد الاشتراط بقرينة - على الأقرب. ولو رهن ما لا يتسارع إليه الفساد فعرض ما صيّره عُرضةً له - كالحنطة لو ابتلّت - لم ينفسخ، بل يباع ويجعل ثمنه رهناً.
مسألة 9 - لا إشكال في أنّه يعتبر في المرهون كونه معيّناً؛ فلا يصحّ رهن المبهم كأحد هذين. نعم، صحّة رهن الكلّيّ - من غير فرق بين الكلّيّ في المعيّن، كصاع من صبرة معلومة وشاةٍ من القطيع المعلوم، وغيره كصاع من الحنطة - لاتخلو من وجه. وقبضه في الأوّل إمّا بقبض الجميع أو بقبض ما عيّنه الراهن، وفي الثاني بقبض مصداقه؛ فإذا قبضه المرتهن صحّ ولزم. والأحوط عدم إيقاعه على الكلّيّ. ولا يصحّ رهن المجهول من جميع الوجوه حتّى كونه ممّا يتموّل. وأمّا مع علمه بذلك وجهله بعنوان العين فالأحوط ذلك وإن كان الجواز لايخلو من وجه؛ فإذا رهن ما في الصندوق المقفل وكان ما فيه مجهولاً حتّى ماليّته بطل؛ ولو علم ماليّته فقط لا يبعد الصحّة، كما أنّ الظاهر صحّة رهن معلوم الجنس والنوع مع كونه مجهول المقدار.
مسألة 10 - يشترط في ما يرهن عليه أن يكون ديناً ثابتاً في الذمّة -لتحقّق موجبه: من اقتراض أو إسلاف مال أو شراء أو استيجار عين بالذمّة وغير ذلك- حالّاً كان الدين أو مؤجّلاً؛ فلا يصحّ الرهن على ما يقترض أو على ثمن ما يشتريه في ما بعد؛ فلو رهن شيئاً على ما يقترض ثمّ اقترض لم يصر بذلك رهناً، ولا على الدية قبل استقرارها بتحقّق الموت وإن علم أنّ الجناية تؤدّي إليه، ولا على مال الجعالة قبل تمام العمل.
مسألة 11 - كما يصحّ في الإجارة أن يأخذ المؤجر الرهن على الاُجرة الّتي في ذمّة المستأجر كذلك يصحّ أن يأخذ المستأجر الرهن على العمل الثابت في ذمّة المؤجر.
مسألة 12 - الظاهر أنّه يصحّ الرهن على الأعيان المضمونة، كالمغصوبة والعارية المضمونة والمقبوض بالسوم ونحوها. وأمّا عهدة الثمن أوالمبيع أوالاُجرة أو عوض الصلح وغيرها لو خرجت مستحقّةً للغير فالأقوى عدم صحّته عليها.
مسألة 13 - لو اشترى شيئاً بثمن في الذمّة جاز جعل المبيع رهناً على الثمن.
مسألة 14 - لو رهن على دينه رهناً ثمّ استدان مالاً آخر من المرتهن جاز جعل ذلك الرهن رهناً على الثاني أيضاً، وكان رهناً عليهما معاً، سواء كان الثاني مساوياً للأوّل في الجنس والقدر أو مخالفاً؛ وكذا له أن يجعله على دين ثالث ورابع إلى ما شاء. وكذا إذا رهن شيئاً على دين جاز أن يرهن شيئاً آخر على ذلك الدين وكانا جميعاً رهناً عليه.
مسألة 15 - لو رهن شيئاً عند زيد ثمّ رهنه عند آخر أيضاً باتّفاق من المرتهنين كان رهناً على الحقّين، إلّا إذا قصدا بذلك فسخ الرهن الأوّل وكونه رهناً على خصوص الثاني.
مسألة 16 - لو استدان اثنان من واحد - كلّ منهما ديناً - ثمّ رهنا عنده مالاً مشتركاً بينهما ولو بعقد واحد ثمّ قضى أحدهما دينه انفكّت حصّته عن الرهانة. ولو كان الراهن واحداً والمرتهن متعدّداً بأن كان عليه دين لاثنين فرهن شيئاً عندهما بعقد واحد فكلّ منهما مرتهن للنصف مع تساوي الدين، ومع التفاوت فالظاهر التقسيط والتوزيع بنسبة حقّهما؛ فإن قضي دين أحدهما انفكّ عن الرهانة ما يقابل حقّه. هذا كلّه في التعدّد ابتداءً. وأمّا التعدّد الطارئ فالظاهر أنّه لاعبرة به؛ فلو مات الراهن عن ولدين لم ينفكّ نصيب أحدهما بأداء حصّته من الدين، كما أنّه لو مات المرتهن عن ولدين فأعطى أحدهما نصيبه من الدين لم ينفكّ بمقداره من الرهن.
مسألة 17 - لا يدخل الحمل الموجود في رهن الحامل ولا الثمر في رهن الشجر، إلّا إذا كان تعارفٌ يوجب الدخول أواشترط ذلك. وكذا لا يدخل ما يتجدّد إلّا مع الشرط. نعم، الظاهر دخول الصوف والشعر والوبر في رهن الحيوان، وكذا الأوراق والأغصان حتّى اليابسة في رهن الشجر. وأمّا اللبن في الضرع ومغرس الشجر واُسّ الجدار - أعني موضع الأساس من الأرض - ففي دخولها تأمّل وإشكال، ولا يبعد عدم الدخول وإن كان الأحوط التصالح والتراضي.
مسألة 18 - الرهن لازم من جهة الراهن، وجائز من طرف المرتهن؛ فليس للراهن انتزاعه منه بدون رضاه إلّا أن يسقط حقّه من الارتهان أو ينفكّ الرهن بفراغ ذمّة الراهن من الدين. ولو برئت ذمّته من بعضه فالظاهر بقاء الجميع رهناً على ما بقي، إلّا إذا اشترط التوزيع، فينفكّ منه على مقدار ما برئ منه، ويبقى رهناً على مقدار ما بقي، أو شرطا كونه رهناً على المجموع من حيث المجموع، فينفكّ الجميع بالبراءة من بعضه.
مسألة 19 - لا يجوز للراهن التصرّف في الرهن إلّا بإذن المرتهن، سواء كان ناقلاً للعين كالبيع، أو المنفعة كالإجارة، أو مجرّد الانتفاع به وإن لم يضرّ به، كالركوب والسكنى ونحوها. نعم، لا يبعد الجواز في ما هو بنفع الرهن إذا لم يخرج من يد المرتهن بمثله، كسقي الأشجار وعلف الدابّة ومداواتها ونحو ذلك؛ فإن تصرّف في ما لا يجوز بغير الناقل أثم، ولم يترتّب عليه شي ء إلّا إذا كان بالإتلاف، فيلزم قيمته وتكون رهناً؛ وإن كان بالبيع أو الإجارة أو غيرهما من النواقل وقف على إجازة المرتهن، ففي مثل الإجارة تصحّ بالإجازة، وبقيت الرهانة على حالها؛ بخلافها في البيع، فإنّه يصحّ بها وتبطل الرهانة، كما أنّها تبطل بالبيع إذا كان عن إذن سابق من المرتهن.
مسألة 20 - لايجوز للمرتهن التصرّف في الرهن بدون إذن الراهن؛ فلوتصرّف فيه بركوب أو سكنى ونحوهما ضمن العين لو تلفت تحت يده للتعدّي، ولزمه اُجرة المثل لما استوفاه من المنفعة؛ ولوكان ببيع ونحوه أو بالإجارة ونحوها وقع فضوليّاً، فإن أجازه الراهن صحّ وكان الثمن والاُجرة المسمّاة له، وكان الثمن رهناً في البيع لم يجز لكلّ منهما التصرّف فيه إلّا بإذن الآخر، وبقي العين رهناً في الإجارة، وإن لم يجز كان فاسداً.
مسألة 21 - منافع الرهن كالسكنى والركوب وكذا نماءاته المنفصلة كالنتاج والثمر والصوف والشعر والوبر والمتّصلة كالسمن والزيادة في الطول والعرض كلّها للراهن، سواء كانت موجودةً حال الارتهان أو وجدت بعده؛ ولا يتبعه في الرهانة إلّا نماءاته المتّصلة وكذا ما تعارف دخوله فيه بنحو يوجب التقييد.
مسألة 22 - لو رهن الأصل والثمرة أو الثمرة منفردةً صحّ؛ فلو كان الدين مؤجّلاً وأدركت الثمرة قبل حلول الأجل: فإن كانت تجفّف ويمكن إبقاؤها بالتجفيف جفّفت وبقيت على الرهن، وإلّا بيعت وكان الثمن رهناً إذا استفيد من شرط أو قرينة أنّها رهنٌ بماليّتها.
مسألة 23 - لوكان الدين حالّاً أو حلّ وأراد المرتهن استيفاء حقّه: فإن كان وكيلاً عن الراهن في بيع الرهن واستيفاء دينه منه فله ذلك من دون مراجعة إليه، وإلّا ليس له أن يبيعه، بل يراجعه ويطالبه بالوفاء ولو ببيع الرهن أو توكيله فيه؛ فإن امتنع رفع أمره إلى الحاكم ليلزمه بالوفاء أو البيع؛ فإن امتنع على الحاكم إلزامه باعه عليه بنفسه أو بتوكيل الغير؛ وإن لم يمكن ذلك لعدم بسط يده استأذن المرتهن منه للبيع. ومع فقدالحاكم أو عدم إمكان الإذن منه باعه المرتهن واستوفى حقّه من ثمنه إن ساواه، أو بعضَه إن كان أقلّ، وإن كان أزيد فهو أمانة شرعيّة يوصله إلى صاحبه.
مسألة 24 - لو لم يكن عند المرتهن بيّنة مقبولة لإثبات دينه وخاف من أنّه لو اعترف عند الحاكم بالرهن جحد الراهن الدين فأخذ منه الرهن بموجب اعترافه وطولب منه البيّنة على حقّه جاز له بيع الرهن من دون مراجعة إلى الحاكم؛ وكذا لو مات الراهن وخاف المرتهن جحود الوارث.
مسألة 25 - لو وفى بيع بعض الرهن بالدين اقتصر عليه على الأحوط لو لم يكن الأقوى، وبقي الباقي أمانةً عنده، إلّا إذا لم يمكن التبعيض ولو من جهة عدم الراغب أو كان فيه ضرر على المالك فيباع الكلّ.
مسألة 26 - لو كان الرهن من مستثنيات الدين - كدار سكناه ودابّة ركوبه - جاز للمرتهن بيعه واستيفاء طلبه منه كسائر الرهون، لكنّ الأولى الأحوط عدم إخراجه من ظلّ رأسه.
مسألة 27 - لو كان الراهن مفلّساً أو مات وعليه ديون للناس كان المرتهن أحقّ من باقي الغرماء باستيفاء حقّه من الرهن؛ فإن فضل شي ء يوزّع على الباقين بالحصص، ولو نقص الرهن عن حقّه استوفى ما يمكن منه ويضرب بما بقي مع الغرماء في سائر أموال الراهن.
مسألة 28 - الرهن أمانة في يد المرتهن لا يضمنه لو تلف أو تعيّب من دون تعدٍّ وتفريط. نعم، لو كان في يده مضموناً - لكونه مغصوباً أو عاريةً مضمونةً مثلاً - ثمّ ارتهن عنده لم يزل الضمان، إلّا إذا أذن له المالك في بقائه تحت يده فيرتفع الضمان على الأقوى؛ وكذا لو استفيد الإذن في بقائه في المورد من ارتهانه كما لايبعد مع علم الراهن بالحال. وإذا انفكّ الرهن بسبب الأداء أو الإبراء أو نحو ذلك يبقى أمانةً مالكيّةً في يده لا يجب تسليمه إلى المالك إلّا مع المطالبة.
مسألة 29 - لا تبطل الرهانة بموت الراهن ولا بموت المرتهن؛ فينتقل الرهن إلى ورثة الراهن مرهوناً على دين مورّثهم، وينتقل إلى ورثة المرتهن حقّ الرهانة؛ فإن امتنع الراهن من استيمانهم كان له ذلك؛ فإن اتّفقوا على أمين وإلّا سلّمه الحاكم إلى من يرتضيه، وإن فقد الحاكم فعدول المؤمنين.
مسألة 30 - لو ظهر للمرتهن أمارات الموت يجب عليه الوصيّة بالرهن وتعيين المرهون والراهن والإشهاد كسائر الودائع، ولو لم يفعل كان مفرّطاً وعليه ضمانه.
مسألة 31 - لوكان عنده رهنٌ قبل موته ثمّ مات ولم يعلم بوجوده في تركته -لاتفصيلاً ولا إجمالاً- ولم يعلم كونه تالفاً بتفريط منه لم يحكم به في ذمّته ولابكونه موجوداً في تركته، بل يحكم بكونها لورثته؛ بل وكذلك على الأقوى لوعلم أنّه قد كان موجوداً في أمواله الباقية إلى بعد موته ولم يعلم أنّه باقٍ فيها أم لا، كما إذا كان سابقاً في صندوقه داخلاً في الأموال الّتي كانت فيه وبقيت إلى زمان موته ولم يعلم أنّه قد أخرجه وأوصله إلى مالكه أو باعه واستوفى ثمنه أو تلف بغير تفريط منه أم لا.
مسألة 32 - لو اقترض من شخص ديناراً - مثلاً - برهن وديناراً آخر منه بلارهن ثمّ دفع إليه ديناراً بنيّة الوفاء: فإن نوى كونه عن ذي الرهن سقط وانفكّ رهنه، وإن نوى كونه عن الآخر لم ينفكّ وبقي دينه، وإن لم يقصد إلّا أداء دينار من الدينارين من دون تعيين كونه عن ذي الرهن أو غيره فهل يحسب ما دفعه لغير ذي الرهن فيبقى الرهن أو لذي الرهن فينفكّ أو يوزّع عليهما فيبقى الرهن أو ينفكّ بمقداره؟ وجوه، أوجهها بقاء الرهن إلى الفكّ اليقينيّ. - كتاب الحجر
- كتاب الضمان
كتاب الضمان
وهو التعهّد بمال ثابت في ذمّة شخص لآخر. وهو عقد يحتاج إلى إيجابٍ من الضامن بكلّ لفظ دالّ عرفاً ولو بقرينة على التعهّد المزبور، مثل «ضمنت» أو «تعهّدت لك الدين الّذي لك على فلان» ونحو ذلك، وقبولٍ من المضمون له بما دلّ على الرضا بذلك. ولا يعتبر فيه رضا المضمون عنه.
مسألة 1 - يشترط في كلّ من الضامن والمضمون له أن يكون بالغاً عاقلاً رشيداً مختاراً، وفي خصوص المضمون له أن يكون غير محجور عليه لفلس.
مسألة 2 - يشترط في صحّة الضمان اُمور:
منها - التنجيز على الأحوط؛ فلو علّق على أمر كأن يقول: «أنا ضامن إن أذن أبي» أو «أنا ضامن إن لم يف المديون إلى زمان كذا» أو «إن لم يف أصلاً» بطل.
ومنها - كون الدين الّذي يضمنه ثابتاً في ذمّة المضمون عنه، سواء كان مستقرّاً كالقرض والثمن والمثمن في البيع الّذي لا خيار فيه أو متزلزلاً كأحد العوضين في البيع الخياريّ والمهر قبل الدخول ونحو ذلك؛ فلو قال: «أقرض فلاناً أو بعه نسيئةً وأنا ضامن» لم يصحّ.
ومنها - تميّز الدين والمضمون له والمضمون عنه بمعنى عدم الإبهام والترديد؛ فلا يصحّ ضمان أحد الدينين ولو لشخص معيّن على شخص معيّن، ولا ضمان دين أحد الشخصين ولو لواحد معيّن أو على واحد معيّن. نعم، لو كان الدين معيّناً في الواقع ولم يعلم جنسه أو مقداره أو كان المضمون له أو المضمون عنه متعيّناً في الواقع ولم يعلم شخصه صحّ على الأقوى، خصوصاً في الأخيرين؛ فلو قال: «ضمنت ما لفلان على فلان» ولم يعلم أنّه درهم أو دينار أو أنّه دينار أو ديناران صحّ على الأصحّ؛ وكذا لو قال: «ضمنت الدين الّذي على فلان لمن يطلبه من هؤلاء العشرة» ويعلم بأنّ واحداً منهم يطلبه ولم يعلم شخصه ثمّ قبل المطالب أو قال: «ضمنت ما كان لفلان على المديون من هؤلاء» ولم يعلم شخصه صحّ الضمان على الأقوى.
مسألة 3 - إذا تحقّق الضمان الجامع للشرائط انتقل الحقّ من ذمّة المضمون عنه إلى ذمّة الضامن، وبرئت ذمّته؛ فإذا أبرأ المضمون له ذمّةالضامن برئت الذمّتان: إحداهما بالضمان والاُخرى بالإبراء، ولو أبرأ ذمّة المضمون عنه كان لغواً.
مسألة 4 - الضمان لازم من طرف الضامن، فليس له فسخه بعد وقوعه مطلقاً؛ وكذا من طرف المضمون له، إلّا إذا كان الضامن معسراً وهو جاهل بإعساره، فله فسخه والرجوع بحقّه على المضمون عنه. والمدار إعساره حال الضمان؛ فلو أعسر بعده فلا خيار، كما أنّه لو كان معسراً حاله ثمّ أيسر لم يزل الخيار.
مسألة 5 - يجوز اشتراط الخيار لكلّ من الضامن والمضمون له على الأقوى.
مسألة 6 - يجوز ضمان الدين الحالّ حالّاً ومؤجّلاً، وكذا ضمان المؤجّل مؤجّلاً وحالّاً؛ وكذا يجوز ضمان المؤجّل بأزيد أو أنقص من أجله.
مسألة 7 - لو ضمن من دون إذن المضمون عنه ليس له الرجوع عليه، وإن كان بإذنه فله ذلك لكن بعد أداء الدين لا بمجرّد الضمان. وإنّما يرجع إليه بمقدار ما أدّاه؛ فلو صالح المضمون له مع الضامن الدين ببعضه أو أبرأه من بعضه لم يرجع بالمقدار الّذي سقط عن ذمّته بهما.
مسألة 8 - لوكان الضمان بإذن المضمون عنه فإنّما يرجع عليه بالأداء في ماإذا حلّ أجل الدين الّذي كان على المضمون عنه، وإلّا فليس له الرجوع عليه إلّا بعد حلول أجله؛ فلو ضمن الدين المؤجّل حالّاً أو المؤجّل بأقلّ من أجله فأدّاه ليس له الرجوع عليه إلّا بعد حلول الأجل. نعم، لو أذن له صريحاً بضمانه حالّاً أو بأقلّ من الأجل فالأقرب جواز الرجوع عليه مع أدائه. وأمّا لو كان بالعكس بأن ضمن الحالّ مؤجّلاً أو المؤجّل بأكثر من أجله برضا المضمون عنه قبل حلول أجله جاز له الرجوع عليه بمجرّد الأداء في الحالّ، وبحلول الأجل في ما ضمن بالأكثر بشرط الأداء. وكذا لو مات قبل انقضاء الأجل فحلّ الدين بموته وأدّاه الورثة من تركته كان لهم الرجوع على المضمون عنه.
مسألة 9 - لو ضمن بالإذن الدينَ المؤجّل مؤجّلاً فمات قبل انقضاء الأجلين وحلّ ما عليه فاُخذ من تركته ليس لورثته الرجوع على المضمون عنه إلّابعد حلول أجل الدين الّذي كان عليه، ولا يحلّ الدين بالنسبة إلى المضمون عنه بموت الضامن، وإنّما يحلّ بالنسبة إليه.
مسألة 10 - لو دفع المضمون عنه الدين إلى المضمون له من دون إذن الضامن برئت ذمّته، وليس له الرجوع عليه.
مسألة 11 - يجوز الترامي في الضمان، بأن يضمن - مثلاً - زيد عن عمرو ثمّ يضمن بكر عن زيد ثمّ يضمن خالد عن بكر وهكذا، فتبرأ ذمّة الجميع ويستقرّ الدين على الضامن الأخير؛ فإن كان جميع الضمانات بغير إذن من المضمون عنه لم يرجع واحد منهم على سابقه لو أدّى الدين الضامن الأخير، وإن كان جميعها بالإذن يرجع الأخير على سابقه، وهو على سابقه إلى أن ينتهي إلى المديون الأصليّ؛ وإن كان بعضها بالإذن دون بعض: فإن كان الأخير بدونه كان كالأوّل لم يرجع واحد منهم على سابقه، وإن كان بالإذن رجع هو على سابقه، وهو على سابقه لو ضمن بالإذن، وإلّا لم يرجع وانقطع الرجوع عليه. وبالجملة: كلّ ضامن كان ضمانه بإذن من ضمن عنه يرجع عليه بما أدّاه.
مسألة 12 - لا إشكال في جواز ضمان اثنين عن واحد بالاشتراك، بأن يكون على كلّ منهما بعض الدين، فتشتغل ذمّة كلّ بمقدار ما عيّناه ولو بالتفاوت. ولو اُطلق يقسّط عليهما بالتساوي، فبالنصف لو كانا اثنين وبالثلث لو كانوا ثلاثة وهكذا؛ ولكلّ منهما أداء ما عليه، وتبرأ ذمّته، ولا يتوقّف على أداء الآخر ما عليه؛ وللمضمون له مطالبة كلّ منهما بحصّته أو أحدهما أو إبراؤه دون الآخر. ولو كان ضمان أحدهما بالإذن دون الآخر رجع المأذون إلى المضمون عنه دون الآخر. والظاهر أنّه لا فرق في جميع ما ذكر بين أن يكون ضمانهما بعقدين بأن ضمن أحدهما عن نصفه ثمّ ضمن الآخر عن نصفه الآخر أو بعقد واحد كما إذا ضمن عنهما وكيلهما في ذلك فقبل المضمون له. هذا كلّه في ضمان اثنين عن واحد بالاشتراك. وأمّا ضمانهما عنه بالاستقلال فلا إشكال في عدم وقوعه لكلّ منهما كذلك على ما يقتضي مذهبنا في الضمان، فهل يقع باطلاً أو يقسّط عليهما بالاشتراك؟ وجهان، أقربهما الأوّل.
مسألة 13 - لو تمّ عقد الضمان على تمام الدين فلا يمكن أن يتعقّبه آخر ولو ببعضه، ولو تمّ على بعضه لا يمكن أن يتعقّبه على التمام أو على ذلك المضمون.
مسألة 14 - يجوز الضمان بغير جنس الدين، لكن إذا كان الضمان بإذن المضمون عنه ليس له الرجوع عليه إلّا بجنسه.
مسألة 15 - كما يجوز الضمان عن الأعيان الثابتة في الذمم يجوز عن المنافع والأعمال المستقرّة عليها، فكما يجوز أن يضمن عن المستأجر ما عليه من الاُجرة كذلك يجوز أن يضمن عن الأجير ما عليه من العمل. نعم، لو كان ما عليه اعتبر فيه المباشرة لم يصحّ ضمانه.
مسألة 16 - لو ادّعى شخص على آخر ديناً فقال ثالث للمدّعي: «عليّ ما عليه» فرضي صحّ الضمان، بمعنى ثبوت الدين في ذمّته على تقدير ثبوته، فتسقط الدعوى عن المضمون عنه ويصير الضامن طرفها؛ فلو أقام المدّعي البيّنة على ثبوته يجب على الضامن أداؤه، وكذا لو ثبت إقرار المضمون عنه قبل الضمان بالدين؛ وأمّا إقراره بعد الضمان فلا يثبت به شي ء، لا على المقرّ ولا على الضامن.
مسألة 17 - الأقوى عدم جواز ضمان الأعيان المضمونة كالغصب والمقبوض بالعقد الفاسد لمالكها عمّن كانت هي بيده.
مسألة 18 - لا إشكال في جواز ضمان عهدة الثمن للمشتري عن البائع لو ظهر المبيع مستحقّاً للغير أو ظهر بطلان البيع لفقد شرط من شروط صحّته إذا كان بعد قبض البائع الثمن وتلفه عنده، وأمّا مع بقائه في يده فمحلّ تردّد. والأقوى عدم صحّة ضمان درك ما يحدثه المشتري - من بناء أو غرس في الأرض المشتراة إن ظهرت مستحقّةً للغير وقلعه المالك - للمشتري عن البائع.
مسألة 19 - لو كان على الدين الّذي على المضمون عنه رهنٌ ينفكّ بالضمان، شرطَ الضامن انفكاكه أم لا.
مسألة 20 - لو كان على أحدٍ دينٌ فالتمس من غيره أداءه فأدّاه بلا ضمان عنه للدائن جاز له الرجوع على الملتمس مع عدم قصد التبرّع. - كتاب الحوالة والكفالة
- كتاب الوكالة
كتاب الوكالة
وهي تفويض أمر إلى الغير ليعمل له حال حياته، أو إرجاع تمشية أمر من الاُمور إليه له حالها. وهي عقد يحتاج إلى إيجابٍ بكلّ ما دلّ على هذا المقصود، كقوله: «وكّلتك» أو «أنت وكيلي في كذا» أو «فوّضته إليك» ونحوها، بل الظاهر كفاية قوله: «بع داري» قاصداً به التفويض المذكور فيه، وقبولٍ بكلّ ما دلّ على الرضا به؛ بل الظاهر أنّه يكفي فيه فعل ما وكّل فيه بعد الإيجاب؛ بل الأقوى وقوعها بالمعاطاة، بأن سلّم إليه متاعاً ليبيعه فتسلّمه لذلك؛ بل لا يبعد تحقّقها بالكتابة من طرف الموكّل والرضا بما فيها من طرف الوكيل وإن تأخّر وصولها إليه مدّةً، فلا يعتبر فيها الموالاة بين إيجابها وقبولها. وبالجملة: يتّسع الأمر فيها بما لايتّسع في غيرها، حتّى أنّه لو قال الوكيل: «أنا وكيلك في بيع دارك» مستفهماً فقال: «نعم» صحّ وتمّ وإن لم نكتف بمثله في سائر العقود.
مسألة ۱ - يشترط فيها على الأحوط التنجيز، بمعنى عدم تعليق أصل الوكالة على شي ء، كقوله - مثلاً-: «إذا قدم زيد أو أهلّ هلال الشهر وكّلتك في كذا». نعم، لابأس بتعليق متعلّقها، كقوله: «أنت وكيلي في أن تبيع داري إذا قدم زيد» أو «وكّلتك في شراء كذا في وقت كذا».
مسألة ۲ - يشترط في كلّ من الموكّل والوكيل البلوغ والعقل والقصد والاختيار؛ فلا يصحّ التوكيل ولا التوكّل من الصبيّ والمجنون والمكره. نعم، لايشترط البلوغ في الوكيل في مجرّد إجراء العقد على الأقرب؛ فيصحّ توكيله فيه إذا كان مميّزاً مراعياً للشرائط. ويشترط في الموكّل كونه جائز التصرّف في ما وكّل فيه، فلا يصحّ توكيل المحجور عليه لسفه أو فلس في ما حجر عليهما فيه، دون غيره كالطلاق؛ وأن يكون إيقاعه جائزاً له ولو بالتسبيب، فلا يصحّ منه التوكيل في عقد النكاح أو ابتياع الصيد إن كان محرّماً؛ وفي الوكيل كونه متمكّناً عقلاً وشرعاً من مباشرة ما توكّل فيه، فلا تصحّ وكالة المحرم في ما لا يجوز له، كابتياع الصيد وإمساكه وإيقاع عقد النكاح.
مسألة ۳ - لا يشترط في الوكيل الإسلام؛ فتصحّ وكالة الكافر - بل والمرتدّ وإن كان عن فطرة - عن المسلم والكافر، إلّا في ما لا يصحّ وقوعه من الكافر، كابتياع المصحف لكافر، وكاستيفاء حقّ من المسلم، أو مخاصمة معه وإن كان ذلك لمسلم.
مسألة 4 - تصحّ وكالة المحجور عليه لسفه أو فلس عن غيرهما ممّن لاحجر عليه.
مسألة 5 - لو جوّزنا للصبيّ بعض التصرّفات في ماله - كالوصيّة بالمعروف لمن بلغ عشر سنين - جاز له التوكيل في ما جاز له.
مسألة 6 - ما كان شرطاً في الموكّل والوكيل ابتداءً شرطٌ فيهما استدامةً؛ فلو جُنّا أو اُغمي عليهما أو حُجر على الموكّل في ما وكّل فيه بطلت الوكالة على الأحوط، ولو زال المانع احتاج عودها إلى توكيل جديد.
مسألة 7 - يشترط في ما وكّل فيه أن يكون سائغاً في نفسه، وأن يكون للموكّل سلطنةٌ شرعاً على إيقاعه؛ فلا توكيل في المعاصي كالغصب والسرقة والقمار ونحوها، ولا على بيع مال الغير من دون ولاية عليه. ولا تعتبر القدرة عليه خارجاً مع كونه ممّا يصحّ وقوعه منه شرعاً؛ فيجوز لمن لم يقدر على أخذ ماله من غاصب أن يوكّل فيه من يقدر عليه.
مسألة 8 - لو لم يتمكّن شرعاً أو عقلاً من إيقاع أمر إلّا بعد حصول أمر غير حاصل حين التوكيل - كتطليق امرأة لم تكن في حبالته، وتزويج من كانت مزوّجةً أو معتدّةً، ونحو ذلك - فلا إشكال في جواز التوكيل فيه تبعاً لما تمكّن منه، بأن يوكّله في إيقاع المرتّب عليه ثمّ إيقاع ما رتّب عليه، بأن يوكّله -مثلاً- في تزويج امرأة له ثمّ طلاقها أو شراء مال ثمّ بيعه ونحو ذلك؛ كما أنّ الظاهر جوازه لو وقعت الوكالة على كلّيّ يكون هو من مصاديقه، كما لو وكّله على جميع اُموره فيكون وكيلاً في المتجدّد في ملكه بهبة أو إرث بيعاً ورهناً وغيرهما؛ وأمّا التوكيل استقلالاً في خصوصه من دون التوكيل في المرتّب عليه ففيه إشكال، بل الظاهر عدم الصحّة، من غير فرق بين ما كان المرتّب عليه غير قابل للتوكيل - كانقضاء العدّة- أو قابلاً؛ فلا يجوز أن يوكّل في تزويج المعتدّة بعد انقضاء عدّتها والمزوّجة بعد طلاقها؛ وكذا في طلاق زوجة سينكحها أو بيع متاع سيشتريه ونحو ذلك.
مسألة 9 - يشترط في الموكّل فيه أن يكون قابلاً للتفويض إلى الغير، بأن لم يعتبر فيه المباشرة من الموكّل؛ فلو تقبّل عملاً بقيد المباشرة لا يصحّ التوكيل فيه. وأمّا العبادات البدنيّة كالصلاة والصيام والحجّ وغيرها فلا يصحّ فيها التوكيل وإن فرض صحّة النيابة فيها عن الحيّ - كالحجّ عن العاجز - أو عن الميّت كالصلاة وغيرها، فإنّ النيابة غير الوكالة اعتباراً. نعم، تصحّ الوكالة في العبادات الماليّة -كالزكاة والخمس والكفّارات- إخراجاً وإيصالاً إلى المستحقّ.
مسألة 10 - يصحّ التوكيل في جميع العقود، كالبيع والصلح والإجارة والهبة والعارية والوديعة والمضاربة والمزارعة والمساقاة والقرض والرهن والشركة والضمان والحوالة والكفالة والوكالة والنكاح، إيجاباً وقبولاً في الجميع؛ وكذا في الوصيّة والوقف والطلاق والإبراء والأخذ بالشفعة وإسقاطها وفسخ العقد في موارد ثبوت الخيار وإسقاطه. والظاهر صحّته في الرجوع إلى المطلّقة الرجعيّة إذا أوقعه على وجه لم يكن صِرف التوكيل تمسّكاً بالزوجيّة حتّى يرتفع به متعلّق الوكالة. ولا يبعد صحّته في النذر والعهد والظهار. ولا يصحّ في اليمين واللعان والإيلاء والشهادة والإقرار، على إشكال في الأخير.
مسألة 11 - يصحّ التوكيل في القبض والإقباض في موارد لزومهما كما في الرهن والقرض والصرف بالنسبة إلى العوضين، والسلم بالنسبة إلى الثمن، وفي إيفاء الديون واستيفائها وغيرها.
مسألة 12 - يجوز التوكيل في الطلاق، غائباً كان الزوج أم حاضراً؛ بل يجوز توكيل الزوجة في أن تطلّق نفسها بنفسها أوبأن توكّل الغير عن الزوج أوعن نفسها.
مسألة 13 - تجوز الوكالة في حيازة المباح كالاستقاء والاحتطاب وغيرهما، فإذا وكّل شخصاً فيها وقد حاز بعنوان الوكالة عنه صار ملكاً له.
مسألة 14 - يشترط في الموكّل فيه التعيين، بأن لا يكون مجهولاً أو مبهماً؛ فلو قال: «وكّلتك على أمر من الاُمور» لم يصحّ. نعم، لابأس بالتعميم والإطلاق كما يأتي.
مسألة 15 - الوكالة إمّا خاصّة وإمّا عامّة وإمّا مطلقة:
فالاُولى: ما تعلّقت بتصرّف معيّن في شي ء معيّن، كما إذا وكّله في شراء بيتٍ معيّن. وهذا ممّا لا إشكال في صحّته.
والثانية: إمّا عامّة من جهة التصرّف وخاصّة من جهة المتعلّق، كما إذا وكّله في جميع التصرّفات الممكنة في داره المعيّنة، وإمّا بالعكس كما إذا وكّله في بيع جميع ما يملكه، وإمّا عامّة من الجهتين، كما إذا وكّله في جميع التصرّفات الممكنة في جميع ما يملكه أو في إيقاع جميع ما كان له في ما يتعلّق به بجميع أنواعه بحيث يشمل التزويج له وطلاق زوجته.
وكذا الثالثة: قد تكون مطلقةً من جهة التصرّف خاصّة من جهة متعلّقه، كما لو قال: «أنت وكيلي في أمر داري» وكذا لو قال: «أنت وكيلي في بيع داري»، مقابل المقيّد بثمن معيّن أو شخص معيّن، وقد يكون بالعكس، كما لو قال: «أنت وكيلي في بيع أحد أملاكي» أو «في بيع ملكي»، وقد تكون مطلقةً من الجهتين، كما لو قال: «أنت وكيلي في التصرّف في مالي». وربما يكون التوكيل بنحو التخيير بين اُمور: إمّا في التصرّف دون المتعلّق، كما لو قال: «أنت وكيلي في بيع داري أو صلحها أو هبتها أو إجارتها»، وإمّا في المتعلّق فقط، كما لو قال: «أنت وكيلي في بيع هذه الدار أو هذه الدابّة أو هذا الفرش» مثلاً، والظاهر صحّة الجميع.
مسألة 16 - لابدّ أن يقتصر الوكيل - في التصرّف في الموكّل فيه - على ما شمله عقد الوكالة صريحاً أو ظاهراً، ولو بمعونة قرائن حاليّة أو مقاليّة ولو كانت هي العادة الجارية على أنّ التوكيل في أمر لازمه التوكيل في أمر آخر، كما لو سلّم إليه المبيع ووكّله في بيعه أو سلّم إليه الثمن ووكّله في الشراء. وبالجملة: لابدّ في صحّة التصرّف من شمول الوكالة له.
مسألة 17 - لو خالف الوكيل وأتى بالعمل على نحو لم يشمله عقد الوكالة فإن كان ممّا يجري فيه الفضوليّة كالعقود توقّفت صحّته على إجازة الموكّل. ولا فرق في التخالف بين أن يكون بالمباينة، كما إذا وكّله في بيع داره فآجرها، أو ببعض الخصوصيّات، كما إذا وكّله في بيعها نقداً فباع نسيئةً أو بخيار فباع بدونه. نعم، لو علم شموله لفاقد الخصوصيّة أيضاً صحّ في الظاهر، كما إذا وكّله في أن يبيع السلعة بدينار فباع بدينارين، فإنّ الظاهر بل المعلوم من حال الموكّل أنّ تحديده من طرف النقيصة لا الزيادة. ومن هذا القبيل ما إذا وكّله في البيع في سوق معيّن بثمن معيّن فباعها في غيره بذلك الثمن، فإنّ الظاهر أنّ مراده تحصيل الثمن. هذا بحسب الظاهر؛ وأمّا الصحّة الواقعيّة فتابعة للواقع. ولو فرض احتمال وجود غرض عقلائيّ في التحديد لم يجز التعدّي، ومعه فضوليّ في الظاهر، والواقع تابع للواقع.
مسألة 18 - يجوز للوليّ كالأب والجدّ للصغير أن يوكّل غيره في ما يتعلّق بالمولّى عليه ممّا له الولاية عليه.
مسألة 19 - لا يجوز للوكيل أن يوكّل غيره في إيقاع ما توكّل فيه، لا عن نفسه ولا عن الموكّل إلّا باذنه، ومعه يجوز بكلا النحوين، فإن عيّن أحدهما فهو المتّبع، ولايجوز التعدّي عنه. ولو قال مثلاً: «وكّلتك في أن توكّل غيرك» فهو إذنٌ في توكيل الغير عن الموكّل. والظاهر أنّه كذلك لو قال: «وكّل غيرك» وإن لا يخلو من تأمّل.
مسألة 20 - لو كان الوكيل الثاني وكيلاً عن الموكّل كان في عرض الأوّل، فليس له أن يعزله ولا ينعزل بانعزاله، بل لو مات يبقى الثاني على وكالته. ولو كان وكيلاً عنه كان له عزله، وكانت وكالته تبعاً لوكالته، فينعزل بانعزاله أو موته. ولايبعد أن يكون للموكّل عزله من دون عزل الوكيل الأوّل.
مسألة 21 - يجوز أن يتوكّل اثنان فصاعداً عن واحد في أمر واحد، فإن صرّح الموكّل بانفرادهما أو كان لكلامه ظاهر متّبع في ذلك جاز لكلّ منهما الاستقلال في التصرّف من دون مراجعة الآخر، وإلّا لم يجز الانفراد لأحدهما ولو مع غيبة صاحبه أو عجزه، سواء صرّح بالانضمام والاجتماع أو أطلق بأن قال مثلاً: « وكّلتُكما» أو «أنتما وكيلاي» ونحو ذلك. ولو مات أحدهما بطلت الوكالة رأساً مع شرطالاجتماع أو الإطلاق المنزّل منزلته، وبقيت وكالة الباقي لووكّل بالانفراد.
مسألة 22 - الوكالة عقد جائز من الطرفين؛ فللوكيل أن يعزل نفسه مع حضور الموكّل وغيبته؛ وكذا للموكّل أن يعزله، لكن انعزاله بعزله مشروط ببلوغه إيّاه؛ فلو أنشأ عزله ولم يطّلع عليه الوكيل لم ينعزل؛ فلو أمضى أمراً قبل أن يبلغه - ولو بإخبار ثقة- كان نافذاً.
مسألة 23 - تبطل الوكالة بموت الوكيل، وكذا بموت الموكّل وإن لم يعلم الوكيل بموته، وبعروض الجنون على كلّ منهما، على الأقوى في الإطباقيّ وعلى الأحوط في غيره، وبإغماء كلّ منهما على الأحوط، وبتلف ما تعلّقت به الوكالة، وبفعل الموكّل - ولو بالتسبيب - ما تعلّقت به، كما لو وكّله في بيع سلعة ثمّ باعها، أو فعل ما ينافيه، كما وكّله في بيع شي ء ثمّ أوقفه.
مسألة 24 - يجوز التوكيل في الخصومة والمرافعة لكلّ من المدّعي والمدّعى عليه، بل يكره لذوي المروّات من أهل الشرف والمناصب الجليلة أن يتولّوإ؛)للّه ظظ المنازعة والمرافعة بأنفسهم، خصوصاً إذا كان الطرف بذي ء اللسان. ولا يعتبر رضا صاحبه، فليس له الامتناع عن خصومة الوكيل.
مسألة 25 - وكيل المدّعي وظيفته بثّ الدعوى على المدّعى عليه عند الحاكم، وإقامة البيّنة وتعديلها، وتحليف المنكر، وطلب الحكم على الخصم. وبالجملة: كلّ ما هو وسيلة إلى الإثبات. ووكيل المدّعى عليه وظيفته الإنكار، والطعن على الشهود، وإقامة بيّنة الجرح، ومطالبة الحاكم بسماعها والحكم بها. وبالجملة: عليه السعي في الدفع ما أمكن.
مسألة 26 - لو ادّعى منكر الدين - مثلاً - في أثناء مدافعة وكيله عنه الأداءَ أو الإبراءَ انقلب مدّعياً، وصارت وظيفة وكيله إقامة البيّنة على هذه الدعوى وغيرها ممّا هو وظيفة المدّعي، وصارت وظيفة خصمه الإنكار وغيره من وظائف المدّعى عليه.
مسألة 27 - لا يُقبل إقرار الوكيل في الخصومة على موكّله؛ فلو أقرّ وكيل المدّعي القبضَ أو الإبراء أو قبول الحوالة أو المصالحة أو بأنّ الحقّ مؤجّل أو أنّ البيّنة فسقة أو أقرّ وكيل المدّعى عليه بالحقّ للمدّعي لم يقبل، وبقيت الخصومة على حالها، سواء أقرّ في مجلس الحكم أو غيره، وينعزل بذلك وتبطل وكالته، لأنّه بعد الإقرار ظالم في الخصومة بزعمه.
مسألة 28 - الوكيل بالخصومة لا يملك الصلح عن الحقّ أو الإبراء منه، إلّا أن يكون وكيلاً في ذلك أيضاً بالخصوص.
مسألة 29 - يجوز أن يوكّل اثنين فصاعداً بالخصومة كسائر الاُمور، فإن لم يصرّح باستقلال كلّ منهما ولم يكن لكلامه ظهور فيه لم يستقلّ بها أحدهما، بل يتشاوران ويتباصران ويعضد كلّ منهما صاحبه ويعينه على ما فوّض إليهما.
مسألة 30 - لو وكّل رجل وكيلاً بحضور الحاكم في خصوماته واستيفاء حقوقه مطلقاً أو في خصومة شخصيّة ثمّ قدّم الوكيل خصماً لموكّله وأقام الدعوى عليه يسمع الحاكم دعواه عليه؛ وكذا إذا ادّعى عند الحاكم وكالته في الدعوى وأقام البيّنة عنده عليها. وأمّا إذا ادّعاها من دون بيّنة فان لم يُحضر خصماً عنده أو أحضر ولم يصدّقه في وكالته لم يسمع دعواه، ولو صدّقه فيها فالظاهر أنّه يسمع دعواه لكن لم تثبت بذلك وكالته عن موكّله بحيث تكون حجّةً عليه؛ فإذا قضت موازين القضاء بحقّيّة المدّعي يُلزم المدّعى عليه بالحقّ، ولو قضت بحقّيّة المدّعى عليه فالمدّعي على حجّته، فإذا أنكر الوكالة تبقى دعواه على حالها، وللمدّعى عليه أو وكيل المدّعي إقامة البيّنة على ثبوت الوكالة، ومع ثبوتها بها تثبت حقّيّة المدّعى عليه في ماهيّة الدعوى.
مسألة 31 - لو وكّله في الدعوى وتثبيت حقّه على خصمه لم يكن له بعد الإثبات قبض الحقّ، فللمحكوم عليه أن يمتنع عن تسليم ما ثبت عليه إلى الوكيل.
مسألة 32 - لو وكّله في استيفاء حقّ له على غيره فجحده من عليه الحقّ لم يكن للوكيل مخاصمته ومرافعته وتثبيت الحقّ عليه ما لم يكن وكيلاً في الخصومة.
مسألة 33 - يجوز التوكيل بجُعل وبغيره، وانّما يستحقّ الجُعل في الأوّل بتسليم العمل الموكّل فيه؛ فلو وكّله في البيع أو الشراء وجعل له جُعلاً فله المطالبة به بمجرّد إتمام المعاملة وإن لم يتسلّم الموكّل الثمن أو المثمن؛ وكذا لو وكّله في المرافعة وتثبيت الحقّ استحقّه بمجرّد إثباته وإن لم يتسلّمه الموكّل.
مسألة 34 - لو وكّله في قبض دينه من شخص فمات قبل الأداء لم يكن له مطالبة وارثه إلّا أن تشملها الوكالة.
مسألة 35 - لو وكّله في استيفاء دينه من زيد فجاء إليه للمطالبة فقال زيد: «خذ هذه الدراهم واقض بها دين فلان» - أي موكّله - فأخذها صار وكيل زيد في قضاء دينه، وكانت الدراهم باقيةً على ملك زيد ما لم يقبضها صاحب الدين، وللوكيل أن يقبض نفسه بعد أخذه من المديون بعنوان الوكالة عن الدائن في الاستيفاء، إلّا أن يكون توكيل المديون بنحو لا يشمل قبض الوكيل؛ فلزيد استردادها ما دامت في يد الوكيل ولم يتحقّق القبض من الدائن بنحو ممّا ذكر، ولو تلفت عنده بقي الدين بحاله. ولو قال: « خذها عن الدين الّذي تطالبني به لفلان» فأخذها كان قابضاً للموكّل وبرئت ذمّة زيد، وليس له الاسترداد.
مسألة 36 - الوكيل أمين بالنسبة إلى ما في يده، لا يضمنه إلّا مع التفريط أو التعدّي، كما إذا لبس ثوباً أو حمل على دابّة كان وكيلاً في بيعهما، لكن لا تبطل بذلك وكالته. فلو باع الثوب بعد لبسه صحّ بيعه وإن كان ضامناً له لو تلف قبل أن يبيعه، وبتسليمه إلى المشتري يبرأ عن ضمانه، بل لا يبعد ارتفاع ضمانه بنفس البيع.
مسألة 37 - لو وكّله في إيداع مال فأودعه بلا إشهاد فجحد الودعيّ لم يضمنه الوكيل، إلّا إذا وكّله في أن يودعه مع الإشهاد فخالف. وكذا الحال لو وكّله في قضاء دينه فأدّاه بلا إشهاد وأنكر الدائن.
مسألة 38 - لو وكّله في بيع سلعة أو شراء متاع: فإن صرّح بكون البيع أو الشراء من غيره أو بما يعمّ نفسه فلا إشكال، وإن أطلق وقال: « أنت وكيلي في أن تبيع هذه السلعة أو تشتري لي المتاع الفلانيّ» فهل يعمّ نفس الوكيل؟ فيجوز أن يبيع السلعة من نفسه أو يشتري له المتاع من نفسه، أم لا؟ وجهان بل قولان، أقواهما الأوّل وأحوطهما الثاني.
مسألة 39 - لو اختلفا في التوكيل فالقول قول منكره. ولو اختلفا في التلف أو في تفريط الوكيل فالقول قول الوكيل. ولو اختلفا في دفع المال إلى الموكّل فالظاهر أنّ القول قول الموكّل، خصوصاً إذا كانت الوكالة بجُعل. وكذا الحال في ما إذا اختلف الوصيّ والموصى له في دفع المال الموصى به إليه. والأولياء حتّى الأب والجدّ إذا اختلفوا مع المولّى عليه - بعد زوال الولاية عليه - في دفع ماله إليه فإنّ القول قول المنكر في جميع ذلك. نعم، لو اختلف الأولياء مع المولّى عليهم في الإنفاق عليهم أو على ما يتعلّق بهم في زمان ولايتهم فالظاهر أنّ القول قول الأولياء بيمينهم. - كتاب الاقرار
كتاب الإقرار
الّذي هو الإخبار الجازم بحقّ لازم على المخبر أو بما يستتبع حقّاً أو حكماً عليه، أو بنفي حقّ له أو ما يستتبعه، كقوله: «له أو لك عليّ كذا» أو «عندي أو في ذمّتي كذا» أو «هذا الّذي في يدي لفلان» أو «إنّي جنيت على فلان بكذا» أو «سرقت» أو «زنيت» ونحو ذلك ممّا يستتبع القصاص أو الحدّ الشرعيّ، أو «ليس لي على فلان حقّ» أو «إنّ ما أتلفه فلان ليس منّي» وما أشبه ذلك بأيّ لغة كان؛ بل يصحّ إقرار العربيّ بالعجميّ وبالعكس، والهنديّ بالتركيّ وبالعكس إذا كان عالماً بمعنى ما تلفّظ به في تلك اللغة. والمعتبر فيه الجزم، بمعنى عدم إظهار الترديد وعدم الجزم به؛ فلو قال: «أظنّ أو أحتمل أنّ لك عليّ كذا» ليس إقراراً.
مسألة 1 - يعتبر في صحّة الإقرار بل في حقيقته وأخذ المقرّ بإقراره كونه دالّاً على الإخبار المزبور بالصراحة أو الظهور؛ فإن احتمل إرادة غيره احتمالاً يخلّ بظهوره عند أهل المحاورة لم يصحّ. وتشخيص ذلك راجعٌ إلى العرف وأهل اللسان كسائر التكلّمات العاديّة؛ فكلّ كلام ولو لخصوصيّة مقام يفهم منه أهل اللسان أنّه قد أخبر بثبوت حقّ عليه أو سلب حقّ عن نفسه من غير ترديد كان إقراراً، وإن لم يفهم منه ذلك من جهة تطرّق الاحتمال الموجب للترديد والإجمال لم يكن إقراراً.
مسألة 2 - لا يعتبر في الإقرار صدوره من المقرّ ابتداءً أو كونه مقصوداً بالإفادة، بل يكفي كونه مستفاداً من تصديقه لكلام آخر واستفادته من كلامه بنوع من الاستفادة، كقوله: «نعم» في جواب من قال: «لي عليك كذا» أو «أنت جنيت على فلان»، وكقوله في جواب من قال: «استقرضت منّي ألفاً» أو «لي عليك ألف»: «رددته» أو «أدّيته»، فإنّه إقرار بأصل ثبوت الحقّ عليه ودعوى منه بسقوطه. ومثل ذلك ما إذا قال في جواب من قال: «هذه الدار الّتي تسكنها لي»: «اشتريتها منك»، فإنّ الإخبار بالاشتراء اعتراف منه بثبوت الملك له ودعوى منه بانتقاله إليه. نعم، قد توجد قرائن على أنّ تصديقه لكلام الآخر ليس حقيقيّاً فلم يتحقّق الإقرار، بل دخل في عنوان الإنكار، كما إذا قال في جواب من قال: «لي عليك ألف دينار»: «نعم» أو «صدقت» مع صدور حركات منه دلّت على أنّه في مقام الاستهزاء والتهكّم وشدّة التعجّب والإنكار.
مسألة 3 - يشترط في المقرّ به أن يكون أمراً لو كان المقرّ صادقاً في إخباره كان للمقرّ له حقّ الإلزام عليه ومطالبته به: بأن يكون مالاً في ذمّته عيناً أو منفعةً أو عملاً أو ملكاً تحت يده أو حقّاً يجوز مطالبته، كحقّ الشفعة والخيار والقصاص، وحقّ الاستطراق في درب مثلاً، وإجراء الماء في نهر، ونصب الميزاب في ملك، ووضع الجذوع على حائط؛ أو يكون نسباً أوجب نقصاً في الميراث، أو حرماناً في حقّ المقرّ، وغير ذلك؛ أو كان للمقرّ به حكم وأثر، كالإقرار بما يوجب الحدّ.
مسألة 4 - إنّما ينفذ الإقرار بالنسبة إلى المقرّ ويمضي عليه في ما يكون ضرراً عليه، لا بالنسبة إلى غيره ولا في ما يكون فيه نفع له؛ فإن أقرّ باُبوّة شخص له ولم يصدّقه ولم ينكره يمضي إقراره في وجوب النفقة عليه، لا في نفقته على المقرّ أو في توريثه.
مسألة 5 - يصحّ الإقرار بالمجهول والمبهم، ويقبل من المقرّ ويُلزم ويطالب بالتفسير والبيان ورفع الإبهام، ويقبل منه ما فسّره به، ويُلزم به لو طابق تفسيره مع المبهم بحسب العرف واللغة وأمكن بحسبهما أن يكون مراداً منه، فلو قال: «لك عندي شي ء» اُلزم بالتفسير، فإن فسّره بأيّ شي ء صحّ كونه عنده يقبل منه وإن لم يكن متموّلاً، كهرّة - مثلاً - أو نعلٍ خَلَقٍ لا يتموّل؛ وأمّا لو قال: «لك عندي مال» لم يقبل منه إلّا إذا كان ما فسّره من الأموال عرفاً وإن كانت ماليّته قليلةً جدّاً.
مسألة 6 - لو قال: «لك أحد هذين» ممّا كان تحت يده أو «لك عليّ إمّا وزنةٌ من حنطة أو شعير» اُلزم بالتفسير وكشف الإبهام، فإن عيّن اُلزم به لا بغيره، فإن لم يصدّقه المقرّ له وقال: «ليس لي ما عيّنت» فإن كان المقرّ به في الذمّة سقط حقّه بحسب الظاهر إذا كان في مقام الإخبار عن الواقع، لا إنشاء الإسقاط لو جوّزناه بمثله، وإن كان عيناً كان بينهما مسلوباً بحسب الظاهر عن كلّ منهما، فيبقى إلى أن يتّضح الحال، ولو برجوع المقرّ عن إقراره أو المنكر عن إنكاره. ولو ادّعى عدم المعرفة حتّى يفسّره: فإن صدّقه المقرّ له وقال: «أنا أيضاً لا أدري» فالأقوى القرعة وإن كان الأحوط التصالح، وإن ادّعى المعرفة وعيّن أحدهما فإن صدّقه المقرّ فذاك، وإلّا فله أن يطالبه بالبيّنة، ومع عدمها فله أن يحلّفه، وإن نكل أو لم يمكن إحلافه يكون الحال كما لو جهلا معاً، فلا محيص عن التخلّص بما ذكر فيه.
مسألة 7 - كما لا يضرّ الإبهام والجهالة في المقرّ به لا يضرّان في المقرّ له، فلو قال: «هذه الدار الّتي بيدي لأحد هذين» يُقبل ويُلزم بالتعيين، فمن عيّنه يُقبل ويكون هو المقرّ له، فإن صدّقه الآخر فهو، وإلّا تقع المخاصمة بينه وبين من عيّنه المقرّ. ولو ادّعى عدم المعرفة وصدّقاه فيه سقط عنه الإلزام بالتعيين. ولو ادّعيا أو أحدهما عليه العلم كان القول قوله بيمينه.
مسألة 8 - يعتبر في المقرّ البلوغ والعقل والقصد والاختيار؛ فلا اعتبار بإقرار الصبيّ والمجنون والسكران، وكذا الهازل والساهي والغافل والمكره. نعم، لا يبعد صحّة إقرار الصبيّ إن تعلّق بماله أن يفعله، كالوصيّة بالمعروف ممّن له عشر سنين.
مسألة 9 - إن أقرّ السفيه المحجور عليه بمال في ذمّته أو تحت يده لم يُقبل. ويُقبل في ما عدا المال، كالطلاق والخلع بالنسبة إلى الفراق لا الفداء. وكذا في كلّ ما أقرّ به وهو يشتمل على مال وغيره لم يُقبل بالنسبة إلى المال كالسرقة، فيُحدّ إن أقرّ بها، ولا يُلزم بأداء المال.
مسألة 10 - يُقبل إقرار المفلّس بالدين سابقاً ولاحقاً، لكن لم يشارك المقرّ له مع الغرماء، بتفصيل مرّ في كتاب الحجر، كما مرّ الكلام في إقرار المريض بمرض الموت، وأنّه نافذ إلّا مع التهمة فينفذ بمقدار الثلث.
مسألة 11 - لو ادّعى الصبيّ البلوغ: فإن ادّعاه بالإنبات اختبر، ولا يثبت بمجرّد دعواه؛ وكذا إن ادّعاه بالسنّ، فإنّه يطالب بالبيّنة؛ وأمّا لو ادّعاه بالاحتلام في الحدّ الّذي يمكن وقوعه فثبوته بقوله بلا يمين بل معها محلّ تأمّل وإشكال.
مسألة 12 - يعتبر في المقرّ له أن يكون له أهليّة الاستحقاق؛ فلو أقرّ لدابّة بالدين لغا؛ وكذا لو أقرّ لها بملك. وأمّا لو أقرّ لها باختصاصها بجلّ ونحوه كأن يقول: «هذا الجلّ مختصّ بهذا الفرس» أو «لهذا» مريداً به ذلك فالظاهر أنّه يُقبل ويُحكم بمالكيّة مالكها، كما أنّه يُقبل لو أقرّ لمسجد أو مشهد أو مقبرة أو رباط أو مدرسة ونحوها بمال خارجيّ أو دين، حيث إنّ المقصود منه في التعارف اشتغال ذمّته ببعض ما يتعلّق بها من غلّة موقوفاتها أو المنذور أو الموصى به لمصالحها ونحوها.
مسألة 13 - لو كذّب المقرّ له المقرّ في إقراره: فإن كان المقرّ به ديناً أو حقّاً لم يطالب به المقرّ، وفرغت ذمّته في الظاهر، وإن كان عيناً كانت مجهولة المالك بحسب الظاهر، فتبقى في يد المقرّ أو الحاكم إلى أن يتبيّن مالكها. هذا بحسب الظاهر. وأمّا بحسب الواقع فعلى المقرّ بينه وبين اللّه تعالى تفريغ ذمّته من الدين، وتخليص نفسه من العين بالإيصال إلى المالك وإن كان بدسّه في أمواله. ولو رجع المقرّ له عن إنكاره يُلزم المقرّ بالدفع مع بقائه على إقراره، وإلّا ففيه تأمّل.
مسألة 14 - لو أقرّ بشي ء ثمّ عقّبه بما يضادّه وينافيه يؤخذ بإقراره ويُلغى ماينافيه؛ فلو قال: «له عليّ عشرة لا بل تسعة» يُلزم بالعشرة. ولو قال: «له عليّ كذا وهو من ثمن الخمر أو بسبب القمار» يُلزم بالمال ولا يُسمع منه ما عقّبه؛ وكذا لو قال: «عندي وديعة وقد هلكت» فإنّ إخباره بتلفها ينافي قوله: «عندي» الظاهر في وجودها عنده. نعم، لو قال: «كانت له عندي وديعة وقد هلكت» فلا تنافي بينهما، وهو دعوى لابدّ من فصلها على الموازين الشرعيّة.
مسألة 15 - ليس الاستثناء من التعقيب بالمنافي، بل يكون المقرّ به ما بقي بعد الاستثناء إن كان من المثبت، ونفس المستثنى إن كان من المنفيّ؛ فلو قال: «هذه الدار الّتي بيدي لزيد إلّا القبّة الفلانيّة» كان إقراراً بما عداها؛ ولو قال: «ليس له من هذه الدار إلّا القبّة الفلانيّة» كان إقراراً بها. هذا إذا كان الإخبار متعلّقاً بحقّ الغير عليه. وأمّا لو كان متعلّقاً بحقّه على الغير كان الأمر بالعكس؛ فلو قال: «لي هذه الدار إلّا القبّة الفلانيّة» كان إقراراً بالنسبة إلى نفي حقّه عن القبّة، فلو ادّعى بعده استحقاق تمام الدار لم يُسمع منه. ولو قال: «ليس لي من هذه الدار إلّا القبّة الفلانيّة» كان إقراراً بعدم استحقاق ما عدا القبّة.
مسألة 16 - لو أقرّ بعين لشخص ثمّ أقرّ بها لشخص آخر كما إذا قال: «هذه الدار لزيد» ثمّ قال: «لعمرو» حكم بكونها للأوّل واُعطيت له، وأغرم للثاني بقيمتها.
مسألة 17 - من الأقارير النافذة الإقرار بالنسب كالبنوّة والاُخوّة ونحوهما. والمراد بنفوذه إلزام المقرّ وأخذه بإقراره بالنسبة إلى ما عليه: من وجوب إنفاق وحرمة نكاح أو مشاركته معه في إرث أو وقف ونحو ذلك. وأمّا ثبوت النسب بينهما بحيث يترتّب جميع آثاره ففيه تفصيل، وهو أنّه إن كان الإقرار بالولد وكان صغيراً غير بالغ يثبت به ذلك إن لم يكذّبه الحسّ والعادة - كالإقرار ببنوّة من يقاربه في السنّ بما لم يجر العادة بتولّده من مثله - ولا الشرع (كإقراره ببنوّة من كان ملتحقاً بغيره من جهة الفراش ونحوه ولم ينازعه فيه منازع) فينفذ إقراره، ويترتّب عليه جميع آثاره، ويتعدّى إلى أنسابهما، فيثبت به كون ولد المقرّ به حفيداً للمقرّ، وولدِ المقرّ أخاً للمقرّ به، وأبيه جدّه، ويقع التوارث بينهما، وكذا بين أنسابهمإ؛0/ظظ بعضهم مع بعض. وكذا الحال لو كان كبيراً وصدّق المقرّ مع الشروط المزبورة. وإن كان الإقرار بغير الولد وإن كان ولد ولد: فإن كان المقرّ به كبيراً وصدّقه أو صغيراً وصدّقه بعد بلوغه مع إمكان صدقه عقلاً وشرعاً يتوارثان إن لم يكن لهما وارث معلوم محقّق، ولا يتعدّى التوارث إلى غيرهما من أنسابهما حتّى أولادهما، ومع عدم التصادق أو وجود وارثٍ محقّقٍ غير مصدّق له لا يثبت بينهما النسب الموجب للتوارث إلّا بالبيّنة.
مسألة 18 - لو أقرّ بولد صغير فثبت نسبه ثمّ بلغ فأنكر لم يلتفت إلى إنكاره.
مسألة 19 - لو أقرّ أحد ولدي الميّت بولد آخر له وأنكر الآخر لم يثبت نسب المقرّبه، فيأخذ المنكر نصف التركة، والمقرّ ثلثَها بمقتضى إقراره، والمقرّ به سدسَها، وهو تكملة نصيب المقرّ، وقد تنقص بسبب إقراره.
مسألة 20 - لو كان للميّت إخوة وزوجة فأقرّت بولد له كان لها الثمن والباقي للولد إن صدّقها الإخوة، وإن أنكروا كان لهم ثلاثة أرباع، وللزوجة الثمن، وباقي حصّتها للولد.
مسألة 21 - لو مات صبيّ مجهول النسب فأقرّ شخص ببنوّته فمع إمكانه وعدم منازع له يثبت نسبه وكان ميراثه له.
مسألة 22 - لو أقرّ الورثة بأسرهم بدين على الميّت أو بشي ء من ماله للغير كان مقبولاً. ولو أقرّ بعضهم وأنكر بعض: فإن أقرّ اثنان وكانا عدلين ثبت الدين على الميّت، وكذا العين للمقرّ له بشهادتهما، وان لم يكونا عدلين أو كان المقرّ واحداً نفذ إقرار المقرّ في حقّ نفسه خاصّة، ويؤخذ منه من الدين الّذي أقرّ به -مثلاً - بنسبة نصيبه من التركة، فإذا كانت التركة مائةً ونصيبُ كلّ من الوارثين خمسين فأقرّ أحدهما لأجنبيّ بخمسين وكذّبه الآخر أخذ المقرّله من نصيب المقرّ خمسةً وعشرين، وكذا الحال في ما إذا أقرّ بعض الورثة بأنّ الميّت أوصى لأجنبيّ بشي ء وأنكر الآخر، فإنّه نافذ بالنسبة إليه لا غيره. - كتاب الهبة
كتاب الهبة
وهي تمليك عين مجّاناً و من غير عوض. وهذا هو المعنى الأعمّ منها؛ وأمّا المصطلح في مقابل أخواتها فيحتاج إلى قيود مخرجة، والأمر سهل. وقد يعبّر عنها بالعطيّة والنحلة. وهي عقد يفتقر إلى إيجابٍ بكلّ لفظ دلّ على المقصود، مثل «وهبتك» أو «ملّكتك» أو «هذا لك» ونحو ذلك، وقبولٍ بما دلّ على الرضا. ولايعتبر فيه العربيّة. والأقوى وقوعها بالمعاطاة بتسليم العين وتسلّمها بعنوانها.
مسألة 1 - يشترط في كلّ من الواهب والموهوب له القابلِ البلوغُ والعقل والقصد والاختيار؛ نعم، يصحّ قبول الوليّ عن المولّى عليه الموهوب له. وفي الموهوب له أن يكون قابلاً لتملّك العين الموهوبة، فلا تصحّ هبة المصحف للكافر. وفي الواهب كونه مالكاً لها - فلا تصحّ هبة مال الغير إلّا بإذنه أو إجازته- وعدمُ الحجر عليه بسفه أو فلس. وتصحّ من المريض بمرض الموت وإن زاد على الثلث.
مسألة 2 - يشترط في الموهوب أن يكون عيناً؛ فلا تصحّ هبة المنافع. وأمّا الدين: فإن كانت لمن عليه الحقّ صحّت بلا إشكال، ويعتبر فيها القبول على الأقوى، وأفادت فائدة الإبراء وليست به، فإنّها تمليك يحتاج إلى القبول ويترتّب عليها السقوط وهو إسقاط لما في الذمّة؛ وإن كانت لغير من عليه الحقّ فالأقوى صحّتها أيضاً، ويكون قبض الموهوب بقبض مصداقه.
مسألة 3 - يشترط في صحّة الهبة قبض الموهوب له ولو في غير مجلس العقد. ويشترط في صحّة القبض كونه بإذن الواهب على الأحوط. نعم، لو وهب ماكان في يد الموهوب له صحّ، ولا يحتاج إلى قبض جديد، ولا مضيّ زمان يمكن فيه القبض. وكذا لو كان الواهب وليّاً على الموهوب له - كالأب والجدّ للولد الصغير - وقد وهبه ما في يده صحّ وإن كان الأحوط أن يقصد القبض عنه بعد الهبة. ولو وهبه غير الوليّ فلابدّ من القبض، ويتولّاه الوليّ.
مسألة 4 - القبض في الهبة كالقبض في البيع. وهو في غير المنقول - كالدار والبستان - التخلية، برفع يده عنه ورفع المنافيات بحيث يصير تحت استيلائه، وفي المنقول الاستيلاء والاستقلال عليه باليد أو ما هو بمنزلته، كوضعه في حجره مثلاً.
مسألة 5 - يجوز هبة المشاع، لإمكان قبضه ولو بقبض المجموع بإذن الشريك أو بتوكيل المتّهب إيّاه في قبض الحصّة الموهوبة عنه؛ بل الظاهر تحقّق القبض الّذي هو شرط الصحّة في المشاع باستيلاء المتّهب عليه من دون إذن الشريك أيضاً، ويترتّب عليه الأثر وإن كان تعدّياً بالنسبة إليه في بعض الصور.
مسألة 6 - لا تعتبر الفوريّة في القبض ولا كونه في مجلس العقد؛ فيجوز فيه التراخي عن العقد ولو بزمان كثير. ولو تراخى يحصل الانتقال من حينه، فالنماء السابق على القبض للواهب.
مسألة 7 - لو مات الواهب بعد العقد وقبل القبض بطل العقد وانتقل الموهوب إلى ورثته، ولا يقومون مقامه في الإقباض؛ وكذا لو مات الموهوب له بطل، ولايقوم ورثته مقامه في القبض.
مسألة 8 - إذا تمّت الهبة بالقبض: فإن كانت لذي رحم - أباً كان أو اُمّاً أو ولداً أو غيرهم - لم يكن للواهب الرجوع في هبته، وإن كانت لأجنبيّ كان له الرجوع فيه مادامت العين باقيةً؛ فإن تلفت كلّاً أو بعضاً بحيث يصدق معه عدم قيام العين بعينها عرفاً فلا رجوع. والأقوى أنّ الزوج والزوجة بحكم الأجنبيّ؛ والأحوط عدم الرجوع في هبتهما للآخر. وكذا لا رجوع إن عوّض المتّهب عنها ولو كان يسيراً، من غير فرق بين ما كان إعطاء العوض لأجل اشتراطه في الهبة وبين غيره، بأن أطلق العقد لكن المتّهب أثاب الواهب وأعطاه العوض. وكذا لا رجوع فيها لو قصد الواهب فيها القربة إلى اللّه تعالى.
مسألة 9 - يلحق بالتلف التصرّف الناقل كالبيع والهبة، أو المغيّر للعين بحيث يصدق معه عدم قيام العين بعينها، كالحنطة يطحنها والدقيق يخبزه والثوب يفصّله أو يصبغه ونحوها، دون غير المغيّر، كالثوب يلبسه والفراش يفرشه والدابّة يركبها أو يعلفها أو يسقيها ونحوها. ومن الأوّل على الظاهر الامتزاج الرافع للامتياز، ومن الثاني قصارة الثوب.
مسألة 10 - في ما جاز للواهب الرجوع في هبته لا فرق بين الكلّ والبعض؛ فلو وهب شيئين لأجنبيّ بعقد واحد يجوز له الرجوع في أحدهما، بل لو وهبه شيئاً واحداً يجوز له الرجوع في بعضه مشاعاً أو مفروزاً.
مسألة 11 - الهبة إمّا معوّضة أو غير معوّضة؛ فالمراد بالاُولى ما شرط فيها الثواب والعوض وإن لم يعط العوض أو عوّض عنها وإن لم يشترط فيها العوض.
مسألة 12 - لو وهب وأطلق لم يلزم على المتّهب إعطاء الثواب والعوض، سواء كانت من الأدنى للأعلى أوالعكس أو من المساوي للمساوي وإن كان الأولى بل الأحوط في الصورة الاُولى إعطاؤه. ولو أعطى العوض لم يجب على الواهب قبوله، وإن قبل وأخذ لزمت الهبة ولم يكن لواحد منهما الرجوع في ما أعطاه.
مسألة 13 - لو اشترط الواهب في هبته على المتّهب إعطاء العوض - بأن يهبه شيئاً مكافأةً وثواباً لهبته - ووقع منه القبول على ما اشترط وقبض الموهوب يتخيّر بين ردّ الهبة ودفع العوض، والأحوط دفعه؛ فإن دفع لزمت الهبة الاُولى على الواهب، وإلّا فله الرجوع فيها.
مسألة 14 - لو عيّن العوض في الهبة المشروط فيها العوض تعيّن، ويلزم على المتّهب - على فرض عدم ردّ أصل الهبة - بذل ما عيّن. ولو أطلق - بأن شرط عليه أن يثيب ويعوّض ولم يعيّن العوض-: فإن اتّفقا على قدرٍ فذاك، وإلّا فالأحوط أن يعوّض مقدار الموهوب مِثلاً أو قيمةً، وأحوط منه تعويضه بأكثر، خصوصاً إذا كان الواهب أدنى من الموهوب له.
مسألة 15 - الظاهر أنّه لا يعتبر في الهبة المشروط فيها العوض أن يكون التعويض المشروط بعنوان الهبة، بأن يشترط على المتّهب أن يهبه شيئاً؛ بل يجوز أن يكون بعنوان الصلح عن شي ء، بأن يشترط عليه أن يصالحه عن مال أو حقّ، فإذا صالحه عنه وتحقّق منه القبول فقد عوّضه، ولم يكن له الرجوع في هبته؛ وكذا يجوز أن يكون إبراءً من حقّ أو إيقاعَ عملٍ له، كخياطة ثوبه أو صياغة خاتمه ونحو ذلك، فإذا أبرأه منه أو عمل له فقد عوّضه.
مسألة 16 - لو رجع الواهب في هبته في ما جاز له وكان في الموهوب نماء منفصل حدث بعد العقد والقبض - كالثمرة والحمل والولد واللبن في الضرع - كان من مال المتّهب، ولا يرجع إلى الواهب؛ بخلاف المتّصل كالسمن، فإنّه يرجع إليه. ويحتمل أن يكون ذلك مانعاً عن الرجوع، لعدم كون الموهوب معه قائماً بعينه، بل لا يخلو من قوّة؛ بل الظاهر أنّ حصول الثمرة والحمل والولد أيضاً من ذلك، فلايجوز معها الرجوع. نعم، اللبن في الضرع واُجرة البيت والحمّام - سيّما اُجرة المثل لو غصبهما غاصب - ليست منه، فتكون بعد الرجوع للمتّهب.
مسألة 17 - لو مات الواهب بعد إقباض الموهوب لزمت الهبة وإن كانت لأجنبيّ ولم تكن معوّضةً، وليس لورثته الرجوع. وكذلك لومات الموهوب له، فينتقل الموهوب إلى ورثته انتقالاً لازماً.
مسألة 18 - لو باع الواهب العين الموهوبة: فإن كانت الهبة لازمةً - بأن كانت لذي رحم، أو معوّضةً، أو قصد بها القربة، أو خرجت العين عن كونها قائمةً بعينها- يقع البيع فضوليّاً، فإن أجاز المتّهب صحّ؛ وإن كانت غير لازمة فالظاهر صحّة البيع ووقوعه من الواهب، وكان رجوعاً في الهبة. هذا إذا كان ملتفتاً إلى هبته. وإلّا ففي كونه رجوعاً قهراً تأمّل وإشكال، فلا يترك الاحتياط.
مسألة 19 - الرجوع إمّا بالقول، كأن يقول: «رجعت» وما يفيد معناه، وإما بالفعل، كاسترداد العين وأخذها من يد المتّهب؛ ومن ذلك بيعها بل وإجارتها ورهنها إن كان بقصد الرجوع.
مسألة 20 - لا يشترط في الرجوع اطّلاع المتّهب؛ فلو أنشأه من غير اطّلاعه صحّ.
مسألة 21 - يستحبّ العطيّة للأرحام الّذين أمر اللّه تعالى أكيداً بصلتهم ونهى شديداً عن قطيعتهم؛ فعن مولانا الباقر(عليه السلام) قال: «في كتاب علي(عليه السلام): ثلاث خصال لا يموت صاحبهنّ أبداً حتّى يرى وبالهنّ: البغي وقطيعة الرحم واليمين الكاذبة يبارز اللّه بها. وإنّ أعجل الطاعة ثواباً لَصلة الرحم، وإنّ القوم ليكونون فجّاراً فيتواصلون فتنمى أموالهم ويثرون. وإنّ اليمين الكاذبة وقطيعة الرحم لَتذرانِ الديار بلاقع من أهلها وتنقلان الرحم؛ وإنّ نقل الرحم انقطاع النسل».
وأولى بذلك الوالدان اللذان أمر اللّه تعالى ببرّهما؛ فعن أبي عبداللّه (عليه السلام): «إنّ رجلاً أتى النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: أوصني، قال: لا تشرك باللّه شيئاً وإن اُحرقت بالنار وعُذّبت إلّا وقلبك مطمئنّ بالإيمان، ووالديك فأطعهما وبرّهما، حيّين كانا أو ميّتين، وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك فافعل، فإنّ ذلك من الإيمان». وأولى من الكلّ الاُمّ الّتي يتأكّد برّها وصلتها أزيد من الأب؛ فعن الصادق (عليه السلام): «جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول اللّه من أبرّ؟ قال: اُمّك. قال: ثمّ من؟ قال: اُمّك. قال ثمّ من؟ قال: اُمّك. قال: ثمّ من؟ قال: أباك».
والأخبار في هذه المعاني كثيرة فلتطلب من مظانّها.
مسألة 22 - يجوز تفضيل بعض الأولاد على بعض في العطيّة على كراهيّة، وربما يحرم إذا كان سبباً لإثارة الفتنة والشحناء والبغضاء المؤدّية إلى الفساد، كما أنّه ربما يرجح في ما إذا يؤمن من الفساد ويكون لبعضهم خصوصيّة موجبة لأولويّة رعايته. - كتاب الوقف وأخواته
- كتاب الوصية
كتاب الوصيّة
وهي إمّا تمليكيّة، كأن يوصي بشي ء من تركته لزيد، ويلحق بها الإيصاء بالتسليط على حقّ؛ وإمّا عهديّة، كأن يوصي بما يتعلّق بتجهيزه أو باستيجار الحجّ أو الصلاة أو نحوهما له؛ وإمّا فكّيّة تتعلّق بفكّ ملك، كالإيصاء بالتحرير.
مسألة ۱ - إذا ظهرت للإنسان أمارات الموت يجب عليه إيصال ما عنده من أموال الناس - من الودائع والبضائع ونحوها - إلى أربابها؛ وكذا أداء ما عليه خالقيّاً -كقضاء الصلوات والصيام والكفّارات وغيرها- أو خلقيّاً إلّا الديون المؤجّلة. ولو لم يتمكّن من الإيصال والإتيان بنفسه يجب عليه أن يوصي بإيصال ما عنده من أموال الناس إليهم، والإشهاد عليها، خصوصاً إذا خفيت على الورثة؛ وكذا بأداء ما عليه من الحقوق الماليّة خلقيّاً كالديون والضمانات والديات واُروش الجنايات، أو خالقيّاً كالخمس والزكاة والكفّارات ونحوها؛ بل يجب عليه أن يوصي بأن يستأجر عنه ما عليه من الواجبات البدنيّة ممّا يصحّ فيها الاستيناب والاستيجار، كقضاء الصلاة والصوم إن لم يكن له وليّ يقضيها عنه، بل ولو كان له وليّ لا يصحّ منه العمل أو كان ممّن لا يوثق بإتيانه أو يرى عدم صحّة عمله.
مسألة ۲ - إن كان عنده أموال الناس أو كان عليه حقوق وواجبات لكن يعلم أو يطمئنّ بأنّ أخلافه يوصلون الأموال ويؤدّون الحقوق والواجبات لم يجب عليه الإيصال والإيصاء وإن كان أحوط وأولى.
مسألة ۳ - يكفي في الوصيّة كلّ ما دلّ عليها من الألفاظ من أيّ لغة كان. ولا يعتبر فيها لفظ خاصّ؛ ففي التمليكيّة يقول: «أوصيت لفلان بكذا» أو «أعطوا فلاناً» أو «ادفعوا إليه بعد موتي» أو «لفلان بعد موتي كذا» ونحوها بأيّ نحو يفيد ذلك؛ وفي العهديّة: «افعلوا بعد موتي كذا وكذا». والظاهر الاكتفاء بالكتابة حتّى مع القدرة على النطق، خصوصاً في الوصيّة العهديّة إذا علم أنّه كان في مقام الوصيّة وكانت العبارة ظاهرة الدلالة على المعنى المقصود؛ فيكفي وجود مكتوب من الموصي بخطّه وإمضائه أو خاتمه إذا علم من قرائن الأحوال كونه بعنوان الوصيّة، فيجب تنفيذها؛ بل الاكتفاء بالإشارة المفهمة حتّى مع القدرة على النطق أو الكتابة لا يخلو من قوّة وإن كان الأحوط عدم الإيصاء بها اختياراً.
مسألة 4 - للوصيّة التمليكيّة أركان ثلاثة: الموصي والموصى به والموصى له. وقوام العهديّة بأمرين: الموصي والموصى به. نعم، إذا عيّن الموصي شخصاً لتنفيذها تقوم حينئذٍ باُمور ثلاثة: هما والموصى إليه، وهوالّذي يطلق عليه الوصيّ.
مسألة 5 - لا إشكال في أنّ الوصيّة العهديّة لا تحتاج إلى قبول. نعم، لو عيّن وصيّاً لتنفيذها لابدّ من قبوله لكن في وصايته لا في أصل الوصيّة. وأمّا الوصيّة التمليكيّة: فإن كانت تمليكاً للنوع كالوصيّة للفقراء والسادة فهي كالعهديّة لا يعتبر فيها القبول، وإن كانت تمليكاً للشخص فالمشهور على أنّه يعتبر فيها القبول من الموصى له. والظاهر أنّ تحقّق الوصيّة و ترتّب أحكامها من حرمة التبديل ونحوها لا يتوقّف على القبول، لكن تملّك الموصى له متوقّف عليه، فلا يتملّك قهراً؛ فالوصيّة من الإيقاعات، لكنّها جزء سبب للملكيّة في الفرض.
مسألة 6 - يكفي في القبول كلّ ما دلّ على الرضا قولاً أو فعلاً، كأخذ الموصى به والتصرّف فيه بقصد القبول.
مسألة 7 - لا فرق بين وقوع القبول في حياة الموصي أو بعد موته، كما لافرق في الواقع بعد الموت بين أن يكون متّصلاً به أو متأخّراً عنه مدّة.
مسألة 8 - لو ردّ بعضاً وقبل بعضاً صحّ في ما قبله وبطل في ما ردّه على الأقوى، إلّا إذا أوصى بالمجموع من حيث المجموع.
مسألة 9 - لو مات الموصى له في حياة الموصي أو بعد موته قبل أن يصدر منه ردّ أو قبول قام ورثته مقامه في الردّ والقبول، فيملكون الموصى به بقبولهم كمورّثهم لو لم يرجع الموصي عن وصيّته.
مسألة 10 - الظاهر أنّ الوارث يتلقّى المال من الموصي ابتداءً، لا أنّه ينتقل إلى الموصى له أوّلاً ثمّ إلى وارثه وإن كانت القسمة بين الورثة مع التعدّد على حسب قسمة المواريث؛ فعلى هذا لا يخرج من الموصى به ديون الموصى له، ولاتنفذ فيه وصاياه.
مسألة 11 - إذا قبل بعض الورثة وردّ بعضهم صحّت الوصيّة في من قبل وبطلت في من ردّ بالنسبة.
مسألة 12 - يعتبر في الموصي البلوغ والعقل والاختيار والرشد، فلا تصحّ وصيّة الصبيّ. نعم، الأقوى صحّة وصيّة البالغ عشراً إذا كانت في البرّ والمعروف، كبناء المساجد والقناطر ووجوه الخيرات والمبرّات. وكذا لا تصحّ وصيّة المجنون ولو أدواريّاً في دور جنونه، ولا السكران ولا المكره ولا المحجور عليه إذا كانت متعلّقةً بالمال المحجور فيه.
مسألة 13 - يعتبر في الموصي -مضافاً إلى ما ذكر- أن لا يكون قاتل نفسه متعمّداً؛ فمن أوقع على نفسه جرحاً أو شرب سمّاً أو ألقى نفسه من شاهق ونحو ذلك ممّا يقطع أو يظنّ كونه مؤدّياً إلى الهلاك لم تصحّ وصيّته المتعلّقة بأمواله. وإن كان إيقاع ما ذكر خطأً أو كان مع ظنّ السلامة فاتّفق موته به نفذت وصيّته. ولو أوصى ثمّ أحدث في نفسه ما يؤدّي إلى هلاكه لم تبطل وصيّته وإن كان حين الوصيّة بانياً على أن يحدث ذلك بعدها.
مسألة 14 - لا تبطل الوصيّة بعروض الإغماء والجنون للموصي وإن بقيا إلى حين الممات.
مسألة 15 - يشترط في الموصى له الوجود حين الوصيّة؛ فلا تصحّ للمعدوم كالميّت، أو لما تحمله المرأة في المستقبل، ولمن سيوجد من أولاد فلان. وتصحّ للحمل بشرط وجوده حين الوصيّة وإن لم تلجه الروح، وانفصاله حيّاً؛ فلو انفصل ميّتاً بطلت ورجع المال ميراثاً لورثة الموصي.
مسألة 16 - تصحّ الوصيّة للذمّيّ وكذا للمرتدّ الملّيّ إن لم يكن المال ممّا لايملكه الكافر كالمصحف. وفي عدم صحّتها للحربيّ والمرتدّ الفطريّ تأمّلٌ.
مسألة 17 - يشترط في الموصى به في الوصيّة التمليكيّة أن يكون مالاً أو حقّاً قابلاً للنقل كحقّي التحجير والاختصاص، من غير فرق في المال بين كونه عيناً أو ديناً في ذمّة الغير أو منفعةً، وفي العين بين كونها موجودةً فعلاً أو ممّا ستوجد؛ فتصحّ الوصيّة بما تحمله الدابّة أو يثمر الشجر في المستقبل.
مسألة 18 - لابدّ وأن تكون العين الموصى بها ذات منفعة محلّلة مقصودة حتّى تكون مالاً شرعاً؛ فلا تصحّ الوصيّة بالخمر غير المتّخذة للتخليل والخنزير وآلات اللهو والقمار، ولا بالحشرات وكلب الهراش ونحوها، وأن تكون المنفعة الموصى بها محلّلة مقصودة؛ فلا تصحّ الوصيّة بمنفعة المغنّية وآلات اللهو، وكذا منفعة القردة ونحوها.
مسألة 19 - لا تصحّ الوصيّة بمال الغير وإن أجاز المالك إذا كان الإيصاء به عن نفسه، بأن جعل مال الغير لشخص بعد وفاة نفسه؛ وأمّا عن الغير بأن جعله لشخص بعد وفاة مالكه فلا تبعد صحّته ونفوذه بالإجازة.
مسألة 20 - يشترط في الوصيّة العهديّة أن يكون ما أوصى به عملاً سائغاً تعلّق به أغراض العقلاء؛ فلا تصحّ الوصيّة بصرف ماله في معونة الظلمة وقطّاع الطريق وتعمير الكنائس ونسخ كتب الضلال ونحوها، وكذا بصرف المال في ما يكون سفهاً وعبثاً.
مسألة 21 - لو أوصى بما هو سائغ عنده اجتهاداً أو تقليداً و غير سائغ عند الوصيّ - كما أوصى بنقل جنازته بعد دفنه وهو غير جائز عند الوصيّ - لم يجز له تنفيذها، ولو انعكس الأمر انعكس.
مسألة 22 - لو أوصى لغير الوليّ بمباشرة تجهيزه - كتغسيله والصلاة عليه - مع وجود الوليّ ففي نفوذها وتقديمه على الوليّ وعدمه وجهان بل قولان، ولا يترك الوصيّ الاحتياط بالاستيذان من الوليّ، والوليّ بالإذن له.
مسألة 23 - يشترط في نفوذ الوصيّة في الجملة أن لا تكون في الزائد على الثلث. وتفصيله أنّ الوصيّة إن كانت بواجب ماليّ - كأداء ديونه وأداء ما عليه من الحقوق كالخمس والزكاة والمظالم والكفّارات - يخرج من أصل المال بلغ ما بلغ، بل لو لم يوص به يخرج منه وإن استوعب التركة. ويلحق به الواجب الماليّ المشوب بالبدنيّ، كالحجّ ولو كان منذوراً على الأقوى. وإن كانت تمليكيّةً أو عهديّةً تبرّعيّةً - كما إذا أوصى بإطعام الفقراء أو الزيارات أو إقامة التعزية ونحو ذلك- نفذت بمقدار الثلث، وفي الزائد صحّت إن أجاز الورثة، وإلّا بطلت، من غير فرق بين وقوعها في حال الصحّة أو المرض؛ وكذلك إذا كانت بواجب غير ماليّ على الأقوى، كما لو أوصى بالصلاة والصوم عنه إذا اشتغلت ذمّته بهما.
مسألة 24 - لا فرق في ما ذكر بين ما إذا كانت الوصيّة بكسر مشاع أو بمال معيّن أو بمقدار من المال، فكما أنّه لو أوصى بالثلث نفذت ولو أوصى بالنصف نفذت في الثلث إلّا إذا أجاز الورثة كذلك لو أوصى بمال معيّن كبستانه أو بمقدار معيّن كألف دينار، فإنّه ينسب إلى مجموع التركة، فإن لم تزد على ثلث المجموع نفذت، وإلّا تحتاج إلى إذن الورثة.
مسألة 25 - لو كانت إجازة الورثة لما زاد على الثلث بعد موت الموصي نفذت بلا إشكال وإن ردّها قبل موته، وكذا لو أجازها قبل الموت ولم يردّها بعده؛ وأمّا لوردّها بعده فهل تنفذ الإجازة السابقة ولا أثر للردّ بعدها أم لا؟ قولان، أقواهما الأوّل.
مسألة 26 - لو أجاز الوارث بعض الزيادة لاتمامها نفذت بمقدار ما أجاز، وبطلت في الزائد عليه.
مسألة 27 - لو أجاز بعض الورثة دون بعضهم نفذت في حقّ المجيز في الزائد، وبطلت في حقّ غيره؛ فإذا كان للموصي ابن وبنت وأوصى لزيد بنصف ماله قسّمت التركة ثمانية عشر ونفذت في ثلثها وهو ستّة، وفي الزائد وهو ثلاثة احتاج إلى إمضاء الابن والبنت، فإن أمضى الابن دون البنت نفذت في اثنين وبطلت في واحد، وإن أمضت البنت نفذت في واحد وبطلت في اثنين.
مسألة 28 - لو أوصى بعين معيّنة أو مقدار كلّيّ من المال - كمائة دينار - يلاحظ في كونه بمقدار الثلث أو أقلّ أو أزيد بالنسبة إلى أمواله حين الفوت لاحين الوصيّة؛ فلو أوصى بعين كانت بمقدار نصف أمواله حين الوصيّة وصارت لجهة بمقدار الثلث ممّا ترك حين الوفاة نفذت في الكلّ، ولو انعكس نفذت في مقدار الثلث ممّا ترك، وبطلت في الزائد. وهذا ممّا لا إشكال فيه. وإنّما الإشكال في ما إذا أوصى بكسر مشاع - كما إذا قال: «ثلث مالي لزيد بعد وفاتي» - ثمّ تجدّد له بعد الوصيّة أموال وأنّه هل تشمل الوصيّة الزيادات المتجدّدة بعدها أم لا؟ سيّما إذا لم تكن متوقّعة الحصول؛ والظاهر نظراً إلى شاهد الحال أنّ المراد بالمال هو الّذي لولم يوص بالثلث كان جميعه للورثة، وهو ما كان له عند الوفاة. نعم، لو كانت قرينة تدلّ على أنّ مراده الأموال الموجودة حال الوصيّة اقتصر عليها.
مسألة 29 - الإجازة من الوارث إمضاء وتنفيذ؛ فلا يكفي فيها مجرّد الرضا وطيب النفس من دون قول أو فعل يدلّان على الإمضاء.
مسألة 30 - لا تعتبر في الاجازة الفوريّة.
مسألة 31 - يحسب من التركة ما يملك بالموت كالدية، وكذا ما يملك بعد الموت إذا أوجد الميّت سببه قبل موته، مثل ما يقع في الشبكة التي نصبها الميّت في زمان حياته، فيخرج منه دين الميّت ووصاياه. نعم، بعض صورها محلّ تأمّل .
مسألة 32 - للموصي تعيين ثلثه في عين مخصوصة من التركة، وله تفويض التعيين إلى الوصيّ، فيتعيّن في ما عيّنه، ومع الإطلاق - كما لو قال: «ثلث مالي لفلان» - يصير شريكاً مع الورثة بالإشاعة، فلابدّ وأن يكون الإفراز والتعيين برضا الجميع كسائر الأموال المشتركة.
مسألة 33 - انّما يحسب الثلث بعد إخراج ما يخرج من الأصل كالدين والواجبات الماليّة، فإن بقي بعد ذلك شي ء يخرج ثلثه.
مسألة 34 - لو أوصى بوصايا متعدّدة غير متضادّة وكانت من نوع واحد: فإن كانت جميعاً واجبةً ماليّةً ينفذ الجميع من الأصل، وإن كانت واجبةً بدنيّةً أو كانت تبرّعيّةً تنفذ من الثلث، فإن وفى بالجميع أو زادت عليه وأجاز الورثة تنفذ في الجميع؛ وإن لم يجيزوا: فإن لم يكن بين الوصايا ترتيب وتقديم وتأخير في الذكر بل كانت مجتمعةً - كما إذا قال: «اقضوا عشرين سنةً واجباتي البدنيّة» أو «اقضوا عشرين سنةً صلواتي وصيامي» أو قال: «أعطوا زيداً وعمراً وخالداً كلّاً منهم مائة دينار» - كانت بمنزلة وصيّة واحدة، فيوزّع النقص على الجميع بالنسبة؛ فلو أوصى بمقدار من الصوم ومقدار من الصلاة ولم يف الثلث بهما وكانت اُجرة الصلاة ضعف اُجرة الصوم ينتقص من وصيّة الصلاة ضعف ما ينتقص من الصوم، كما إذا كانت التركة ثمانية عشر وأوصى بستّة لاستيجار الصلاة وثلاثة لاستيجار الصوم ولم يجز الورثة بطلتا في الثلاثة، وتوزّع النقص عليهما بالنسبة، فينتقص عن الصلاة اثنان فيصرف فيها أربعة، وعن الصوم واحد ويصرف فيه اثنان، وكذا الحال في التبرّعيّة؛ وإن كانت بينها ترتيب وتقديم وتأخير في الذكر - بأن كانت الثانية بعد تماميّة الاُولى والثالثة بعد تماميّة الثانية وهكذا - وكان المجموع أزيد من الثلث ولم يجز الورثة يبدأ بالأوّل فالأوّل إلى أن يكمل الثلث، ولغت البقيّة.
مسألة 35 - لو أوصى بوصايا مختلفة بالنوع - كما إذا أوصى بأن يُعطى مقدار معيّن خمساً وزكاةً، ومقدار صوماً وصلاةً، ومقدار لإطعام الفقراء-: فإن أطلق ولم يذكر المخرج يبدأ بالواجب الماليّ فيخرج من الأصل، فإن بقي شي ء يعيّن ثلثه ويخرج منه البدنيّ والتبرعيّ، فإن وفى بهما أو لم يف وأجاز الورثة نفذت في كليهما، وإن لم يف ولم يجيزوا يقدّم الواجب البدنيّ ويردّ النقص على التبرعيّ؛ وإن ذكر المخرج وأوصى بأن تخرج من الثلث تقدّم الواجبات - ماليّةً كانت أو بدنيّةً- على التبرّعيّ على الأقوى. وأمّا الواجبات فلا يقدّم بعضها على بعض، بل الظاهر أنّه لو أوصى مرتّباً يقدّم المقدّم فالمقدّم إلى أن يفنى الثلث، فإن بقي من الواجب الماليّ شي ء يخرج من الأصل، وإن بقي من البدنيّ يُلغى ، وإن لم يكن بينها ترتيب يوزّع الثلث عليها، ويتمّ الواجب الماليّ من الأصل دون البدنيّ.
مسألة 36 - لو أوصى بوصايا متضادّة بأن كانت المتأخّرة منافيةً للمتقدّمة -كما لو أوصى بعين شخصيّة لواحد ثمّ أوصى بها لآخر أو أوصى بثلثه لشخص ثمّ أوصى به لآخر - كانت اللاحقة عدولاً عن السابقة فيعمل باللاحقة. ولو أوصى بعين شخصيّة لشخص ثمّ أوصى بنصفها - مثلاً - لشخص آخر فالظاهر كون الثانية عدولاً بالنسبة إلى النصف لا التمام، فيبقى النصف الآخر للأوّل.
مسألة 37 - متعلّق الوصيّة إن كان كسراً مشاعاً من التركة كالثلث أو الربع ملكه الموصى له بالموت والقبول، وله من كلّ شي ء ثلثه أو ربعه، وشارك الورثة فيها من حين ما ملكه. هذا في الوصيّة التمليكيّة. وأمّا في العهديّة كما إذا أوصى بصرف ثلثه أو ربع تركته في العبادات والزيارات كان الموصى به فيها باقياً على حكم مال الميّت، فهو يشارك الورثة حين ما ملكوا بالإرث؛ فكان للميّت من كلّ شي ء ثلثه أو ربعه والباقي للورثة. وهذه الشركة باقية ما لم يفرز الموصى به عن مالهم ولم تقع القسمة بينهم وبين الموصى له؛ فلو حصل نماء متّصل أو منفصل قبل القسمة كان بينهما، ولو تلف شي ء من التركة كان منهما. وإن كان ما أوصى به مالاً معيّناً يساوي الثلث أو دونه اختصّ بالموصى له، ولا اعتراض فيه للورثة، ولاحاجة إلى إجازتهم، لكن إنّما يستقرّ ملكيّة الموصى له أو الميّت في تمام الموصى به إذا كان يصل إلى الوارث ضعف ما أوصى به، فإذا كان له مال عند الورثة بهذا المقدار استقرّت ملكيّة تمام المال المعيّن، فللموصى له أو الوصيّ التصرّف فيه أنحاء التصرّفات، وإن كان ما عدا ما عيّن غائباً توقّف ذلك على حصول مثليه بيد الورثة. نعم، للموصى له أو الوصيّ التصرّف في الثلث بمثل الانتقال إلى الغير، بل لهما المطالبة بتعيين الثلث حتى يتصرّفا فيه كيف شاءا وإن لم يكن للورثة التصرّف في الثلثين بوجه من الوجوه، ولولم يحصل بيد الورثة شي ء منه شاركوا الموصى له في المال المعيّن أثلاثاً: ثلث للموصى له وثلثان للورثة.
مسألة 38 - يجوز للموصي أن يعيّن شخصاً لتنجيز وصاياه وتنفيذها فيتعيّن، ويقال له: الموصى إليه والوصيّ. ويشترط فيه البلوغ والعقل والإسلام؛ فلا تصحّ وصاية الصغير ولا المجنون ولا الكافر عن المسلم وإن كان ذمّيّاً قريباً. وهل يشترط فيه العدالة أم يكفي الوثاقة؟ لا يبعد الثاني وإن كان الأحوط الأوّل.
مسألة 39 - إنّما لا تصحّ وصاية الصغير منفرداً، وأمّا منضمّاً إلى الكامل فلا بأس به، فيستقلّ الكامل بالتصرّف إلى زمان بلوغه، فإذا بلغ شاركه من حينه، وليس له الاعتراض في ما أمضاه الكامل سابقاً، إلّا ماكان على خلاف ما أوصى به الميّت، فيردّه إلى ما أوصى به. ولو مات الصغير أو بلغ فاسد العقل كان للكامل الانفراد بالوصاية.
مسألة 40 - لو طرأ الجنون على الوصيّ بعد موت الموصي فهل تبطل الوصاية أم لا؟ لا يخلو الثاني من وجه وإن لم تنفذ تصرّفاته؛ فلو أفاق جازت التصرّفات، لكنّ الأحوط نصب الحاكم إيّاه. نعم، لو كان جنونه بحيث لا يُرجى زواله فالظاهر بطلانها.
مسألة 41 - الأحوط أن لا يردّ الابن وصيّة والده. ولا يجب على غيره قبول الوصاية، وله أن يردّها مادام الموصي حيّاً بشرط أن يبلغه الردّ وإن كان الأحوط الأولى أن لا يردّ في ما إذا لم يتمكّن الموصي من الإيصاء إلى غيره؛ فلو كان الردّ بعد موت الموصي أو قبله ولكن لم يبلغه حتّى مات كانت الوصاية لازمةً على الوصيّ وليس له الردّ، بل لولم يبلغه أنّه قد أوصى إليه وجعله وصيّاً إلّا بعد موت الموصي لزمته الوصاية وليس له ردّها.
مسألة 42 - يجوز للموصي أن يجعل الوصاية لاثنين فما فوق؛ فإن نصّ على الاستقلال والانفراد لكلّ منهما أو كان لكلامه ظهور فيه ولو بقرينة حال أو مقال فيتّبع، وإلّا فليس لكلّ منهما الاستقلال بالتصرّف، لا في جميع ما أوصى به ولا في بعضه؛ وليس لهما أن يقسّما الثلث وينفرد كلّ منهما في نصفه، من غير فرق في ذلك بين أن يشترط عليهما الاجتماع أو يطلق. ولو تشاحّا ولم يجتمعا أجبرهما الحاكم على الاجتماع، فإن تعذّر استبدل بهما. هذا إذا لم يكن التشاحّ لاختلاف اجتهادهما ونظرهما، وإلّا فألزمهما على نظر ثالث إذا كان في أنظارهما تعطيل العمل بالوصاية، فإن امتنعا استبدل بهما، وإن امتنع أحدهما استبدل به.
مسألة 43 - لو مات أحد الوصيّين أو طرأ عليه الجنون أو غيره ممّا يوجب ارتفاع وصايته فالأحوط مع عدم استقلال كلّ منهما ضمّ الحاكم شخصاً إليه، بل اللزوم لا يخلو من قوّة. ولوماتا معاً احتاج إلى النصب من قبله، فهل اللازم نصب اثنين أويجوز نصب واحد إذا كان كافياً؟ وجهان، أحوطهماالأوّل وأقواهما الثاني.
مسألة 44 - يجوز أن يوصي إلى واحد في شي ء وإلى آخر في غيره، ولايشارك أحدهما الآخر.
مسألة 45 - لو قال: «أوصيت إلى زيد فإن مات فإلى عمرو» صحّ ويكون وصيّاً بعد موته، وكذا لو قال: «أوصيت إلى زيد، فإن كبر ابني أو تاب عن فسقه أو اشتغل بالعلم فهو وصيّي» فإنّه يصحّ، وتنتهي وصاية زيد بحصول ما ذكر.
مسألة 46 - لو ظهرت خيانة الوصيّ فعلى الحاكم عزله ونصب شخص آخر مكانه أو ضمّ أمين إليه حسب ما يراه من المصلحة. ولوظهرمنه العجزعن الاستقلال ضمّ إليه من يساعده. وأمّا إن عجز عن التدبير والعمل مطلقاً بحيث لايُرجى زواله - كالهرم الخرف - فالظاهر انعزاله، وعلى الحاكم نصب شخص آخر مكانه.
مسألة 47 - لو لم ينجّز الوصيّ ما اُوصي إليه في حياته ليس له أن يجعل وصيّاً لتنجيزه بعد موته، إلّا إذا كان مأذوناً من الموصي في الإيصاء.
مسألة 48 - الوصيّ أمين؛ فلا يضمن ما كان في يده إلّا مع التعدّي أو التفريط ولو بمخالفة الوصيّة، فيضمن لو تلف.
مسألة 49 - لو أوصى إليه بعمل خاصّ أو قدر مخصوص أو كيفيّة خاصّة اقتصر عليه ولم يتجاوز إلى غيره؛ وأمّا لو أطلق بأن قال: «أنت وصيّي» من دون ذكر المتعلّق فالأقرب وقوعه لغواً، إلّا إذا كان هناك عرف خاصّ وتعارفٌ يدلّ على المراد فيتّبع، كما في عرف بعض الطوائف، حيث إنّ مرادهم بحسب الظاهر الولاية على أداء ما عليه من الديون، واستيفاء ماله على الناس، وردّ الأمانات والبضائع إلى أهلها، وإخراج ثلثه وصرفه في ما ينفعه - ولو بنظر الحاكم - من استيجار العبادات وأداء الحقوق الواجبة والمظالم ونحوها. نعم، في شموله بمجرّده للقيمومة على الأطفال تأمّل وإشكال، فالأحوط أن يكون تصدّيه لاُمورهم بإذن من الحاكم. وبالجملة: المدار هو التعارف بحيث يكون قرينةً على مراده، فيختلف باختلاف الأعصار والأمصار.
مسألة 50 - ليس للوصيّ أن يعزل نفسه بعد موت الموصي، ولا أن يفوّض أمر الوصيّة إلى غيره. نعم، له التوكيل في بعض الاُمور المتعلّقة بها ممّا لم يتعلّق الغرض إلّا بوقوعها من أيّ مباشر كان، خصوصاً إذا كان ممّا لم يجر العادة على مباشرة أمثال هذا الوصيّ ولم يشترط عليه المباشرة.
مسألة 51 - لو نسي الوصيّ مصرف الوصيّة مطلقاً: فإن تردّد بين أشخاص محصورين يقرع بينهم على الأقوى، أو جهات محصورة يقسّط بينها، وتحتمل القرعة، ويحتمل التخيير في صرفه في أيّ الجهات شاء منها، ولا يجوز صرفه في مطلق الخيرات على الأقرب؛ وإن تردّد بين أشخاص أو جهات غير محصورة يجوز صرفه في الخيرات المطلقة في الأوّل، والأولى عدم الخروج عن طرف الشبهة، وجهةٍ من الجهات في الثاني بشرط عدم الخروج عن أطراف الشبهة.
مسألة 52 - لو أوصى الميّت وصيّةً عهديّةً ولم يعيّن وصيّاً أو بطل وصاية من عيّنه - بموت أو جنون أو غير ذلك - تولّى الحاكم أمرها أو عيّن من يتولّاه؛ ولولم يكن الحاكم ولا منصوبه تولّاه من المؤمنين من يوثق به.
مسألة 53 - يجوز للموصي أن يجعل ناظراً على الوصيّ، ووظيفته تابعة لجعله: فتارةً من جهة الاستيثاق على وقوع ما أوصى به يجعل الناظر رقيباً على الوصيّ، بأن يكون أعماله باطّلاعه حتّى أنّه لو رأى منه خلاف ما قرّره الموصي لاعترض عليه، واُخرى من جهة عدم الاطمينان بأنظار الوصيّ والاطمينان بأنظار الناظر يجعل على الوصيّ أن يكون أعماله على طبق نظره، ولا يعمل إلّا ما رآه صلاحاً، فالوصيّ وإن كان وليّاً مستقلّاً في التصرّف لكنّه غير مستقلّ في الرأي والنظر، فلايمضي من أعماله إلّا ما وافق نظر الناظر؛ فلو استبدّ الوصيّ بالعمل على نظره من دون مراجعة الناظر واطّلاعه وكان عمله على طبق ما قرّره الموصي فالظاهر صحّته ونفوذه على الأوّل بخلافه على الثاني، ولعلّ الغالب المتعارف في جعل الناظر في الوصايا هو النحو الأوّل.
مسألة 54 - يجوز للأب مع عدم الجدّ وللجدّ للأب مع فقد الأب جعل القيّم على الصغار، ومعه لاولاية للحاكم. وليس لغيرهما أن ينصب القيّم عليهم حتّى الاُمّ.
مسألة 55 - يشترط في القيّم على الأطفال ما اشترط في الوصيّ على المال. والأحوط اعتبار العدالة وإن كان الاكتفاء بالأمانة ووجود المصلحة ليس ببعيد.
مسألة 56 - لو عيّن الموصي على القيّم تولّي جهة خاصّة وتصرّفاً مخصوصاً اقتصر عليه، ويكون أمر غيره بيد الحاكم أو المنصوب من قبله؛ فلو جعله قيّماً في حفظ ماله وما يتعلّق بإنفاقه - مثلاً - ليس له الولاية على أمواله بالبيع والإجارة ونحوهما، وعلى نفسه بالإجارة ونحوها، وعلى ديونه بالوفاء والاستيفاء. ولوأطلق وقال: «فلانٌ قيّمٌ على أولادي» - مثلاً - كان وليّاً على جميع ما يتعلّق بهم ممّا كان للموصي الولاية عليه، فله الإنفاق عليهم بالمعروف، والإنفاق على من عليهم نفقته، وحفظ أموالهم واستنماؤها، واستيفاء ديونهم، وإيفاء ما عليهم، كأرش ما أتلفوا من أموال الناس، وكذا إخراج الحقوق المتعلّقة بأموالهم كالخمس وغير ذلك. وفي ولايته على تزويجهم كلام يأتي في محلّه إن شاء اللّه تعالى.
مسألة 57 - يجوز جعل الولاية على الأطفال لاثنين فما زاد بالاستقلال والاشتراك، وجعل الناظر على الوصيّ كالوصيّة بالمال.
مسألة 58 - ينفق الوصيّ على الصبيّ من غير إسراف ولا تقتير، فيطعمه ويلبسه عادة أمثاله ونظرائه؛ فإن أسرف ضمن الزيادة. ولو بلغ فأنكر أصل الإنفاق أو ادّعى عليه الإسراف فالقول قول الوصيّ بيمينه؛ وكذا لو ادّعى عليه أنّه باع ماله من غير حاجة ولا غبطة. نعم، لو اختلفا في دفع المال إليه بعد البلوغ فادّعاه الوصيّ وأنكره الصبيّ قُدّم قول الصبيّ، والبيّنة على الوصيّ.
مسألة 59 - يجوز للقيّم الّذي يتولّى اُمور اليتيم أن يأخذ من ماله اُجرة مثل عمله، سواء كان غنيّاً أو فقيراً، وإن كان الأحوط الأولى للأوّل التجنّب. وأمّا الوصيّ على الأموال: فإن عيّن الموصي مقدار المال الموصى به وطبّقه على مصرفه المعيّن بحيث لم يُبق شيئاً لاُجرة الوصيّ واستلزم أخذها إمّا الزيادة على المال الموصى به أو النقصان في مقدار المصرف لم يجز له أن يأخذ الاُجرة لنفسه؛ وإن عيّن المال والمصرف على نحو قابل للزيادة والنقصان كان حاله حال متولّي الوقف في أنّه لو لم يعيّن له جُعلاً معيّناً جاز له ان يأخذ اُجرة مثل عمله، كما إذا أوصى بأن يصرف ثلثه أو مقداراً معيّناً من المال في بناء القناطر وتسوية المعابر وتعمير المساجد.
مسألة 60 - الوصيّة جائزة من طرف الموصي؛ فله أن يرجع عنها مادام فيه الروح، وتبديلها من أصلها أو من بعض جهاتها وكيفيّاتها ومتعلّقاتها؛ فله تبديل الموصى به كلّاً أو بعضاً، وتغيير الوصيّ والموصى له وغير ذلك. ولو رجع عن بعض الجهات يبقى غيرها بحاله؛ فلو أوصى بصرف ثلثه في مصارف مخصوصة وجعل الوصاية لزيد ثمّ بعد ذلك عدل عن وصاية زيد وجعلها لعمرو يبقى أصل الوصيّة بحاله؛ وكذلك إذا أوصى بصرف ثلثه في مصارف معيّنة على يد زيد ثمّ بعد ذلك عدل عن تلك المصارف إلى اُخرى تبقى الوصاية على يد زيد بحالها وهكذا. وكما له الرجوع في الوصيّة المتعلّقة بالمال كذلك له الرجوع في الوصيّة بالولاية على الأطفال.
مسألة 61 - يتحقّق الرجوع عن الوصيّة بالقول. وهو كلّ لفظ دالّ عليه عرفاً بايّ لغة كان، نحو «رجعت عن وصيّتي» أو «أبطلتها» أو «عدلت عنها» أو «نقضتها» ونحوها؛ وبالفعل. وهو إمّا بإعدام موضوعها كإتلاف الموصى به، وكذا نقله إلى الغير بعقد لازم كالبيع، أو جائزٍ كالهبة مع القبض، وإمّا بما يعدّ عند العرف رجوعاً وإن بقي الموصى به بحاله وفي ملكه، كما إذا وكّل شخصاً على بيعه.
مسألة 62 - الوصيّة بعد ما وقعت تبقى على حالها ويعمل بها لولم يرجع الموصي وإن طالت المدّة. ولو شكّ في الرجوع ولو للشكّ في كون لفظ أو فعل رجوعاً يحكم ببقائها وعدم الرجوع. هذا إذا كانت الوصيّة مطلقةً، بأن كان مقصود الموصي وقوع مضمون الوصيّة والعمل بها بعد موته في أيّ زمان قضى اللّه عليه. وأمّا لو كانت مقيّدةً بموته في سفر كذا أو عن مرض كذا ولم يتّفق موته في ذلك السفر أو عن ذلك المرض بطلت تلك الوصيّة. ولو أوصى في جناح سفر أو في حال مرض ونحوهما وقامت قرائن حاليّة أو مقاليّة على عدم الإطلاق وأنّ نظره مقصور على موته في هذه الأحوال لا يجوز العمل بها، وإلّا فالأقرب الأخذ بها والعمل عليها ولو مع طول المدّة إلّا إذا نسخها، سيّما إذا ظهر من حاله أنّ عدم الإيصاء الجديد لأجل الاعتماد على الوصيّة السابقة، كما إذا شوهد منه المحافظة على ورقة الوصيّة مثلاً.
مسألة 63 - لا تثبت الوصيّة بالولاية - سواء كانت على المال أو على الأطفال- إلّا بشهادة عدلين من الرجال. ولا تقبل فيها شهادة النساء لا منفردات ولا منضمّات بالرجال. وأمّا الوصيّة بالمال فهي كسائر الدعاوي الماليّة تثبت بشهادة رجلين عدلين، وشاهد ويمين، وشهادة رجل عدل وامرأتين عادلتين. وتمتاز من بين الدعاوي الماليّة بأمرين: أحدهما: أنّها تثبت بشهادة النساء منفردات وإن لم تكمل أربع ولم تنضمّ اليمين، فتثبت ربعها بواحدة عادلة، ونصفها باثنتين، وثلاثة أرباعها بثلاث، وتمامها بأربع. ثانيهما: أنّها تثبت بشهادة رجلين ذمّيّين عدلين في دينهما عند الضرورة وعدم عدول المسلمين. ولا تقبل شهادة غير أهل الذمّة من الكفّار.
مسألة 64 - لو كانت الورثة كباراً وأقرّوا كلّهم بالوصيّة بالثلث وما دونه لوارث أو أجنبيّ أو بأن يصرف في مصرف تثبت في تمام الموصى به، ويُلزمون بالعمل بها أخذاً بإقرارهم، ولا يحتاج إلى بيّنة. وإن أقرّبها بعضهم دون بعض: فإن كان المقرّ اثنين عدلين تثبت أيضاً في التمام، لكونه إقراراً بالنسبة إلى المقرّ وشهادةً بالنسبة إلى غيره، فلا يحتاج إلى بيّنة اُخرى؛ وإلّا تثبت بالنسبة إلى حصّة المقرّ، ويحتاج إلى البيّنة في الباقين. نعم، لو كان المقرّ عدلاً واحداً وكانت الوصيّة بالمال لشخص أو أشخاص كفى ضمّ يمين المقرّله بإقرار المقرّ في ثبوت التمام؛ بل لوكان امرأة واحدة عادلة تثبت في ربع حصّة الباقين على حذو ما تقدّم في المسألة السابقة. وبالجملة: المقرّ من الورثة شاهد بالنسبة إلى حصص الباقين كالأجنبيّ، فيثبت به ما يثبت به.
مسألة 65 - لو أقرّ الوارث بأصل الوصيّة كان كالأجنبيّ، فليس له إنكار وصاية من يدّعيها، ولا يسمع منه كغيره. نعم، لو كانت الوصيّة متعلّقةً بالقصّر، أو العناوين العامّة كالفقراء، أو وجوه القرب كالمساجد والمشاهد، أو الميّت نفسه كاستيجار العبادات والزيارات له ونحو ذلك، كان لكلّ من يعلم كذب مدّعي الوصاية - خصوصاً إذا رأى منه الخيانة - الإنكار عليه والترافع معه عند الحاكم من باب الحسبة؛ لكن الوارث والأجنبيّ في ذلك سيّان إلّا في ما تعلّقت باُمور الميّت، فإنّه لا يبعد أولويّة الوارث من غيره، واختصاص حقّ الدعوى به مقدّماً على غيره.
مسألة 66 - قد مرّ في كتاب الحجر أنّ الوصيّة نافذة في الثلث، وفي الزائد يتوقّف على إمضاء الوارث، والمنجّزات نافذة في الأصل حتّى من المريض في مرض موته، وحتّى المجّانيّة والمحاباتيّة على الأقوى.
مسألة 67 - لو جمع في مرض الموت بين عطيّة منجّزة ومعلّقة على الموت: فإن وفى الثلث بهما لا إشكال في نفوذهما في تمام ما تعلّقتا به؛ وإن لم يفِ بهما يبدأ بالمنجّزة، فتخرج من الأصل، وتخرج المعلّقة من ثلث ما بقي مع عدم إذن الورثة. - كتاب الايمان والنذور
- كتاب الكفارات
- كتاب الصيد والذباحة
- كتاب الأطعمة والاشربة
- كتاب الغصب
كتاب الغصب
وهو الاستيلاء على ما للغير من مال أو حقّ عدواناً. وقد تطابق العقل والنقل -كتاباً وسنّةً وإجماعاً- على حرمته، وهو من أفحش الظلم الّذي قد استقلّ العقل بقبحه.
وفي النبويّ: «من غصب شبراً من الأرض طوّقه اللّه من سبع أرضين يوم القيامة»، وفي نبويّ آخر: «من خان جاره شبراً من الأرض جعله اللّه طوقاً في عنقه من تخوم الأرض السابعة، حتّى يلقى اللّه يوم القيامة مطوّقاً، إلّا أن يتوب ويرجع»، وفي آخر: «من أخذ أرضاً بغير حقّ كلّف أن يحمل ترابها إلى المحشر»، ومن كلام أميرالمؤمنين 7: «الحجر الغصب في الدار رهن على خرابها».
مسألة 1 - المغصوب إمّا عين مع المنفعة من مالك واحد أو مالكين، وإمّا عين بلا منفعة، وإمّا منفعة مجرّدة، وإمّا حقّ ماليّ متعلّق بعين؛ فالأوّل: كغصب الدار من مالكها، وكغصب العين المستأجرة من المؤجر والمستأجر؛ والثاني: كما إذا غصب المستأجر العين المستأجرة من مالكها في مدّة الإجارة؛ والثالث: كما إذا أخذ المؤجر العين المستأجرة وانتزعها من يد المستأجر واستولى على منفعتها مدّة الإجارة؛ والرابع: كما إذا استولى على أرض محجّرة أو عينٍ مرهونة بالنسبة إلى المرتهن الّذي له فيها حقّ الرهانة، ومن ذلك غصب المساجد والمدارس والرباطات والقناطر والطرق والشوارع العامّة، وكذا غصب المكان الّذي سبق إليه أحد من المساجد والمشاهد، على احتمال موافق للاحتياط.
مسألة 2 - المغصوب منه قد يكون شخصاً، كما في غصب الأعيان والمنافع المملوكة للأشخاص والحقوق لهم، وقد يكون النوع أو الجهة، كغصب الرباط المعدّ لنزول القوافل، والمدرسةِ المعدّة لسكنى الطلبة إذا غصب أصل المدرسة ومنع عن سكنى الطلبة، وكغصب الخمس والزكاة قبل دفعهما إلى المستحقّ، وكغصب ما يتعلّق بالمشاهد والمساجد ونحوهما.
مسألة 3 - للغصب حكمان تكليفيّان: وهما الحرمة ووجوب الردّ إلى المغصوب منه أو وليّه، وحكم وضعيّ، وهو الضمان، بمعنى كون المغصوب على عهدة الغاصب، وكون تلفه وخسارته عليه، وأنّه إذا تلف يجب عليه دفع بدله، ويقال لهذا الضمان: ضمان اليد.
مسألة 4 - يجري الحكمان التكليفيّان في جميع أقسام الغصب، فالغاصب آثم فيها ويجب عليه الردّ. وأمّا الحكم الوضعيّ - وهو الضمان - فيختصّ بما إذا كان المغصوب من الأموال، عيناً كان أو منفعةً؛ فليس في غصب الحقوق ضمان اليد.
مسألة 5 - لو استولى على حُرّ فحبسه لم يتحقّق الغصب - لا بالنسبة إلى عينه ولا بالنسبة إلى منفعته - وإن أثم بذلك وظلمه، سواء كان كبيراً أو صغيراً؛ فليس عليه ضمان اليد الّذي هو من أحكام الغصب؛ فلو أصابه حرقٌ أو غرقٌ أو مات تحت استيلائه من غير تسبيب منه لم يضمن؛ وكذا لا يضمن منافعه، كما إذا كان صانعاً ولم يشتغل بصنعته في تلك المدّة فلا يضمن اُجرته. نعم، لو استوفى منه منفعةً - كما إذا استخدمه - لزمه اُجرته؛ وكذا لو تلف بتسبيب منه، مثل ما إذا حبسه في دار فيها حيّة فلدغته أو في محلّ السباع فافترسته ضمنه، من جهة سببيّته للتلف، لا لأجل الغصب واليد.
مسألة 6 - لو منع غيره عن إمساك دابّته المرسلة أو من القعود على فراشه أو عن الدخول في داره أو عن بيع متاعه لم يكن غاصباً وإن كان عاصياً وظالماً له من جهة منعه؛ فلو هلكت الدابّة وتلف الفراش أو انهدمت الدار أو نقصت قيمة المتاع بعد المنع لم يكن على المانع ضمان اليد، وهل عليه ضمان من جهة اُخرى أم لا؟ أقواهما العدم في الأخير، وهو ما إذا نقصت القيمة. وأمّا في غيره: فإن كان الهلاك والتلف والانهدام غير مستند إلى منعه بأن كانت بآفة سماويّة وسبب قهريّ - لا يتفاوت في ترتّبها بين ممنوعيّة المالك وعدمها - لم يكن عليه ضمان، وأمّا إذا كان مستنداً إليه كما إذا كانت الدابّة ضعيفةً أو في موضع السباع وكان المالك يحفظها فلمّا منعه المانع ولم يقدر على حفظها وقع عليها الهلاك ففي الضمان تأمّلٌ، لكنّه أحوط.
مسألة 7 - استيلاء الغاصب على المغصوب وصيرورته تحت يده عرفاً يختلف باختلاف المغصوبات. والميزان صيرورة الشي ء كذلك عدواناً؛ ففي المنقول غير الحيوان يتحقّق بأخذه بيده أو بنقله إليه أو إلى بيته أو دكّانه أو أنباره وغيرها ممّا يكون محرزاً لأمواله ولو كان ذلك لا بمباشرته بل بأمره؛ فلو نقل حمّال بأمره كان الآمر غاصباً وكفى في الضمان، بل ولوكان المنقول في بيته أو دكّانه - مثلاً - وطالب المالك ولم يؤدّه إليه وكان مستولياً على البيت والدكّان يكفي في الضمان، بل لو استولى على الفراش - مثلاً - ولو بقعوده عليه كفى. ولايكفي مجرّد القعود وقصد الاستيلاء ما لم يتحقّق ذلك عرفاً، وهو مختلف في الموارد؛ كما أنّ في الحيوان أيضاً هو الميزان. ويكفي الركوب عليه لو أخذ مقوده وزمامه أو سوقه بعد طرد المالك ودفعه أو عدم حضوره إذا كان يمشي بسياقه ويكون منقاداً له؛ فلو كانت قطيع غنم في الصحراء ومعها راعيها فطرده واستولى عليها بعنوان القهر والانتزاع من مالكها وجعل يسوقها وصار بمنزلة راعيها يحافظها ويمنعها عن التفرّق فالظاهر كفايته في تحقّق الغصب، لصدق الاستيلاء عرفاً. وأمّا غير المنقول فيكفي في غصب الدار ونحوها - كالدكّان والخان - أن يسكنها أو يسكن غيره ممّن يأتمر بأمره فيها بعد إزعاج المالك عنها أو عدم حضورها؛ وكذا لو أخذ مفاتيحها من صاحبها قهراً وكان يغلق الباب ويفتحه ويتردّد فيها. وأمّا البستان فكذلك لو كان له باب وحيطان، وإلّا فيكفي دخوله والتردّد فيه بعد طرد المالك بعنوان الاستيلاء وبعض التصرّفات فيه. وكذا الحال في غصب القرية والمزرعة. هذا كلّه في غصب الأعيان. وأمّا غصب المنافع فإنّما هو بانتزاع العين ذات المنفعة عن مالك المنفعة وجعلها تحت يده بنحو ما تقدّم، كما في العين المستأجرة إذا أخذها المؤجر أو غيره من المستأجر واستولى عليها في مدّة الإجارة، سواء استوفى تلك المنفعة الّتي ملكها المستأجر أم لا.
مسألة 8 - لو دخل الدار وسكنها مع مالكها فإن كان المالك ضعيفاً غير قادر على مدافعته وإخراجه: فإن اختصّ استيلاؤه وتصرّفه بطرفٍ معيّن منها اختصّ الغصب والضمان بذلك الطرف دون غيره؛ وإن كان استيلاؤه وتصرّفاته وتقلّباته في أطراف الدار وأجزائها بنسبة واحدة وتساوي يد الساكن مع يد المالك عليها فالظاهر كونه غاصباً للنصف، فيكون ضامناً له خاصّة، بمعنى أنّه لو انهدمت الدار ضمن الساكن نصفها، ولو انهدم بعضها ضمن نصف ذلك البعض، وكذا يضمن نصف منافعها. ولو فرض أنّ المالك الساكن أزيد من واحد ضمن الساكن الغاصب بالنسبة في الفرض، فإن كانا اثنين ضمن الثلث، وإن كانوا ثلاثة ضمن الربع وهكذا. ولو كان الساكن ضعيفاً بمعنى أنّه لا يقدر على مقاومة المالك وأنّه كلّما أراد أن يخرجه من داره أخرجه فالظاهر عدم تحقّق الغصب ولا اليد ولا الاستيلاء، فليس عليه ضمان اليد. نعم، عليه بدل ما استوفاه من منفعة الدار مادام كونه فيها.
مسألة 9 - لو أخذ بمقود الدابّة فقادها وكان المالك راكباً عليها: فإن كان في الضعف وعدم الاستقلال بمثابة المحمول عليها كان القائد غاصباً لها بتمامها، ويتبعه الضمان؛ ولو كان بالعكس (بأن كان المالك الراكب قويّاً قادراً على مقاومته ومدافعته) فالظاهر عدم تحقّق الغصب أصلاً، فلا ضمان عليه لو تلفت الدابّة في تلك الحال. نعم، لا إشكال في ضمانه لها لو اتّفق تلفها بسبب قوده لها، كما يضمن السائق لها لو كان لها جماح فشردت بسوقه فوقعت في بئر أو سقطت عن مرتفع -مثلاً - فتلفت أو عيبت.
مسألة 10 - لو اشترك اثنان في الغصب ضمن كلّ منهما للبعض بنسبةالاستيلاء، إن نصفاً فنصف وهكذا، سواء كان كلّ واحد منهما قويّاً قادراً على الاستيلاء على العين ودفع المالك والقهر عليه أم لا، بل كان كلّ ضعيفاً بانفراده وإنّما استيلاؤهما عليها ودفع المالك كان بالتعاضد والتعاون، وسواء كان المالك حاضراً أو غائباً.
مسألة 11 - غصب الأوقاف العامّة - كالمساجد والمقابر والمدارس والقناطر والرباطات المعدّة لنزول المسافرين والطرق والشوارع العامّة ونحوها - والاستيلاء عليها وإن كان حراماً ويجب ردّها لكنّ الظاهر أنّه لا يوجب ضمان اليد، لا عيناً ولا منفعةً؛ فلو غصب مسجداً أو مدرسةً أو رباطاً فانهدمت تحت يده من دون تسبيب منه لم يضمن عينها ولا منفعتها. نعم، الأوقاف العامّة على الفقراء أو غيرهم بنحو وقف المنفعة يوجب غصبها الضمان عيناً ومنفعة؛ فإذا غصب خاناً أو دكّاناً أو بستاناً كانت وقفاً على الفقراء - مثلاً - على أن تكون منفعتها ونماؤها لهم ترتّب عليه الضمان كغصب المملوك.
مسألة 12 - لو حبس حرّاً لم يضمن - لا نفسه ولا منافعه - ضمان اليد حتّى في ما إذا كان صانعاً؛ فليس على الحابس اُجرة صنعته مدّة حبسه. نعم، لو كان أجيراً لغيره في زمان فحبسه حتّى مضى ضمن منفعته الفائتة للمستأجر؛ وكذا لو استخدمه واستوفى منفعته كان عليه اُجرة عمله. ولو غصب دابّةً - مثلاً - ضمن منافعها، سواء استوفاها أم لا.
مسألة 13 - لو منع حرّاً عن عمل له اُجرة من غير تصرّف واستيفاء لم يضمن عمله، ولم يكن عليه اُجرته.
مسألة 14 - يلحق بالغصب في الضمان المقبوضُ بالعقد المعاوضيّ الفاسد أو كالمعاوضيّ مثل المهر. ويلحق به المقبوض بمثل الجعالة الفاسدة ممّا لا يكون عقداً؛ فالمبيع الّذي يأخذه المشتري والثمن الّذي يأخذه البائع في البيع الفاسد يكون ضمانهما كالمغصوب، سواء كانا عالمين بالفساد أو لا؛ وكذلك الاُجرة الّتي يأخذها المؤجر في الإجارة الفاسدة؛ وكذا المهر الّذي تأخذه المرأة في النكاح الفاسد، والجُعل الّذي يأخذه العامل في الجعالة الفاسدة. وأمّا المقبوض بالعقد الفاسد غير المعاوضيّ وأشباهه فليس فيه ضمان؛ فلو قبض المتّهب ما وهب له بالهبة الفاسدة ليس عليه ضمان. ويلحق بالغصب أيضاً المقبوض بالسوم. والمراد به ما يأخذه الشخص لينظر فيه أو يضع عنده ليطّلع على خصوصيّاته لكي يشتريه إذا وافق نظره، فهو في ضمان آخذه، فلو تلف عنده ضمنه.
مسألة 15 - يجب ردّ المغصوب إلى مالكه مادام باقياً وإن كان في ردّه مؤونة، بل وإن استلزم ردّه الضرر عليه، حتّى أنّه لو أدخل الخشبة المغصوبة في بناءٍ لزم عليه إخراجها وردّها لو أرادها المالك وإن أدّى إلى خراب البناء؛ وكذا إذا أدخل اللوح المغصوب في سفينة يجب عليه نزعه وردّه، إلّا إذا خيف من قلعه الغرق الموجب لهلاك نفس محترمة أو مال محترم لغير الغاصب الجاهل بالغصب، وإلّا ففيه تفصيل. وهكذا الحال في ما إذا خاط ثوبه بخيوط مغصوبة، فإنّ للمالك إلزامه بردّها، ويجب عليه ذلك وإن أدّى إلى فساد ثوبه. وإن ورد نقص على الخشب أو اللوح أو الخيط بسبب إخراجها ونزعها يجب على الغاصب تداركه. هذا إذا يبقى للمخرج والمنزوع قيمة بعد ذلك، وإلّا فالظاهر أنّه بحكم التالف، فيلزم الغاصب بدفع البدل، وليس للمالك مطالبة العين.
مسألة 16 - لو مزج المغصوب بما يمكن تميزه ولكن مع المشقّة - كما إذا(1) مزج الشعير المغصوب بالحنطة أو الدخن بالذرّة - يجب عليه أن يميّزه ويردّه.
مسألة 17 - يجب على الغاصب مع ردّ العين بدل ما كانت لها من المنفعة في تلك المدّة إن كانت لها منفعة، سواء استوفاها - كالدار سكنها والدابّة ركبها - أم لإ؛كك ظي وجعلها معطّلة.
مسألة 18 - لو كانت للعين منافع متعدّدة وكانت معطّلةً فالمدار المنفعة المتعارفة بالنسبة إلى تلك العين، ولا ينظر إلى مجرّد قابليّتها لبعض منافع اُخر؛ فمنفعة الدار بحسب المتعارف هي السكنى وإن كانت قابلةً في نفسها بأن تجعل محرزاً أو مسكناً لبعض الدوابّ وغير ذلك، ومنفعة بعض الدوابّ كالفرس بحسب المتعارف الركوب ومنفعة بعضها الحمل وإن كانت قابلةً في نفسها لأن تستعمل في إدارة الرحى والدولاب أيضاً. فالمضمون في غصب كلّ عين هو المنفعة المتعارفة بالنسبة إليها. ولو فرض تعدّد المتعارف منها على نحو التبادل كبعض الدوابّ الّتي تعارف استعمالها في الحمل والركوب معاً: فإن لم يتفاوت اُجرة تلك المنافع ضمن تلك الاُجرة، وإن كانت اُجرة بعضها أعلى ضمن الأعلى؛ فلو فرض أنّ اُجرة الحمل في كلّ يوم درهمان واُجرة الركوب درهم كان عليه درهمان. والظاهر أنّ الحكم كذلك مع الاستيفاء أيضاً، فمع تساوي المنافع في الاُجرة كان عليه اُجرة ما استوفاه، ومع التفاوت كان عليه اُجرة الأعلى، سواء استوفى الأعلى أو الأدنى.
مسألة 19 - إن كان المغصوب منه شخصاً يجب الردّ إليه أو إلى وكيله إن كان كاملاً، وإلى وليّه إن كان قاصراً كما إذا كان صبيّاً أو مجنوناً؛ فلو ردّ في الثاني إلى نفس المالك لم يرتفع منه الضمان. وإن كان المغصوب منه هو النوع كما إذا كان المغصوب وقفاً على الفقراء وقف منفعة: فإن كان له متولّ ٍ خاصّ يردّه إليه، وإلّا فيردّه إلى الوليّ العامّ، وهو الحاكم، وليس له أن يردّه إلى بعض أفراد النوع، بأن يسلّمه في المثال المذكور إلى أحد الفقراء. نعم، في مثل المساجد والشوارع والقناطر بل الرباطات إذا غصبها يكفي في ردّها رفع اليد عنها وإبقاؤها على حالها. بل يحتمل أن يكون الأمر كذلك في المدارس؛ فإذا غصب مدرسةً يكفي في ردّها رفع اليد عنها والتخلية بينها وبين الطلبة، والأحوط الردّ إلى الناظر الخاصّ لو كان، وإلّا فإلى الحاكم. هذا إذا غصبها ولم يكن فيها ساكن، وإلاّ فلا يبعد وجوب الردّ إلى الطلبة الساكنين فيها حال الغصب إن لم يعرضوا عن حقّهم.
مسألة 20 - إذا كان المغصوب والمالك كلاهما في بلد الغصب فلا إشكال. وكذا إن نقل المال إلى بلد آخر وكان المالك في بلد الغصب، فإنّه يجب عليه عود المال إلى ذلك البلد وتسليمه إلى المالك. وأمّا إذا كان المالك في غير بلد الغصب: فإن كان في بلد المال فله إلزامه بأحد أمرين: إمّا بتسليمه له في ذلك البلد، وإمّا بنقله إلى بلد الغصب؛ وأمّا إن كان في بلد آخر فلا إشكال في أنّ له إلزامه بنقل المال إلى بلد الغصب، وهل له إلزامه بنقل المال إلى البلد الّذي يكون فيه المالك؟ الظاهر أنّه ليس له ذلك.
مسألة 21 - لو حدث في المغصوب نقص وعيب وجب على الغاصب أرش النقصان - وهو التفاوت بين قيمته صحيحاً وقيمته معيباً - وردّ المعيوب إلى مالكه، وليس للمالك إلزامه بأخذ المعيوب ودفع تمام القيمة. ولافرق على الظاهربين ماكان العيب مستقرّاً وبين ما كان ممّا يسري ويتزايد شيئاً فشيئاً حتّى يتلف المال بالمرّة.
مسألة 22 - لو كان المغصوب باقياً لكن نزلت قيمته السوقيّة ردّه، ولم يضمن نقصان القيمة ما لم يكن ذلك بسبب نقصان في العين.
مسألة 23 - لو تلف المغصوب أو ما بحكمه - كالمقبوض بالعقد الفاسد والمقبوض بالسوم - قبل ردّه إلى المالك ضمنه بمثله إن كان مثليّاً وبقيمته إن كان قيميّاً. وتعيين المثليّ والقيميّ موكول إلى العرف. والظاهر أنّ المصنوعات بالمكائن في هذا العصر مثليّات أو بحكمها، كما أنّ الحبوبات والأدهان وعقاقير الأدوية ونحوها مثليّات، وأنواع الحيوان وكذا الجواهر ونحوها قيميّات.
مسألة 24 - إنّما يكون مثل الحنطة مثليّاً إذا لوحظ أشخاص كلّ صنف منها على حدة، ولم يلاحظ أشخاص صنف مع أشخاص صنف آخر منها مباين له في كثير من الصفات والخصوصيات؛ فإذا تلف عنده مقدار من صنف خاصّ من الحنطة يجب عليه دفع ذلك المقدار من ذلك الصنف لا صنف آخر. نعم، التفاوت الّذي بين أشخاص ذلك الصنف لا ينظر إليه. وكذلك الأرز، فإنّ فيه أصنافاً متفاوتهً جدّاً، فأين العنبر من الحويزاويّ أو غيره؟! فإذا تلف عنده مقدار من العنبر يجب عليه دفع ذلك المقدار منه لا من غيره. وكذلك الحال في التمر وأصنافه والأدهان وغير ذلك ممّا لا يحصى.
مسألة 25 - لو تعذّر المثل في المثليّ ضمن قيمته. وإن تفاوتت القيمة وزادت ونقصت بحسب الأزمنة - بأن كان له حين الغصب قيمةٌ وفي وقت تلف العين قيمةٌ ويوم التعذّر قيمةٌ واليوم الّذي يدفع القيمة إلى المغصوب منه قيمةٌ - فالمدار هو الأخير، فيجب عليه دفع تلك القيمة؛ فلو غصب منّاً من الحنطة كان قيمتها درهمين فأتلفها في زمان كانت الحنطة موجودةً وكانت قيمتها ثلاثة دراهم ثمّ تعذّرت وكانت قيمتها أربعة دراهم ثمّ مضى زمان وأراد أن يدفع القيمة من جهة تفريغ ذمّته وكانت قيمة الحنطة في ذلك الزمان خمسة دراهم يجب دفع هذه القيمة.
مسألة 26 - يكفي في التعذّر الّذي يجب معه دفع القيمة فقدانه في البلد وما حوله ممّا ينقل منه إليه عادة.
مسألة 27 - لو وجد المثل بأكثر من ثمن المثل وجب عليه الشراء ودفعه إلى المالك ما لم يؤدّ إلى الحرج.
مسألة 28 - لو وجد المثل ولكن تنزّلت قيمته لم يكن على الغاصب إلّا إعطاؤه، وليس للمالك مطالبته بالقيمة ولا بالتفاوت؛ فلو غصب منّاً من الحنطة في زمان كانت قيمتها عشرة دراهم وأتلفها ولم يدفع مثلها - قصوراً أو تقصيراً - إلى زمان قد تنزّلت قيمتها وصارت خمسة دراهم لم يكن عليه إلّا إعطاء منّ من الحنطة، ولم يكن للمالك مطالبة القيمة ولا مطالبة خمسة دراهم مع منّ من الحنطة، بل ليس له الامتناع عن الأخذ فعلاً وإبقاؤها في ذمّة الغاصب إلى أن تترقّى القيمة إذا كان الغاصب يريد الأداء وتفريغ ذمّته فعلاً.
مسألة 29 - لو سقط المثل عن الماليّة بالمرّة من جهة الزمان أو المكان فالظاهر أنّه ليس للغاصب إلزام المالك بأخذ المثل، ولا يكفي دفعه في ذلك الزمان أو المكان في ارتفاع الضمان لو لم يرض به المالك؛ فلو غصب ثلجاً في الصيف وأتلفه وأراد أن يدفع إلى المالك مثله في الشتاء أو قربةَ ماء في مفازة فأراد أن يدفع إليه قربة ماء عند الشطّ ليس له ذلك وللمالك الامتناع، فله أن يصبر وينتظر زماناً أو مكاناً آخر فيطالبها بالمثل الّذي له القيمة، وله أن يطالب الغاصب بالقيمة فعلاً كما في صورة تعذّر المثل، وحينئذٍ فهل يراعي قيمته في زمان الغصب ومكانه؟ المسألة مشكلة، فالأحوط التخلّص بالتصالح.
مسألة 30 - لو تلف المغصوب وكان قيميّاً كالدوابّ والثياب ضمن قيمته؛ فإن لم يتفاوت قيمته في الزمان الّذي غصبه مع قيمته في زمان تلفه فلا إشكال، وإن تفاوتت بأن كانت قيمته يوم الغصب أزيد من قيمته يوم التلف أو العكس فهل يراعى الأوّل أو الثاني؟ فيه قولان مشهوران؛ وهنا وجه آخر، وهو مراعاة قيمة يوم الدفع. والأحوط التراضي في ما به التفاوت بين يوم الغصب إلى يوم الدفع. هذا إذا كان تفاوت القيمة من جهة السوق وتفاوت رغبة الناس. وأمّا إن كان من جهة زيادة ونقصان في العين - كالسمن والهزال - فلا إشكال في أنّه يراعى أعلى القيم وأحسن الأحوال، بل لو فرض أنّه لم يتفاوت قيمة زماني الغصب والتلف من هذه الجهة لكن حصل فيه ارتفاع بين الزمانين ثمّ زال ضمن ارتفاع قيمته الحاصل في تلك الحال، مثل ما لو كان الحيوان هازلاً حين الغصب ثمّ سمن ثمّ عاد إلى الهزال وتلف، فإنّه يضمن قيمته حال سمنه.
مسألة 31 - لو اختلف القيمة باختلاف المكان - كما إذا كان المغصوب في بلد الغصب بعشرة، وفي بلد التلف بعشرين، وفي بلد الأداء بثلاثين - فلا يترك الاحتياط المتقدّم في المسألة السابقة.
مسألة 32 - كما أنّه عند تلف المغصوب يجب على الغاصب دفع بدله إلى المالك مثلاً أو قيمةً كذلك في ما إذا تعذّر على الغاصب عادةً تسليمه، كما إذا سرق أو دفن في مكان لا يقدر على إخراجه، أو أبق العبد أو شردت الدابّة ونحو ذلك، فإنّه يجب عليه إعطاء مثله أو قيمته مادام كذلك، ويسمّى ذلك البدل بدل الحيلولة، ويملك المالك البدل مع بقاء المغصوب في ملكه، وإذا أمكن تسليم المغصوب وردّه يسترجع البدل.
مسألة 33 - لو كان للبدل نماء ومنافع في تلك المدّة كان للمغصوب منه. نعم، نماؤه المتّصل كالسمن يتبع العين، فإذا استرجعها الغاصب استرجعها بنمائها. وأمّا المبدل فلمّا كان باقياً على ملك مالكه فنماؤه ومنافعه له، لكنّ الغاصب لا يضمن منافعه الغير المستوفاة في تلك المدّة على الأقوى.
مسألة 34 - القيمة الّتي يضمنها الغاصب في القيميّات وفي المثليّات عند تعذّر المثل هو نقد البلد من الذهب والفضّة المضروبين بسكّة المعاملة وغيرهما ممّا هو نقد البلد كالأوراق النقديّة. وهذا هو الّذي يستحقّه المغصوب منه، كما هو كذلك في جميع الغرامات والضمانات؛ فليس للضامن دفع غيره إلّا بالتراضي بعد مراعاة قيمة ما يدفعه مقيساً إلى نقد البلد.
مسألة 35 - الظاهر أنّ الفلزّات والمعادن المنطبعة - كالحديد والرصاص والنحاس - كلّها مثليّة حتّى الذهب والفضّة مضروبين أو غير مضروبين، وحينئذٍ تضمن جميعها بالمثل، وعند التعذّر تضمن بالقيمة كسائر المثليّات المتعذّر المثل. نعم، في خصوص الذهب والفضّة تفصيل، وهو أنّه إذا قوّم بغير الجنس كما إذا قوّم الذهب بالدرهم أو قوّم الفضّة بالدينار فلا إشكال، وأمّا إذا قوّم بالجنس بأن قوّم الفضّة بالدرهم أو قوّم الذهب بالدينار: فإن تساوى القيمة والمقوّم وزناً - كما إذا كانت الفضّة المضمونة المقوّمة عشرة مثاقيل فقوّمت بثمانية دراهم وكان وزنها أيضاً عشرة مثاقيل - فلا إشكال أيضاً، وإن كان بينهما التفاوت بأن كانت الفضّة المقوّمة عشرة مثاقيل - مثلاً - وقد قوّمت بثمانية دراهم وزنها ثمانية مثاقيل فيشكل دفعها غرامةً عن الفضّة، لاحتمال كونه داخلاً في الربا فيحرم، كما أفتى به جماعة، فالأحوط أن يقوّم بغير الجنس، بأن يقوّم الفضّة بالدينار والذهب بالدرهم حتّى يسلم من شبهة الربا.
مسألة 36 - لو تعاقبت الأيادي الغاصبة على عين ثمّ تلفت - بأن غصبها شخص من مالكها ثمّ غصبها من الغاصب شخص آخر ثمّ غصبها من الثاني شخص ثالث وهكذا ثمّ تلفت - ضمن الجميع؛ فللمالك أن يرجع ببدل ماله من المثل أو القيمة على كلّ واحد منهم، وعلى أكثر من واحد بالتوزيع متساوياً أو متفاوتاً، حتّى أنّه لو كانوا عشرة - مثلاً - له أن يرجع على الجميع ويأخذ من كلّ منهم عشر ما يستحقّه من البدل، وله أن يأخذ من واحد منهم النصف والباقي من الباقين بالتوزيع متساوياً أو بالتفاوت. هذا حكم المالك معهم. وأمّا حكم بعضهم مع بعض فعلى الغاصب الأخير الّذي تلف المال عنده قرار الضمان، بمعنى أنّه لو رجع عليه المالك وغرّمه لم يرجع هو على غيره بما غرّمه؛ بخلاف غيره من الأيادي السابقة، فإنّ المالك لو رجع على واحد منهم فله أن يرجع على الأخير الّذي تلف المال عنده، كما أنّ لكلّ منهم الرجوع على تاليه وهو على تاليه وهكذا إلى أن ينتهي إلى الأخير.
مسألة 37 - لو غصب شيئاً مثليّاً فيه صنعة محلّلة - كالحليّ من الذهب والفضّة وكالآنية من النحاس وشبهه - فتلف عنده أو أتلفه ضمن مادّته بالمثل وصنعته بالقيمة؛ فلو غصب قرطاً من ذهب كان وزنه مثقالين وقيمة صنعته وصياغته عشرة دراهم ضمن مثقالين من ذهب بدل مادّته وعشرة دراهم قيمة صنعته. ويحتمل قريباً صيرورته بعد الصياغة وبعد ما عرض عليه الصنعة قيميّاً، فيقوّم القرط -مثلاً- بمادّته وصنعته ويعطي قيمته السوقيّة، والأحوط التصالح. وأمّا احتمال كون المصنوع مثليّاً مع صنعته فبعيد جدّاً. نعم، لا يبعد ذلك بل قريب جدّاً في المصنوعات الّتي لها أمثال متقاربة، كالمصنوعات بالمكائن والمعامل المعمولة في هذه الأعصار، من أنواع الظروف والأدوات والأثواب وغيرها، فتضمن كلّهإ؛ل گ ظظ بالمثل مع مراعاة صنفها.
مسألة 38 - لو غصب المصنوع وتلفت عنه الهيئة والصنعة فقط دون المادّة ردّ العين وعليه قيمة الصنعة، وليس للمالك إلزامه بإعادة الصنعة، كما أنّه ليس عليه القبول لو بذله الغاصب وقال: إنّي أصنعه كما كان سابقاً.
مسألة 39 - لو كانت في المغصوب المثليّ صنعة محرّمة غير محترمة - كما في آلات القمار والملاهي ونحوها - لم يضمن الصنعة، سواء أتلفها خاصّة أو مع ذيها، فيردّ المادّة لو بقيت وعوضَها لو تلفت، وليس عليه شي ء لأجل الهيئة والصنعة.
مسألة 40 - إن تعيّب المغصوب في يد الغاصب كان عليه أرش النقصان، ولافرق في ذلك بين الحيوان وغير الحيوان. نعم، اختصّ العبيد والإماء ببعض الأحكام وتفاصيل لا يسعها المقام.
مسألة 41 - لو غصب شيئين تنقص قيمة كلّ واحد منهما منفرداً عنها في ما إذا كانا مجتمعين - كمصراعي الباب والخفّين - فتلف أحدهما أو أتلفه ضمن قيمة التالف مجتمعاً، وردّ الباقي مع ما نقص من قيمته بسبب انفراده؛ فلو غصب خفّين كان قيمتهما مجتمعين عشرة وكان قيمة كلّ منهما منفرداً ثلاثة فتلف أحدهما عنده ضمن التالف بقيمته مجتمعاً وهي خمسة، وردّ الآخر مع ما ورد عليه من النقص بسبب انفراده وهو اثنان، فيعطي للمالك سبعة مع أحد الخفّين؛ ولو غصب أحدهما وتلف عنده ضمن التالف بقيمته مجتمعاً وهي خمسة في الفرض المذكور، وهل يضمن النقص الوارد على الثاني وهو اثنان حتّى تكون عليه سبعة أم لا؟ فيه وجهان بل قولان، لا يخلو أوّلهما من رجحان.
مسألة 42 - لو زادت بفعل الغاصب زيادة في العين المغصوبة فهي على أقسام ثلاثة، أحدها: أن تكون أثراً محضاً، كخياطة الثوب بخيوط المالك وغزل القطن ونسج الغزل وطحن الطعام وصياغة الفضّة ونحو ذلك. ثانيها: أن تكون عينيّةً محضةً، كغرس الأشجار والبناء في الأرض البسيطة ونحو ذلك. ثالثها: أن تكون أثراً مشوباً بالعينيّة، كصبغ الثوب ونحوه.
مسألة 43 - لو زادت في العين المغصوبة ما يكون أثراً محضاً ردّها كما هي، ولا شي ء له لأجل تلك الزيادة، ولا من جهة اُجرة العمل؛ وليس له إزالة الأثر وإعادة العين إلى ما كانت بدون إذن المالك، حيث إنّه تصرّف في مال الغير بدون إذنه، بل لو أزاله بدون إذنه ضمن قيمته للمالك وإن لم يرد نقصٌ على العين؛ وللمالك إلزامه بإزالة الأثر وإعادة الحالة الاُولى للعين إذا كان فيه غرض عقلائيّ، ولايضمن الغاصب حينئذٍ قيمة الصنعة. نعم، لو ورد نقصٌ على العين ضمن أرش النقصان.
مسألة 44 - لو غصب أرضاً فزرعها أو غرسها فالزرع أو الغرس ونماؤهما للغاصب، وعليه اُجرة الأرض مادامت مزروعةً أو مغروسة. ويلزم عليه إزالة غرسه وزرعه وإن تضرّر بذلك، وعليه أيضاً طمّ الحفر وأرش النقصان إن نقصت الأرض بالزرع والقلع، إلّا أن يرضى المالك بالبقاء مجّاناً أو بالاُجرة. ولو بذل صاحب الأرض قيمة الغرس أو الزرع لم يجب على الغاصب إجابته؛ وكذا لو بذل الغاصب اُجرة الأرض أو قيمتها لم يجب على صاحب الأرض قبوله. ولو حفر الغاصب في الأرض بئراً كان عليه طمّها مع طلب المالك، وليس له طمّها مع عدم الطلب، فضلاً عمّا لو منعه. ولو بنى في الأرض المغصوبة بناءً فهو كما لو غرس فيها، فيكون البناء للغاصب إن كان أجزاؤه له، وللمالك إلزامه بالقلع، فحكمه حكم الغرس في جميع ما ذكر.
مسألة 45 - لو غرس أو بنى في أرض غصبها وكان الغِراس وأجزاء البناء لصاحب الأرض كان الكلّ له، وليس للغاصب قلعها أو مطالبة الاُجرة، وللمالك إلزامه بالقلع والهدم إن كان له غرض عقلائيّ في ذلك، وعلى الغاصب أرش نقص الأرض وطمّ حفرها.
مسألة 46 - لو غصب ثوباً وصبغه بصبغه: فإن أمكن إزالته مع بقاء ماليّة له كان له ذلك، وليس لمالك الثوب منعه، كما أنّ للمالك إلزامه به، ولو ورد نقص على الثوب بسبب إزالة صبغه ضمنه الغاصب، ولو طلب مالك الثوب من الغاصب أن يملّكه الصبغ بقيمته لم يجب عليه إجابته، كالعكس، بأن يطلب الغاصب منه أن يملّكه الثوب. هذا إذا أمكن إزالة الصبغ. وأمّا إذا لم يمكن الإزالة أو تراضيا على بقائه وكان للصبغ عين متموّلة اشتركا في قيمة الثوب المصبوغ بالنسبة، فلو كانت قيمة الثوب قبل الصبغ تساوي قيمة الصبغ كانت بينهما نصفين، وإن تفاوتت كان التفاوت لصاحب الثوب أو الصبغ. هذا إذا بقيت قيمتهما على ما هما عليها إلى ما بعد الصبغ، وإلّا فإن زادت قيمة الثوب ونقصت قيمة الصبغ لأجله فالزيادة لصاحب الثوب، ولو انعكس ضمن الغاصب أرش نقص الثوب، ولو زادت قيمة الثوب بالصبغ وبقيت قيمة الصبغ على ما هو عليه كانت الزيادة لصاحب الثوب، ولو انعكس فالزيادة للغاصب.
مسألة 47 - لو صبغ الثوب المغصوب بصبغ مغصوب وكانت للصبغ بعده عين متموّلة بقيت كلّ منهما في ملك صاحبه، وحصلت الشركة - لو بيعا - بين صاحبيهما بنسبة قيمتهما، ولا غرامة على الغاصب إن لم يرد نقصٌ عليهما، وإن ورد ضمنه لمن ورد عليه.
مسألة 48 - لو مزج الغاصب المغصوب بغيره أو امتزج في يده بغير اختياره مزجاً رافعاً للتميّز بينهما: فإن كان بجنسه وكانا متماثلين - ليس أحدهما أجود من الآخر أو أردأ - تشاركا في المجموع بنسبة ماليهما، وليس على الغاصب غرامة بالمثل أو القيمة، بل الّذي عليه تسليم المال والإقدام على الإفراز والتقسيم بنسبة المالين أو البيع وأخذ كلّ واحد منهما حصّته من الثمن كسائر الأموال المشتركة؛ وإن خلط المغصوب بما هو أجود أو أردأ منه تشاركا أيضاً بنسبة المالين إلّا أنّ التقسيم وتوزيع الثمن بينهما بنسبة القيمة؛ فلو خلط منّاً من زيت قيمته خمسة بمنّ منه قيمته عشرة كان لكلّ منهما نصف المجموع، لكن إذا بنيا على القسمة يجعل ثلاثة أسهم، ويعطى لصاحب الأوّل سهم ولصاحب الثاني سهمان، وإذا باعاه يقسّم الثمن بينهما أثلاثاً، والأحوط في مثل ذلك - أعني اختلاط مختلفي القيمة من جنس واحد - البيع وتوزيع الثمن بنسبة القيمة، لا التقسيم بالتفاضل بنسبتها، من جهة شبهة لزوم الربا في الثاني كما قال به جماعة. هذا إذا مزج المغصوب بجنسه. وأمّا إذا اختلط بغير جنسه: فإن كان في ما يعدّ معه تالفاً - كما إذا اختلط ماء الورد المغصوب بالزيت - ضمن المثل، وإن لم يكن كذلك - كما لو خلط دقيق الحنطة بدقيق الشعير أو خلط الخلّ بالعسل - فالظاهر أنّه بحكم الخلط بالأجود أو الأردأ من جنس واحد، فيشتركان في العين بنسبة المالين، ويقسّمان العين ويوزّعان الثمن بينهما بنسبة القيمتين كما مرّ.
مسألة 49 - لو خلط المغصوب بالأجود أو الأردأ وصار قيمة المجموع المخلوط أنقص من قيمةالخليطين منفردين فوردبذلك النقص الماليّ على المغصوب ضمنه الغاصب، كما لو غصب منّاً من زيت جيّد قيمته عشرة وخلطه بمنّ منه ردي ء قيمته خمسة وبسبب الاختلاط يكون قيمة المنّين اثني عشر، فصار حصّة المغصوب منه من الثمن بعد التوزيع ثمانية، والحال أنّ زيته غير مخلوط كان يسوى عشرة، فورد النقص عليه باثنين، وهذا النقص يغرمه الغاصب. وإن شئت قلت: يستوفي المالك قيمة ماله غير مخلوط من الثمن، وما بقي يكون للغاصب.
مسألة 50 - فوائد المغصوب مملوكة للمغصوب منه وإن تجدّدت بعد الغصب. وهي كلّها مضمونة على الغاصب، أعياناً كانت كاللبن والولد والشعر والثمر، أو منافع كسكنى الدار وركوب الدابّة، بل كلّ صفة زادت بها قيمة المغصوب لو وجدت في زمان الغصب ثمّ زالت وتنقّصت بزوالها قيمته ضمنها الغاصب وإن ردّ العين كما كانت قبل الغصب؛ فلو غصب دابّة هازلة ثمّ سمنت فزادت قيمتها بسبب ذلك ثمّ هزلت ضمن الغاصب تلك الزيادة الّتي حصلت ثمّ زالت. نعم، لو زادت القيمة لزيادة صفة ثمّ زالت تلك الصفة ثمّ عادت الصفة بعينها لم يضمن قيمة الزيادة التالفة، لانجبارها بالزيادة العائدة؛ كما إذا سمنت الدابّة في يده فزادت قيمتها ثمّ هزلت ثمّ سمنت، فإنّه لا يضمن الزيادة الحاصلة بالسمن الأوّل، إلّا إذا نقصت الزيادة الثانية عن الاُولى، بأن كانت الزيادة الحاصلة بالسمن الأوّل درهمين والحاصلة بالثاني درهماً مثلاً، فيضمن التفاوت.
مسألة 51 - لو حصلت فيه صفة فزادت قيمته ثمّ زالت فنقصت ثمّ حصلت فيه صفة اُخرى زادت بها قيمته لم يزل ضمان زيادة الاُولى ولم ينجبر نقصانها بالزيادة الثانية؛ كما إذا سمنت الدابّة المغصوبة ثمّ هزلت فنقصت قيمتها ثمّ ارتاضت فزادت قيمتها بقدر زيادة الاُولى أو أزيد لم يزل ضمان الغاصب للزيادة الاُولى.
مسألة 52 - إذا غصب حبّاً فزرعه أو بيضاً فاستفرخه تحت دجاجته - مثلاً - كان الزرع والفرخ للمغصوب منه. وكذا لو غصب خمراً فصارت خلّاً أو غصب عصيراً فصار خمراً عنده ثمّ صارت خلّاً، فإنّه ملك للمغصوب منه لا الغاصب. وأمّا لو غصب فحلاً فأنزاه على الاُثنى وأولدها كان الولد لصاحب الاُنثى وإن كان هو الغاصب، وعليه اُجرة الضراب.
مسألة 53 - جميع ما مرّ من الضمان وكيفيّته وأحكامه وتفاصيله جارية في كلّ يد جارية على مال الغير بغير حقّ وإن لم تكن عاديةً وغاصبةً وظالمةً، إلّا في موارد الأمانات، مالكيّةً كانت أو شرعيّةً، كما عرفت التفصيل في كتاب الوديعة؛ فتجري في جميع ما يقبض بالمعاملات الفاسدة، وما وضع اليد عليه بسبب الجهل والاشتباه، كما إذا لبس مَداس غيره أو ثوبه اشتباهاً، أو أخذ شيئاً من سارقٍ عاريةً باعتقاد أنّه ماله، وغير ذلك ممّا لا يحصى.
مسألة 54 - كما أنّ اليد الغاصبة وما يلحق بها موجبة للضمان - وهو المسمّى بضمان اليد، وقد عرفت تفصيله في المسائل السابقة - كذلك للضمان سببان آخران: الإتلاف والتسبيب. وبعبارة اُخرى: له سبب آخر وهو الإتلاف، سواء كان بالمباشرة أو التسبيب.
مسألة 55 - الإتلاف بالمباشرة واضح لا يخفى مصاديقه، كما إذا ذبح حيواناً أو رماه بسهم فقتله، أو ضرب على إناء فكسره، أو رمى شيئاً في النار فأحرقته، وغير ذلك ممّا لا يحصى. وأمّا الإتلاف بالتسبيب فهو إيجاد شي ء يترتّب عليه الإتلاف بسبب وقوع شي ء، كما لو حفر بئراً في المعابر فوقع فيها إنسان أو حيوان، أو طرح المعاثر والمزالق كقشر البطّيخ والرقّيّ في المسالك، أو أوتد وتداً في الطريق فأصاب به عطب أو جناية على حيوان أو إنسان، أو وضع شيئاً على الطريق فتمرّ به الدابّة فتنفر بصاحبها فتعقره، أو أخرج ميزاباً على الطريق فأضرّ بالمارّة، أو ألقى صبيّاً أو حيواناً يضعف عن الفرار في مسبعة فقتله السبع؛ ومن ذلك ما لو فكّ القيد عن الدابّة فشردت، أو فتح قفصاً عن طائر فطار مبادراً أو بعد مكث وغير ذلك، ففي جميع ذلك يكون فاعل السبب ضامناً، ويكون عليه غرامة التالف وبدله، إن كان مثليّاً فبالمثل، وإن كان قيميّاً فبالقيمة، وإن صار سبباً لتعيّب المال كان عليه الأرش، كما مرّ في ضمان اليد.
مسألة 56 - لو غصب شاةً ذات ولد فمات ولدها جوعاً أو حبس مالك الماشية أو راعيها عن حراستها فاتّفق تلفها لم يضمن بسبب التسبيب، إلّا إذا انحصر غذاء الولد بارتضاع من اُمّه وكانت الماشية في محالّ السباع ومظانّ الخطر وانحصر حفظها بحراسة راعيها، فعليه الضمان حينئذٍ على الأحوط.
مسألة 57 - و من التسبيب الموجب للضمان ما لو فكّ وكاءَ ظرف فيه مائع فسال ما فيه. وأمّا لو فتح رأس الظرف ثمّ اتّفق أنّه قلبته الريح الحادثة أو انقلب بوقوع طائر عليه - مثلاً - فسال ما فيه ففي الضمان تردّد وإشكال. نعم، يقوى الضمان في ما كان ذلك في حال هبوب الرياح العاصفة، أو في مجتمع الطيور ومظانّ وقوعها عليه.
مسألة 58 - ليس من التسبيب الموجب للضمان ما لو فتح باباً على مال فسرق، أو دلّ سارقاً عليه فسرقه، فلا ضمان عليه.
مسألة 59 - لو وقع الحائط على الطريق - مثلاً - فتلف بوقوعه مال أو نفس لم يضمن صاحبه، إلّا إذا بناه مائلاً إلى الطريق، أو مال إليه بعد ما كان مستوياً وقد تمكّن صاحبه من الإزالة ولم يزله، فعليه الضمان في الصورتين على الأقوى.
مسألة 60 - لو وضع شربةً أو كوزاً - مثلاً - على حائطه فسقط وتلف به مال أو نفس لم يضمن، إلّا إذا وضعه مائلاً إلى الطريق، أو وضعه على وجه يسقط مثله.
مسألة 61 - ومن التسبيب الموجب للضمان أن يشعل ناراً في ملكه وداره فتعدّت وأحرقت دار جاره - مثلاً - في ما إذا تجاوز قدر حاجته ويعلم أو يظنّ تعدّيها لعصف الهواء مثلاً، بل الظاهر كفاية الثاني، فيضمن مع العلم أو الظنّ بالتعدّي ولو كان بمقدار الحاجة، بل لا يبعد الضمان إذا اعتقد عدم كونها متعدّيةً فتبيّن خلافه، كما إذا كانت ريح حين اشتعال النار وهو قد اعتقد أنّ بمثل هذه الريح لا تسري النار إلى الجار فتبيّن خلافه. نعم، لو كان الهواء ساكناً بحيث يؤمن معه من التعدّي فاتّفق عصف الهواء بغتةً فطارت شرارتها يقوى عدم الضمان.
مسألة 62 - إذا أرسل الماء في ملكه فتعدّى إلى ملك غيره فأضرّ به ضمن ولو مع اعتقاده عدم التعدّي. نعم، ضمانه في ما إذا خرجت من اختياره في صورة اعتقاده عدم التعدّي محلّ إشكال، والأحوط الضمان. ولو كان طريقه إلى ملك الغير مسدوداً حين إرسال الماء فدفع بغير فعله فلا ضمان عليه.
مسألة 63 - لو تعب حمّال الخشبة فأسندها إلى جدار الغير ليستريح بدون إذن صاحب الجدار فوقع بإسناده إليه ضمنه وضمن ما تلف بوقوعه عليه. ولو وقعت الخشبة فأتلفت شيئاً ضمنه - سواء وقعت في الحال أو بعدُ - إذا كان مستنداً اليه.
مسألة 64 - لو فتح قفصاً عن طائر فخرج وكسر بخروجه قارورة شخص -مثلاً- ضمنها على الأحوط؛ وكذا لو كان القفص ضيّقاً -مثلاً- فاضطرب بخروجه فسقط وانكسر.
مسألة 65 - إذا أكلت دابّةُ شخص زرعَ غيره أو أفسدته: فإن كان معها صاحبها -راكباً أو سائقاً أو قائداً أو مصاحباً- ضمن ما أتلفته، وإن لم يكن معها بأن انفلتت من مراحها -مثلاً- فدخلت زرع غيره ضمن ما أتلفته إن كان ذلك ليلاً. نعم، ضمانه في ما إذا خرجت من اختياره محلّ إشكال، والأحوط الضمان. وليس عليه ضمان إن كان نهاراً.
مسألة 66 - لو كانت الشاة أو غيرها في يد الراعي أو الدابّة في يد المستعير أو المستأجر فأتلفتا زرعاً أو غيره كان الضمان على الراعي والمستأجر والمستعير، لاعلى المالك والمعير.
مسألة 67 - لو اجتمع سببان للإتلاف بفعل شخصين: فإن لم يكن أحدهما أسبق في التأثير اشتركا في الضمان، وإلّا كان الضمان على المتقدّم في التأثير؛ فلوحفر شخص بئراً في الطريق ووضع شخص آخر حجراً بقربها فعثر به إنسان أو حيوان فوقع في البئر كان الضمان على واضع الحجر دون حافر البئر، ويحتمل قويّاً اشتراكهما في الضمان مطلقاً.
مسألة 68 - لو اجتمع السبب مع المباشر كان الضمان على المباشر، دون فاعل السبب؛ فلو حفر شخص بئراً في الطريق فدفع غيره فيها إنساناً أو حيواناً كان الضمان على الدافع دون الحافر. نعم، لو كان السبب أقوى من المباشر كان الضمان عليه لا على المباشر؛ فلو وضع قارورةً تحت رجل شخص نائم فمدّ رجله فكسرها كان الضمان على الواضع دون النائم.
مسألة 69 - لو اُكره على إتلاف مال غيره كان الضمان على من أكرهه، وليس عليه ضمان، لكون السبب أقوى من المباشر. هذا إذا لم يكن المال مضموناً في يده، بأن أكرهه على إتلاف ما ليس تحت يده أو على إتلاف الوديعة الّتي عنده مثلاً. وأمّا إذا كان المال مضموناً في يده - كما إذا غصب مالاً فأكرهه شخص على إتلافه- فالظاهر ضمان كليهما، فللمالك الرجوع على أيّهما شاء، فإن رجع على المكره بالكسر لم يرجع على المكره بالفتح، بخلاف العكس. هذا إذا اُكره على إتلاف المال. وأمّا لو اُكره على قتل أحد معصوم الدم فقتله فالضمان على القاتل من دون رجوع على المكره وإن كان عليه عقوبة، فإنّه لا إكراه في الدماء.
مسألة 70 - لو غصب مأكولاً -مثلاً- فأطعمه المالك مع جهله بأنّه ما له بأن قال له: «هذا ملكي وطعامي» أو قدّمه إليه ضيافةً -مثلاً- أو غصب شاةً واستدعى من المالك ذبحها فذبحها مع جهله بأنّه شاته ضمن الغاصب وإن كان المالك هو المباشر للإتلاف. نعم، لو دخل المالك دار الغاصب -مثلاً- ورأى طعاماً فأكله على اعتقاد أنّه طعام الغاصب فكان طعام الآكل فالظاهر عدم ضمان الغاصب وقد برئ من ضمان الطعام.
مسألة 71 - لو غصب طعاماً من شخص وأطعمه غير المالك على أنّه ماله مع جهل الآكل بأنّه مال غيره - كما إذا قدّمه إليه بعنوان الضيافة مثلاً- ضمن كلاهما، فللمالك أن يُغرم أيّهما شاء، فإن أغرم الغاصبَ لم يرجع على الآكل، وإن أغرم الآكلَ رجع على الغاصب لأنّه قد غرّه.
مسألة 72 - إذا سعى إلى الظالم على أحد أو اشتكى عليه عنده بحقّ أو بغير حقّ فأخذ الظالم منه مالاً بغير حقّ لم يضمن الساعي والمشتكي ما خسره وإن أثم بسبب سعايته أو شكايته إذا كانت بغير حقّ، وإنّما الضمان على من أخذ المال.
مسألة 73 - إذا تلف المغصوب وتنازع المالك والغاصب في القيمة ولم تكن بيّنة ففي أنّ القول قول الغاصب أو المالك تردّد ناشئ من التردّد في معنى «على اليد ما أخذت» الخ، واحتمال أن يكون نفس المأخوذ على عهدته حتّى بعد التلف ويكون أداء المثل أو القيمة نحو أداء له، فيكون القول قول المالك بيمينه، واحتمال أن ينتقل بالتلف إلى القيمة، فيكون القول قول الغاصب بيمينه. ولا يخلو هذا من قوّة. ولو تنازعا في صفة تزيد بها الثمن بأن ادّعى المالك وجود تلك الصفة فيه يوم غصبه أو حدوثها بعده وإن زالت في ما بعد وأنكره الغاصب ولم يكن بيّنة فالقول قول الغاصب بيمينه بلا إشكال.
مسألة 74 - إن كان على الدابّة المغصوبة رحل أو علّق بها حبل واختلفا في ما عليها فقال المغصوب منه: «هولي» وقال الغاصب: «هولي» ولم يكن بيّنة فالقول قول الغاصب مع يمينه، لكونه ذا يدٍ فعليّةٍ عليه.
1- هكذا في جميع الطبعات، والصحيح «تمييزه». - كتاب إحياء الموات والمشتركات
- كتاب اللقطة
- كتاب النكاح
- كتاب الطلاق
- كتاب الخلع والمباراة
كتاب الخلع والمباراة
مسألة 1 - الخلع: هو الطلاق بفدية من الزوجة الكارهة لزوجها؛ فهو قسم من الطلاق يعتبر فيه جميع شروطه المتقدّمة، ويزيد عليها بأنّه يعتبر فيه كراهة الزوجة لزوجها خاصّة؛ فإن كانت الكراهة من الطرفين فهو مباراة، وإن كانت من طرف الزوج خاصّة لم يكن خلعا ولا مباراةً.
مسألة 2 - الظاهر وقوع الخلع بكلّ من لفظي «الخلع» و«الطلاق» مجرّدا كلّ منهما عن الآخر أو منضمّا؛ فبعد ما أنشأت الزوجة بذل الفدية ليخلعها الزوج يجوز أن يقول: «خلعتك على كذا» أو «أنت مختلعة على كذا» ويكتفي به أو يتبعه بقوله: «فأنت طالق على كذا»، أو يقول: «أنت طالق على كذا» ويكتفي به أو يتبعه بقوله: «فأنت مختلعة على كذا»، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع بينهما بل لا يترك.
مسألة 3 - الخلع من الإيقاعات، لكن يشبه العقود في الاحتياج إلى طرفين وإنشاءين: بذل شي ء من طرف الزوجة ليطلّقها الزوج، وإنشاء الطلاق من طرفه بما بذلت. ويقع ذلك على نحوين: الأوّل: أن يقدّم البذل من طرفها على أن يطلّقها فيطلّقها على ما بذلت. الثاني: أن يبتدئ الزوج بالطلاق مصرّحا بذكر العوض فتقبل الزوجة بعده. ولا ينبغي ترك الاحتياط بإيقاعه على النحو الأوّل.
مسألة 4 - يعتبر في صحّة الخلع عدم الفصل بين إنشاء البذل والطلاق بما يخلّ بالفوريّة العرفيّة؛ فلو أخلّ بها بطل الخلع ولم يستحق الزوج العوض، لكن إذا أوقعه بلفظ الطلاق أو أتبعه بذلك وقع الطلاق رجعيّا مع فرض اجتماع شرائطه، وإلّا كان بائنا.
مسألة 5 - يجوز أن يكون البذل والطلاق بمباشرة الزوجين أو بتوكيلهما الغير أو بالاختلاف، ويجوز أن يوكّلا شخصا واحدا ليبذل عنها ويطلّق عنه، بل الظاهر أنّه يجوز لكلّ منهما أن يوكّل الآخر في ما هو من طرفه، فيكون أصيلا في ما يرجع إليه ووكيلاً في ما يرجع إلى الطرف.
مسألة 6 - يصحّ التوكيل من الزوج في الخلع في جميع ما يتعلّق به من شرط العوض وتعيينه وقبضه وإيقاع الطلاق، ومن المرأة في جميع ما يتعلّق بها من استدعاء الطلاق وتقدير العوض وتسليمه.
مسألة 7 - لو وقع الخلع بمباشرة الزوجين فإمّا أن يبتدئ الزوجة وتقول: «بذلت لك أو أعطيتك ما عليك من المهر أو الشي ء الفلانيّ لتطلّقني» فيقول فورا: «أنت طالق أو مختلعة - بكسر اللام - على ما بذلت أو على ما أعطيت»؛ وإمّا أن يبتدئ الزوج فيقول: «أنت طالق أو مختلعة بكذا أو على كذا» فتقول فورا: «قبلت». وإن وقع من وكيلين يقول وكيل الزوجة مخاطبا لوكيل الزوج: «عن قبل موكّلتي فلانة بذلت لموكّلك ما عليه من المهر أو المبلغ الفلانيّ ليخلعها ويطلّقها»، فيقول وكيل الزوج فورا: «زوجة موكّلي طالق على ما بذلت». وقس على ما ذكر سائر الصور المتصوّرة، لكن لاينبغي ترك الاحتياط المتقدّم أي الجمع بين الصيغتين، بل لا يترك.
مسألة 8 - لو استدعت الزوجة الطلاق بعوض معلوم فقالت له: «طلّقني أو اخلعني بكذا» فيقول: «أنت طالق أو مختلعة بكذا» ففي وقوعه إشكال، فالأحوط إتباعه بالقبول منها بأن تقول بعد ذلك: «قبلت».
مسألة 9 - يشترط في تحقّق الخلع بذل الفداء عوضا عن الطلاق. ويجوز الفداء بكلّ متموّل - من عين أو دين أو منفعة - قلّ أو كثر وإن زاد على المهر المسمّى؛ فإن كان عينا حاضرةً تكفي فيها المشاهدة، وإن كان كلّيّاً في الذمّة أو غائبا ذكر جنسه ووصفه وقدره. بل لا يبعد أن يكون الأمر فيه أوسع من ذلك؛ فيصحّ بما يؤول إلى العلم، كما لو بذلت ما في الصندوق مع العلم بكونه متموّلا؛ ويصحّ بما في ذمّة الزوج من المهر ولو لم يعلما به فعلا، بل في مثله ولولم يعلما بعدُ أيضا صحّ على الأقوى. ويصحّ جعل الفداء إرضاع ولده لكن مشروطا بتعيين المدّة. ولا تبعد صحّته بمثل قدوم الحاجّ وبلوغ الثمرة. وإن جعل كلّيّاً في ذمّتها يجوز جعله حالّاً ومؤجّلا مع تعيين الأجل ولو بمثل ما ذكر.
مسألة 10 - يصحّ بذل الفداء منها ومن وكيلها، بأن يبذل وكالةً عنها من مالها أو بمال في ذمّتها. وهل يصحّ ممّن يضمنه في ذمّته بإذنها فيرجع إليها بعد البذل، بأن تقول لشخص: «اطلب من زوجي أن يطلّقني بألف درهم -مثلا- عليك وبعد ما دفعتها إليه ارجع عليّ» ففعل ذلك وطلّقها الزوج على ذلك؟ وجهان بل قولان، لايخلو ثانيهما من رجحان؛ كما أنّه لا يصحّ من المتبرّع الّذي لا يرجع عليها؛ فلوقالت الزوجة لزوجها: «طلّقني على دار زيد أو ألف في ذمّته» فطلّقها على ذلك وقد أذن زيد أو أجاز بعده لم يصحّ الخلع ولا الطلاق الرجعيّ ولا غيره، إلّا إذا أوقع بلفظ الطلاق أو أتبعه بصيغته.
مسألة 11 - لو قال أبوها: «طلّقها وأنت بري ءٌ من صداقها» وكانت بالغةً رشيدةً فطلّقها صحّ الطلاق وكان رجعيّا بشرائطه والشرط المتقدم في المسألة السابقة، ولم تبرأ ذمّته بذلك ما لم تبرئ، ولم يلزم عليها الإبراء، ولا يضمنه الأب.
مسألة 12 - لو جعلت الفداء مال الغير أو ما لا يملكه المسلم كالخمر مع العلم بذلك بطل البذل فبطل الخلع وصار الطلاق رجعيّا بالشرط المتقدّم. ولو جعلته مال الغير مع الجهل بالحال فالمشهور صحّة الخلع وضمانها للمثل أو القيمة. وفيه تأمّلٌ.
مسألة 13 - يشترط في الخلع على الأحوط أن تكون كراهة الزوجة شديدةً بحيث يخاف من قولها أوفعلها أوغيرهما الخروج عن الطاعةوالدخول في المعصية.
مسألة 14 - الظاهر أنّه لا فرق بين أن تكون الكراهة المشترطة في الخلع ذاتيّةً ناشئةً من خصوصيّات الزوج - كقبح منظره وسوء خلقه وفقره وغير ذلك- وبين أن تكون ناشئةً من بعض العوارض، مثل وجود الضرّة، وعدم إيفاء الزوج بعض الحقوق الواجبة أو المستحبّة. نعم، إن كانت الكراهة وطلب المفارقة من جهة إيذاء الزوج لها - بالسبّ والشتم والضرب ونحوها - فتريد تخليص نفسها منها فبذلت شيئا ليطلّقها فطلّقها لم يتحقّق الخلع، وحرم عليه ما أخذه منها، ولكنّ الطلاق صحّ رجعيّاً بالشرط المتقدّم.
مسألة 15 - لو طلّقها بعوض مع عدم الكراهة وكون الأخلاق ملتئمةً لم يصحّ الخلع ولم يملك العوض، ولكن صحّ الطلاق بالشرط المتقدّم، فإن كان مورده الرجعيّ كان رجعيّا، وإلّا بائنا.
مسألة 16 - طلاق الخلع بائن لا يقع فيه الرجوع مالم ترجع المرأة في ما بذلت، ولها الرجوع فيه ما دامت في العدّة، فإذا رجعت كان له الرجوع إليها.
مسألة 17 - الظاهر اشتراط جواز رجوعها في المبذول بإمكان رجوعه بعد رجوعها؛ فلو لم يمكن - كالمطلّقة ثلاثا، وكما إذا كانت ممّن ليست لها عدّة، كاليائسة وغير المدخول بها - لم يكن لها الرجوع في البذل ،بل لا يبعد عدم صحّة رجوعها فيه مع فرض عدم علمه بذلك إلى انقضاء محلّ رجوعه؛ فلو رجعت عند نفسها ولم يطّلع عليه الزوج حتّى انقضت العدّة فلا أثر لرجوعها.
مسألة 18 - المباراة قسم من الطلاق؛ فيعتبر فيه جميع شروطه المتقدّمة. ويعتبر فيه ما يشترط في الخلع من الفدية والكراهة، فهي كالخلع طلاق بعوض ما تبذله المرأة. وتقع بلفظ الطلاق، بأن يقول الزوج بعد ما بذلت له شيئا ليطلّقها: «أنت طالق على ما بذلت». ولو قرنه بلفظ «بارأتك» كان الفراق بلفظ الطلاق من غير دخل للفظ «بارأتك». ولا يقع بقوله: «بارأتك» مجرّدا.
مسألة 19 - تفارق المباراة الخلع باُمور:
أحدها: أنّها تترتّب على كراهة كلّ من الزوجين لصاحبه، بخلاف الخلع فإنّه يترتّب على كراهة الزوجة خاصّة.
ثانيها: أنّه يشترط فيها أن لا تكون الفداء بأكثر من مهرها، بل الأحوط أن يكون أقلّ منه، بخلاف الخلع، فإنّه فيه على ما تراضيا.
ثالثها: أنّها لا تقع بلفظ «بارأتك». ولو جمع بينه وبين لفظ الطلاق يكون الفراق بالطلاق وحده، بخلاف الخلع، فإنّ الأحوط وقوعه بلفظ الخلع والطلاق جمعا كما مرّ.
مسألة 20 - طلاق المباراة بائن ليس للزوج الرجوع فيه، إلّا أن ترجع الزوجة في الفدية قبل انقضاء العدّة، فله الرجوع إليها حينئذٍ. - كتاب الظهار
كتاب الظهار
الّذي كان طلاقا في الجاهليّة و موجباً للحرمة الأبديّة، وقد غيّر شرع الإسلام حكمه، وجعله موجبا لتحريم الزوجة المظاهرة ولزوم الكفّارة بالعود، كما ستعرف تفصيله.
مسألة 1 - صيغة الظهار أن يقول الزوج مخاطبا للزوجة: «أنت عليّ كظهر اُمّي» أو يقول بدل أنت: «هذه» مشيرا إليها أو «زوجتي» أو «فلانة». ويجوز تبديل «عليّ» بقوله: «منّي» أو «عندي» أو «لديّ»، بل الظاهر عدم اعتبار ذكر لفظة «عليّ» وأشباهه أصلا، بأن يقول «أنت كظهر اُمّي». ولو شبّهها بجزء آخر من أجزاء الاُمّ غير الظهر كرأسها أو يدها أو بطنها ففي وقوع الظهار قولان، أحوطهما ذلك. ولو قال: «أنتِ كاُمّي أو اُمّي» قاصدا به التحريم - لاعلوّ المنزلة والتعظيم أو كبر السنّ وغير ذلك - لم يقع وإن كان الأحوط وقوعه، بل لا يترك الاحتياط.
مسألة 2 - لو شبّهها بإحدى المحارم النسبيّة غير الاُمّ كالبنت والأخت فمع ذكر الظهر بأن يقول مثلا: «أنتِ عليّ كظهر اُختي» يقع الظهار على الأقوى، وبدونه كما إذا قال: «كاُختي، أو كرأس اُختي» لم يقع على إشكال.
مسألة 3 - الموجب للتحريم ما كان من طرف الرجل؛ فلو قالت المرأة: «أنت عليّ كظهر أبي أو أخي» لم يؤثّر شيئا.
مسألة 4 - يشترط في الظهار وقوعه بحضور عدلين يسمعان قول المظاهر كالطلاق؛ وفي المظاهر: البلوغ والعقل والاختيار والقصد، فلا يقع من الصبيّ ولاالمجنون ولا المكره ولا الساهي والهازل والسكران، ولا مع الغضب، سواء كان سالبا للقصد أم لا على الأقوى؛ وفي المظاهرة: خلوّها عن الحيض والنفاس، وكونها في طهر لم يواقعها فيه على التفصيل المذكور في الطلاق. وفي اشتراط كونها مدخولا بها قولان، أصحّهما ذلك.
مسألة 5 - الأقوى عدم اعتبار دوام الزوجيّة، بل يقع على المتمتّع بها.
مسألة 6 - الظهار على قسمين: مشروط ومطلق؛ فالأوّل ما علّق على شي ء دون الثاني. ويجوز التعليق على الوطء، بأن يقول: «أنت عليّ كظهراُمّي إن واقعتك».
مسألة 7 - إن تحقّق الظهار بشرائطه: فإن كان مطلقاً حرم على المظاهر وطء المظاهرة، ولا يحلّ له حتّى يكفّر، فإذا كفّر حلّ له وطؤها، ولا يلزم كفّارة اُخرى بعد وطئها، ولو وطئها قبل أن يكفّر فعليه كفّارتان، والأشبه عدم حرمة سائر الاستمتاعات قبل التكفير؛ وإن كان مشروطا حرم عليه الوطء بعد حصول شرطه؛ فلو علّقه على الوطء لم يحرم عليه الوطء المعلّق عليه، ولا تتعلّق به الكفّارة.
مسألة 8 - إذا طلّقها رجعيّا ثمّ راجعها لم يحلّ له وطؤها حتّى يكفّر، بخلاف ما إذا تزوّجها بعد انقضاء عدّتها أو كان بائناً. ولو تزوّجها في العدّة يسقط حكم الظهار.
مسألة 9 - كفّارة الظهار أحد اُمور ثلاثة مرتّبة: عتق رقبة، فإن عجز عنه فصيام شهرين متتابعين، وإن عجز عنه فإطعام ستّين مسكيناً.
مسألة 10 - لو صبرت المظاهرة على ترك وطئها فلا اعتراض، وإن لم تصبر رفعت أمرها إلى الحاكم الشرعيّ، فيحضره ويخيّره بين الرجعة بعد التكفير وبين طلاقها، فإن اختار أحدهما، وإلّا أنظره ثلاثةَ أشهر من حين المرافعة، فإن انقضت المدّة ولم يختر أحدَهما حبسه وضيّق عليه في المأكل والمشرب حتّى يختار أحدَهما، ولا يجبره على أحدهما ولا يطلّق عنه. - كتاب الايلاء
كتاب الإيلاء
وهو الحلف على ترك وطء الزوجة الدائمة المدخول بها أبدا أو مدّةً تزيد على أربعة أشهر، للإضرار بها، فلا يتحقّق بغير القيود المذكورة وإن انعقد اليمين مع فقدها، ويترتّب عليه آثاره إذا اجتمع شروطه.
مسألة 1 - لا ينعقد الإيلاء - كمطلق اليمين - إلّا باسم اللّه تعالى المختصّ به أو الغالب إطلاقه عليه. ولا يعتبر فيه العربيّة، ولا اللفظ الصريح في كون المحلوف عليه ترك الجماع في القبل، بل المعتبر صدق كونه حالفا على ترك ذلك العمل بلفظ له ظهور فيه، فيكفي قوله: «لا أطأك» أو «لا اُجامعك» أو «لا أمسّك»، بل وقوله: «لاجمع رأسي ورأسك وسادة أو مخدّة» إذا قصد به ترك الجماع.
مسألة 2 - لو تمّ الإيلاء بشرائطه: فإن صبرت المرأة مع امتناعه عن المواقعة فلا كلام، وإلّا فلها الرفع إلى الحاكم فيُحضره ويُنظره أربعة أشهر: فإن رجع وواقعها في هذه المدّة فهو، وإلّا أجبره على أحد الأمرين: إمّا الرجوع أو الطلاق؛ فإن فعل أحدهما، وإلّا حبسه وضيّق عليه في المأكل والمشرب حتّى يختار أحدهما، ولا يجبره على أحدهما معيّنا.
مسألة 3 - الأقوى أنّ الأشهر الأربعة الّتي يُنظر فيها ثمّ يُجبر على أحد الأمرين بعدها هي من حين الرفع إلى الحاكم.
مسألة 4 - يزول حكم الإيلاء بالطلاق البائن وإن عقد عليها في العدّة، بخلاف الرجعيّ، فإنّه وإن خرج بذلك من حقّها فليست لها المطالبة والترافع إلى الحاكم، لكن لا يزول حكم الإيلاء إلّا بانقضاء عدّتها؛ فلو راجعها في العدّة عاد إلى الحكم الأوّل، فلها المطالبة بحقّها والمرافعة.
مسألة 5 - متى وطئها الزوج بعد الإيلاء لزمته الكفّارة، سواء كان في مدّة التربّص أو بعدها أو قبلها، لأنّه قد حنث اليمين على كلّ حال وإن جاز له هذا الحنث، بل وجب بعد انقضاء المدّة ومطالبتها وأمر الحاكم به تخييرا. وبهذا يمتاز هذا الحلف عن سائر الأيمان، كما أنّه يمتاز عن غيره بأنّه لا يعتبر فيه ما يعتبر في غيره من كون متعلّقه مباحا تساوى طرفاه أو كان راجحا ديناً أو دنيا. - كتاب اللعان
كتاب اللعان
وهي مباهلة خاصّة بين الزوجين، أثرها دفع الحدّ أو نفي الولد.
مسألة 1- إنّما يشرع اللعان في مقامين: أحدهما: في ما إذا رمى الزوج زوجته بالزنا. ثانيهما: في ما إذا نفى ولديّة من ولد في فراشه مع إمكان لحوقه به.
مسألة 2 - لايجوز للرجل قذف زوجته بالزنا مع الريب، ولا مع غلبة الظنّ ببعض الأسباب المريبة، بل ولا بالشياع ولا بإخبار ثقة. نعم، يجوز مع اليقين، لكن لا يصدّق إذا لم تعترف به الزوجة ولم تكن بيّنة، بل يُحَدّ حدّ القذف مع مطالبتها إلّا اذا أوقع اللعان الجامعة للشروط الآتية، فيدرأ عنه الحدّ.
مسألة 3 - يشترط في ثبوت اللعان بالقذف أن يدّعي المشاهدة؛ فلا لعان في من لم يدّعها ومن لم يتمكّن منها كالأعمى، فيحدّان مع عدم البيّنة؛ وأن لاتكون له بيّنة، فإن كانت تتعيّن إقامتها لنفي الحدّ ولا لعان.
مسألة 4 - يشترط في ثبوت اللعان أن تكون المقذوفة زوجةً دائمةً؛ فلالعان في قذف الأجنبيّة، بل يحدّ القاذف مع عدم البيّنة، وكذا في المنقطعة على الأقوى؛ وأن تكون مدخولا بها، وإلّا فلا لعان؛ وأن تكون غير مشهورة بالزنا، وإلّا فلا لعان، بل ولا حدّ حتّى يدفع باللعان، بل عليه التعزير لو لم يدفعه عن نفسه بالبيّنة. نعم، لوكانت متجاهرةً بالزنا لا يبعد عدم ثبوت التعزير أيضا. ويشترط في اللعان أيضا أن تكون كاملةً سالمةً عن الصمم والخرس.
مسألة 5 - لا يجوز للرجل أن ينكر ولديّة من تولّد في فراشه مع إمكان لحوقه به، بأن دخل باُمّه، أو أمنى في فرجها، أو حواليه بحيث أمكن جذب الرحم إيّاه، وقد مضى من ذلك إلى زمان وضعه ستّة أشهر فصاعدا ولم يتجاوز عن أقصى مدّة الحمل، حتّى في ما إذا فجر أحدٌ بها فضلا عمّا إذا اتّهمها، بل يجب الإقرار بولديّته. نعم، يجب عليه أن ينفيه -ولو باللعان- مع علمه بعدم تكوّنه منه، من جهة علمه باختلال شروط الالتحاق به إذا كان بحسب ظاهر الشرع ملحقا به لولا نفيه، لئلّا يلحق بنسبه من ليس منه، فيترتّب عليه حكم الولد في الميراث والنكاح ونظر محارمه وغير ذلك.
مسألة 6 - لو نفى ولديّة من ولد في فراشه: فإن علم أنّه دخل باُمّه دخولا يمكن معه لحوق الولد به أو أقرّ بذلك ومع ذلك نفاه لا يسمع منه ولا ينتفي منه لاباللعان ولا بغيره؛ وأما لو لم يعلم ذلك ولم يقرّ به وقد نفاه إمّا مجرّدا عن ذكر السبب بأن قال: «هذا ليس ولدي» أومع ذكره بأن قال: «لأنّي لم أدخل باُمّه أصلا» أو أنكر دخولا يمكن تكوّنه منه فحينئذٍ وإن لم ينتف عنه بمجرّد نفيه لكن باللعان ينتفي عنه بشرط ثبوت الدخول، ومع عدم ثبوته لم يشرع اللعان مطلقاً.
مسألة 7 - إنما يشرع اللعان لنفي الولد إذا كانت المرأة منكوحةً بالعقد الدائم. وأمّا ولد المتمتّع بها فينتفي بنفيه من دون لعان وإن لم يجز له نفيه مع عدم علمه بالانتفاء. ولو علم أنّه دخل بها أو أمنى في فرجها أو حواليه بحيث يمكن أن يكون الولد منه أو أقرّ بذلك ومع ذلك قد نفاه لم ينتف عنه بنفيه، ولم يسمع منه ذلك كالدائمة.
مسألة 8 - لا فرق في مشروعيّة اللعان لنفي الولد بين كونه حملا أو منفصلا.
مسألة 9 - من المعلوم أنّ انتفاء الولد عن الزوج لا يلازم كونه من زناً، لاحتمال تكوّنه من وطء الشبهة أو غيره؛ فلو علم الرجل بعدم التحاق الولد به وإن جاز له بل وجب عليه نفيه عن نفسه لكن لا يجوز له أن يرميها بالزنا وينسب ولدها بكونه من زناً.
مسألة 10 - لو أقرّ بالولد لم يسمع إنكاره له بعد ذلك، سواء كان إقراره صريحا، أو كنايةً مثل أن يبشّر به ويقال له: «بارك اللّه لك في مولودك»، فيقول: «آمين» أو «إن شاء اللّه تعالى»، بل قيل: إنّه إذا كان الزوج حاضرا وقت الولادة ولم ينكر الولد مع ارتفاع العذر لم يكن له إنكاره بعده، بل نسب ذلك إلى المشهور، لكنّ الأقوى خلافه.
مسألة 11 - لا يقع اللعان إلّا عند الحاكم الشرعيّ. والأحوط أن لا يقع حتّى عند المنصوب من قبله لذلك. وصورته أن يبدأ الرجل ويقول بعد ما قذفها أو نفى ولدها: «أشهد باللّه إنّي لمن الصادقين في ما قلت من قذفها، أو نفي ولدها» يقول ذلك أربع مرّات. ثمّ يقول مرّة واحدة: «لعنة اللّه عليّ إن كنت من الكاذبين»؛ ثمّ تقول المرأة بعد ذلك أربع مرّات: «أشهد باللّه إنّه لمن الكاذبين في مقالته من الرمي بالزنا أونفي الولد»، ثمّ تقول مرّة واحدة: «إنّ غضب اللّه عليّ إن كان من الصادقين».
مسألة 12 - يجب أن تكون الشهادة واللعن على الوجه المذكور؛ فلو قال أو قالت: «أحلف» أو «اُقسم» أو «شهدت» أو «أنا شاهد» أو أبدلا لفظ الجلالة بغيره كالرحمان وخالق البشر ونحوهما أو قال الرجل: «إنّي صادق» أو «لصادق» أو «من الصادقين» بغير ذكر اللام أو قالت المرأة: «إنّه لكاذب» أو «كاذب» أو «من الكاذبين» لم يقع، وكذا لو أبدل الرجل اللعنة بالغضب والمرأة بالعكس.
مسألة 13 - يجب أن يكون إتيان كلّ منهما باللعان بعد إلقاء الحاكم إيّاه عليه؛ فلو بادر به قبل أن يأمر الحاكم به لم يقع.
مسألة 14 - يجب أن تكون الصيغة بالعربيّة الصحيحة مع القدرة عليها، وإلّا أتى بالميسور منها، ومع التعذّر أتى بغيرها.
مسألة 15 - يجب أن يكونا قائمين عند التلفّظ بألفاظهما الخمسة. وهل يعتبر أن يكونا قائمين معا عند تلفّظ كلّ منهما أو يكفي قيام كلّ عند تلفّظه بما يخصّه؟ أحوطهما الأوّل، بل لايخلو من قوّة.
مسألة 16 - إذا وقع اللعان الجامع للشرائط منهما يترتّب عليه أحكام أربعة:
الأوّل: انفساخ عقد النكاح والفرقة بينهما.
الثاني: الحرمة الأبديّة؛ فلا تحلّ له أبدا ولو بعقد جديد. وهذان الحكمان ثابتان في مطلق اللعان، سواء كان للقذف أو لنفي الولد.
الثالث: سقوط حدّ القذف عن الزوج بلعانه، وسقوط حدّ الزنا عن الزوجة بلعانها؛ فلو قذفها ثمّ لاعن ونكلت هي عن اللعان تخلّص الرجل عن حدّ القذف، وتحدّ المرأة حدّ الزانية، لأنّ لعانه بمنزلة البيّنة في إثبات الزنا.
الرابع: انتفاء الولد عن الرجل دون المرأة إن تلاعنا لنفيه، بمعنى أنّه لو نفاه وادّعت كونه له فتلاعنا لم يكن توارث بين الرجل والولد، وكذا بين الولد وكلّ من انتسب إليه بالاُبوّة، كالجدّ والجدّة والأخ والاُخت للأب، وكذا الأعمام والعمّات، بخلاف الاُمّ ومن انتسب إليه بها، حتّى أنّ الإخوة للأب والاُمّ بحكم الإخوة للاُمّ.
مسألة 17 - لو كذّب نفسه بعد ما لاعَنَ لنفي الولد لحق به الولد في ما عليه لافي ما له، فيرثه الولد ولا يرثه الأب ولا من يتقرّب به، ولا يرث الولد أقارب أبيه بإقراره. - كتاب المواريث
- كتاب القضاء
- كتاب الشهادات
- كتاب الحدود
- كتاب القصاص
- كتاب الديات
- البحث حول المسائل المستحدثة