تحميل:
تحرير الوسيلة
- المقدمه
تَحریرالوَسیلة
آيَة الله العُظمى الإمام الخُميني (قدس سره)
الحمدللّه الّذي فتح قلوب العلماء بمفاتيح الإيمان وشرح صدور العرفاء بمصابيح الإيقان، وصلّ اللّهمّ على جميع أنبيائك ورسلك سيّما خاتمهم وأفضلهم محمّدٍ المصطفى، وعلى آله المنتجبين حملة علومه ونقلة آدابه.
وبعد، فعجيبٌ أمر هذه الرسالة العمليّة، فهي - فضلاً عن كونها تناولت كلّ أبواب الفقه الإسلاميّ ابتداءً من التقليد والطهارة وانتهاءً بالحدود والديات - تطرّقت ولأوّل مرّة (حينذاك) لأحكام الجهاد والدفاع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقضايا الساعة ولمعالجتها للحوادث الواقعة، نراها ترجمت الى لغات شتّى، منها وعلى سبيل المثال إلى اللغة البوسنيّة على يد رئيس جمهوريّتها المجاهد عزّت علي بيگوفيج؛ أيّام سجنه.
وعجيبٌ أمر محرّرها الإمام الخميني (قدس سره)، إذ أنّ هذه الشخصيّة العظيمة العملاقة - في الفكر والجهاد والعرفان والزهد والسياسة والريادة والفقه والاُصول والفلسفة والعلوم - استطاعت أن تقيم أعظم كيانٍ إسلاميّ في القرن العشرين يناطح به كلّ الطروحات الأرضيّة المعادية والتحالفات الاستكباريّة المتنافرة، ويوقظ كلّ نيام الاُمّة والمستضعفين في دنيا الاستغلال والاضطهاد، حتّى أصبح؛ أمل الشعوب.
هذا المرجع الربّانيّ والقائد الميدانيّ استطاع كذلك لعلوّ همّته ونافذ بصيرته أن ينشئ بفعل دروسه العلميّة والأخلاقيّة كوادر على شاكلته في الإخلاص والوعي والشجاعة والفداء والعلم والتقوى ، يحذون حذوَه ويقْفون أثره حذو القذّة بالقذّة وتتمنّاهم الشعوب قادةً لنهضاتها، ليضمن استمرار المسيرة الثوريّة الهادية وعزّتها وتكاملها ووحدتها وكرامتها وحفظ النظام ومِنعته حتّى يسلّموا الراية إلى صاحب العصر والزمان عجّل اللّه فرجه، وفي مقدّمتهم خليفته المنتخب ووريثه في المحبوبيّة وليّ أمر المسلمين آيةاللّه السيّد عليّ الخامنئيّ أعزّه اللّه وأدام ظلّه الوارف.
فما أعظم الإمام روح اللّه من مؤلّفٍ واُستاذ، ومربّ وزعيم، وما أعظم رسالته الّتي صارت مناراً للثائرين ومنهجاً عمليّاً للعارفين. فرحمهُ اللّه ورفع مقامه في الخالدين.
والمؤسّسة إذ تقوم بطبع ونشر هذه الرسالة المجيدة - بعد إراءتها لمؤسّسة نشر آثار الإمام الخميني (قدس سره) - تتقدّم بجزيل شكرها ووافر ثنائها لسماحة حجّةالإسلام والمسلمين الشيخ محمّدحسين أمراللّهي على تدقيقه إيّاها من ضبط عباراتها ونصوصها ومطابقتها مع عدّة نسخ. شكر اللّه سعيه وبارك له في مجهوده المثمر هذا، راجين أن يجد فيها عشّاق الإمام وسائر القرّاء الكرام الدقّة والنفع، ومنه تعالى التوفيق.مؤسّسة النشر الإسلامي
التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
الحمد للّه رب العالمين، والصلاة والسلام على محمّد و آله الطاهرين، ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين.
وبعد، فقد علّقت في سالف الزمان تعليقةً على كتاب «وسيلة النجاة» تصنيف السيّد الحجّة الفقيه الإصبهانيّ قدّس سرّه العزيز، فلمّا اُقصيت في أواخر شهر جمادى الثانية عام 1384 عن مدينة «قم» إلى «بورسا» من مدائن تركيا لأجل حوادث محزنة حدثت للإسلام والمسلمين - لعلّ التاريخ يضبطها - وكنت فارغ البال تحت النظر و المراقبة فيها أحببت أن اُدرج التعليقة في المتن لتسهيل التناول، ولو وفّقني اللّه تعالى لاُضيف إليه مسائل كثيرة الابتلاء، ونرجو من اللّه تعالى التوفيق، ومن الناظرين دعاء الخير لرفع البليّات عن بلاد المسلمين، سيّما عاصمة الشيعة، ولقطع يد الأجانب عنها، ولحسن العاقبة للفقير. - احكام التقليد
المقدّمة
[فی أحکام التقلید]إعلم أنّه یجب علی کلّ مکلّف غیر بالغ مرتبة الاجتهاد فی غیر الضروریّات من عباداته و معاملاته - ولو فی المستحبّات والمباحات - أن یکون إمّا مقلّدا أو محتاطا بشرط أن یعرف موارد الاحتیاط، ولا یعرف ذلک إلّا القلیل؛ فعمل العامیّ غیرالعارف بمواضع الاحتیاط من غیر تقلید باطلٌ بتفصیل یأتی.
مسألة 1 - یجوز العمل بالاحتیاط ولو کان مستلزماً للتکرار علی الأقوی.
مسألة 2 - التقلید هو العمل مستندا إلی فتوی فقیه معیّن، وهو الموضوع للمسألتین الآتیتین. نعم، ما یکون مصحّحا للعمل هو صدوره عن حجّة - کفتوی الفقیه - وإن لم یصدق علیه عنوان التقلید. وسیأتی أنّ مجرّد انطباقه علیه مصحّح له.
مسألة 3 - یجب أن یکون المرجع للتقلید عالما مجتهدا عادلا ورعا فی دین اللّه، بل غیر مکبّ علی الدنیا، ولا حریصا علیها وعلی تحصیلها - جاها ومالا - علی الأحوط. وفی الحدیث: «من کان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدینه مخالفا لهواه مطیعا لأمر مولاه فللعوامّ أن یقلّدوه».
مسألة 4 - یجوز العدول بعد تحقّق التقلید من الحیّ إلی الحیّ المساوی. ویجب العدول إذا کان الثانی أعلم علی الأحوط.
مسألة 5 - یجب تقلید الأعلم مع الإمکان علی الأحوط، ویجب الفحص عنه. وإذا تساوی المجتهدان فی العلم أو لم یعلم الأعلم منهما تخیّر بینهما. وإذا کان أحدهما المعیّن أورع أو أعدل فالأولی و الأحوط اختیاره. وإذا تردّد بین شخصین یحتمل أعلمیّة أحدهما المعیّن دون الآخر تعیّن تقلیده علی الأحوط.
مسألة 6 - إذا کان الأعلم منحصرا فی شخصین ولم یتمکّن من تعیینه تعیّن الأخذ بالاحتیاط أو العمل بأحوط القولین منهما علی الأحوط مع التمکّن، ومع عدمه یکون مخیّرا بینهما.
مسألة 7 - یجب علی العامیّ أن یقلّد الأعلم فی مسألة وجوب تقلید الأعلم؛ فإن أفتی بوجوبه لا یجوز له تقلید غیره فی المسائل الفرعیّة، وإن أفتی بجواز تقلید غیر الأعلم تخیّر بین تقلیده وتقلید غیره. ولا یجوز له تقلید غیر الأعلم إذا أفتی بعدم وجوب تقلید الأعلم. نعم، لو أفتی بوجوب تقلید الأعلم یجوز الأخذ بقوله، لکن لا من جهة حجّیّة قوله بل لکونه موافقا للاحتیاط.
مسألة 8 - إذا کان المجتهدان متساویین فی العلم یتخیّرالعامیّ فی الرجوع إلی أیّهما، کما یجوز له التبعیض فی المسائل بأخذ بعضهامن أحدهماوبعضهامن الآخر.
مسألة 9 - یجب علی العامیّ فی زمان الفحص عن المجتهد أو الأعلم أن یعمل بالاحتیاط. ویکفی فی الفرض الثانی الاحتیاط فی فتوی الّذین یحتمل أعلمیّتهم، بأن یأخذ بأحوط أقوالهم.
مسألة 10 - یجوز تقلید المفضول فی المسائل الّتی توافق فتواه فتوی الأفضل فیها، بل فی ما لا یعلم تخالفهما فی الفتوی أیضا.
مسألة 11 - إذا لم یکن للأعلم فتوی فی مسألة من المسائل یجوز الرجوع فی تلک المسألة إلی غیره مع رعایة الأعلم فالأعلم علی الأحوط.
مسألة 12 - إذا قلّد من لیس له أهلیّة الفتوی ثمّ التفت وجب علیه العدول. وکذا إذا قلّد غیر الأعلم وجب العدول إلی الأعلم علی الأحوط وکذا إذا قلّد الأعلم ثمّ صار غیره أعلم منه، علی الأحوط فی المسائل الّتی یعلم تفصیلا مخالفتهما فیها فی الفرضین.
مسألة 13 - لا یجوز تقلید المیّت ابتداءً. نعم، یجوز البقاء علی تقلیده بعد تحقّقه بالعمل ببعض المسائل مطلقا ولو فی المسائل الّتی لم یعمل بها علی الظاهر. ویجوز الرجوع إلی الحیّ الأعلم، والرجوع أحوط. ولا یجوز بعد ذلک الرجوع إلی فتوی المیّت ثانیا علی الأحوط، ولا إلی حیّ آخر کذلک إلّا إلی أعلم منه، فإنّه یجب علی الأحوط. ویعتبر أن یکون البقاء بتقلید الحیّ، فلو بقی علی تقلید المیّت من دون الرجوع إلی الحیّ الّذی یفتی بجواز ذلک کان کمن عمل من غیر تقلید.
مسألة 14 - إذا قلّد مجتهدا ثمّ مات فقلّد غیره ثمّ مات فقلّد فی مسألة البقاء علی تقلید المیّت من یقول بوجوب البقاء أو جوازه فهل یبقی علی تقلید المجتهد الأوّل أو الثانی؟ الأظهر البقاء علی تقلیدالأوّل إن کان الثالث قائلاً بوجوب البقاء، ویتخیّر بین البقاء علی تقلید الثانی والرجوع إلی الحیّ إن کان قائلًا بجوازه.
مسألة 15 - المأذون والوکیل عن المجتهد فی التصرّف فی الأوقاف أو الوصایا أو فی أموال القصّر ینعزل بموت المجتهد. وأمّا المنصوب من قبله - بأن نصبه متولّیا للوقف أو قیّما علی القصّر - فلا یبعد عدم انعزاله، لکن لا ینبغی ترک الاحتیاط بتحصیل الإجازة أو النصب الجدید للمنصوب من المجتهد الحیّ.
مسألة 16 - إذا عمل عملا- من عبادة أو عقد أو إیقاع - علی طبق فتوی من یقلّده فمات ذلک المجتهد فقلّد من یقول ببطلانه یجوز له البناء علی صحّة الأعمال السابقة، ولا یجب علیه إعادتها وإن وجب علیه فی ما یأتی العمل بمقتضی فتوی المجتهد الثانی.
مسألة 17 - إذا قلّد مجتهدا من غیر فحص عن حاله ثمّ شکّ فی أنّه کان جامعا للشرائط وجب علیه الفحص؛ وکذا لو قطع بکونه جامعا لها ثمّ شکّ فی ذلک علی الأحوط. وأمّا إذا أحرز کونه جامعا لها ثمّ شکّ فی زوال بعضها عنه -کالعدالة والاجتهاد- لا یجب علیه الفحص، ویجوز البناء علی بقاء حالته الاُولی.
مسألة 18 - إذا عرض للمجتهد ما یوجب فقده للشرائط - من فسق أو جنون أو نسیان - یجب العدول إلی الجامع لها، ولا یجوز البقاء علی تقلیده؛ کما أنّه لو قلّد من لم یکن جامعا للشرائط ومضی علیه برهة من الزمان کان کمن لم یقلّد أصلًا، فحاله حال الجاهل القاصر أو المقصّر.
مسألة 19 - یثبت الاجتهاد بالاختبار، وبالشیاع المفید للعلم، وبشهادة العدلین من أهل الخبرة؛ وکذا الأعلمیّة. ولا یجوز تقلید من لم یعلم أنّه بلغ مرتبة الاجتهاد وإن کان من أهل العلم؛ کما أنّه یجب علی غیر المجتهد أن یقلّد أو یحتاط وإن کان من أهل العلم وقریبا من الاجتهاد.
مسألة 20 - عمل الجاهل المقصّر الملتفت من دون تقلید باطل، إلّا إذا أتی به برجاء درک الواقع وانطبق علیه أو علی فتوی من یجوز تقلیده. وکذا عمل الجاهل القاصر أو المقصّر الغافل مع تحقّق قصد القربة صحیح إذا طابق الواقع أو فتوی المجتهد الّذی یجوز تقلیده.
مسألة 21 - کیفیّة أخذ المسائل من المجتهد علی أنحاء ثلاثة:
أحدها: السماع منه. الثانی: نقل العدلین أو عدل واحد عنه أو عن رسالته المأمونة من الغلط، بل الظاهر کفایة نقل شخص واحد إذا کان ثقةً یطمأنّ بقوله. الثالث: الرجوع إلی رسالته إذا کانت مأمونةً من الغلط.
مسألة 22 - إذا اختلف ناقلان فی نقل فتوی المجتهد فالأقوی تساقطهما مطلقا، سواء تساویا فی الوثاقة أم لا، فإذا لم یمکن الرجوع إلی المجتهد أو رسالته یعمل بما وافق الاحتیاط من الفتویین أو یعمل بالاحتیاط.
مسألة 23 - یجب تعلّم مسائل الشکّ والسهو وغیرها ممّا هو محلّ الابتلاء غالبا، إلّا إذا اطمأنّ من نفسه بعدم الابتلاء بها، کما یجب تعلّم أجزاء العبادات وشرائطها وموانعها ومقدّماتها. نعم، لو علمٍ إجمالا أنّ عمله واجد لجمیع الأجزاء والشرائط وفاقد للموانع صحّ وإن لم یعلم تفصیلا.
مسألة 24 - إذا علم أنّه کان فی عباداته بلا تقلید مدّةً من الزمان ولم یعلم مقداره: فإن علم بکیفیّتها وموافقتها لفتوی المجتهد الّذی رجع إلیه أو کان له الرجوع إلیه فهو، وإلّا یقضی الأعمال السابقة بمقدار العلم بالاشتغال وإن کان الأحوط أن یقضیها بمقدار یعلم معه بالبراءة.
مسألة 25 - إذا کان أعماله السابقة مع التقلید ولا یعلم أنّها کانت عن تقلید صحیح أم فاسد یبنی علی الصحّة.
مسألة 26 - إذا مضت مدّة من بلوغه وشکّ بعد ذلک فی أنّ أعماله کانت عن تقلیدٍ صحیح أم لا، یجوز له البناء علی الصحّة فی أعماله السابقة، وفی اللاحقة یجب علیه التصحیح فعلا.
مسألة 27 - یعتبر فی المفتی والقاضی العدالة. وتثبت بشهادة عدلین، وبالمعاشرة المفیدة للعلم أو الاطمینان، وبالشیاع المفید للعلم، بل تعرف بحسن الظاهر ومواظبته علی الشرعیّات والطاعات وحضور الجماعات ونحوها. والظاهر أنّ حسن الظاهر کاشف تعبّدیّ ولو لم یحصل منه الظنّ أو العلم.
مسألة 28 - العدالة عبارة عن ملکة راسخة باعثة علی ملازمة التقوی: من ترک المحرّمات وفعل الواجبات.
مسألة 29 - تزول صفة العدالة - حکما - بارتکاب الکبائر أو الإصرار علی الصغائر، بل بارتکاب الصغائر علی الأحوط، وتعود بالتوبة إذا کانت الملکة المذکورة باقیة.
مسألة 30 - إذا نقل شخصٌ فتوی المجتهد خطأً یجب علیه إعلام من تعلّم منه.
مسألة 31 - إذا اتّفق فی أثناءالصلاة مسألةٌ لایعلم حکمها ولم یتمکّن حینئذٍ من استعلامها بنی علی أحد الطرفین بقصد أن یسأل عن الحکم بعد الصلاة وأن یعیدها إذا ظهر کون المأتیّ به خلاف الواقع، فلو فعل کذلک فظهرت المطابقة صحّت صلاته.
مسألة 32 - الوکیل فی عمل عن الغیر - کإجراء عقد أو إیقاع أو أداء خمس أو زکاة أو کفّارة أو نحوها - یجب علیه أن یعمل بمقتضی تقلید الموکّل لا تقلید نفسه إذا کانا مختلفین؛ و أمّا الأجیر عن الوصیّ أو الولیّ فی إتیان الصلاة ونحوها عن المیّت فالأقوی لزوم مراعاة تقلیده، لا تقلید المیّت ولا تقلیدهما؛ وکذا لو أتی الوصیّ بها تبرّعا أو استیجارا یجب علیه مراعاة تقلیده لا تقلید المیّت؛وکذا الولیّ.
مسألة 33 - إذا وقعت معاملة بین شخصین و کان أحدهما مقلّدا لمن یقول بصحّتها والآخر مقلّدا لمن یقول ببطلانها یجب علی کلّ منهما مراعاة فتوی مجتهده، فلو وقع النزاع بینهما یترافعان عند أحد المجتهدین أو عند مجتهد آخر، فیحکم بینهما علی طبق فتواه وینفذ حکمه علی الطرفین. وکذا الحال فی ما إذا وقع إیقاعٌ متعلّقٌ بشخصین، کالطلاق والعتق ونحوهما.
مسألة 34 - الاحتیاط المطلق فی مقام الفتوی من غیر سبق فتوی علی خلافه أو لحوقها کذلک لا یجوز ترکه، بل یجب إمّا العمل بالاحتیاط أو الرجوع إلی الغیر: الأعلم فالأعلم؛ وأمّا إذا کان الاحتیاط فی الرسائل العملیّة مسبوقا بالفتوی علی خلافه کما لو قال بعد الفتوی فی المسألة: «وإن کان الأحوط کذا» أو ملحوقا بالفتوی علی خلافه کأن یقول: «الأحوط کذا وإن کان الحکم کذا» أو «وإن کان الأقوی کذا» أو کان مقرونا بما یظهر منه الاستحباب کأن یقول: «الأولی والأحوط کذا» جاز فی الموارد الثلاثة ترک الاحتیاط. - كتاب الطهارة
- كتاب الصلاة
- فصل في مقدمات الصلاة
- فصل في أفعال الصلاة
- القول في النيّة
القول في النيّة
مسألة 1 - النيّة عبارة عن قصد الفعل. ويعتبر فيها التقرّب إلى اللّه تعالى وامتثال أمره. ولا يجب فيها التلفّظ، لأنّها أمر قلبيّ، كمالا يجب فيها الإخطار أي الحديث الفكريّ والإحضار بالبال، بأن يرتّب في فكره وخزانة خياله مثلا: اُصلّي صلاةً فلانيّةً امتثالا لأمره، بل يكفي الداعي وهو الإرادة الإجماليّة المؤثّرة في صدور الفعل، المنبعثة عمّا في نفسه من الغايات على وجه يخرج به عن الساهي والغافل ويدخل فعله في فعل الفاعل المختار - كسائر أفعاله الإراديّة والاختياريّة- ويكون الباعث والمحرّك للعمل الامتثال ونحوه.
مسألة 2 - يعتبر الإخلاص في النيّة؛ فمتى ضمّ إليها ما ينافيه بطل العمل، خصوصا الرياء، فإنّه مفسد على أيّ حال، سواء كان في الابتداء أو الأثناء، في الأجزاء الواجبة أو المندوبة، وكذلك في الأوصاف المتّحدة مع الفعل، ككون الصلاة في المسجد أو جماعة ونحو ذلك. ويحرم الرياء المتأخّر وإن لم يكن مبطلًا، كما لو أخبر بمافعله من طاعة رغبةً في الأغراض الدنيويّة من المدح والثناء والجاه والمال؛ فقد ورد في المرائي عن النبيّ (صلی الله علیه وآله وسلم) أنّه قال: «المرائي يُدعى يوم القيامة بأربعة أسماء: يا فاجر يا كافر يا غادر يا خاسر حبط عملك، وبطل أجرك، ولاخلاص لك اليوم، التمس أجرك ممّن كنت تعمل له».
مسألة 3 - غير الرياء من الضمائم المباحة أو الراجحة إن كانت مقصودةً تبعا وكان الداعي والغرض الأصليّ امتثال الأمر الصلاتيّ محضا فلا إشكال، وإن كان بالعكس بطلت بلا إشكال؛ وكذا إذا كان كلّ منهما جزءا للداعي بحيث لو لم ينضمّ كلّ منهما إلى الآخر لم يكن باعثا ومحرّكا. والأحوط بطلان العمل في جميع موارد اشتراك الداعي، حتّى مع تبعيّة داعي الضميمة، فضلًا عن كونهما مستقلّين.
مسألة 4 - لو رفع صوته بالذكر أو القراءة لإعلام الغير لم تبطل الصلاة بعد ما كان أصل إتيانهمابقصد الامتثال؛ وكذلك لو أوقع صلاته في مكان أو زمان خاصّ لغرض من الأغراض المباحة، بحيث يكون أصل الإتيان بداعي الامتثال وكان الداعي على اختيار ذلك المكان أو الزمان لغرض كالبرودة ونحوها.
مسألة 5 - يجب تعيين نوع الصلاة الّتى يأتي بها في القصد ولو إجمالا، بأن ينوي - مثلا - ما اشتغلت به ذمّته إذا كان متّحدا، أو ما اشتغلت به ذمّته أوّلا أو ثانيا إذا كان متعدّدا.
مسألة 6 - لايجب قصدالأداء والقضاء بعد قصد العنوان الّذي يتّصف بصفتي القضاء والأداء كالظهر والعصر - مثلا - ولو على نحو الإجمال؛ فلو نوى الإتيان بصلاة الظهر الواجبة عليه فعلا ولم يشتغل ذمّته بالقضاء يكفي. نعم، لو اشتغلت ذمّته بالقضاء أيضا لا بدّ من تعيين ما يأتي به وأنّه فرض لذلك اليوم أو غيره. ولو كان من قصده امتثال الأمر المتعلّق به فعلا وتخيّل أنّ الوقت باقٍ فنوى الأداء فبان انقضاء الوقت صحّت ووقعت قضاءً؛ كما لو نوى القضاء بتخيّل خروج الوقت فبان عدم الخروج صحّت ووقعت أداءً.
مسألة 7 - لايجب نيّة القصر والإتمام في موضع تعيّنهما، بل ولا في أماكن التخيير؛ فلو شرع في صلاة الظهر - مثلا - مع الترديد والبناء على أنّه بعد التشهّد الأوّل إمّا يسلّم على الركعتين أو يلحق بهما الأخيرتين صحّت، بل لو عيّن أحدهما لم يلتزم به على الأظهر، وكان له العدول إلى الآخر، بل الأقوى عدم التعيّن بالتعيين، ولا يحتاج إلى العدول، بل القصر يحصل بالتسليم بعد الركعتين، كما أنّ الإتمام يحصل بضمّ الركعتين إليهما خارجا من غير دخل القصد فيهما؛ فلو نوى القصر فشكّ بين الاثنتين والثلاث بعد إكمال السجدتين يبني على الثلاث، ويعالج صلاته عن الفساد من غير لزوم نيّة العدول، بل لا يبعد أن يتعيّن العمل بحكم الشكّ. ولا ينبغي ترك الاحتياط بنيّة العدول في أشباهه ثمّ العلاج ثمّ إعادة العمل.
مسألة 8 - لا يجب قصد الوجوب والندب، بل يكفي قصد القربة المطلقة، والأحوط قصدهما.
مسألة 9 - لا يجب حين النيّة تصوّر الصلاة تفصيلا، بل يكفي الإجمال.
مسألة 10 - لو نوى في أثناء الصلاة قطعها أو الإتيان بالقاطع مع الالتفات إلى منافاته للصلاة: فإن أتمّ صلاته في تلك الحال بطلت، وكذا لو أتى ببعض الأجزاء ثمّ عاد إلى النيّة الاُولى واكتفى بما أتى به؛ ولو عاد إلى الاُولى قبل أن يأتي بشي ء لم يبطل، كما أنّ الأقوى عدم البطلان مع الإتمام أو الإتيان ببعض الأجزاء في تلك الحال لو لم يلتفت إلى منافاة ما ذُكر للصلاة. والأحوط على جميع التقادير الإتمام ثمّ الإعادة.
مسألة 11 - لو شكّ في ما بيده أنّه عيّنها ظهرا أو عصرا ويدري أنّه لم يأت بالظهر ينويها ظهرا في غير الوقت المختصّ بالعصر؛ وكذا لو شكّ في إتيان الظهر على الأقوى. وأمّا في الوقت المختصّ به: فإن علم أنّه لم يأت بالعصر رفع اليد عنها واستأنف العصر إن أدرك ركعةً من الوقت وقضى الظهر بعده، وإن لم يدرك رفع اليد عنها وقضى الصلاتين. والأحوط - الّذي لا يترك - إتمامها عصرا مع إدراك بعض الركعة ثمّ قضاؤهما. وإن لم يدر إتيان الظهر فلا يبعد جواز عدم الاعتناء بشكّه، لكنّ الأحوط قضاؤه أيضا. ولو علم بإتيان الظهر قبل ذلك يرفع اليد عنها و يستأنف العصر. نعم، لو رأى نفسه في صلاة العصر وشكّ في أنّه من أوّل الأمر نواها أو نوى الظهر بنى على أنّه من أوّل الأمر نواها.
مسألة 12 - يجوز العدول من صلاة إلى اُخرى في مواضع:
منها: في الصلاتين المرتّبتين - كالظهرين والعشاءين - إذا دخل في الثانية قبل الاُولى سهوا أو نسيانا، فإنّه يجب أن يعدل إليها إن تذكّر في الأثناء ولم يتجاوز محلّ العدول؛ بخلاف ما إذا تذكّر بعد الفراغ أو بعد تجاوز محلّ العدول، كما إذا دخل في ركوع الركعة الرابعة من العشاء فتذكّر ترك المغرب فلا عدول، بل يصحّ اللاحقة، فيأتي بعدها بالسابقة في الفرض الأوّل - أي التذكّر بعد الفراغ - بل في الفرض الثاني أيضا لا يخلو من قوّة وإن كان الأحوط الإتمام ثمّ الإتيان بالمغرب والعشاء مترتّبا. وكذا الحال في الصلاتين المقضيّتين المترتّبتين، كما لو فات الظهران أو العشاءان من يوم واحد فشرع في قضائهما مقدّما للثانية على الاُولى فتذكّر؛ بل الأحوط لو لم يكن الأقوى أنّ الأمر كذلك في مطلق الصلوات القضائيّة.
ومنها: إذا دخل في الحاضرة فذكر أنّ عليه قضاءً فإنّه يستحبّ أن يعدل إليه مع بقاء المحلّ، إلّا إذا خاف فوت وقت فضيلة ما بيده فإنّ في استحبابه تأمّلا، بل عدمه لا يخلو من قوّة.
ومنها: العدول من الفريضة إلى النافلة، وذلك في موضعين:
أحدهما: في ظهر يوم الجمعة لمن نسي قراءة سورة الجمعة وقرأ سورة اُخرى وبلغ النصف أو تجاوز.
ثانيهما: في ما إذا كان متشاغلا بالصلاة واُقيمت الجماعة وخاف السبق، فيجوز له العدول إلى النافلة وإتمامها ركعتين ليلحق بها.
مسألة 13 - لا يجوز العدول من النفل إلى الفرض، ولا من النفل الى النفل حتّى في ما كان كالفرائض في التوقيت والسبق واللحوق. وكذا لايجوز من الفائتة إلى الحاضرة؛ فلو دخل في فائتة ثمّ ذكر في أثنائها أنّ الحاضرة قد ضاق وقتها قطعها وأتى بالحاضرة، ولا يجوز العدول عنها إليها. وكذا لا يجوز في الحاضرتين المرتّبتين من السابقة إلى اللاحقة؛ بخلاف العكس، فلو دخل في الظهر بتخيّل عدم إتيانه فبان في الأثناء إتيانه لم يجز له العدول إلى العصر. وإذا عدل في موضع لايجوز العدول لا يبعد القول بصحّة المعدول عنه لو تذكّر قبل الدخول في ركن، فعليه الإتيان بما أتى بغير عنوانه بعنوانه.
مسألة 14 - لو دخل في ركعتين من صلاة الليل - مثلا - بقصد الركعتين الثانيتين فتبيّن أنّه لم يصلّ الأوّلتين صحّت وحُسبت له الأوّلتان قهرا؛ وليس هذا من باب العدول ولا يحتاج إليه، حيث إنّ الأوّليّة والثانويّة لا يعتبر فيها القصد، بل المدار على ما هو الواقع. - القول في تكبيرة الإحرام
القول في تكبيرة الإحرام
وتسمّى تكبيرة الافتتاح أيضا. وصورتها «اللّه أكبر»، ولا يجزي غيرها ولا مرادفها من العربيّة، ولاترجمتها بغيرالعربيّة. وهي ركن تبطل الصلاةبنقصانها عمدا وسهوا، وكذا بزيادتها؛ فإذا كبّر للافتتاح ثمّ زاد ثانيةً له أيضا بطلت الصلاة واحتاج إلى ثالثة، فإن أبطلها برابعة احتاج إلى خامسة وهكذا. ويجب في حالها القيام منتصبا؛ فلو تركه عمدا أو سهوا بطلت، بل لا بدّ من تقديمه عليها مقدّمةً، من غير فرق في ذلك بين المأموم الّذي أدرك الإمام راكعا وغيره، بل ينبغي التربّص في الجملة حتّى يعلم وقوع التكبير تامّا قائما منتصبا. والأحوط أنّ الاستقرار في القيام كالقيام في البطلان بتركه عمدا أو سهوا؛ فلو ترك الاستقرار سهوا أتى بالمنافي احتياطا ثمّ كبّر مستقرّا، وأحوط منه الإتمام ثمّ الإعادة بتكبير مستقرّا.
مسألة 1 - الأحوط ترك وصلها بما قبلها من الدعاء ليحذف الهمزة من «اللّه». والظاهر جواز وصلها بما بعدها من الاستعاذة أو البسملة، فيظهر إعراب راء «أكبر». والأحوط تركه أيضا، كما أنّ الأحوط تفخيم اللام والراء وإن كان الأقوى جواز تركه.
مسألة 2 - يستحبّ زيادة ستّ تكبيرات على تكبيرة الإحرام قبلها أو بعدها أو بالتوزيع، والأحوط الأوّل، فيجعل الافتتاح السابعة، والأفضل أن يأتي بالثلاث ولاءا ثمّ يقول: «أَللّهُمّ أَنْتَ الْمَلِكُ الْحَقّ الْمُبينُ، لَا إِلهَ إِلّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْلي ذَنْبِي ، إِنّهُ لَا يَغْفِرْ الذّنُوبَ إِلّا أَنْتَ»، ثمّ يأتي باثنتين فيقول: «لَبّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ وَالشّرّ لَيْسَ إِلَيْكَ، وَالْمَهْدِىّ مَنْ هَدَيْتَ، لَا مَلْجَأَ مِنْكَ إِلّا إِلَيْكَ، سُبْحانَكَ وَحَنانَيْكَ، تَبارَكْتَ وَتَعالَيْتَ، سُبْحانَكَ رَبّ الْبَيْتِ»، ثمّ كبّر تكبيرتين، ثمّ يقول: «وَجّهْتُ وَجْهِيَ لِلّذِي فَطَرَ السّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، عالِمِ الْغَيْبِ وَالشّهَادَةِ، حَنِيفا مُسْلِما وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِنّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للّهِ ِ رَبّ الْعَالَمِينَ، لَا شَريكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ»، ثمّ يشرع في الاستعاذة والقراءة.
مسألة 3 - يستحبّ للإمام الجهر بتكبيرة الإحرام بحيث يسمع من خلفه، والإسرار بالستّ الباقية.
مسألة 4 - يستحبّ رفع اليدين عند التكبير إلى الاُذنين أو إلى حيال وجهه، مبتدئا بالتكبير بابتداء الرفع و منتهيا بانتهائه. والأولى أن لا يتجاوز الاُذنين، وأن يضمّ أصابع الكفّين، ويستقبل بباطنهما القبلة.
مسألة 5 - إذا كبّر ثمّ شكّ وهو قائم في كونه تكبيرة الإحرام أو الركوع بنى على الأوّل. - القول في القيام
القول في القيام
مسألة 1 - القيام ركن في تكبيرة الإحرام الّتي تقارنها النيّة، وفي الركوع، وهو الّذي يقع الركوع عنه، وهو المعبّر عنه بالقيام المتّصل بالركوع؛ فمن أخلّ به في هاتين الصورتين عمدا أو سهوا (بأن كبّر للافتتاح وهو جالس، أو صلّى ركعةً تامّةً من جلوس، أو ذكر حال الهويّ إلى السجود ترك الركوع وقام منحنيا بركوعه، أو ذكر قبل الوصول إلى الركوع وقام متقوّسا وغير منتصب ولو ساهيا) بطلت صلاته. والقيام في غيرهما واجب ليس بركن، لا تبطل الصلاة بنقصانه إلّا عن عمد، كالقيام حال القراءة، فمن سها وقرأ جالسا ثمّ ذكر وقام فصلاته صحيحة؛ وكذا بزيادته، كمن قام ساهيا في محلّ القعود.
مسألة 2 - يجب مع الإمكان الاعتدال في القيام والانتصاب بحسب حال المصلّي؛ فلو انحنى أو مال إلى أحد الجانبين بحيث خرج عن صدقه بطل؛ بل الأحوط الأولى نصب العنق وإن كان الأقوى جواز إطراق الرأس. ولا يجوز الاستناد إلى شي ء حال القيام مع الاختيار. نعم، لا بأس به مع الاضطرار، فيستند إلى إنسان أو غيره. ولا يجوز القعود مستقلّاً مع التمكّن من القيام مستندا.
مسألة 3 - يعتبر في القيام عدم التفريج الفاحش بين الرجلين بحيث يخرج عن صدق القيام، بل وعدم التفريج غير المتعارف وإن صدق عليه القيام على الأقوى.
مسألة 4 - لا يجب التسوية بين الرجلين في الاعتماد. نعم، يجب الوقوف على القدمين على الأقوى، لا على قدم واحدة، ولا على الأصابع، ولا على أصلهما.
مسألة 5 - إن لم يقدر على القيام أصلا ولو مستندا أو منحنيا أو متفرّجا -وبالجملة لم يقدر على جميع أنواع القيام حتّى الاضطراريّ منه بجميع أنحائه- صلّى من جلوس. ويعتبر فيه الانتصاب والاستقلال؛ فلا يجوز فيه الاستناد والتمايل مع التمكّن من الاستقلال والانتصاب، ويجوز مع الاضطرار. ومع تعذّر الجلوس رأسا صلّى مضطجعا على الجانب الأيمن كالمدفون؛ فإن تعذّر منه فعلى الأيسر عكس الأوّل؛ فإن تعذّر صلّى مستلقيا كالمحتضر.
مسألة 6 - لو تمكّن من القيام ولم يتمكّن من الركوع قائما صلّى قائما ثمّ جلس وركع جالسا. وإن لم يتمكّن من الركوع والسجود أصلا ولا من بعض مراتبهما الميسورة حتّى جالسا صلّى قائما وأومأ للركوع والسجود. والأحوط في ما إذا تمكّن من الجلوس أن يكون إيماؤه للسجود جالسا، بل الأحوط وضع ما يصحّ السجود عليه على جبهته إن أمكن.
مسألة 7 - لو قدر على القيام في بعض الركعات دون الجميع وجب أن يقوم إلى أن يعجز فيجلس، ثمّ إذا قدر على القيام قام وهكذا.
مسألة 8 - يجب الاستقرار في القيام وغيره من أفعال الفريضة كالركوع والسجود والقعود؛ فمن تعذّر عليه الاستقرار وكان متمكّنا من الوقوف مضطربا قدّمه على القعود مستقرّا؛ وكذا الركوع والذكر ورفع الرأس، فيأتي بكلّ منها مضطربا ولا ينتقل إلى الجلوس وإن حصل به الاستقرار. - القول في القراءة والذكر
القول في القراءة والذكر
مسألة 1 - يجب في الركعة الاُولى والثانية من الفرائض قراءة الفاتحة وسورة كاملة عقيبها. وله ترك السورة في بعض الأحوال، بل قد يجب مع ضيق الوقت والخوف ونحوهما من أفراد الضرورة. ولو قدّمها على الفاتحة عمدا استأنف الصلاة. ولو قدّمها سهوا وذكر قبل الركوع: فإن لم يكن قرأ الفاتحة بعدها أعادها بعد أن يقرأ الفاتحة، وإن قرأها بعدها أعادها دون الفاتحة.
مسألة 2 - يجب قراءة الحمد في النوافل كالفرائض، بمعنى كونها شرطا في صحّتها. وأمّا السورة فلا تجب في شي ء منها وإن وجبت بالعارض بنذر ونحوه. نعم، النوافل الّتي وردت في كيفيّتها سور خاصّة يعتبر في تحقّقها تلك السور، إلّا أن يعلم أنّ إتيانها بتلك السور شرط لكمالها، لا لأصل مشروعيّتها وصحّتها.
مسألة 3 - الأقوى جواز قراءة أزيد من سورة واحدة في ركعة من الفريضة على كراهيّة، بخلاف النافلة فلا كراهة فيها، والأحوط تركها في الفريضة.
مسألة 4 - لا يجوز قراءة ما يفوت الوقت بقراءته من السور الطوال؛ فإن فعله عامدا بطلت صلاته على إشكال، وإن كان سهوا عدل إلى غيرها مع سعة الوقت، وإن ذكر بعد الفراغ منها وقد فات الوقت أتمّ صلاته. وكذا لا يجوز قراءة إحدى السور العزائم في الفريضة؛ فلو قرأها نسيانا إلى أن قرأ آية السجدة أو استمعها وهو في الصلاة فالأحوط أن يومئ إلى السجدة وهو في الصلاة ثمّ يسجد بعد الفراغ، وإن كان الأقوى جواز الاكتفاء بالإيماء في الصلاة وجواز الاكتفاء بالسورة.
مسألة 5 - البسملة جزء من كلّ سورة - فيجب قراءتها - عدا سورة البراءة.
مسألة 6 - سورة الفيل والإيلاف سورة واحدة،وكذلك والضحى وألم نشرح؛ فلا تجزي واحدة منها، بل لابدّ من الجمع مرتّبا مع البسملة الواقعة في البين.
مسألة 7 - يجب تعيين السورة عند الشروع في البسملة على الأقوى. ولو عيّن سورةً ثمّ عدل إلى غيرها تجب إعادة البسملة للمعدول إليها. وإذا عيّن سورةً عند البسملة ثمّ نسيها ولم يدر ما عيّن أعاد البسملة مع تعيين سورة معينّة. ولو كان بانيا من أوّل الصلاة على أن يقرأ سورةً معينّةً فنسي وقرأ غيرها أو كانت عادته قراءة سورة فقرأ غيرها كفى ولم يجب إعادة السورة.
مسألة 8 - يجوز العدول اختيارا من سورة إلى غيرها ما لم يبلغ النصف، عدا التوحيد والجحد، فإنّه لايجوز العدول منهما إلى غيرهما، ولا من إحداهما إلى الاُخرى بمجرّد الشروع. نعم، يجوز العدول منهما إلى الجمعة والمنافقين في ظهر يوم الجمعة، وفي الجمعة على الأقوى إذا شرع فيهما نسيانا ما لم يبلغ النصف.
مسألة 9 - يجب الإخفات بالقراءة عدا البسملة في الظهر والعصر. ويجب على الرجال الجهر بها في الصبح واُوليي المغرب والعشاء؛ فمن عكس عامدا بطلت صلاته. ويُعذر الناسي بل مطلق غير العامد والجاهل بالحكم من أصله غير المتنبّه للسؤال، بل لا يعيدون ما وقع منهم من القراءة بعد ارتفاع العذر في الأثناء. أمّا العالم به في الجملة الّذي جهل محلّه أو نساه والجاهل بأصل الحكم المتنبّه للسؤال عنه فالأحوط لهما الاستيناف وإن كان الأقوى الصحّة مع حصول نيّة القربة منهما. ولا جهر على النساء، بل يتخيّرن بينه وبين الإخفات مع عدم الأجنبيّ. ويجب عليهنّ الإخفات في ما يجب على الرجال ويُعذرن في ما يُعذرون فيه.
مسألة 10 - يستحبّ للرجال الجهر بالبسملة في الظهرين للحمد والسورة، كما أنّه يستحبّ لهم الجهر بالقراءة في ظهر يوم الجمعة، ولكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالإخفات.
مسألة 11 - مناط الجهر والإخفات ظهور جوهر الصوت وعدمه، لاسماع من بجانبه وعدمه. ولا يجوز الإفراط في الجهر كالصياح؛ كما أنّه لايجوز الإخفات بحيث لا يسمع نفسه مع عدم المانع.
مسألة 12 - يجب أن تكون القراءة صحيحة؛ فلو أخلّ عامدا بحرف أو حركة أو تشديد أو نحو ذلك بطلت صلاته. ومن لا يحسن الفاتحة أو السورة يجب عليه تعلّمهما.
مسألة 13 - المدار في صحّة القراءة على أداء الحروف من مخارجها على نحو يعدّه أهل اللسان مؤدّيا للحرف الفلانيّ دون حرف آخر، ومراعاة حركات البنية وماله دخل في هيئة الكلمة، والحركات والسكنات الإعرابيّة والبنائيّة على وفق ما ضبطه علماء العربيّة، وحذف همزة الوصل في الدرج كهمزة «أل» وهمزة «إهْدِنَا» على الأحوط، وإثبات همزة القطع كهمزة «أَنْعَمْتَ». ولا يلزم مراعاة تدقيقات علماء التجويد في تعيين مخارج الحروف، فضلا عمّا يرجع إلى صفاتها: من الشدّة والرخوة والتفخيم والترقيق والاستعلاء وغير ذلك، ولا الإدغام الكبير، وهو إدراج الحرف المتحرّك بعد إسكانه في حرف مماثل له مع كونهما في كلمتين، مثل «يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيِهمْ» بإدراج الميم في الميم، أو مقارب له ولو في كلمة واحدة ك «يَرْزُقُكُمْ» و«زُحْزِحَ عَنِ النّارِ» بإدراج القاف في الكاف والحاء في العين، بل الأحوط ترك مثل هذا الإدغام خصوصا في المقارب، بل ولا يلزم مراعاة بعض أقسام الإدغام الصغير، كإدراج الساكن الأصليّ في ما يقاربه، ك«مِنْ رَبّكَ» بإدراج النون في الراء. نعم، الأحوط مراعاة المدّ اللازم، وهو ما كان حرف المدّ وسبباه - أي الهمزة والسكون - في كلمة واحدة، مثل «جآء» و«سوء» و«جي ء» و«دآبّة» و«ق» و«ص»؛ وكذا ترك الوقف على المتحرّك، والوصل مع السكون، وإدغام التنوين والنون الساكنة في حروف «يرملون» وإن كان المترجّح في النظر عدم لزوم شي ء ممّا ذكر.
مسألة 14 - الأحوط عدم التخلّف عن إحدى القراءات السبع، كما أنّ الأحوط عدم التخلّف عمّا في المصاحف الكريمة الموجودة بين أيدي المسلمين، وإن كان التخلّف في بعض الكلمات مثل «مَلِكِ يَوْمِ الدّينِ» و «كُفُوا أَحَدٌ» غير مضرّ، بل لايبعد جواز القراءة بإحدى القراءات.
مسألة 15 - يجوز قراءة «مَالِكِ يَوْمِ الدّينِ» و «مَلِكِ يَوْمِ الدّينِ»، ولا يبعد أن يكون الأوّل أرجح؛ وكذا يجوز في «الصراط» أن يقرأ بالصاد والسين، والأرجح بالصاد. وفي «كُفُوا أَحَدٌ» وجوه أربعة: بضم الفاء وسكونه مع الهمزة أو الواو، ولا يبعد أن يكون الأرجح بضمّ الفاء مع الواو.
مسألة 16 - من لا يقدر إلّا على الملحون أو تبديل بعض الحروف ولا يستطيع أن يتعلّم أجزأه ذلك، ولا يجب عليه الايتمام وإن كان أحوط. ومن كان قادرا على التصحيح والتعلّم ولم يتعلّم يجب عليه على الأحوط الايتمام مع الإمكان.
مسألة 17 - يتخيّر في ما عدا الركعتين الاُوليين من الفريضة بين الذكر والفاتحة. ولا يبعد أن يكون الأفضل للإمام القراءة، وللمأموم الذكر، وهما للمنفرد سواء. وصورته: «سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللّه واللّه أكبر». وتجب المحافظة على العربيّة. ويجزي مرّة واحدة. والأحوط الأفضل التكرار ثلاثا، والأولى إضافة الاستغفار إليها. ويجب الإخفات في الذكر والقراءة حتّى البسملة على الأحوط. ولا يجب اتّفاق الركعتين الأخيرتين في الذكر أو القراءة.
مسألة 18 - لو قصد التسبيح مثلاً فسبق لسانه إلى القراءة من غير تحقّق القصد إليها ولو ارتكازا فالأقوى عدم الاجتزاء بها، ومع تحقّقه فالأقوى الصحّة؛ وكذا الحال لو فعل ذلك غافلا من غير قصد إلى أحدهما، فإنّه مع عدمه ولو ارتكازا فالأقوى عدم الصحّة، وإلّا فالأقوى الصحّة.
مسألة 19 - لو قرأ الفاتحة بتخيّل أنّه في الاُوليين فتبيّن كونه في الأخيرتين يجتزئ بها؛ وكذا لو قرأها بتخيّل أنّه في الأخيرتين فتبيّن كونه في الاُوليين.
مسألة 20 - الأحوط أن لا يزيد على ثلاثة تسبيحات إلّا بقصد الذكر المطلق.
مسألة 21 - يستحبّ قراءة «عمّ يتساءلون» أو «هل أتى» أو «الغاشية» أو «القيامة» وأشباهها في صلاة الصبح، وقراءة «سبّح اسم» أو «والشمس» في الظهر، و«إذا جاء نصراللّه» و«ألهيكم التكاثر» في العصر والمغرب. والأولى اختيار قراءة «الجمعة» في الركعة الاُولى من العشاءين «والأعلى» في الثانية منهما في ليلة الجمعة، وقراءة سورة «الجمعة» في الركعة الاُولى و«المنافقين» في الثانية في الظهر والعصر من يوم الجمعة، وكذا في صبح يوم الجمعة، أو يقرأ فيها في الاُولى «الجمعة» و«التوحيد» في الثانية، وفي المغرب في ليلة الجمعة في الاُولى «الجمعة» وفي الثانية «التوحيد»، كما أنّه يستحبّ في كلّ صلاة قراءة سورة «القدر» في الاُولى و«التوحيد» في الثانية.
مسألة 22 - قد عرفت أنّه يجب الاستقرار حال القراءة والأذكار؛ فلو أراد حالهما التقدّم أو التأخّر أو الانحناء لغرض يجب تركهما حال الحركة، لكن لايضرّ مثل تحريك اليد أو أصابع الرجلين وإن كان الترك أولى. ولو تحرّك حال القراءة قهرا فالأحوط إعادة ما قرأه في تلك الحالة.
مسألة 23 - لو شكّ في صحّة قراءة آية أو كلمة يجب إعادتها إذا لم يتجاوز، ويجوز بقصد الاحتياط مع التجاوز؛ ولو شكّ ثانيا أو ثالثا لا بأس بالتكرار ما لم يكن عن وسوسة، وإلّا فلا يعتني بشكّه. - القول في الركوع
القول في الركوع
مسألة 1 - يجب في كلّ ركعة من الفرائض اليوميّة ركوع واحد. وهو ركن تبطل الصلاة بزيادته ونقصانه عمدا وسهوا، إلّا في الجماعة للمتابعة بتفصيل يأتي في محلّه. ولابدّ فيه من الانحناء المتعارف بحيث تصل يده إلى ركبته، والأحوط وصول الراحة إليها، فلا يكفي مسمّى الانحناء.
مسألة 2 - من لم يتمكّن من الانحناء المزبور اعتمد؛ فإن لم يتمكّن ولو بالاعتماد أتى بالممكن منه، ولا ينتقل إلى الجلوس وإن تمكّن منه جالسا. نعم، لولم يتمكّن من الانحناء أصلا انتقل إليه، والأحوط صلاة اُخرى بالإيماء قائما. وإن لم يتمكّن من الركوع جالسا أجزأ الإيماء حينئذٍ، فيومئ برأسه قائما؛ فإن لم يتمكّن غمض عينيه للركوع وفتحهما للرفع منه. ويتحقّق ركوع الجالس بانحنائه بحيث يساوي وجهه ركبتيه؛ والأفضل الأحوط الزيادة على ذلك بحيث يحاذي مسجده.
مسألة 3 - يعتبر في الانحناء أن يكون بقصد الركوع؛ فلو انحنى بقصد وضع شي ء على الأرض - مثلا - لايكفي في جعله ركوعا، بل لابدّمن القيام ثمّ الانحناءله.
مسألة 4 - من كان كالراكع - خلقةً أو لعارض - إن تمكّن من الانتصاب ولو بالاعتماد - لتحصيل القيام الواجب ليركع عنه - وجب؛ وإن لم يتمكّن من الانتصاب التامّ فلابدّ منه في الجملة وما هو أقرب إلى القيام؛ وإن لم يتمكّن أصلا وجب أن ينحني أزيد من المقدار الحاصل إن لم يخرج بذلك عن حدّ الركوع؛ وإن لم يتمكّن منه - بأن لم يقدر على زيادة الانحناء أو كان انحناؤه بالغا أقصى مراتب الركوع بحيث لو زاد خرج عن حدّه - نوى الركوع بانحنائه، ولا يترك الاحتياط بالإيماء بالرأس إليه أيضا، ومع عدم تمكّنه من الإيماء يجعل غمض العينين ركوعا وفتحهما رفعا على الأحوط، وأحوط منه أن ينوي الركوع بالانحناء مع الإيماء وغمض العين مع الإمكان.
مسألة 5 - لو نسي الركوع فهوى إلى السجود وتذكّر قبل وضع جبهته على الأرض رجع إلى القيام ثمّ ركع؛ ولا يكفي أن يقوم منحنيا إلى حدّ الركوع. ولو تذكّر بعد الدخول في السجدة الاُولى أو بعد رفع الرأس منها فالأحوط العود إلى الركوع - كما مرّ - وإتمام الصلاه ثمّ إعادتها.
مسألة 6 - لو انحنى بقصد الركوع ولمّا وصل إلى حدّه نسي وهوى إلى السجود: فإن تذكّر قبل أن يخرج من حدّه بقي على تلك الحال مطمئنّا وأتى بالذكر، وإن تذكّر بعد خروجه من حدّه فإن عرض النسيان بعد وقوفه في حدّ الركوع آنامّا فالأقوى السجود بلا انتصاب، وإلّا فلا يترك الاحتياط بالانتصاب ثمّ الهويّ إلى السجود وإتمام الصلاة وإعادتها.
مسألة 7 - يجب الذكر في الركوع. والأقوى الاجتزاء بمطلقه. والأحوط كونه بمقدار الثلاث من الصغرى أو الواحدة من الكبرى؛ كما أنّ الأحوط مع اختيار التسبيح اختيار الثلاث من الصغرى، وهي «سبحان اللّه»، أو الكبرى الواحدة، وهي «سبحان ربّي العظيم وبحمده»؛ والأحوط الأولى اختيار الأخيرة، وأحوط منه تكرارها ثلاثا.
مسألة 8 - يجب الطمأنينة حال الذكر الواجب؛ فإن تركها عمدا بطلت صلاته؛ بخلافه سهوا وإن كان الأحوط الاستيناف معه أيضا. ولو شرع في الذكر الواجب عامدا قبل الوصول إلى حدّ الركوع أو بعده قبل الطمأنينة أو أتمّه حال الرفع قبل الخروج عن اسمه أو بعده لم يجز الذكر المزبور قطعا، والأقوى بطلان صلاته؛ والأحوط إتمامها ثمّ استينافها، بل الأحوط ذلك في الذكر المندوب أيضا لو جاء به كذلك بقصد الخصوصيّة، وإلّا فلا إشكال. ولو لم يتمكّن من الطمأنينة لمرض أو غيره سقطت، لكن يجب عليه إكمال الذكر الواجب قبل الخروج عن مسمّى الركوع. ويجب أيضا رفع الرأس منه حتّى ينتصب قائما مطمئنّا؛ فلو سجد قبل ذلك عامدا بطلت صلاته.
مسألة 9 - يستحبّ التكبير للركوع وهو قائم منتصب، والأحوط عدم تركه. ويستحبّ رفع اليدين حال التكبير، ووضع الكفّين مفرّجات الأصابع على الركبتين حال الركوع، والأحوط عدم تركه مع الإمكان. وكذا يستحبّ ردّ الركبتين إلى الخلف وتسوية الظهر ومدّ العنق والتجنيح بالمرفقين، وأن تضع المرأة يديها على فخذيها فوق الركبتين، واختيار التسبيحةالكبرى، وتكرارها ثلاثا أو خمسا أوسبعا بل أزيد، ورفع اليدين للانتصاب من الركوع، وأن يقول بعد الانتصاب: «سمع اللّه لمن حمده»، وأن يكبّر للسجود ويرفع يديه له. ويكره أن يطأطئ رأسه حال الركوع، وأن يضمّ يديه إلى جنبيه، وأن يُدخل يديه بين ركبتيه. - القول في السجود
القول في السجود
مسألة 1 - يجب في كلّ ركعة سجدتان. وهما معا ركن تبطل الصلاة بزيادتهما معاً في الركعة الواحدة ونقصانهما كذلك عمدا أو سهوا؛ فلو أخلّ بواحدة -زيادةً أو نقصانا- سهوا فلا بطلان. ولا بدّ فيه من الانحناء ووضع الجبهة على وجه يتحقّق به مسمّاه. وهذا مدار الركنيّة والزيادة العمديّة والسهويّة.
ويعتبر فيه اُمور اُخر، لا مدخليّة لها في ذلك:
منها: السجود على ستّة أعضاء: الكفّين والركبتين والإبهامين. والمعتبر باطن الكفّين، والأحوط الاستيعاب العرفيّ. هذا مع الاختيار. وأمّا مع الاضطرار فيجزي مسمّى الباطن. ولو لم يقدر إلّا على ضمّ الأصابع إلى كفّه والسجود عليها يجتزئ به؛ ومع تعذّر ذلك كلّه يجزي الظاهر؛ ومع عدم إمكانه أيضا -لقطع ونحوه- ينتقل إلى الأقرب من الكفّ. وأمّا الركبتان فيجب صدق مسمّى السجود على ظاهرهما وإن لم يستوعبه. وأمّا الإبهامان فالأحوط مراعاة طرفيهما. ولا يجب الاستيعاب في الجبهة، بل يكفي صدق السجود على مسمّاها، ويتحقّق بمقدار رأس الأنملة؛ والأحوط أن يكون بمقدار الدرهم، كما أنّ الأحوط كونه مجتمعا لا متفرّقا وإن كان الأقوى عدم الفرق، فيجوز على السبحة إذا كان ما وقع عليه الجبهة بمقدار رأس الأنملة. ولا بدّ من رفع ما يمنع من مباشرتها لمحلّ السجود من وسخ أو غيره فيها أو فيه، حتّى لو لصق بجبهته تربة أو تراب أو حصاة ونحوها في السجدة الاُولى تجب إزالتها للثانية على الأحوط لو لم يكن الأقوى. والمراد بالجبهة هنا: ما بين قصاص الشعر وطرف الأنف الأعلى والحاجبين طولاً وما بين الجبينين عرضا.
مسألة 2 - الأحوط الاعتماد على الأعضاء السبعة؛ فلا يجزي مجرّد المماسّة. ولا يجب مساواتها فيه؛ كما لا تضرّ مشاركة غيرها معها فيه كالذراع مع الكفّين وسائر أصابع الرجلين مع الإبهامين.
ومنها: وجوب الذكر على نحو ما تقدّم في الركوع. والتسبيحة الكبرى هاهنا: «سبحان ربيّ الأعلى وبحمده».
ومنها: وجوب الطمأنينة حال الذكر الواجب نحو ما سمعته في الركوع.
ومنها: وجوب كون المساجد السبعة في محالّها حال الذكر؛ فلا بأس بتغيير المحلّ في ما عدا الجبهة أثناء الذكر الواجب حال عدم الاشتغال؛ فلو قال: «سبحان اللّه» ثمّ رفع يده لحاجة أو غيرها ووضعها وأتى بالبقيّة لا يضرّ.
ومنها: وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه على ما مرّ في مبحث المكان.
ومنها: رفع الرأس من السجدة الاُولى والجلوس مطمئنّا معتدلا.
ومنها: أن ينحني للسجود حتّى يساوي موضع جبهته موقفه؛ فلو ارتفع أحدهما على الآخر لا تصحّ، إلّا أن يكون التفاوت بينهما قدر لبنة موضوعة على سطحها الأكبر في اللبن المتعارفة أو أربع أصابع كذلك مضمومات. ولا يعتبر التساوي في سائر المساجد لا بعضها مع بعض، ولا بالنسبة إلى الجبهة؛ فلا يقدح ارتفاع مكانها أو انخفاضه مالم يخرج به السجود عن مسمّاه.
مسألة 3 - المراد بالموقف - الّذي يجب عدم التفاوت بينه وبين موضع الجبهة بما تقدّم - الركبتان والإبهامان على الأحوط؛ فلو وضع إبهاميه على مكان أخفض أو أعلى من جبهته بأزيد ممّا تقدّم بطلت صلاته على الأحوط وإن ساوى موضع ركبتيه موضعَ جبهته.
مسألة 4 - لو وقعت جبهته على مكان مرتفع أزيد من المقدار المغتفر: فإن كان الارتفاع بمقدار لا يصدق معه السجود عرفا فالأحوط الأولى رفعها ووضعها على المحلّ الجائز، ويجوز جرّها أيضا، وإن كان بمقدار يصدق معه السجود عرفا فالأحوط الجرّ إلى الأسفل، ولو لم يمكن فالأحوط الرفع والوضع ثمّ إعادة الصلاة بعد إتمامها.
مسألة 5 - لو وضع جبهته من غير عمد على الممنوع من السجود عليه جرّها عنه إلى ما يجوز السجود عليه، وتصحّ صلاته، وليس له رفعها عنه. ولو لم يمكن إلّا الرفع المستلزم لزيادة السجود فالأحوط إتمام صلاته ثم استينافها من رأس، سواء كان الالتفات إليه قبل الذكر الواجب أو بعده. نعم، لو كان الالتفات بعد رفع الرأس من السجود كفاه الإتمام.
مسألة 6 - من كان بجبهته علّة كالدمّل: فإن لم تستوعبها وأمكن وضع الموضع السليم منها على الأرض ولو بحفر حفيرة وجعل الدمّل فيها وجب، وإن استوعبتها أو لم يمكن وضع الموضع السليم منها على الأرض سجد على أحد الجبينين؛ والأولى تقديم الأيمن على الأيسر. وإن تعذّر سجد على ذقنه. وإن تعذّر فالأحوط تحصيل هيئة السجود بوضع بعض وجهه أو مقدّم رأسه على الأرض. ومع تعذّره فالأحوط تحصيل ما هو الأقرب إلى هيئته.
مسألة 7 - لو ارتفعت جبهته من الأرض قهرا وعادت إليها قهرا فلا يبعدأن يكون عودا إلى السجدة الاُولى، فيحسب سجدة واحدة، سواء كان الارتفاع قبل القرار أو بعده، فيأتي بالذكر الواجب. ومع القدرة على الإمساك بعد الرفع يحسب هذا الوضع سجدة واحدة مطلقا، سواء كان الرفع قبل القرار أو بعده.
مسألة 8 - من عجز عن السجود فإن أمكنه تحصيل بعض المراتب الميسورة من السجدة يجب، محافظا على ما عرفت وجوبه: من وضع المساجد في محالّها مع التمكّن والاعتماد والذكر والطمأنينة ونحوها؛ فإذا تمكّن من الانحناء فعل بمقدار ما يتمكّن، ورفع المسجد إلى جبهته واضعا لها عليه، مراعيا لما تقدّم من الواجبات؛ وإن لم يتمكّن من الانحناء أصلا أومأ إليه برأسه؛ وإن لم يتمكّن فبالعينين، والأحوط له رفع المسجد مع ذلك إذا تمكّن من وضع الجبهة عليه. ومع عدم تحقّق الميسور من السجود لا يجب وضع المساجد في محالّها وإن كان أحوط.
مسألة 9 - يستحبّ التكبير حال الانتصاب من الركوع للأخذ في السجود وللرفع منه، والسبق باليدين إلى الأرض عند الهويّ إليه، واستيعاب الجبهة على ما يصحّ السجود عليه، والإرغام بمسمّاه بالأنف على مسمّى ما يصحّ السجود عليه، والأحوط عدم تركه، وتسوية موضع الجبهة مع الموقف، بل جميع المساجد، وبسط الكفّين مضمومتي الأصابع حتّى الإبهام حذاء الاُذنين موجّها بهما إلى القبلة، والتجافي حال السجود بمعنى رفع البطن عن الأرض، والتجنيح بأن يرفع مرفقيه عن الأرض مفرّجا بين عضديه وجنبيه مبعّدا يديه عن بدنه جاعلا يديه كالجناحين، والدعاء بالمأثور قبل الشروع في الذكر وبعد رفع الرأس من السجدة الاُولى، واختيار التسبيحة الكبرى وتكرارها، والختم على الوتر، والدعاء في السجود أو الأخير منه بما يريد من حاجات الدنيا والآخرة، سيّما طلب الرزق الحلال، بأن يقول: «يَا خَيْرَ الْمَسْؤُولِينَ وَيَا خَيْرَ الْمُعْطِينَ، اُرْزُقْنِي وَارْزُقْ عِيَالِي مِنْ فَضْلِكَ، فَإنّكَ ذُوالْفَضْلِ الْعَظِيمِ»، والتورّك في الجلوس بين السجدتين وبعدهما، بأن يجلس على فخذه الأيسر جاعلا ظهر القدم اليمنى على بطن اليسرى، وأن يقول: بين السجدتين: «أستغفر اللّه ربّي وأتوب إليه»، ووضع اليدين حال الجلوس على الفخذين: اليمنى على اليمنى واليسرى على اليسرى، والجلوس مطمئنّا بعد رفع الرأس من السجدة الثانية قبل أن يقوم، وهو المسمّى بالجلسة الاستراحة، والأحوط لزوما عدم تركها، وأن يقول إذا أراد النهوض إلى القيام: «بحول اللّه وقوّته أقوم وأقعد»، وأن يعتمد على يديه عند النهوض من غير عجن بهما، أي لا يقبضهما بل يبسطهما على الأرض.
مسألة 10 - تختصّ المرأة في الصلاة بآداب: الزينة بالحليّ والخضاب، والإخفات في قولها، والجمع بين قدميها حال القيام، وضمّ ثدييها بيديها حاله، ووضع يديها على فخذيها حال الركوع، غير رادّة ركبتيها إلى ورائها، والبدأة للسجود بالقعود، والتضمّم حاله لاطئةً بالأرض فيه غير متجافية، والتربّع في جلوسها مطلقا. - القول في سجدتي التلاوة والشكر
القول في سجدتي التلاوة والشكر
مسألة 1 - يجب السجود عند تلاوة آياتٍ أربع في السورالأربع: آخر«النجم» و«العلق» و«لَا يَسْتَكْبِرُونَ» في الم تنزيل و«تَعْبُدُونَ» في «حم فصّلت»، وكذا عند استماعها دون سماعها على الأظهر، ولكن لاينبغي ترك الاحتياط. والسبب مجموع الآية؛ فلا يجب بقراءة بعضها ولو لفظ السجدة منهإ؛گ كظظ وإن كان أحوط. ووجوبها فوريّ لا يجوز تأخيرها؛ وإن أخّرها ولو عصيانا يجب إتيانها ولا تسقط.
مسألة 2 - يتكرّر السجود بتكرّر السبب مع التعاقب وتخلّل السجود قطعا، وهو مع التعاقب بلا تخلّله لا يخلو من قوّة، ومع عدم التعاقب لا يبعد عدمه.
مسألة 3 - إن قرأها أو استمعها في حال السجود يجب رفع الرأس منه ثمّ الوضع، ولا يكفي البقاء بقصده، ولا الجرّ إلى مكان آخر؛ وكذا في ما إذا كان جبهته على الأرض لا بقصد السجدة فسمع أو قرأ آية السجدة.
مسألة 4 - الظاهر أنّه يعتبر في وجوبها على المستمع كون المسموع صادرا بعنوان التلاوة وقصد القرآنيّة؛ فلو تكلّم شخص بالآية لا بقصدها لا تجب بسماعها؛ وكذالو سمعها من صبيّ غير مميّز أو نائم أو من حبس صوت وإن كان الأحوط ذلك، خصوصا في النائم.
مسألة 5 - يعتبر في السماع تمييز الحروف والكلمات؛ فلا يكفي سماع الهمهمة وإن كان أحوط.
مسألة 6 - يعتبر في هذا السجود بعد تحقّق مسمّاه النيّة وإباحة المكان. والأحوط وضع المواضع السبعة، ووضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه وإن كان الأقوى عدم اللزوم. نعم، الأحوط ترك السجود على المأكول والملبوس، بل عدم الجواز لا يخلو من وجه. ولا يعتبر فيه الاستقبال، ولا الطهارة من الحدث والخبث، ولا طهارة موضع الجبهة، ولا ستر العورة.
مسألة 7 - ليس في هذا السجود تشهّد ولا تسليم ولا تكبيرة افتتاح. نعم، يستحبّ التكبير للرفع عنه، ولا يجب فيه الذكر، بل يستحبّ، ويكفي مطلقه، والأولى أن يقول: «لَا إِلهَ إِلّا اللّهُ حَقّا حَقّا، لَا إِلهَ إِلّا اللّهُ إيمَ-انا وَتَصْدِيقا، لَا إِلهَ إِلّا اللّهُ عُبُودِيّةً وَرِقّا، سَجَدْتُ لَكَ يَا رَبّ تَعَبّدا وَرِقّا، لَا مُسْتَنْكِفا وَلَا مُسْتَكْبِرا، بَلْ أَنَا عَبْدٌ ذَلِيلٌ خآئِفٌ مُسْتَجِيرٌ».
مسألة 8 - السجود للّه تعالى في نفسه من أعظم العبادات؛ وقد ورد فيه أنّه «ما عُبداللّه بمثله» و«أقرب ما يكون العبد إلى اللّه وهو ساجد». ويستحبّ أكيدا للشكرللّه عند تجدّد كلّ نعمة، ودفع كلّ نقمة، وعند تذكّرهما، وللتوفيق لأداء كلّ فريضة أو نافلة، بل كلّ فعل خير حتّى الصلح بين اثنين. ويجوز الاقتصار على واحدة. والأفضل أن يأتي باثنتين، بمعنى الفصل بينهما بتعفير الخدّين أو الجبينين. ويكفي في هذا السجود مجرّد وضع الجبهة مع النيّة. والأحوط فيه وضع المساجد السبعة، ووضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه، بل اعتبار عدم كونه ملبوسا أو مأكولا لايخلو من قوّة كماتقدّم في سجودالتلاوة. ويستحبّ فيه افتراش الذراعين وإلصاق الجؤجؤ والصدر والبطن بالأرض. ولا يشترط فيه الذكر وإن استحبّ أن يقول: «شكرا للّه» أو «شكرا شكرا» مائةمرّة؛ ويكفي ثلاث مرّات، بل مرّة واحدة.
وأحسن ما يقال فيه ما ورد عن مولانا الكاظم(عليه السلام) : قل وأنت ساجد: «أَللّهُمّ إِنّي اُشْهِدُكَ وَاُشْهِدُ مَلآئِكَتَكَ وَأَنْبِيآئَكَ وَرُسُلَكَ وَجَمِيعَ خَلْقِكَ أَنّكَ أَنْتَ اللّهُ رَبّي ، وَالإِسْلَامَ دِينِي ، وَمُحَمّدا نَبِيّي ، وَعَلِيّا وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ - تعدّهم إلى آخرهم - أَئِمّتِي ، بِهمْ أَتَوَلّى وَمِنْ أَعْدَآئِهِمْ أَتَبَرّأُ، أَللّهُمّ إِنّي اُنْشِدُكَ دَمَ الْمَظْلُوم - ثلاثا - أَللّهُمّ إِنّي اُنْشِدُكَ بِإِيوَآئِكَ عَلَى نَفْسِكَ لِأَعْدآئِكَ لِتُهْلِكَنّهُمْ بِأَيْدِينَا وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ، أَللّهُمّ إِنّي اُنْشِدُكَ بِإِيوَآئِكَ عَلَى نَفْسِكَ لِأَوْلِيآئِكَ لِتَظْفُرَنّهُمْ بِعَدُوّكَ وَعَدُوّهِمْ أنْ تُصَلّيَ عَلَى مُحَمّدٍ وَعَلَى الْمُسْتَحْفِظِينَ مِنْ آلِ مُحَمّدٍ - ثلاثا - أَللّهُمّ إِنّي أَسْأَلُكَ الْيُسْرَ بَعْدَ الْعُسْرِ» ثلاثا، ثمّ تضع خدّك الأيمن على الأرض وتقول: «يا كَهْفِي حِينَ تُعْيِيني الْمَذَاهِبُ وَتَضِيقُ عَلَيّ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، يا بارِئَ خَلْقِي رَحْمَةً بِي وَقَدْ كُنْتَ عَنْ خَلْقِي غَنِيّا صَلّ عَلَى مُحَمّدٍ وَعَلَى الْمُسْتَحْفِظِينَ مِنْ آلِ مُحَمّدٍ»، ثمّ تضع خدّك الأيسر وتقول: «يا مُذِلّ كُلّ جَبّارٍ وَيا مُعِزّ كُلّ ذَليلٍ قَد وَعِزّتِكَ بَلَغَ مَجْهُودِي » ثلاثا، ثمّ تقول: «يا حَنّانُ يا مَنّانُ يا كاشِفَ الْكُرَبِ الْعِظامِ»، ثمّ تعود للسجود فتقول مائة مرّة: «شكرا شكرا»، ثمّ تسأل حاجتك تُقضى إن شاء اللّه. - القول في التشهّد
القول في التشهّد
مسألة 1 - يجب التشهّد في الثنائيّة مرّةً بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة، وفي الثلاثيّة والرباعيّة مرّتين: الاُولى بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة في الركعة الثانية، والثانية بعد رفع الرأس منها في الركعة الأخيرة. وهو واجب غير ركن تبطل الصلاة بتركه عمدا - لا سهوا - حتّى يركع وإن وجب عليه قضاؤه كما يأتي في الخلل.
والواجب فيه أن يقول: «أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله، أللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد». ويستحبّ الابتداء بقوله: «الحمدللّه» أو «بسم اللّه وباللّه والحمد للّه وخير الأسماء للّه - أو - الأسماء الحسنى كلّها للّه»، وأن يقول بعد الصلاة على النبيّ وآله: «وتقبّل شفاعته في اُمّته وارفع درجته». والأحوط عدم قصد التوظيف والخصوصيّة به في التشهّد الثاني. ويجب فيه اللفظ الصحيح الموافق للعربيّة. ومن عجز عنه وجب عليه تعلّمه.
مسألة 2 - يجب الجلوس مطمئنّا حال التشهّد بأيّ كيفيّة كان. ويُكره الإقعاء، وهو أن يعتمد بصدر قدميه على الأرض ويجلس على عقبيه، والأحوط تركه. ويستحبّ فيه التورّك كما يستحبّ ذلك بين السجدتين و بعدهما كما تقدّم. - القول في التسليم
القول في التسليم
مسألة 1 - التسليم واجب في الصلاة، وجزء منها ظاهرا، ويتوقّف تحلّل المنافيات والخروج عن الصلاة عليه. وله صيغتان: الاُولى: «السلام علينا وعلى عباداللّه الصالحين»، والثانية: «السلام عليكم» بإضافة «ورحمة اللّه وبركاته» على الأحوط وإن كان الأقوى استحبابه. والثانية على تقدير الإتيان بالاُولى جزء مستحبّ، وعلى تقدير عدمه جزء واجب على الظاهر. ويجوز الاجتزاء بالثانية، بل بالاُولى أيضا وإن كان الأحوط عدم الاجتزاء بها. وأمّا «السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة اللّه وبركاته» فهي من توابع التشهّد لا يحصل بها تحلّل، ولا تبطل الصلاة بتركها عمدا ولا سهوا، لكنّ الأحوط المحافظة عليها، كما أنّ الأحوط الجمع بين الصيغتين بعدها مقدّما للاُولى.
مسألة 2 - يجب في التسليم بكلّ من الصيغتين العربيّة والإعراب. ويجب تعلّم إحداهما مع الجهل؛ كما أنّه يجب الجلوس حالته مطمئنّا،ويستحبّ فيه التورّك. - القول في الترتيب
القول في الترتيب
مسألة - يجب الترتيب في أفعال الصلاة؛ فيجب تقديم تكبيرة الإحرام على القراءة، والفاتحة على السورة، وهي على الركوع، وهو على السجود وهكذا؛ فمن صلّى مقدّما للمؤخّر وبالعكس عمدا بطلت صلاته، وكذا سهوا لو قدّم ركنا على ركن. أمّا لو قدّم ركنا على ما ليس بركن سهوا كما لو ركع قبل القراءة فلابأس ويمضي في صلاته. وكذا لو قدّم غير ركن على ركن سهواكما لو قدّم التشهّد على السجدتين فلا بأس، لكن مع إمكان التدارك يعود إلى ما يحصل به الترتيب وتصحّ صلاته. كما أنّه لا بأس بتقديم غير الأركان بعضها على بعض سهوا، فيعود أيضا إلى ما يحصل به الترتيب مع الإمكان وتصحّ صلاته.
- القول في الموالاة
القول في الموالاة
مسألة 1 - يجب الموالاة في أفعال الصلاة، بمعنى عدم الفصل بين أفعالها على وجه تنمحي صورتها بحيث يصحّ سلب الاسم عنها؛ فلو ترك الموالاة بالمعنى المزبور عمدا أو سهوا بطلت صلاته. وأمّا الموالاة بمعنى المتابعة العرفيّة فواجبة أيضا على الأحوط، فتبطل الصلاة بتركها عمدا على الأحوط لا سهوا.
مسألة 2 - كما تجب الموالاة في أفعال الصلاة بعضها مع بعض كذلك تجب في القراءة والتكبير والذكر والتسبيح بالنسبة إلى الآيات والكلمات، بل والحروف؛ فمن تركها عمدا في أحد المذكورات الموجب لمحو أسمائها بطلت صلاته في ماإذا لزم من تحصيل الموالاة زيادة مبطلة، بل مطلقا على الأحوط؛ وإن كان سهوا فلا بأس، فيعيد ماتحصل به الموالاة إن لم يتجاوز المحلّ. لكن هذا إذا لم يكن فوات الموالاة المزبورة في أحد المذكورات موجبا لفوات الموالاة في الصلاة بالمعنى المزبور، وإلّا فتبطل ولو مع السهو. - القول في القنوت
بقي أمران: القنوت والتعقيب
القول في القنوت
مسألة 1 - يستحبّ القنوت في الفرائض اليوميّة، ويتأكّد في الجهريّة، بل الأحوط عدم تركه فيها. ومحلّه قبل الركوع في الركعة الثانية بعد الفراغ عن القراءة. ولو نسي أتى به بعد رفع الرأس من الركوع، ثمّ هوى إلى السجود؛ وإن لم يذكره في هذا الحال وذكره بعد ذلك فلا يأتي به حتّى يفرغ من صلاته فيأتي به حينئذٍ؛ وإن لم يذكره إلّا بعد انصرافه أتى به متى ذكره ولو طال الزمان. ولو تركه عمدا فلا يأتي به بعد محلّه. ويستحبّ أيضا في كلّ نافلة ثنائيّة في المحلّ المزبور حتّى نافلة الشفع على الأقوى؛ والأولى إتيانه فيه رجاءً. ويستحبّ أكيدا في الوتر. ومحلّه ما عرفت قبل الركوع بعد القراءة.
مسألة 2 - لا يعتبر في القنوت قول مخصوص، بل يكفي فيه كلّ ما تيسّر من ذكر ودعاء، بل يجزي البسملة مرّةواحدة، بل «سبحان اللّه» خمس أو ثلاث مرّات، كما يجزي الاقتصار على الصلاةعلى النبيّ وآله. والأحسن ماوردعن المعصوم (عليه السلام) من الأدعية، بل والأدعية الّتي في القرآن. ويستحبّ فيه الجهر، سواء كانت الصلاة جهريّةً أو إخفاتيّةً، إماما أو منفردا، بل أو مأموما إن لم يسمع الإمام صوته.
مسألة 3 - لايعتبر رفع اليدين في القنوت على إشكال، فالأحوط عدم تركه.
مسألة 4 - يجوز الدعاء في القنوت وفي غيره بالملحون - مادّةً أو إعرابا - إن لم يكن فاحشا أو مغيّرا للمعنى؛ وكذا الأذكار المندوبة، والأحوط الترك مطلقا. أمّا الأذكار الواجبة فلا يجوز فيها غير العربيّة الصحيحة. - القول في التعقيب
القول في التعقيب
مسألة 1 - يستحبّ التعقيب بعد الفراغ من الصلاة ولو نافلةً، وفي الفريضة آكد، خصوصا في الغداة. والمراد به الاشتغال بالدعاء والذكر والقرآن ونحو ذلك.
مسألة 2 - يعتبر في التعقيب أن يكون متّصلا بالفراغ من الصلاة على وجه لايشاركه الاشتغال بشي ء آخر يذهب بهيئته عند المتشرّعة كالصنعة ونحوها. والأولى فيه الجلوس في مكانه الّذي صلّى فيه، والاستقبال والطهارة. ولا يعتبر فيه قول مخصوص. والأفضل ماوردعنهم (عليهم السلام): ممّاتضمّنته كتب الأدعية والأخبار.
ولعلّ أفضلها تسبيح الصدّيقة الزهراء (سلام اللّه عليها). وكيفيّته على الأحوط أربع وثلاثون تكبيرة، ثمّ ثلاث وثلاثون تحميدة، ثمّ ثلاث وثلاثون تسبيحة. ولو شكّ في عددها يبني على الأقلّ إن لم يتجاوز المحلّ؛ فلو سها فزاد على عدد التكبير أو غيره رفع اليد عن الزائد وبنى على الأربع وثلاثين أو الثلاث وثلاثين، والأولى أن يبني على نقص واحدة ثمّ يكمّل العدد بها في التكبير والتحميد دون التسبيح.
ومن التعقيبات قول: «لا إِلهَ إلّا اللّهُ وَحْدَهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَأَعَزّ جُنْدَهُ، وَغَلَبَ الأَحْزابَ وَحْدَهُ، فَلَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ عَلى كُلّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ».
ومنها: قول: «أَللّهُمّ صَلّ عَلَى مُحَمّدٍ وَآلِ مُحَمّدٍ، وَأَجِرْني مِنَ النّارِ، وَارْزُقْنِي الْجَنّةَ، وَزَوّجْنِي مِنَ الْحُورِالْعِينِ».
ومنها: قول: «أَللّهُمّ اهْدِنِي مِنْ عِنْدِكَ، وَأَفِضْ عَلَيّ مِنْ فَضْلِكَ، وَانْشُرْ عَلَيّ مِنْ رَحْمَتِكَ، وَأنْزِلْ عَلَيّ مِنْ بَرَكاتِكَ».
ومنها: قول: «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ، وَعِزّتِكَ الّتِي لَا تُرامُ، وَقُدْرَتِكَ الّتِي لَا يَمْتَنِعُ مِنْها شَيْ ءٌ، مِنْ شَرّ الدّنْيا وَالْآخِرَةِ، وَمِنْ شَرّ الْأَوْجَاعِ كُلّها، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوّةَ إِلّا بِاللّهِ الْعَلِيّ الْعَظِيمِ».
ومنها: قول: «أَللّهُمّ إِنّي أَسْأَلُكَ مِنْ كُلّ خَيْرٍ أَحاطَ بِهِ عِلْمُكَ، وَأَعُوذُبِكَ مِنْ كُلّ شَرّ أَحَاطَ بِهِ عِلْمُكَ، أَللّهُمّ إِنّي أَسْأَلُكَ عافِيَتَكَ فِي أُمُورِي كُلّها، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ خِزْيِ الدّنْيا وَعَذابِ الْاخِرَةِ».
ومنها: قول: «سبحان اللّه والحمدللّه ولاإله إلّااللّه واللّه أكبر» مائة مرّة أو ثلاثين.
ومنها: قراءة آية الكرسيّ والفاتحة وآية «شَهِدَ اللّهُ أَنّهُ لَا إِلهَ إِلّا هُوَ» وآية «قُلِ اللّهُمّ مَالِكَ الْمُلْكِ».
ومنها: الإقرار بالنبيّ والأئمّة عليهم الصلاة والسلام.
ومنها: سجود الشكر، وقد مرّ كيفيّته سابقا.
-
- القول في مبطلات الصلاة
القول في مبطلات الصلاة
وهي اُمور:
أحدها: الحدث الأصغر والأكبر، فإنّه مبطل لها أينما وقع فيها ولو عند الميم من التسليم على الأقوى، عمدا أو سهوا أو سبقا، عدا المسلوس والمبطون والمستحاضة على ما مرّ.
ثانيها: التكفير. وهو وضع إحدى اليدين على الاُخرى نحو ما يصنعه غيرنا. وهو مبطل عمدا على الأقوى، لا سهوا وإن كان الأحوط فيه الإعادة. ولا بأس به حال التقيّة.
ثالثها: الالتفات بكلّ البدن إلى الخلف أو اليمين أو الشمال، بل وما بينهما على وجه يخرج به عن الاستقبال، فإنّ تعمّد ذلك كلّه مبطل لها، بل الالتفات بكلّ البدن بما يخرج به عمّا بين المشرق والمغرب مبطل حتّى مع السهو أو القسر ونحوهما. نعم، لا يبطل الالتفات بالوجه يمينا وشمالا مع بقاء البدن مستقبلا إذا كان يسيرا، إلّا أنّه مكروه. وأمّا إذا كان فاحشا بحيث يجعل صفحة وجهه بحذاء يمين القبلة أو شمالها فالأقوى كونه مبطلا.
رابعها: تعمّد الكلام ولو بحرفين مهملين، بأن استعمل اللفظ المهمل المركّب من حرفين في معنىً كنوعه وصنفه، فإنّه مبطل على الأقوى، ومع عدمه كذلك على الأحوط. وكذا الحرف الواحد المستعمل في المعنى كقوله: «ب» مثلا رمزا إلى أوّل بعض الأسماء بقصد إفهامه، بل لا يخلو إبطاله من قوّة؛ فالحرف المفهم مطلقا - وإن لم يكن موضوعا - إن كان بقصد الحكاية لا تخلو مبطليّته من قوّة؛ كما أنّ اللفظ الموضوع إذا تلفّظ به لا بقصد الحكاية وكان حرفا واحدا لا يبطل على الأقوى؛ وإن كان حرفين فصاعدا فالأحوط مبطليّته ما لم يصل إلى حدّ محو اسم الصلاة، وإلّا فلا شبهة فيها حتّى مع السهو. وأمّا التكلّم في غير هذه الصورة فغير مبطل مع السهو؛ كما أنّه لا بأس بردّ سلام التحيّة، بل هو واجب. ولو تركه واشتغل بالقراءة ونحوها لا تبطل الصلاة، فضلا عن السكوت بمقداره، لكن عليه إثم ترك الواجب خاصّة.
مسألة 1 - لا بأس بالذكر والدعاء وقراءة القرآن - غير ما يوجب السجود - في جميع أحوال الصلاة. والأقوى إبطال مطلق مخاطبة غير اللّه حتّى في ضمن الدعاء، بأن يقول: «غفر اللّه لك» وقوله: «صبّحك اللّه بالخير» إذا قصد الدعاء، فضلا عمّا إذا قصد التحيّة به. وكذا الابتداء بالتسليم.
مسألة 2 - يجب ردّ السلام في أثناء الصلاة بتقديم السلام على الظرف وإن قدّم المسلّم الظرف على السلام على الأقوى. والأحوط مراعاة المماثلة في التعريف والتنكير والإفراد والجمع وإن كان الأقوى عدم لزومها. وأمّا في غيرالصلاة فيستحبّ الردّ بالأحسن، بأن يقول في جواب «سلام عليكم» مثلا: «عليكم السلام و رحمة اللّه وبركاته».
مسألة 3 - لو سلّم بالملحون بحيث لم يخرج عن صدق سلام التحيّة يجب الجواب صحيحا، وإن خرج عنه لا يجوز في الصلاة ردّه.
مسألة 4 - لو كان المسلّم صبيّا مميّزا يجب ردّه. والأحوط عدم قصد القرآنيّة، بل عدم جوازه قويّ.
مسألة 5 - لو سلّم على جماعة كان المصلّي أحدهم فالأحوط له عدم الردّ إن كان غيره يردّه. وإذا كان بين جماعة فسلّم واحد عليهم وشكّ في أنّه قصده أم لا؟ لا يجوز له الجواب.
مسألة 6 - يجب إسماع ردّ السلام في حال الصلاة وغيرها، بمعنى رفع الصوت به على المتعارف بحيث لو لم يكن مانع عن السماع لسمعه. وإذا كان المسلّم بعيدا لا يمكن إسماعه الجواب لا يجب جوابه على الظاهر، فلا يجوز ردّه في الصلاة. وإذا كان بعيدا بحيث يحتاج إسماعه إلى رفع الصوت يجب رفعه،إلّا إذا كان حرجيّا فيكتفي بالإشارة مع إمكان تنبّهه عليها على الأحوط. وإذا كان في الصلاة ففي وجوب رفعه وإسماعه تردّد، والأحوط الجواب بالإشارة مع الإمكان. وإذا كان المسلّم أصمّ فإن أمكن أن ينبّهه على الجواب ولو بالإشارة لايبعد وجوبه مع الجواب على المتعارف، وإلّا يكفي الجواب كذلك من غير إشارة.
مسألة 7 - تجب الفوريّة العرفيّة في الجواب؛ فلا يجوز تأخيره على وجه لايصدق معه الجواب وردّ التحيّة؛ فلو أخّره عصيانا أو نسيانا أو لعذر إلى ذلك الحدّ سقط، فلا يجوز في حال الصلاة ولا يجب في غيرها؛ ولو شكّ في بلوغ التأخير إلى ذلك الحدّ فكذلك لا يجوز فيها ولا يجب في غيرها.
مسألة 8 - الابتداء بالسلام مستحبّ كفائيّ، كما أنّ ردّه واجب كفائيّ؛ فلو دخل جماعة على جماعة يكفي في الوظيفة الاستحبابيّة تسليم شخص واحد من الواردين وجواب شخص واحد من المورود عليهم.
مسألة 9 - لو سلّم شخص على أحد شخصين ولم يعلما أنّه أيّهما أراد لايجب الردّ على واحد منهما، ولا يجب عليهما الفحص والسؤال، وإن كان الأحوط الردّ من كلّ منهما إذا كانا في غير حال الصلاة.
مسألة 10 - لو سلّم شخصان كلّ على الآخر يجب على كلّ منهما ردّ سلام الآخر حتّى من وقع سلامه عقيب سلام الآخر. ولو انعكس الأمر بأن سلّم كلّ منهما بعنوان الردّ بزعم أنّه سلّم عليه لا يجب على واحد منهما ردّ الآخر. ولو سلّم شخص على أحد بعنوان الردّ بزعم أنّه سلّم مع أنّه لم يسلّم عليه وتنبّه على ذلك المسلّم عليه لم يجب ردّه على الأقوى وإن كان أحوط، بل الاحتياط حسن في جميع الصور.
خامسها: القهقهة ولو اضطرارا. نعم، لا بأس بالسهويّة، كما لا بأس بالتبسّم ولو عمدا. والقهقهة هي الضحك المشتمل على الصوت والترجيع. ويلحق بها حكما على الأحوط المشتمل على الصوت. ولو اشتمل عليه أو على الترجيع أيضا تقديرا - كمن منع نفسه عنه إلّا أنّه قد امتلأ جوفه ضحكا واحمرّ وجهه وارتعش مثلا - فلا يبطلها إلّا مع محو الصورة.
سادسها: تعمّد البكاء بالصوت لفوات أمر دنيويّ ، دون ما كان منه للسهو عن الصلاة، أو على أمر اُخرويّ، أو طلب أمر دنيويّ من اللّه تعالى خصوصا إذا كان المطلوب راجحا شرعا، فإنّه غير مبطل. وأمّا غير المشتمل على الصوت فالأحوط فيه الاستيناف وإن كان عدم إبطاله لا يخلو من قوّة. ومن غلب عليه البكاء المبطل قهرا فالأحوط الاستيناف بل وجوبه لا يخلو من قوّة. وفي جواز البكاء على سيّد الشهداء - أرواحنا فداه - تأمّل وإشكال، فلا يترك الاحتياط.
سابعها: كلّ فعلٍ ماحٍ لها مُذهب لصورتها على وجه يصحّ سلب الاسم عنها وإن كان قليلا ، فإنّه مبطل لها عمدا و سهوا. أمّا غير الماحي لها: فإن كان مفوّتا للموالاةفيها - بمعنى المتابعةالعرفيّة - فهومبطل مع العمد على الأحوط دون السهو، وإن لم يكن مفوّتا لها فعمده غيرمبطل، فضلا عن سهوه وإن كان كثيرا، كحركة الأصابع، والإشارة باليد أو غيرها لنداء أحد، وقتل الحيّة والعقرب، وحمل الطفل ووضعه وضمّه وإرضاعه، ونحو ذلك ممّا هو غيرمناف للموالاة ولا ماحٍ للصورة.
ثامنها: الأكل والشرب وإن كانا قليلين على الأحوط. نعم، لابأس بابتلاع ذرّات بقيت في الفم أو بين الأسنان، والأحوط الاجتناب عنه. ولا يترك الاحتياط بالاجتناب عن إمساك السكّر ولو قليلا في الفم ليذوب وينزل شيئا فشيئا وإن لم يكن ماحيا للصورة ولا مفوّتا للموالاة.
ولا فرق في جميع ما سمعته من المبطلات بين الفريضة والنافلة، إلّا الالتفات في النافلة مع إتيانها حال المشي، وفي غيرها الأحوط الإبطال، وإلّا العطشان المتشاغل بالدعاء في الوتر العازم على صوم ذلك اليوم إن خشي مفاجأة الفجر وكان الماء أمامه واحتاج الى خطوتين أو ثلاث، فإنّه يجوز له التخطّي والشرب حتّى يروي وإن طال زمانه لو لم يفعل غير ذلك من منافيات الصلاة، حتّى إذا أراد العود إلى مكانه رجع القهقرى لئلّا يستدبر القبلة. والأقوى الاقتصار على خصوص شرب الماء، دون الأكل ودون شرب غيره وإن قلّ زمانه؛ كما أنّ الأحوط الاقتصار على خصوص الوتر دون سائر النوافل. ولا يبعد عدم الاقتصار على حال الدعاء، فيلحق بها غيرها من أحوالها وإن كان الأحوط الاقتصار عليها. وأحوط منه الاقتصار على ما إذا حدث العطش بين الاشتغال بالوتر؛ بل الأقوى عدم استثناء من كان عطشانا فدخل في الوتر ليشرب بين الدعاء قُبيل الفجر.
تاسعها: تعمّد قول «آمين» بعد إتمام الفاتحة إلّا مع التقيّة، فلابأس به كالساهي.
عاشرها: الشكّ في عدد غير الرباعيّة من الفرائض، والاُوليين منها على ما يأتي في محلّه إن شاء اللّه تعالى.
حادي عشرها: زيادة جزء أو نقصانه مطلقا إن كان ركنا، وعمدا إن كان غيره.
مسألة 11 - يكره في الصلاة - مضافا إلى ما سمعته سابقا - نفخ موضع السجود إن لم يحدث منه حرفان، وإلّا فالأحوط الاجتناب عنه، والتأوّه والأنين والبصاق بالشرط المذكور والاحتياط المتقدّم، والعبث وفرقعة الأصابع والتمطّي والتثاؤب الاختياريّ، ومدافعة البول والغائط ما لم تصل إلى حدّ الضرر، وإلّا فيجتنب وإن كانت الصلاة صحيحة مع ذلك.
مسألة 12 - لا يجوز قطع الفريضة اختيارا. وتُقطع للخوف على نفسه أو نفس محترمة أو عرضه أو ماله المعتدّ به ونحو ذلك، بل قد يجب القطع في بعض تلك الأحوال، لكن لو عصى فلم يقطعها أثم وصحّت صلاته. والأحوط عدم جواز قطع النافلة أيضا اختيارا وإن كان الأقوى جوازه. - القول في صلاة الآيات
القول في صلاة الآيات
مسألة 1 - سبب هذه الصلاة كسوف الشمس وخسوف القمر ولو بعضهما، والزلزلة، وكلّ آية مخوّفة عند غالب الناس، سماويّةً كانت كالريح السوداء أو الحمراء أو الصفراء غير المعتادة، والظلمة الشديدة، والصيحة، والهدّة، والنار الّتي قد تظهر في السماء، وغير ذلك؛ أو أرضيّةً - على الأحوط فيها - كالخسف ونحوه. ولا عبرة بغير المخوّف ولا بخوف النادر من الناس. نعم، لا يعتبر الخوف في الكسوفين والزلزلة، فيجب الصلاة فيها مطلقا.
مسألة 2 - الظاهر أنّ المدار في كسوف النيّرين صدق اسمه وإن لم يستند إلى سببيه المتعارفين من حيلولة الأرض والقمر، فيكفي انكسافهما ببعض الكواكب الاُخر أو بسبب آخر. نعم، لو كان قليلا جدّا بحيث لا يظهر للحواسّ المتعارفة وإن أدركه بعض الحواسّ الخارقة أو يدرك بواسطة بعض الآلات المصنوعة فالظاهر عدم الاعتبار به وإن كان مستندا إلى أحد سببيه المتعارفين؛ وكذا لا اعتبار به لو كان سريع الزوال كمرور بعض الأحجار الجوّيّة عن مقابلهما بحيث ينطمس نورهما عن البصر وزال بسرعة.
مسألة 3 - وقت أداء صلاة الكسوفين من حين الشروع إلى الشروع في الانجلاء. ولا يترك الاحتياط بالمبادرة إليها قبل الأخذ في الانجلاء. ولو أخّر عنه أتى بها لا بنيّة الأداء والقضاء بل بنيّة القربة المطلقة. وأمّا في الزلزلة ونحوهإ؛ن مظظ ممّا لاتسع وقتها للصلاة غالبا - كالهدّة والصيحة - فهي من ذوات الأسباب لاالأوقات، فتجب حال الآية، فإن عصى فبعدها طول العمر، والكلّ أداء.
مسألة 4 - يختصّ الوجوب بمن في بلد الآية، فلا تجب على غيرهم. نعم، يقوى إلحاق المتّصل بذلك المكان ممّا يعدّ معه كالمكان الواحد.
مسألة 5 - تثبت الآية وكذا وقتها ومقدار مكثها بالعلم وشهادة العدلين، بل وبالعدل الواحد على الأحوط، وبإخبار الرصديّ الّذي يطمأنّ بصدقه أيضا على الأحوط لو لم يكن الأقوى.
مسألة 6 - تجب هذه الصلاة على كلّ مكلّف. والأقوى سقوطها عن الحائض والنفساء، فلا قضاء عليهما في الموقّتة، ولا يجب أداء غيرها. هذا في الحيض والنفاس المستوعبين، وأمّا غيره ففيه تفصيل، والاحتياط حسن.
مسألة 7 - من لم يعلم بالكسوف إلى تمام الانجلاء ولم يحترق جميع القرص لم يجب عليه القضاء. أمّا إذا علم به وتركها ولو نسيانا أو احترق جميع القرص وجب القضاء. وأمّا في سائرالآيات فمع التأخير متعمّدا أو لنسيان يجب الإتيان بها مادام العمر؛ ولو لم يعلم بها حتّى مضى الزمان المتّصل بالآية فالأحوط الإتيان بها وإن لا يخلو عدم الوجوب من قوّة.
مسألة 8 - لو أخبر جماعة غير عدول بالكسوف ولم يحصل له العلم بصدقهم وبعد مضيّ الوقت تبيّن صدقهم فالظاهر إلحاقه بالجهل، فلا يجب القضاء مع عدم احتراق جميع القرص. وكذا لو أخبر شاهدان ولم يعلم عدالتهما ثمّ ثبتت عدالتهما بعد الوقت؛ لكنّ الأحوط القضاء خصوصا في الصورة الثانية، بل لايترك فيها.
مسألة 9 - صلاة الآيات ركعتان في كلّ واحدة منهما خمسة ركوعات فيكون المجموع عشرة. وتفصيله بأن يُحرم مع النيّة كما في الفريضة، ثمّ يقرأ الفاتحة وسورة، ثمّ يركع، ثمّ يرفع رأسه، ثمّ يقرأ الحمد وسورة، ثمّ يركع، ثمّ يرفع رأسه ويقرأ، وهكذا حتّى يتمّ خمسا على هذا الترتيب، ثمّ يسجد سجدتين بعد رفع رأسه من الركوع الخامس، ثمّ يقوم ويفعل ثانيا كما فعل أوّلا، ثمّ يتشهّد ويسلّم. ولا فرق في السورة بين كونها متّحدة في الجميع أو متغايرة.
ويجوز تفريق سورة كاملة على الركوعات الخمسة من كلّ ركعة، فيقرأ بعد تكبيرةالإحرام الفاتحة، ثمّ يقرأ بعدها آية من سورة أو أقلّ أو أكثر، ثمّ يركع، ثم يرفع رأسه ويقرأ بعضا آخر من تلك السورة متّصلا بما قرأه منها أوّلا، ثمّ يركع، ثمّ يرفع رأسه ويقرأ بعضا آخر منها كذلك، وهكذا إلى الركوع الخامس حتّى يُتمّ سورةً ثمّ يركع الخامس ثمّ يسجد؛ ثمّ يقوم إلى الثانية ويصنع كما صنع في الركعة الاُولى، فيكون في كلّ ركعة الفاتحة مرّة مع سورة تامّة متفرّقة؛ ويجوز الإتيان في الركعة الثانية بالسورة المأتيّة في الاُولى وبغيرها. ولا يجوز الاقتصار على بعض سورة في تمام الركعة؛ كما أنّه في صورة تفريق السورة على الركوعات لا تشرع الفاتحة إلّا مرّة واحدة في القيام الأوّل، إلّا إذا أكمل السورة في القيام الثاني أو الثالث مثلا، فإنّه تجب عليه في القيام اللاحق بعد الركوع قراءة الفاتحة ثمّ سورة أو بعضها، وهكذا كلّما ركع عن تمام السورة وجبت الفاتحة في القيام منه؛ بخلاف ما لو ركع عن بعضها، فإنّه يقرأ من حيث قطع، ولا يعيد الحمد كما عرفت. نعم، لو ركع الركوع الخامس عن بعض السورة فسجد ثمّ قام للثانية فالأقوى وجوب الفاتحة ثمّ القراءة من حيث قطع؛ لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالركوع الخامس عن آخر السورة وافتتاح سورة في الثانية بعد الحمد.
مسألة 10 - يعتبر في صلاة الآيات ما يعتبر في الفرائض اليوميّة من الشرائط وغيرها وجميع ما عرفته وتعرفه: من واجب وندب في القيام والقعود والركوع والسجود وأحكام السهو والشكّ في الزيادة والنقيصة بالنسبة إلى الركعات وغيرها؛ فلو شكّ في عدد ركعتيها بطلت كما في كلّ فريضة ثنائيّة، فإنّها منها وإن اشتملت ركعتها على خمسة ركوعات؛ ولو نقص ركوعا منها أوزاده عمدا أو سهوا بطلت، لأنّها أركان، وكذا القيام المتّصل بها. ولو شكّ في ركوعها يأتي به ما دام في المحلّ، ويمضي إن خرج عنه، ولا تبطل إلّا إذا بان بعد ذلك النقصان أو الزيادة أو رجع شكّه فيه إلى الشكّ في الركعات، كما إذا لم يعلم أنّه الخامس فيكون آخر الركعة الاُولى أو السادس فيكون أوّل الركعة الثانية.
مسألة 11 - يستحبّ فيها الجهر بالقراءة ليلا أو نهارا حتّى صلاة كسوف الشمس، والتكبير عند كلّ هويّ للركوع وكلّ رفع منه، إلّا في الرفع من الخامس والعاشر، فإنّه يقول: «سمع اللّه لمن حمده» ثمّ يسجد. ويستحبّ فيها التطويل خصوصا في كسوف الشمس،وقراءة السورالطوال ك«يس» و«الروم» و«الكهف» ونحوها، وإكمال السورة في كلّ قيام، والجلوس في المصلّى مشتغلا بالدعاء والذكر إلى تمام الانجلاء، أو إعادة الصلاة إذا فرغ منها قبل تمام الانجلاء. ويستحبّ فيها في كلّ قيامٍ ثانٍ بعد القراءة قنوت، فيكون في مجموع الركعتين خمسة قنوتات؛ ويجوز الاجتزاء بقنوتين: أحدهما قبل الركوع الخامس لكن يأتي به رجاءً، والثاني قبل العاشر؛ ويجوز الاقتصار على الأخير منها.
مسألة 12 - يستحبّ فيها الجماعة. ويتحمّل الإمام عن المأموم القراءة خاصّة كما في اليوميّة، دون غيرها من الأفعال والأقوال. والأحوط للمأموم الدخول في الجماعة قبل الركوع الأوّل أو فيه من الركعة الاُولى أو الثانية حتّى ينتظم صلاته. - القول في الخلل الواقع في الصلاة
القول في الخلل الواقع في الصلاة
مسألة 1 - من أخلّ بالطهارة من الحدث بطلت صلاته مع العمد والسهو والعلم والجهل؛ بخلاف الطهارة من الخبث، كما مرّ تفصيل الحال فيها وفي غيرها من الشرائط كالوقت والاستقبال والستر وغيرها. ومن أخلّ بشي ء من واجبات صلاته عمدا ولو حركةً من قراءتها وأذكارها الواجبة بطلت. وكذا إن زاد فيها جزءا متعمّدا قولا أو فعلا، من غير فرق بين الركن وغيره، بل ولا بين كونه موافقا لأجزائها أو مخالفا وإن كان الحكم في المخالف بل وفي غير الجزء الركنيّ لايخلو من تأمّل وإشكال. ويعتبر في تحقّق الزيادة في غير الأركان الإتيان بالشي ء بعنوان أنّه من الصلاة أو أجزائها؛ فليس منها الإتيان بالقراءة والذكر والدعاء في أثنائها إذا لم يأت بها بعنوان أنّها منها؛ فلابأس بها ما لم يحصل بها المحو للصورة؛ كما لابأس بتخلّل الأفعال المباحة الخارجيّة كحكّ الجسد ونحوه لو لم يكن مفوّتا للموالاة أو ماحيا للصورة كما مرّ سابقا.
وأمّا الزيادة السهويّة فمن زاد ركعةً أو ركنا من ركوع أو سجدتين من ركعة أو تكبيرةالإحرام سهوا بطلت صلاته على إشكال في الأخير. وأمّا زيادة القيام الركنيّ فلا تتحقّق إلّا مع زيادة الركوع أو تكبيرة الإحرام. وأمّا النيّة فبناءً على أنّها الداعي لا تتصوّر زيادتها، وعلى القول بالإخطار لا تضرّ. وزيادة غيرالأركان سهوا لا تبطل وإن أوجبت سجدتي السهو على الأحوط كما سيأتي.
مسألة 2 - من نقص شيئا من واجبات صلاته سهوا ولم يذكره إلّا بعد تجاوز محلّه فإن كان ركنا بطلت صلاته، وإلّا صحّت وعليه سجود السهو على تفصيل يأتي في محلّه. وقضاء الجزء المنسيّ بعد الفراغ منها إن كان المنسيّ التشهّد أو إحدى السجدتين. ولا يقضي من الأجزاء المنسيّة غيرهما. ولو ذكره في محلّه تداركه وإن كان ركنا، وأعاد ما فعله ممّا هو مترتّب عليه بعده.
والمراد بتجاوز المحلّ الدخول في ركن آخر بعده، أو كون محلّ إتيان المنسيّ فعلا خاصّا وقد جاوز محلّ ذلك الفعل، كالذكر في الركوع والسجود إذا نسيه وتذكّر بعد رفع الرأس منهما؛ فمن نسي الركوع حتّى دخل في السجدة الثانية أو نسي السجدتين حتّى دخل في الركوع من الركعة اللاحقة بطلت صلاته؛ بخلاف ما لو نسي الركوع وتذكّر قبل أن يدخل في السجدة الاُولى أو نسي السجدتين وتذكّر قبل الركوع رجع وأتى بالمنسيّ، وأعاد ما فعله سابقا ممّا هو مترتّب عليه.
ولو نسي الركوع وتذكّر بعد الدخول في السجدة الاُولى فالأحوط أن يرجع ويأتي بالمنسيّ وما هو مترتّب عليه، ويعيد الصلاة بعد إتمامها. ومن نسي القراءة أو الذكر أو بعضهما أو الترتيب فيهما وذكر قبل أن يصل إلى حدّ الركوع تدارك ما نسيه وأعاد ما هو مترتّب عليه. ومن نسي القيام أو الطمأنينة في القراءة أو الذكر وذكر قبل الركوع فالأحوط إعادتهما بقصد القربة المطلقة لا الجزئيّة.
نعم، لو نسي الجهر أو الإخفات في القراءة فالظاهر عدم وجوب تلافيهما وإن كان الأحوط التدارك سيّما إذا تذكّر في الأثناء، فإنّه لا ينبغي له ترك الاحتياط بالإتيان بقصد القربة المطلقة. ومن نسي الانتصاب من الركوع أو الطمأنينة فيه وذكر قبل الدخول في السجود انتصب مطمئنّا، لكن بقصد الاحتياط والرجاء في نسيان الطمأنينة، ومضى في صلاته. ومن نسي الذكر في السجود أو الطمأنينة فيه أو وضع أحد المساجد حاله وذكر قبل أن يخرج عن مسمّى السجود أتى بالذكر، لكن في غير نسيان الذكر يأتي به بقصد القربة المطلقة لا الجزئيّة. ولو ذكر بعد رفع الرأس فقد جاز محلّ التدارك فيمضي في صلاته. ومن نسي الانتصاب من السجود الأوّل أو الطمأنينة فيه وذكر قبل الدخول في مسمّى السجود الثاني انتصب مطمئنّا ومضى فيها، لكن في نسيان الطمأنينة يأتي رجاءً واحتياطا. ولو ذكر بعد الدخول في السجدة الثانية فقد جاز محلّ التدارك فيمضي فيها.
ومن نسي السجدة الواحدة أو التشهّد أو بعضه وذكر قبل الوصول إلى حدّالركوع أو قبل التسليم إن كان المنسيّ السجدة الأخيرة أو التشهّد الأخير يتدارك المنسيّ ويعيد ما هو مترتّب عليه. ولو نسي سجدةً واحدةً أو التشهّد من الركعة الأخيرة وذكر بعد التسليم: فإن كان بعد فعل ما يبطل الصلاة عمدا وسهوا كالحدث فقد جاز محلّ التدارك، وإنّما عليه قضاء المنسيّ وسجدتا السهو؛ وإن كان قبل ذلك فالأحوط في صورة نسيان السجدة الإتيان بها من دون تعيين للأداء والقضاء، ثمّ بالتشهّد والتسليم احتياطا، ثمّ سجدتي السهو احتياطا، وفي صورة نسيان التشهّد الإتيان به كذلك، ثمّ بالتسليم وسجدتي السهو احتياطا وإن كان الأقوى فوت محلّ التدارك فيهما بعد التسليم مطلقا، وعليه قضاء المنسيّ وسجدتا السهو. ومن نسي التسليم وذكره قبل حصول ما يبطل الصلاة عمدا وسهوا تداركه، فإن لم يتداركه بطلت صلاته، وكذا لو لم يتدارك ما ذكره في المحلّ على ما تقدّم.
مسألة 3 - من نسي الركعة الأخيرة - مثلا - فذكرها بعد التشهّد قبل التسليم قام وأتى بها، ولو ذكرها بعده قبل فعل ما يبطل سهوا قام وأتمّ أيضا، ولو ذكرها بعده استأنف الصلاة من رأس، من غير فرق بين الرباعيّة وغيرها؛ وكذا لو نسي أكثر من ركعة؛ وكذا يستأنف لو زاد ركعة قبل التسليم بعد التشهّد أو قبله.
مسألة 4 - لو علم إجمالا - قبل أن يتلبّس بتكبير الركوع على فرض الإتيان به وقبل الهويّ إلى الركوع على فرض عدمه - إمّا بفوات سجدتين من الركعة السابقة أو القراءة من هذه الركعة يكتفي بالإتيان بالقراءة على الأقوى. وكذا لوحصل له ذلك بعد الشروع في تكبير القنوت أو بعد الشروع فيه أو بعده، فيكتفي بالقراءة على الأقوى، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بإعادة الصلاة.
مسألة 5 - لو علم بعد الفراغ أنّه ترك سجدتين ولم يدر أنّهما من ركعة أو ركعتين فالأحوط أن يأتي بقضاء سجدتين، ثمّ بسجدتي السهو مرّتين، ثمّ أعاد الصلاة. وكذا لو كان في الأثناء لكن بعد الدخول في الركوع. وأمّا لو كان قبل الدخول فيه فله صور لا يسع المجال بذكرها.
مسألة 6 - لو علم بعد القيام إلى الثالثة أنّه ترك التشهّد ولا يدري أنّه ترك السجدة أيضا أم لا فلايبعد جوازالاكتفاء بالتشهّد، والأحوط إعادة الصلاة مع ذلك. - القول في الشك
- القول في حكم الظن في أفعال الصلاة وركعاتها
القول في حكم الظنّ في أفعال الصلاة وركعاتها
مسألة 1 - الظنّ في عدد الركعات مطلقا - حتّى في ما تعلّق بالركعتين الأوّلتين من الرباعيّة أو بالثنائيّة والثلاثيّة - كاليقين، فضلا عمّا تعلّق بالأخيرتين من الرباعيّة، فيجب العمل بمقتضاه ولو كان مسبوقا بالشكّ؛ فلو شكّ أوّلا ثمّ ظنّ بعد ذلك في ما كان شاكّا فيه كان العمل على الأخير؛ وكذا لو انقلب ظنّه إلى الشكّ أو شكّه إلى شكّ آخر عمل بالأخير؛ فلو شكّ في حال القيام بين الثلاث والأربع وبنى على الأربع فلمّا رفع رأسه من السجود - مثلا - انقلب شكّه الى الشكّ بين الأربع والخمس، عمل عمل الشكّ الثاني وهكذا. والأحوط في ما تعلّق الظنّ بغير الركعتين الأخيرتين من الرباعيّة العمل على الظنّ ثمّ الإعادة.
وأمّا الظنّ في الأفعال ففي اعتباره إشكال، فلا يترك الاحتياط في ما لو خالف الظنّ مع وظيفة الشكّ - كما إذا ظنّ بالإتيان وهو في المحلّ - بإتيان مثل القراءة بنيّة القربة المطلقة وإتيان مثل الركوع ثمّ الإعادة، وكذا إذا ظنّ بعدم الإتيان بعد المحلّ مع بقاء محلّ التدارك؛ ومع تجاوز محلّه أيضا يتمّ الصلاة، ويعيدها في مثل الركوع.
مسألة 2 - لو تردّد في أنّ الحاصل له ظنّ أو شكّ - كما قد يتّفق - ففيه إشكال لايترك الاحتياط بالعلاج، أمّا في الركعات فيعمل على طبق أحدهما ويعيدالصلاة، والأحوط العمل على طبق الشكّ ثمّ الإعادة، وأمّا في الأفعال فمثل مامرّ. نعم، لوكان مسبوقا بالظنّ أو الشكّ وشكّ في انقلابه فلا يبعد البناء على الحالة السابقة. - القول في ركعات الاحتياط
القول في ركعات الاحتياط
مسألة 1 - ركعات الاحتياط واجبة، فلا يجوز تركها وإعادة الصلاة من الأصل. وتجب المبادرة إليها بعد الفراغ من الصلاة، كما أنّه لا يجوز الفصل بينها وبين الصلاة بالمنافي؛ فإن فعل ذلك فالأحوط الإتيان بها وإعادة الصلاة. ولو أتى بالمنافي قبل صلاة الاحتياط ثمّ تبيّن له تماميّة صلاته لا تجب إعادتها.
مسألة 2 - لا بدّ في صلاة الاحتياط من النيّة وتكبيرة الإحرام وقراءة الفاتحة -والأحوط الإسرار بها وبالبسملة أيضا- والركوع والسجود والتشهّد والتسليم. ولا قنوت فيها وإن كانت ركعتين، كما أنّه لا سورة فيها.
مسألة 3 - لو نسي ركنا من ركعات الاحتياط أو زاده فيها بطلت، فلا يترك الاحتياط باستيناف الاحتياط ثمّ إعادة الصلاة.
مسألة 4 - لو بان الاستغناء عن صلاة الاحتياط قبل الشروع فيها لا يجب الإتيان بها. وإن كان بعد الفراغ منها وقعت نافلة. وإن كان في الأثناء أتمّها كذلك. والأحوط إضافة ركعة ثانية لو كانت ركعةً من قيام. ولو تبيّن نقص الصلاة بعد الفراغ من صلاة الاحتياط فإن كان النقص بمقدار ما فعله من الاحتياط - كما إذا شكّ بين الثلاث والأربع وأتى بركعة قائما فتبيّن كونها ثلاثا - تمّت صلاته، والأحوط الاستيناف. لكن ذلك في ما إذا كان ما فعله أحد طرفي الشكّ من النقص، كالمثال المذكور. وأمّا مجرّد موافقة ما فعله للنقص في المقدار ففي جبره إشكال، كما لو شكّ بين الاثنتين والأربع و بنى على الأربع وأتى بركعةقائما عوض ركعتي الاحتياط اشتباها فتبيّن أنّ النقص بركعة، فالأحوط في مثله الإعادة. ولو كان النقص أزيد منه - كما إذا شكّ بين الثلاث والأربع فبنى على الأربع وصلّى صلاة الاحتياط فتبيّن كونها ركعتين - تجب عليه الإعادة بعد الإتيان بركعة أو ركعتين متّصلة. وكذا لو كان أقلّ منه، كما إذا شكّ بين الاثنتين والأربع فبنى على الأربع و أتى بركعتين من قيام ثمّ تبيّن كون صلاته ثلاث ركعات، فيأتي بركعة متّصلة ثمّ يعيد الصلاة. ولو تبيّن النقص في أثناء صلاة الاحتياط فالأقوى الا كتفاء بما جعله الشارع جبرا ولو كان مخالفا في الكمّ والكيف لما نقص من صلاته، فضلا عمّا كان موافقا له؛ فمن شكّ بين الثلاث والأربع وبنى على الأربع وشرع في الركعتين جالسا فتبيّن كون صلاته ثلاث ركعات أتمّهما واكتفى بهما، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط مطلقا بالإعادة، خصوصا في صورة المخالفة. وأمّا في غير صورة ما جعله جبرا كما لو شكّ بين الثلاث والأربع واشتغل بصلاة ركعتين جالسا فتبيّن كونها ثنتين فالأحوط قطعها وجبر الصلاة بركعتين موصولتين ثمّ إعادتها. وإذا تبيّن النقص قبل الدخول في صلاة الاحتياط كان له حكم من نقص من الركعات من غير عمد من التدارك الّذي قد عرفته، فلاتكفي صلاة الاحتياط، بل اللازم حينئذ إتمام ما نقص وسجدتا السهو للسلام في غير محلّه.
مسألة 5 - لو شكّ في إتيان صلاة الاحتياط: فإن كان بعد الوقت لا يلتفت إليه، وإن كان في الوقت فإن لم يدخل في فعل آخر ولم يأت بالمنافي ولم يحصل الفصل الطويل بنى على عدم الإتيان. ومع أحد الاُمور الثلاثة فللبناء على الإتيان بها وجه، ولكنّ الأحوط الإتيان بها ثمّ إعادة الصلاة.
مسألة 6 - لو شكّ في فعل من أفعالها أتى به لو كان في المحلّ، وبنى على الإتيان لو تجاوز كما في أصل الصلاة. ولو شكّ في ركعاتها فالأقوى وجوب البناء على الأكثر، إلّا أن يكون مبطلا فيبني على الأقلّ، لكنّ الأحوط مع ذلك إعادتها ثمّ إعادة أصل الصلاة.
مسألة 7 - لو نسيها ودخل في صلاة اُخرى - من نافلة أو فريضة - قطعها وأتى بها، خصوصا إذا كانت الثانية مترتّبةً على الاُولى، والأحوط مع ذلك إعادة أصل الصلاة. هذا إذا كان ذلك غير مخلّ بالفوريّة، وإلّا فلا يبعد وجوب العدول إلى أصل الصلاة إن كانت مترتّبةً، والأحوط إعادتها بعدذلك أيضا؛ ومع عدم الترتّب يرفع اليد عنها ويعيد أصل الصلاة؛ والأحوط الإتيان بصلاة الاحتياط ثمّ الإعادة. - القول في الأجزاء المنسية
القول في الأجزاء المنسيّة
مسألة 1 - لا يقضي من الأجزاء المنسيّة في الصلاة غير السجود والتشهّد على الأحوط في الثاني، فينوي أنّهما قضاء المنسيّ مقارنا للنيّة لأوّلهما، محافظا على ماكان واجبا فيهماحال الصلاة، فإنّهماكالصلاةفي الشرائطوالموانع،بل لايجوز الفصل بينهما وبين الصلاة بالمنافي على الأحوط؛ فلو فصل به يأتي بهما مع الشرائط. والأحوط إعادة الصلاة خصوصا في الترك العمديّ وإن كان الأقوى عدم وجوبها. والأقوى عدم وجوب قضاءأبعاض التشهّدحتّى الصلاةعلى النبيّ وآله.
مسألة 2 - لو تكرّر نسيان السجدة والتشهّد يتكرّر قضاؤهما بعدد المنسيّ. ولا يشترط التعيين ولا ملاحظة الترتيب. نعم، لو نسي السجدة والتشهّد معا فالأحوط تقديم قضاء السابق منهما في الفوت، ولو لم يعلم السابق احتاط بالتكرار، فيأتي بما قدّمه مؤخّرا أيضا.
مسألة 3 - لا يجب التسليم في التشهّد القضائيّ، كما لا يجب التشهّد والتسليم في السجدة القضائيّة. نعم، لو كان المنسيّ التشهّد الأخير فالأحوط إتيانه بقصد القربة المطلقة من غير نيّة الأداء والقضاء مع الإتيان بالسلام بعده، كما أنّ الأحوط إتيان سجدتي السهو. ولو كان المنسيّ السجدة من الركعة الأخيرة فالأحوط إتيانها كذلك مع الإتيان بالتشهّد والتسليم وسجدتي السهو وإن كان الأقوى كونها قضاءً ووقوع التشهّد والتسليم في محلّهما، ولا يجب إعادتهما.
مسألة 4 - لو اعتقد نسيان السجدة أو التشهّد مع فوات محلّ تداركهما ثمّ بعدالفراغ من الصلاة انقلب اعتقاده إلى الشكّ فالأحوط وجوب القضاء وإن كان الأقوى عدمه.
مسألة 5 - لو شكّ في أنّ الفائت سجدة واحدة أو سجدتان من ركعتين بنى على الأقلّ.
مسألة 6 - لو نسي قضاء السجدة أو التشهّد وتذكّر بعد الدخول في صلاة اُخرى قطعها إن كانت نافلةً، وأمّا إن كانت فريضةً ففي قطعها إشكال، خصوصا إذا كان المنسيّ التشهّد.
مسألة 7 - لو كان عليه قضاء أحدهما في صلاة الظهر وضاق وقت العصر: فإن لم يدرك منها لو أتى به حتّى ركعة قدّم العصر وقضى الجزء بعدها، وإن أدرك منها ركعةً فلا يبعد وجوب تقديم العصر أيضا. ولو كان عليه صلاة الاحتياط للظهر وضاق وقت العصر: فإن أدرك منها ركعةً قدّم صلاة الاحتياط، وإلّا قدّم العصر ويحتاط بإتيان صلاة الاحتياط بعدها وإعادة الظهر. - القول في سجود السهو
القول في سجود السهو
مسألة 1 - يجب سجود السهو للكلام ساهيا ولو لظنّ الخروج، ونسيان السجدة الواحدة إن فات محلّ تداركها، والسلام في غير محلّه، ونسيان التشهّد مع فوت محلّ تداركه على الأحوط فيهما، والشكّ بين الأربع والخمس. والأحوط إتيانه لكلّ زيادة ونقيصة في الصلاة لم يذكرها في محلّها وإن كان الأقوى عدم وجوبه لغير ما ذكر، بل عدم وجوبه في القيام موضع القعود وبالعكس لا يخلومن قوّة، ولكن لا ينبغي ترك الاحتياط. وللكلام سجدتا سهو وإن طال إن عُدّ كلاما واحدا. نعم، إن تعدّد - كما لو تذكّر في الأثناء ثمّ سها بعده فتكلّم - تعدّد السجود.
مسألة 2 - التسليم الزائد لو وقع مرّة واحدة ولو بجميع صيغه سجد له سجدتي السهو مرّة واحدة، وإن تعدّد سجد له متعدّدا. والأحوط تعدّده لكلّ تسليم. وكذا الحال في التسبيحات الأربع.
مسألة 3 - لو كان عليه سجود سهو وقضاء أجزاء منسيّة وركعات احتياطيّة أخّر السجود عنهما. والأحوط تقديم الركعات الاحتياطيّة على قضاء الأجزاء، بل وجوبه لا يخلو من رجحان.
مسألة 4 - تجب المبادرة في سجود السهو بعد الصلاة. ويعصي بالتأخير وإن صحّت صلاته؛ ولم يسقط وجوبه بذلك ولا فوريّته فيسجد مبادرا؛ كما أنّه لو نسيه -مثلا- يسجد حين الذكر فورا، فلو أخّر عصى.
مسألة 5 - تجب في السجود المزبور النيّة مقارنا لأوّل مسمّاه. ولا يجب فيه تعيين السبب ولو مع التعدّد، كما لا يجب الترتيب فيه بترتيب أسبابه على الأقوى. ولا يجب فيه التكبير وإن كان أحوط. والأحوط مراعاة جميع ما يجب في سجود الصلاة، خصوصا وضع المساجد السبعة، وإن كان عدم وجوب شي ء ممّا لايتوقّف صدق مسمّى السجود عليه لا يخلو من قوّة. نعم، لا يترك الاحتياط في ترك السجود على الملبوس والمأكول. والأحوط فيه الذكر المخصوص، فيقول في كلّ من السجدتين: «بسم اللّه وباللّه، وصلّى اللّه على محمّد وآل محمّد» أو يقول: «بسم اللّه وباللّه، أللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد» أو يقول: «بسم اللّه وباللّه، السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة اللّه وبركاته».
والأحوط اختيار الأخير، لكن عدم وجوب الذكر سيّما المخصوص منه لايخلو من قوّة. ويجب بعد السجدة الأخيرة التشهّد والتسليم؛ والواجب من التشهّد المتعارفُ منه في الصلاة، ومن التسليم «السلام عليكم».
مسألة 6 - لو شكّ في تحقّق موجبه بنى على عدمه. ولو شكّ في إتيانه بعد العلم بوجوبه وجب الإتيان به. ولو علم بالموجب وتردّد بين الأقلّ والأكثر بنى على الأقلّ. ولو شكّ في فعل من أفعاله فإن كان في المحلّ أتى به، وإن تجاوز لايعتني به. وإذا شكّ في أنّه سجد سجدتين أو واحدةً بنى على الأقلّ، إلّا إذا كان شكّه بعدالدخول في التشهّد. ولو علم بأنّه زاد سجدةً أو علم أنّه نقص واحدةً أعاد. - ختام فيه مسائل متفرفة
ختام فيه مسائل متفرّقة
مسألة 1 - لو شكّ في أنّ ما بيده ظهر أو عصر: فإن كان قد صلّى الظهر بطل ما بيده، وإن كان لم يصلّها أو شكّ في أنّه صلّاها أولا فإن كان لم يصلّ العصر وكان في الوقت المشترك عدل به إلى الظهر، وكذا إن كان في الوقت المختصّ بالعصر لوكان الوقت واسعا لإتيان بقيّة الظهر وإدراك ركعة من العصر، ومع عدم السعة فإن كان الوقت واسعا لإدراك ركعة من العصر ترك ما بيده وصلّى العصر ويقضي الظهر، وإلّا فالأحوط إتمامه عصرا وقضاء الظهر والعصر خارج الوقت وإن كان جواز رفع اليد عنه لا يخلو من وجه. وفي المسألة صور كثيرة ربما تبلغ ستّا وثلاثين. وممّا ذُكر ظهر حال ما إذا شكّ في أنّ ما بيده مغرب أو عشاء. نعم، موضع جواز العدول هاهنا في ما إذا لم يدخل في ركوع الرابعة.
مسألة 2 - لو علم بعد الصلاة أنّه ترك سجدتين من ركعتين - سواء كانتا من الأوّلتين أو الأخيرتين - صحّت، وعليه قضاؤهما وسجدتا السهو مرّتين؛ وكذا إن لم يدر أنّهما من أيّ الركعات بعد العلم بأنّهما من ركعتين؛ وكذا إن علم في أثنائها بعد فوت محلّ التدارك.
مسألة 3 - لو كان في الركعة الرابعة - مثلا - وشكّ في أنّ شكّه السابق بين الاثنتين والثلاث كان قبل إكمال السجدتين أو بعده فالأحوط الجمع بين البناء وعمل الشكّ وإعادة الصلاة؛ وكذلك إذا شكّ بعد الصلاة.
مسألة 4 - لو شكّ في أنّ الركعة الّتي بيده آخر الظهر أو أنّه أتمّها وهذه أوّل العصر: فإن كان في الوقت المشترك جعلها آخر الظهر، وإن كان في الوقت المختصّ بالعصر فالأقوى هو البناء على إتيان الظهر ورفعُ اليد عمّا بيده وإتيانُ العصر إن وسع الوقت لإدراك ركعة منه، ومع عدم السعة له فالأحوط إتمامه عصرا وقضاؤه خارج الوقت وإن كان جواز رفع اليد عنه لا يخلو من وجه.
مسألة 5 - لو شكّ في العشاء بين الثلاث والأربع وتذكّر أنّه لم يأت بالمغرب بطلت صلاته وإن كان الأحوط إتمامها عشاءً والإتيان بالاحتياط ثمّ إعادتها بعدالإتيان بالمغرب.
مسألة 6 - لو تذكّر في أثناء العصر أنّه ترك من الظهر ركعةً فالأقوى رفع اليد عن العصر وإتمام الظهر ثمّ الإتيان بالعصر، بل لإتمام العصر ثمّ إتيان الظهر وجه. والأحوط إعادة الصلاة بعد إتمام الظهر، وأحوط منه إعادتهما. هذا في الوقت المشترك، وفي المختصّ تفصيل.
مسألة 7 - لو صلّى صلاتين ثمّ علم نقصان ركعة - مثلا - من إحداهما من غيرتعيين: فإن كان مع الإتيان بالمنافي بعد كلّ منهما فإن اختلفا في العدد أعادهما، وإلّا أتى بواحدة بقصد ما في الذمّة؛ وإن كان قبل المنافي في الثانية مع الإتيان بالمنافي بعد الاُولى ضمّ إلى الثانية ما يحتمل النقصان ثمّ أعاد الاُولى، ومع عدم الإتيان به بعدهما لا يبعد جواز الاكتفاء بركعة متّصلة بقصد ما في الذمّة، لكن لاينبغى ترك الاحتياط بالإعادة. هذا في الوقت المشترك. وأمّافي المختصّ بالعصر فالظاهر جواز الاكتفاء بركعة متّصلة بقصد الثانية، وعدم وجوب إعادة الاُولى.
مسألة 8 - لو شكّ بين الثلاث والاثنتين أو غيره من الشكوك الصحيحة ثمّ شكّ في أنّ ما بيده آخر صلاته أو صلاة الاحتياط يتمّها بقصد ما في الذمّة، ثمّ يأتي بصلاة الاحتياط،ولا تجب عليه إعادة الصلاة. هذا إذا كانت صلاة الاحتياط المحتملة ركعةً واحدةً. وأمّا إذا كانت ركعتين كالشكّ بين الاثنتين والأربع فالأحوط مع ذلك إعادة الصلاة.
مسألة 9 - لو شكّ في أنّ ما بيده رابعة المغرب أو أنّه سلّم على الثلاث وهذه اُولى العشاء: فإن كان بعد الركوع بطلت، ووجبت عليه إعادة المغرب، وإن كان قبله يجعلها من المغرب ويجلس ويتشهّد ويسلّم، ولا شي ء عليه.
مسألة 10 - لو شكّ وهو جالس بعد السجدتين بين الاثنتين والثلاث وعلم بعدم إتيان التشهّد في هذه الصلاة يبني على الثلاث ويقضي التشهّد بعد الفراغ. وكذا لو شكّ في حال القيام بين الثلاث والأربع مع علمه بعدم الإتيان بالتشهّد.
مسألة 11 - لو شكّ في أنّه بعد الركوع من الثالثة أو قبل الركوع من الرابعة فالظاهر بطلان صلاته. ولو انعكس بأن كان شاكّا في أنّه قبل الركوع من الثالثة أو بعده من الرابعة فيبني على الأربع ويأتي بالركوع ثمّ يأتي بوظيفة الشاكّ، لكنّ الأحوط إعادة الصلاة أيضا.
مسألة 12 - لو كان قائما وهو في الركعة الثانية من الصلاة ويعلم أنّه أتى فيها بركوعين ولا يدري أنّه أتى بهما في الاُولى أو أتى فيها بواحد وأتى بالآخر في هذه الركعة فالظاهر بطلان صلاته.
مسألة 13 - لو علم بعد الفراغ من الصلاة أنّه ترك سجدتين ولم يدر أنّهما من ركعة واحدة أو من ركعتين فالأحوط قضاء السجدة مرّتين، وكذا سجود السهو مرّتين، ثمّ إعادة الصلاة. وكذا إذا كان في الأثناء مع عدم بقاء المحلّ الشكّيّ، وأمّا مع بقائه فالأقوى الإتيان بهما، ولا شي ء عليه.
مسألة 14 - لو علم بعد ما دخل في السجدة الثانية - مثلا - أنّه إمّا ترك القراءة أو الركوع فالظاهر صحّة صلاته. وكذا لو حصل الشكّ بعد الفراغ من صلاته. ولو شكّ في الفرضين في أنّه ترك سجدة من الركعة السابقة أو ركوع هذه الركعة تجب عليه الإعادة بعد الاحتياط بإتمام الصلاة وقضاء السجدة وسجدتي السهو.
مسألة 15 - لو علم قبل أن يدخل في الركوع أنّه إمّا ترك سجدتين من الركعة السابقة أو ترك القراءة فمع بقاء المحلّ الشكّيّ فالأقوى الاكتفاء بإتيان القراءة، وكذا في كلّ علم إجماليّ مشابه لذلك؛ ومع التجاوز عن المحلّ لزوم العود لتداركهما مع بقاء محلّ التدارك.
مسألة 16 - لو علم بعد القيام إلى الثالثة أنّه ترك التشهّد وشكّ في أنّه ترك السجدة أيضا أم لا فالأقوى الاكتفاء بإتيان التشهّد.
مسألة 17 - لو علم إجمالا أنّه أتى بأحد الأمرين من السجدة والتشهّد من غير تعيين وشكّ في الآخر: فإن كان بعد الدخول في القيام لم يعتن بشكّه، وإن كان في المحلّ الشكّيّ فالظاهر جواز الاكتفاء بالتشهّد ولا شي ء عليه.
مسألة 18 - لو علم أنّه ترك إمّا السجدة من الركعة السابقة أو التشهّد من هذه الركعة: فإن كان جالسا أتى بالتشهّد وأتمّ الصلاة ولا شي ء عليه، وإن نهض إلى القيام أو بعد الدخول فيه فشكّ فالأقوى وجوب العود لتدارك التشهّد والإتمام وقضاء السجدة وسجود السهو. وكذا الحال في نظائر المسألة، كما إذا علم أنّه ترك سجدةً إمّا من الركعة السابقة أو من هذه الركعة.
مسألة 19 - لو تذكّر وهو في السجدة أو بعدها من الركعة الثانية - مثلا - أنّه ترك سجدةً أو سجدتين من الاُولى وترك أيضا ركوع هذه الركعة جعل السجدة أو السجدتين للركعة الاُولى، وقام وقرأ وقنت وأتمّ صلاته ولا شي ء عليه. وكذا الحال في نظير المسألة بالنسبة إلى سائر الركعات.
مسألة 20 - لو صلّى الظهرين وقبل أن يسلّم للعصر علم إجمالا أنّه إمّا ترك ركعةً من الظهر والّتي بيده رابعة العصر أو أنّ ظهره تامّة وهذه الركعة ثالثة العصر يبني على أنّ الظهر تامّة، وبالنسبة إلى العصر يبني على الأكثر ويتمّ ويأتي بصلاة الاحتياط؛ ويحتمل جواز الاكتفاء بركعة متّصلة بقصد ما في الذمّة. وكذلك الحال في المغرب والعشاء.
مسألة 21 - لو صلّى الظهرين ثماني ركعات والعشاءين سبع ركعات لكن لم يدر أنّه صلّاها صحيحةً أو نقص من إحدى الصلاتين ركعةً وزاد في قرينتها صحّت ولا شي ء عليه.
مسألة 22 - لو شكّ - مع العلم بأنّه صلّى الظهرين ثماني ركعات - قبل السلام من العصر في أنّه صلّى الظهر أربع فالّتي بيده رابعة العصر أو صلّاها خمسا(1) فالّتي بيده ثالثة العصر يبني على صحّة صلاة ظهره، وبالنسبة إلى العصر يبني على الأربع ويعمل عمل الشكّ. وكذا الحال في العشاءين إذا شكّ - مع العلم بإتيان سبع ركعات - قبل السلام من العشاء في أنّه سلّم في المغرب على الثلاث أو على الأربع.
مسألة 23 - لو علم أنّه صلّى الظهرين تسع ركعات ولم يدر أنّه زاد ركعةً في الظهر أو في العصر: فإن كان بعد السلام من العصر وجب عليه إتيان صلاة أربع ركعات بقصد ما في الذمّة، وإن كان قبل السلام فإن كان قبل إكمال السجدتين فالظاهر الحكم ببطلان الثانية وصحّة الاُولى، وإن كان بعده عدل إلى الظهر وأتمّ الصلاة ولا شي ء عليه.
مسألة 24 - لو علم أنّه صلّى العشاءين ثماني ركعات ولا يدري أنّه زاد الركعة في المغرب أو العشاء وجبت إعادتهما مطلقا، إلّا في ما كان الشكّ قبل إكمال السجدتين، فإنّ الظاهر الحكم ببطلان الثانية وصحّة الاُولى.
مسألة 25 - لو صلّى صلاةً ثمّ اعتقد عدم الإتيان بها وشرع فيها وتذكّر قبل السلام أنّه كان آتيا بها لكن علم بزيادة ركعة - إمّا في الاُولى أو الثانية - له أن يكتفي بالاُولى ويرفع اليد عن الثانية.
مسألة 26 - لو شكّ في التشهّد وهو في المحلّ الشكّيّ الّذي يجب الإتيان به ثمّ غفل وقام ليس شكّه بعد تجاوز المحلّ، فيجب عليه الجلوس للتشهّد. ولو كان المشكوك فيه الركوع ثمّ دخل في السجود يرجع ويركع ويتمّ الصلاة ويعيدها احتياطا. ولو تذكّر بعد الدخول في السجدة الثانية بطلت صلاته. ولو كان المشكوك فيه غير ركن وتذكّر بعد الدخول في الركن صحّت وأتى بسجدتي السهو إن كان ممّا يوجب ذلك.
مسألة 27 - لو علم نسيان شي ء قبل فوات محلّ المنسيّ ووجب عليه التدارك فنسي حتّى دخل في ركن بعده ثمّ انقلب علمه بالنسيان شكّا يحكم بالصحّة إن كان ذلك الشي ء ركنا، وبعدم وجوب القضاء وسجدتي السهو في ما يوجب ذلك. هذا إذا عرض العلم بالنسيان بعد المحلّ الشكّيّ، وأمّا إذا كان في محلّه فهو محلّ إشكال وإن لا يخلو من قرب.
مسألة 28 - لو تيقّن بعد السلام قبل إتيان المنافي - عمدا أو سهوا - نقصان الصلاة وشكّ في أنّ الناقص ركعة أو ركعتان يجري عليه حكم الشكّ بين الاثنتين والثلاث، فيبني على الأكثر ويأتي بركعة، ويأتي بصلاة الاحتياط ويسجد سجدتي السهو لزيادة السلام احتياطا. وكذا لو تيقّن نقصان ركعة وبعد الشروع فيها شكّ في ركعة اُخرى. وعلى هذا إذا كان ذلك في صلاة المغرب يحكم ببطلانها.
مسألة 29 - لو تيقّن بعد السلام قبل إتيان المنافي نقصان ركعة ثمّ شكّ في أنّه أتى بها أم لا؟ يجب عليه الإتيان بركعة متّصلة. ولو كان ذلك الشكّ قبل السلام فالظاهر جريان حكم الشكّ من البناء على الأكثر في الرباعيّة، والحكم بالبطلان في غيرها.
مسألة 30 - لو علم أنّ ما بيده رابعة لكن لا يدري أنّها رابعة واقعيّة أو رابعة بنائيّة وأنّه شكّ سابقا بين الاثنتين والثلاث فبنى على الثلاث فتكون هذه رابعة، يجب عليه صلاة الاحتياط.
مسألة 31 - لو تيقّن بعد القيام إلى الركعة التالية أنّه ترك سجدةً أو سجدتين أو تشهّدا ثمّ شكّ في أنّه هل رجع وتدارك ثمّ قام أو هذا هو القيام الأوّل؟ فالظاهر وجوب العود والتدارك. ولو شكّ في ركن بعد تجاوز المحلّ ثمّ أتى به نسيانا فالظاهر بطلان صلاته. ولو شكّ في ما يوجب زيادته سجدتي السهو بعد تجاوز محلّه ثمّ أتى به نسيانا فالأحوط وجوب سجدتي السهو عليه.
مسألة 32 - لو كان في التشهّد فذكر أنّه نسي الركوع ومع ذلك شكّ في السجدتين أيضا فالظاهر لزوم العود إلى التدارك ثمّ الإتيان بالسجدتين، من غير فرق بين سبق تذكّر النسيان وبين سبق الشكّ في السجدتين، والأحوط إعادة الصلاة أيضا.
مسألة 33 - لو شكّ بين الثلاث والأربع - مثلاً - وعلم أنّه على فرض الثلاث ترك ركنا أو عمل ما يوجب بطلان صلاته فالظاهر بطلان صلاته؛ وكذا لو علم ذلك على فرض الأربع. ولو علم أنّه على فرض الثلاث أو الأربع أتى بما يوجب سجدتي السهو أو ترك ما يوجب القضاء فلا شي ء عليه.
مسألة 34 - لو علم بعد القيام أو الدخول في التشهّد نسيان إحدى السجدتين وشكّ في الاُخرى فالأقرب العود إلى تدارك المنسيّ، ويجري بالنسبة إلى المشكوك فيه قاعدة التجاوز. وكذا الحال في أشباه ذلك.
مسألة 35 - لو دخل في السجود من الركعة الثانية فشكّ في ركوع هذه الركعة وفي السجدتين من الاُولى يبني على إتيانهما. وعلى هذا لو شكّ بين الاثنتين والثلاث بعد إكمال السجدتين مع الشكّ في ركوع الّتي بيده وفي السجدتين من السابقة يكون من الشكّ بين الاثنتين والثلاث بعد الإكمال، فيعمل عمل الشكّ وصحّت صلاته. نعم، لو علم بتركهما مع الشكّ المذكور بطلت صلاته.
مسألة 36 - لا يجري حكم كثير الشكّ في أطراف العلم الإجماليّ؛ فلو علم ترك أحد الشيئين إجمالا يجب عليه مراعاته وإن كان شاكّا بالنسبة إلى كلّ منهما.
مسألة 37 - لو علم أنّه إمّا ترك سجدةً من الاُولى أو زاد سجدةً في الثانية فلايجب عليه شي ء. ولو علم أنّه إمّا ترك سجدةً أو تشهّدا وجب على الأحوط الإتيان بقضائهما وسجدتي السهو مرّة.
مسألة 38 - لو كان مشغولا بالتشهّد أو بعد الفراغ منه وشكّ في أنّه صلّى ركعتين وأنّ التشهّد في محلّه أو ثلاث ركعات وأنّه في غير محلّه يجري عليه حكم الشكّ بين الاثنتين والثلاث، وليس عليه سجدتا السهو وإن كان الأحوط الإتيان بهما.
مسألة 39 - لو صلّى من كان تكليفه الصلاة إلى أربع جهات ثمّ بعد السلام من الأخيرة علم ببطلان واحدة منها بنى على صحّة صلاته ولا شي ء عليه.
مسألة 40 - لو قصد الإقامة وصلّى صلاةً تامّةً ثمّ رجع عن قصده وصلّى صلاةً قصرا غفلةً أو جهلا ثمّ علم ببطلان إحداهما يبني على صحّة صلاته التامّة، وتكليفه التمام بالنسبة إلى الصلوات الآتية.
ورد في جميع الطبعات «أربع»، والصحيح «أربعاً». - القول في صلاة القضاء
القول في صلاة القضاء
بجب قضاء الصلوات اليوميّة الّتي فاتت في أوقاتها - عدا الجمعة - عمدا كان أو سهوا أو جهلا أو لأجل النوم المستوعب للوقت وغير ذلك؛ وكذا المأتيّ بها فاسدا لفقد شرط أو جزء يوجب تركه البطلان. ولا يجب قضاء ما تركه الصبيّ في زمان صباه، والمجنون في حال جنونه، والمغمى عليه إذا لم يكن إغماؤه بفعله، وإلّا فيقضي على الأحوط، والكافر الأصليّ في حال كفره، دون المرتدّ، فإنّه يجب عليه قضاء ما فاته في حال ارتداده بعد توبته، وتصحّ منه وإن كان عن فطرة على الأصحّ، والحائض والنفساء مع استيعاب الوقت.
مسألة 1 - يجب على المخالف بعد استبصاره قضاء ما فات منه أو أتى على وجه يخالف مذهبه؛ بخلاف ما أتى به على وفق مذهبه، فإنّه لا يجب عليه قضاؤها وإن كانت فاسدةً بحسب مذهبنا. نعم، إذا استبصر في الوقت يجب عليه الأداء؛ فلو تركها أو أتى بها فاسدا بحسب المذهب الحقّ يجب عليه القضاء.
مسألة 2 - لو بلغ الصبيّ أو أفاق المجنون أو المغمى عليه في الوقت وجب عليهم الأداء وإن لم يُدركوا إلّا مقدار ركعة مع الطهارة ولو كانت ترابيّةً، ومع الترك يجب عليهم القضاء؛ وكذلك الحائض والنفساء إذا زال عذرهما. كما أنّه لو طرأالجنون أو الإغماء أو الحيض أو النفاس بعد مضيّ مقدار صلاة المختار من أوّل الوقت بحسب حالهم - من السفر والحضر والوضوء والتيمّم - ولم يأتوا بالصلاة وجب عليهم القضاء.
مسألة 3 - فاقد الطهورين يجب عليه القضاء، ويسقطعنه الأداءعلى الأقوى، لكن لا ينبغي له ترك الاحتياط بالأداء أيضا.
مسألة 4 - يجب قضاء غير اليوميّة من الفرائض - سوى العيدين وبعض صور صلاة الآيات - حتّى المنذورة في وقت معيّن على الأحوط فيها.
مسألة 5 - يجوز قضاء الفرائض في كلّ وقت من ليل أو نهار أو سفر أو حضر. ويصلّي في السفر ما فات في الحضر تماما، كما أنّه يصلّي في الحضر ما فات في السفر قصرا. ولو كان في أوّل الوقت حاضرا وفي آخره مسافرا أو بالعكس فالعبرة بحال الفوت على الأصحّ، فيقضي قصرا في الأوّل وتماما في الثاني، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع. وإذا فاتته في ما يجب عليه الاحتياط بالجمع بين القصر والتمام يحتاط في القضاء أيضا.
مسألة 6 - لو فاتت الصلاة في أماكن التخيير فالظاهر التخيير في القضاء أيضا إذا قضاها في تلك الأماكن، وتعيّن القصر على الأحوط لو قضاها في غيرها.
مسألة 7 - يستحبّ قضاء النوافل الرواتب. ويكره أكيدا تركه إذا شغله عنها جمع الدنيا. ومن عجز عن قضائها استحبّ له التصدّق بقدر طوله. وأدنى ذلك التصدّق عن كلّ ركعتين بمدّ، وإن لم يتمكّن فعن كلّ أربع ركعات بمدّ، وإن لم يتمكّن فمدّ لصلاة الليل ومدّ لصلاة النهار.
مسألة 8 - إذا تعدّدت الفوائت فمع العلم بكيفيّة الفوت والتقديم والتأخير فالأحوط تقديم قضاء السابق في الفوات على اللاحق. وأمّا ما كان الترتيب في أدائها معتبرا شرعا - كالظهرين والعشاءين من يوم واحد - فيجب في قضائها الترتيب على الأقوى. وأمّا مع الجهل بالترتيب فالأحوط ذلك وإن كان عدمه لايخلو من قوّة، بل عدم وجوب الترتيب مطلقا - إلّا ما كان الترتيب في أدائها معتبرا - لا يخلو من قوّة.
مسألة 9 - لو علم أنّ عليه إحدى الصلوات الخمس من غير تعيين يكفيه صبح ومغرب وأربع ركعات بقصد ما في الذمّة، مردّدةً بين الظهر والعصر والعشاء، مخيّرا فيها بين الجهر والإخفات. وإذا كان مسافرا يكفيه مغرب وركعتان مردّدتان بين الأربع.وإن لم يعلم أنّه كان حاضرا أو مسافرا يأتي بمغرب وركعتين مردّدتين بين الأربع، وأربع ركعات مردّدة بين الثلاث. وإن علم أنّ عليه اثنتين من الخمس من يوم أتى بصبح، ثمّ أربع ركعات مردّدة بين الظهر والعصر، ثمّ مغرب، ثمّ أربع مردّدة بين العصر والعشاء، وله أن يأتي بصبح، ثمّ بأربع مردّدة بين الظهر والعصر والعشاء، ثمّ مغرب، ثمّ أربع مردّدة بين العصر والعشاء. وإذا علم أنّهما فاتتا في السفر أتى بركعتين مردّدتين بين الأربع، وبمغرب وركعتين مردّدتين بين الثلاث ما عدا الاُولى، وله أن يأتي بركعتين مردّدتين بين الصبح والظهر والعصر، ومغرب وركعتين مردّدتين بين الظهرين والعشاء. وإن لم يعلم أنّ الفوت في الحضر أو السفر أتى بركعتين مردّدتين بين الأربع، وبمغرب وركعتين مردّدتين بين الثلاث ما عدا الاُولى، وأربعٍ مردّدة بين الظهرين والعشاء، وأربعٍ مردّدة بين العصر والعشاء. وإن علم أنّ عليه ثلاثا من الخمس يأتي بالخمس إن كان في الحضر، وإن كان في السفر يأتي بركعتين مردّدتين بين الصبح والظهرين، وركعتين مردّدتين بين الظهرين والعشاء، وبمغرب وركعتين مردّدتين بين العصر والعشاء. وتتصوّر طرق اُخر للتخلّص. والميزان هو العلم بإتيان جميع المحتملات.
مسألة 10 - إذا علم بفوات صلاة معيّنة كالصبح - مثلا - مرّات ولم يعلم عددها يجوز الاكتفاء بالقدر المعلوم على الأقوى، لكنّ الأحوط التكرار حتّى يغلب على ظنّه الفراغ، وأحوط وأحسن منه التكرار حتّى يحصل العلم بالفراغ، خصوصا مع سبق العلم بالمقدار وحصول النسيان بعده. وكذلك الحال في ما إذا فاتت منه صلوات أيّام لا يعلم عددها.
مسألة 11 - لا يجب الفور في القضاء، بل هو موسّع مادام العمر لو لم ينجرّ إلى المسامحة في أداء التكليف والتهاون به.
مسألة 12 - الأحوط لذوي الأعذار تأخير القضاء إلى زمان رفع العذر، إلّا إذا علم ببقائه إلى آخر العمر أو خاف من مفاجأة الموت لظهور أماراته. نعم، لو كان معذورا عن الطهارة المائيّة فللمبادرة إلى القضاء مع الترابيّة وجه - حتّى مع رجاء زوال العذر - لا يخلو من إشكال، فالأحوط تأخيره إلى الوجدان.
مسألة 13 - لا يجب تقديم الفائتة على الحاضرة، فيجوز الاشتغال بالحاضرة لمن عليه القضاء وإن كان الأحوط تقديمها عليها خصوصا في فائتة ذلك اليوم، بل إذا شرع في الحاضرة قبلها استحبّ له العدول منها إليها إن لم يتجاوز محلّ العدول، بل لا ينبغي ترك الاحتياط المتقدّم وترك العدول إلى الفائتة.
مسألة 14 - يجوز لمن عليه القضاء الإتيان بالنوافل على الأقوى، كما يجوز الإتيان بها أيضا بعد دخول الوقت قبل إتيان الفريضة.
مسألة 15 - يجوز الإتيان بالقضاء جماعةً، سواء كان الإمام قاضيا أو مؤدّيا، بل يستحبّ ذلك. ولا يجب اتّحاد صلاة الإمام والمأموم.
مسألة 16 - يجب على الوليّ - وهو الولد الأكبر - قضاء ما فات عن والده من الصلوات لعذر: من نوم ونسيان ونحوهما. ولا تُلحق الوالدة بالوالد وإن كان أحوط. والأقوى عدم الفرق بين الترك عمدا وغيره. نعم، لا يبعد عدم إلحاق ما تركه طغيانا على المولى وإن كان الأحوط إلحاقه، بل لا يترك هذ الاحتياط. والظاهر وجوب قضاء ما أتى به فاسدا من جهة إخلاله بما اعتُبر فيه. وإنّما يجب عليه قضاء ما فات عن الميّت من صلاة نفسه، دون ما وجب عليه بالإجارة أو من جهة كونه وليّا. ولا يجب على البنات، ولا على غير الولد الأكبر من الذكور، ولا على سائر الأقارب حتّى الذكور - كالأب والأخ والعمّ والخال - وإن كان هو الأحوط في ذكورهم. وإذا مات الولد الأكبر بعد والده لا يجب على من دونه في السنّ من إخوته.
ولا يعتبر في الوليّ أن يكون بالغا عاقلا عند الموت، فيجب على الصبيّ إذا بلغ، وعلى المجنون إذا عقل؛ كما أنّه لا يعتبر كونه وارثا، فيجب على الممنوع منه بسبب القتل أو الكفر أو نحوهما. ولو تساوى الولدان في السنّ يقسّط القضاء عليهما، ولو كان كسرٌ يجب عليهما كفايةً. ولا يجب على الوليّ المباشرة، بل يجوز له أن يستأجر. والأجير ينوي النيابة عن الميّت لا عن الوليّ. وإن باشر الوليّ أو غيره الإتيان يراعي تكليف نفسه باجتهاد أو تقليد في أحكام الشكّ والسهو، بل في أجزاء الصلاة وشرائطها، دون تكليف الميّت؛ كما أنّه يراعي تكليف نفسه في أصل وجوب القضاء إذا اختلف مقتضى تقليده أو اجتهاده مع الميّت. - القول في صلاة الاستئجار
القول في صلاة الاستيجار
يجوز الاستيجار للنيابة عن الأموات في قضاء الصلوات كسائر العبادات؛ كما تجوز النيابة عنهم تبرّعا. ويقصد النائب بفعله - أجيرا كان أو متبرّعا - النيابة والبدليّة عن فعل المنوب عنه، وتفرغ ذمّته، ويتقرّب به ويثاب عليه. ويعتبر فيه قصد تقرّب المنوب عنه لا تقرّب نفسه. ولا يحصل له بذلك تقرّب، إلّا أن يقصد في تحصيل هذا التقرّب للمنوب عنه الإحسانَ إليه للّه تعالى، فيحصل له القرب أيضا كالمتبرّع لو كان قصده ذلك؛ وأمّا وصول الثواب إلى الأجير كما يظهر من بعض الأخبار فهو لمحض التفضّل. ويجب تعيين الميّت المنوب عنه في نيّته ولو بالإجمال، كصاحب المال ونحوه.
مسألة 1 - يجب على من عليه واجب - من الصلاة والصيام - الإيصاء باستيجاره، إلّا من له وليّ يجب عليه القضاء عنه ويطمئنّ بإتيانه. ويجب على الوصيّ - لو أوصى - إخراجها من الثلث، ومع إجازة الورثة من الأصل. وهذا بخلاف الحجّ والواجبات الماليّة كالزكاة والخمس والمظالم والكفّارات ونحوها، فإنّها تخرج من أصل المال، أوصى بها أو لم يوص، إلّا إذا أوصى بأن تخرج من الثلث فتخرج منه، فإن لم يف بها يخرج الزائد من الأصل. وإن أوصى بأن يُقضى عنه الصلاة والصوم ولم يكن له تركة لا يجب على الوصيّ المباشرة أو الاستيجار من ماله. والأحوط للولد - ذكرا كان أو اُنثى - المباشرة لو أوصى إليه بها لو لم تكن حرجا عليه. نعم، يجب على وليّه قضاء ما فات منه إمّا بالمباشرة أو الاستيجار من ماله وإن لم يوص به كما مرّ.
مسألة 2 - لو آجر نفسه لصلاة أو صوم أو حجّ فمات قبل الإتيان به: فإن اشترط عليه المباشرة بطلت الإجارة بالنسبة إلى ما بقي عليه، وتشتغل ذمّته بمال الإجارة إن قبضه، فيخرج من تركته، وإن لم يشترط المباشرة وجب الاستيجار من تركته إن كانت له تركة، وإلّا فلا يجب على الورثة كسائر ديونه مع فقد التركة.
مسألة 3 - يشترط في الأجير أن يكون عارفا بأجزاء الصلاة وشرائطها ومنافياتها وأحكام الخلل وغيرها عن اجتهاد أو تقليد صحيح. نعم، لا يبعد جواز استيجار تارك الاجتهاد والتقليد إذا كان عارفا بكيفيّة الاحتياط وكان محتاطا في عمله.
مسألة 4 - لا يشترط عدالة الأجير، بل يكفي كونه أمينا بحيث يُطمأَنّ بإتيانه على الوجه الصحيح. وهل يعتبر فيه البلوغ فلا يصحّ استيجار الصبيّ المميّز ونيابته وإن علم إتيانه على الوجه الصحيح؟ لا يبعد عدمه وإن كان الأحوط اعتباره.
مسألة 5 - لا يجوز استيجار ذوي الأعذار كالعاجز عن القيام مع وجود غيره، بل لو تجدّد له العجز ينتظر زمان رفعه، وإن ضاق الوقت انفسخت الإجارة، بل الأحوط عدم جواز استيجار ذي الجبيرة ومن كان تكليفه التيمّم.
مسألة 6 - لو حصل للأجير سهو أو شكّ يعمل بحكمه على طبق اجتهاده أو تقليده وإن خالف الميّت؛ كما أنّه يجب عليه أن يأتي بالصلاة على مقتضى تكليفه واعتقاده من اجتهاد أو تقليد لو استؤجر على الإتيان بالعمل الصحيح؛ وإن عيّن له كيفيّة خاصة يرى بطلانه بحسبها فالأحوط له عدم إجارة نفسه له.
مسألة 7 - يجوز استيجار كلّ من الرجل والمرأة للآخر. وفي الجهر والإخفات والتستّر وشرائط اللباس يراعى حال النائب لا المنوب عنه؛ فالرجل يجهر في الجهريّة ولا يستر ستر المرأة وإن كان نائبا عنها، والمرأة مخيّرة في الجهر والإخفات فيها، ويجب عليها الستر بالكيفيّة الّتي لها وإن كانت نائبةً عن الرجل.
مسألة 8 - قد عرفت سابقا أنّ عدم وجوب الترتيب مطلقا في القضاء -خصوصا في ما إذا جهل بكيفيّة الفوت- لا يخلو من قوّة؛ فيجوز استيجار جماعة عن واحد في قضاء صلواته، ولا يجب تعيين الوقت لهم، ويجوز لهم الإتيان في وقت واحد، سيّما مع العلم بجهل الميّت أو الجهل بحاله.
مسألة 9 - لا يجوز للأجير أن يستأجر غيره للعمل بلا إذن من المستأجر. نعم، لو تقبّل العمل من دون أن يؤاجر نفسه له يجوز أن يستأجر غيره له، لكن حينئذٍ لا يجوز أن يستأجره بأقلّ من الاُجرة المجعولة له على الأحوط، إلّا إذا أتى ببعض العمل وإن قلّ.
مسألة 10 - لو عيّن للأجير وقتا ومدّةً ولم يأت بالعمل أو تمامه في تلك المدّة ليس له أن يأتي به بعدها إلّا بإذن من المستأجر؛ ولو أتى به فهو كالمتبرّع لا يستحقّ اُجرة. نعم، لوكان القرار على الإتيان في الوقت المعيّن بعنوان الاشتراط يستحقّ الاُجرة المسمّاة لو تخلّف، وللمستأجر خيار الفسخ لتخلّف الشرط؛ فإن فسخ يرجع إلى الأجير بالاُجرة المسمّاة، وهو يستحقّ اُجرة المثل للعمل.
مسألة 11 - لو تبيّن بعد العمل بطلان الإجارة استحقّ الأجير اُجرة المثل بعمله؛ وكذا إذا فُسخت الإجارة من جهة الغبن أو غيره.
مسألة 12 - لو لم يعيّن كيفيّة العمل من حيث الإتيان بالمستحبّات ولم يكن انصراف يجب الإتيان بالمستحبّات المتعارفة، كالقنوت وتكبيرةالركوع ونحوذلك. - البحث في صلاة الجمعة
- القول في صلاة العيدينالقول في صلاة العيدينالفطر والأضحىوهي واجبة مع حضور الإمام (عليه السلام) وبسط يده واجتماع سائر الشرائط، ومستحبّة في زمان الغيبة. والأحوط إتيانها فرادى في ذلك العصر. ولابأس بإتيانها جماعةً رجاءً، لا بقصد الورود. ووقتها من طلوع الشمس إلى الزوال، ولاقضاء لها لوفاتت. وهي ركعتان في كلّ منهما يقرأ«الحمد» وسورةً. والأفضل أن يقرأ في الاُولى سورة «الشمس» وفي الثانية سورة «الغاشية»، أو في الاُولى سورة «الأعلى» وفي الثانية سورة «الشمس». وبعد السورة في الاُولى خمس تكبيرات وخمسة قنوتات، بعد كلّ تكبيرة قنوت، وفي الثانية أربع تكبيرات وأربعة قنوتات، بعد كلّ تكبيرةٍ قنوت. ويجزي في القنوت كلّ ذكر ودعاء كسائر الصلوات. ولو أتى بما هو المعروف رجاء الثواب لا بأس به وكان حسنا، وهو:
«أَللّهُمّ أَهْلَ الْكِبْرِيَآءِ وَالْعَظَمَةِ، وَأَهْلَ الْجُودِ وَالْجَبَرُوتِ، وَأَهْلَ الْعَفْوِ وَالرّحْمَةِ، وَأَهْلَ التّقْوى وَالْمَغْفِرَةِ، أَسْأَلُكَ بِحَقّ هَذا الْيَوْمِ، أَلّذِي جَعَلْتَهُ لِلْمُسْلِمينَ عِيدا، وَلِمُحَمّدٍ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ذُخْرا وَشَرَفا، وَكَرَامَةً وَمَزِيدا، أَنْ تُصَلّيَ عَلَى مُحَمّدٍ وَآلِ مُحَمّدٍ، وَأَنْ تُدْخِلَنِي فِي كُلّ خَيْرٍ أَدْخَلْتَ فِيهِ مُحَمّدا وَآلَ مُحَمّدٍ، وَأَنْ تُخْرِجَنِي مِنْ كُلّ سُوءٍ أَخْرَجْتَ مِنْهُ مُحَمّدا وَآلَ مُحَمّدٍ، صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ، أَللّهُمّ إِنّي أَسْأَلُكَ بِهِ خَيْرَ مَا سَأَلَكَ بِهِ عِبَادُكَ الصّالِحُونَ، وَأَعُوذُبِكَ مِمّا اسْتَعَاذَ مِنْهُ عِبَادُكَ الْمُخْلَصُونَ».
ولو صلّى جماعةً رجاءً يأتي بخطبتين بعدها رجاءً أيضا. ويجوز تركهما في زمان الغيبة. ويستحبّ فيها الجهر للإمام والمنفرد، ورفع اليدين حال التكبيرات، والإصحار بها إلّا في مكّة. ويكره أن يصلّي تحت السقف.
مسألة 1 - لا يتحمّل الإمام فيها ما عدا القراءة كسائر الجماعات.
مسألة 2 - لو شكّ في التكبيرات أو القنوتات وهو في المحلّ بنى على الأقلّ.
مسألة 3 - لو أتى بموجب سجود السهو فيها فالأحوط الإتيان رجاءً وإن كان عدم وجوبه في صورة استحبابها لا يخلو من قوّة. وكذا الحال في قضاء التشهّد والسجدة المنسيّين.
مسألة 4 - ليس في هذه الصلاة أذان ولا إقامة. نعم، يستحبّ أن يقول المؤذّن: «الصلاة» ثلاثا. - القول في بعض الصلوات المندوبة
- فصل في صلاة المسافر
- فصل في صلاة الجماعة
-
- كتاب الصوم
- كتاب الزكاة
- كتاب الخمس
- كتاب الحج
- كتاب الامر بالمعروف والنهى عن المنكر
- كتاب المكاسب والمتاجر
كتاب المكاسب والمتاجر
وهي أنواع كثيرة نذكر جلّها والمسائل المتعلّقة بها في طيّ كتب
مقدّمة تشتمل على مسائلمسألة 1 - لايجوز التكسّب بالأعيان النجسة بجميع أنواعها على إشكال في العموم؛ لكن لايترك الاحتياط فيها بالبيع والشراء وجعلها ثمنا في البيع، واُجرةً في الإجارة، وعوضا للعمل في الجعالة، بل مطلق المعاوضة عليها ولو بجعلها مهرا أو عوضا في الخلع ونحو ذلك؛ بل لايجوز هبتها والصلح عليها بلا عوض؛ بل لايجوز التكسّب بها ولو كانت لها منفعة محلّلة مقصودة، كالتسميد في العذرة. ويستثنى من ذلك العصير المغليّ قبل ذهاب ثلثيه بناءً على نجاسته، والكافر بجميع أقسامه حتّى المرتدّ عن فطرة على الأقوى، وكلب الصيد بل والماشية والزرع والبستان والدور.
مسألة 2 - الأعيان النجسة عدا ما استثني وإن لم يعامل معها شرعا معاملة الأموال لكن لمن كانت هي في يده وتحت استيلائه حقّ اختصاص متعلّق بها ناشئ إمّا من حيازتها أو من كون أصلها مالا له ونحو ذلك، كما إذا مات حيوان له فصار ميتة أو صار عنبه خمرا. وهذا الحقّ قابل للانتقال إلى الغير بالإرث وغيره. ولا يجوز لأحد التصرّف فيها بلا إذن صاحب الحقّ، فيصحّ أن يصالح عليه بلاعوض، لكن جعله عوضا لايخلو من إشكال، بل لايبعد دخوله في الاكتساب المحظور. نعم، لو بذل له مالا ليرفع يده عنها ويعرض فيحوزها الباذل سلم من الإشكال، نظير بذل المال لمن سبق إلى مكان من الأمكنة المشتركة - كالمسجد والمدرسة - ليرفع يده عنه فيسكن الباذل.
مسألة 3 - لا إشكال في جواز بيع مالا تحلّه الحياة من أجزاء الميتة ممّا كانت له منفعة محلّلة مقصودة، كشعرها وصوفها بل ولبنها إن قلنا بطهارته. وفي جواز بيع الميتة الطاهرة - كالسمك ونحوه - إذا كانت له منفعة ولو من دهنه إشكال لايترك الاحتياط.
مسألة 4 - لا إشكال في جواز بيع الأرواث إذا كانت لها منفعة. وأمّا الأبوال الطاهرة فلا إشكال في جواز بيع بول الإبل؛ وأمّا غيره ففيه إشكال، لا يبعد الجواز لو كانت له منفعة محلّلة مقصودة.
مسألة 5 - لا إشكال في جواز بيع المتنجّس القابل للتطهير؛ وكذا غير القابل له إذا جاز الانتفاع به مع وصف نجاسته في حال الاختيار، كالدهن المتنجّس الّذي يمكن الانتفاع به بالإسراج وطلي السفن، والصبغ والطين المتنجّسين، والصابون ونحو ذلك. وأمّا ما لا يقبل التطهير وكان جواز الانتفاع به متوقّفا على طهارته -كالسكنجبين النجس ونحوه - فلايجوز بيعه والمعاوضة عليه.
مسألة 6 - لا بأس ببيع الترياق المشتمل على لحوم الأفاعي مع عدم ثبوت أنّها من ذوات الأنفس السائلات،ومع استهلاكها فيه - كما هوالغالب بل المتعارف- جاز استعماله وينتفع به. وأمّا المشتمل على الخمر فلا يجوز بيعه، لعدم قابليّته للتطهير، وعدمِ حلّيّة الانتفاع به مع وصف النجاسة حال الاختيار، الّذي هو المدار لا الجواز عند الاضطرار.
مسألة 7 - يجوز بيع الهرّة ويحلّ ثمنها بلا إشكال. وأمّا غيرها من أنواع السباع فالظاهر جوازه إذا كان ذامنفعة محلّلة مقصودة عند العقلاء. وكذإ؛لاء ظظ الحشرات بل المسوخ أيضا إذا كانت كذلك. فهذا هو المدار في جميع الأنواع، فلاإشكال في بيع العلق - الّذي يمصّ الدم الفاسد - ودود القزّ ونحل العسل وإن كانت من الحشرات، وكذا الفيل الّذي ينتفع بظهره وعظمه وإن كان من المسوخ.
مسألة 8 - يحرم بيع كلّ ما كان آلة للحرام بحيث كانت منفعته المقصودة منحصرةً فيه مثل آلات اللهو كالعيدان والمزامير والبرابط ونحوها، وآلات القمار كالنرد والشطرنج ونحوهما. وكما يحرم بيعها وشراؤها يحرم صنعتها والاُجرة عليها، بل يجب كسرها وتغيير هيئتها. نعم، يجوز بيع مادّتها من الخشب والصفر -مثلا- بعد الكسر، بل قبله أيضا إذا اشترط على المشتري كسرها، أو بيع المادّة ممّن يثق به أنّه يكسرها. ومع عدم ما ذكر ففيه إشكال. ويجوز بيع أواني الذهب والفضّة للتزيين والاقتناء.
مسألة 9 - الدراهم الخارجة عن الاعتبار أو المغشوشة المعمولة لأجل غشّ الناس تحرم المعاملة بها وجعلها عوضا أو معوّضا في المعاملات مع جهل من تدفع إليه، بل مع علمه واطّلاعه أيضا على الأحوط لو لم يكن الأقوى، إلّا إذا وقعت المعاملة على مادّتها واشترط على المتعامل كسرها أو كان موثوقا به في الكسر، إذ لايبعد وجوب إتلافها ولو بكسرها، دفعا لمادّة الفساد.
مسألة 10 - يحرم بيع العنب والتمر ليعمل خمرا، والخشب - مثلا - ليعمل صنما أو آلةً للّهو أو القمار ونحو ذلك؛ وذلك إمّا بذكر صرفه في المحرّم والالتزام به في العقد، أو تواطئهما على ذلك، ولو بأن يقول المشتري لصاحب العنب مثلا: «بعني منّا من العنب لأعمله خمرا» فباعه. وكذا تحرم إجارة المساكن ليباع ويحرز فيها الخمر، أو ليُعمل فيها بعض المحرّمات، وإجارة السفن أو الحمولة لحمل الخمر وشبهها بأحد الوجهين المتقدّمين. وكما يحرم البيع والإجارة في ما ذكر يفسدان أيضا، فلا يحلّ له الثمن والاُجرة. وكذا بيع الخشب لمن يعلم أنّه يجعله صليبا أو صنما؛ بل وكذا بيع العنب والتمر والخشب ممّن يعلم أنّه يجعلها خمرا وآلة للقمار والبرابط، وإجارة المساكن لمن يعلم أنّه يعمل فيها ما ذكر أو يبيعها وأمثال ذلك في وجه قويّ. والمسألة من جهة النصوص مشكلة جدّا، والظاهر أنّها معلّلة.
مسألة 11 - يحرم بيع السلاح من أعداء الدين حال مقاتلتهم مع المسلمين، بل حال مباينتهم معهم بحيث يخاف منهم عليهم. وأمّا في حال الهدنة معهم أو زمان وقوع الحرب بين أنفسهم ومقاتلة بعضهم مع بعض فلابدّ في بيعه من مراعاة مصالح الإسلام والمسلمين ومقتضيات اليوم، والأمر فيه موكول إلى نظر والي المسلمين، وليس لغيره الاستبداد بذلك. ويلحق بالكفّار من يعادي الفرقة الحقّة من سائر الفرق المسلمة. ولا يبعد التعدّي الى قطّاع الطريق وأشباههم؛ بل لايبعد التعدّي من بيع السلاح إلى بيع غيره لهم ممّا يكون سببا لتقويتهم على أهل الحقّ، كالزاد والراحلة والحمولة ونحوها.
مسألة 12 - يحرم تصوير ذوات الأرواح من الإنسان والحيوان إذا كانت الصورة مجسّمةً، كالمعمولة من الأحجار والفلزّات والأخشاب ونحوها. والأقوى جوازه مع عدم التجسيم وإن كان الأحوط تركه. ويجوز تصوير غير ذوات الأرواح كالأشجار والأوراد ونحوها ولو مع التجسيم. ولا فرق بين أنحاء التصوير من النقش والتخطيط والتطريز والحكّ وغير ذلك. ويجوز التصوير المتداول في زماننا بالآلات المتداولة، بل الظاهر أنّه ليس من التصوير. وكما يحرم عمل التصوير من ذوات الأرواح مجسّمةً يحرم التكسّب به وأخذ الاُجرة عليه. هذا كلّه في عمل الصور. وأمّا بيعها واقتناؤها واستعمالها والنظر إليها فالأقوى جواز ذلك كلّه حتّى المجسّمات. نعم، يكره اقتناؤها وإمساكها في البيت.
مسألة 13 - الغناء حرام فعله وسماعه والتكسّب به. وليس هو مجرّد تحسين الصوت، بل هو مدّه وترجيعه بكيفيّة خاصّة مطربة تناسب مجالس اللهو ومحافل الطرب وآلات اللهو والملاهي. ولا فرق بين استعماله في كلام حقّ - من قراءة القرآن والدعاء والمرثية - وغيره من شعر أو نثر، بل يتضاعف عقابه لو استعمله في ما يطاع به اللّه تعالى. نعم، قد يستثنى غناء المغنيّات في الأعراس، وهو غير بعيد. ولا يترك الاحتياط بالاقتصار على زفّ العرائس والمجلس المعدّ له مقدّما ومؤخّرا، لا مطلق المجالس، بل الأحوط الاجتناب مطلقا.
مسألة 14 - معونة الظالمين في ظلمهم بل في كلّ محرّم حرام بلا إشكال؛ بل ورد عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «من مشى إلى ظالم ليعينه وهو يعلم أنّه ظالم فقد خرج من الإسلام». وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): «إذا كان يوم القيامة ينادي مناد: أين الظلمة وأعوان الظلمة حتّى من برى لهم قلما ولاق لهم دواةً؟ قال: فيجتمعون في تابوت من حديد ثمّ يرمى بهم في جهنّم». وأمّا معونتهم في غير المحرّمات فالظاهر جوازها مالم يعدّ من أعوانهم وحواشيهم والمنسوبين إليهم ولم يكن اسمه مقيّدا في دفترهم وديوانهم ولم يكن ذلك موجبا لازدياد شوكتهم وقوّتهم.
مسألة 15 - يحرم حفظ كتب الضلال ونسخها وقراءتها ودرسها وتدريسها إن لم يكن غرض صحيح في ذلك، كأن يكون قاصدا لنقضها وإبطالها وكان أهلا لذلك ومأمونا من الضلال. وأمّا مجرّد الاطّلاع على مطالبها فليس من الأغراض الصحيحة المجوّزة لحفظها لغالب الناس من العوامّ الّذين يخشى عليهم الضلال والزلل، فاللازم على أمثالهم التجنّب عن الكتب المشتملة على ما يخالف عقائد المسلمين، خصوصا ما اشتمل منها على شبهات ومغالطات عجزوا عن حلّها ودفعها، ولا يجوز لهم شراؤها وإمساكها وحفظها، بل يجب عليهم إتلافها.
مسألة 16 - عمل السحر وتعليمه وتعلّمه والتكسّب به حرام. والمراد به ما يعمل من كتابة أو تكلّم أو دخنة أو تصوير أو نفث أو عقد ونحو ذلك يؤثّر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله، فيؤثّر في إحضاره أو إنامته أو إغمائه أو تحبيبه أو تبغيضه ونحو ذلك.
ويلحق بذلك استخدام الملائكة وإحضار الجنّ وتسخيرهم وإحضار الأرواح وتسخيرها وأمثال ذلك. بل يلحق به أو يكون منه الشعبذة، وهي إراءة غير الواقع واقعا بسبب الحركة السريعة.
وكذلك الكهانة. وهي تعاطي الأخبار عن الكائنات في مستقبل الزمان، بزعم أنّه يلقي إليه الأخبار عنها بعض الجانّ، أو بزعم أنّه يعرف الاُمور بمقدّمات وأسباب يستدلّ بها على مواقعها.
والقيافة. وهي الاستناد إلى علامات خاصّة في إلحاق بعض الناس ببعض وسلب بعض عن بعض، على خلاف ما جعله الشارع ميزانا للإلحاق وعدمه من الفراش وعدمه.
والتنجيم. وهو الإخبار على البتّ والجزم عن حوادث الكون من الرخص والغلاء والجدب والخصب وكثرة الأمطار وقلّتها وغير ذلك من الخير والشرّ والنفع والضرر، مستندا الى الحركات الفلكيّة والنظرات والاتّصالات الكوكبيّة، معتقدا تأثيرها في هذا العالم على نحو الاستقلال أو الاشتراك مع اللّه - تعالى عمّا يقول الظالمون - دون مطلق التأثير ولو بإعطاء اللّه تعالى إيّاها إذا كان عن دليل قطعيّ. وليس منه الإخبار عن الخسوف والكسوف والأهلّة واقتران الكواكب وانفصالها بعد كونه ناشئا عن اُصول وقواعد سديدة. والخطأ الواقع منهم أحيانا ناشئ من الخطأ في الحساب وإعمال القواعد، كسائر العلوم.
مسألة 17 - يحرم الغشّ بما يخفى في البيع والشراء، كشوب اللبن بالماء، وخلط الطعام الجيّد بالردي ء، ومزج الدهن بالشحم أو بالدهن النباتيّ، ونحو ذلك، من دون إعلام. ولا يفسد المعاملة به وإن حرم فعله وأوجب الخيار للطرف بعد الاطّلاع. نعم، لو كان الغشّ بإظهار الشي ء على خلاف جنسه - كبيع المموّه على أنّه ذهب أو فضّة ونحو ذلك - فسد أصل المعاملة.
مسألة 18 - يحرم أخذ الاُجرة على ما يجب عليه فعله عينا، بل ولو كفائيّا على الأحوط فيه، كتغسيل الموتى وتكفينهم ودفنهم. نعم، لو كان الواجب توصّليّا -كالدفن- ولم يبذل المال لأجل أصل العمل بل لاختيار عمل خاصّ لابأس به. فالمحرّم أخذ الاُجرة لأصل الدفن. وأمّا لو اختار الوليّ مكانا خاصّا وقبرا مخصوصا وأعطى المال لحفر ذلك المكان الخاصّ فالظاهر أنّه لابأس به. كما لابأس بأخذ الطبيب الاُجرة للحضور عند المريض وإن أشكل أخذها لأصل المعالجة وإن كان الأقوى جوازه. ولو كان العمل تعبّديّا يشترط فيه التقرّب -كالتغسيل- فلا يجوز أخذها عليه على أيّ حال. نعم، لابأس بأخذها على بعض الاُمور غير الواجبة كما تقدّم في غسل الميّت. وممّا يجب على الإنسان تعليم مسائل الحلال والحرام، فلا يجوز أخذها عليه. وأمّا تعليم القرآن فضلا عن غيره من الكتابة وقراءة الخطّ وغير ذلك فلا بأس بأخذها عليه. والمراد بالواجبات المذكورة ما وجب على نفس الأجير. وأمّا ما وجب على غيره ولا يعتبر فيه المباشرة فلا بأس بأخذ الاُجرة عليه حتّى في العبادات الّتي يشرع فيها النيابة، فلابأس بالاستيجار للأموات في العبادات كالحجّ والصوم والصلاة.
مسألة 19 - يكره اتّخاذ بيع الصرف والأكفان والطعام حرفةً؛ وكذا بيع الرقيق، فإنّ شرّ الناس من باع الناس؛ وكذا اتّخاذ الذبح والنحر صنعةً؛ وكذا صنعة الحياكة والحجامة؛ وكذا التكسّب بضراب الفحل، بأن يؤاجره لذلك مع ضبطه بالمرّة والمرّات المعيّنة أو بالمدّة أو بغير الإجارة. نعم، لابأس بأخذ الهديّة والعطيّة لذلك.
مسألة 20 - لاريب في أنّ التكسّب وتحصيل المعيشة بالكدّ والتعب محبوب عنداللّه تعالى؛ وقد ورد عن النبى(صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة (عليهم السلام): الحثّ والترغيب عليه مطلقا، وعلى خصوص التجارة والزراعة واقتناء الأغنام والبقر روايات كثيرة. نعم، ورد النهي عن إكثار الإبل.
مسألة 21 - يجب على كلّ من يباشر التجارة وسائر أنواع التكسّب تعلّم أحكامها والمسائل المتعلّقة بها ليعرف صحيحها عن فاسدها، ويسلم من الربا. والقدر اللازم أن يكون عالما - ولو عن تقليد - بحكم التجارة والمعاملة الّتي يوقعها حين إيقاعها، بل ولو بعد إيقاعها إذا كان الشكّ في الصحّة والفساد فقط؛ وأمّا إذا اشتبه حكمها من جهة الحرمة والحلّيّة - لامن جهة مجرّد الصحّة والفساد - يجب الاجتناب عنها، كموارد الشكّ في أنّ المعاملة ربويّة، بناءً على حرمة نفس المعاملة أيضا، كما هو كذلك على الأحوط.
مسألة 22 - للتجارة والتكسّب آداب مستحبّة ومكروهة:
أمّا المستحبّة فأهمّها: الإجمال في الطلب والاقتصاد فيه، بحيث لايكون مضيّعا ولا حريصا.
ومنها: إقالة النادم في البيع والشراء لو استقاله.
ومنها: التسوية بين المتبايعين في السعر، فلا يفرق بين المماكس وغيره بأن يقلّل الثمن للأوّل ويزيده للثاني. نعم، لابأس بالفرق بسبب الفضل والدين ونحو ذلك ظاهرا.
ومنها: أن يقبض لنفسه ناقصا ويعطي راجحا.
وأمّا المكروهة فاُمور:
منها: مدح البائع لمتاعه.
ومنها: ذمّ المشتري لما يشتريه.
ومنها: اليمين صادقا على البيع والشراء.
ومنها: البيع في موضع يستتر فيه العيب.
ومنها: الربح على المؤمن إلّا مع الضرورة، أو كان الشراء للتجارة، أو كان اشتراؤه للمتاع أكثر من مائة درهم، فإنّ ربح قوت اليوم منه غير مكروه.
ومنها: الربح على من وعده بالإحسان إلّا مع الضرورة.
ومنها: السوم ما بين الطلوعين.
ومنها: الدخول في السوق أوّلا والخروج منه آخرا.
ومنها: مبايعة الأدنين الّذين لايبالون بما قالوا وما قيل لهم.
ومنها: التعرّض للكيل أو الوزن أو العدّ أو المساحة إذا لم يحسنه.
ومنها: الاستحطاط من الثمن بعد العقد.
ومنها: الدخول فى سوم المؤمن على الأظهر، وقيل بالحرمة. ولا يكون منه الزيادة في ما إذا كان المبيع في المزايدة.
ومنها: تلقّي الركبان والقوافل واستقبالهم للبيع عليهم أو الشراء منهم قبل وصولهم إلى البلد. وقيل: يحرم وإن صحّ البيع والشراء، وهو الأحوط وإن كان الأظهر الكراهة. وإنّما يكره بشروط: أحدها: كون الخروج بقصدذلك. ثانيها: تحقّق مسمّى الخروج من البلد. ثالثها: أن يكون دون الأربعة فراسخ؛ فلو تلقّى في الأربعة فصاعدا لم يثبت الحكم، بل هو سفر تجارة. والأقوى عدم اعتبار كون الركب جاهلا بسعر البلد. وهل يعمّ الحكم غير البيع والشراء كالإجارة ونحوها؟ وجهان.
مسألة 23 - يحرم الاحتكار. وهو حبس الطعام وجمعه يتربّص به الغلاء مع ضرورة المسلمين وحاجتهم وعدم وجود من يبذلهم قدر كفايتهم. نعم، مجرّد حبس الطعام انتظارا لعلوّ السعر مع عدم ضرورة الناس ووجود الباذل ليس بحرام وإن كان مكروها. ولو حبسه في زمان الغلاء لصرفه في حوائجه لا للبيع فلا حرمة فيه ولا كراهة. والأقوى عدم تحقّقه إلّا في الغلّات الأربع والسمن والزيت. نعم، هو أمر مرغوب عنه في مطلق ما يحتاج إليه الناس، لكن لايثبت لغير ما ذكر أحكام الاحتكار. ويُجبر المحتكر على البيع؛ ولا يعيّن عليه السعر على الأحوط، بل له أن يبيع بما شاء إلّا إذا أجحف، فيجبر على النزول من دون تسعير عليه، ومع عدم تعيينه يعيّن الحاكم بما يرى المصلحة.
مسألة 24 - لايجوز مع الاختيار الدخول في الولايات والمناصب والأشغال من قبل الجائر وإن كان أصل الشغل مشروعا مع قطع النظر عن تولّيه من قبله، كجباية الخراج، وجمع الزكاة، وتولّي المناصب الجنديّة والأمنيّة، وحكومة البلاد ونحو ذلك، فضلا عمّا كان غير مشروع في نفسه، كأخذ العشور والمُكُوس وغير ذلك من أنواع الظلم المبتدعة. نعم، يسوغ كلّ ذلك مع الجبر والإكراه، بإلزام من يُخشى من التخلّف عن إلزامه على نفسه أو عرضه أو ماله المعتدّ به، إلّا في الدماء المحترمة، بل في إطلاقه بالنسبة إلى تولّي بعض أنواع الظلم - كهتك أعراض طائفة من المسلمين، ونهب أموالهم، وسبي نسائهم، وإيقاعهم في الحرج - مع خوفه على عرضه ببعض مراتبه الضعيفة، أو على ماله إذا لم يقع في الحرج، بل مطلقا في بعضها إشكال بل منع. ويسوّغ خصوص القسم الأوّل - وهو الدخول في الولاية على أمر مشروع في نفسه - القيام بمصالح المسلمين وإخوانه في الدين؛ بل لو كان دخوله فيها بقصد الإحسان إلى المؤمنين ودفع الضرر عنهم كان راجحا؛ بل ربما بلغ الدخول في بعض المناصب والأشغال لبعض الأشخاص أحيانا إلى حدّ الوجوب، كما إذا تمكّن شخص بسببه من دفع مفسدة دينيّة أو المنع عن بعض المنكرات الشرعيّة مثلا، ومع ذلك فيها خطرات كثيرة إلّا لمن عصمه اللّه تعالى.
مسألة 25 - ما يأخذه الحكومة من الضريبة على الأراضي مع شرائطها - جنسا أو نقدا - وعلى النخيل والأشجار يعامل معها معاملة ما يأخذه السلطان العادل، فيبرأ ذمّة الدافع عمّا كان عليه من الخراج الّذي هو اُجرة الأرض الخراجيّة. ويجوز لكلّ أحد شراؤه وأخذه مجّانا وبالعوض، والتصرّف فيه بأنواع التصرّف؛ بل لو لم يأخذه الحكومة وحوّل شخصا على من عليه الخراج بمقدار فدفعه إلى المحتال يحلّ له، وتبرأ ذمّة المحال عليه عمّا عليه؛ لكنّ الأحوط - خصوصا في مثل هذه الأزمنة - رجوع من ينتفع بهذه الأراضي ويتصرّف فيها في أمر خراجها وكذلك من يصل إليه من هذه الأموال شي ء إلى حاكم الشرع أيضا. والظاهر أنّ حكم السلطان المؤالف كالمخالف، وإن كان الاحتياط بالرجوع إلى الحاكم في الأوّل أشدّ.
مسألة 26 - يجوز لكلّ أحد أن يتقبّل الأراضي الخراجيّة، ويضمنها من الحكومة بشي ء، وينتفع بها بنفسه بزرع أو غرس أو غيره، أو يقبلها ويضمنها لغيره ولو بالزيادة، على كراهيّة في هذه الصورة، إلّا أن يحدث فيها حدثا كحفر نهر أو عمل فيها بما يُعين المستأجر، بل الأحوط ترك التقبيل بالزيادة إلّا معه. - كتاب البيع
- كتاب الشفعة
كتاب الشفعة
مسألة 1 - لو باع أحد الشريكين حصّته من شخص أجنبيّ فللشريك الآخر مع اجتماع الشروط الآتية حقّ أن يتملّكها وينتزعها من المشتري بما بذله من الثمن، ويسمّى هذا الحقّ بالشفعة وصاحبه بالشفيع.
مسألة ۲ - لا إشكال في ثبوت الشفعة في كلّ ما لا يُنقل إن كان قابلا للقسمة، كالأراضي والبساتين والدور ونحوها. وفي ثبوتها في ما يُنقل كالثياب والمتاع والسفينة والحيوان وفي ما لاينقل إن لم يكن قابلا للقسمة - كالضيّقة من الأنهار والطرق والآبار وغالب الأرحية والحمّامات وكذا الشجر والنخيل والثمار على النخيل والأشجار - إشكال، فالأحوط للشريك عدم الأخذ بالشفعة إلّا برضا المشتري، وللمشتري إجابة الشريك إن أخذ بها.
مسألة ۳ - إنّما تثبت الشفعة في بيع حصّة مشاعة من العين المشتركة، فلاشفعة بالجوار؛ فلو باع شخص داره أو عقاره ليس لجاره الأخذ بالشفعة؛ وكذا ليست في العين المقسومة إذا باع أحد الشريكين حصّته المفروزة، إلّا إذا كانت دارا قد قسمت بعد اشتراكها أو كانت من أوّل الأمر مفروزةً ولها طريق مشترك فباع أحد الشريكين حصّته المفروزة من الدار، فتثبت الشفعة للآخر إذا بيعت مع طريقها؛ بخلاف ما إذا بقي الطريق على الاشتراك بينهما، فلا شفعة حينئذٍ في بيع الحصّة. وفي إلحاق الاشتراك في الشرب - كالبئر والنهر والساقية - بالاشتراك في الطريق إشكال، لايترك الاحتياط في المسألة المتقدّمة فيه؛ وكذا في إلحاق البستان والأراضي مع اشتراك الطريق بالدار، فلا يترك فيها أيضا.
مسألة 4 - لو باع شيئا وشِقصا من دار أو باع حصّةً مفروزةً من دار مع حصّة مشاعة من اُخرى صفقةً واحدةً كان للشريك الشفعة في الحصّة المشاعة بحصّتها من الثمن وإن كان الأحوط تحصيل المراضاة بما مرّ.
مسألة 5 - يشترط في ثبوت الشفعة انتقال الحصّة بالبيع؛ فلو انتقلت بجعلها صداقا أو فديةً للخلع أو بالصلح أو الهبة فلا شفعة.
مسألة 6 - إنّما تثبت الشفعة لو كانت العين بين شريكين؛ فلا شفعة إذا كانت بين ثلاثة وما فوقها، من غير فرق على الظاهر بين أن يكون البائع اثنين من ثلاثة -مثلا- فكان الشفيع واحدا وبالعكس. نعم، لو باع أحد الشريكين حصّته من اثنين -مثلا- دفعةً أو تدريجا فصارت العين بين ثلاثة بعد البيع لا مانع من الشفعة للشريك الآخر، فهل له التبعيض - بأن يأخذ بها بالنسبة إلى أحد المشتريين ويترك الآخر - أولا؟ وجهان بل قولان، لا يخلو أوّلهما من قوّة.
مسألة 7 - لو كانت الدار مشتركةً بين الطلق والوقف وبيع الطلق لم يكن للموقوف عليه - ولو كان واحدا - ولا لوليّ الوقف شفعة، بل لو بيع الوقف في صورة صحّة بيعه فثبوتها لذي الطلق محلّ إشكال. والأقوى عدم ثبوتها لو كان الوقف على أشخاص بأعيانهم وكانوا متعدّدين.
مسألة 8 - يعتبر في ثبوت الشفعة كون الشفيع قادرا على أداء الثمن؛ فلا شفعة للعاجز عنه وإن أتى بالضامن أو الرهن، إلّا أن يرضى المشتري بالصبر. بل يعتبر فيه إحضار الثمن عند الأخذ بها. ولو اعتذر بأنّه في مكان آخر فذهب ليحضره: فإن كان في البلد ينتظر ثلاثة أيّام، وإن كان في بلد آخر ينتظر بمقدار يمكن بحسب العادة نقل المال من ذلك بزيادة ثلاثة أيّام إذا لم يكن ذلك البلد بعيدا جدّا يتضرّر المشتري بتأجيله، فإن لم يحضر الثمن في تلك المدّة فلا شفعة له.
مسألة 9 - يشترط في الشفيع الإسلام إن كان المشتري مسلما؛ فلا شفعة للكافر على المسلم وإن اشتراه من كافر. وتثبت للكافر على مثله، وللمسلم على الكافر.
مسألة 10 - تثبت الشفعة للغائب، فله الأخذ بها بعد اطّلاعه على البيع ولو بعد زمان طويل. ولو كان له وكيل مطلق أو في الأخذ بها واطّلع هو على البيع دون موكّله له أن يأخذ بالشفعة له.
مسألة 11 - تثبت الشفعة للسفيه وإن لم ينفذ أخذه بها إلّا بإذن الوليّ أو إجازته في مورد حجره. وكذا تثبت للصغير والمجنون وإن كان المتولّي للأخذ بها عنهما وليّهما. نعم، لو كان الوليّ الوصيّ ليس له ذلك إلّا مع الغبطة والمصلحة؛ بخلاف الأب والجدّ، فإنّه يكفي فيهما عدم المفسدة، لكن لاينبغي لهما ترك الاحتياط بمراعاة المصلحة. ولو ترك الوليّ الأخذ بها عنهما إلى أن كملا فلهما أن يأخذا بها.
مسألة 12 - إذا كان الوليّ شريكا مع المولّى عليه فباع حصّته من أجنبيّ أو الوكيل المطلق كان شريكا مع موكّله فباع حصّة موكّله من أجنبيّ ففي ثبوت الشفعة لهما إشكال، بل عدمه لايخلو من وجه.
مسألة 13 - الأخذ بالشفعة إمّا بالقول، كأن يقول: «أخذت بالشفعة» أو «تملّكت الحصّة الكذائيّة» ونحو ذلك ممّا يفيد إنشاء تملّكه وانتزاع الحصّة المبيعة لأجل ذلك الحقّ، وإمّا بالفعل بأن يدفع الثمن ويأخذ الحصّة، بأن يرفع المشتري يده عنها ويخلّي بين الشفيع وبينها. ويعتبر دفع الثمن عند الأخذ بها قولا أو فعلا، إلّا إذا رضي المشتري بالتأخير. نعم، لو كان الثمن مؤجّلا فالظاهر أنّه يجوز له أن يأخذ بها ويتملّك الحصّة عاجلا، ويكون الثمن عليه إلى وقته؛ كما أنّه يجوز له الأخذ بها وإعطاء الثمن عاجلا، بل يجوز التأخير في الأخذ والإعطاء إلى وقته، لكنّ الأحوط الأخذ بها عاجلا.
مسألة 14 - ليس للشفيع تبعيض حقّه، بل إمّا أن يأخذ الجميع أو يدع.
مسألة 15 - الّذي يلزم على الشفيع - عند أخذه بالشفعة - دفع مثل الثمن الّذي وقع عليه العقد، سواء كانت قيمة الشقص أقلّ أو أكثر. ولا يلزم عليه دفع ما غرمه المشتري من المُؤَن كاُجرة الدلّال ونحوها، ولا دفع ما زاد المشتري على الثمن وتبرّع به للبائع بعد العقد؛ كما أنّه لو حطّ البائع بعد العقد شيئا من الثمن ليس له تنقيص ذلك المقدار.
مسألة 16 - لو كان الثمن مثليّا - كالذهب والفضّة ونحوهما - يلزم على الشفيع دفع مثله، وأمّا لو كان قيميّا - كالحيوان والجواهر والثياب ونحوها - ففي ثبوت الشفعة ولزوم أداء قيمته حين البيع أو عدم ثبوتها أصلًا وجهان بل قولان، ثانيهما هوالأقوى.
مسألة 17 - لو اطّلع الشفيع على البيع فله المطالبة في الحال، وتبطل شفعته بالمماطلة والتأخير بلا داعٍ عقلائيّ وعذر عقليّ أو شرعيّ أو عاديّ ؛ بخلاف ما إذا كان عدم الأخذ بها لعذر. ومن الأعذار عدم اطّلاعه على البيع وإن أخبر به غير من يوثق به. وكذا جهله باستحقاق الشفعة أو عدم جواز تأخير الأخذ بها بالمماطلة. بل من ذلك لو ترك الأخذ لتوهّمه كثرة الثمن فبان خلافه، أو كونه نقدا يصعب عليه تحصيله كالذهب فبان خلافه، وغير ذلك.
مسألة 18 - الشفعة من الحقوق تسقط بإسقاط الشفيع، بل لو رضي بالبيع من الأجنبيّ من أوّل الأمر أو عرض عليه شراء الحصّة فأبى لم تكن له شفعة من الأصل. وفي سقوطها بإقالة المتبايعين أو ردّ المشتري إلى البائع بعيب أو غيره وجه وجيه.
مسألة 19 - لو تصرّف المشتري في ما اشتراه: فإن كان بالبيع كان للشفيع الأخذ من المشتري الأوّل بما بذله من الثمن فيبطل الشراء الثاني، وله الأخذ من الثاني بما بذله فيصحّ الأوّل؛ وكذا لو زادت البيوع على اثنين فله الأخذ من الأوّل بما بذله فتبطل البيوع اللاحقة، وله الأخذ من الأخير فتصحّ البيوع المتقدّمة، وله الأخذ من الوسط فيصحّ ما تقدّم ويبطل ما تأخّر. وكذا إن كان بغير البيع كالوقف وغير ذلك، فله الأخذ بالشفعة وإبطال ما وقع من المشتري. ويحتمل أن تكون صحّتها مراعاةً بعدم الأخذ بها، وإلّا فهي باطلة من الأصل، وفيه تردّد.
مسألة 20 - لو تلفت الحصّة المشتراة بالمرّة بحيث لم يبق منها شي ء أصلًا سقطت الشفعة. ولو كان ذلك بعد الأخذ بها وكان التلف بفعل المشتري أو بغير فعله مع المماطلة في التسليم بعد الأخذ بها بشروطه ضمنه. وأمّا لو بقي منها شي ء كالدار إذا انهدمت وبقيت عرصتها وأنقاضها أو عابت لم تسقط، فله الأخذ بها وانتزاع ما بقي منها من العرصة والأنقاض - مثلاً - بتمام الثمن من دون ضمان على المشتري. ولو كان ذلك بعد الأخذ بها ضمن قيمة التالف أو أرش العيب إذا كان بفعله، بل أو بغير فعله مع المماطلة كما تقدّم.
مسألة 21 - يشترط في الأخذ بالشفعة علم الشفيع بالثمن حين الأخذ على الأحوط لو لم يكن الأقوى؛ فلو قال: «أخذت بالشفعة بالثمن بالغا ما بلغ» لم يصحّ وإن علم بعد ذلك.
مسألة 22 - الشفعة موروثة على إشكال. وكيفيّة إرثها أنّه عند أخذ الورثة بها يقسّم المشفوع بينهم على ما فرض اللّه في المواريث، فلو خلّف زوجةً وابنا فالثمن لها والباقي له، ولو خلّف ابنا وبنتا فللذكر مثل حظّ الاُنثيين. وليس لبعض الورثة الأخذ بها ما لم يوافقه الباقون. ولو عفا بعضهم وأسقط حقّه ففي ثبوتها لمن لم يعف إشكال.
مسألة 23 - لوباع الشفيع نصيبه قبل الأخذ بالشفعة فالظاهر سقوطها، خصوصا إذا كان بعد علمه بها.
مسألة 24 - يصحّ أن يصالح الشفيع المشتري عن شفعته بعوض وبدونه، ويكون أثره سقوطها، فلا يحتاج إلى إنشاء مسقط. ولو صالحه على إسقاطه أو على ترك الأخذ بها صحّ أيضا ولزم الوفاء به. ولو لم يوجد المسقط وأخذ بها فهل يترتّب عليه أثره وإن أثم في عدم الوفاء بما التزم أو لا أثر له؟ وجهان، أوجههما أوّلهما في الأوّل، بل في الثاني أيضا إن كان المراد ترك الأخذ بها مع بقائها، لاجعله كنايةً عن سقوطها.
مسألة 25 - لو كانت دار - مثلا - بين حاضر وغائب وكانت حصّة الغائب بيد شخص باعها بدعوى الوكالة عنه لا إشكال في جواز الشراء منه وتصرّف المشتري في ما اشتراه أنواع التصرّفات ما لم يعلم كذبه. وإنّما الاشكال في أنّه هل يجوز للشريك الأخذ بالشفعة وانتزاعها من المشتري أم لا؟ الأشبه الثاني. - كتاب الصلح
كتاب الصلح
وهو التراضي والتسالم على أمر: من تمليك عين أومنفعة،أوإسقاطدين أوحقّ، وغير ذلك. ولا يشترط بكونه مسبوقا بالنزاع. ويجوز إيقاعه على كلّ أمر إلّا ما استثني - كما يأتي بعضها - وفي كلّ مقام إلّا إذا كان محرّما لحلال أو محلّلا لحرام.
مسألة 1 - الصلح عقد مستقلّ بنفسه وعنوان برأسه، فلم يلحقه أحكام سائر العقود ولم تجر فيه شروطها وإن أفاد فائدتها. فما أفاد فائدة البيع لا تلحقه أحكامه وشروطه، فلا يجري فيه الخيارات المختصّة بالبيع - كخياري المجلس والحيوان - ولا الشفعة. ولا يشترط فيه قبض العوضين إذا تعلّق بمعاوضة النقدين. وما أفاد فائدة الهبة لايعتبر فيه قبض العين كما اعتبر فيها، وهكذا.
مسألة ۲ - الصلح عقد يحتاج إلى الإيجاب والقبول مطلقا، حتّى في ما أفاد فائدة الإبراء والإسقاط على الأقوى؛ فإبراء الدين وإسقاط الحقّ وإن لم يتوقّفا على القبول لكن إذا وقعا بعنوان الصلح توقّفا عليه.
مسألة ۳ - لايعتبر في الصلح صيغة خاصّة، بل يقع بكلّ لفظ أفاد التسالم على أمر: من نقل أو قرار بين المتصالحين، ك' «صالحتك عن الدار أو منفعتها بكذا» أو ما يفيد ذلك.
مسألة 4 - عقد الصلح لازم من الطرفين، لايفسخ إلّا بالإقالة أو الخيار حتّى في ما أفاد فائدة الهبة الجائزة. والظاهر جريان جميع الخيارات فيه إلّا خيار المجلس والحيوان والتأخير، فانّها مختصّة بالبيع. وفي ثبوت الأرش لو ظهر عيب في العين المصالح عنها أو عوضها إشكال، بل لايخلو عدم الثبوت من قوّة؛ كما أنّ الأقوى عدم ثبوت الردّ من أحداث السنة.
مسألة 5 - متعلّق الصلح إمّا عين أو منفعة أو دين أو حقّ، وعلى التقادير إمّا أن يكون مع العوض أو بدونه، وعلى الأوّل إمّا أن يكون العوض عينا أو منفعةً أو دينا أو حقّا، فهذه الصور كلّها صحيحة.
مسألة 6 - لو تعلّق الصلح بعين أو منفعة أفاد انتقالهما إلى المتصالح، سواء كان مع العوض أو لا. وكذا إذا تعلّق بدين على غير المصالح له أو حقّ قابل للانتقال كحقّي التحجير والاختصاص. ولو تعلّق بدين على المتصالح أفاد سقوطه. وكذا لو تعلّق بحقّ قابل للإسقاط غيرقابل للنقل كحقّي الشفعة والخيار.
مسألة 7 - يصحّ الصلح على مجرّد الانتفاع بعين أو فضاء، كأن يصالحه على أن يسكن داره، أو يلبس ثوبه مدّة، أو على أن يكون جذوع سقفه على حائطه، أو يجري ماؤه على سطح داره، أو يكون ميزابه على عرصة داره، إلى غير ذلك، أو على أن يخرج جناحا في فضاء ملكه، أو على أن يكون أغصان أشجاره في فضاء أرضه، وغير ذلك، فهذه كلّها صحيحة بعوض وبغيره.
مسألة 8 - إنّما يصحّ الصلح عن الحقوق القابلة للنقل والإسقاط؛ وما لا يقبل النقل والإسقاط لايصحّ الصلح عنه، كحقّ مطالبة الدين، وحقّ الرجوع في الطلاق الرجعيّ، وحقّ الرجوع في البذل في باب الخلع، وغير ذلك.
مسألة 9 - يشترط في المتصالحين ما يشترط في المتبايعين: من البلوغ والعقل والقصد والاختيار.
مسألة 10 - الظاهر أنّه تجري الفضوليّة في الصلح حتّى في ما إذا تعلّق بإسقاط دين أو حقّ وأفاد فائدة الإبراء والإسقاط اللذين لاتجري فيهما الفضوليّة.
مسألة 11 - يجوز الصلح على الثمار والخضر وغيرهما قبل وجودها ولو في عام واحد وبلا ضميمة وإن لم يجز بيعها.
مسألة 12 - لا إشكال في أنّه يغتفر الجهالة في الصلح في ما إذا تعذّر للمتصالحين معرفة المصالح عليه مطلقا، كما إذا اختلط مال أحدهما بالآخر ولم يعلما مقدار كلّ منهما فاصطلحا على أن يشتركا فيه بالتساوي أو التخالف؛ وكذا إذا تعذّر عليهما معرفته في الحال - لتعذّر الميزان والمكيال - على الأظهر، بل لايبعد اغتفارها حتّى مع إمكان معرفتهما بمقداره في الحال.
مسألة 13 - لو كان لغيره عليه دين أو كان منه عنده عين هو يعلم مقدارهما والغير لايعلمه فأوقعا الصلح بأقلّ من حقّ المستحقّ لم يحلّ له الزائد إلّا أن يعلمه ويرضى به. وكذا الحال لو لم يعلم مقدارهما لكن علم إجمالا زيادة المصالح عليه على مال الصلح. نعم، لو رضي بالصلح عن حقّه الواقعيّ على كلّ حال بحيث لو تبيّن له الحال لصالح عنه بذلك المقدار بطيب نفسه حلّ له الزائد.
مسألة 14 - لو صولح عن الربويّ بجنسه بالتفاضل فالأقوى جريان حكم الربا فيه فيبطل. نعم، لا بأس به مع الجهل بالمقدار وإن احتمل التفاضل، كما إذا كان لكلّ منهما طعام عند صاحبه وجهلا بمقداره فأوقعا الصلح على أن يكون لكلّ منهما ما عنده مع احتمال التفاضل.
مسألة 15 - يصحّ الصلح عن دين بدين حالّين أو مؤجّلين أو بالاختلاف، متجانسين أو مختلفين، سواء كان الدينان على شخصين أو على شخص واحد، كما إذا كان له على ذمّة زيد وزنة حنطة ولعمرو عليه وزنة شعير فصالح مع عمرو على ماله في ذمّة زيد بما لعمرو في ذمّته، فيصحّ في الجميع إلّا في المتجانسين ممّا يكال أو يوزن مع التفاضل. نعم، لو صالح عن الدين ببعضه - كما إذا كان له عليه دراهم إلى أجل فصالح عنها بنصفها حالّاً - فلا بأس به إذا كان المقصود إسقاط الزيادة والإبراء عنها والاكتفاء بالناقص - كما هو المقصود المتعارف في نحو هذه المصالحة - لا المعاوضة بين الزائد والناقص.
مسألة 16 - يجوز أن يصالح الشريكان على أن يكون لأحدهما رأس المال والربح للآخر والخسران عليه.
مسألة 17 - يجوز للمتداعيين في دين أو عين أو منفعة أن يتصالحا بشي ء من المدّعى به أو بشي ء آخر حتّى مع إنكار المدّعى عليه، ويسقط به حقّ الدعوى، وكذا حقّ اليمين الّذي كان للمدّعي على المنكر، وليس للمدّعي بعد ذلك تجديد الدعوى؛ لكن هذا فصل ظاهريّ ينقطع به الدعوى ظاهرا، ولا ينقلب الواقع عمّا هو عليه. فلو ادّعى دينا على غيره فأنكره فتصالحا على النصف فهذا الصلح موجب لسقوط دعواه، لكن إذا كان محقّا بقيت ذمّة المدّعى عليه مشغولةً بالنصف وإن كان معتقدا لعدم محقّيّته، إلّا إذا فرض أنّ المدّعي صالح عن جميع ماله واقعا؛ وإن كان مبطلا واقعا يحرم عليه ما أخذه من المنكر إلّا مع فرض طيب نفسه واقعا، لا أنّ رضاه لأجل التخلّص عن دعواه الكاذبة.
مسألة 18 - لو قال المدّعى عليه للمدّعي: «صالحني» لم يكن هذا إقرارا بالحقّ، لما مرّ من أن الصلح يصحّ مع الإنكار. وأمّا لو قال: «بعني أو ملّكني» فهو إقرار بعدم كونه ملكا له، وأمّا كونه إقرارا بملكيّة المدّعي فلا يخلو من إشكال.
مسألة 19 - لو كان لشخص ثوب قيمته عشرون ولآخر ثوب قيمته ثلاثون واشتبها فإن خيّر أحدهما صاحبه فقد أنصفه وأحلله ما اختاره ولصاحبه الآخر، وإن تضايقا فإن كان المقصود لكلّ منهما الماليّة - كما إذا اشترياهما للمعاملة - بيعا وقسّم الثمن بينهما بنسبة مالهما، وإن كان المقصود عينهما لاالماليّة فلابدّ من القرعة.
مسألة 20 - لو كان لأحد مقدار من الدراهم ولآخر مقدار منها عند ودعيّ أو غيره فتلف مقدار لا يُدرى أنّه من أيّ منهما: فإن تساوى مقدار الدراهم منهمإ؛ي ظظ -بأن كان لكلّ منهما درهمان مثلا - فلايبعد أن يقال: يحسب التالف عليهما ويقسّم الباقي بينهما نصفين؛ وإن تفاوتا فإمّا أن يكون التالف بمقدار ما لأحدهما وأقلّ ممّا للآخر أو يكون أقلّ من كلّ منهما.
فعلى الأوّل لايبعد أن يقال: يُعطى للآخر ما زاد من ماله على التالف ويقسّم الباقي بينهما نصفين، كما إذا كان لأحدهما درهمان وللآخر درهم وكان التالف درهما يُعطى صاحب الدرهمين درهما ويقسّم الدرهم الباقي بينهما نصفين، أو كان لأحدهما خمسة وللآخر درهمان وكان التالف درهمين يُعطى لصاحب الخمسة ثلاثة ويقسّم الباقي - وهو الدرهمان - نصفين.
وعلى الثاني لايبعد أن يقال: إنّه يُعطى لكلّ منهما مازاد من ماله على التالف ويقسّم الباقي بينهما نصفين، فإذا كان لأحدهما خمسة وللآخر أربعة وكان التالف ثلاثة يُعطى لصاحب الخمسة اثنان ولصاحب الأربعة واحد، ويقسّم الباقي بينهما نصفين؛ لكن لاينبغي ترك الاحتياط بالتصالح في شقوق المسألة، خصوصا في غير ما استودع رجلا غيره دينارين واستودعه الآخر دينارا فضاع دينار منهما.
هذا كلّه في مثل الدرهم والدينار.
ولا يبعد جريان حكمهما في مطلق المثليّين الممتازين، كمنّين ومنّ لو تلف منّ واشتبه الأمر، ولا ينبغي ترك الاحتياط هنا أيضا. نعم، إذا كان المثليّان ممّا يقبل الاختلاط والامتزاج - كالزيت والحنطة - فامتزجا فتلف البعض يكون التلف بنسبةالمالين،ففي المنّين والمنّ إذا امتزجا وتلف منّ تكون البقيّة بينهما تثليثا. ولو كان المالان قيميّين كالثياب والحيوان فلابدّ من المصالحة أو تعيين التالف بالقرعة.
مسألة 21 - يجوز إحداث الروشن - المسمّى في العرف الحاضر بالشناشيل - على الطرق النافذة والشوارع العامّة إذا كانت عاليةً بحيث لم تضرّ بالمارّة، وليس لأحد منعه حتّى صاحب الدار المقابل وإن استوعب عرض الطريق بحيث كان مانعا عن إحداث روشنٍ في مقابله مالم يضع منه شيئا على جداره. نعم، إذإ؛ي ظظ استلزم الإشراف على دار الجار ففي جوازه تردّد وإشكال وإن جوّزنا مثل ذلك في تعلية البناء على ملكه، فلا يترك الاحتياط.
مسألة 22 - لو بنى روشنا على الجادّة ثمّ انهدم أو هدمه: فإن لم يكن من قصده تجديد بنائه لامانع من أن يبني الطرف المقابل ما يشغل ذلك الفضاء ولم يحتج إلى الاستيذان من الباني الأوّل، وإلّا ففيه إشكال، بل عدم الجواز لايخلو من قوّة إذا هدمه ليبنيه جديدا.
مسألة 23 - لو أحدث شخص روشنا على الجادّة فهل للطرف المقابل إحداث روشنٍ آخر فوقه أو تحته بدون إذنه؟ فيه إشكال خصوصا في الأوّل، بل عدم الجواز فيه لا يخلو من قوّة. نعم، لو كان الثاني أعلى بكثير بحيث لم يشغل الفضاء الّذي يحتاج إليه صاحب الأوّل بحسب العادة-من جهةالتشميس ونحوه-لابأس به.
مسألة 24 - كما يجوز إحداث الرواشن على الجادّة يجوز فتح الأبواب المستجدّة فيها، سواء كان له باب آخر أم لا، وكذا فتح الشبّاك والروازن عليها ونصب الميزاب فيها، وكذا بناء ساباط عليها إن لم يكن معتمدا على حائط غيره مع عدم إذنه ولم يكن مضرّا بالمارّة ولو من جهة الظلمة. ولو فرض أنّه كما يضرّهم من جهة ينفعهم من جهة أو جهات اُخر - كالوقاية عن الحرّ والبرد والتحفّظ عن الطين وغير ذلك - فالظاهر وجوب الرجوع إلى حاكم الشرع فيتّبع نظره. وفي جواز إحداث البالوعة للأمطار فيها حتّى مع التحفّظ عن كونها مضرّة بالمارّة وكذا نقب السرداب تحت الجادّة حتّى مع إحكام أساسه وبنيانه وسقفه - بحيث يؤمن من الثقب والخسف والانهدام - إشكال وإن كان جوازه لايخلو من قرب.
مسألة 25 - لايجوز لأحد إحداث شي ء - من روشن أو جناح أو بناء ساباط أو نصب ميزاب أو فتح باب أو نقب سرداب وغير ذلك - على الطرق غير النافذة إلّا باذن أربابها، سواء كان مضرّا أم لا. وكذا لايجوز لأحد من الأرباب إلّا بإذن شركائه فيها. ولو صالح غيرهم معهم أو بعضهم مع الباقين على إحداث شي ء من ذلك صحّ ولزم، سواء كان مع العوض أم لا. ويأتي إن شاء اللّه في كتاب إحياء الموات بعض ما يتعلّق بالطريق.
مسألة 26 - لايجوز لأحد أن يبني بناءً على حائط جاره أو يضع جذوع سقفه عليه إلّا باذنه ورضاه. وإن التمس ذلك منه لم يجب عليه إجابته وإن استُحبّ له مؤكّدا. ولو بنى أو وضع الجذوع بإذنه ورضاه فإن كان ذلك بعنوان ملزم -كالشرط والصلح ونحوهما- لم يجز له الرجوع. وأمّا لو كان مجرّد الإذن والرخصة فجاز الرجوع قبل البناء والوضع والبناء على الجذع قطعا؛ وأمّا بعدذلك فلايترك الاحتياط بالتصالح والتراضي ولو بالإبقاء مع الاُجرة أو الهدم مع الأرش وإن كان الأقرب جواز الرجوع بلا أرش.
مسألة 27 - لايجوز للشريك في الحائط التصرّف فيه ببناء أو تسقيف أو إدخال خشبة أو وتد أو غير ذلك إلّا بإذن شريكه أو إحراز رضاه ولو بشاهد الحال، كما هو كذلك في التصرّفات اليسيرة كالاستناد إليه ووضع يده أو طرح ثوب عليه أو غير ذلك، بل الظاهر أنّ مثل هذه الاُمور اليسيرة لايحتاج إلى إحراز الإذن والرضا كما جرت به السيرة. نعم، إذا صرّح بالمنع وأظهر الكراهة لم يجز.
مسألة 28 - لو انهدم الجدار المشترك وأراد أحد الشريكين تعميره لم يجبر شريكه على المشاركة في عمارته. وهل له التعمير من ماله مجّانا بدون إذن شريكه؟ لا إشكال في أنّ له ذلك إذا كان الأساس مختصّا به وبناه بآلات مختصّة به؛ كما لا إشكال في عدم الجواز إن كان الأساس مختصّا بشريكه. وأمّا إذا كان مشتركا فإن كان قابلاً للقسمة ليس له التعمير بدون إذنه؛ نعم، له المطالبة بالقسمة فيبني على حصّته المفروزة. وإن لم يكن قابلاً لها ولم يوافقه الشريك في شي ء يرفع أمره إلى الحاكم ليخيّره بين عدّة اُمور: من بيع أو إجارة أو المشاركة معه في العمارة أو الرخصة في تعميره وبنائه من ماله مجّانا؛ وكذا الحال لو كانت الشركة في بئر أو نهر أو قناة أو ناعور ونحو ذلك، ففي جميع ذلك يرفع الأمر إلى الحاكم في ما لايمكن القسمة. ولو أنفق في تعميرها من ماله فنبع الماء أو زاد ليس له أن يمنع شريكه الغير المنفق من نصيبه من الماء.
مسألة 29 - لو كانت جذوع دار أحد موضوعةً على حائط جاره ولم يعلم على أيّ وجه وضعت حكم في الظاهر بكونه عن حقّ حتّى يثبت خلافه، فليس للجار أن يطالبه برفعها عنه، بل ولا منعه من التجديد لو انهدم السقف. وكذا الحال لو وجد بناءٌ أو مجرى ماء أو نصب ميزاب في ملك غيره ولم يعلم سببه، فيحكم في أمثال ذلك بكونه عن حقّ، إلّا أن يثبت كونها عن عدوان أو بعنوان العارية الّتي يجوز فيها الرجوع.
مسألة 30 - لو خرجت أغصان شجرة إلى فضاء ملك الجار - من غير استحقاق- له أن يطالب مالكها بعطف الأغصان أو قطعها من حدّ ملكه، وإن امتنع صاحبها يجوز له عطفها أو قطعها، ومع إمكان الأوّل لايجوز الثاني. - كتاب الاجارة
كتاب الإجارة
وهي إمّا متعلّقة بأعيان مملوكة: من حيوان أو دار أو عقار أو متاع أو ثياب ونحوها، فتفيد تمليك منفعتها بالعوض، أو متعلّقة بالنفس كإجارة الحرّ نفسه لعمل، فتفيد غالبا تمليك عمله للغير باُجرة مقرّرة، وقد تفيد تمليك منفعته دون عمله كإجارة المرضعة نفسه للرضاع، لا الإرضاع.
مسألة 1 - عقد الإجارة هو اللفظ المشتمل على الإيجاب - الدالّ بالظهور العرفيّ على إيقاع إضافة خاصّة مستتبعة لتمليك المنفعة أو العمل بعوض - والقبول الدّال على الرضا به وتملّكهما بالعوض. والعبارة الصريحة في الإيجاب:«آجرتك أو أكريتك هذه الدار - مثلاً - بكذا». وتصحّ بمثل «ملّكتك منفعة الدار» مريدا به الإجارة، لكنّه ليس من العبارة الصريحة في إفادتها. ولا يعتبر فيه العربيّة، بل يكفي كلّ لفظ أفاد المعنى المقصود بأيّ لغة كان. ويقوم مقام اللفظ الإشارة المفهمة من الأخرس ونحوه كعقد البيع. والظاهر جريان المعاطاة في القسم الأوّل منها -وهو ما تعلّقت بأعيان مملوكة - وتتحقّق بتسليط الغير على العين ذات المنفعة قاصدا تحقّق معنى الإجارة - أي الإضافة الخاصّة - وتسلّم الغير لها بهذا العنوان. ولايبعد تحقّقها في القسم الثاني أيضا بجعل نفسه تحت اختيار الطرف بهذا العنوان أو بالشروع في العمل كذلك.
مسألة 2 - يشترط في صحّةالإجارة اُمور بعضها في المتعاقدين أعني المؤجر والمستأجر، وبعضها في العين المستأجرة،وبعضها في المنفعة، وبعضها في الاُجرة.
أمّا المتعاقدان فيعتبر فيهما ما اعتبر في المتبايعين: من البلوغ، والعقل، والقصد، والاختيار، وعدم الحجر لفلس أو سفه ونحوهما.
وأمّا العين المستأجرة فيعتبر فيها اُمور:
منها: التعيين؛ فلو آجر إحدى الدارين أو إحدى الدابّتين لم تصحّ.
ومنها: المعلوميّة؛ فإن كانت عينا خارجيّةً فإمّا بالمشاهدة وإمّا بذكر الأوصاف الّتي تختلف بها الرغبات في إجارتها؛ وكذا لو كانت غائبةً أو كانت كلّيّةً.
ومنها: كونها مقدورا على تسليمها؛ فلا تصحّ إجارة الدابّة الشاردة ونحوها.
ومنها: كونها ممّا يمكن الانتفاع بها مع بقاء عينها؛ فلا تصحّ إجارة ما لا يمكن الانتفاع بها، كما إذا آجر أرضا للزراعة مع عدم إمكان إيصال الماء إليها، ولا ينفعها ولا يكفيها ماء المطر ونحوه؛ وكذا ما لايمكن الانتفاع بها إلّا بإذهاب عينها، كالخبز للأكل، والشمع أو الحطب للإشعال.
ومنها: كونها مملوكةً أو مستأجرةً؛ فلا تصح إجارةمال الغيرإلّا باذنه أوإجازته.
ومنها: جواز الانتفاع بها؛ فلا تصحّ إجارة الحائض لكنس المسجد مباشرةً.
وأمّا المنفعة فيعتبر فيها اُمور:
منها: كونها مباحةً؛ فلا تصحّ إجارة الدكّان لإحراز المسكرات أو بيعها، ولا الدابّة والسفينة لحملها، ولا الجارية المغنّية للتغنّي، ونحو ذلك.
ومنها: كونها متموّلةً يبذل بإزائها المال عند العقلاء.
ومنها: تعيين نوعها إن كانت للعين منافع متعدّدة؛ فلو استأجر الدابّة يعيّن أنّها للحمل أو الركوب أو لإدارة الرحى وغيرها. نعم، تصحّ إجارتها لجميع منافعها، فيملك المستأجر جميعها.
ومنها: معلوميّتها إمّا بتقديرها بالزمان المعلوم، كسكنى الدار شهرا أو الخياطة أو التعمير والبناء يوما؛ وإمّا بتقدير العمل، كخياطة الثوب المعيّن خياطةً كذائيّةً فارسيّةً أو روميّةً، من غير تعرّض للزمان إن لم يكن دخيلاً في الرغبات، وإلّا فلابدّ من تعيين منتهاه.
وأمّا الاُجرة فتعتبر معلوميّتها، وتعيين مقدارها بالكيل أو الوزن أو العدّ في المكيل والموزون والمعدود، وبالمشاهدة أو التوصيف في غيرها. ويجوز أن تكون عينا خارجيّةً، أو كلّيّا في الذمّة، أو عملا، أو منفعةً، أو حقّا قابلا للنقل، مثل الثمن في البيع.
مسألة 3 - لو استأجر دابّةً للحمل لابدّ من تعيين جنس ما يحمل عليها، لاختلاف الاغراض باختلافه، وكذا مقداره ولو بالمشاهدة والتخمين. ولو استأجرها للسفر لابدّ من تعيين الطريق وزمان السير من ليل أو نهار ونحو ذلك، بل لابدّ من مشاهدة الراكب أو توصيفه بما يرفع به الجهالة والغرر.
مسألة 4 - ما كانت معلوميّة المنفعة بحسب الزمان لابدّ من تعيينه يوما أو شهرا أو سنةً أو نحو ذلك؛ فلا تصحّ تقديره بأمر مجهول.
مسألة 5 - لو قال: «كلّما سكنت هذه الدار فكلّ شهر بدينار مثلاً» بطل إن كان المقصود الإجارة، وصحّ ظاهرا لو كان المقصود الإباحة بالعوض. والفرق أنّ المستأجر مالك للمنفعة في الإجارة دون المباح له، فإنّه غير مالك لها، ويملك المالك عليه العوض على تقدير الاستيفاء. ولو قال: «إن خطت هذا الثوب فارسيّا فلك درهم، وإن خطته روميّا فلك درهمان» بطل إجارةً وصحّ جعالةً.
مسألة 6 - لو استأجر دابّة من شخص لتحمله أو تحمل متاعه إلى مكان في وقت معيّن كأن استأجر دابّةً لإيصاله إلى كربلاء يوم عرفة ولم توصله: فإن كان ذلك لعدم سعة الوقت أو عدم إمكان الإيصال من جهة اُخرى فالإجارة باطلة، ولو كان الزمان واسعا ولم توصله لم يستحقّ من الاُجرة شيئا، سواء كان بتقصير منه أم لا كما لو ضلّ الطريق. ولو استأجرها على أن توصله إلى مكان معيّن لكن شرط عليه أن توصله في وقت كذا فتعذّر أو تخلّف فالإجارة صحيحة بالاُجرة المعيّنة، لكن للمستأجر خيار الفسخ من جهة تخلّف الشرط، فإن فسخ ترجع الاُجرة المسمّاة إلى المستأجر ويستحقّ المؤجر اُجرة المثل.
مسألة 7 - لو كان وقت زيارة عرفة واستأجر دابّةً للزيارة فلم يصل وفاتت منه صحّت الإجارة، ويستحقّ المؤجر تمام الاُجرة بلا خيار، ما لم يشترط عليه في عقد الإجارة إيصاله يوم عرفة ولم يكن انصراف موجب للتقييد.
مسألة 8 - لا يشترط اتّصال مدّة الإجارة بالعقد؛ فلو آجر داره في شهر مستقبل معيّن صحّ، سواء كانت مستأجرةً في سابقه أم لا. ولو أطلق تنصرف إلى الاتّصال بالعقد لو لم تكن مستأجرةً؛ فلو قال: «آجرتك داري شهرا» اقتضى الإطلاق اتّصاله بزمان العقد. ولو آجرها شهرا وفهم الإطلاق - أعني الكلّيّ الصادق على المتّصل والمنفصل - فالأقوى البطلان.
مسألة 9 - عقد الإجارة لازم من الطرفين، لاينفسخ إلّا بالتقايل أو بالفسخ مع الخيار. والظاهر أنّه يجري فيه جميع الخيارات إلّا خيار المجلس وخيار الحيوان وخيار التأخير، فيجري فيها خيار الشرط وتخلّف الشرط والعيب والغبن والرؤية وغيرها. والإجارة المعاطاتيّة كالبيع المعاطاتيّ لازمة على الأقوى. وينبغي فيها الاحتياط المذكور هناك.
مسألة 10 - لاتبطل الإجارة بالبيع، فتنتقل العين إلى المشتري مسلوبة المنفعة في مدّتها. نعم، للمشتري مع جهله بها خيار الفسخ، بل له الخيار لو علم بها وتخيّل أنّ مدّتها قصيرة فتبيّن أنّها طويلة. ولو فسخ المستأجر الإجارة أو انفسخت رجعت المنفعة في بقيّة المدّة إلى المؤجر لا المشتري. وكما لاتبطل الإجارة ببيع العين المستأجرة على غير المستأجر لاتبطل ببيعها عليه؛ فلو استأجر دارا ثمّ اشتراها بقيت الإجارة على حالها، ويكون ملكه للمنفعة في بقيّة المدّة بسبب الإجارة لاتبعيّة العين؛ فلو انفسخت الإجارة رجعت المنفعة في بقيّة المدّة إلى البائع؛ ولو فسخ البيع بأحد أسبابه بقي ملك المشتري المستأجر للمنفعة على حاله.
مسألة 11 - الظاهرأنّه لاتبطل إجارةالأعيان بموت المؤجرولابموت المستأجر، إلّا إذا كانت ملكيّة المؤجر للمنفعة محدودةً بزمان حياته فتبطل بموته، كما إذا كانت منفعة دار موصىً بها لشخص مدّة حياته فآجرها سنتين ومات بعد سنة. نعم، لو كانت المنفعة في بقيّة المدّة لورثة الموصي أو غيرهم فلهم أن يجيزوها في بقيّة المدّة. ومن ذلك ما إذا آجر العين الموقوفة البطن السابق ومات قبل انقضاء المدّة، فتبطل إلّا أن يجيز البطن اللاحق. نعم، لو آجرها المتولّي للوقف -لمصلحة الوقف والبطون اللاحقة- مدّة تزيد على مدّة بقاء بعض البطون تكون نافذةً على البطون اللاحقة، ولا تبطل بموت المؤجر ولا بموت البطن الموجود حال الإجارة.
هذا كلّه في إجارة الأعيان.
وأمّا إجارة النفس لبعض الأعمال فتبطل بموت الأجير. نعم، لو تقبّل عملا وجعله في ذمّته لم تبطل بموته، بل يكون دينا عليه يستوفى من تركته.
مسألة 12 - لو آجر الوليّ الصبيّ المولّى عليه أو ملكه مدّةً مع مراعاة المصلحة والغبطة فبلغ الرشد قبل انقضائها فله نقض الإجارة وفسخها بالنسبة إلى ما بقي من المدّة، إلّا أن تقتضي المصلحة اللازمة المراعاة في ما قبل الرشد الإجارة مدّةً زائدةً على زمان تحقّقه بحيث تكون بأقلّ منها خلاف مصلحته، فحينئذٍ ليس له فسخها بعد البلوغ والرشد.
مسألة 13 - لو وجد المستأجر بالعين المستأجرة عيبا سابقا كان له فسخ الإجارة إن كان ذلك العيب موجبا لنقص المنفعة كالعرج في الدابّة، أو الاُجرة كما إذا كانت مقطوعة الاُذن والذنب. هذا إذا كان متعلّق الإجارة عينا شخصيّة. ولو كان كلّيّا وكان الفرد المقبوض معيبا فليس له فسخ العقد، بل له مطالبة البدل، إلّا إذا تعذّر فله الفسخ. هذا في العين المستأجرة. وأمّا الاُجرة فإن كانت عينا شخصيّة ووجد المؤجر بها عيبا كان له الفسخ، فهل له مطالبة الأرش؟ فيه إشكال؛ ولو كانت كلّيّةً فله مطالبة البدل، وليس له فسخ العقد إلّا إذا تعذّر البدل.
مسألة 14 - لو ظهر الغبن للمؤجر أو المستأجر فله خيار الغبن إلّا إذا شرط سقوطه.
مسألة 15 - يملك المستأجر المنفعة في إجارة الأعيان، والعمل في إجارة النفس على الأعمال، وكذا المؤجر والأجير الاُجرة بمجرّد العقد، لكن ليس لكلّ منهما مطالبة ماملكه إلّا بتسليم ما ملّكَه، فعلى كلّ منهما وإن وجب التسليم لكن لكلّ منهما الامتناع عنه إذا رأى من الآخر الامتناع عنه.
مسألة 16 - لو تعلّقت الإجارة بالعين فتسليم منفعتها بتسليم العين. وأمّا تسليم العمل في ما إذا تعلّقت بالنفس فبإتمامه إذا كان مثل الصلاة والصوم والحجّ وحفر بئر في دار المستأجر وأمثال ذلك ممّا لم يكن متعلّقا بماله الّذي بيد المؤجر، فقبل إتمام العمل لايستحقّ الأجير مطالبة الاُجرة وبعده لايجوز للمستأجر المماطلة. نعم، لو كان شرط منهما على تأدية الاُجرة كلّاً أو بعضا قبل العمل صريحا أو ضمنيّا - كما إذا كانت عادة تقتضي التزام المستأجر بذلك - كان هو المتّبع. وأمّا إذا كان متعلّقا بمال من المستأجر بيد المؤجر كالثوب يخيطه والخاتم يصوغه وأمثال ذلك ففي كون تسليمه بإتمام العمل كالأوّل أو بتسليم مورد العمل - كالثوب والخاتم - وجهان بل قولان، أقواهما الأوّل؛ فعلى هذا لو تلف الثوب - مثلا - بعد تمام العمل على نحو لاضمان عليه لا شي ء عليه، ويستحقّ مطالبة الاُجرة. نعم، لو تلف مضمونا عليه ضمنه بوصف المخيطيّة - لابقيمته قبلها - على أيّ حال حتّى على الوجه الثاني، لكون الوصف مملوكا له تبعا للعين؛ وبعد الخروج عن عهدة الموصوف مع وصفه تكون له المطالبة بالاُجرة المسمّاة، لتسليم العمل ببدله.
مسألة 17 - لو بذل المستأجر الاُجرة أو كان له حقّ أن يؤخّرها بموجب الشرط وامتنع المؤجر من تسليم العين المستأجرة يجبر عليه؛ وإن لم يمكن إجباره فللمستأجر فسخ الإجارة والرجوع إلى الاُجرة، وله إبقاء الإجارة ومطالبة عوض المنفعة الفائتة من الموجر. وكذا إن أخذها منه بعد التسليم بلا فصل أو في أثناء المدّة، لكن في الثاني لو فسخها تنفسخ بالنسبة إلى ما بقي من المدّة فيرجع إلى ما يقابله من الاُجرة.
مسألة 18 - لو آجر دابّةً من زيد فشردت بطلت الإجارة، سواء كان قبل التسليم أو بعده في أثناء المدّة، إن لم يكن بتقصير من المستأجر في حفظها.
مسألة 19 - لو تسلّم المستأجر العين المستأجرة ولم يستوف المنفعة حتّى انقضت مدّة الإجارة - كما إذا استأجر دارا مدّةً وتسلّمها ولم يسكنها حتّى مضت المدّة - فإن كان ذلك باختيار منه استقرّت عليه الاُجرة. وفي حكمه ما لو بذل المؤجر العين المستأجرة فامتنع المستأجر عن تسلّمها واستيفاء المنفعة منها حتّى انقضت. وهكذا الحال في الإجارة على الأعمال، فإنّه إذا سلّم الأجير نفسه وبذلها للعمل وامتنع المستأجر عن تسلّمه - كما إذا استأجر شخصا يخيط له ثوبا معيّنا في وقت معيّن وامتنع من دفعه إليه حتّى مضى الوقت - فقد استحقّ عليه الاُجرة، سواء اشتغل الأجير - في ذلك الوقت مع امتناعه - بشغل آخر لنفسه أو غيره أو بقي فارغا. وإن كان ذلك لعذر بطلت الإجارة، ولم يستحقّ المؤجر شيئا من الاُجرة إن كان ذلك عذرا عامّا لم تكن العين معه قابلةً لأن تُستوفى منها المنفعة، كما إذا استأجر دابّةً للركوب إلى مكان فنزل ثلج مانع عن الاستطراق أو انسدّ الطريق بسبب آخر، أو دارا للسكنى فصارت غير مسكونة، لصيرورتها معركةً أو مسبعةً ونحو ذلك. ولو عرض مثل هذه العوارض في أثناء المدّة بعد استيفاء المستأجر مقدارا من المنفعة بطلت الإجارة بالنسبة. وإن كان عذرا يختصّ به المستأجر كما إذا مرض ولم يتمكّن من ركوب الدابّة المستأجرة ففي كونه موجبا للبطلان وعدمه وجهان، لا يخلو ثانيهما من رجحان. هذا إذا اشترط المباشرة بحيث لم يمكن له استيفاء المنفعة ولو بالإجارة، وإلّا لم تبطل قطعا.
مسألة 20 - إذا غصب العين المستأجرة غاصب ومنع المستأجر عن استيفاء المنفعة: فإن كان قبل القبض تخيّر بين الفسخ والرجوع بالاُجرةالمسمّاة على المؤجر لو أدّاها وبين الرجوع إلى الغاصب باُجرة المثل، وإن كان بعد القبض تعيّن الثاني.
مسألة 21 - لو تلفت العين المستأجرة قبل قبض المستأجر بطلت الإجارة، وكذا بعده بلا فصل معتدّ به أو قبل مجي زمان الإجارة. ولو تلفت في أثناء المدّة بطلت بالنسبة إلى بقيّتها، ويرجع من الاُجرة بما قابلها، إن نصفا فنصف أو ثلثا فثلث وهكذا. هذا إن تساوت اُجرة العين بحسب الزمان، وأمّا إذا تفاوتت تلاحظ النسبة، مثلا لو كانت اُجرة الدار في الشتاء ضعف اُجرتها في باقي الفصول وبقي من المدّة ثلاثة أشهر الشتاء يرجع بثلثي الاُجرة المسمّاة، ويقع في مقابل ما مضى من المدّة ثلثها. وهكذا الحال في كلّ مورد حصل الفسخ أو الانفساخ في أثناء المدّة بسبب من الأسباب. هذا إذا تلفت العين المستأجرة بتمامها. ولو تلف بعضها تبطل بنسبته من أوّل الأمر أو في الأثناء بنحو ما مرّ.
مسألة22 - لو آجر دارا فانهدمت بطلت الإجارة إن خرجت عن الانتفاع الّذي هو مورد الإجارة بالمرّة، فإن كان قبل القبض أو بعده بلا فصل قبل أن يسكن فيها رجعت الاُجرة بتمامها، وإلّا فبالنسبة كما مرّ. وإن أمكن الانتفاع بها من سنخ مورد الإجارة بوجه يعتدّ به عرفا كان للمستأجر الخيار بين الإبقاء والفسخ، ولو فسخ كان حكم الاُجرة على حذو ما سبق. وإن انهدم بعض بيوتها: فإن بادر المؤجر إلى تعميرها بحيث لم يفت الانتفاع أصلا ليس فسخ ولا انفساخ على الأقوى، وإلّا بطلت الإجارة بالنسبة إلى ما انهدمت وبقيت بالنسبة إلى البقيّة بما يقابلها من الاُجرة، وكان للمستأجر خيار تبعّض الصفقة.
مسألة 23 - كلّ موضع كانت الإجارة فاسدةً تثبت للموجر اُجرة المثل بمقدار ما استوفاه المستأجر من المنفعة أو تلفت تحت يده أو في ضمانه. وكذلك في إجارة النفس للعمل، فإنّ العامل يستحقّ اُجرة مثل عمله. والظاهر عدم الفرق في ذلك بين جهل المؤجر والمستأجر ببطلان الإجارة وعلمهما به. نعم، لو كان البطلان من ناحية الإجارة بلا اُجرة أو بما لايتموّل عرفا لايستحقّ شيئا، من غيرفرق بين العلم ببطلانها وعدمه. ولو اعتقد تموّل ما لا يتموّل عرفا فالظاهر استحقاقه اُجرةالمثل.
مسألة 24 - تجوز إجارة المشاع، سواء كان للمؤجر الجزء المشاع من عين فآجره أو كان مالكا للكلّ وآجر جزءا مشاعا منه كنصفه أو ثلثه، لكن في الصورة الاُولى لايجوز للمؤجر تسليم العين للمستأجر إلّا بإذن شريكه. وكذا يجوز أن يستأجر إثنان - مثلا - دارا على نحو الاشتراك ويسكناها معا بالتراضي أو يقتسماها بحسب المساكن بالتعديل والقرعة، كتقسيم الشريكين الدار المشتركة، أو يقتسما منفعتها بالمهايأة، بأن يسكنها أحدهما ستّة أشهر - مثلا - ثمّ الآخر، كما إذا استأجرا معا دابّةً للركوب على التناوب، فإنّ تقسيم منفعتها الركوبيّة لايكون إلّا بالمهايأة، بأن يركبها أحدهما يوما والآخر يوما مثلا، أو يركبها أحدهما فرسخا والآخر فرسخا.
مسألة 25 - لو استأجر عينا ولم يشترط عليه استيفاء منفعتها بالمباشرة يجوز أن يؤجرها بأقلّ ممّا استأجر وبالمساوي وبالأكثر. هذا في غير البيت والدار والدكان والأجير. وأمّا فيها فلا تجوز إجارتها بأكثر منه إلّا اذا أحدث فيها حدثا من تعمير أو تبييض أو نحو ذلك؛ ولا يبعد جوازها أيضا إن كانت الاُجرة من غير جنس الاُجرة السابقة. والأحوط إلحاق الخان والرحى والسفينة بها وإن كان عدمه لا يخلو من قوّة. ولو استأجر دارا - مثلا - بعشرة دراهم فسكن في نصفها وآجر الباقي بعشرة دراهم من دون إحداث حدث جاز، وليس من الإجارة بأكثر ممّا استأجر. وكذا لو سكنها في نصف المدّة وآجرها في باقيها بعشرة. نعم، لو آجرها في باقي المدّة أو آجر نصفها بأكثر من عشرة لايجوز.
مسألة 26 - لو تقبّل عملا من غير اشتراط المباشرة ولا مع الانصراف إليها يجوز أن يستأجر غيره لذلك العمل بتلك الاُجرة وبالأكثر. وأمّا بالأقلّ فلا يجوز إلّا إذا أحدث حدثا أو أتى ببعض العمل ولو قليلا، كما إذا تقبّل خياطة ثوب بدرهم ففصّله أو خاط منه شيئا ولو قليلا فلا بأس باستيجار غيره على خياطته بالأقلّ ولو بعشر درهم أو ثمنه، لكن في جواز دفع متعلّق العمل وكذا العين المستأجرة إليه بدون الإذن إشكال وإن لا يخلو من وجه.
مسألة 27 - الأجير إذا آجر نفسه على وجه يكون جميع منافعه للمستأجر في مدّة معيّنة لايجوز له في تلك المدّة العمل لنفسه أو لغيره، لا تبرّعا ولا بالجعالة أو الإجارة. نعم، لابأس ببعض الأعمال الّتي انصرفت عنها الإجارة ولم تشملها ولم تكن منافيةً لما شملته. كما أنّه لو كان مورد الإجارة أو منصرفها الاشتغال بالنهار فلا مانع من الاشتغال ببعض الأعمال في الليل له أو لغيره، إلّا إذا أدّى إلى ما ينافي الاشتغال بالنهار ولو قليلا. فإذا عمل في تلك المدّة عملا ممّا ليس خارجا عن مورد الإجارة: فإن كان العمل لنفسه تخيّر المستأجر بين فسخ الإجارة واسترجاع تمام الاُجرة إذا لم يعمل له شيئا أو بعضها إذا عمل شيئا وبين أن يُبقيها ويطالبه اُجرة مثل العمل الّذي عمله لنفسه؛ وكذا لو عمل للغير تبرّعا؛ ولو عمل للغير بعنوان الجعالة أو الإجارة فله - مضافا إلى ذلك - إمضاء الجعالة أو الإجارة وأخذ الاُجرة المسمّاة.
مسألة 28 - لو آجر نفسه لعمل مخصوص بالمباشرة في وقت معيّن لا مانع من أن يعمل لنفسه أو غيره في ذلك الوقت ما لا ينافيه، كما إذا آجر نفسه يوما للخياطة أو الكتابة ثمّ آجر نفسه في ذلك اليوم للصوم عن الغير إذا لم يؤدّ إلى ضعفه في العمل. وليس له أن يعمل في ذلك الوقت من نوع ذلك العمل ومن غيره ممّا ينافيه لنفسه ولا لغيره؛ فلو فعل: فإن كان من نوع ذلك العمل كما إذا آجر نفسه للخياطة في يوم فاشتغل فيه بالخياطة لنفسه أولغيره تبرّعا أو بالإجارة كان حكمه حكم الصورة السابقة: من تخيير المستأجر بين أمرين لو عمل لنفسه أو لغيره تبرّعا وبين اُمور ثلاثة لو عمل بالجعالة أو الإجارة، وإن كان من غير نوع ذلك العمل كما إذا آجر نفسه للخياطة فاشتغل بالكتابة فللمستأجر التخيير بين أمرين مطلقا: من فسخ الإجارة واسترجاع الاُجرة ومن مطالبة عوض المنفعة الفائتة.
مسألة 29 - لو آجر نفسه لعمل من غير اعتبار المباشرة ولو في وقت معيّن أو من غير تعيين الوقت ولو مع اعتبار المباشرة جاز له أن يؤجر نفسه للغير على نوع ذلك العمل أو ما يضادّه قبل الإتيان بالعمل المستأجر عليه.
مسألة 30 - لو أستاجر دابّةً للحمل إلى بلد في وقت معيّن فركبها في ذلك الوقت إليه عمدا أو اشتباها لزمته الاُجرة المسمّاة، حيث إنّه قد استقرّت عليه بتسليم الدابّة وإن لم يستوف المنفعة. وهل تلزمه اُجرة مثل المنفعة الّتي استوفاها أيضا فتكون عليه اُجرتان أو لم يلزمه إلّا التفاوت بين اُجرة المنفعة الّتي استوفاها واُجرة المنفعة المستأجر عليها لو كان - فإذا استأجرها للحمل بخمسة فركبها وكان اُجرة الركوب عشرة لزمته العشرة - ولو لم يكن تفاوت بينهما لم تلزم عليه إلّا الاُجرة المسمّاة؟ وجهان، لا يخلو ثانيهما من رجحان، والأحوط التصالح.
مسألة 31 - لو آجر نفسه لعمل فعمل للمستأجر غير ذلك العمل بغير أمر منه -كما إذا استؤجر للخياطة فكتب له- لم يستحقّ شيئا، سواء كان متعمّدا أم لا. وكذا لو آجر دابّته لحمل متاع زيد إلى مكان فحمل متاع عمرو لم يستحقّ الاُجرة على واحد منهما.
مسألة 32 - يجوزاستيجارالمرأةللإرضاع،بل للرضاع أيضا، بأن يرتضع الطفل منها مدّةً معيّنةً وإن لم يكن منها فعلٌ. ولا يعتبر في صحّة إجارتها لذلك إذن الزوج ورضاه، بل ليس له المنع عنها إن لم يكن مانعا عن حقّ استمتاعه منها؛ ومع كونه مانعا يعتبر إذنه أو إجازته في صحّتها. وكذا يجوز استيجار الشاة الحلوب للانتفاع بلبنها، والبئر للاستقاء منها، بل لاتبعد صحّة إجارة الأشجار للانتفاع بثمرها.
مسألة 33 - لو استؤجر لعمل - من بناء وخياطة ثوب معيّن أو غير ذلك - لابقيد المباشرة فعمله شخص آخر تبرّعا عنه كان ذلك بمنزلة عمله فاستحقّ الاُجرة المسمّاة، وإن عمله تبرّعا عن المالك لم يستحقّ المستأجر شيئا، بل تبطل الإجارة لفوات محلّها، ولا يستحقّ العامل على المالك اُجرةً.
مسألة 34 - لايجوز للإنسان أن يؤجر نفسه للإتيان بما وجب عليه عينا كالصلوات اليوميّة، ولا ما وجب عليه كفائيّا على الأحوط إذا كان وجوبه كذلك بعنوانه الخاصّ، كتغسيل الأموات وتكفينهم ودفنهم. وأمّا ما وجب من جهة حفظ النظام وحاجة الأنام - كالصناعات المحتاج إليها والطبابة ونحوها - فلابأس بالإجارة وأخذ الاُجرة عليها؛ كما أنّ إجارة النفس للنيابة عن الغير حيّا وميّتا في ما وجب عليه وشرّعت فيه النيابة لابأس به.
مسألة 35 - يجوز الإجارة لحفظ المتاع عن الضياع وحراسة الدور والبساتين عن السرقة مدّة معيّنة. ويجوز اشتراط الضمان عليه لو حصل الضياع أو السرقة ولو من غير تقصير منه، بأن يلتزم في ضمن عقد الإجارة بأنّه لو ضاع المتاع أو سرق من البستان أو الدار شي ء خسره؛ فتضمين الناطور - إذا ضاع - أمر مشروع لو التزم به على نحو مشروع.
مسألة 36 - لو طلب من شخص أن يعمل له عملا فعمل استحقّ عليه اُجرة مثل عمله إن كان ممّا له اُجرة ولم يقصد العامل التبرّع بعمله، وإن قصد التبرّع لم يستحق اُجرةً وإن كان من قصد الآمر إعطاء الاُجرة.
مسألة 37 - لو استأجر أحدا في مدّة معيّنة لحيازة المباحات - كما إذا استأجره شهرا للاحتطاب أو الاحتشاش أو الاستقاء - وقصد باستيجاره له ملكيّة ما يحوزه فكلّ ما يحوز الأجير في تلك المدّة يصير ملكا للمستأجر إذا قصد الأجير العمل له والوفاء بعقد الإجارة. وأمّا لو قصد ملكيّتها لنفسه تصير ملكا له ولم يستحقّ الاُجرة. ولو لم يقصد شيئا فالظاهر بقاؤها على إباحتها على إشكال. ولو استاجره للحيازة لا بقصد التملّك - كما إذا كان له غرض عقلائيّ لجمع الحطب والحشيش فاستأجره لذلك - لم يملك ما يحوزه ويجمعه الأجير مع قصد الوفاء بالإجارة، فلا مانع من تملّك الغير له.
مسألة 38 - لاتجوز إجارة الأرض لزرع الحنطة والشعير بل ولا لما يحصل منها مطلقا بمقدار معيّن من حاصلها، بل وكذا بمقدار منها في الذمّة مع اشتراط أدائه ممّا يحصل منها. وأمّا إجارتها بالحنطة أو الشعير أو غيرهما من غير تقييد ولا اشتراط بكونها منها فالأقرب جوازها.
مسألة 39- العين المستأجرة أمانة في يدالمستأجر في مدّةالإجارة، فلايضمن تلفها ولا تعيّبها إلّا بالتعدّي والتفريط. وكذا العين الّتي للمستأجر بيد من آجر نفسه لعمل فيها كالثوب للخياطة والذهب للصياغة، فإنّه لا يضمن تلفها ونقصها بدون التعدّي والتفريط. نعم، لو أفسدها بالصبغ أو القصارة أو الخياطة حتّى بتفصيل الثوب ونحو ذلك ضمن وإن كان بغير قصده، بل وإن كان اُستاذا ماهرا وقد أعمل كمال النظر والدقّة والاحتياط في شغله. وكذا كلّ من آجر نفسه لعمل في مال المستأجر إذا أفسده ضمنه. ومن ذلك ما لو استؤجر القصّاب لذبح الحيوان فذبحه على غير الوجه الشرعيّ بحيث صار حراما، فإنّه ضامن لقيمته، بل الظاهر كذلك لوذبحه تبرّعا.
مسألة 40 - الختّان ضامن لو تجاوز الحدّ وإن كان حاذقا. وفي ضمانه إذا لم يتجاوزه - كما إذا أضرّ الختان بالولد فمات - إشكال أظهره العدم.
مسألة 41 - الطبيب ضامن إذاباشربنفسه العلاج،بل لايبعد الضمان في التطبيب على النحو المتعارف وإن لم يباشر. نعم، إذا وصف الدواء الفلانيّ وقال: «إنّه نافع للمرض الفلانيّ» أو قال: «إنّ دواءك كذا» من دون أن يأمره بشربه فالأقوى عدم الضمان.
مسألة 42 - لو عثر الحمّال فانكسر ما كان على ظهره أو رأسه - مثلا - ضمن؛ بخلاف الدابّة المستأجرة للحمل إذا عثرت فتلف أو تعيّب ما حملته، فإنّه لا ضمان على صاحبها إلّا إذا كان هو السبب، من جهة ضربها أو سوقها في مزلق ونحو ذلك.
مسألة 43 - لو استأجر دابّةً للحمل لم يجز أن يحمّلها أزيد ممّا اشترط أو المقدار المتعارف لو أطلق، فلو حمّلها أزيد منه ضمن تلفها وعوارها. وكذلك إذا سار بها أزيد ممّا اشترط.
مسألة 44 - لو استؤجر لحفظ متاع فسرق لم يضمن إلّا مع التقصير أو اشتراط الضمان.
مسألة 45 - صاحب الحمّام لا يضمن الثياب وغيرها إن سرقت، إلّا إذا اُودعت عنده وفرّط أو تعدّى.
مسألة 46 - لو استأجر أرضا للزراعة فحصلت آفة أفسدت الحاصل لم تبطل الإجارة، ولا يوجب ذلك نقصا في الاُجرة. نعم، لو شرط على المؤجر إبراءه من الاُجرة بمقدار ما نقص أو نصفا أو ثلثا منه - مثلاً - صحّ ولزم الوفاء به.
مسألة 47 - تجوز إجارةُ الأرض للانتفاع بها بالزرع وغيره مدّةً معلومةً وجعلُ الاُجرة تعميرها: من كري الأنهار وتنقية الآبار وغرس الأشجار وتسوية الأرض وإزالة الأحجار ونحو ذلك، بشرط أن يعيّن تلك الأعمال على نحو يرتفع الغرر والجهالة، أو كان تعارفٌ مغنٍ عن التعيين. - كتاب الجعالة
كتاب الجعالة
وهي الالتزام بعوض معلوم على عمل محلّل مقصود، أو هي إنشاء الالتزام به، أو جعل عوض معلوم على عمل كذلك، والأمر سهل. ويقال للملتزم: الجاعل، ولمن يعمل ذلك العمل: العامل، وللعوض: الجعل والجَعيلة. وتفتقر إلى الإيجاب، وهو كلّ لفظ أفاد ذلك الالتزام. وهو إمّا عامّ كما إذا قال: «من ردّ دابّتي أو خاط ثوبي أو بنى حائطي - مثلا - فله كذا»، وإمّا خاصّ كما اذا قال لشخص: «إن رددت دابّتي - مثلا - فلك كذا». ولا تفتقر إلى قبول حتّى في الخاصّ.
مسألة 1 - بين الإجارة على العمل والجعالة فروق، منها: أنّ المستأجر في الإجارة يملك العمل على الأجير وهو يملك الاُجرة على المستأجر بنفس العقد، بخلاف الجعالة، إذ ليس أثرها إلاّ استحقاق العامل الجعل المقرّر على الجاعل بعد العمل. ومنها: أنّ الإجارة من العقود وهي من الإيقاعات على الأقوى.
مسألة ۲ - إنّما تصحّ الجعالة على كلّ عمل محلّل مقصود في نظر العقلاء كالإجارة، فلا تصحّ على المحرّم، ولا على ما يكون لغوا عند العقلاء وبذل المال بإزائه سفها، كالذهاب إلى الأمكنة المخوفة، والصعود على الجبال الشاهقة والأبنية المرتفعة، والوثبة من موضع إلى آخر، إذا لم تكن فيها أغراض عقلائيّة.
مسألة ۳ - كما لا تصحّ الإجارة على الواجبات العينيّة بل والكفائيّة على الأحوط - على التفصيل الّذي مرّ في كتابها - لا تصحّ الجعالة عليها على حَذوها.
مسألة 4 - يعتبر في الجاعل أهليّة الاستيجار: من البلوغ والعقل والرشدوالقصد والاختيار وعدم الحجر. وأمّا العامل فلا يعتبر فيه إلّا إمكان تحصيل العمل بحيث لم يكن مانع منه عقلا أو شرعا؛ فلو أوقع الجعالة على كنس المسجد فلايمكن حصوله شرعا من الجنب والحائض، فلوكنساه لم يستحقّا شيئا على ذلك. ولا يعتبر فيه نفوذ التصرّف، فيجوز أن يكون صبيّا مميّزا ولو بغير إذن الوليّ، بل ولو كان غير مميّز أو مجنون على الأظهر، فجميع هؤلاء يستحقّون الجعل المقرّر بعملهم.(1)
مسألة 5 - يجوز أن يكون العمل مجهولا في الجعالة بما لايغتفر في الإجارة، فإذا قال: «من ردّ دابّتي فله كذا» صحّ وإن لم يعيّن المسافة ولا شخص الدابّة مع شدّة اختلاف الدوابّ في الظفر بها من حيث السهولة والصعوبة. وكذا يجوز إيقاعها على المردّد مع اتّحاد الجعل كما إذا قال: «من ردّ فرسي أو حماري فله كذا»، أو بالاختلاف كما لو قال: «من ردّ فرسي فله عشرة ومن ردّ حماري فله خمسة». نعم، لايجوز على المجهول والمبهم الصرف بحيث لايتمكّن العامل من تحصيله، كما لو قال: «من ردّ ما ضاع منّي فله كذا» أو «من ردّ حيوانا ضاع منّي فله كذا» ولم يعيّن ذلك بوجه. هذا كلّه في العمل. وأمّا العوض فلابدّ من تعيينه جنسا ونوعا ووصفا بل كيلا أو وزنا أو عدّا إن كان منها؛ فلو جعله ما في يده أو كيسه بطلت الجعالة. نعم، الظاهر أنّه يصحّ أن يجعل الجعل حصّةً معيّنةً ممّا يردّه ولو لم يشاهد ولم يوصف. وكذا يصحّ أن يجعل للدلّال مازاد على رأس المال، كما إذا قال: «بع هذا المال بكذا والزائد لك» كما مرّ في ما سبق.
مسألة 6 - كلّ مورد بطلت الجعالة للجهالة استحقّ العامل اُجرة المثل. والظاهر أنّه من هذا القبيل ما هو المتعارف من جعل الحلاوة المطلقة لمن دلّه على ولد ضائع أو دابّة ضالّة.
مسألة 7 - لايعتبر أن يكون الجعل ممّن له العمل، فيجوز أن يجعل شخص جعلا من ماله لمن خاط ثوب زيد أو ردّ دابّته.
مسألة 8 - لو عيّن الجعل لشخص وأتى غيره بالعمل لم يستحقّ الجعل ذلك الشخص لعدم العمل، ولا ذلك الغير، لأنّه ما اُمر بإتيان العمل ولا جُعل لعمله جُعلٌ، فهو كالمتبرّع. نعم، لو جعل الجعالة على العمل لابقيد المباشرة بحيث لوحصّل ذلك الشخص العمل بالإجارة أو الاستنابة أو الجعالة شملته الجعالة وكان عمل ذلك الغير تبرّعا عن المجعول له ومساعدةً له استحقّ الجعل المقرّر.
مسألة 9 - لو جعل الجعل على عمل وقد عمله شخص قبل إيقاع الجعالة أو بقصد التبرّع وعدم أخذ العوض يقع عمله بلا جعل واُجرة.
مسألة 10 - يستحقّ العامل الجعل المقرّر مع عدم كونه متبرّعا ولو لم يكن عمله لأجل ذلك، فلا يعتبر اطّلاعه على التزام الجاعل به، بل لو عمله خطأً وغفلةً بل من غير تمييز - كالطفل غير المميّز والمجنون - فالظاهر استحقاقه له كما مرّ. نعم، لو تبيّن كذب المخبر كما إذا أخبر مخبر بأنّ فلانا قال: «من ردّ دابّتي فله كذا» فردّها اعتمادا على إخباره لم يستحقّ شيئا، لا على صاحب الدابّة ولا على المخبر الكاذب. نعم، لو أوجب قوله الاطمينان لايبعد ضمانه اُجرة مثل عمله، للغرور.
مسألة 11 - لو قال: «من دلّني على مالي فله كذا» فدلّه من كان ماله في يده لم يستحقّ شيئا، لأنّه واجب عليه شرعا. ولو قال: «من ردّ مالي فله كذا» فإن كان المال ممّا في ردّه كلفة ومؤونة كالدابّة الشاردة استحقّ الجعل المقرّر إذا لم يكن في يده على وجه الغصب، وإن لم يكن كذلك كالدرهم والدينار لم يستحقّ شيئا.
مسألة 12 - إنّما يستحقّ العامل الجعل بتسليم العمل؛ فلو جعل على ردّ الدابّة إلى مالكها فجاء بها في البلد فشردت لم يستحقّ شيئا. ولو كان الجعل على مجرّد إيصالها إلى البلد استحقّه. ولو كان على مجرّد الدلالة عليها استحقّ بها ولو لم يكن منه إيصال أصلا.
مسألة 13 - لو قال: «من ردّ دابّتي - مثلاً - فله كذا» فردّها جماعة اشتركوا في الجعل بالسويّة إن تساووا في العمل، وإلّا فيوزّع عليهم بالنسبة.
مسألة 14 - لو جعل جعلا لشخص على عمل - كبناء حائط وخياطة ثوب - فشاركه غيره في ذلك العمل يسقط عن جعله المعيّن ما يكون بإزاء عمل ذلك الغير، فإن لم يتفاوتا كان له نصف الجعل، وإلّا فبالنسبة، وأمّا الآخر فلا يستحقّ شيئا. نعم، لو لم يشترط على العامل المباشرة بل اُريد منه العمل مطلقا ولو بمباشرة غيره وكان اشتراك الغير معه بعنوان التبرّع عنه ومساعدته استحقّ المجعول له تمام الجعل.
مسألة 15 - الجعالة قبل تماميّة العمل جائزة من الطرفين ولو بعد تلبّس العامل بالعمل وشروعه فيه، فله رفع اليد عن العمل. كما أنّ للجاعل فسخ الجعالة ونقض التزامه على كلّ حال؛ فإن كان ذلك قبل التلبّس لم يستحقّ المجعول له شيئا، ولو كان بعده فإن كان الرجوع من العامل لم يستحقّ شيئا، وإن كان من طرف الجاعل فعليه للعامل اُجرة مثل ما عمل. ويحتمل الفرق في الأوّل -وهو ما كان الرجوع من العامل- بين ما كان العمل مثل خياطة الثوب وبناء الحائط ونحوهما ممّا كان تلبّس العامل به بإيجاد بعض العمل وبين ما كان مثل ردّ الضالّة ممّا كان التلبّس به بإيجاد بعض مقدّماته الخارجيّة، فله من المسمّى بالنسبة إلى ماعمل في الأوّل، بخلاف الثاني فإنّه لم يستحقّ شيئا، لكن هذا لو لم يكن الجعل في مثل خياطة الثوب وبناء الحائط على إتمام العمل، وإلّا يكون الحكم كردّ الضالّة. ويحتمل الفرق في الصورتين إذا كان الفسخ من الجاعل، فيقال: إنّ للعامل من المسمّى بالنسبة في الاُولى، وله اُجرة المثل في الثانية؛ فإذا كان العمل مثل الخياطة والبناء فأوجد بعضه فرجع الجاعل فللعامل من المسمّى بالنسبة، وإذا كان مثل ردّ الضالّة وكذا إتمام الخياطة فله اُجرة المثل. والمسألة محلّ إشكال، فلاينبغي ترك الاحتياط بالتراضي والتصالح على أيّ حال.
مسألة 16 - ما ذكرناه من أنّ للعامل الرجوع عن عمله على أيّ حال ولو بعد التلبّس والاشتغال إنّما هو في مورد لم يكن في عدم إنهاء العمل ضرر على الجاعل، وإلّا يجب عليه بعد الشروع في العمل إتمامه، مثلا لو وقعت الجعالة على قصّ عينه أو بعض العمليّات المتداولة بين الأطبّاء في هذه الأزمنة لايجوز له رفع اليد عن العمل بعد التلبّس به والشروع فيه، حيث إنّ الصلاح والعلاج مترتّب على تكميلها وفي عدمه فساد؛ ولو رفع اليد عنه لم يستحقّ في مثله شيئا بالنسبة إلى ما عمل، وذلك لأنّ الجعل في أمثاله إنّما هو على إتمام العمل؛ فلو فرض كونه على العمل - نحو خياطة الثوب - فالظاهر استحقاقه على ما عمل بالنسبة، وعليه غرامة الضرر الوارد.
1- في جميع الطبعات: «أو مجنون»، والصحيح: «أو مجنوناً». - كتاب العارية
کتاب العاریة
وهی التسلیط علی العین للانتفاع بها علی جهة التبرّع، أو هی عقد ثمرته ذلک، أو ثمرته التبرّع بالمنفعة. وهی من العقود تحتاج إلی إیجاب بکلّ لفظ له ظهور عرفیّ فی هذا المعنی - کقوله: «أعرتک» أو «أذنت لک فی الانتفاع به» أو «انتفع به» أو «خذه لتنتفع به» ونحو ذلک - وقبول، وهو کلّ ما أفاد الرضا بذلک. ویجوز أن یکون بالفعل، بأن یأخذه - بعد إیجاب المعیر - بهذا العنوان؛ بل الظاهر وقوعها بالمعاطاة، کما إذا دفع إلیه قمیصا لیلبسه فأخذه لذلک، أو دفع إلیه إناءً أو بساطا لیستعمله فأخذه واستعمله.
مسألة 1 - یعتبر فی المعیر أن یکون مالکا للمنفعة، وله أهلیّة التصرّف؛ فلاتصحّ إعارة الغاصب عینا أو منفعةً. وفی جریان الفضولیّة فیها - حتّی تصحّ بإجازة المالک - وجه قویّ. وکذا لا تصحّ إعارة الصبیّ والمجنون والمحجور علیه - لسفه أو فلس - إلّا مع إذن الولیّ أو الغرماء. وفی صحّة إعارة الصبیّ بإذن الولیّ احتمال لایخلو من قوّة.
مسألة 2 - لا یشترط فی المعیر أن یکون مالکا للعین، بل تکفی ملکیّة المنفعة بالإجارة أو بکونها موصیً بها له بالوصیّة. نعم، إذا اشترط استیفاء المنفعة فی الإجارة بنفسه لیس له الإعارة.
مسألة 3 - یعتبر فی المستعیر أن یکون أهلا للانتفاع بالعین؛ فلا تصحّ استعارة المصحف للکافر، واستعارة الصید للمحرم، لا من المحلّ ولا من المحرم. وکذا یعتبر فیه التعیین؛ فلو أعار شیئا: أحد هذین أو أحد هؤلاء لم تصحّ. ولا یشترط أن یکون واحدا؛ فیصحّ إعارة شی ء واحد لجماعة، کما إذا قال: «أعرت هذا الکتاب أو الإناء لهؤلاء العشرة»، فیستوفون المنفعة بینهم بالتناوب والقرعة، کالعین المستأجرة. ولا یجوز الإعارة لجماعة غیر محصورة علی الأقوی.
مسألة 4 - یعتبر فی العین المستعارة کونها ممّا یمکن الانتفاع بها منفعةً محلّلةً مع بقاء عینها، کالعقارات والدوابّ والثیاب والکتب والأمتعة ونحوها، بل وفحل الضراب والهرّة والکلب للصید والحراسة وأشباه ذلک؛ فلا یجوز إعارة مالا منفعة محلّلة له کآلات اللهو؛ وکذا آنیة الذهب والفضّة، لاستعمالها فی المحرّم؛ وکذا مالاینتفع به إلّا بإتلافه، کالخبز والدهن والأشربة وأشباهها للأکل والشرب.
مسألة 5 - جواز إعارة الشاة للانتفاع بلبنها والبئر للاستقاء منها لایخلو من وجه وقوّة.
مسألة 6 - لایشترط تعیین العین المستعارة عند الإعارة، فلو قال: «أعرنی إحدی دوابّک» فقال: «خذ ما شئت منها» صحّت.
مسألة 7 - العین الّتی تعلّقت بها العاریة إن انحصرت جهة الانتفاع بها فی منفعة خاصّة - کالبساط للافتراش، واللحاف للتغطیة، والخیمة للاکتنان، وأشباه ذلک- لایلزم التعرّض لجهة الانتفاع بها عند إعارتها، وإن تعدّدت - کالأرض ینتفع بها للزرع والغرس والبناء، والدابّة للحمل والرکوب، ونحو ذلک - فإن کانت الإعارة لأجل منفعة أو منافع خاصّة من منافعها یجب التعرّض لها، واختصّت حلّیّة الانتفاع بما استعیرت لها، وإن کانت لأجل الانتفاع المطلق جاز التعمیم والتصریح بالعموم، وجاز الإطلاق، بأن یقول: «أعرتک هذه الدابّة»، فیجوز الانتفاع بکلّ منفعة مباحة منها. نعم، ربما یکون لبعض الانتفاعات خفاء لایندرج فی الإطلاق، ففی مثله لابدّ من التنصیص به أو التعمیم علی وجه یعمّه، وذلک کالدفن، فإنّه وإن کان من أحد وجوه الانتفاع من الأرض لکنّه لایعمّه الإطلاق.
مسألة 8 - العاریة جائزة من الطرفین؛ فللمعیر الرجوع متی شاء وللمستعیر الردّ کذلک. نعم، فی خصوص إعارة الأرض للدفن لم یجز بعد المواراة فیها الرجوع ونبش القبر علی الأحوط؛ وأمّا قبل ذلک فله الرجوع حتّی بعد وضع المیّت فی القبر قبل مواراته. ولیس علی المعیر اُجرة الحفر ومؤونته لو رجع بعده، کما أنّه لیس علی ولیّ المیّت طمّ الحفر بعد ما کان بإذن المعیر.
مسألة 9 - تبطل العاریة بموت المعیر، بل بزوال سلطنته بجنون ونحوه.
مسألة 10 - یجب علی المستعیر الاقتصار فی نوع المنفعة علی ما عیّنها المعیر؛ فلا یجوز له التعدیّ إلی غیرها ولو کان أدنی وأقلّ ضررا علی المعیر. وکذا یجب أن یقتصر فی کیفیّة الانتفاع علی ماجرت به العادة؛ فلوأعاره دابّة للحمل لا یحمّلها إلّا القدر المعتاد بالنسبة إلی ذلک الحیوان وذلک المحمول وذلک الزمان والمکان؛ فلو تعدّی نوعا أو کیفیّةً کان غاصبا وضامنا، وعلیه اُجرة ما استوفاه من المنفعة لو تعدّی نوعا، وأمّا لو تعدّی کیفیّةً فلا تبعد أن تکون علیه اُجرة الزیادة.
مسألة 11 - لو أعاره أرضا للبناء أو الغرس جاز له الرجوع، وله إلزام المستعیر بالقلع، لکن علیه الأرش. وکذا فی عاریتها للزرع إذا رجع قبل إدراکه، ویحتمل عدم استحقاق المعیر إلزام المستعیر بقلع الزرع لو رضی بالبقاء بالاُجرة، ویحتمل جواز الإلزام بلا أرش. والمسألة بشقوقها مشکلة جدّا، فلا یترک الاحتیاط فی أشباهها بالتصالح والتراضی. ومثل ذلک ما إذا أعار جذوعه للتسقیف ثمّ رجع بعد ما أثبتها المستعیر فی البناء.
مسألة 12 - العین المستعارة أمانة بید المستعیر، لایضمنها لو تلفت إلّا بالتعدّی أو التفریط. نعم، لو شرط الضمان ضمنها وإن لم یکن تعدّ وتفریط، کما أنّه لو کان العین ذهبا أو فضّةً ضمنها مطلقا إلّا أن یشترط السقوط.
مسألة 13 - لاتجوز للمستعیر إعارة العین المستعارة ولا إجارتها إلّا بإذن المالک، فتکون إعارته حینئذٍ فی الحقیقة إعارة المالک وهو وکیل ونائب عنه؛ فلو خرج المستعیر عن قابلیّة الإعارة بعد ذلک - کما إذا جنّ - بقیت العاریة الثانیة علی حالها.
مسألة 14 - لو تلفت العین بفعل المستعیر: فإن کان بسبب الاستعمال المأذون فیه من دون التعدّی عن المتعارف لیس علیه ضمان، وإن کان بسبب آخر ضمنها.
مسألة 15 - إنّما یبرأ المستعیر عن عهدة العین المستعارة بردّها إلی مالکها أو وکیله أو ولیّه. ولو ردّها إلی حرزها الّذی کانت فیه بلا ید من المالک ولا إذن منه لم یبرأ، کما إذا ردّ الدابّة إلی الإصطبل وربطها فیه بلا إذن من المالک فتلفت أو أتلفها متلف.
مسألة 16 - لو استعار عینا من الغاصب: فإن لم یعلم بغصبه کان قرار الضمان علی الغاصب، فإن تلفت فی ید المستعیر أو لا فی یده بعد وقوعها علیها فللمالک الرجوع بعوض ماله علی کلّ من الغاصب والمستعیر، فإن رجع علی المستعیر یرجع هو علی الغاصب، وإن رجع علی الغاصب لیس له الرجوع علی المستعیر؛ وکذلک بالنسبة إلی بدل ما استوفاه المستعیر من المنفعة وغیرها من المنافع الفائتة علی ضمانه، فإنّه لو رجع بها علی المستعیر یرجع هو علی الغاصب دون العکس؛ ولو کان عالما بالغصب لم یرجع علی الغاصب لو رجع المالک علیه، بل الأمر بالعکس، فیرجع الغاصب علیه لو رجع المالک علیه إذا تلفت فی ید المستعیر. ولا یجوز له أن یردّ العین إلی الغاصب بعد علمه بالغصبیّة، بل یجب ردّها إلی مالکها. - كتاب الوديعة
- كتاب المضاربة
كتاب المضاربة
وتسمّى قراضا. وهي عقد واقع بين شخصين على أن يكون رأس المال في التجارة من أحدهما والعمل من الآخر، ولو حصل ربح يكون بينهما. ولو جعل تمام الربح للمالك يقال له: البضاعة. وحيث إنّها عقد تحتاج إلى الإيجاب من المالك والقبول من العامل. ويكفي في الإيجاب كلّ لفظ يفيد هذا المعنى بالظهور العرفيّ، كقوله: «ضاربتك» أو «قارضتك» أو «عاملتك على كذا»، وفي القبول «قبلت» وشبهه.
مسألة 1 - يشترط في المتعاقدين البلوغ والعقل والاختيار؛ وفي ربّ المال عدم الحجر لفلس؛ وفي العامل القدرة على التجارة برأس المال، فلو كان عاجزا مطلقا بطلت، ومع العجز في بعضه لاتبعد الصحّة بالنسبة على إشكال. نعم، لو طرأ في أثناء التجارة تبطل من حين طروّه بالنسبة إلى الجميع لو عجز مطلقا، وإلى البعض لو عجز عنه على الأقوى؛ وفي رأس المال أن يكون عينا، فلا تصحّ بالمنفعة ولا بالدين، سواء كان على العامل أو غيره إلّا بعد قبضه؛ وأن يكون درهما ودينارا، فلا تصحّ بالذهب والفضّة غير المسكوكين والسبائك والعروض. نعم، جوازها بمثل الأوراق النقديّة ونحوها من الأثمان غير الذهب والفضّة لايخلو من قوّة، وكذا في الفلوس السود؛ وأن يكون معيّنا، فلا تصحّ بالمبهم، كأن يقول: «قارضتك بأحد هذين أو بأيّهما شئت»؛ وأن يكون معلوما قدرا ووصفا؛ وفي الربح أن يكون معلوما، فلو قال: «إنّ لك مثل ما شرط فلان لعامله» ولم يعلماه بطلت؛ وأن يكون مشاعا مقدّرا بأحد الكسور كالنصف أو الثلث، فلو قال: «على أنّ لك من الربح مائة والباقي لي» أو بالعكس أو «لك نصف الربح وعشرة دراهم مثلا» لم تصحّ؛ وأن يكون بين المالك والعامل لايشاركهما الغير، فلو جعلا جزءا منه لأجنبيّ بطلت إلّا أن يكون له عمل متعلّق بالتجارة.
مسألة ۲ - يشترط أن يكون الاسترباح بالتجارة، فلو دفع إلى الزارع مالا ليصرفه في الزراعة ويكون الحاصل بينهما أو إلى الصانع ليصرفه في حرفته ويكون الفائدة بينهما لم يصحّ ولم يقع مضاربة.
مسألة ۳ - الدراهم المغشوشة إن كانت رائجةً مع كونها كذلك تجوز المضاربة بها، ولا يعتبر الخلوص فيها. نعم، لو كانت قلبا يجب كسرها ولم تجز المعاملة بها لم تصحّ.
مسألة 4 - لو كان له دين على شخص يجوز أن يوكّل أحدا في استيفائه ثمّ إيقاع المضاربة عليه موجبا وقابلا من الطرفين. وكذا لو كان المديون هو العامل يجوز توكيله في تعيين ما في ذمّته في نقدمعيّن للدائن ثمّ إيقاعهاعليه موجباوقابلا.
مسألة 5 - لو دفع إليه عروضا وقال: «بعها ويكون ثمنها مضاربة» لم تصحّ إلّا إذا أوقع عقدها بعد ذلك على ثمنها.
مسألة 6 - لو دفع إليه شبكة على أن يكون ما وقع فيها من السمك بينهما بالتنصيف - مثلا - لم يكن مضاربةً، بل هي معاملة فاسدة، فما وقع فيها من الصيد للصائد بمقدار حصّته الّتي قصدها لنفسه، وما قصده لغيره فمالكيّته له محلّ إشكال، ويحتمل بقاؤه على إباحته، وعليه اُجرة مثل الشبكة.
مسألة 7 - لو دفع إليه مالاً ليشتري نخيلا أو أغناما على أن تكون الثمرة والنتاج بينهما لم يكن مضاربةً، فهي معاملة فاسدة تكون الثمرة والنتاج لربّ المال، وعليه اُجرة مثل عمل العامل.
مسألة 8 - تصحّ المضاربة بالمشاع كالمفروز، فلو كانت دراهم معلومة مشتركة بين اثنين فقال أحدهما للعامل: «قارضتك بحصّتي من هذه الدراهم» صحّ مع العلم بمقدار حصّته، وكذا لو كان عنده ألف دينار - مثلا - وقال: «قارضتك بنصف هذه الدنانير».
مسألة 9 - لافرق بين أن يقول: «خذ هذا المال قراضا ولكلّ منّا نصف الربح» وأن يقول: «... والربح بيننا» أو يقول: «... ولك نصف الربح» أو «... لي نصف الربح» في أنّ الظاهر أنّه جعل لكلّ منهما نصف الربح. وكذلك لافرق بين أن يقول: «خذه قراضا ولك نصف ربحه» أو يقول: «... لك ربح نصفه»، فإنّ مفاد الجميع واحد عرفا.
مسألة 10 - يجوز اتّحاد المالك وتعدّد العامل في مال واحد مع اشتراط تساويهما في ما يستحقّان مع الربح وفضل أحدهما على الآخر وإن تساويا في العمل. ولو قال: «قارضتكما ولكما نصف الربح» كانا فيه سواء. وكذا يجوز تعدّد المالك واتّحاد العامل، بأن كان المال مشتركا بين اثنين فقارضا واحدا بالنصف - مثلا - متساويا بينهما، بأن يكون النصف للعامل والنصف بينهما بالسويّة وبالاختلاف، بأن يكون في حصّة أحدهما بالنصف وفي حصّة الآخر بالثلث مثلا، فإذا كان الربح اثني عشر استحقّ العامل خمسة وأحد الشريكين ثلاثة والآخر أربعة. نعم، إذا لم يكن اختلاف في استحقاق العامل بالنسبة إلى حصّة الشريكين وكان التفاضل في حصّة الشريكين فقط كما إذا اشترط أن يكون للعامل النصف والنصف الآخر بينهما بالتفاضل مع تساويهما في رأس المال بأن يكون للعامل الستّ